الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٦

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 608

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 608 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252061 / تحميل: 6012
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

العصر وقوموا لله قانتين قالت عائشة : سمعتها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر عن أُمّ حميد بنت عبد الرحمان أنّها سألت عائشة عن الصّلاة الوسطى ، فقالت : كنّا نقرؤها في الحرف الأوّل على عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين )(١) .

وروى ابن حجر في (فتح الباري ) :

( روى مسلم وأحمد من طريق أبي يونس عن عائشة أنّها أمرته أن يكتب لها مصحفاً ، فلمّا بلغتُ :

( حافِظُوا عَلَى الصّلَوَاتِ وَالصّلاَةِ الْوُسْطَى)

قال : فأملَتْ عليّ : وصلاة العصر

قالت : سمعتها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وروى مالك عن عمرو بن رافع قال : كتبت مصحفاً لحفصة ، فقالت : إذا أتيت هذه الآية فآذنّي ، فأملَتْ عليّ : حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وصلاة العصر .

أخرجه ابن جرير ـ من وجه آخر حسن ـ عن عمرو بن رافع .

وروى ابن المنذر من طريق عبيد الله بن رافع : أمرتني أُم سلمة أن أكتبَ لها مصحفاً ، نحوه .

ومن طريق نافع : إنّ حفصة أمرت مولىً لها أن يكتب لها مصحفاً ، فذكر مثله وزاد : كما سمعت من رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ يقولها )(٢) .

ـــــــــــــــــ

(١) الدر المنثور ١ : ٧٢١ ـ ٧٢٢ وفيه : في عملنا ونواضحنا ، بدل : في عملنا لو أصبحنا .

(٢) فتح الباري ـ شرح صحيح البخاري ٨ : ١٥٨ ـ ١٥٩ .

١٢١

وفي (الموطّأ ) :

( مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن القعقاع بن حكيم بن أبي يونس مولى عائشة أمّ المؤمنين أنّه قال : أمرتني عائشة أن أكتبَ لها مصحفاً ، ثمّ قالت : إذا بلغتَ هذه الآية فآذنّي :

( حافِظُوا عَلَى الصّلَوَاتِ وَالصّلاَةِ الْوُسْطَى‏ وَقُومُوا للّهِ‏ِ قَانِتِينَ)

فلمّا بلغتها آذنتُها ، فأملت عليّ : حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ، ثمّ قالت : سمعتها من رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ )(١) .

وفيه :

( مالك عن زيد بن أسلم عن عمرو بن نافع أنّه قال : كنتُ أكتبُ مصحفاً لحفصة أُمّ المؤمنين ، فقالت : إذا بلغتَ هذه الآية فآذنّي :

( حافِظُوا عَلَى الصّلَوَاتِ وَالصّلاَةِ الْوُسْطَى‏ وَقُومُوا للّهِ‏ِ قَانِتِين)

فلمّا بلغتها آذنتها ، فأملت عليّ : حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين )(٢) .

آية صلاة الجمعة

وفيه :

( مالك ، إنّه سأل ابن شهاب عن قول الله تبارك وتعالى :( إِذَا نُودِيَ لِلصّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى‏ ذِكْرِ اللّهِ ) (٣)

فقال ابن شهاب : كان عمر بن الخطّاب يقرؤها : إذا نودي للصّلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله )(٤) .

ـــــــــــــــــ

(١) الموطّأ ١ : ١٣٨ ـ ١٣٩ .

(٢) الموطّأ ١ : ١٣٩ .

(٣) سورة الجمعة ٦٢ : ٩ .

(٤) الموطّأ : ١٢٩ .

١٢٢

وقال في (الدر المنثور ) :

( أخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف عن خَرَشَة بن الحُررضي‌الله‌عنه قال : رأى معي عمر بن الخطّابرضي‌الله‌عنه لوحاً مكتوباً فيه :

( إِذَا نُودِيَ لِلصّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى‏ ذِكْرِ اللّهِ ) (١)

فقال : من أملى عليك هذا ؟

قلت : أُبيّ بن كعب

قال : إنّ أُبيّاً أقرؤنا للمنسوخ ، اقرأها : فامضوا إلى ذكر الله .

وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيمرضي‌الله‌عنه قال : قيل لعمررضي‌الله‌عنه : إنّ أُبيّاً يقرأ فاسعوا إلى ذكر الله قال عمررضي‌الله‌عنه : أُبيّ أعلمني بالمنسوخ وكان يقرؤها : فامضوا إلى ذكر الله .

وأخرج الشافعي في الأُمّ وعبد الرزاق والفِريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف والبيهقي في سننه عن ابن عمر قال : ما سمعت عمر يقرأ قطّ إلاّ : فامضوا إلى ذكر الله .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن ابن عمررضي‌الله‌عنه قال : لقد توفي عمررضي‌الله‌عنه وما يقرأ هذه الآية التي في سورة الجمعة إلاّ : فامضوا إلى ذكر الله .

وأخرج عبد الرزاق والفِريابي وأبو عبيد وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري والطبراني من طرقٍ عن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه أنّه كان يقرأ : فامضوا إلى ذكر الله قال : ولو كان

ـــــــــــــــــ

(١) سورة الجمعة ٦٢ : ٩ .

١٢٣

فاسعوا لَسَعَيْتُ حتّى يسقط ردائي )(١) .

آية أُخرى

وفي (صحيح الترمذي ) :

( حدّثنا عبد بن حميد ، نا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمان بن يزيد ، عن عبد الله بن مسعود قال : أقرأني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي أنا الرزّاق ذو القوّة المتين ؛ هذا حديث حسن صحيح )(٢) .

وفي (مسند ) أحمد بن حنبل :

( حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، ثنا يحيى بن آدم ويحيى بن أبي بكر قالا : حدّثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمان بن يزيد ، عن عبد الله بن مسعود قال : أقرأني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي أنا الرزّاق ذو القوّة المتين )(٣) .

آية الطلاق

وفي (الدر المنثور ) :

( أخرج مالك والشافعي وعبد الرزّاق في المصنَّف وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في سننه ، عن ابن عمررضي‌الله‌عنه أنّه : طلّق امرأته وهي حائض ، فذكر ذلك عمررضي‌الله‌عنه لرسول الله ، فتغيّظ فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ قال : ليراجعها ثمّ يمسكها حتّى

ـــــــــــــــــ

(١) الدر المنثور ١ : ١٦١ .

(٢) صحيح الترمذي ٥ : ١٩١/٢٩٤٠ .

(٣) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٦٥١/٣٧٣٣ .

١٢٤

تطهر ثمّ تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلّقها فليطلّقها طاهراً قبل أن يمسكها ، فتلك العدّة التي أمر الله تعالى أن يطلّق بها النساء ، وقرأصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النساء فطلّقوهنّ في قبل عدّتهنّ.

وأخرج عبد الرزّاق في المصنَّف وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن ابن عمررضي‌الله‌عنه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرأ : فطلّقوهنّ في قبل عدّتهنّ .

وأخرج عبد الرزّاق وأبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن مردويه والبيهقي عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه أنّه كان يقرأ : وطلّقوهنّ لقبل عدّتهنّ .

وأخرج ابن الأنباري عن ابن عمررضي‌الله‌عنه أنّه قرأ : فطلّقوهنّ لقبل عدّتهنّ .

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي عن مجاهدرضي‌الله‌عنه أنّه كان يقرأ : فطلّقوهنّ لقبل عدّتهنّ )(١) .

آية التبليغ

وفيه : ( أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : كنّا نقرأ على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أيّها الرّسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك أنّ عليّاً مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من النّاس )(٢) .

وقال محمّد بن معتمد خان البدخشاني :

ـــــــــــــــــ

(١) الدر المنثور ٨ : ١٨٩ ـ ١٩٠ مع اختلاف .

(٢) الدر المنثور ٣ : ١١٧ .

١٢٥

 ( وأخرج ـ أي ابن مردويه ـ عن زرّ عن عبد الله قال : كنّا نقرأ على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أيّها الرّسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك أنّ عليّاً مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من النّاس )(١) .

آية : كفى الله المؤمنين

وفي (الدر المنثور ) :

( أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن مسعود أنّه كان يقرأ هذا الحرف : وكفى الله المؤمنين القتال بعليّ بن أبي طالب )(٢) .

وفي (مفتاح النجا ) :

( وأخرج ـ أي ابن مردويه ـ عن ابن مسعودرضي‌الله‌عنه أنّه كان يقرأ هذا الحرف : وكفى الله المؤمنين القتال بعليّ بن أبي طالب وكان الله قويّاً عزيزاً )(٣) .

وفي (تفسير الثعلبي ) :

( أخبرني أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن عبد الله القايني ، نا أبو الحسين محمّد بن عثمان بن الحسين النصيبي ، نا أبوبكر محمّد بن الحسين بن صالح السبيعي ، نا أحمد بن محمّد بن سعيد ، نا أحمد بن ميثم بن أبي نعيم ، نا أبو جنادة السلولي ، عن الأعمش ، عن أبي وائل قال : قرأت في مصحف عبد الله ابن مسعود : إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران وآل محمّد

ـــــــــــــــــ

(١) مفتاح النجا في مناقب آل العبا ـ مخطوط .

(٢) الدر المنثور ٦ : ٥٩٠ .

