الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٦

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 608

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 608 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 251754 / تحميل: 5994
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

مساعدة اضافية من بيت المال قال له الامام علي (عليه السلام) « اتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه، وتجرني الى نارٍ سجرها جبّارها لغضبه »(١) .

وقال امير المؤمنين علي (عليه السلام) في خطبة اخرى: « واتقوا ناراً حرها شديد وقعرها بعيد وحليتها حديد، وشرابها صديد »(٢) .

صاحب سلمان:

« مر سلمان يوماً على سوق الحدادين في الكوفة فرأى شاباً قد صعق، والناس قد اجتمعوا حوله، فقالوا له: يا أبا عبدالله هذا الشباب قد صرع، فلو قرأت في اذنه، قال: فدنا منه سلمان فلما رآه الشاب أفاق وقال: يا ابا عبدالله ليس بي ما يقول هؤلاء القوم، ولكني مررت بهؤلاء الحدادين وهم يضربون المرزبات فذكرت قوله تعالى: (ولهم مقامع من حديدٍ) فذهب عقلي خوفاً من عقاب الله تعالى، فاتخذه سلمان أخاً، ودخل قلبه حلاوة محبته في الله تعالى فلم يزل معه حتى مرض الشاب فجاءه، سلمان فجلس عند رأسه وهو يجود بنفسه فقال: (يا ملك الموت ارفق بأخي)، قال: يا ابا عبدالله اني بكل مؤمن رفيق »(٣) .

____________________

(١) نهج البلاغة خطبة ٢٢٤.

(٢) نهج البلاغة خطبة ١٢٠.

(٣) بحار الانوار ج ٢٢ ص ٣٨٥.

٢٢١

٥ - عرض الاعمال:

إنّ احدى المعتقدات الاسلامية التي لها الاثر البالغ في منع الذنب هي مسألة « عرض الأعمال على الصالحين (عليهم السلام) » ومعناه ان الله سبحانه وتعالى - من طرق خاصة - يعرض الاعمال في كل يوم او في كل اسبوع مرة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة الطاهرين (عليهم السلام) فاذا كانت حسنة تفرحهم واذا كانت سيئة يحزنون لشيعتهم. فعندما يعرف الانسان وقوع هذا الامر يحتاط ويراقب نفسه اكثر حتى يترك الذنب ليسعد الرسول والائمة (عليهم السلام). مثلهم كمثل الذين يعملون في مؤسسة ما، فلو علموا ان اعمالهم تعرض كل يومٍ او كل اسبوع مرة على المسؤولين الكبار فانهم يزيدون من سعيهم لارضاء المسؤولين باعمالهم الحسنة. (وفي الآية ١٠٥) من سورة التوبة نقرأ قوله تعالى:

(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشّهادة فينبئكم بما كنتم تعملون).

وحول مسألة عرض الاعمال فقد وردت روايات كثيرة عن الائمة (عليهم السلام) في كتاب اصول الكافي وتذكر في باب (عرض الاعمال على النبي والائمة (عليهم السلام)) ويحتوي على ستة احاديث:

وقد جاء في بعض الروايات: ان الاعمال الصالحة والسيئة للانسان تعرض على الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كل صباح وفي بعضها

٢٢٢

تعرض كل عصر يوم خميس. وتذكر بعض الروايات ان الاعمال تعرض على الائمة الاطهار (عليهم السلام) وفي بعضها تعرض على امير المؤمنين علي (عليه السلام)(١) .

٦ - ذكر الموت:

ان ذكر الموت يكسر غرور الانسان وبالتالي يهيىء الارضية لترك الذنب، وهو عامل مهم للامتناع عن ارتكاب الذنب والسيطرة عليه، وحول هذا الموضوع قال الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

« أكثروا ذكر الموت فأنّه يمحّص الذنوب »(٢) .

قال امير المؤمنين علي (عليه السلام):

« الموت الزم لكم من ظلكم »(٣) .

٧ - الخوف من الله ومن عاقبة الذنب:

إنّ احد العوامل التي تمكّن الانسان من السيطرة على اقتراف الذنب هو الخوف من الله سبحانه ومن عاقبة الذنب.

قال الامام الصادق (عليه السلام):

____________________

(١) اصول الكافي المجلد الاول ص ٢١٩، وفي كتاب وسائل الشيعة المجلد ١١ ص ١٠١ و كذلك ذكر باب فيه ٢٥ حديثاً، وكتاب ميزان الحكمة ج ٧ ص ٣٢ - ٣٥.

(٢) نهج الفصاحة الحديث ٤٤٤ - ميزان الحكمة ج ٩ ص ٢٤٦.

(٣) فهرس الغرر (الموت).

٢٢٣

« من علم أن الله يراه ويسمع ما يقول ويعلم ما يعمله من خير أو شر فيحجزه ذلك عن القبيح من الاعمال فذلك الذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى »(١) .

وقال الامام الصادق (عليه السلام) أيضاً:

« يا اسحق خف الله فانك تراه وان كنت لا تراه يراك »(٢) .

وقال الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

« يا أبا ذر إياك إياك أن تدركك الصرعة عند العثرة، فلا تقال العثرة ولا تمكّن من الرجعة، ولا يحمدك من خلّفت بما تركت، ولا يعذرك من تقدم عليه بما اشتغلت به »(٣) .

وقال امير المؤمنين علي (عليه السلام):

« لا تخف الاّ ذنبك »(٤) .

وقال الامام الصادق (عليه السلام):

« العجب ممن يخاف العقاب ولم يكف »(٥) .

ويعني انّ الابتعاد عن الذنب دليل الخوف من عذاب

____________________

(١) اصول الكافي ج ٢ ص ٧٠.

(٢) اصول الكافي ج ٢ ص ٦٧ - ٦٨.

(٣) بحار الانوار ج ٧٧ ص ٧٥ يعني واظب على نفسك أن لا يدركك الموت حين غفلتك واشتغالك بالدنيا فلا تتمكن من الاقالة والرجعة ووارثك لا يحمدك بما تركت له. ولا يقبل الله العذر منك باشتغالك بامور الدنيا.

(٤) غرر الحكم - ميزان الحكمة ج ٣ ص ١٨٢.

(٥) بحار الانوار ج ٧٧ ص ٢٣٧.

٢٢٤

الله سبحانه.

٨ - تأثير العبادة في الامتناع عن ارتكاب الذنب:

انّ العبادات في الاسلام اذا اقيمت بشرائطها وصحتها فاضافة الى فوائدها المعنوية لها دور فعال في السيطرة على الذنب. والهدف الاصلي من العبادات بعد معرفة الله سبحانه وتعالى هو تطهير النفس والحصانة من الذنب مع الانتباه الى ان النية في قصد القربة الى الله سبحانه دليل على صحة العبادة. وللعبادة نور يبعث الاخلاص والصفاء في روح الانسان. والاستمرار بها يقوي ارتباط الانسان بالله سبحانه وتعالى.

جاء في الآية ١٨٣ من سورة البقرة قوله تعالى:

(يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون).

وجاء في (الآية ٤٥ من سورة العنكبوت) قوله تعالى:

(أتل ما أوحي اليك من الكتاب وأقم الصلاة إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر أكبر والله يعلم ما تصنعون).

وجاء في الروايات حول هذا الموضوع بشكل واضح وصريح ما يلي:

١ - قال الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

« مثل الصلاة كمثل النهر الجاري، كلّما صلى صلاة كفرت ما

٢٢٥

بينهما »(١) .

٢ - وقال الامام الصادق (عليه السلام):

« من أحبّ أنّ يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل فلينظر: هل منعت صلاته عن الفحشاء والمنكر؟ فبقدر ما منعته قبلت منه »(٢) .

٣ - وقال امير المؤمنين علي (عليه السلام)

« والصلاة تنزيها عن الكبر... والنهي عن المنكر ردعاً للسّفهاء »(٣) .

