الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٦

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل9%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 608

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 608 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 252295 / تحميل: 6015
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

فاعتق وورث(١) ، قلت: فان لم يدع مالا؟ قال: فهومع امه كهيئتها).

قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: جاء هذا الخبر هكذا فسقته لقوة اسناده والاصل عندنا انه إذا كان احد الابوين حرا فالولد حر، وقد يصدر عن الامام عليه السلام بلفظ الاخبار ما يكون معناه الانكار، والحكاية عن قائليه(٢) .

٥٧٣٧ - وروى الحسن بن محبوب، عن على بن رئاب قال: قال ابوعبدالله عليه السلام: (العبد لايورث، والطليق لايورث))(٣) .

٥٧٣٨ - وروى محمد بن اسماعيل بن بزيع، عن منصوربن يونس بزرج(٤) عن جميل ابن دراج قال: سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول: (لا يتوارث الحر والمملوك)(٥) .

٥٧٣٩ - وروى على بن مهزيار، عن فضالة، عن ابان، عن الفضل بن عبدالملك قال: (سألت اباعبدالله عليه السلام عن المملوك والمملوكة هل يحجبان اذ [ا] لم يرثا؟ قال: لا)(٦) .

___________________________________

(١) قوله " قلت: فولدها.. " أى ما حكمه عند موت ابيه، وقوله عليه السلام " اشترى منه " أى من مولاه الذى هو مولاه الذي هو مولى أمه، يدل على أن الولد كان مملوكا مثل أمه، وهذا ممكن كما إذا كان المولى شرط على الزوج عند التزويج رق ولده أو كان الزوج عبدا وصار بعد الحمل معتقا فكسب مالا ثم مات.(مراد)

(٢) ظاهره ان قوله عليه السلام " ان كان ترك مالا - إلى آخره " اما محمول على الاستفهام الانكارى أى أنه ان كان أو على أنه عليه السلام ساقه على سبيل الحكاية أى يقولون " ان كان - الخ " ولا يخفى ما فيهما من البعد وقد عرفت أن صحته لا يحتاج إلى شئ منهما (مراد)

(٣) في الكافي " لا يرث " في الموضعين، والمراد بالطليق اما المطلقة البائنة أو الاسير الذى اطلق عنه اساره كما هوفي اللغة، ويحتمل أن يكون مراده عليه السلام بالطليق الكافر لان أكثر الطلقاء كانوا كفارا.

(٤) بزرج معرب بزرگ أى الكبير وهو صفته ليونس أولقب له.

(٥) قال في التهذيب: لان المملوك لا يملك شيئا فيرثه الحر وهو لا يرث الحر الا إذا لم يكن غيره من الاحرار فأما مع وجود غيره فلا توارث بينهما على حال

(٦) يحتمل تعميمه بحيث يشمل ماإذا كان الولد مملوكا وكان الولد حرا فانه لا يحجب ولده عن الميراث لكونه محجوبا بل يرث ولد الولد كما تقدم.(م ت)

٣٤١

باب ميراث المكاتب

٥٧٤٠ - روى يونس بن عبدالرحمن، عن عبدالله بن سنان عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قلت له: (مكاتب اشترى نفسه وخلف قيمته مائة الف درهم، ولا وراث له من يرثه؟ فقال: يرثه من يلى جريرته، قلت: ومن الضامن لجريرته؟ قال: الضامن لجرائر المسلمين)(١) .

٥٧٤١ - وفي رواية محمد بن ابى عمير، عن بعض اصحابنا عن ابى عبدالله عليه السلام (ان رجلا كاتب مملوكه واشترط عليه ان ميراثه له، فرفع ذلك إلى أميرالمؤمنين عليه السلام فابطل شرطه، وقال: شرط الله قبل شرطك)(٢) .

٥٧٤٢ - وروى عاصم بن حميد، عن محمد بن قيس عن ابى جعفر عليه السلام قال: (قضى أميرالمؤمنين عليه السلام في مكاتب مات وله مال، فقال: يحسب ماله بقدر ما اعتق منه لورثته، وبقدر مالم يعتق يحسب لاربابه الذين كاتبوه من ماله)(٣) .

٥٧٤٣ - وروى صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (المكاتب يرث ويورث على قدر ما ادى)(٤) .

___________________________________

(١) يدل على أن المكاتب سائبة ووارثه الامام. (م ت)

(٢) قال العلامة المجلسي: هذا موافق لما هو المشهور بين الاصحاب من عدم جواز بيع الولاء وهبته واشتراطه، وقال الشيخ: ان شرط عليه - يعنى المكاتب - أن يكون له ولاؤه كان له الولاء دون غيره - انتهى.

وقال المولى المجلسي: يدل الخبر على عدم صحة شرط الميراث فانه مخالف لحكم الله ولكن يجوز ان يعقدا ضمان الجريرة والميراث معا.

أقول: ويدل أيضا على أن الشرط الفاسد لا يبطل العقد.

(٣) يدل على أن ميراث المكاتب بقدر ما أعتق منه فيؤدى الورثة بقية مال الكتابة من نصيبهم ويعتقون. (م ت)

(٤) قال في الشرايع: إذا مات المكاتب وكان مشروطا بطلت الكتابة وكان ما تركه لمولاه، واولاده رق، وان لم يكن مشروطا تحرر منه بقدر ماأداه وكان الباقي رقا، ولمولاه من تركته بقدر مافيه من رق، ولورثته بقدر مافيه من حرية ويؤدى الوارث من نصيب الحرية مابقى من الكتابة، وان لم يكن له مال سعى الاولاد فيما بقى على أبيهم ومع الاداء ينعتق الاولاد وهل للمولى اجبارهم على الاداء؟ فيه تردد، وفيه رواية أخرى تقتضى أداء ماتخلف من أصل التركة ويتحرر الاولاد ومايبقى فلهم، والاول أشهر

٣٤٢

٥٧٤٤ - وروى احمد بن محمد بن ابى نصر البزنطى قال: حدثنى محمد بن سماعة عن عبدالحميد بن عواض، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: (في المكاتب يكاتب فيؤدى بعض مكاتبته(١) ثم يموت ويترك ابنا ويترك ما لا اكثر مما عليه من المكاتبة، قال: يوفى مواليه مابقى من مكاتبته، وما بقى فلولده)(٢) .

باب ميراث المجوس

المجوس يرثون بالنسب ولا يرثون بالنكاح الفاسد، فان مات مجوسى وترك امه وهى اخته وهى امرأته فالمال لهامن قبل انها ام وليس لها من قبل انها اخت وانهازوجة شئ(٣) .

________________________________________

(١) حمل على المكاتب المشروط.

(٢) يدل على أنه إذا أدى مابقى من مكاتبته يكون الباقي لهم (م ت) وقال الفاضل التفرشي في قوله " ويترك مالا أكثر مما عليه من المكاتبة ": بهذا القيد يرتفع المنافاة بين هذا الحديث وبين الحديثين السابقين، فيحمل الحديثان السابقان على ما إذا لم يترك المكاتب من المال أزيد مما عليه من مال الكتابة بل على ما إذا لم يترك ما يفي بمال الكتابة اذ حينئذ لو حسب تركته من مال الكتابة بقي شئ منه في الرق من دون أن يرث المولى بحسابه.

(٣) قال في النافع: قد اختلف الاصحاب في ميراث المجوس، فالمحكي عن يونس أنه لا يورثهم الا بالصحيح من النسب والسبب، وعن الفضل بن شاذان أنه يورثهم بالنسب صحيحه وفاسده والسبب الصحيح خاصة، وتابعه المفيد رحمه الله تعالى، وقال الشيخ أبوجعفر (ره): يورثون بالصحيح والفاسد منهما، واختار الفضل أشبه - انتهى.

وقال المولى المجلسي - رحمه الله -: لا فائدة في ذكر ميراث المجوس الا إذا شرط عليهم بأن يكونوا ملتزمين لاحكام الاسلام، أو إذا ترافعوا الينا، ويظهر الفائدة في وطى الشبهة فانه إذا تزوج مسلم بامه أو ابنته جاهلا، ويمكن فرضه في السبي من بلاد الكفر فانه لوسبى الولد أولا صغيرا ثم سبى الام وأسلما ووقع التزويج بينهما جاهلا، ولما قبح ذكر هذه الفروض بالنظر إلى المسلمين جعل أصحابنا المجوس وقاية عنهم.

٣٤٣

٥٧٤٥ - وفى رواية السكونى (ان عليا عليه السلام كان يورث المجوسى إذا تزوج بامه وباخته وبابنته من وجهين: من وجه انها امه، ومن وجه انها زوجته).

ولا افتي بما ينفرد السكونى بروايته(١) .

فان ترك امه وهى اخته، وابنتة فللام السدس، وللابنة النصف، وما بقى يرد عليهما على قدر انصبائهما، وليس لها من قبل انها اخت شئ لان الاخوة لا يرثون مع الام.

فان ترك ابنته وهى اخته وهى امرأته فلها النصف من قبل انها ابنته، والباقى رد عليها، ولا ترث من قبل انها اخت وانها امرأة شيئا)(٢) .

فان ترك اخته وهى امرأته، واخا فالمال بينهما للذكر مثل حظ الانثيين، ولاترث من قبل انها امرأته شيئا، وهذا الباب كله على هذا المثال.

فان تزوج مجوسى ابنته فأولدها ابنتين، ثم مات فانه ترك ثلاث بنات فالمال بينهن بالسوية، فان ماتت احدى الابنتين فانها تركت امها التى هى اختها لابيها، وتركت اختها لابيها وامها فالمال لامها التى هى اختها لابيها لانه ليس للاخوة مع الوالدين ميراث.

فان ما تت ابنة الابنة بعد موت الاب فانها تركت امها وهى اختها لابيها

________________________________________

(١) يعارض رواية السكوني ما رواه الحميري في قرب الاسناد ص ٧١ عن أبي البختري عن جعفر " عن أبيه عن علي عليه السلام أنه ان يورث المجوس إذا أسلموا من وجهين بالنسب ولا يورث بالنكاح ".

(٢) قال المولى المجلسي: لا خلاف عندنا ظاهرا بأنه لا يرث بالنكاح الفاسد ويرث بالنسب الصحيح والفاسد بالشبهة (كما هو مذهب الفضل) وتبعه أكثر الاصحاب منهم المصنف وفرع عليه مافرع.

٣٤٤

فالمال للام من جهة انها ام وليس لها من جهة انها اخت شئ.

فان تزوج مجوسى ابنته فولدت له ابنة ثم تزوج ابنة ابنته فولدت له ابنة ثم مات فالمال بينهن اثلاثا، فان ماتت الاولى التى كان تزوجها فالمال لابنتها وهى الوسطى، فان ماتت الوسطى بعد موت الاب فلامها وهى العليا السدس و لابنتها وهى السفلى النصف وما بقى رد عليهماعلى قدر انصبائهما، فان كانت التى ماتت هى السفلى وبقيت العليا فالمال كله لامه وهى الوسطى وسقطت العليا لانها اخت وهى جدة، ولا ميراث للاخت مع الام.