(٣) مفتاح النجا في مناقب آل العبا ـ مخطوط .

١٢٦

على العالمين )(١) .

عثمان : إنّ في القرآن لحناً !

وقال ابن قتيبة :

( إنّ عثمان قال في قوله تعالى :( إِنْ هذَانِ لَسَاحِرَانِ ) إنّ في القرآن لحناً فقال رجل : صحّح ذلك الغلط

فقال : دعوه فإنّه لا يُحلّل حراماً ولا يُحرِّم حلالاً )(٢) .

وفي بعض الروايات :

( قال عثمان : إنّ في المصحف لحناً وسيقيمه العرب بألسنتهم ، فقيل له : ألا تغيّره ؟

فقال : دعوه ، فلا يحلّل حراماً ولا يحرّم حلالاً ) فقد جاء في (معالم التنزيل ) للبغوي بتفسير الآية :

( لكِنِ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصّلاَةَ ) ما نصّه :

( واختلفوا في وجه انتصابه فحكي عن عائشة وأبان بن عثمان أنّه غلط من الكاتب ينبغي أن يصلح ويكتب : والمقيمون الصلاة، وكذلك قوله في سورة المائدة :( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَادُوا وَالصّابِئُونَ )

وقوله :( إِنْ هذَانِ لَسَاحِرَانِ )

قالوا : ذلك خطأ من الكُتّاب ، وقال عثمانرضي‌الله‌عنه : إنّ في المصحف لحناً وسيقيمه العرب بألسنتها ، فقيل له : ألا تُغيّره ؟

فقال : دعوه فإنّه لا يحلّ حراماً ولا يحرّم حلالاً )(٣) .

وقد ذكر ابن تيمية في (منهاجه ) تفسير البغوي ، فقال بالنسبة إلى

ــــــــــــــ

(١) تفسير الثعلبي ٣ : ٥٣ .

(٢) تأويل مشكل القرآن : ٥٠ ـ ٥١ .

(٣) تفسير البغوي معالم التنزيل ٢ : ١٨٧ ـ ١٨٨ .

١٢٧

الأحاديث المروية فيه :

( وأمّا الأحاديث ، فلم يذكر في تفسيره شيئاً من الموضوعات التي رواها الثعلبي ، بل يذكر منها الصحيح ولم يذكر الأحاديث التي يظهر لعلماء الحديث أنّها موضوعة كما يفعله غيره من المفسّرين كالواحدي )(١) .

وفي (الدر المنثور ) :

( أخرج ابن أبي داود ، عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر القرشي قال : لمّا فرغ من المصحف أُتي به عثمان فنظر فيه فقال : قد أحسنتم وأجملتم ، أرى شيئاً من لحن ستقيمه العرب بألسنتها قال ابن أبي داود : وهذا عندي يعني بلغتها فينا ، وإلاّ فلو كان فيه لحن لا يجوز في كلام العرب جميعاً ؛ لما استجاز أن يبعث إلى قوم يقرؤونه .

وأخرج ابن أبي داود عن عكرمة قال : لمّا أُتي عثمان بالمصحف رأى فيه شيئاً من لحن ، فقال : لو كان المملي من هُذيل والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا .

وأخرج ابن أبي داود عن قتادة : إنّ عثمان لمّا رفع إليه المصحف فقال : إنّ فيه لحناً وستقيمه العرب بألسنتها .

وأخرج ابن أبي داود عن يحيى بن يَعمر قال : قال عثمان : إنّ في القرآن لحناً وستقيمه العرب بألسنتها )(٢) .

وفي (الإتقان ) :

( حدّثنا حجّاج ، عن هارون بن موسى ، أخبرني الزبير بن الخِرّيت ، عن

ـــــــــــــــــ

(١) منهاج السنّة ٤ : ٣٩ .

(٢) الدر المنثور ٢ : ٧٤٥ .

١٢٨

عكرمة قال : لمّا كُتبت المصاحف عُرضَت على عثمان ، فوجد فيها حروفاً من اللحن ، فقال : لا تغيّروها فإنّ العرب ستغيّرها ـ أو قال : ستعربها ـ بألسنتها ، لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم يوجد فيه هذه الحروف أخرجه من هذه الطريق ابن الأنباري في كتاب الردّ على من خالف مصحف عثمان ، وابن أشتة في كتاب المصاحف.

ثمّ أخرج ابن الأنباري نحوه من طريق عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر وابن أشتة نحوه من طريق يحيى بن يعمر )(١) .

وفي (تفسير ) أبي الليث :

( قال ـ أي أبو عبيد ـ : وروي عن عثمانرضي‌الله‌عنه أنّه عُرِض عليه المصحف فوجد فيه حروفاً من اللحن ، فقال : لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم يوجد فيه هذه الحروف )(٢) .

وقال ابن روزبهان بجواب العلاّمة الحلّي :

( وأمّا عدم تصحيح لفظ القرآن ؛ لأنّه كان يجب عليه متابعة صورة الخط ، وهكذا كان مكتوباً في المصاحف ، ولم يكن التغيير له جائزاً فتركه ؛ لأنّه لغة بعض العرب ) .

ولنعم ما أفاده العلاّمة التستري في جوابه حيث قال :

( وأمّا ما ذكره في إصلاح إطلاق عثمان اللّحن على القرآن فلا يصدر إلاّ عن محجوج مبهوت ، فإنّ المصنّف اعترض على عثمان بأنّه أطلق على القرآن اشتماله على اللحن المذموم المخلّ بالفصاحة ، وهذا النّاصب يغمض العين

ـــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٠ .

(٢) تفسير أبي الليث السمرقندي ١ : ٤٠٤ و ٤٥٠ و ٢ : ٣٤٧ ـ ٣٤٨ .

١٢٩

عن جواب هذا الذي هو محطّ الطعن ، ويتعرّض بوجه ترك عثمان لتغييره وإصلاحه بقوله : دعوه .

وما أشبه جوابه هذا بما أجاب به أهل خراسان عمداً عن سؤال أهل ماوراء النهر ، بأنّ النبّال إذا أراد استعلام استقامة النبل واعوجاجه لِمَ يغمض أحد عينيه ؟

وبأنّ الطير المسمّى باللقلق إذا قام لِمَ يرفع إحدى رجليه ؟

فأجاب أهل خراسان بأنّ النبّال إنّما يغمض إحدى عينيه ؛ لأنّه لو أغمض العين الأُخرى لا يرى شيئاً ، والطّير المذكور إنّما يرفع إحدى رجليه ؛ لأنّه لو رفع الرجل الآخر لسقط على الأرض ، فليضحك أولياؤه كثيراً .

ومن العجب : أنّ عثمان صرّح بأنّ تلك العبارة من القرآن لا تقبل الإصلاح ، وأنّه لا حاجة إلى إصلاحه ، لعدم تحليله حراماً وتحريمه حلالاً ، وهذا الناصب المرواني ـ الذي غلب عليه هوى عثمان ـ لمّا علم أنّ ما قاله عثمان طعن لا مدفع له ، عَدَل عن دفعه عنه وقال : تركه لأنّه كان لغة بعض العرب ، فإنّ كونه لغة بعض العرب هو الوجه الذي ذكره العلماء لدفع وهم عثمان لا لدفع الطعن عنه ، وأنّى يندفع الطعن عنه بذلك ، ولو كان عثمان عالماً بموافقة ذلك للغة بعض العرب ، كيف صحّ له ـ مع كثرة حياءه عند القوم ـ أن لا يستحيي من الله ويطلق على بعض كلماته التامّات أنّه لحن وخطأ في القول ؟

مع ظهور أنّ بعض ألفاظ القرآن واردٌ على لغة قريش ، وبعضها على لغة بني تميم ، وبعضها على لغة غيرهم ) .

نقد القول بوقوع اللحن في القرآن

هذا ، وقد قال صاحب (الكشّاف ) : ( لا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه

١٣٠

لحناً في [ خطّ ] المصحف )(١) .

ونصّ النيسابوري صاحب (التفسير ) على ركاكة القول المذكور حيث قال : ( ولا يخفى ركاكة هذا القول ؛ لأنّ هذا المصحف منقول بالنّقل المتواتر )(٢) .

وهكذا الفخر الرازي فإنّه بعد حكاية القول بذلك عن عثمان وعائشة قال : ( واعلم أنّ هذا بعيد )(٣) .

ولا استبعاد في استبعاده ، بل في كفر قائله بإجماع أهل العلم على ما في (الشفاء ) للقاضي عياض(٤) .

والسيوطي تحيَّر بعد نقل تلك الآثار في حلّها ، فإنّه قال :

( وهذه الآثار مشكلة جدّاً ، وكيف يظنّ بالصّحابة :

أوّلاً : إنّهم يلحنون في الكلام فضلاً عن القرآن وهم الفصحاء اللّد ، ثمّ كيف يظنّ بهم.

ثانياً : في القرآن الذي تلقّوه من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما أُنزل وحفظوه وضبطوه وأتقنوه ، ثمّ كيف يظنّ بهم .

ثالثاً : اجتماعهم كلّهم على الخطأ وكتابته ، ثمّ كيف يظنّ بهم .