عند القيام بالعبادات مثل: الصلاة، والصوم، والحج و... نرى ان هناك اموراً تبطل هذه العبادات فيجب مراعاتها والانتباه الى مبطلاتها لتكون مقبولة وعلى الوجه الصحيح. فهذه المراعات هي نوع من انواع الترويض لتقوية الارادة لتربية النفس للوقوف امام الذنوب، لان ترك الذنب يحتاج الى مقدار من الارادة واستقامة الانسان، والمسألة الاخرى هي موضوع علاج الذنب لتطهير الانسان منه. فيجب الانتباه اليه بعمق ودقة، وقد ذكر علماء الاخلاق الطرق الواضحة في معالجة الذنوب حيث بينوا لنا ان لكل ذنب علاجاً خاصاً ودواء شافياً للصدور، حيث جاءت في الروايات جملة من هذه الأدوية لعلاج الذنوب(٤) . فعلى سبيل المثال نذكر نماذج منها:

____________________

(١) وسائل الشيعة ج ٣ ص ٧.

(٢) مجمع البيان ذيل آية ٤٥ عنكبوت.

(٣) نهج البلاغة حكمة ٢٥٢.

(٤) في كتاب معراج السعادة للمحقق النراقي طرق معالجة بعض الذنوب.

٢٢٦

١ - قال عمار بن ياسر(١) سمعت امير المؤمنين علي (عليه السلام) يقول:

« ولا وجع أوجع للقلوب من الذنوب »(٢) .

٢ - وقال الامام الباقر (عليه السلام):

« لكل داءٍ دواء، ودواء الذنوب الاستغفار »(٣) .

٣ - وقال امير المؤمنين علي (عليه السلام):

« داووا بالتقوى الاسقام »(٤) .

طريقة العلاج:

ولاجل توضيح الطرق لعلاج الذنوب نذكر نموذجاً واحداً:

مثلاً: اذا ابتلي لسان الانسان بمرض الغيبة فعلاجه على نحوين:

« على الجملة والآخر على التفصيل، أما على الجملة فهو أن يعلم تعرضه لسخط الله بغيبته بالأخبار والروايات، وأما على التفصيل فهو أن ينظر الى السبب الباعث على الغيبة فان علاج العلة بقطع سببها ومن اسبابها (الغضب، الخيانة، تزكية النفس، الحسد، التكبر)

____________________

(١) مستدرك الوسائل ٢ ص ٣٥٦.

(٢) اصول الكافي ج ٢ ص ٢٧٥.

(٣) نفس المصدر السابق ج ١ ص ٢٨٧.

(٤) نهج البلاغة خطبة ١٩١.

٢٢٧

وعلاجها بالمعرفة فقط والتحقق بهذه الامور التي تؤدي الى ابواب الايمان فمن قوي ايمانه بجميع ذلك انكفأ لسانه عن الغيبة لا محالة »(١) .

____________________

(١)نقلاً عن المحجة البيضاء ج ٥ ص ٢٦٤.

٢٢٨

موقف الاسلام من المذنب

ان الاسلام يرى ان الواجب على كل الناس بالقلب واللسان والقدرة ان يقفوا أمام المذنب وان يهتموا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قال الامام الصادق (عليه السلام):

« ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الانبياء ومنهاج الصلحاء فريضة عظيمة، بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وترد المظالم وتعمر الارض وينتصف من الاعداء ويستقيم الأمر » (١).

قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم):

(ادع الى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالّتي هي أحسن). (النحل الآية ١٢٥)

____________________

(١) وسائل الشيعة ج ١١ ص ٣٩٥.

٢٢٩

وقال الله سبحانه وتعالى ايضاً:

(ادفع بالّتي هي أحسن السّيّئة). (المؤمنون الآية ٩٦).

التأديب الاجتماعي والاساليب الاخرى:

يرى الاسلام ان التعامل مع المذنب طريقة من طرق التأديب الاجتماعي، وحول هذا الموضوع نذكر بعض النماذج:

١ - (الآية ٣ من سورة النور) قوله تعالى:

(الزّاني لا ينكح إلاّ زانية أو مشركةً والزّانية لا ينكحها إلاّ زانٍ أو مشرك وحرّم ذلك على المؤمنين).

٢ - (الآية ٤ من سورة النور):

(والذّين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادةً أبداً وأولئك هم الفاسقون).

٣ - (التوبة الآية ٢٨):

(يا أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا....).

٤ - (الآية ١١٨ من سورة التوبة):

(وعلى الثلاثة الّذين خلّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنّوا أن لا ملجأ من الله إلاّ إليه ثمّ تاب عليهم ليتوبوا إنّ الله هو التوّاب الرّحيم).

٢٣٠

٥ - (الآية ١٤٠ من سورة النساء):

(وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفربها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنّكم إذاً مثلهم إنّ الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً).

الروايات ومواجهة المذنب:

ذكرت في الروايات الاسلامية أساليب كثيرة في كيفية التعامل مع المذنب، نذكر منها عدة نماذج:

١ - قال امير المؤمنين علي (عليه السلام):

« ادنى الانكار أن تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرةٍ »(١) .

٢ - قول الامام الصادق (عليه السلام) لاحد اصحابه الذي يدعى (الحارث بن المغيرة) الذي قال: « قال الامام الصادق (عليه السلام)... أما لاحملنّ ذنوب سفهائكم على علمائكم فدخلني من ذلك أمر عظيم، قال (عليه السلام): ما يمنعكم اذا بلغكم عن الرجل منكم ما تكرهون وما يدخل علينا به الاذى أن تأتوه فتؤنبوه وتذلوه وتقولوا له قولاً بليغاً، فقلت: جعلت فداك اذا لا يطيعوننا ولا يقبلون منا، فقال: اهجروهم واجتنبوا مجالسهم »(٢) .

____________________

(١) وسائل الشيعة ج ١١ ص ٤١٣.

(٢) روضة الكافي ص ١٦٢.

٢٣١

٣ - قال الامام الكاظم (عليه السلام) في كلامه حول التعامل مع الطواغيت والظالمين:

« يا زياد لئن اسقط من حالق فاتقطع قطعة قطعة أحبّ اليّ من أن أتولى لأحد منهم عملاً أو أطأ بساط رجل منهم... »(١) .

غضب الامام الصادق (عليه السلام):

يعتبر دواد بن علي أحد ولاة بني العباس المجرمين الذي كان والياً على المدينة. ارسل على (معلّى بن خنيس) أحد الموالين والتلامذة المخلصين للامام الصادق (عليه السلام) فقتله وصادر امواله. فتأثر الامام الصادق (عليه السلام) تأثراً شديداً على قتله وذهب الى داود وقال (عليه السلام) له:

« قتلت مولاي وأخذت مالي، أما علمت أن الرجل ينام على الثكل ولا ينام على الحرب، أما ولله لادعونّ الله عليك »(٢) .

فسخر داود عن كلام الامام (عليه السلام) وقال له: اتهددني بدعائك؟ فرجع الامام (عليه السلام) الى بيته وقضى ليلته بالصلاة فلما جاء السحر ناجى الامام الصادق ربّه وقال (عليه السلام): « يا ذا القوة القوية وياذا المحال الشديد ويا ذا العزة التي كل خلقك لها ذليل اكفني هذا الطاغية وانتقم لي منه ».

____________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٢ ص ١٤٠.

(٢) الارشاد للمفيد ج ٢ ص ١٨٤.

٢٣٢

وما مرت الاّ ساعة حتى تعالت الاصوات في المدينة بموت داود.

موقف الامام الكاظم (عليه السلام):

احياناً يكون التعامل الحسن مع المذنب موجباً لهدايته كما في القصة التالية:

« كان أحد المنسوبين للخلفاء كلما يرى الامام الكاظم (عليه السلام) يذكره ويذكر امير المؤمنين علياً (عليه السلام) بالكلام البذيء وذات يوم جاء جمع من محبي الامام الكاظم (عليه السلام) وطلبوا منه الاجازة في قتله، فلما سمع الامام (عليه السلام) بكلامه قال لهم: لا تقدموا على هذا العمل ولكن قولوا لي اين مكان هذا الرجل؟ فقالوا له: انه مشغول في بستانه.