فان تزوج مجوسى ابنته فأولدها ابنتين ثم تزوج احديهما فولدت له ابنة، ثم مات فان المال بينهن ارباعا وليس لهن من طريق التزويج شئ، فان ماتت الابنة التى تزوجها اخيرا فانها انما تركت ابنتها وامها واختها التى هى جدتها فلابنتها النصف، ولا مها السدس، وما بقى رد عليهما على قدر انصبائهما وليس للاخت التى هى جدة شئ(١) .

فان تزوج مجوسى بامه فأولدها بنتا، ثم تزوج بالابنة فأولدها ابنا ثم مات، فلامه السدس، وما بقى فبين الابن والابنة للذكر مثل حظ الانثيين، فان ماتت امه بعده فالمال لابنتها التى تزوجها المجوسى وليس لولد ابنتها شئ مع الابنة، فان لم تمت امه ولكن ماتت ابنته الاولى بعد المجوسى فلامها التى هى ابنة المجوسى الاولى السدس(٢) وما بقى فللابن، وان مات الابن بعد موت الاب

___________________________________

(١) قوله " وأمها وأختها " هما واحدة موصوفة بكونها أما وأختا وهي البنت الاولى وضمير جدتها راجع إلى ابنتها لا إلى الميتة، وقوله " وليس للاخت - الخ " ليس لها من حيث كونها أختا وجدة شئ لان البنت والام حجبتاهما ولذا لم يذكر الاخت الاخرى لعدم كونها وارثة (مراد)، وقيل: والظاهر أن مرجع الضمير في " جدتها " هو بعينه مرجع الضمير في " اختها " وهو غلط فلابد من تحمل تفكيك الضمير.

(٢) لعل هذا سهو من قلم النساخ وكأن الصواب " هي أم المجوسي " ولفظة " الاولى " زيادة في الموضعين.

٣٤٥

وامه حية وام المجوسى في الحياة فالمال كله لامه، وليس لام المجوسى شئ.

فان تزوج المجوسى بامه فأولدها ابنا وابنة ثم ان ابنه ايضا تزوج جدته وهى ام المجوسى فأولدها ابنة ثم مات المجوسى فلامه السدس، وما بقى فبين ابنه وابنته للذكر مثل حظ الانثيين، فان ماتت امه بعده، فالمال بين ابنها وابنتها للذكر مثل حظ الانثيين، فان لم تمت امه ولكن الغلام مات بعد موت ابيه فلامه السدس ولابنته النصف، وما بقى رد عليهما على قدر انصبائهما، وليس لاخته شئ.

فان تزوج مجوسى بامه فأولدها ابنا وابنة ثم انه تزوج باخته فأولدها ابنا وابنة، ثم ان هذا الابن ايضا تزوج باخته فأولدهها ابنا وابنة ثم مات المجوسى، فلامه السدس وما بقى فبين ابنه وابنته للذكر مثل حظ الانثيين، فان مات ابنه بعده فلامه السدس وما بقى فبين ابنه وابنته للذكر مثل حظ الانثيين، فان مات ابن ابنه بعده فلامه السدس، وما بقى فبين ابن وابنته للذكر مثل حظ الانثيين، فان ماتت ام المجوسى بعد ما مات هؤلاء فالمال كله لابنتها وسقط الباقون.

باب نوادر المواريث

٥٧٤٦ - روى حماد بن عيسى، عن ربعى بن عبدالله عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (إذا مات الرجل فسيفه ومصحفه وخاتمه وكتبه ورحله(١) وكسوته لاكبر ولده، فان كان الاكبر ابنة فللاكبر من الذكور)(٢) .

___________________________________

(١) الرحل: مسكن الرجل وما يسبصحبه من الاثاث ولعل المراد به هنا ما يستصحبه الانسان أي ما لا يفارقه الا نادرا كالمنديل والادعية والسيف والرداء والعمامة ويمكن تخصيص الكتب بالكتب التي قلما يفارقها كما ذكره الفاضل التفرشي.

(٢) قال في النافع، " يحبى الولد الاكبر بثياب بدن الميت وخاتمه وسيفه ومصحفه إذا خلف الميت غير ذلك، ولو كان الاكبر بنتا أخذه الاكبر من الذكور ويقضي عنه ما تركه من صلاة أو صيام، وشرط بعض الاصحاب أن لا يكون سفيها ولا فاسد الرأي " أقول قيل التعبير باللام في قوله عليه السلام " فللاكبر " يقتضى استحقاقه فالاختلاف في كلام الفقهاء من أنه على سبيل الوجوب أو الاستحباب لا مورد له كما في قوله صلى الله عليه وآله " من أحيا أرضا فهى له " لا يناسب فيه أن يقال على نحو الوجوب أو الاستحباب.

٣٤٦

٥٧٤٧ - وروى حماد بن عيسى، عن شعيب بن يعقوب، عن ابى بصير عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (الميت إذا مات فان لابنه الاكبر السيف والرحل والثياب ثياب جلده).(١)

٥٧٤٨ - وروى على بن الحكم(٢) ، عن ابان الاحمر، عن ميسر عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (سألته عن النساء مالهن من الميراث؟ فقال: لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب فاما الارض والعقارات فلا ميراث لهن فيه،(٣) قال: قلت: فالثياب؟ قال: الثياب لهن: قال: قلت: كيف صار ذا ولهن الثمن والربع(٤) مسمى؟ قال: لان المرأة ليس لها نسب ترث به انما هى دخيل عليهم، وانما صار هذا هكذا

________________________________________

(١) أى الثياب التي قد لبسها دون ما يملكه.

(٢) طريق المصنف إلى علي بن الحكم صحيح كما في الخلاصة، وهو ثقة جليل القدر والمراد

بابان الاحمر أبان بن عثمان الاحمر المقبول خبره، وميسر بن عبدالعزيز عنونه العلامة في الثقات وقال ذكر الكشي فيه روايات تدل على مدحه.

(٣) كذا في جميع النسخ والصواب " فيها " والطوب - بالضم: الاجر بلغة أهل مصر، والعقار - بالفتح -: الارض والضياع والنخل، ومنه قولهم: ماله دار ولاعقار (الصحاح).

(٤) في بعض النسخ " كيف صار ذى ولهذه الثمن والربع " وفي الكافي " كيف صار ذا ولهذه الثمن ولهذه الربع.

" وفي التهذيب " كيف جاز ذا ولهذه الربع والثمن مسمى " وقال المولى المجلسي: أى كيف نقص نصيبهن من الارض ولا تعطى من الاعيان ومن العقارات مع أن الله قدر لهن الثمن مع الولد ومع عدمه الربع من الجميع لعموم " ما " أو لانه يلزم عليكم ما تلزمونه على العامة في العول لانه لو نقص حقهن من الارض لا يكون لهن الثمن ولا الربع بل يكون حينئذ أقل منهما فأجاب بأن الله تعالى قدر لهن هكذا كما قدر الحبوة بخلاف العول فانه لم يقدر ه وانما قدره الصحابة أوعمر من الرأى فلو لم يكن ذلك من الله تعالى لم نكن نقول به، ويمكن أن يكون السؤال عن وجه الحكمة وربما كان أظهر.

٣٤٧

لئلا تتزوج المرأة فيجئ زوجها [أ] وولد قوم آخرين فيزاحم قوما في عقارهم).

٥٧٤٩ - وكتب الرضا عليه السلام إلى محمد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله: ((علة المرأة انها لا ترث من العقارات شيئا الا قيمة الطوب والنقض(١) ، لان العقار لا يمكن تغييره وقلبه، والمرأة قد يجوز ان ينقطع ما بينهما وبينه من العصمة ويجوز تغييرها وتبديلها وليس الولد والوالد كذلك لانه لا يمكن التقصى منهما(٢) ، و المرأة يكن الاستبدال بها فما يجوز ان يجئ ويذهب كان ميراثه فيما يجوز تبديله وتغييره إذا اشبههما(٣) وكان الثابت المقيم على حاله كمن كان مثله في الثبات والقيام).

٥٧٥٠ - وفي رواية الحسن بن محبوب، عن الاحول عن ابى عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: (لايرثن النساء من العقار شيئا، ولهن قيمة البناء والشجر والنخل.

يعنى بالبناء الدور، وانماعنى من النساء الزوجة)(٤) .

٥٧٥١ - وروى محمد بن الوليد، عن حماد بن عثمان عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (انما جعل للمرأة قيمة الخشب والطوب لئلا تتزوج فتدخل عليهم من يفسد مواريثهم)(٥) والطوب: الطوابيق المطبوخة من الاجر.

٥٧٥٢ - وفي رواية الحسن بن محبوب، عن على بن رئاب وخطاب ابى محمد الهمدانى، عن طربال(٧) عن أبي جعفر عليه السلام انه قال: ((ان المرأة لا ترث مما ترك زوجها

___________________________________

(١) النقض - بكسر النون والضاد المنقطة - اسم البناء المنقوض إذا هدم والمراد به هنا المصالح وآلات المنقوض والمهدوم.

(٢) أى لا يمكن التخلص لاحدهما عن الاخر برفع العلاقة.

(٣) أى يكون بين المرأة والاشياء المتبدلة والمتغيرة مشابهة فكما أن المرأة تنتقل من زوج إلى زوج آخر كذلك الاشياء تنتقل من شخص إلى آخر من غير نقصان، وفي بعض النسخ " إذا " وفي بعضها " أشبهها " فالضمير راجع إلى الاشياء المقدر في الكلام.

(٤) التفسير من كلام الراوى أو المؤلف أو الاول للاول والثاني للثاني أو بالعكس.

(٥) الخبر في الكافي والتهذيب إلى هنا، والطابق - كهاجر وصاحب -: الاجر الكبير. (القاموس)

(٦) في الكافي والتهذيب هنا عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام و - الخ.

(٧) في التهذيب " طربال بن رجاء " وهو مجهول الحال.

٣٤٨

من القرى والدورو السلاح والدواب، وترث من المال والرقيق والثياب ومتاع البيت مما ترك، فقال: ويقوم نقض الاجذاع والقصب والابواب فتعطى حقها منه).

٥٧٥٣ - وروى ابان، عن الفضل بن عبدالملك [أ] وابن ابى يعفور عن ابى عبدالله عليه السلام قال: (سألته عن الرجل هل يرث دار امرأته وأرضها من التربة شيئا؟ او يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئا؟ فقال: يرثها وترثه من كل شئ ترك وتركت)(١) .

قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: هذا إذا كان لها منه ولد اماإذا لم يكن لها منه ولد فلا ترث من الاصول الاقيمتها، وتصديق ذلك:

٥٧٥٤ - مارواه محمد بن ابى عمير، عن ابن اذينة (في النساء إذا كان لهن ولد اعطين من الرباع)(٢) .

___________________________________

(١) حملها الشيخ على التقية لموافقتها لمذاهب العامة، وتفصيل الكلام في هذا الحكم يأتي عن المسالك.

(٢) كذا موقوفا واحتجاج المصنف به مبنى على كونه عنده من كلام المعصوم (ع) ومن المستبعد كونه كلام ابن اذينة وفتواه وان كان فلا بد أن يكون أخذه من رواية روى عنهم عليهم السلام لان المسألة ليست قابلة لان يجاب فيها بغير ماأخذه عنهم عليهم السلام ولكن الفتوى مع عدم معلومية المدرك ليس بحجة.

وفي المسالك: اتفق علماؤنا الا ابن الجنيد على حرمان الزوجة في الجملة من شئ من أعيان التركة، واختلفوا في بيان ماتحرم منه على أقوال: أحدها - وهو المشهو ر بينهم - حرمانها من نفس الارض سواء كانت بياضا أم مشغولة بزرع أو شجر وبناء وغيرها عينا وقيمة، ومن غير آلاتها وأبنيتها وتعطى قيمة ذلك، ذهب اليه الشيخ في النهاية وأتباعه كالقاضي وابن حمزة وقبلهم أبوالصلاح، وظاهر العلامة في المختلف والشهيد في اللمعة والمحقق في الشرايع.

وثانيها حرمانها من جميع ذلك مع اضافة الشجر إلى الالات في الحرمان من عينه دون قيمته، وبهذا صرح العلامة في القواعد والشهيد في الدروس وأكثر المتأخرين وادعوا أنه هو المشهور.

وثالثها حرمانها من الرباع وهى الدور والمساكن دون البساتين والضياع، وتعطى قيمة الالات والابنية من الدور والمساكين دون البساتين، وهو قول المفيد وابن ادريس وجماعة.

ورابعها حرمانها من عين الرباع خاصة لا من قيمته وهو قول المرتضى واستحسنه في المختلف وابن الجنيد منع ذلك كله وحكم بارثها من كل شئ كغيرها من الوارث - ثم ذكر حجة كل واحد من الاقوال تفصيلا، ثم قال -: وأما من يحرم من الزوجات فاختلف فيه أيضا والمشهور خصوصا بين لمتأخرين اختصاص الحرمان بغير ذات الولد من الزوج، وذهب جماعة منهم المفيد والمرتضى والشيخ في الاستبصار وأبوالصلاح وابن ادريس بل ادعى هو عليه الاجماع إلى أن هذا المنع عام في كل زوجة عملا باطلاق الاخبار وعمومها - انتهى.

ولا يخفى أن ظواهر الاخبار والتعليلات الواردة فيها شاملة لذات الولد أيضا كما هو ظاهر الكليني ولكن المؤلف خص الحكم بغير ذات الولد وتبعه جماعة عملا بموقوفة ابن اذينة لكونها أوفق بعموم الاية.

ولا يبعد حمل الشيخ لان حرمان المرأة عن بعض التركة من مفردات الامامية ويخالفهم في ذلك كل العامة.

٣٤٩

٥٧٥٥ - وكتب الرضا عليه السلام إلى محمد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله: (علة اعطاء النساء ما يعطى الرجل من الميراث لان المرأة إذا تزوجت اخذت والرجل يعطى فلذلك وفر على الرجال).

وعلة اخرى في اعطاه الذكر مثلى ما تعطى الانثى لان الانثى في عيال الذكر ان احتاجت وعليه ان يعولها وعليه نفقتها، وليس على المرأة ان تعول الرجل ولا تؤخذ بنفقته ان احتاج، فوفر على الرجل لذلك وذلك قول الله عزوجل: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم).

٥٧٥٦ - وفي رواية حمدان بن الحسين، عن الحسين بن الوليد، عن ابن بكير عن عبدالله بن سنان قال: قلت لابى عبدالله عليه السلام: (لاى علة صار الميراث للذكر مثل حظ الانثيين؟ قال: لما جعل الله لها من الصداق).

٥٧٥٧ - وروى ابن ابى عمير، عن هشام ان ابن ابى العوجاء قال لمحمد بن النعمان الاحول: ما بال المرأة الضعيفة لها سهم واحد وللرجل القوى المؤسر سهمان؟ قال: فذكرت ذلك لابى عبدالله عليه السلام فقال: ان المرأة ليس لها عاقلة ولا عليها نفقة و لاجهاد وعدد اشياء غير هذا وهذا على الرجل فلذلك جعل له سهمان ولها سهم).

٣٥٠

٥٧٥٨ - وروى محمد بن ابى عبدالله الكوفى، عن موسى بن عمران النخعى، عن عمه الحسين بن يزيد(١) ، عن على بن سالم، عن ابيه قال: (سألت ابا عبدالله عليه السلام فقلت له: كيف صار الميراث للذكر مثل حظ الانثيين؟ فقال: لان الحبات التى اكلها آدم عليه السلام وحواء في الجنة كانت ثمانية عشر حبة اكل آدم منها اثنى عشر حبة، واكلت حواء ستا فلذلك صار الميراث للذكر مثل حظ الانثيين)(٢) .

وروى النضر بن سويد، عن يحيى الحلبى، عن ايوب بن عطية الحذاء قال: سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: انا اولى بكل مؤمن من نفسه، ومن ترك مالا فللوارث، ومن ترك دينا او ضياعا فالي وعلي)(٣) .

٥٧٦٠ - وروى اسماعيل بن مسلم السكونى، عن جعفر بن محمد، عن ابيه عليهما السلام عن ابى ذر رحمة الله عليه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (إذا مات الميت في سفر فلا تكتموا موته اهله فانها امانة لعدة امرأته تعتد، وميراثه يقسم

___________________________________

(١) الحسين بن يزيد النوفلي النخعي مولاهم كان شاعرا أديبا سكن الري ومات بها وقال النجاشي: قال قوم من القميين انه غلا في آخر عمره وما رأينا رواية تدل على هذا، و علي بن سالم مجهول الحال.

(٢) أي لانه علم من ذلك أن احتياج الرجل ضعف احتياج المرأة (مراد) روى المؤلف في العلل مسندا عن أبي الحسن الرضا عليه السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام أنه " سأل شامي عن مسائل فكان فيما سأله: لم صار الميراث للذكر مثل حظ الانثيين؟ قال من قبل السنبلة كان عليها ثلاث حبات فبادرت اليها حواء فأكلت منها حبة وأطعمت آدم حبتين فمن أجل ذلك ورث الذكر مثل حظ الانثيين " قال في الوافي ذلك لان زيادة الاكل دليل على زيادة الاحتياج، وأقول: هذه الاخبار من أخبار الاحاد التي حجتها قاصرة في غير ما يتعلق بالاحكام الفرعية العملية، فلا دليل على وجوب التعبد به.

(٣) المراد بالضياع - وهو بالفتح -: العيال وقبل: روى أنه ما كان سبب اسلام أكثر اليهود الا ذلك القول.

٣٥١

بين اهله قبل ان يموت الميت منهم فيذهب نصيبه)(١) .

٥٧٦١ - وقال الصادق عليه السلام: (ان الله تبارك وتعالى آخى بين الارواح في الاظلة قبل ان يخلق الاجساد بألفى عام(٢) ، فلو قد قام قائمنا اهل البيت ورث الاخ الذى آخى بينهما في الاظلة، ولم يورث الاخ في الولادة).

باب النوادر

وهو آخر ابواب الكتاب

٥٧٦٢ - روى حماد بن عمرو، وانس بن محمد، عن ابيه جميعا، عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جده، عن على بن ابى طالب عليه السلام عن النبى صلى الله عليه وآله انه (قال له: ياعلى: اوصيك بوصية فاحفظها فلا تزال بخير ما حفظت وصيتى: يا على: من كظم غيظا وهو يقدر على امضائه اعقبه الله يوم القيامة امنا و ايمانا يجد طعمه.

يا على: من لم يحسن وصيته عند موته كان نقصا في مروئته، ولم يملك

___________________________________

(١) يدل على لزوم أخبار موت الميت في السفر ويحتمل وجوبه.(م ت)

(٢) قوله " قبل أن يخلق الاجساد " لعله تفسير للاظلة أي حين خلق الارواح ولم يخلق الاجساد بعد (مراد) أقول: في تقدم خلق الارواح قبل الاجساد أخبار لم تبلغ حد التواتر وقال بظاهرها جماعة من الاعلام - رحمهم الله - وأولها المفيد - رحمه الله - في أجوبة المسائل السروية وقال المراد بالخلق التقدير أي خلق تقدير في العلم وليس المراد خلق ذواتها وصرح بأن خلق الارواح بالاحداث والاختراع بعد خلق الاجسام والصور التي تدبرها الارواح، ورد قول من خالف ذلك بأدلة أجاب عنها العلامة المجلسي في البحار، ولصديقنا الفاضل المحقق الشيخ محمد تقي المصباح اليزدي نزيل قم المشرفة في هامش البحار بيان يجمع فيه بين القولين راجع المجلد الحادي والستين ص ١٤١ و١٤٢.

٣٥٢

الشفاعة(١) .

ياعلى: افضل الجهاد من اصبح لايهم بظلم احد(٢) .

ياعلى: من خاف الناس لسانه فهو من اهل النار.

يا على: شر الناس من اكرمه الناس اتقاء فحشه وروى شره(٣) ياعلى: شر الناس من باع آخرته بدنياه، وشر من ذلك من باع آخرته بدنيا غيره(٤) .

يا على: من لم يقبل العذر من متنصل صادقا كان او كاذبا(٥) لم ينل شفاعتى.

ياعلى ان الله عزوجل احب الكذب في الصلاح، وابغض الصدق في الفساد(٦) .

يا على: من ترك الخمر لغير الله سقاه الله من الرحيق المختوم، فقال على عليه السلام: لغير الله؟ قال: نعم والله صيانة لنفسه يشكره الله على ذلك(٧) .

___________________________________

(١) أى لا يستحق أن يشفع لاحد أو أن يشفع له أحد لتفريطه في الاحسان إلى نفسه حيث لم يوص بعمل خير في ثلثه كما قاله الفاضل التفرشي.

(٢) تسمية ترك الظلم جهادا لاشتماله على مجاهدة النفس وحملها على ذلك.(مراد)

(٣) روى ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله قال: " شر الناس منزلة يوم القيامة من يخاف لسانه أو يخاف شره ".