رابعاً : عدم تنبّههم ورجوعهم عنه

ثمّ كيف يظنّ بعثمان إنّه ينهى عن تغييره ؟

ثمّ كيف يظنّ أنّ القرآن استمرّ على مقتضى ذلك الخطأ ، وهو مرويّ بالتّواتر خلفاً عن سلف ، هذا ممّا يستحيل شرعاً وعقلاً وعادةً )(٥) .

ثمّ إنّ السيوطي حاول الإجابة عن الإشكالات فقال :

( وقد أجاب العلماء عن ذلك بثلاثة أوجه :

ـــــــــــــــــ

(١) الكشّاف في تفسير القرآن ١ : ٥٨٢ .

(٢) تفسير النيسابوري غرائب القرآن ٦ : ٥٢٩ .

(٣) تفسير الفخر الرازي ١١ : ١٠٦ .

(٤) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ٢ : ٦٤٦ ـ ٦٤٧ .

(٥) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢١ .

١٣١

أحدها : أنّ ذلك لا يصحّ عن عثمان ، فإنّ إسناده ضعيف مضطرب منقطع ، ولأنّ عثمان جعل للنّاس إماماً يقتدون به ، فكيف يرى فيه لحناً ، ويتركه ليقيمه العرب بألسنتها ؟

فإذا كان الذين تولّوا جمعه وكتابته لم يقيموا ذلك وهم الخيار، فكيف يقيمه غيرهم ؟

وأيضاً ، فإنّه لم يكتب مصحفاً واحداً ، بل كتب عدّة مصاحف ، فإن قيل : إنّ اللحن وقع في جميعها ، فبعيد اتّفاقها على ذلك أو في بعضها فهو اعتراف بصحّة البعض ، ولم يذكر أحد من النّاس أنّ اللّحن كان في مصحفٍ دون مصحف ، ولم تأت المصاحف قطّ مختلفة إلاّ فيما هو من وجوه القراءة وليس ذلك بلحن .

الوجه الثاني : على تقدير صحّة الرواية ، إنّ ذلك مأوّل على الرّمز والإشارة ومواضع الحذف نحو الكتب والصابرين وما أشبه ذلك .

الثّالث : إنّه مأوّل على أشياء خالف لفظها رسمها كما كتبوا (لأوضعوا ) و (لأذبحنّه ) بألف بعد لا (لا اوضعوا ) و (لا اذبحنّه ) و (جزاؤ الظالمين ) بواو وألف ، و (بأيد ) بيائين ، فلو قرئ ذلك بظاهر الخط لكان لحناً

وبهذا الجواب وما قبله جزم ابن أشتة في كتاب المصاحف )(١) .

هذا ، ولا يجدي شيء من هذه الوجوه نفعاً ، فالروايات تلقّاها العلماء بالقبول ونسبوها إلى قائليها عن جزم ، كما في (معالم التنزيل ) : ( قال عثمان : إنّ في المصحف لحناً وستقيمه العرب بألسنتها )(٢) .

وأمّا الجواب بالحمل على التأويل ، فواضح ما فيه ، وقد ذكره السيوطي فقال :

ـــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢١ ـ ٣٢٢ وفيه اختلاف .

(٢) تفسير البغوي معالم التنزيل ٢ : ١٨٨ .

١٣٢

 ( ومن زعم أنّ عثمان أراد بقوله : أرى فيه لحناً : أرى في خطّه لحناً إذا أقمناه بألسنتنا كان لحن الخط غير مفسد ولا محرّف من جهة تحريف الألفاظ وإفساد الإعراب ، فقد أبطل ولم يصب ؛ لأنّ الخط منبئ عن النطق ؛ فمن لحن في كتبه فهو لاحن في نطقه ، ولم يكن عثمان ليؤخّر فساداً في هجاء ألفاظ القرآن من جهة كتب ولا نطق ، ومعلوم أنّه كان مواصلاً لدرس القرآن ، متقناً لألفاظه ، موافقاً على ما رُسم في المصاحف المنفذة إلى الأمصار والنواحي )(١) .

وقال :

( أخرج ـ أي ابن أشتة ـ عن إبراهيم النخعي أنّه قال : آية و (إنّ هذين ساحران ) سواء ، لعلّهم كتبوا الألف مكان الياء ، والواو في قوله : (والصابئون ) و (الرّاسخون ) مكان الياء

قال ابن أشتة : يعني إنّه من إبدال حرف في الكتابة بحرف ، مثل الصّلاة والزّكاة والحياة .

وأقول :

هذا الجواب إنّما يحسن لو كانت القراءة بالياء فيها والكتابة بخلافها ، وأمّا والقراءة على مقتضى الرسم فلا )(٢) .

ثمّ ذكر السيوطي جواباً آخر جعله أقوى ما يجاب به ، قال :

( ثمّ قال ابن أشتة : أنبأنا محمّد بن يعقوب ، حدّثنا أبو داود سليمان بن الأشعث ، ثنا حميد بن مسعدة ، ثنا إسماعيل أخبرني الحارث بن عبد الرحمن ، عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر قال : لمّا فرغ من هذا المصحف أُتي به عثمان فنظر فيه ، فقال : أحسنتم وأجملتم ، أرى شيئاً سنقيمه بألسنتنا .

فهذا الأثر لا إشكال فيه وبه يتّضح معنى ما تقدّم ، فكأنّه عرض عليه

ـــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٢ .

(٢) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٤ ـ ٣٢٥ .

١٣٣

عقب الفراغ من كتابته ، فرأى فيه شيئاً كتب على غير لسان قريش ، كما وقع لهم في التابوت والتابوة ، فوعد بأنّه سيقيمه على لسان قريش ، ثمّ وفى بذلك عند العرض والتقويم ولم يترك شيئاً .

ولعلّ من روى الآثار السابقة عنه حرّفها ولم يتقن اللّفظ الذي صدر من عثمان ، فلزم منه ما لزم من الإشكال ، فهذا أقوى ما يجاب به عن ذلك ، ولله الحمد )(١) .

وأمّا أبو القاسم الراغب الأصفهاني ، فلم يرتض شيئاً من هذه الوجوه ، فقال:

( كأن القوم الذين كتبوا المصحف لم يكونوا قد حذقوا الكتابة ، فلذلك وضعت أحرف على غير ما يجب أن تكون عليه

وقيل : لمّا كتبت المصاحف وعرضت على عثمان فوجد فيها حروفاً من اللّحن في الكتابة قال : لا تغيّروها ، فإنّ العرب ستغيّرها ـ أو ستعربها ـ بألسنتها ولو كان الكاتب من ثقيف والممل من هذيل لم يوجد فيه هذه الحروف )(٢) .

عائشة : أخطأوا في الكتب !

وقال السيوطي في (الإتقان ) :

( قال أبو عبيد في فضائل القرآن : ثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن جدّه قال : سألت عائشة عن لحن القرآن عن قوله :( إِنْ هذَانِ لَسَاحِرَانِ ) وعن قوله :( وَالْمُقِيمِينَ الصّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزّكَاةَ ) وعن قوله :( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَادُوا وَالصّابِئُونَ وَالنّصَارَى ) قالت : يا ابن أخي هذا عمل

ـــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٣ ـ ٣٢٤ .

(٢) محاضرات الأُدباء ٢ : ٤٣٤ .

١٣٤

الكتّاب أخطأوا في الكتاب هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين )(١) .

وقال في (الدر المنثور ) :

( أخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي داود وابن المنذر عن عروة قال : سألت عائشة عن لحن القرآن :( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَادُوا وَالصّابِئُونَ ) ( وَالْمُقِيمِينَ الصّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزّكَاةَ ) و ( إِنْ هذَانِ لَسَاحِرَانِ ) فقالت : يا ابن اُختي ! هذا عمل الكتّاب أخطأوا في الكتاب )(٢) .

وقال أبو عمرو الداني في (المقنع ) :

( نا الخاقاني قال : نا أحمد بن محمّد قال : نا علي بن عبد العزيز قال : نا أبو عبيد قال : نا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه قال : سألت عائشة ( رضي الله عنها ) عن لحن القرآن عن قول الله عزّ وجلّ :( إِنْ هذَانِ لَسَاحِرَانِ ) وعن قوله :

( وَالْمُقِيمِينَ الصّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزّكَاةَ)

وعن قوله تعالى :( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَادُوا وَالصّابِئُونَ )

فقالت : يا ابن اُختي ! هذا عمل الكتّاب أخطأوا في الكتاب )(٣) .

والحقُّ : أن الحديث الصحيح المتقدّم ونحوه لا يمكن الجواب عنه بما ذكروه ، وهذا ما اعترف به الحافظ السيوطي بالتالي ؛ حيث قال بعد ذكر الأجوبة التي تقدّمت وما استحسنه من جوابه :

( وبعد ؛ فهذه الأجوبة لا يصح شيء منها عن حديث عائشة ؛ أمّا الجواب

ــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٠ .

(٢) الدر المنثور ٢ : ٧٤٤ ـ ٧٤٥ .

(٣) المقنع لأبي عمرو الداني : ١١٩ .

١٣٥

بالتضعيف ؛ فلأنّ إسناده صحيح كما ترى ، وأمّا الجواب بالرمز وما بعده ؛ فلأنّ سؤال عروة عن الأحرف المذكورة لا يطابقه )(١) .