فركب اليه فوجده في مزرعة له، فدخل المزرعة بحماره، فصاح به العمري: لاتطأ زرعنا فوطأه ابوالحسن (عليه السلام) بالحمار حتى وصل اليه فنزل وجلس عنده وباسطه وضاحكه وقال له: كم غرمت في زرعك هذا؟ فقال: مائة دينار، قال: وكم ترجو ان تصيب؟ قال: لست أعلم الغيب، قال: انما قلت لك ترجو ان يجيئك فيه، قال: ارجو ان يجيئني فيه مائتا دينار قال: فأخرج ابوالحسن (عليه السلام) صرة فيها ثلاثمائة دينار وقال: هذا زرعك على حاله والله يرزقك فيه ما ترجو قال: فقام العمري فقبّل رأسه وسأله أن يصفح عن فارطه فتبسم اليه ابو الحسن (عليه السلام) وانصرف وراح الى المسجد فوجد العمري جالساً فلما

٢٣٣

نظر اليه قال: « الله اعلم حيث يجعل رسالته »... فلما رجع ابو الحسن (عليه السلام) الى داره قال لجلسائه الذين سألوه عن قتل العمري:

« ايما كان خيراً ما اردتم او ما اردت انني اصلحت امره بالمقدار الذي عرفتم وكفيت به شره »(١) .

موقف الاحكام الشرعية من المذنب:

في الفقه الاسلامي قوانين واوامر في التعامل مع المذنب ومنعه من اقتراف الذنب. ونرى هناك اوامر دقيقة جداً للوقوف أمام اقتراف الذنب. فمثلاً: احكام الحدود والديات والتعزيرات اذا اجريت بالنحو المرسوم لها والكامل فانها عامل مهم في الوقوف امام الذنب، او مثلاً الاوامر الاسلامية المؤكدة على ان شارب الخمر، لا يزوجونه او ان المذنب لا يعطى الزكاة او ان سفر المعصية موجب لصلاة القصر. او المرأة المحصنة او المرأة غير المحصنة فالمحصنة ان زنت فحكمها القتل (وفرق بين المحصنة وغير المحصنة) او المرأة الناشزة التي لا تطيع زوجها فليس لها حق النفقة او قطع يد السارق او الجلوس مع الخمارين والأكل معهم على مائدة واحدة حرام، كل هذه القوانين والاوامر في الاسلام تبين لنا تعامل الاسلام مع المذنب، وكل واحدة من هذه الاوامر مانع ومسيطر على اقتراف الذنب في الفرد والمجتمع(٢) .

____________________

(١) الارشاد للمفيد ص ٢٩٧.

(٢) في هذه المسالة يراجع تحرير الوسيلة ج ١ ص (٤٧٦ - ٤٨٠) مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

٢٣٤

القسم الخامس

الآثار السلبية التي يخلفها الذنب

التوبة والتطهير وجبران الذنب

الآثار السلبية التي يخلفها الذنب:

من المسلّمات في الدين والعلم والتجربة ان اعمال الانسان الحسنة والسيئة لها نتائج دنيوية واخروية. كزارع البذور فلو زرع احد بذر الورد لجنى ثماوه ورداً، وزارع الشوك لا يجني الاّ شوكاً.

وبعبارة اخرى لكل عمل رد عمل رد فعل معاكس كالذي يضرب الكرة على الارض فترجع الكرة اليه، ويجب الانتباه ايضاً الى ان جزاء العمل يراه في الدنيا والاخرة. ولكن نسبة الجزاء في الدنيا الى جزاء الاخرة قليل. وكذلك فان اعمال الانسان تاتي عليه بصور مختلفة ويجب ان لا نستبعد ان المصائب المختلفة التي تصيب الانسان في الدنيا أحياناً تكون جزاءً لعمل ما واحياناً امتحان الله سبحانه للانسان ولاجل ارتقائه سلم التكامل، وله ثواب اضافي ومضاعف، وفي (الاية ١٥٥)

٢٣٥

من سورة البقرة اشارة الى هذا المطلب.

(ولنبلونكم بشيءٍ من الخوف والجوع....).

وهناك روايات كثيرة تدل على ذلك، فمن جملتها قول الامام الصادق (عليه السلام):

« إنّ أشدّ الناس بلاءً الانبياء ثم الذين يلونهم ثمّ الامثل فالامثل »(١) .

الآثار الدنيوية للذنب في نظر القرآن الكريم:

وردت في القرآن الكريم عشرات الآيات في الآثار والنتائج التي يخلفها الذنب ونذكر هنا عدة نماذج:

١ - في الآية ٥٩ من سورة البقرة:

(فأنزلنا على الّذين ظلموا رجزاً من السّماء بما كانوا يفسقون).

٢ - في الآية ٤٩ من سورة المائدة:

(يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم).

٣ - في الآية ٦ من سورة الانعام:

(.... فأهلكناهم بذنوبهم).

٤ - في الآية ٩٦ من سورة الأعراف:

(..... فأخذناهم بما كانوا يكسبون).

____________________

(١) اصول الكافي ج ٢ ص ٢٥٢.

٢٣٦

٥ - في الآية ٢٥ من سورة نوح:

(ممّا خطيئاتهم أغرقوا).

٦ - في الآية ١٤ من سورة الشمس:

(فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها).

٧ - في الآية ١١ من سورة الرعد:

(إنّ الله لا يغيّر ما بقومٍ حتّى يغيّروا ما بأنفسهم).

٨ - في الآية ١٤ من سورة المطففين:

(كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون).

٩ - في الآية ٣٠ من سورة الشورى: (وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثيرٍ).

قال امير المؤمنين (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):« خير آية في كتاب الله هذه الآية ».

ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): « يا علي! ما من خدش عودٍ ولا نكبة قدمٍ الاّ بذنب »(١) .

بعض الآيات حول آثار الذنب في الآخرة:

١ - (ومن جاء بالسّيئة فكبّت وجوههم في النّار هل تجزون إلاّ ما كنتم تعملون). (النمل / ٩٠)

____________________

(١) مجمع البيان ونفس المطلب ذكر عن الامام الصادق (عليه السلام) في الكافي ج ٢ ص ٢٦٩.

٢٣٧

٢ - وفي الآية ٢٣ من سورة الجن:

(ومن يعص الله ورسوله فانّ له نار جهنّم خالدين فيها أبداً).

٣ - في الآية (١١ - ١٦) من سورة المعارج:

(يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذٍ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته الّتي تؤيه ومن في الأرض جميعاً ثمّ ينجيه كلاّ إنّها لظى نزّاعةً للشّوى).

٤ - الآية ١٠٤ من سورة المؤمنون:

(تلفح وجوههم النّار وهم فيها كالحون).

احباط الاعمال الحسنة:

أحد الآثار السيئة التي يخلفها الذنب هو احباط الاعمال الحسنة. ومعناه أن المذنبين اذا عملوا عملاً صالحاً فانه لا نتيجة ولا جزاء له. وقد وردت كلمة (الاحباط) ستة عشر مرة في القرآن الكريم. وبهذا نحصل على نتيجة بان الذنوب الكبيرة مثل الكفر، الشرك، تكذيب الآيات الالهية وانكار المعاد، الارتداد، مخالفة الانبياء، كل هذه الامور تحبط الاعمال.

فعلى سبيل المثال: اذا رفع شخص حجارة عن طريق المارة لئلا يصاب احد بضرر (فان هذا العمل حسن) ولكن لو ان نفس هذا الرجل القى الصخرة في مكان قريب وضيق على المارة ففي هذه

٢٣٨

الحالة يكون قد ارتكب ذنباً كبيراً وهو (خراب الطريق). اذن فان عمله الحسن رفع الصخرة عن الطريق لا اعتبار له ولا اثر له وقد احبطه بعمله السيء الآخر. وعلى هذا الاساس فان الذنوب الكبيرة تحبط الاعمال الحسنة. كما تكبر ابليس ولم يسجد لأمر الله سبحانه (في مسألة السجود لآدم) فقد احبط « ستة آلاف سنة من العبادة »(١) التي عبد بها ابليس الله سبحانه وتعالى. فيجب الانتباه الى ان الانسان المذنب لا يستطيع ان يغتر باعماله الحسنة، اذ سرعان ما تحبط بسبب الذنوب التي يرتكبها.