(٤) كأن يشهد لغيره بالباطل.(م ت)

(٥) أى من معتذر سواء كان العذر صحيحا أولا لان ندامته كاف للقبول.(م ت)

(٦) روى الكليني في الصحيح عن معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام قال " المصلح ليس بكاذب ".

(٧) الظاهر منه أن ترك المعاصي كاف في عدم العقاب على فعلها، وأما الثواب على تركها فمشروط بالنية واستثنى منها شرب الخمر في الاخبار، والرحيق خمر الجنة والمختوم رؤوس أو اينها بالمسك لئلا يتغير بل يصير رائحتها رائحة المسك.

وقوله " صيانة لنفسه " أى لعرضه لئلا يعير بفعله أو لكونها مضرة اياه. (م ت)

٣٥٣

ياعلى: شارب الخمر كعابد وثن.

 (١) يا على: شارب الخمر لا يقبل الله عزوجل صلاته اربعين يوما، فان مات في الاربعين مات كافرا(٢) .

قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: يعنى إذا كان مستحلا لها.

يا على: كل مسكر حرام، وما اسكر كثيره فالجرعة منه حرام.

يا على: جعلت الذنوب كلها في بيت، وجعل مفتاحها شرب الخمر يا على: يأتى على شارب الخمر ساعة لا يعرف فيها الله عزوجل.

يا على: ان ازالة الجبال الرواسى(٣) اهون من ازالة ملك مؤجل لم تنقض ايامه(٤) .

يا على: من لم تنتفع بدينه ولا دنياه فلا خير لك في مجالسته، ومن لم يوجب لك فلا توجب له ولا كرامة(٥) .

يا على: ينبغى ان يكون في المؤمن ثمان خصال: وقار عند الهزاهز(٦) ، وصبر عند البلاء، وشكر عند الرخاء، وقنوع بمارزقه الله عزوجل، لايظلم الاعداء، ولا يتحامل على الاصدقاء(٧) ، بدنه منه في تعب، والناس منه في راحة.

___________________________________

(١) أى في العقوبة لا في قدرها ولا ريب في عدم الاستواء لان عابد الوثن مخلد في النار بخلاف صاحب الكبيرة.(م ت)

(٢) يمكن أن يقال انه مات كالكافر كما هو في سائر الكبائر.

(٣) أى الثوابت الرواسخ.

(٤) أى لم يحصل أسباب زواله مثل أن يكون الناس يرضون به وينقادون له(٥) يعني من لا يعرف حقك ولا يعظمك فلا يجب عليك تعظيمه وتكريمه، وفي بعض النسخ " من لم يرحب لك فلا ترحب له".

ورحب المكان - من باب التفعيل - وسعة وترحيب به أحسن وفده وقال له: مرحبا.

(٦) الهزاهز الفتن التي يفتتن الناس بها والبلايا الموجبة للحركة.

(٧) أى لا يكلفهم مالا يطيقونه، وفي حديث الكافي " لا يتحامل للاصدقاء " أى لا يتحمل الاثام لاجلهم.

٣٥٤

ياعلى: اربعة لا ترد لهم دعوة: امام عادل، ولد لولده، والرجل يدعو لاخيه بظهر الغيب، والمظلوم، يقول الله عزوجل وعزتى وجلالى لا نتصرن لك ولو بعد حين.

يا على: ثمانية ان اهينوا فلا يلوموا الا انفسهم: الذاهب إلى مائدة لم يدع اليها، والمتأمر على رب البيت، وطالب الخير من اعدائه، وطالب الفضل من اللئام، والداخل بين اثنين في سرلم يدخلاه فيه، والمستخف بالسلطان، والجالس في مجلس ليس له بأهل، والمقبل بالحديث على من لا يسمع منه.

يا على: حرم الله الجنة على كل فاحش بذى لايبالى ما قال ولا ماقيل له.

يا على: طوبى لمن طال عمره وحسن علمه.

يا على: لا تمزح فيذهب بهاؤك، ولا تكذب فيذهب نورك، واياك وخصلتين الضجر والكسل، فانك ان ضجرت لم تصبر على حق، وان كسلت لم تؤد حقا.

يا على: لكل ذنب توبة الاسوء الخلق، فان صاحبه كلما خرج من ذنب دخل في ذنب.

يا على: اربعه اسرع شئ عقوبة: رجل احسنت اليه فكافكاك بالاحسان اساء‌ة، ورجل لا تبغى عليه وهو يبغى عليك، ورجل عاهدته على امر فوفيت له وغدر بك، ورجل وصل قرابته فقطعوه.

يا على: من استولى عليه الضجر رحلت عنه الراحة.

ياعلى: اثنتا عشرة خصلة ينبغى للرجل المسلم ان يتعملها على المائدة، اربع منها فريضة واربع منها سنة واربع منها ادب، فاما الفريضة: فالمعرفة بما يأكل والتسمية والشكر والرضا، واما السنة: فالجلوس على الرجل اليسرى، والاكل بثلاث اصابع، وان يأكل مما يليه، ومص الاصابع، واما الادب: فتصغير اللقمة، والمضغ الشديد، وقلة النظر في وجوه الناس، وغسل اليدين.

يا على: خلق الله عزوجل الجنة من لبنتين لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وجعل حيطانها الياقوت، وسقفها الزبرجد، وحصاها اللؤلؤ، وترابها الزعفران.

٣٥٥

والمسك الاذفر، ثم قال لها: تكلمى فقالت: لا اله الاالله الحى القيوم قد سعد من يدخلنى قال الله جل جلاله: وعزتى وجلالى لا يدخلها مدمن خمر، ولانمام، ولا ديوث، ولا شرطى، ولا مخنث، ولا نباش، ولا عشار، ولا قاطع رحم، ولا قدرى.

يا على، كفر بالله العظيم(١) من هذه الامة عشرة: القتات، والساحر، والديوث، وناكح امرأة حراما في دبرها(٢) وناكح البهيمة، ومن نكح ذات محرم والساعى في الفتنة، وبايع السلاح من اهل الحرب، مانع الزكاة، ومن وجد سعة فمات ولم يحج.

يا على: لا وليمة الا في خمس: في عرس او خرس او عذار او وكار او ركاز، فالعرس التزويج، والخرس النفاس بالولد، والعذار الختان، والوكار في بناء الدار وشرائها، والركاز الرجل يقدم من مكة.

قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: سمعت بعض اهل اللغة يقول في معنى الوكار: يقال للطعام الذى يدعى اليه الناس عند بناء الدار او شرائها (الوكيرة والو كار منه، والطعام الذى يتخذ للقدوم من السفر يقال له (النقيعة) ويقال له (الركاز) ايضا، والركاز الغنيمة كانه يريد ان اتخاد الطعام للقدوم من مكة غنيمة لصاحبه من الثواب الجزيل ومنه قول النبى صلى الله عليه وآله: ((الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة)(٣) .

يا على: لا ينبغى للعاقل ان يكون ظاعنا الا في ثلاث: مرمة لمعاش، او تزود

___________________________________

(١) الكفر مع الاستحلال والظاهر أنه كفر الكبائر واطلاقه عليها شايع.(م ت)

(٢) القيد احترازية والتخصيص بالدبر لئلا يتوهم أن الزنا في الدبر ليس بزنا أو لكونه أقبح فان الكراهة فيه اجتمعت مع الحرمة.

(٣) زاد في المعاني بعد نقل هذا الكلام " وقا ل أهل العراق: الركاز المعادن كلها، وقال أهل الحجاز: الركاز المال المدفون خاصة مما كنزه بنو آدم قبل الاسلام، كذلك ذكره أبوعبيدة ولا قوة الابالله، ثم قال أخبرنا بذلك أبوالحسن محمد بن هارون الزنجاني فيما كتب إلى، عن علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيدة بن القاسم " وفي بعض النسخ " الغنيمة المباركة ".

٣٥٦

لمعاد او لذة في غير محرم.

ياعلى: ثلاث من مكارم الاخلاق في الدنيا والاخرة: ان تعفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، وتحلم عمن جهل عليك.

يا على: بادر باربع قبل اربع: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك.

يا على: كره الله عزوجل لامتى العبث في الصلاة، والمن في الصدقة، واتيان المساجد جنبا، والضحك بين القبور، والتطلع في الدور، والنظر إلى فروج النساء لانه يورث العمى، وكره الكلام عند الجماع لانه يورث الخرس، وكره النوم بين العشائين لانه يحرم الرزق، وكره الغسل تحت السماء الا بمئزر، وكره دخول الانهار الا بمئزر فان فيها سكانا من الملائكة، وكره دخول الحمام الا بمئزر، وكره الكلام بين الاذان والاقامة في صلاة الغداة، وكره ركوب البحر في وقت هيجانه، وكره النوم فوق سطح ليس بمحجر، وقال: من نام على سطح غير محجر فقد برئت منه الذمة) وكره ان ينام الرجل في بيت وحده، وكره ان يغشى الرجل امرأته وهى حائض فان فعل وخرج الولد مجذوما او به برص فلا يلومن الا نفسه، وكره ان يكلم الرجل مجذوما الا ان يكون بينه وبينه قدر ذراع وقال عليه السلام: (فرمن المجذوم فرارك من الاسد)، وكره ان يأتى الرجل اهله وقد احتلم حتى يغتسل من الاحتلام فان فعل ذلك وخرج الولد مجنونا فلا يلومن الا نفسه، وكره البول على شط نهرجار، وكره ان يحدث الرجل تحت شجرة او نخلة قد اثمرت، وكره ان يحدث الرجل وهو قائم، وكره ان يتنعل الرجل وهو قائم، وكره ان يدخل الرجل بيتا مظلما الا مع السراج.

يا على: آفة الحسب الافتخار.

يا على: من خاف الله عزوجل خاف منه كل شئ، ومن لم يخف الله عزوجل اخافه الله من كل شئ.

٣٥٧

يا على: ثمانية لا يقبل الله منهم الصلاة: العبد الا بق حتى يرجع إلى مولاه والناشز وزوجها عليها ساخط، ومانع الزكاة، وتارك الوضوء، والجارية المدركة تصلى بغير خمار، وامام قوم يصلى بهم وهم له كارهون، والسكران، والزبين(١) وهو الذى يدافع البول والغائط.

ياعلى: اربع من كن فيه بنى الله تعالى له بيتا في الجنة: من آوى اليتيم، ورحم الضعيف، واشفق على والديه، ورفق بمملوكه.

يا على: ثلاث من لقى الله عزوجل بهن فهو من افضل الناس: من اتى الله بما افترض عليه فهو من اعبد الناس، ومن ورع عن محارم الله عزوجل فهو من اورع الناس، ومن قنع بما رزقه الله فهو من اغنى الناس.