ولقد أنصفالقاضي ثناء الله الهندي ـ وهو أكبر تلامذة شاه ولي الله ـ إذ خطّأ عائشة وجعل قولها خرقاً للإجماع ، حيث قال في (تفسيره ) في تفسير قوله تعالى :( إِنْ هذَانِ لَسَاحِرَانِ ) :

( واختلفوا في توجيهه ، فروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنّه خطأ من الكاتب وهذا القول خطأ خارق للإجماع ) .

وكذا ابن السمين في تفسيره (الدر المصون ) حيث قال :

( ذهب جماعة ـ منهم عائشة ( رضي الله عنها ) وأبو عمرو ـ إلى أنّ هذا ممّا لحن فيه الكاتب وأُقيم بالصواب ، يعنون أنّه كان من حقّه أن يكتب بالياء ، فلم يفعل ولم يقرأه النّاس إلاّ بالياء على الصواب )(٢) .

وقال السيوطي في (الإتقان ) :

( تذنيب : يقرب ممّا تقدّم عن عائشة ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده وابن أشتة في المصاحف ، من طريق إسماعيل المكّي عن أبي خلف مولى بني جمح : أنّه دخل مع عبيد بن عمير على عائشة ، فقال : جئت أسألك عن آية من كتاب الله كيف كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرؤها

قالت : أيّة آيةٍ ؟

قال : الذين يؤتون ما آتوا أو الذين يأتون ما آتوا

فقالت : أيّهما أحبّ إليك ؟

قلت : والذي نفسي بيده لإحداهما أحبّ إليّ من الدنيا جميعاً

قالت : أيّهما ؟

قلت : الذين يأتون ما آتوا

فقالت : أشهد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٤ .

(٢) الدر المصون تفسير ابن السمين ٥ : ٣٤ ـ ٣٥ .

١٣٦

كذلك كان يقرؤها وكذلك أُنزلت ولكن الهجاء حُرّف )(١) .

وقال في (الدر المنثور ) :

( أخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه ، وابن المنذر وابن أبي شيبة وابن الأنباري معاً في المصاحف ، والدّار قطني في الإفراد ، والحاكم وصحّحه وابن مردويه عن عبيد بن عميررضي‌الله‌عنه : أنّه سأل عائشة ( رضي الله عنها ) : كيف كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ هذه الآية : والذين يؤتون ما آتوا والذين يأتون ما آتوا ، فقالت : أيّتهما أحبّ إليك ؟

قلت : والذي نفسي بيده لإحداهما أحبّ إليّ من الدنيا جميعاً

قالت : أيّهما ؟

قلت : الذين يأتون ما آتوا

فقالت : أشهد أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك كان يقرؤها ، وكذلك أُنزلت ولكن الهجاء حرّف )(٢) .

ابن عبّاس : أخطأ الكاتب

وقال في (الإتقان ) عاطفاً على ما تقدم :

( وما أخرجه ابن جرير وسعيد بن منصور في سننه من طريق سعيد بن جُبير عن ابن عبّاس في قوله :

( حَتّى‏ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلّمُوا)

قال : إنّما هي خطأ من الكاتب : حتّى تستأذنوا وتسلّموا ؛ أخرجه ابن أبي حاتم بلفظٍ هو فيما أحسب ممّا أخطأ به الكتّاب )(٣) .

وأخرج الحاكم :

(عن مجاهد عن ابن عبّاس في قوله : ( لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّى‏ تَسْتَأْنِسُوا)

ـــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٧ .

(٢) الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٦ : ١٠٦ وفيه : ابن اشته بدل ابن أبي شيبة .

(٣) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٧ .

١٣٧

قال : أخطأ الكاتب ، تستأذنوا )

ثمّ قال : ( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين )(١) .

وفي (الدر المنثور ) :

( أخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف ، وابن مندة في غرائب شعبة والحاكم وصحّحه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان ، والضياء في المختارة من طرق عن ابن عبّاس ( رضي الله عنهما ) في قوله تعالى :( حَتّى‏ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلّمُوا عَلَى‏ أَهْلِهَا )

قال : أخطأ الكاتب ، إنّما هي : حتّى تستأذنوا )(٢) .

والعجب : أن الحكيم الترمذي يجعل هذا الحديث وأمثاله ـ ممّا أخرجه كبار الأئمّة كما عرفت وصحّحوه ـ من مكائد الزنادقة ، وفي ذلك فضيحة لثقات المحدثين ، بل لأعلام الصحابة وغيرهم من أركان الدين إنّه يقول :

( والعجب من هؤلاء الرواة ، أحدهم يروي عن ابن عبّاس أنّه قال في قوله :( حَتّى‏ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلّمُوا ) هو خطأ من الكاتب ، إنّما هو : تستأذنوا وتسلّموا ، وما أرى مثل هذه الروايات إلاّ من كيد الزنادقة في هذه الأحاديث ، إنّما يريدون أن يكيدوا الإسلام بمثل هذه الروايات ، فيا سبحان الله ، كان كتاب الله بين ظهرانيّ أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مَضِيعةٍ حتّى كتب الكتّاب فيها ما شاؤوا وزادوا ونقصوا !!

وروي عنه أيضاً أنّه قال : خطأ من الكتّاب قوله :( أَفَلَمْ يَيَأْسِ الّذِينَ آمَنوا أَن لَوْ يَشَاءُ اللّهُ لَهَدَي النّاسَ جَمِيعاً )

ـــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٢ : ٣٩٦ .

(٢) الدر المنثور : ٦ : ١٧١ .

١٣٨

إنّما هو : أفلم يتبيّن ، فهذه اللُّغات إنّما يتغيّر معانيها بزيادة حرفٍ ونقصان حرف ، أفيحسب ذو عقلٍ أنّ أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهملوا أمر دينهم ، حتّى فوّضوا عهد ربّهم إلى كاتبٍ يخطئ فيه ، ثمّ يقرّه أبوبكر وعمر وأُبيّ بن كعب ( رضي الله عنهم أجمعين ) ، حيث جمعوه في خلافة أبي بكر ثمّ من بعده مرّةً أُخرى في زمن عثمان ـ رضي الله عنه ـ ) .

وقد أشار الحكيم إلى ما رواه السيوطي في (الإتقان ) إذ قال :

( وما أخرجه ابن الأنباري من طريق عكرمة عن ابن عبّاس أنّه قرأ : أفلم يتبيّن الذين آمنوا أن لو يشاء اله لهدى الناس جميعاً ، فقيل له : إنّها في المصحف : أفلم ييأس الذين آمنوا ، قال : أظنّ الكاتب كتبها وهو ناعس )(١) .

وهو في (الدر المنثور ) :

( أخرج ابن جرير وابن الأنباري في المصاحف عن ابن عبّاس ( رضي الله عنهما ) أنّه قرأ : أفلم يتبيّن الذين آمنوا ، فقيل له : إنّها في المصحف : أفلم ييأس الذين آمنوا ، فقال : أظنّ الكاتب كتبها وهو ناعس )(٢) .

ونصّ الحافظ ابن حجر على صحّته في (فتح الباري ) :

( روى الطبري وعبد بن حميد بإسنادٍ صحيح ، كلّهم من رجال البخاري ، عن ابن عبّاس أنّه كان يقرؤها : أفلم يتبيّن ، ويقول : كتبها الكاتب وهو ناعس )(٣) .

ـــــــــــــــــ

(١) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٣٢٧ .

(٢) الدر المنثور ٤ : ٦٥٣ .

(٣) فتح الباري في شرح البخاري ٨ : ٣٠٠ .

١٣٩

ثمّ تعرّض ابن حجر لإنكار من أنكر هذه الأحاديث وردّ عليهم بشدّة فقال :

( وأمّا ما أسنده الطبري عن ابن عبّاس ، فقد اشتدّ إنكار جماعة ممّن لا علم له بالرجال صحّته ، وبالغ الزمخشري في ذلك كعادته ـ إلى أن قال ـ وهي والله فِرية بلا مرية ، وتبعه جماعة بعده والله المستعان

وقد جاء عن ابن عبّاس نحو ذلك في قوله تعالى :( وَقَضَى‏ رَبّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ ) أخرجه سعيد بن منصور بإسنادٍ جيّدٍ عنه

وهذه الأشياء وإن كان غيرها المعتمد ، لكنّ تكذيب المنقول بعد صحّته ليس من دأب أهل التحصيل ، فلينظر في تأويله بما يليق [ به ] )(١) .

وقد روى السيوطي ما ذكره ابن حجر :

( أخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف ، من طريق سعيد بن جُبير عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه في قوله :( وَقَضَى‏ رَبّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ ) قال : التزقت الواو بالصاد وأنتم تقرؤونها : وقضى ربّك .

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحّاك عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه مثله .

وأخرج أبو عبيد وابن منيع وابن المنذر وابن مردويه من طريق ميمون ابن مهران عن ابن عبّاس قال : أنزل الله هذا الحرف على لسان نبيّكم : ووصّى ربّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه ، فلصقت إحدى الواوين بالصاد فقرأ النّاس : وقضى

ـــــــــــــــــ

(١) فتح الباري في شرح البخاري ٨ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ مع بعض الاختلاف .