الآثار المعنوية الرديئة التي يخلفها الذنب:

إنّ تكرار الذنب والاستمرار عليه يؤدي الى ظلمة القلب ومسخ الانسان عن انسانيته وتحوليه الى حيوانٍ يملك الصفات الحيوانية كلها، ويكون مقترفاً للذنوب الكبيرة. فعلى سبيل المثال: ان المذنب اذا شرب الخمر لاول وهلة تراه يتردد ويتعذب وجدانه لانه مسلم، ولكن في الوهلة الثانية يكون الشرب ابسط بكثير من الوهلة الاولى وهكذا الى ان يعتاد عليه. نعم الاستمرار على ارتكاب الذنب يجعل المذنب يقترف الذنوب الكبيرة بكل سهولة.

في الآية ١٠٨ من سورة النحل نقرأ:

(أولئك الّذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم

____________________

(١) جاء في نهج البلاغة الخطبة ١٩٢ (.... إذ حبط عمله الطويل....).

٢٣٩

وأولئك هم الغافلون).

وفي الآية ٥ من سورة الصف نقرأ:

(فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم).

وفي الآية ١٠ من سورة الروم نقرأ:

(ثمّ كان عاقبة الّذين أساؤوا السؤأى أن كذّبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤن).

ونرى كثيراً في التاريخ ان الطواغيت الذين استمروا على اقتراف الذنوب قد تجاوزوا حد الكفر والانكار والتنكيل بالأنبياء والاستهزاء بهم، وكل هذه الآثار السيئة قد خلفها الذنب، وعلى العكس فالاستمرار على الاعمال الصالحة يعطي للقلب صفاءاً ويعطي نورانية للروح. وحول هذا الموضوع نأتي بالروايات التالية:

١ - قال الامام الصادق (عليه السلام) قال ابي (عليه السلام):

« ما من شيء أفسد للقلب من خطيئةٍ، إنّ القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به حتى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله »(١) .

٢ - وقال الامام الكاظم (عليه السلام):

« أذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء فان تاب إنمحت وإن زاد زادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً »(٢) .

وقال امير المؤمنين علي (عليه السلام):

____________________

(١) اصول الكافي ج ٢ ص ٢٦٨.

(٢) بحار الانوار ج ٧٣ ص ٣٢٧ - ميزان الحكمة ج ٣ ص ٤٦٤.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

الذنوب والعداء الدائم لطلاب الحق والقادة الصادقين كل هذه الأمور تلقي على فكر الإنسان حجابا يفقده القدرة على رؤية أقل شعاع لشمس الحقيقة والحق ، ولأنّ هذه الحالة من نتائج الأعمال التي يقوم بها الإنسان ، فلا تكون دليلا على الجبر ، بل هي عين الإختيار ، والذي يتعلق بالله تعالى أنّه جعل في مثل هذه الأعمال أثرا.

هناك آيات عديدة في القرآن تشير إلى هذه الحقيقة ، وقد أشرنا الى ذلك في ذيل الآية (٧) من سورة البقرة وآيات أخرى يمكن مراجعتها

وفي آخر الآية ـ محل البحث ورد كلام بمثابة الجملة المعترضة ليؤكّد المواضيع التي بحثت قصّة نوح في الآيات السابقة واللاحقة ، فتبيّن الآية أن الأعداء يقولون : إنّ هذا الموضوع صاغه «محمّد» من قبل نفسه ونسبه إلى الله( أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ ) .

ففي جواب ذلك قل يا رسول الله : إن كان ذلك من عندي ونسبته إلى الله فذنبه عليّ( قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي ) ولكني بريء من ذنوبكم( وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ ) .

* * *

ملاحظات

١ ـ «الإجرام» مأخوذ من مادة «جرم» على وزن «جهل» وكما أشرنا إلى ذلك ـ سابقا ـ فإنّ معناه قطف الثمرة غير الناضجة ، ثمّ أطلقت على كل ما يحدث من عمل سيء ، وتطلق على من يحث الآخر على الذنب أنّه أجرم ، وحيث أن الإنسان له ارتباط في ذاته وفطرته مع العفاف والنقاء ، فإنّ الإقدام على الذنوب يفصل هذا الارتباط الإلهي منه.

٢ ـ احتمل بعض المفسّرين أنّ الآية الأخيرة ليست ناظرة الى نبي الإسلام ، بل ترتبط بنوحعليه‌السلام نفسه ، لأنّ جميع هذه الآيات تتحدث عن نوحعليه‌السلام ، والآيات

٥٢١

المقبلة تتحدث عنه أيضا ، فمن الأنسب أن تكون هذه الآية في نوحعليه‌السلام ، والجملة الاعتراضية خلاف الظاهر ، ولكن مع ملاحظة ما يلي :

أوّلا : إنّ شبيه هذا التعبير وارد في سورة الأحقاف الآية (٨) في نبي الإسلام.

ثانيا : جميع ما جاء في نوحعليه‌السلام في هذه الآيات كان بصيغة الغائب ، ولكن الآية ـ محل البحث ـ جاءت بصيغة المخاطب ، ومسألة الالتفات ـ أي الانتقال من ضمير الغيبة إلى المخاطب ـ خلاف الظاهر ، وإذا أردنا أن تكون الآية في نوحعليه‌السلام فإنّ جملة «يقولون» بصيغة المضارع ، وجملة «قل» بصيغة الأمر ، يحتاجان كليهما إلى التقدير!

ثالثا : هناك حديث في تفسير البرهان في ذيل هذه الآية عن الإمامين الصادقين الباقر والصادقعليهما‌السلام يبيّن أنّ الآية المتقدمة نزلت في كفار مكّة.

من مجموع هذه الدلائل نرى أن الآية تتعلق بنبي الإسلام ، والتهم التي وجهت إليه كان من قبل كفار مكّة ، وجوابه عليهم.

وينبغي ذكر هذه المسألة الدقيقة ، وهي أنّ الجملة الاعتراضية ليست كلاما لا علاقة له بأصل القول ، بل غالبا ما تأتي الجمل الاعتراضية لتؤكّد بمحتواها مفاد الكلام وتؤيده ، وإنما ينقطع ارتباط الكلام أحيانا لتخف على المخاطب رتابة الإيقاع وليبعث الجدة واللطافة في روح الكلام ، وبالطبع فإنّ الجملة الاعتراضية لا يمكن أن تكون أجنبية عن الكلام بتمام المعنى ، وإلّا فتكون على خلاف البلاغة والفصاحة ، في حين أنّنا نجد دائما في الكلمات البليغة والفصيحة جملا اعتراضية.

٣ ـ من الممكن أن يرد هذا الإشكال عند مطالعة الاية الأخيرة ، وهو قول النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو نوحعليه‌السلام للكفار : إن يكن هذا الكلام افتراء فإثمه علي. ترى هل يعني قبول مسئولية الإثم «الافتراء» أنّ كلام الكفار حقا ومطابقا للواقع ، وعلى الناس أن يتابعوه ويطيعوه!؟

ولكن مع تدقيق النظر في الآيات السابقة نحصل على جواب هذا الإشكال ،

٥٢٢

وهو أنّ الأنبياء في الحقيقة أرادوا القول : إنّ كلامنا يقوم على الاستدلالات العقلية ، فعلى فرض المحال أنّنا لم نكن مبعوثين من قبل الله فإثم ذلك على أنفسنا ، وهذا بغض النظر عن الاستدلالات العقلية ، ولكنّكم أيّها الكفار ستبقون بمخالفتكم صرعى الإثم دائما ، الإثم المستمر والباقي «لا حظ كلمة تجرمون التي جاءت بصيغة المضارع والتي تدل على الاستمرار «فتأمل جيدا».