يا على: ثلاث لا تطيقها هذا الامة(٢) : المواساة للاخ في ماله، وانصاف الناس من نفسه، وذكر الله على كل حال، وليس هو سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر، ولكن إذا ورد على ما يحرم عليه خاف الله عزوجل عنده وتركه.

___________________________________

(١) الزبين - بفتح الزاى والباء الموحدة - والمشهور بالنون

(٢) أى لا يطيقونها لصعوبتها أو على ما ينبغى فلا بد من بذل الجهد والاهتمام فيها بحيث لوأتى بأى فرد منها كان ينبغي أن ياتى بماهو أكمل، ففي الكافي في الحسن كالصحيح عن زرارة عن الحسن البزاز قال: قال لي أبوعبدالله عليه السلام: " ألا أخبرك بأشد ما فرض الله على خلقه؟ قلت: بلي، قال: انصاف الناس من نفسك ومواساتك أخاك وذكر الله في كل موطن، أما اني لا أقول " سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر " وان كان هذا من ذاك، ولكن ذكر الله عزوجل في كل موطن إذا هجمت (هممت - خ ل) على طاعة أو معصية " وفيه في الصحيح عن أبي أسامة عنه عليه السلام " ما ابتلى المؤمن بشئ أشد عليه من خصال ثلاث يحرمها: قيل وما هن؟ قال المواساة في ذات يده والانصاف من نفسه وذكر الله كثيرا أما اني لا أقول " سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله " ولكن ذكر الله عند ما أحل له وذكر الله عند ماحرم عليه ".

٣٥٨

يا على: ثلاثة ان انصفتهم ظلموك: السفلة واهلك وخادمك(١) وثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة(٢) : حر من عبد، وعالم من جاهل، وقوى من ضعيف.

يا على: سبعة من كن فيه فقد استكمل حقيقة الايمان وابواب الجنة مفتحة له: من اسبغ وضوه، واحسن صلاته، وادى زكاة ماله، وكف غضبه، وسجن لسانه، واستغفر لذنبه، وادى النصيحة لاهل بيت نبيه(٣) .

يا على: لعن الله ثلاثة: آكل زاده وحده، وراكب الفلاة وحده، والنائم في بيت وحده(٤) يا على: ثلاثة يتخوف منهن الجنون: التغوط بين القبور، والمشى في خف واحد، والرجل ينام وحده.

يا على: ثلاث يحسن فيهن الكذب: المكيدة في الحرب، وعدتك زوجتك، والاصلاح بين الناس، وثلاثة مجالستهم تميت القلب: مجالسة الانذال ومجالسة(٥)

___________________________________

(١) المراد بيان الحقيقة والواقع من روحيات هؤلاء لا تجويز ترك الانصاف يعنى أن هؤلاء الاصناف يكونون كذا فلابد من المدارأة معهم والتحمل لاذاهم وتمردهم، ويمكن أن يكون المراد بالانصاف الخدمة ففي اللغة: أنصف زيد فلانا خدمة، وفي بعض نسخ الحديث " ثلاثة وان تظلمهم ظلموك - الخ " والمراد بالسفلة أوساط الناس(٢) المراد بالانتصاف أخذ الحق كاملا والانتقام لطلب العدل ففي اللغة انتصف منه أى طلب منه النصفة والمعنى أن هذه الاصناف لا ينبغي لهم أن ينتصفوا من هؤلاء لكونهم في مرتبة أدنى وليسوا بأكفائهم.

(٣) النصح خلاف الغش، والمراد بأهل البيت الذين نزلت فيهم آية التطهير وأولادهم المعصومون الائمة عليهم السلام، والمراد بالنصح معرفتهم وطاعتهم ومودتهم واعطاء حقهم والذب عنهم وعن حريمهم عليهم السلام.

(٤) اللعنة هو البعد من رحمة الله وبسبب فعل المكروه يبعد العبد من رحمة الله.

وتقدم في المجلد الثاني تحت رقم ٢٤٣٤ نحوه.

(٥) النذل - بسكون الذال -: الخسيس من الناس والساقط منهم في دين أو حسب والمحتقر في جميع أحواله، جمعه أنذال ونذول.

٣٥٩

الاغنياء، والحديث مع النساء.

يا على: ثلاث من حقائق الايمان(١) : الانفاق من الاقتار(٢) وانصافك الناس من نفسك، وبذل العلم للمتعلم.

يا على: ثلاث من لم يكن فيه لم يتم عمله(٣) : ورع يحجزه عن معاصى الله، وخلق يدارى به الناس، وحلم يرد به جهل الجاهل(٤) .

يا على: ثلاث فرحات للمؤمن في الدنيا لقاء الاخوان، وتفطير الصائم، والتهجد من آخر الليل.

يا على: انهاك عن ثلاث خصال: الحسد، والحرص، والكبر.

يا على: اربع خصال من الشقاوة: جمود العين، وقساوة القلب، وبعد الامل، وحب البقاء(٥) .

يا على: ثلاث درجات، وثلاث كفارات، وثلاث مهلكات، وثلاث منجيات فأما الدرجات: فاسباغ الوضوء في السبرات(٦) ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، والمشى بالليل والنهار إلى الجماعات، واما الكفارات: فافشاء السلام(٧) ، واطعام الطعام

___________________________________

(١) أى لهن مدخل في حقيقة الايمان: والايمان الحقيقي لا يحصل الا بهذه الخصال الثلاث.(م ت)

(٢) الاقتار: الضيق، قتر على عياله أى ضيق عليهم في النفقة، وقال الفاضل التفرشي: لعل المراد الانفاق على المستحقين بسبب الاقتار على نفسه وعياله ولا الاقتار لماأمكنه الانفاق كما فعله أمير المؤمنين وأهله عليهم السلام بالمسكين واليتيم والاسير.

(٣) كأنها شروط لقبول سائر الاعمال.(م ت)

(٤) أى سفاهته، وفي بعض النسخ " وحلم يرد به جهل الجهال ".

(٥) أى حب البقاء في هذه الدنيا الدنية وعدم الاشتياق إلى رؤية رحمة الله وجواره في عالم البقاء والاخرة.

(٦) السبرة - بسكون الباء - شدة البرد، والغداة الباردة، والجمع سبرات

(٧) أى يسلم على كل أحد ظاهرا بحيث يسمع المسلم عليه.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

في الأمر لما كان هؤلاء المصلحون ورجال الدين يقضون أوقاتهم في خدمة الإسلام والمسلمين ، فينبغي أن تؤمن حاجاتهم المادية بطريق صحيح ، وأن يقوم صندوق الإعانة وبيت مال المسلمين بتكفّل هذه الجماعة ، فإنّ واحدا من أغراض إنشاء بيت المال في الإسلام هو هذا الغرض ، أي ليصرف على رجال الدين المنشغلين بالإصلاح والتبليغ.

٣ ـ الذنب وهلاك المجتمعات

كما نرى أيضا ـ في الآيات المتقدمة ـ أنّ القرآن يقيم رابطة بين المسائل المعنوية والماديّة ، فيعدّ الاستغفار من الذنب والتوبة إلى الله أساس العمران والخصب والخضرة والنضرة وزيادة في القوة والاقتدار.

هذه الحقيقة نلمسها في كثير من آيات القرآن الكريم ، من هذه الآيات ما ورد في سورة نوح على لسان هذا النّبي العظيم لقومه ، حيث تقول الآيات( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً ) (١) .

الطريف هنا أنّنا نقرأ في الرّوايات الإسلامية أنّ الربيع بن صبيح : قال : كنت عند الحسن بن عليعليهما‌السلام فجاءه رجل وشكاله من الجدب والقحط ، فقال له الحسنعليه‌السلام :استغفر الله ، فجاءه آخر فشكا له من الفقر ، فقال : استغفر الله ، فجاءه ثالث وقال له :ادع لي أن يرزقني الله ولدا ، فقال الحسنعليه‌السلام : استغفر الله ، يقول الربيع بن صبيح:فتعجبت وقلت له : ما من أحد يأتيك ويشكو إليك أمره ويطلب النعمة إلّا أمرته بالاستغفار والتوبة إلى الله فأجابه : «إنّ ما قلته لم يكن من نفسي ، وإنّما استفدت ذلك من كلام الله الذي يحكيه

__________________

(١) سورة نوح ، الآيات ٩ ـ ١٢.

٥٦١

عن لسان نبيّه نوح» ، ثمّ تلا الآيات المتقدمة.(١)

بعض الأشخاص اعتادوا على المرور بهذه المسائل مرور الكرام بأن يقيمون ارتباطا معنويا وعلاقة «غير معروفة» بين هذه الأمور ويريحون أنفسهم من كل تحليل. ولكن إذا دققنا النظر أكثر نجد بين هذه الأمور علائق متقاربة تشد المسائل المادية بالمعنوية في المجتمع كالخيط الذي يربط بين قطع القماش مثلا.

فأيّ مجتمع يكون ملوّثا بالذنب والخيانة والنفاق والسرقة والظلم والكسل وأمثال ذلك، ثمّ يكون هذا المجتمع عامرا كثيرا البركات!؟

وأي مجتمع ينزع عنه روح التعاون ويلجأ إلى الحرب والنزاع وسفك الدماء ، ثمّ تكون أرضه خصبة خضراء ، ويكون مرفها في وضعه الاقتصادي أيضا؟!

وأي مجتمع يغرق أفراده في دوامة الهوى والميول النفسيّة ، ثمّ في الوقت ذاته يكون قويّا راسخ القدم ويثبت أمام عدوّه؟!

ينبغي القول بصراحة أنّه ما من مسألة أخلاقية إلّا ولها أثر مفيد ونافع في حياة الناس الماديّة ، ولا يوجد اعتقاد وإيمان صحيح إلّا وكان لهما نصيب في بناء مجتمع عامر حرّ مستقلّ وقوي الافراد الذين يفصلون المسائل الأخلاقية والإيمان بالدين والتوحيد عن المسائل الماديّة لا يعرفون المسائل المعنوية حقّا ولا المسائل الماديّة.

وإذا كان الدين عبارة عن سلسلة من التشريعات والآداب الظاهرية والخالية من المحتوى بين الناس ، فمن البديهي أن لا يكون له تأثير في النظام المادي.

ولكن حين تكون الإعتقادات المعنوية والروحانيّة نافذة في روح الإنسان إلى درجة تظهر آثارها على يده ورجله ولسانه وأذنه وعينه وجميع ذرات وجوده ، فإنّ الآثار البنّاءة لهذه الإعتقادات في المجتمع لا تخفى على أحد.

وقد لا نستطيع إدراك علاقة الاستغفار بنزول البركات المادية جيدا ، ولكن

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١ ، ص ٣٦١.

٥٦٢

دون شك فإنّ قسما كبيرا منها يمكن أن ندركه!