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

ومن أجل أن نفهم الآية فهما دقيقا ينبغي أن تتضح لنا كلمة «يثنون» بجلاء فهي من مادة «ثني» وهي في الأصل تعني ضم أقسام الشيء بعضها إلى بعض ، فمثلا في طي قطعة القماش والثوب يقال «ثنى ثوبه» وإنّما يقال للشخصين على سبيل المثال : اثنان ، فلأجل أن انضمّ واحد إلى جانب الآخر ، ويقال للمادحين «مثنون» كذلك ، لأنّهم يعدون الصفات البارزة واحدة بعد الأخرى.

وتعني الانحناء أيضا ، لأنّ الإنسان بعمله هذا وهو الانحناء يقرّب أجزاء من جسمه بعضها إلى بعض.

وتأتي هذه المادة بمعنى أن تجد العداوة والبغضاء والحقد طريقها إلى القلب أيضا لأنّ الإنسان بهذا العمل يقرب عداء الشخص ـ أو أيّ شيء آخر ـ إلى القلب ، ومثل هذا التعبير موجود في الأدب العربي إذ يقال : «اثنونى صدره على البغضاء»(١) .

ومع الأخذ بنظر الإعتبار بما ورد آنفا من معان لمادة «ثني» فلا يبعد أن تكون كلمة «يثنون» مشيرة إلى كل عمل خفي ـ ظاهري وباطنيّ ـ قام به أعداء النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمن جهة يضمرون العداوة والبغضاء في القلوب ويبدون المحبّة في لسان ذلق جميل! ومن جهة أخرى يقربون رؤوسهم بعضها إلى بعض عند التحدث ، ويثنون الصدور ويستغشون الثياب ، لئلا تنكشف مؤامراتهم وأقوالهم السيئة ويطّلع أحد على نياتهم.

لذلك فإنّ القرآن يعقّب مباشرة : أن أحذروهم ، فإنّهم حين يستخفون تحت ثيابهم فإنّ الله يعلم ما يخفون وما يعلنون( أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ) .

* * *

__________________

(١) يراجع «تاج العروس» و «مجمع البيان» و «المنار» و «مفردات الراغب» في هذا الشأن.

٤٦١

الآية

( وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦) )

التّفسير

جميع الاحياء ضيوف مأدبته :

الآية السابقة أشارت إلى سعة علم الله وإحاطته بالسر وما يخفون وما يعلنون ، والآية محل البحث تعدّ دليلا على تلك الآية المتقدمة ، فإنّها تتحدث عن الرازق لجميع الموجودات ولا يمكن يتمّ ذلك إلّا بالإحاطة الكاملة بجميع العالم وما فيه

تقول الآية( وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها ) ويعلم تقلّبها وتنقلها من مكان لآخر ، وحيثما كانت فإنّ الرزق يصل إليها منه.

وهذه الحقائق مع جميع حدودها ثابتة في كتاب مبين ولوح محفوظ في علم الله( كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ ) .

* * *

٤٦٢

ملاحظات

١ ـ بالرغم من أنّ كلمة «دابّة» مشتقة من مادة «دبيب» التي تعني السير ببطء وبخطى قصيرة ، ولكنّها من الناحية اللغوية تشمل كل حيوان يتحرك في سيرة ببطء أو بسرعة ، فنرى كلمة الدابة تطلق على الفرس وعلى كل حيوان يركب عليه ، وواضح أنّ الكلمة في هذه الآية ـ محل البحث ـ تشمل جميع الحيوانات الموجودة على سطح الأرض بما فيها الحيوانات التي تدبّ في سيرها

٢ ـ «الرزق» : هو العطاء المستمر ، ومن هنا كان عطاء الله المستمر للموجودات رزقا. وينبغي الالتفات إلى أن مفهوم الرزق غير منحصر في الحاجات المادية ، بل يشمل كل عطاء ماديّ أو معنوي. ولذلك نقول مثلا : «اللهم ارزقني علما كاملا» أو نقول : «اللهم ارزقني الشهادة في سبيلك».

والظاهر أنّ المراد من الرزق في هذه الآية الرزق المادي ، ولكن إرادة المفهوم العام الذي يندرج تحته الرزق المعنوي غير بعيد

٣ ـ «المستقر» ـ في الأصل ـ تعني المقّر ، لأن جذر هذه الكلمة في اللغة مأخوذ من «قرّ» على وزن «حرّ» وتعني كلمة القرّ البرد الشديد الذي يجعل الإنسان والموجودات الأخرى يركنون إلى بيوتهم ، ومن هنا جاءت بمعنى التوقف والسكون أيضا.

و «المستودع» و «الوديعة» من مادة واحدة ، وهاتان الكلمتان في الأصل تعنيان «اطلاق الشيء وتركه» ولذلك تطلق عليه الأمور غير الثابتة التي ترجع إلى حالتها الطبيعية، فيطلق على كل أمر غير ثابت «مستودع» وبسبب رجوع الشيء إلى صاحبه الأصلي وتركه محله الذي هو فيه يسمى ذلك الشيء «وديعة» أيضا.

فالآية أنفة الذكر تقول : لا ينبغي التصور أن الله سبحانه يرزق الدواب التي تستقر في أماكنها فحسب ، بل هي حيث ما كانت وفي أي ظرف من الظروف تكون فإنّه تعالى يوصل إليها أرزاقها ، لأنّه يعلم أماكن استقرارها ، وكذلك يعلم جميع

٤٦٣

المناطق التي تنتقل إليها وترحل عنها من حيوانات بحرية مهولة الحجم ، الى أصغر الكائنات المجهرية ، فإنّه تعالى يرزق كلا منها بحسب حاجته وحاله.

وهذا الرزق ملحوظ بحيث يناسب حال الموجودات من حيث الكمية والكيفية ، وهو مطابق تماما لمقدار الحاجة والرغبة ، حتى غذاء الجنين الذي في رحم أمّه يتفاوت كل شهر عن الشهر السابق في النوعية والكمية ، بل كل يوم عن اليوم السابق بالرغم ممّا يبدو من أن الدم نوع واحد لا أكثر. وكذلك الطفل في مرحلة الرضاعة حيث يبدو أن غذاءه من نوع واحد ، لكن تركيب هذا الغذاء أو اللبن يختلف من يوم لآخر.

٤ ـ «الكتاب المبين» معناه المكتوب الواضح البيّن ، ويشير إلى علم الله الواسع ، وقد يعبر عنه أحيانا باللوح المحفوظ أيضا.

ويحتمل أن يكون هذا التعبير اشارة إلى أنّه لا ينبغي لأحد أن يهتم لرزقه أقلّ اهتمام ، أو يحتمل سقطوا اسمه وسهمه من القلم ، لأنّ أسماء الجميع مثبتة في( كِتابٍ مُبِينٍ ) كتاب أحصى الجميع بجلاء ووضوح!

تقسيم الأرزاق والسعي من أجل الحياة!

هناك أبحاث مهمّة في مسألة «الرزق» ، ونأخذ بنظر الإعتبار ـ هنا ـ قسما منها:

١ ـ «الرزق» ـ كما قلنا آنفا ـ يعني في اللغة العطاء المستمر والدائم ، وهو أعم من أن يكون رزقا ماديّا أو معنويا فعلى هذا كل ما يكون فيه نصيب للعباد من قبل الله وينتفعون منه ـ من مواد غذائية ومسكن وملبس أو علم وعقل وفهم وإيمان وإخلاص ـ يسمى رزقا ، ومن ظنّ أن مفهوم الرزق خاص بالجوانب المادّية لم يلتفت إلى موارد استعماله في القرآن الكريم بدقة فالقرآن يتحدث عن الشهداء في سبيل الله بأنّهم( أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١) .

__________________

(١) سورة آل عمران ، ١٦٩.

٤٦٤

وواضح أن رزق الشهداء ـ في عالم البرزخ ـ ليس نعمّا مادية ، بل هو عبارة عن المواهب المعنوية التي يصعب علينا تصوّرها في هذه الحياة المادية.

٢ ـ مسأله تأمين الحاجات بالنسبة للموجودات الحية ـ وبتعبير آخر تأمين رزقها ـ من المسائل المثيرة التي تنكشف أسرارها بمرور الزمان وتقدّم العلم وتظهر كل يوم ميادين جديدة تدعو للتعجب والدهشة.

كان العلماء في الماضي يتساءلون فيما لو كان في أعماق البحار موجودات حيّة ، فمن أين يتم تأمين غذائها؟! إذ أنّ أصل الغذاء يعود إلى النباتات والحشائش ، وهي تحتاج إلى نور الشمس ، ولكن على عمق ٧٠٠ متر فصاعدا لا وجود لنور الشمس أبدا ، بل ليل أبدي مظلم يلقي ظلاله ويبسط أسداله هناك.

ولكن اتّضح بتقدم العلم أن نور الشمس يغذّي النباتات المجهرية في سطح الماء وبين الأمواج ، وحين تبلغ مرحلة النضج تهبط إلى أعماق البحر كالفاكهة الناضجة ، وتنظم إلى الأرزاق الإلهية للأحياء في تلك الاعماق ، مائدة نعمة الله للموجودات الحية تحت الماء!

ومن جهة أخرى فهناك طيور كثيرة تتغذى من أسماك البحر ، منها طيور تطير في الليل وتهبط الى البحر كالغواص الماهر وعن طريق أمواج رادارية خاصّة تخرج من آنافها تعرف صيدها وتصطاده بمنقارها.