* * *

٥٢٣

الآيات

( وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩) )

التّفسير

بداية النّهاية :

إنّ قصّة نوحعليه‌السلام الواردة في آيات هذه السورة ، بيّنت بعدّة عبارات وجمل ، كل جملة مرتبطة بالأخرى ، وكل منها يمثل سلسلة من مواجهة نوحعليه‌السلام في قبال المستكبرين ، ففي الآيات السابقة بيان لمرحلة دعوة نوحعليه‌السلام المستمرة والتي كانت في غاية الجدية ، وبالاستعانة بجميع الوسائل المتاحة حيث استمرت سنوات طوالا ـ آمنت به جماعة قليلة قليلة من حيث العدد وكثيرة من حيث الكيفية والاستقامة.

٥٢٤

وفي الآيات محل البحث إشارة إلى المرحلة الثّالثة من هذه المواجهة ، وهي مرحلة انتهاء دورة التبليغ والتهيؤ للتصفية الإلهية.

ففي الآية الأولى نقرأ ما معناه : يا نوح ، إنّك لن تجد من يستجيب لدعوتك ويؤمن بالله غير هؤلاء :( وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ ) .

وهي إشارة إلى أنّ الصفوف قد امتازت بشكل تام ، والدعوة للإيمان والإصلاح غير مجدية ، فلا بدّ إذا من الاستعداد لتصفية والتحول النهائي.

وفي نهاية الآية تسلية لقلب نوحعليه‌السلام أن لا تحزن على قومك حين تجدهم يصنعون مثل هذه الأعمال( فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ ) ونستفيد من هذه الآية ـ ضمنا ـ أنّ الله يطلع نبيّه نوحا على قسم من أسرار الغيب بمقدار ما ينبغي ، كما نجد أنّ الله تعالى يخبره بأنّه لن يؤمن بدعوته في المستقبل غير أولئك الذين آمنوا به من قبل ، وعلى كل حال لا بدّ من إنزال العقاب بهؤلاء العصاة اللجوجين ليطهر العالم من التلوّث بوجودهم ، وليكون المؤمنون في منأى عن مخالبهم ، وهكذا صدر الأمر بإغراقهم ، ولكن لا بدّ لكل شيء من سبب ، فعلى نوح أن يصنع السفينة المناسبة لنجاة المؤمنين الصادقين لينشط المؤمنون في مسيرهم أكثر فأكثر ، ولتتم الحجّة على غيرهم بالمقدار الكافي أيضا.

وجاء الأمر لنوح أن( ... اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا ) .

إنّ المقصود من كلمة «أعيننا» إشارة إلى أن جميع ما كنت تعمله وتسعى بجد من أجله في هذا المجال هو في مرءاي ومسمع منّا ، فواصل عملك مطمئن البال.

وطبيعي أنّ هذا الإحساس بأنّ الله حاضر وناظر ومراقب ومحافظ يعطي الإنسان قوة وطاقة ، كما أنّه يحسّ بتحمل المسؤولية أكثر.

كما يستفاد من كلمة «وحينا» أيضا أن صنع السفينة كان بتعليم الله ، وينبغي أن يكون كذلك ، لأنّ نوحاعليه‌السلام لم يكن بذاته ليعرف مدى الطوفان الذي سيحدث في المستقبل ليصنع السفينة بما يتناسب معه ، وإنّما هو وحي الله الذي يعينه في

٥٢٥

انتخاب أحسن الكيفيات.

وفي نهاية الآية ينذر الله نوحا أن لا يشفع في قومه الظالمين ، لأنّهم محكوم عليهم بالعذاب وإن الغرق قد كتب عليهم حتما( وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ) .

هذه الجملة تبين بوضوح أنّ الشفاعة لا تتيسر لكل شخص ، بل للشفاعة شروطها ، فإذا لم تتوفر في أحد الأشخاص فلا يحق للنّبي أن يشفع له ويطلب من الله العفو لأجله (راجع المجلد الأوّل من هذا التّفسير ذيل الآية ٤٨ من سورة البقرة).

أمّا عن قوم نوح فكان عليهم أن يفكروا بجد ـ ولو لحظة واحدة ـ في دعوة النّبي نوحعليه‌السلام ويحتملوا على الأقل أن هذا الإصرار وهذه الدعوات المكررة كلها من «وحي الله» فتكون مسألة العذاب والطوفان حتمية!! إلّا أنّهم واصلوا استهزاءهم وسخريتهم مرّة أخرى وهي عادة الأفراد المستكبرين والمغرورين( وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ ) .

«الملأ» والأشراف الراضون عن أنفسهم يسخرون من المستضعفين في كل مكان ، ويعدونهم أذلاء وحقراء لأنّهم لا قوّة لهم ولا ثروة!! ومضافا بل حتى أفكارهم وإن كانت سامية ، ومذهبهم وإن كان ثابتا وراسخا ، وأعمالهم وإن كانت عظيمة وجليلة كل ذلك في حساب «الملأ» حقير تافه ..! ولذلك لم ينفعهم الإنذار والنصيحة. فلا بدّ أن تنهال أسواط العذاب الأليم على ظهورهم يقال أن الملأ من قوم نوح والأشراف كانوا جماعات ، وكل جماعة تختار نوعا من السخرية والاستهزاء بنوح ليضحكوا ويفرحوا بذلك الاستهزاء!

فمنهم من يقول : يا نوح ، يبدو أن دعوى النبوة لم تنفع وصرت نجارا آخر الأمر!

٥٢٦

ومنهم من يقول : حسنا تصنع السفينة ، فينبغي أن تصنع لها بحرا ، أرأيت إنسانا عاقلا يصنع السفينة على اليابسة. ومنهم من يقول : واها لهذه السفينة العظيمة ، كان بإمكانك أن تصنع أصغر منها ليمكنك سحبها إلى البحر.

كانوا يقولون مثل ذلك ويقهقهون عاليا ، وكان هذا الموضوع مثار حديثهم وبحثهم في البيوت وأماكن عملهم ، حيث يتحدثون عن نوح وأصحابه وقلّة عقلهم : تأملوا الرجل العجوز وتفرّجوا عليه كيف انتهى به الأمر ، الآن ندرك أن الحق معنا حيث لم نؤمن بكلامه، فهو لا يملك عقلا صحيحا!!

ولكن نوحا كان يواصل عمله بجدية فائقة وأناة واستقامة منقطعة النظير لأنّها وليدة الإيمان ، وكان لا يكترث بكلمات هؤلاء الذين رضوا عن أنفسهم وعميت قلوبهم ، وإنّما يواصل عمله ليكمله بسرعة. ويوما بعد يوم كان هيكل السفينة يتكامل ويتهيأ لذلك اليوم العظيم ، وكان نوحعليه‌السلام أحيانا يرفع رأسه ويقول لقومه الذين يسخرون منه هذه الجملة القصيرة( قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ ) .

ذلك اليوم الذي يطغى فيه الطوفان فلا تعرفون ما تصنعون ، ولا ملجأ لكم ، وتصرخون معولين بين الأمواج تطلبون النجاة ذلك اليوم يسخر منكم المؤمنين ومن غفلتكم وجهلكم وعدم معرفتكم ويضحكون عليكم.

( فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ ) إشارة إلى أنّه بالرغم من أنّ مضايقاتكم لنا مؤلمة ، ولكننا نتحمل هذه الشدائد ونفتخر بذلك أوّلا ، كما أنّ ذلك مهما يكن فهو منقض وزائل ، أمّا عذابكم المخزي فهو باق ودائم ثانيا ، وهذان الأمران معا لا يقبلان القياس.