لقد شاهدنا في مواجهات المسلمين الثائرين مع الكفار في هذا العصر والزمن ـ جيدا ـ أنّ الإعتقادات الإسلامية والقوى الأخلاقية والمعنوية استطاعت أن تنتصر على أحدث الأسلحة المعاصرة وأقوى الجيوش والقدرات الاستعمارية ، وإن دلّ ذلك على شيء فإنّما يدل على أثر العقائد الدينية الإيجابية والمعنوية إلى أقصى حدّ في المسائل الاجتماعيّة والسياسيّة.

٤ ـ ما المراد من قوله تعالى :( وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ ) .

إنّ الظاهر من هذه الآية أنّ الله سبحانه يزيدكم من خلال الاستغفار قوة بالإضافة إلى قوتكم ، يشير بعض المفسّرين إليه أنّ المراد من هذه القوّة هي القوّة الإنسانيّة كما مرّ ذلك في سورة نوح :( وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ ) ومنهم من قال : إنّها القوى المادية تضاف إلى القوّة المعنويّة. ولكنّ تعبير الآية مطلق وهو يشمل أي زيادة في القوى المادية والمعنويّة ، ولا يعارض أيّا من التفاسير ، بل يحتضنها جميعا

* * *

٥٦٣

الآيات

( قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧) )

التّفسير

قوّة المنطق :

والآن لننظر ماذا كان ردّ فعل القوم المعاندين والمغرورين ـ قوم عاد ـ مقابل نصائح أخيهم هود وتوجيهاته إليهم :( قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ ) أي لم تأتنا بدليل مقنع لنا( وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ ) الذي تدعونا به إلى عبادة الله

٥٦٤

وترك الأوثان( وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ) .

وأضافوا إلى هذه الجمل الثّلاث غير المنطقية ، أنّك يا هود مجنون و( إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ ) ولا شكّ أنّ هودا ـ كأي نبي من الأنبياء ـ أدّى دوره ووظيفته وأظهر المعجز أو المعجزات لقومه للتدليل على حقانيته ، ولكنّهم لغرورهم ـ مثل سائر الأقوام ـ أنكروا معارجه وعدوّها سحرا وعبارة عن سلسلة من المصادفات والحوادث الاتفاقية التي لا يمكن أن تكون دليلا على المطلوب.

وأساسا ، فإنّ نفي عبادة الأوثان لا يحتاج إلى دليل ، ومن يكن له أقل شعور وعقل ـ ويترك المخاصمة ـ يدرك هذا الأمر جيدا ، ولو فرضنا أنّ ذلك يحتاج إلى دليل ، فهل يحتاج إلى معجزة بعد الدلائل العقلية والمنطقية ..؟!

وبتعبير آخر فإنّ ما جاء في دعوة هود ـ في الآيات المتقدمة ـ هو الدعوة إلى الله الواحد الأحد ، والتوبة إليه والاستغفار من الذنوب ، ونفي أي نوع من أنواع الشرك وعبادة الأوثان ، كل هذه المسائل يمكن إثباتها بالدليل العقلي.

فعلى هذا ، إنّ كان المقصود من قولهم :( ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ ) هو نفي الدليل العقلي، فكلامهم هذا غير صحيح قطعا. وإذا كان المقصود هو نفي المعجزة ، فإنّ هذا الادعاء لا يحتاج إلى معجزة. وعلى كل حال فإنّ قولهم :( وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ ) دليل على لجاجتهم ، لأنّ الإنسان العاقل والباحث عن الحقيقة يتقبل الكلام الحق من أيّ كان.

وخصوصا هذه الجملة( إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ ) فإنّهم يتهمونه بالجنون على أثر غضب آلهتهم! فإنّ هذا الكلام منهم دليل على خرافة منطقهم ، وخرافة عبادة الأصنام!

فالحجارة والأخشاب التي ليس فيها روح ولا شعور والتي تحتاج إلى حماية من الإنسان نفسه ، كيف تستطيع أن تسلب العقل والشعور من الإنسان العاقل؟! أضف إلى ذلك ، ما دليلهم على جنون هود إلّا أنّه كسر طوق «السنة المتبعة

٥٦٥

عندهم» وكان معارضا للسنن والآداب الخرافية في محيطه ، فإذا كان هذا هو الجنون فينبغي أن نعدّ جميع المصلحين والثائرين على الأساليب الخاطئة مجانين.

وليس هذا جديدا ، فالتاريخ السالف والمعاصر مليء بنسبة الجنون إلى الأشخاص الثائرين على الخرافات والعادات السيئة والمواجهين للاستعمار ، والنافضين أثواب الأسر.

على كل حال ، فإنّ على هود أن يردّ على هؤلاء الضالّين اللجوجين ردا مقرونا بالمنطق ، من منطلق القوّة أيضا يقول القرآن في جواب هود لهم( قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ) .

يشير بذلك إلى أنّ الأصنام إذا كانت لها القدرة فاطلبوا منها هلاكي وموتي لمحاربتي لها علنا فعلام تسكت هذه الأصنام؟ وماذا تنتظر بي؟

ثمّ يضيف أنّه ليست الأصنام وحدها لا تقدر على شيء ، فأنتم مع هذا العدد الهائل لا تقدرون على شيء ، فإذا كنتم قادرين( فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ ) .

فأنا لا ترد عني كثرتكم ولا أعدها شيئا ، ولا أكترث بقوتكم وقدرتكم أبدا ، وأنتم المتعطشون لدمي ولديكم مختلف القدرات ، إلّا أنني واثق بقدرة فوق كل القدرات ، و( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ) .

وهذا دليل على أنّني لا أقول إلّا الحق والصدق ، وأن قلبي مرتبط بعالم آخر ، فلو فكرتم جيدا لكان هذا وحده معجزا حيث ينهض إنسان مفرد وحيد بوجه الخرافات والعقائد الفاسدة في مجتمع قوي ومتعصب ، لكنّه في الوقت ذاته لا يشعر في نفسه بالخوف منهم ، ولا يستطيع الأعداء أن يقفوا بوجهه! ثمّ يضيف : لستم وحدكم في قبضة الله ، فإنّه( ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها ) ، فما لم يأذن به الله ، لا يستطيع أحد أن يفعل شيئا.

ولكن اعلموا أيضا أنّ ربّي القدير ليس كالاشخاص المتقدرين الذين يستخدمون قدرتهم للهوي واللعب والأنانية وفي غير طريق الحق ، بل هو الله

٥٦٦

الذي لا يفعل إلّا الحكمة والعدل( إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) .

* * *

ملاحظتان

الأولى : إنّ «الناصية» في اللغة معناها الشعر المسترسل على الجبهة ، وهي مشتقة من «نصا» ومعناها الاتصال والارتباط ، وأخذ بناصية فلان «كناية عن القهر والتسلط عليه» فما ورد في الجملة السابقة من الآية من قول الحق سبحانه :( ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها ) إشارة إلى قدرته القاهرة على جميع الأشياء بحيث لا شيء في الوجود له طاقة المقاومة قبال هذه القدرة ، لأنّ من أحكم الإمساك على شعر مقدم الرأس من الإنسان أو أي حيوان آخر ، فإنّه يسلب منه القدرة على المقاومة عادة.

والغرض من هذه العبارة أنّ المستكبرين المغترين وعبدة الأوثان والظالمين الباحثين عن السلطة لا يتصوروا أنّه إذا أخلي لهم الميدان لعدّة أيّام فذلك دليل على قدرتهم على المقاومة أمام قدرة الله ، فعليهم أن يلتفتوا إلى هذه الحقيقة وأن ينزلوا من مركب غرورهم.

الثّانية : إنّ جملة( رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) من أروع التعابير في الحكاية عن قدرة الله المقترنة بعدله ، لأنّ المقتدرين في الغالب ظالمون ومتجاوزون للحدود ، ولكن الله سبحانه مع قدرته التي لا نهاية لهم فهو دائما على صراط مستقيم ، وجادة صافية ونظم وحساب ودقة!.

كما ينبغي الانتباه الى هذه المسألة الدقيقة ، وهي أنّ كلام هودعليه‌السلام للمشركين كان يبيّن هذه الحقيقة ، وهي أنّ الأعداء مهما لجوا في عنادهم وزادوا من لجاجتهم فإنّ القائد الحق ينبغي أن يزيد من استقامته! فكما أن قوم هود خوّفوه بشدّة من آلهتهم و «أوثانهم» ، فإنّ هودا في المقابل أنذرهم بنحو أشدّ من قدرة الله

٥٦٧

القاهرة!

ثمّ أنّ هود قال لقومه في آخر كلامه معهم كما تحكيه الآية( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ ) .

إشارة إلى أن لا يتصوروا أنّ هودا سيتراجع إن لم يستجيبوا لدعوته ، فإنّه أدى واجبه ووظيفته ، وأداء الواجب انتصار بحدّ ذاته حتى لو لم تقبل دعوته ، وهذا درس لجميع القادة الحقيقيين وأئمة طريق الحق ألّا يحسّوا أبدا بالتعب والقلق من أعمالهم ، وإن لم يقبل الناس دعوتهم.

وكما هدد القوم هودا ، فإنّه هددهم بأشد من تهديدهم ، وقال : إن لم تستجيبوا لدعوتي فإنّ الله سيبيدكم في القريب العاجل( وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ ) .

هذه سنة الله في خلقه وقانونه العام ، إنّه متى كان قوم غير لائقين لاستجابة الدّعوة والهداية والنعم الأخرى التي أنعمها عليهم فإنّه سيبعدهم ويستخلف قوما لائقين بمكانهم( إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ) .

فلا تفوته الفرصة ، ولا يهمل أنبياءه ومحبيه ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة من حساب الآخرين بل هو عالم بكل شيء وقادر على كل شيء.

* * *

٥٦٨

الآيات

( وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٨) وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (٦٠) )

التّفسير

اللعن الأبدي على القوم الظّالمين :

في آخر الآيات التي تتحدث عن قصّة قوم عاد ونبيّهم هود إشارة إلى العقاب الأليم للمعاندين ، فتقول الآيات :( وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ) وتوكّد أيضا نجاة المؤمنين( وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ ) .

الطريف هنا أنّ الآيات قبل أن تذكر عقاب الظلمة والكافرين ومجازاتهم ، بيّنت نجاة المؤمنين وخلاصهم ، لئلا يتصور أنّ العذاب الإلهي إذا نزل يحرق الأخضر واليابس معا لأنّ الله عادل وحكيم وحاشاه أن يعذب ولو رجلا مؤمنا بين جماعة كفرة يستحقون العذاب والعقاب.

لكن رحمة الله تنقل هؤلاء الأشخاص قبل نزول العذاب إلى محل آمن كما

٥٦٩

رأينا من قبل في قصّة نوح أنّه قبل شروع الطوفان كانت سفينة النجاة قد أعدّت للمؤمنين ، وقبل أن ينزل العذاب على قوم لوط ويدمر مدنهم خرج لوط وعدد معدود من أصحابه من المدينة ليلا بأمر الله.