ورزق بعض أنواع الطيور يكون مدّخرا بين ثنايا أسنان حيوانات بحرية كبيرة هذا النوع من الحيوانات بعد أن يتغذى من حيوانات البحر ، تحتاج أسنانه إلى «منظف طبيعي» فيأتي إلى ساحل البحر ويفتح فمه الواسع فتدخل هذه الطيور التي أدّخر رزقها في فم هذا الحيوان الضخم ـ دون وحشة ولا اضطراب ـ وتبحث عن رزقها بين ثنايا أسنان هذا الحيوان الكبير ، فتملأ بطونها من جهة ، وتريح الحيوان الذي تزدحم بين أسنانه «هذه الفضلات» من جهة أخرى وحين تخرج الطيور وتطير في الفضاء يطبق هذا الحيوان البحري فمه بكل هدوء ويعود إلى

٤٦٥

أعماق البحر.

طريقة إيصال الرزق من الله تعالى إلى الموجودات المختلفة مذهلة ومحيرة حقّا. من الجنين الذي يعيش في بطن أمّه ولا يعلم أحد أسراره شيئا ، إلى الحشرات المختلفة التي تعيش في طيّات الأرض ، وفي الأشجار وعلى قمم الجبال أو في أعماق البحر ، وفي الأصداف جميع هذه الموجودات يتكفل الله برزقها ولا تخفي على علمه ، وكما يقول القرآن( ... عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها ) .

الطريف في الآيات آنفة الذكر أنّها تعّبر عن الموجودات التي تطلب الرزق بـ «الدّابّة» وفيها إشارة لطيفة إلى العلاقة بين موضوع «الطاقة» و «الحركة». ونعلم أنّه حيثما تكن حركة فلا بدّ لها من طاقة ، أي ما يكون منشأ للحركة ، والقرآن الكريم يبيّن ـ في الآيات محل البحث ـ أنّ الله يرزق جميع الموجودات المتحركة ، وإذا ما توسعنا في معنى الحركة فإنّ النباتات تندرج في هذا الأمر أيضا ، لأنّ للنباتات حركة دقيقة وظريفة في نموها ، ولهذا عدّوا في الفلسفة الاسلامية موضوع «النمو» واحدا من أقسام الحركة

٣ ـ هل أنّ رزق كلّ أحد مقدر ومعين من أوّل عمره إلى آخره ، وهل أنّه يصل إليه شاء أم أبى؟! أم أنّ عليه يسعى في طلبه؟

يظنّ بعض الأفراد السذّج استنادا إلى الآية آنفة الذكر ، وإلى بعض الرّوايات التي تذكر أنّ الرزق مقدر ومعين ، أنّه لا داعي للسعي من أجل الرزق والمعاش ، فإنّه لا بدّ من وصول الرزق ، ويقول بكل بساطة : إنّ من خلق الأشداق قدّر لها الأرزاق.

إنّ سلوك مثل هؤلاء الأفراد الذين لا حظّ لهم من المعرفة الدينية يعطي ذريعة الى الأعداء حيث يدّعون أن الدين أحد عوامل الركود الاقتصادي وتقبل الحرمان وإماتة النشاطات الإيجابيّة في الحياة ، فيقول مثلا : إذا لم تكن الموهبة

٤٦٦

الفلانية من نصيبي فإنّها لم تكن من رزقي قطعا فلو كانت من نصيبي لوصلتني حتما من دون تكلف عناء الكسب. وبهذا يستغل المستعمرون هذه الفرصة ليحرموا الكثير من الخلق التمتع بأسباب الحياة في حين أن أقل معرفة بالقرآن والأحاديث الإسلامية تكفي في بيان أنّ الإسلام يعدّ أساس أي استفادة مادية ومعنوية للإنسان هو السعي والجد والمثابرة ، حتى أنّنا نجد في القرآن جملة بمثابة الشعار لهذا الموضوع ، وهي الآية الكريمة( لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى ) .

وكان أئمّة المسلمين ـ ومن أجل أن يسنّوا للآخرين نهجا يسيرون عليه ـ يعملون في كثير من المواقع أعمالا صعبة ومجهدة.

والأنبياء السابقون ـ أيضا ـ لم يستثنوا من هذا القانون ، فكانوا يعملون على الاكتساب ، من رعي الأغنام إلى الخياطة إلى نسج الدروع إلى الزراعة. فإذا كان مفهوم الرزق من الله أن نجلس في البيت وننتظر الرزق ، فما كان ينبغي للأنبياء والأئمّة ـ الذين هم أعرف بالمفاهيم الدينية ـ أن يسعوا هذا السعي إلى الرزق!

وعلى هذا نقول : إنّ رزق كل أحد مقدّر وثابت ، إلّا أنّه مشروط بالسعي والجد ، وإذا لم يتوفر الشرط لم يحصل المشروط. وهذا كما نقول : إن لكلّ فرد أجلا ومدة من العمر. ولكن من المسلم والطبيعيّ أن مفهوم هذا الكلام لا يعني أنّ الإنسان حتى لو أقدم على الانتحار أو أضرب عن الطعام فإنّه سيبقى حيّا إلى أجل معيّن!! إنّما مفهوم هذا الكلام أن للبدن استعدادا للبقاء إلى مدّة معينة ولكن بشرط أن يراعي الظروف الصحيّة وأن يبتعد عن الأخطار ، وأن يجنّب نفسه عمّا يكون سببا في تعجيل الموت.

المسألة المهمّة في هذا المجال أنّ الآيات والرّوايات المتعلقة بتقدير الرزق ـ في الواقع ـ بمثابة الكابح للاشخاص الحريصين وعبّاد الدنيا الذين يلجون كل باب ، ويرتكبون أنواع الظلم والجنايات ، ويتصورون أنّهم إذا لم يفعلوا ذلك لم يؤمنوا حياتهم!

٤٦٧

إنّ آيات القرآن والأحاديث الإسلامية تحذر هذا النمط من الناس ألّا يمدّوا أيديهم وأرجلهم عبثا ، وألّا يطلبوا الرزق من طرق غير مشروعة ولا معقولة ، بل يكفي أن يسعوا لتحصيل الرزق عن طريق مشروع ، والله سبحانه يضمن لهم الرزق فالله الذي لم ينسهم في ظلمة الرحم.

الله الذي تكفّل رزقهم أيّام الطفولة حيث هيأ لهم أثداء الأمّهات الله الذي جعل الأب يسعى من الصباح إلى الليل ليهيّئ لهم الغذاء بكل عطف وشفقة ـ بعد أن أنهوا مرحلة الرضاعة ـ وهو مسرور بالتعب من أجلهم أجل ، هذا الرّب الرحيم كيف يمكن أن ينسى الإنسان إذا ما كبر ووجد القدرة على العمل والكسب.

ترى هل يجيز الإيمان والعقل أن يلجأ الإنسان إلى الظلم والإثم والتجاوز على حقوق الآخرين ويحرص على غصب حقوق المستضعفين بمجرّد أنّه يظن عدم توفر رزقه؟

وبالطبع لا يمكن أن ننكر أن بعض الأرزاق تصل إلى الإنسان سعى لها أم لم يسع. فهل يمكن أن ننكر أن نور الشمس يضيء في بيتنا من دون سعينا ، وأن المطر والهواء يصلان إلينا دون سعي منّا؟

وهل يمكن أن ننكر أنّ العقل والفكر والاستعداد المذخور فينا من أوّل يوم وجودنا لم يكن بسعينا؟!

ولكن هذه المواهب التي تنقلها إلينا الريح ـ كما يقال ـ أو بتعبير أصحّ هذه المواهب التي وصلتنا بلطف الله ومن دون سعينا ، إذا لم نحافظ عليها بالجد والسعي بطريقة صحيحة فستضيع من أيدينا ، أو أنّها ستبقى بلا أثر!

هناك كلام معروف منقول عن الإمام عليعليه‌السلام في شأن الرزق فيقول «واعلم يا بني أن الرزق رزقان ، رزق تطلبه ورزق يطلبك»(١) وفي هذا الكلام إشارة إلى هذه

__________________

(١) نهج البلاغة ، من وصية الإمام عليعليه‌السلام لولده الحسنعليه‌السلام .

٤٦٨

الحقيقة.

كما لا ينكر أن بعض موارد الرزق لا يأتي تبعا لشيء ظاهر وملموس ، بل يصلنا على أثر سلسلة من الاتفاقات والمصادفات ، هذه الحوادث وإن كانت في نظرنا مصادفات ، إلّا أنّها في الواقع وفي نظام الخلق قائمة على حساب دقيق. ولا شك أن حساب هذا النوع من الرزق منفصل عن الأرزاق التي تأتي تبعا للجد والسعي ، والكلام آنف الذكر يمكن أن يشير إلى هذا المطلب أيضا.

ولكن على كل حال ـ فإن النقطة الأساسية هنا أنّ جميع التعاليم الإسلامية تأمرنا أن نسعى أكثر فأكثر لتأمين نواحي الحياة المادية والمعنوية ، وأن الفرار من العمل ـ بزعم أن الرزق مقسوم وأنّه آت لا محالة ـ غير صحيح!

٤ ـ في الآيات المتقدمة ـ التي هي محل البحث ـ إشارة إلى «الرزق» فحسب ، وبعدها ببضعة آيات يأتي التعبير عن التائبين والمؤمنين ويشار فيها إلى «المتاع الحسن».