* * *

٥٢٧

ملاحظات

١ ـ التصفية لا الانتقام

يستفاد من الآيات المتقدمة أنّ عذاب الله يفتقد جنبة الانتقام ، لأنّه عبارة عن تصفية نوع من البشر وزوالهم لعدم جدارتهم بالحياة ، وليبقى الصالحون من بعدهم إنّ مثل هؤلاء المستكبرين الفاسدين والمفسدين لا أمل بإيمانهم ، ولا حق لهم في الحياة في نظر نظام الخلق ، وهكذا كان قوم نوح لأنّ الآيات السابقة تبيّن له أنّه لن يؤمن من قومك إلّا من قد آمن ، فلا أمل بإيمانهم فتهيأ لصنع «الفلك»( وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ) .

وهذا الموضوع يبدو جليا في دعاء هذا النّبي على قومه ، فنحن نقرأ في سورة نوحعليه‌السلام ( وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً ) .

وأساسا فإنّ لكل موجود هدفا في نظام الخلقة ، وحين ينحرف هذا الموجود عن هدفه ويغلق على نفسه جميع طرق الإصلاح ، يكون وجوده وبقاؤه بلا معنى ، ولا بد من أن يزول شاء أم أبى ، وكا يقول الشاعر :

لا نضرة عندي ولا ورق ولا

ورد ولا ثمر ففيم بقائي

٢ ـ علائم المستكبرين :

إنّ المستكبرين الأنانيين يحولون المسائل الجدية التي لا تنسجم مع رغابتهم وميولهم ومنافعهم إلى لعب واستهزاء. ولهذا السبب فإنّ الاستهزاء بالحقائق ـ ولا سيما فيما يتعلق بحياة المستضعفين ـ يشكل جزءا من حياتهم فكثيرا ما نجدهم من أجل أن يعطوا لجلساتهم المليئة بآثامهم رونقا وجمالا يبحثون عن مؤمن خالي اليد ليسخروا منه ويستهزءوا به.

وإذا اتفق أنّ أحد المؤمنين لم يكن في مجلسهم فسوف يذكرون واحدا من

٥٢٨

المؤمنين في غيابه ويسخرون منه ويضحكون! إنّهم يتصورون أنفسهم بأنّهم العقل المطلق ، ويظنون أنّ الثروة العظيمة ـ والتي هي من الحرام ـ دليل على شخصيتهم وعظمتهم وقيمتهم! وأنّ الآخرين فاقدو الشخصية ولا قيمة لهم وغير لائقين!

ولكن القرآن المجيد يوجه أشدّ هجومه على مثل هؤلاء الأفراد المغرورين المتكبرين ، ولا سيما استهزاؤهم المحكوم عليه بغضب الله وسخطه!

نقرأ في التاريخ الإسلامي ـ على سبيل المثال ـ أن «أبا عقيل الأنصاري» هذا العامل الفقير والمؤمن كان يسهر الليل في حمل الماء من آبار «المدينة» إلى البيوت ويستوفي أجره بتميرات ، ثمّ يأتي بهذه التميرات إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عزوة «تبوك» على أنّها مساعدة لجيش الإسلام ، فيلتفت المنافقون المستكبرون ويسخرون منه ، فتنزل آيات من القرآن لها وقع الصاعقة عليهم( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) .

٣ ـ سفينة نوح :

لا شكّ أنّ سفينة نوح لم تكن سفينة عاديّة ولم تنته بسهولة مع وسائل ذلك الزمان آلاته ، إذ كانت سفينة كبيرة تحمل بالإضافة إلى المؤمنين الصادقين زوجين اثنين من كل نوع من الحيوانات ، وتحمل متاعا وطعاما كثيرا يكفي للمدّة التي يعيشها المؤمنون والحيوانات في السفينة حال الطوفان ، ومثل هذه السفينة بهذا الحجم وقدرة الاستيعاب لم يسبق لها مثيل في ذلك الزمان. فهذه السفينة ستجري في بحر بسعة العالم ، وينبغي أن تمرّ سالمة عبر أمواج كالجبال فلا تتحطم بها.

٥٢٩

لذلك تقول بعض روايات المفسّرين : إنّ طول السفينة كان ألفا ومائتي ذراع ، وعرضها كان ستمائة ذراع «كل ذراع يعادل نصف متر تقريبا».

ونقرأ في بعض الرّوايات أنّ النساء ابتلين قبل الطوفان بأربعين عامّا بالعقم وعدم الإنجاب ، وكان ذلك مقدمة لعذابهم وعقابهم.

* * *

٥٣٠

الآيات

( حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (٤٠) وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣) )

التّفسير

شروع الطّوفان :

رأينا في الآيات المتقدمة كيف صنع نوحعليه‌السلام وجماعته المؤمنون سفينة النجاة بصدق. وواجهوا جميع المشاكل واستهزاء الأكثرية من غير المؤمنين ، وهيأوا أنفسهم للطوفان ، ذلك الطوفان الذي طهّر سطح الأرض من لوث المستكبرين

٥٣١

الكفرة.

والآيات ـ محل البحث ـ تتعرض لموضوع ثالث ، وهو كيف كانت النهاية؟ وكيف تحقق نزول العذاب على القوم المستكبرين ، فتبيّنه بهذا التعبير( حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ ) .

التنّور : بتشديد النون ، هو المكان الذي ينضج الخبز فيه بعد أن كان عجينا.

لكن ما مناسبة فوران الماء في التنور واقتراب الطوفان؟

اختلف المفسّرون فكانت لهم أقوال كثيرة في ذلك

قال بعضهم : كان العلامة بين نوح وربّه لحلول الطوفان أن يفور التنّور ، ليلتفت نوح وأصحابه إلى ذلك فيركبوا في السفينة مع وسائلهم وأسبابهم.

وقال جماعة آخرون : إنّ كلمة «التنور» استعملت هنا مجازا وكناية عن غضب الله ، ويعني أن غضب الله اشتدّت شعلته وفار ، فهو إشارة الى اقتراب حلول العذاب المدمّر ، وهذا التعبير مطرّد حيث يشبّهون شدّة الغضب بالفورة والاشتعال!

ولكن يبدو أنّ احتمال أن يكون التنور قد استعمل بمعناه الحقيقي المعروف أقوى ، والمراد بالتنّور ليس تنّورا خاصّا ، بل المقصود بيان هذه المسألة الدقيقة ، وهي أن حين فار التنّور بالماء ـ وهو محل النّار عادة ـ التفت نوحعليه‌السلام وأصحابه إلى أن الأوضاع بدأت تتبدل بسرعة وأنّه حدثت المفاجأة ، فأين «الماء من النّار»؟!

وبتعبير آخر : حين رأوا أنّ سطح الماء ارتفع من تحت الأرض وأخذ يفور من داخل التنور الذي يصنع في مكان يابس ومحفوظ ، من الرطوبة علموا أن أمرا مهمّا قد حدث وأنّه قد ظهر في التكوين أمر خطير ، وكان ذلك علامة لنوحعليه‌السلام وأصحابه أن ينهضوا ويتهيئوا.

ولعلّ قوم نوح الغافلين رأوا هذه الآية. وهي فوران التنور بالماء في بيوتهم ولكن غضوا أجفانهم وصمّوا آذانهم كعادتهم عند مثل العلائم الكبيرة حتى أنّهم لم

٥٣٢

يسمحوا لأنفسهم بالتفكير في هذا الأمر وأن إنذارات نوح حقيقية.

في هذه الحالة بلغ الأمر الإلهي نوحا( قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ) .

لكن كم هم الذين آمنوا معه؟( وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ) .

هذه الآية تشير من جهة إلى امرأة نوح وابنه كنعان ـ اللذين ستأتي قصتهما في الآيات المقبلة ـ وقد قطعا علاقتهما بنوح على أثر انحرافهما وتآمرهما مع المجرمين ، فلم يكن لهما حق في ركوب السفينة ليكونا من الناجين ، لأنّ الشرط الأوّل للركوب كان هو الإيمان.

وتشير الآية من جهة أخرى إلى أنّ ثمرة جهاد نوحعليه‌السلام بعد هذه السنين الطوال والسعي الحثيث المتواصل في التبليغ لدعوته ، لم يكن سوى هذا النفر المؤمن القليل!