وفي قوله تعالى :( نَجَّيْنا ) وتكرار هذه الكلمة في الآية مرّتين أقوال مختلفة للمفسّرين، فـ «نجينا» الأولى تعني خلاصهم من عذاب الدنيا و «نجّينا» الثّانية تعني نجاتهم في المرحلة المقبلة من عذاب الآخرة ، وينسجم هذا التعبير مع وصف العذاب بالغلظة أيضا.

ويشير بعض المفسرين إلى مسألة لطيفة هنا ، وهي أنّ الكلام لما كان على رحمة الله فمن غير المناسب أن تتكرر كلمة العذاب مباشرة ، فأين الرحمة من العذاب؟ لذلك تكررت كلمة «نجينا» لتفصل بين الرحمة والعذاب دون أن ينقص شيء من التأكيد على العذاب.

كما ينبغي الالتفات إلى هذه المسألة الدقيقة أيضا ، وهي أنّ آيات القرآن وصفت العذاب بالغليظ في أربعة موارد(١) .

وبملاحظة تلك الآية بدقّة نستنتج أنّ العذاب الغليظ مرتبط بالدار الأخرى ، وخصوصا الآيات التي جاءت في سورة ابراهيم وذكر فيها العذاب الغليظ ، فإنّها تصف بصراحة حال أهل جهنّم وأهوالها ، وهكذا أن يكون ، وذلك لأنّ عذاب الدنيا مهما كان شديدا فإنّه أخفّ من عذاب الآخرة!

وهناك تناسب ينبغي ملاحظته أيضا ، وهو أن قوم عاد ـ كما سيأتي بيان حالهم إن شاء الله ـ ورد ذكرهم في سورة القمر. والحاقة ، وكانوا قوما ذوي أبدان طوال خشنين ، فشبّهت أجسامهم بالنخل ، ولهذا السبب كانت لديهم عمارات عالية عظيمة ، بحيث نقرا في تاريخ ما قبل الإسلام أن العرب كانوا ينسبون البناءات الضخمة والعالية إلى عاد ويقولون مثلا : «هذا البناء عادي» لذلك كان عذابهم

__________________

(١) وهي في السور التالية : ١ ـ ابراهيم ، الآية ٧ ؛ ٢ ـ لقمان ، الآية ٣٤ ؛ ٣ ـ فصلت ، الآية ٥٠ ؛ ٤ ـ هود ، الآية ٥٦.

٥٧٠

مناسبا لهم لا في العالم الآخر بل في هذه الدنيا كان عذابهم خشنا وعقابهم صارما ، كما مرّ في تفسير السور الآنفة الذكر.

ثمّ تلخّص الآيات ذنوب قوم عاد في ثلاثة مواضيع :

الأوّل : بإنكارهم لآيات الله وعنادهم أيضا لم يتركوا دليلا واضحا وسندا بيّنا على صدق نبوة نبيّهم إلّا جحدوه( وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ ) .

والثّاني : إنّهم من الناحية العملية لم يتّبعوا أنبياء الله( وَعَصَوْا رُسُلَهُ ) وإنّما جاءت الرسل بصيغة الجمع ، إمّا لأن جميع دعوات الأنبياء هي نحو حقيقة واحدة وهي «التوحيد: وفروعه» فإنكار دعوة نبي واحد يعدّ إنكارا لجميع الأنبياء ، أو أن هودا دعاهم للإيمان بنبوة الأنبياء السابقين أيضا ،؟ وكانوا ينكرون ذلك.

والثّالث من الذنوب : إنهم تركوا طاعة الله ومالوا لكل جبار عنيد( وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) .

فأيّ ذنب أعظم من هذه الذنوب : ترك الإيمان ، ومخالفة الأنبياء ، والخضوع لطاعة كل جبار عنيد.

و «الجبار» يطلق على من يضرب ويقتل ويدمر من منطلق الغضب ولا يتبع أمر العقل ، وبتعبير آخر هو من يجبر سواه على أتباعه ويريد أن يغطي نقصه بادعاء العظمة والتكبر الظاهري.

و «العنيد» هو من يخالف الحق والحقيقة أكثر ممّا ينبغي ، ولا يرضخ للحق أبدا. هاتان الصفتان تتجلّيان في الطواغيت والمستكبرين في كل عصر وزمان ، الذين لا يستمعون لكلام الحق أبدا ويعمدون الى من يخالفهم بانزال أشد انواع العقاب به بلا رحمة.

هنا يرد سؤال : إذا كان الجبار يعطي هذا المعنى فلما ذا ذكرت هذه الصفة لله ، كما في سورة الحشر الآية (٢٣) وسائر المصادر الإسلامية.

والجواب هو أنّ «الجبار» ـ كما أشرنا آنفا ـ مشتق إمّا من «الجبر» بمعنى القوّة

٥٧١

والقهر والغلبة ، أو من مادة «الجبران» ومعناه : إزالة النقص من شيء.

ولكن «الجبار» سواء كان بالمعني الأوّل أو الثّاني فهو يستعمل بشكليه ، وقد يراد به الذم إذا حاول الإنسان تجاوز النقص الذي فيه باستعلائه على الغير وتكبره وبالادعاءات الخاطئة ، أو أنّه يحاول أن يجبر غيره على أن يكون تحت طاعته ورغبته ، فيكون الأخير ذليلا لأمره.

هذا المعنى ورد في كثير من آيات القرآن الكريم ، وأحيانا تقترن معه صفات ذميمة أخرى ، كالآية المتقدمة التي اقترنت مع كلمة «عنيد» وفي الآية (٣٢) من سورة مريم نقرأ على لسان عيسى بن مريم رسول الله( وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا ) كما نقرأ على لسان بني إسرائيل في خطابهم لموسىعليه‌السلام في من سكن بيت المقدس من الظالمين حيث ورد في الآية (٢٢) من سورة المائدة( قالُوا (يا مُوسى) إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ ) .

ولكن قد تأتي كلمة «الجبار» من هذين الجذرين «الجبر» و «الجبران» وهي بمعنى المدح ، وتطلق على من يسدّ حاجات الناس ويرفع نقصانهم ويربط العظام المتكسرة ، أو أن تكون له قدرة وافرة بحيث يكون الغير خاضعا لقدرته ، دون أن يظلم أحدا أو يستغل قدرته ليسيء الاستفادة منها ، ولذلك حين تكون كلمة الجبار بهذا المعنى فقد تقترن بصفات مدح أخرى ، كما نقرأ في سورة الحشر الآية (٢٣)( الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ) وواضح أن صفات كالقدوس والسّلام والمؤمن لا تنسجم مع «الجبار» بمعنى الظالم أو «المتكبر» بمعنى من يرى نفسه أكبر من غيره ، وهذا التعبير يدل على أنّ المراد هنا من «الجبار» هو المعنى الثّاني.

ولكن حيث أنّ البعض فسّروا «الجبار» ببعض معانيه دون الالتفات إلى معانيه المتعددة في اللغة ، تصوّروا أنّ استعمال هذا اللفظ غير صحيح في شأن الله ، وكذلك في ما يخصّ لفظ «المتكبر» ولكن بالرجوع إلى جذورهما اللغوية الأصيلة يرتفع

٥٧٢

الإشكال(١) .

وفي الآية الأخيرة التي تنتهي بها قصّة «هود» وقومه «عاد» بيان لنتيجة أعمالهم السيئة والباطلة حيث تقول الآية :( وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً ) وبعد الموت لا يبقى إلّا خزيهم والصيت السيء( وَيَوْمَ الْقِيامَةِ ) يقال لهم( أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ ) .

وكان يكفي تعريف هذه الجماعة بلفظ «عاد» ولكن بعد ذكر عاد جاء لفظ «قوم هود» أيضا لتؤكّد عليهم أوّلا ، ولتشير الى أنّهم القوم الذين آذوا نبيهم الناصح لهم ثانيا ، ولذلك فقد أبعدهم الله عن رحمته.

* * *

بحثان

١ ـ قوم عاد من منظار التاريخ

بالرغم من أنّ بعض المؤرّخين الغربيين كـ «أسبرينكل» أرادوا أن ينكروا قصّة «عاد» من الناحية التاريخية ، وربّما كان ذلك بسبب عدم توفر ذكر لهم في غير الآثار الإسلامية ، ولم يجدوها في كتب العهد القديم «التوراة» ولكن هناك وثائق ـ تشير إلى قصّة عاد ـ مشهورة إجمالا بين العرب في زمن الجاهلية ، وقد ذكرهم شعراء العرب قبل الإسلام ، وحتى في العصر الجاهلي كانوا يطلقون لفظ «العاديّ» على البناء العالي والقوي نسبة إلى عاد.

ويعتقد بعض المؤرّخين أنّ لفظ «عاد» يطلق على قبيلتين :

إحداهما : قبيلة كانت تقطن الحجاز قبل التاريخ ثمّ زالت وزالت آثارها أيضا ،

__________________

(١) يراجع في هذا الصدد تاج العروس للزبيدي والمفردات للراغب مادة (جبر) و (كبر) ومجمع البيان وتفسير البيان ذيل الآية محل البحث وآيات سورة الحشر الأخيرة.

٥٧٣

ولم ينقل التاريخ البشري عنها إلّا أساطير لا يطمأنّ إلى صحتها. والتعبير الوارد في القرآن «عادا الأولى» إشارة إلى هذه القبيلة.

ولكن في زمن التاريخ ـ ومن المحتمل أن يكون في حدود ٧٠٠ سنة قبل ميلاد المسيح ـ وجد قوم آخرون باسم «عاد» قطنوا الأحقاف أو اليمن أيضا. وكان أولئك طوالا جساما أقوياء مقتدرين ، ولذلك كانوا يعدون من مثيري الحروب.

كما أنّهم كانوا من الناحية الحضارية متمدنين ، إذ كانت لهم مدن عامرة وأراضي خصبة خضراء وغابات نضرة ، كما وصفوا في القرآن( ... الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ ) .

ولذلك يقول بعض المؤرّخين «المستشرقين» : إنّ «عادا» كانت تقطن في حدود «برهوت» إحدى نواحي حضر موت اليمن ، وعلى أثر البراكين وجبال النّار التي حولها دمرت الكثير من قراهم ومدنهم وتفرقت بقاياهم.

على كل حال فإنّ هؤلاء القوم كانوا يعيشون في نعم وترف ، ولكن كما هي طريقة أغلب المتنعمين الغافلين والسكارى من أثر النعمة استغلّوا قدرتهم لظلم الآخرين واستثمارهم واستعمارهم واتبعوا أمر كل جبار عنيد ، وأقروا عبادة الأوثان.