وبالموازنة والمقارنة بين هذين الأمرين يدلنا هذا الموضوع على أن الرزق معدّ لكل دابة من إنس وحشرات وحيوانات مفترسة إلخ. وللمحسنين والمسيئين جميعا! إلّا أن «المتاع الحسن» والمواهب الجديرة والثمينة خاصّة بالمؤمنين الذين يطهرون أنفسهم من كل ذنب وتلوّث بماء التوبة ، ويتمتعون بنعم الله في مسير طاعته ، لا في طريق الهوى والهوس!

* * *

٤٦٩

الآية

( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) )

التّفسير

الهدف من الخلق :

في هذه الآية بحثت ثلاث نقاط أساسية :

المطلب الأوّل : يبحث عن خلق عالم الوجود ـ وخصوصا بداية الخلق ـ الذي يدل على قدرة الله وعظمته سبحانه( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) .

ولا حاجة لبيان أنّ المقصود من كلمة «اليوم» في هذه الآية ليس هو اليوم العادي الذي هو مجموع أربع وعشرين ساعة ، لأنّ الأرض والسماء لم تكونا موجودتين حينئذ فلا الكرة الأرضية كانت موجودة ، ولا حركتها حول نفسها التي تنتج أربعا وعشرين ساعة بل المقصود منه ـ كما بينا سابقا ـ هو الزمان ،

٤٧٠

سواء كان قصيرا أو مديدا جدا بحيث يبلغ مليارات السنوات مثلا ، وقد نبهنا على هذا المعنى ـ في ذيل الآية (٥٤) من سورة الأعراف ـ بشرح واف في هذا المجال ، فلا حاجة للتكرار والإعادة.

وذكرنا هناك أن خلق العالم كان في ستة أزمنة متوالية ومتتابعة ، مع أنّ الله قادر على أن يخلق العالم كلّه في لحظة واحدة ، وذلك لأنّ الخلق التدريجي يعطي صورة جديدة ولونا جديدا وشكلا بديعا وتتبيّن قدرة الله وعظمته أكثر وأحسن.

فهو يريد أن يبيّن قدرته في آلاف الصور لا بصورة واحدة ، وحكمته في آلاف الثياب لا بثوب واحد ، لتتيسر معرفته وكذلك معرفة حكمته وقدرته للناس ، ولنجد الدلائل ـ من خلال عدد الأيّام والسنوات والقرون والأعصار التي مرّت على العالم ـ على معرفة الله! ثمّ يضيف سبحانه أن عرشه كان على الماء( وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ) .

ومن أجل أن نفهم تفسير هذه الجملة ينبغي أن نفهم المراد من كلمتي «العرش» و «الماء».

«فالعرش» في الأصل يعني السقف أو ما يكون له سقف ، كما يطلق على الأسرّة العالية كأسرّة الملوك والسلاطين الماضين ، ويطلق أيضا على خشب بعض الأشجار ، وغير ذلك.

ولكن هذه الكلمة استعملت بمعنى القدرة أيضا ويقال «استوى فلان على عرشه» كناية عن بلوغه القدرة كما يقال «ثلّ عرش فلان» كناية عن ذهاب قدرته(١) .

كما ينبغي الالتفات إلى هذه الدقيقة ، وهي أن العرش يطلق أحيانا على عالم الوجود، لأنّ عرش قدرة الله يستوعب جميع هذا العالم.

وأمّا «الماء» فمعناه معروف ، وهو السائل المستعمل للشرب والتطهير ، إلّا أنّه قد يطلق على كل سائل مائع كالفلزّات المائعة وما أشبه ذلك ، وبضميمة ما قلناه في

__________________

(١) قد يطلق «العرش» ويراد به «الكرسي» وله مفهوم آخر وقد بيّناه في ذيل الآية (٢٢٥) من سورة البقرة.

٤٧١

تفسير هاتين الكلمتين يستفاد أنّه في بداية الخلق كان الكون بصورة مواد ذائبة «مع غازات مضغوطة للغاية ، بحيث كانت على صورة مواد ذائبة أو مائعة».

وبعدئذ حدثت اهتزازات شديدة وانفجارات عظيمة في هذه المواد المتراكمة الذائبة ، وأخذت تتقاذف أجزاء من سطحها إلى الخارج ، وأخذ هذا الوجود المترابط بالانفصال. ثمّ تشكلت بعد ذلك الكواكب السيّارة والمنظومات الشمسية والأجرام السماوية.

فعلى هذا نقول : إنّ عالم الوجود ومرتكزات قدرة الله كانت مستقرة بادئ الأمر على المواد المتراكمة الذائبة ، وهذا الأمر هو نفسه الذي أشير إليه في الآية (٣٠) من سورة الأنبياء.

( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) .

وفي الخطبة الأولى من نهج البلاغة إشارات واضحة إلى هذا المعنى والمطلب الثّاني : الذي تشير إليه الآية ـ آنفة الذكر ـ هو الهدف من خلق الكون ، والقسم الأساس من ذلك الهدف يعود للإنسان نفسه الذي يمثل ذروة الخلائق هذا الإنسان الذي كتب عليه أن يسير في طريق التعليم والتربية ويشقّ طريق التكامل نحو الله تعالى يقول الله سبحانه :( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) أي ليختبركم ويمتحنكم أيّكم الأفضل والأحسن عملا بهذه الدار الدنيا.

«ليبلوكم» كلمة مشتقّة من مادة «البلاء» و «الابتلاء» ومعناها ـ كما أشرنا إليه آنفا ـ الاختبار والامتحان والامتحانات الإلهية ليست من قبيل معرفة النفس وكشف الحالة التي عليها الإنسان في محتواه الداخلي وفي فكره وروحه ، بل بمعنى التربية (تقدم شرح هذا الموضوع في ذيل الآية ١٥٥ من سورة البقرة) والطريف في هذه الآية أنّها تجعل

٤٧٢

قيمة كل إنسان بحسن عمله لا بكثرة عمله ، وهذا يعني أن الإسلام يستند دائما إلى الكيفية في العمل لا إلى الكثرة والكمية فيه.

وفي هذا المجال ينقل عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال «ليس يعني أكثركم عملا ولكن أصوبكم عملا ، وإنّما الإصابة خشية الله والنيّة الصادقة. ثمّ قال : الإبقاء على العمل حتى يخلص أشدّ من العمل ، والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلّا اللهعزوجل »(١) .

والمطلب الثّالث : الذي تشير إليه الآية آنفة الذكر ـ هو مسألة المعاد الذي لا ينفصل ولا يتجزأ عن مسألة خلق العالم ، وفيها بيان الهدف من الخلق وهو تكامل الإنسان وتكامل الإنسان يعني التهّيؤ إلى الحياة في عالم أوسع وأكمل ، ولذلك يقول سبحانه :( وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ) .

وكلمة «هذا» التي وردت ـ في الآية آنفة الذكر ـ على لسان الكفار ، إشارة إلى كلام النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شأن المعاد أي إنّ ما تدّعيه أيّها النّبي في شأن المعاد سحر مكشوف وواضح ، فعلى هذا تكون كلمة السحر هنا بمعنى الكلام العاري عن الحقيقة ، والقول الذي لا أساس له ، وبتعبير بسيط : الخدعة والسخرية!! لأنّ السحرة يظهرون للناظرين بأعمالهم أمورا لا واقع لها ، ولهذا قد تطلق كلمة السحر على كل أمر عار عن الحقيقة

أمّا من يرى بأنّ «هذا» إشارة إلى القرآن المجيد ، لأنّ القرآن أخّاذ وفيه جاذبية السحر فإنّه يجانب الصواب ، لأنّ الآية تتكلم عن المعاد ولا تتكلم عن القرآن ، وإن كنّا لا ننكر أنّ القرآن فيه جاذبية وأنّه أخّاذ للغاية.

* * *

__________________

(١) تفسير البرهان ، الجزء الثّاني ، ص ٢٠٧.

٤٧٣

الآيات

( وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١) )

التّفسير

استيعاب المؤمنين وعدم استيعاب غيرهم :

في هذه الآيات ـ وبمناسبة البحث السابق عن غير المؤمنين ـ بيان لزوايا الحالات النفسية ونقاط الضعف في أخلاق هؤلاء الأفراد والتي تجبر الإنسان إلى هاوية الظلام والفساد.

وأوّل صفة تذكر لهؤلاء هي السخرية من الحقائق وعدم الاكتراث بها

٤٧٤

وبالمسائل المصيرية ، فهؤلاء بسبب جهلهم وعدم معرفتهم وغرورهم ـ حين يسمعون تهديد الأنبياء في مؤاخذة المسيئين ومعاقبتهم ، ثمّ تمرّ عليهم عدّة أيّام يؤخر الله تعالى بلطفه فيها العذاب عنهم ، نراهم يقولون باستهزاء مبطن : ما السبب في تأخرّ العذاب الالهي ، وأين عقاب الله :( وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ ) .

و «الأمّة» مشتقّة من مادة «أمّ» وهي بمعنى الوالدة ، ومعناها في الأصل انضمام الأشياء بعضها إلى بعض ، ولذلك يقال لكل مجموعة على هدف معين ، أو زمان أو مكان واحد «أمة».