بعض الرّوايات تقول أنّه استجاب لنوح خلال هذه الفترة الطويلة ثمانون شخصا فقط، وتشير بعض الرّوايات الأخرى إلى عدد أقل من ذلك ، وهذا الأمر يدل على ما كان عليه هذا النّبي العظيم نوحعليه‌السلام من الصبر والاستقامة «في درجة قصوى بحيث كان معدل ما يبذله من جهد لهداية شخص واحد عشر سنوات تقريبا ، هذا التعب الذي لا يبذله الناس حتى لأولادهم!.

جمع نوحعليه‌السلام ذويه وأصحابه المؤمنين بسرعة ، وحين أزف الوعد واقترب الطوفان وأو شك أن يحل عذاب الله أمرهم أن يركبوا في السفينة( وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها ) (١) .

لماذا؟! لكي يعلمهم أنّه ينبغي أن تكونوا في جميع الحالات في ذكر الله تعالى وتستمدوا العون من اسمه وذكره( إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

فبمقتضى رحمته جعل هذه السفينة تحت تصرفكم واختياركم لتنجيكم من

__________________

(١) المجرى والمرسى : اسما زمان ، ويعني الأوّل وقت التحرك ، والثّاني وقت التوقف.

٥٣٣

الغرق وبمقتضى عفوه وغفرانه يتجاوز عن أخطائكم.

وأخيرا حانت اللحظة الحاسمة ، إذ صدر الأمر الإلهي فتلبدت السماء بالغيوم كأنّها قطع الليل المظلم ، وتراكم بعضها على بعض بشكل لم يسبق له مثيل ، وتتابعت أصوات الرعد وومضات البرق في السماء كلها تخبر عن حادثة «مهولة ومرعبة جدّا».

شرع المطر وتوالى مسرعا منهمرا أكثر فأكثر ، وكما يصفه القرآن في سورة القمر( فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ) .

ومن جهة أخرى ارتفعت المياه الجوفية بصورة رهيبة بحيث تفجرت عيون الماء من كل مكان.

وهكذا اتصلت مياه الأرض بمياه السماء ، فلم يبق جبل ولا واد ولا تلعة ولا نجد إلّا استوعبه الماء وصار بحرا محيطا خضمّا أمّا الأمواج فكانت على أثر الرياح الشديدة تتلاطم وتغدو كالجبال. وسفينة نوح ومن معه تمضي في هذا البحر( وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ ) فإنّ مصيرك الى الفناء إذا لم تركب معنا.

لم يكن نوح هذا النّبي العظيم أبا فحسب ، بل كان مربيّا لا يعرف التعب والنصب ، ومتفائلا بالأمل الكبير بحيث لم ييأس من ابنه القاسي القلب ، فناداه عسى أن يستجيب ، ولكن ـ للأسف ـ كان أثر المحيط السيء عليه أكبر من تأثير قلب أبيه المتحرّق عليه.

لذلك فإنّ هذا الولد اللجوج الأحمق ، وظنّا منه أن ينجو من غضب الله أجاب والده نوحا و( قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ ) ولكنّ نوحا لم ييأس مرّة أخرى فنصحه أن يترك غروره ويركب معه و( قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ ) ولا ينجو من هذا الغرق إلّا من شمله لطف الله( إِلَّا مَنْ رَحِمَ ) .

٥٣٤

الجبل أمره سهل وهين ، وكرة الأرض أمرها هين كذلك الشمس والمجموعة الشمسية بما فيها من عظمة مذهلة لا تعدل ذرّة إزاء قدرة الله الأزليّة.

أليس أعلى الجبال بالنسبة لكرة الأرض بمثابة نتوءات صغيرة على سطح برتقالة؟! أليست هذه الأرض التي ينبغي أن يتضاعف حجمها إلى مليون ومائتي ألف مرّة حتى تبلغ حجم الشمس ، وهذه الشمس التي تعدّ نجما متوسطا في السماء من بين ملايين الملايين من النجوم في متسع عالم الخلق ، فأيّ خيال ساذج وفكر بليد يتوقع من الجبل أن يصنع شيئا؟

وفي هذه الحالة التي كان ينادي نوح ابنه ولا يستجيب الابن له ارتفعت موجة عظيمة والتهمت كنعان بن نوح وفصل الموج بين نوح وولده( وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ) .

* * *

بحوث

١ ـ هل كان طوفان نوح مستوعبا للعالم؟!

من خلال ظاهر الآيات يبدو لنا أنّ الطوفان لم يكن لمنطقة من الأرض دون أخرى ، بل غطى كل سطح الأرض ، لأنّ كلمة «الأرض» ذكرت بصورة مطلقة ، كما في الآية (٢٦) من سورة نوح( رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ) كما في الآية (٤٤) المقبلة من سورة هود( وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي ) وهكذا ذكر كثير من المؤرخين ـ أيضا ـ أنّ طوفان نوح كان عالميا ، ولذلك يرجع نسل جميع البشر اليوم إلى واحد من أبناء نوح الثلاثة «حام وسام ويافث» الذين بقوا بعده مدة!

وفي التاريخ الطبيعي نعثر على فترة تدعى فترة الأمطار ذات السيول ، فلو لم تكن هذه الفترة الزمنية قبل تولّد الحيوانات ، فهي تنطبق على طوفان نوح.

٥٣٥

وهذه النظرية موجودة أيضا التاريخ الطبيعي للأرض ، وهي أن محور الكرة الأرضية يتغير تدريجا ، بحيث يكون القطبان الشمالي والجنوبي مكان خط الإستواء ، ويحلّ خط الإستواء محلّهما ، وواضح أنّ الحرارة التي تكون في أعلى درجاتها تذيب الثلوج القطبية فترتفع مياه البحار حتى تستوعب كثيرا من اليابسة ، ومع النفوذ في ثنايا الأرض وطياتها تحدث العيون المتفجرة ، وكل ذلك يبعث على كثرة السحب والأمطار.

كما أنّ مسألة اختيار نوحعليه‌السلام من كل نوع من الحيوانات زوجين وحملها معه على السفينة يؤيد كون الطوفان عالميّا أيضا ، وإذا عرفنا أنّ نوحا كان يسكن الكوفة ـ كما تقول الرّوايات ـ وأن طرف الطوفان وحافته ـ طبقا للرّوايات الأخرى ـ كان في مكّة وبيت الله الحرام ، فهذا نفسه أيضا مؤيد «لعالميّة الطوفان».

ولكن مع هذه الحال ، فلا يبعد أن يكون الطوفان في منطقة معينة من الأرض ، لأنّ إطلاق الأرض على المنطقة الواسعة من العالم تكرر في عدد من آيات القرآن ، كما نقرأ في قصّة بني إسرائيل( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا ) (١) .

وحمل الحيوانات في السفينة ربّما كان لئلا ينقطع نسلها في ذلك القسم من الأرض ، خصوصا أن نقل الحيوانات وانتقالها في ذلك اليوم لم يكن أمرا هيّنا «فتدبر»

! وهناك قرائن أخرى تقدم ذكرها يمكن أن يستفاد منها أنّ الطوفان لم يستوعب الكرة الأرضية كلّها.

وهناك مسألة تسترعي الانتباه ـ أيضا ـ وهي أنّ طوفان نوح كان بمثابة العقاب لقومه ، وليس لنا دليل على أن دعوة نوح شملت الأرض كلها ، وعادة فإنّ وصول دعوة نوح في مثل زمانه إلى جميع نقاط الأرض أمر بعيد ولكن على كل حال

__________________

(١) الأعراف ، ١٢٧.

٥٣٦

فالهدف القرآني من بيان هذه القصّة للعبرة وبيان المسائل التي تربي الآخرين ، سواء كان الطوفان عالميا أو غير عالمي.

٢ ـ هل تقبل التوبة بعد نزول العذاب؟!

يستفاد من الآيات المتقدمة أنّ نوحاعليه‌السلام استمر يدعو ولده حتى بعد شروع الطوفان، وهذا دليل على أنّه لو آمن ابنه «كنعان» لقبل إيمانه.

ويرد هنا سؤال وهو أنّه بالنظر إلى آيات القرآن الأخرى والتي مرّت «نماذج» منها ، تنصّ على أنّ أبواب التوبة تغلق بعد نزول العذاب لأنّ المجرمين في هذه الحالة إذ يرون العذاب محدقا بهم فالغالبية منهم يتوبون عن إكراه واضطرار لرؤية العذاب بأعينهم ، فعندئذ تكون توبتهم بلا محتوى وفاقدة للاعتبار.

ولكن بالتدقيق في الآيات السابقة يمكن الجواب على هذا السؤال ، هو أنّ شروع الطوفان وما جرى في بداية الأمر ، لم يكن علامة واضحة للعذاب ، بل كان يتصور أنّه مطر شديد لا مثيل له وعلى هذا فإنّ ابن نوح حين قال لأبيه( سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ ) ظنّا منه أنّ الطوفان والمطر كانا طبيعيين. ففي هذه الحالة لا يبعد أن تكون أبواب التوبة ما تزال مفتوحة ، ويمكن أن يرد سؤال آخر في شأن ابن نوح ، وهو أنّه لم نادى نوح ابنه دون سائر الناس في هذه اللحظة الحرجة؟!

ويمكن أن يكون الجواب أنّ نوحا أدّى وظيفته في الدعوة العامّة للآخرين وبضمنها دعوته لولده ، إلّا أنّه كان يتحمل وظيفة أصعب بالنسبة لولده ، وهي وظيفة «الابوّة» إلى جانب وظيفة «النّبوة» فلهذا السبب كان يؤكّد على أداء وظيفته بالنسبة لولده إلى آخر لحظة.

والاحتمال الآخر وكما يقول المفسّرون أنّ ابن نوح لم يكن في صفّ الكفار ولا في صف المؤمنين ، بل كما يقول القرآن :( كانَ فِي مَعْزِلٍ ) فلأنّه لم يكن مع

٥٣٧

المؤمنين فإنّه كان يستحق العقاب ، ولأنّه لم يكن مع الكافرين فإنّه كان يستحق أن يتوجه إليه التبليغ واللطف والمحبّة بصورة أكثر أضف إلى ذلك أن ابتعاده عن الكفار وكونه في معزل ، كان يقوي أمل نوح في أن يندم ولده على الابتعاد عنه.

وهناك احتمال آخر ، وهو أنّ ابن نوح لم يكن يخالف أباه بصراحة ، بل كان منافقا وكان يوافق أباه في الظاهر أحيانا ، فلذلك طلب نوح من ربّه له النجاة.

وعلى كل حال فإنّ الآية السابقة لا تنافي مضامين الآيات الأخرى التي تشير إلى انسداد أبواب التوبة حال نزول العذاب.

٣ ـ دروس تربوية من طوفان نوح :

إنّ هدف القرآن الأصلي من ذكر قصص الماضين بيان دروس وعبر ومسائل تربوية ، وفي هذا القسم من قصّة نوح مسائل مهمّة جدّا نشير إلى قسم منها :

أ ـ تطهير وجه الأرض :

صحيح أنّ الله رحيم ودود ، ولكن لا ينبغي أن ننسى أنّه حكيم أيضا ، فبمقتضى حكمته أنّه عند ما لا تؤثر دعوة الناصحين والمربيّن الإلهيين في قوم فاسدين ، فلا حق لهم بعد ذلك في الحياة وسينتهون نتيجة للثورات الاجتماعية أو الطبيعية وتحت وطأة التنظيم الحياتي.

وهذا الأمر غير منحصر في قوم نوح ولا بزمان معين ، إنما هو سنة الله في خلقه وعبادة في جميع العصور والأزمان حتى في عصرنا الحاضر ، وأي إشكال في أن تكون كل من الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثّانية صورة من صور «تطهير الأرض».

٥٣٨

ب ـ لم كان العقاب أو الطوفان؟!

صحيح أن قوما أو أمّة كانوا فاسدين وينبغي زوالهم ومهما تكن وسائل إزالتهم فالنتيجة واحدة ، ولكن بالتدقيق في الآيات المتقدمة نستفيد أنّ هناك تناسبا بين الذنوب وعقاب الله دائما وأبدا. «فتدبر جيدا».

كان فرعون يرى قدرته وعظمته تتجلى في «نهر النيل» ومياهه كثير البركات ، لكن الطريف أنّ هلاك فرعون ونهايته كان في النيل.

وكان نمرود يعتمد على «جيشه» العظيم ، لكننا نعلم أنّ جيشا ـ لا يعتد به ـ من الحشرات هزمه وجنوده أجمعين.

وكان قوم نوح أهل زراعة «وأنعام» وكانوا يجدون كل خيراتهم في «حبات المطر» لكن نهايتهم كانت بالمطر أيضا

ومن هنا يتّضح جليا أنّ حساب الله في غاية الدقّة ، ولو لا حظنا الطغاة العتاة في عصرنا وفي الحرب العالمية الأولى والثّانية كيف أبيدوا بأسلحتهم الحديثة والمتطورة لا تضح المعنى اكثر.

فلا ينبغي أن نعجب أنّ هذه الصناعات المتقدمة التي اعتمدوا عليها في استعمار الشعوب واستثمار خيراتهم واستضعافهم أدت إلى زوالهم.

ج ـ اسم الله على كل حال وفي كل مكان

قرأنا في الآيات المتقدمة أنّ نوحاعليه‌السلام يوصي أصحابه أن لا ينسوا ذكر اسم الله في بداية حركة السفينة وعند توقفها ، فكل شيء يتقوم باسمه وبذكره ، وينبغي أن نستمد العون من ذاته القدسيّة ، كل حركة وكل توقف ، حال الهدوء وحال الإعصار والطوفان ، كل هذه الحالات ينبغي أن تبدأ باسمه ، لأنّ كل عمل يبدأ دون ذكر اسمه فهو «أبتر ومقطوع» ، وكما ورد عن نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحديث الشريف

٥٣٩

«كل أمر ذي بال لم يذكر فيه بسم الله فهو أبتر»(١) وليس ذكر الله من باب التشريف ، بل هو هدف وغاية ، فكل عمل ليس فيه هدف إلهي فهو أبتر ، لأنّ الأهداف المادية تتلاشى وتنتهي إلّا الأهداف الإلهية فهي غير قابلة للفناء ، وحين تبلغ الأهداف المادية الذروة تنطفئ وتزول ، إلّا أنّ الأهداف الإلهية خالدة وباقية كذاته المقدسة.

د ـ المرتكزات الجوفاء :

من الطبيعي أنّ كل أحد يعتمد في التغلّب على الصعاب ومواجهة المشاكل في حياته إلى أمر ما ، فجماعة يعتمدون على الثروة والمال ، وجماعة على المقام والمنصب ، وجماعة يلجأون إلى القدرة الجسمية ، وآخرون إلى أفكارهم ولكن ـ كما تخبرنا الآيات المتقدمة ويرينا التاريخ ـ لا أحد من هؤلاء يستطيع أن يقاوم أدنى مقاومة أمام أمر الله وقدرته ، حيث يكون مثله كمثل خيط العنكبوت يتلاشى أمام هبوب الرياح الشديدة.

فابن نوحعليه‌السلام لغروره وغفلته كان غارقا في مثل هذا الوهم ، وظن أنّ الجبل سيعصمه من طوفان غضب الله ويحميه ولكن موجة واحدة من ذلك الطوفان المتلاطم كشفت سراب ظنّه وأنهت حياته.

من هنا نقرأ في بعض الأدعية «إنّي هارب منك إليك»(٢) أي : لو كان هناك ملجأ أمام طوفان غضبك يا ربّ ، فهذا الملجأ هو ذاتك المقدسة والعودة إليك لا إلى سواك.

__________________

(١) سفينة البحار ص ٦٦٣ الجزء الأول.

(٢) دعاء أبي حمزة الثمالي.

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608