وقد جاءت هذه الكلمة بمعنى الوقت والزمان أيضا ، لأنّ أجزاء الزمان مرتبطة بعضها ببعض ، أو لأنّ المجموعة أو الجماعة تعيش في عصر وزمان معين ، فنحن نقرأ في سورة يوسفعليه‌السلام الآية (٤٥) مثلا( وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ )

ففي الآية ـ محل البحث ـ كلمة «الأمّة» جاءت بهذا المعنى ، ولذلك وصفت بكلمة «معدودة» فمعنى الآية هو : إذا أخرنا عن هؤلاء العذاب والمجازاة لمدّة قصيرة قالوا : أي شيء يمنعه؟!

وعلى كل حال ، فهذه عادة الجاهلين والمغترين ، فكلّما وجدوا شيئا لا ينسجم مع ميولهم وطباعهم عدّوه سخرية ، لذلك يتخذون التهديدات والنذر التي توقظ أصحاب الحق وتهزهم يتخذونها هزوا ويسخرون منها شأنهم شأن من يلعب بالنّار.

لكن القرآن يحذرهم وينذرهم بصراحة في ردّه على كلامهم ، ويبين لهم أن لا دافع لعذاب الله إذا جاءهم( أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ ) وأن الذين يسخرون منه واقع بهم ومدمّرهم( وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ) .

أجل ، ستصعد صرخاتهم إلى السماء في ذلك الحين ، ويندمون على كلماتهم المخجلة، لكن لا صرخاتهم تغنيهم وتنقذهم ، ولا هذا الندم ينفعهم ، ولات حين

٤٧٥

مندم.

ومن نقاط الضعف عند هؤلاء قلّة الصبر بوجه المشاكل والصعاب وانحسار البركات الإلهية. حيث نجد في الآية التالية قوله تعالى عنهم :( وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ ) .

وبالرغم من أنّ هذا التعبير يتناول الإنسان بشكل عام ، لكن ـ كما أشرنا إليه سابقا ـ المراد من الإنسان في مثل هذه الآيات هو الافراد الذين لم يتلقوا تربية سليمة والمنحرفون عن جادة الحق ، لذلك يتطابق هذا البحث مع البحث السابق عن الأفراد غير المؤمنين.

ونقطة الضعف الثّالثة عند هؤلاء أنّهم حين يتنعمون بنعمة ويشعرون بالترف والرفاه يبلغ بهم الفرح والتكبر والغرور درجة ينسون معها كل شيء ، ولذلك يشير القرآن الكريم إلى هذه الظاهرة بقوله تعالى :( وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ) .

وهناك احتمال آخر في تفسير هذه الجملة( لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي ) وهو أن مثل هؤلاء الأشخاص حين يصابون بالشدائد ثمّ يبدل الله بلطفه هذه الشدائد نعمّا من عنده يقول هؤلاء : إنّ الشدائد السابقة كانت كفارة عن ذنوبنا وقد غسلت جميع معاصينا ، لذلك أصبحنا من المقربين إلى الله ، فلا حاجة للتوبة والعودة إلى ساحة الله وحضرته.

ثمّ يستثني الله سبحانه المؤمنين الذين يواجهون الشدائد والمصاعب بصبر ، ولا يتركون الأعمال الصالحة على كل حال ، فهؤلاء بعيدون عن الغرور والتكبر وضيق الأفق ، حيث يقول سبحانه :( إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) .

هؤلاء لا يغترّون عند وفور النعمة فينسون الله ، ولا ييأسون عند الشدائد والمصائب فيكفرون بالله ، بل إن أرواحهم الكبيرة وافكارهم السليمة جعلتهم يهضمون النعم والبلايا في أنفسهم دون الغفلة عن ذكر الله وأداء مسئولياتهم

٤٧٦

ولذلك فإنّ لهؤلاء ثوابا ومغفرة من الله( أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) .

* * *

بحوث

١ ـ الأمّة المعدودة وأصحاب المهديعليه‌السلام :

في روايات عديدة وصلتنا عن أهل البيتعليهم‌السلام أنّ الأمّة المعدودة تعني النفر القليل ، وفيها إشارة إلى أصحاب المهديعليه‌السلام وأنصاره ، وعلى هذا يكون معنى الآية : إذا ما أخرنا العذاب عن الظالمين والمسيئين إلى ظهور المهدي وأصحابه ، فإنّ أولئك الظالمين يقولون : أي شيء يقف أمام عذاب الله فيحبسه عنّا!

ولكن كما قلنا أن ظاهر الآية من الأمّة المعدودة هو الزمان المعدود والمعين ، وقد وردت رواية عن الإمام عليعليه‌السلام في تفسير الأمّة المعدودة تشير إلى ما بيّناه ، وهو الزمان المعين ، فيمكن أن تكون الرّوايات الآنفة تشير إلى المعنى الثّاني من الآية ، وهو ما اصطلح عليه بـ «بطن الآية» وطبيعي أنّه بمثابة البيان عن القانون الكلي في شأن الظالمين ، لا أنّه موضوع خاص بالمشركين الذين عاصروا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونحن نعلم أنّ آيات القرآن تحمل معاني كثيرة مختلفة ، فالمعنى الأوّل والظاهر يمكن أن يكون في مسألة خاصّة أو جماعة معينة ، والمعنى الآخر يكون عاما مجرّدا عن الزمان وغير مخصوص بفئة معينة.

٢ ـ أربع ظواهر لضيق الأفق الفكري

رسمت الآيات المتقدمة ثلاث حالات مختلفة من حالات المشركين والمسيئين ، وقد ورد في ضمنها أربعة أوصاف لهم :

الأوّل : إنّ المشرك يؤوس عند قطع النعمة عنه ، أي لا يبقى له أمل أبدا.

والآخر : إنّه كفور ، أي غير شاكر أبدا.

٤٧٧

والثّالث : إنّه إذا غرق بالنعمة أو نال أقلّ نعمة ، فهو ـ على العكس من الحالة السابقة ـ ينسى نفسه وينسى كل شيء ويغفل بما ناله من اللّذة والنشاط ، فيغدو ثملا مغرورا وينجر إلى الفساد والتجاوز على حدود الله.

والوصف الرّابع : إنّ حاله عند وفور النعمة حالة الفخر ، أي يبلغ درجة كبيرة من التكبر.

وعلى كل حال ، هذه الأوصاف الأربعة هي ظواهر من ضيق الأفق وقلّة الإستيعاب والرؤية وهي لا تختص بجماعة معينة من غير المؤمنين وملوّثي الفكر ، بل هي سلسلة من الأوصاف العامّة لجميع هؤلاء

أمّا المؤمنون الذين يمتعون بروح كبيرة وفكر عال وصدر رحب ورؤية بعيدة المدى ، فلا يهزّهم تبدل الدنيا والزمان ، ولا ييأسوا لسلب النعمة عنهم ، ولا يغرّهم إقبال النعمة فيكونوا من الغافلين ، لذا ينبغي الدقة والملاحظة في آخر الآية التي تستثني المؤمنين ، إذ ورد التعبير فيها عن الإيمان بالصبر والاستقامة( إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا ) .

٣ ـ معيار الضعف النفسي

والمسألة الدقيقة الأخرى التي ينبغي الالتفات إليها ، هي أنّه في الموردين (مورد سلب النعمة بعد إسباغها ومورد إسباغ النعمة بعد سلبها) أشير بكلمة «أذقنا» المشتقّة من «الإذاقة» ويراد بها أن نفوس هؤلاء المشركين ضعيفة إلى درجة أنّهم لو أعطوا نعمة قليلة ثمّ سلبت منهم يضجرون وييأسون ، كما أنّهم إذا ذاقوا نعمة بعد شدة يفرحون ويغترّون بها.

٤ ـ النعم جميعها مواهب :

الطريف أنّه في الآية الأولى عبّر عن النعمة بالرحمة( وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا

٤٧٨

رَحْمَةً ) وفي الآية الثّانية ورد كلمة «النعمة» نفسها ، ويمكن أن تكون إشارة إلى أنّ نعم الله جميعها تصل إلى الإنسان عن طريق التفضل والرحمة لا عن طريق الاستحقاق ، وإذا كان الأصل أن تكون النعمة على حسب الاستحقاق ، فإنّ جماعة قليلة ستنالها ، أو أن أية جماعة لن تنالها أبدا.

٥ ـ أثران للأعمال الحسنة

في آخر آية ـ من الآيات محل البحث ـ وعد بالمغفرة ـ للأفراد المؤمنين الذين يتمتعون بالاستقامة ـ ووعد بالأجر الكبير أيضا جزاء لأعمالهم الصالحة ، فهي إشارة إلى أنّ الأعمال الصالحة لها أثران :

الأوّل : غسل الذنوب.

والثّاني : كسب الثواب العظيم والأجر الكبير.

* * *

٤٧٩

الآيات

( فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤) )

سبب النّزول

وردت في شأن نزول الآيات المتقدمة روايتان ، ويحتمل أن تكون كليهما صحيحتين جميعا.

الأولى : إنّ جماعة من رؤوساء مكّة جاؤوا إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقالوا : إذا كنت صادقا في دعواك بأنّك نبي فصير جبال مكّة ذهبا أو ائتنا بملائكة من السماء تصدّق نبوتك ، فنزلت هذه الآيات.

والثّانية : إنّه روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليعليه‌السلام :«يا علي إنّي سألت ربّي يوالي بيني وبينك ففعل ، وسألت ربّي أن يؤاخي بيني وبينك ففعل،

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608