وحين دعاهم نبيّهم هودعليه‌السلام بكلّ ما أوتي من جهد وجدّ ليضيء أفكارهم بنصحه ومواعظه ، ويتمّ الحجّة عليهم ، لم يكتفوا بإهمال هذه الدعوة فحسب ، بل نهضوا لإسكات هذا الصوت النيّر لهذا النّبي العظيم فمرّة نسبوه إلى السفاهة والجنون ، ومرّة هددوه بغضب آلهتهم ، ولكنّه وقف صامدا أمامهم كالجبل لا يخشى غضب هؤلاء القوم المغرورين الأقوياء ، حتى استطاع أن يكتسب منهم جماعة تقدّر بأربعة آلاف وطهّر قلوبهم ودعاهم إلى منهاجه وعقيدته ، لكن بقي الآخرون مصرّين على عنادهم ولجاجتهم.

٥٧٤

وأخيرا ـ كما سيأتي في سورة الذاريات والحاقة والقمر ـ غمرهم إعصار شديد لمدّة سبعة ليال وستة أيّام جسوما فأتى على قصورهم فدمّرها وعلى أجسادهم فجعلها كأوراق الخريف وفرقها تفريقا ، ولكن هود كان قد أبعد المؤمنين عن هؤلاء ونجّاهم من العذاب ، وأصبحت حياة أولئك القوم ومصيرهم درسا كبيرا وعبرة لكل الجبابرة والأنانيين(١) .

٢ ـ اللعن الدائم الأبدي على «عاد» :

هذا التعبير وما شابهه ورد في آيات متعددة من القرآن الكريم في شأن أمم مختلفة ، حيث يقول الله سبحانه بعد ذكر أحوالهم ، كما في سورة هود الآية ٦٨ :( أَلا بُعْداً لِثَمُودَ ) وفي آية أخرى (٨٩) هود( أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ ) وفي سورة المؤمنون، الآية (٤١)( فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) وفي آية أخرى (٤٤) المؤمنون( فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ ) وكما قرأنا في قصّة نوح من قبل في هود الآية (٤٤)( وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) .

ففي جميع هذه الآيات جاء اللعن شعارا لمن أذنبوا ذنبا عظيما ، ويدور هذا اللعن مدار بعدهم عن رحمة الله.

وغالبا ما يطلق اليوم مثل هذا الشعار على المستعمرين والمستكبرين والظالمين ، غاية ما في الأمر أن هذا الشعار القرآني أخّاذ وطريف إلى درجة أنّه غير ناظر إلى بعد واحد فحسب. لأنّنا حين نقول مثلا :( بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) فإنّ هذا التعبير يشمل الابتعاد عن رحمة الله ، والابتعاد عن السعادة ، وعن كل خير وبركة ونعمة ، وعن كونهم عبادا لله ، طبعا ابتعادهم عن الخير والسعادة هو انعكاس

__________________

(١) راجع تفسير الميزان ، تفسير مجمع البيان ، وكتاب أعلام القرآن.

٥٧٥

لابتعادهم في نفوسهم وأرواحهم ومحيط عملهم عن الله وخلق الله ، لأنّ كل فكرة وعمل له أثر في الدار الآخرة يشابه ذلك العمل تماما ولذلك فإنّ ابتعادهم هذا في هذه الدنيا أساس ابتعادهم في الآخرة عن رحمة الله وعفوه ومواهبه السنيّة(١) .

* * *

__________________

(١) إنّ كلمة «بعدا» من الناحية النحوية مفعول مطلق للجملة المقدّرة (المحذوفة) «أبعدهم الله» وعلى القاعدة ينبغي أن يكون هذا المفعول المطلق للجملة المقدرة (إبعادا ، لا بعدا) لأنّه مصدر «أبعد» لكن قد يأتي المصدر الثّلاثي مكان الرباعي كما في قوله تعالى :( وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً ) .

٥٧٦

الآية

( وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١) )

التّفسير

قصّة ثمود :

انتهت قصّة «عاد قوم هود» بجميع دروسها بشكل مضغوط ، وجاء الدور الآن لثمود «قوم صالح» وهم الذين عاشوا في وادي القرى بين المدينة والشام ، حسب ما تنقله التواريخ عنهم.

ونرى هنا أيضا أنّ القرآن حين يتحدث عن نبيهم «صالح» يذكره على أنّه أخوهم ، وأي تعبير أروع وأجمل منه حيث بيّنا قسما من محتواه في الآيات المتقدمة ، أخ محترق القلب ودود مشفق ليس له هدف إلّا الخير لجماعته( وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً ) .

ونجد أيضا أنّ منهج الأنبياء جميعا يبدأ بمنهج التوحيد ونفي أي نوع من أنواع الشرك وعبادة الأوثان التي هي أساس جميع المتاعب( قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما

٥٧٧

لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ) .

ولكي يحرك إحساسهم بمعرفة الحق أشار إلى عدد من نعم الله المهمّة التي استوعبت جميع وجودهم فقال :( هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) .

فأين هذه الأرض والتراب الذي لا قيمة له ، وأين هذا الوجود العالي والخلقة البديعة؟ ترى هل يجيز العقل أن يترك الإنسان خالقه العظيم الذي لديه هذه القدرة العظيمة وهو واهب هذه النعم ، ثمّ يمضي إلى عبادة الأوثان التي تثير السخرية.

ثمّ يذكّر هؤلاء المعاندين بعد أن أشار إلى نعمة الخلقة بنعم أخرى موجودة في الأرض حيث قال :( وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها ) .

وأصل «الاستعمار» و «الإعمار» في اللغة يعني تفويض عمارة الأرض لأي كان، وطبيعي أنّ لازم ذلك يجعل الوسائل والأسباب في اختيار من يفوّض إليه ذلك تحت تصرفه!

هذا ما قاله أرباب اللغة ، كالراغب في المفردات ، وكثير من المفسّرين في تفسير الآية المتقدمة.

ويرد احتمال آخر ، وهو أنّ الله منحكم عمرا طويلا في هذه الأرض ، وبديهي أنّ المعنى الأوّل وبملاحظة مصادر اللغة هو الأقرب والأصح كما يبدو.

وعلى كل حال فهذا الموضوع يصدق بمعنييه في ثمود ، حيث كانت لديهم أراض خصبة وخضراء ومزارع كثيرة الخيرات والبركات ، وكانوا يبذلون في الزراعة ابتكارات وقدرات واسعة ، وإلى ذلك كله كانت أعمارهم مديدة وأجسامهم قويّة وكانوا متطورين في بناء المساكن والبيوت ، كما يقول القرآن الكريم :( وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ ) (١) .

الطريف هنا أنّ القرآن لم يقل : إنّ الله عمر الأرض وجعلها تحت تصرفكم ،

__________________

(١) سورة الحجر ، ٨٢.

٥٧٨

وإنّما قال : وفوّض إليكم إعمار الأرض( وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها ) وهي إشارة إلى أنّ الوسائل معدّة فيها لكل شيء وعليكم إعمارها بالعمل والسعي المتواصل والسيطرة على مصادر الخيرات فيها. وبدون ذلك لا حظّ لكم في الحياة الكريمة.

كما يستفاد ضمنا أنّه ينبغي من أجل الإعمار أن يعطي المجال لأمّة معينة في العمل ، وتجعل الأسباب والوسائل اللازمة تحت تصرفها وفي اختيارها.

فإذا كان الأمر كذلك( فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ) لدعواتكم.

الاستعمار في القرآن وفي عصرنا الحاضر :

لا حظنا في الآيات المتقدمة أنّ نبي الله «صالحا» من أجل هداية وتربية قومه الضالين «ثمود» ذكرهم بعظيم خلق الله لهم من التراب وتفويض إعمار الأرض إليهم إذ قال :( هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها ) .

لكن هذه الكلمة مع جمالها الخاص وجذابيتها التي تعني العمران وتفويض الإختيارات وإعداد الوسائل اللازمة وتهيأتها ، تبدّلت هذه الكلمة في عصرنا إلى درجة أنّها مسخت وأصبحت تعطي معنى معاكسا لمفهوم القرآن تماما.

وليست كلمة الاستعمار وحدها انتهت إلى هذا المصير المشؤوم ، فهناك كلمات كثيرة في العربية وفي لغات أخرى مسخت وحرّفت وتبدّلت وانقلبت رأسا على عقب ، مثل كلمات «الحضارة» و «الثقافة» و «الحرية» وفي ظلال هذه التحريفات تأخذ هذه الكلمات وأمثالها طريقها إلى التغرّب والبعد عن معناها ، وتتحول لعبادة المادة وأسر الناس وإنكار الحقائق والتوغل في كل أنواع الفساد وما إلى ذلك.

وعلى كل حال ، فإنّ معنى «الاستعمار» في عصرنا ومفهومه الواقعي هو «استيلاء الدول العظمى السياسية والصناعية على الأمم المستضعفة قليلة القدرة ، بحيث تكون نتيجة هذا «الاستيلاء» وهذه «الغارة» امتصاص دمائهم وسلب

٥٧٩

خيراتهم ومصادرة حياتهم.

هذا الاستعمار الذي له أوجه شؤم مختلفة ، يتجسم مرّة بشكل «ثقافي» وأخرى بوجه «فكري» وثالثة بوجه «اقتصادي» ورابعة بوجه «سياسي» وقد يبدو بوجه «عسكري» أيضا ، وهو الذي بدل دنيانا وجعلها سوداء مظلمة ، فالأقلية في هذه الدنيا لديهم كل شيء ، والأكثرية العظمى فاقدة لكل شيء هذا الاستعمار هو السبب في الحروب والدمار والانحرافات والفساد والتسابق التسليحي الذي يقصم الظهر.

القرآن استعمل لهذا المفهوم مفردة «الاستضعاف» التي تنطبق تماما على هذا المعنى أي «جعل الشيء ضعيفا» بالمعنى الواسع والشامل للكلمة ، جعل الفكر ضعيفا ، وجعل الإقتصاد ضعيفا ، وجعل السياسة ضعيفة إلخ

وقد اتسع مجال الاستعمار إلى درجة بحيث أصبحت كلمة الاستعمار «استعمارية» أيضا ، وذلك لأنّ مفهومها اللغوي قد انقلب رأسا على عقب تماما.

وعلى كل حال ، فإن الاستعمار من القصص الطويلة المثيرة للحزن والألم ، بحيث يمكن أن يقال أنّه يستوعب تاريخ البشرية أجمع وإن تغيّر وجهه دائما ، ولكن من غير المعلوم أنّه متى يزول من المجتمعات الإنسانية ، وتقوم حياة البشر على أساس التعاون والاحترام المتبادل بين الناس والمساعدة ليتقدم الواحد بعد الآخر في جميع المجالات ...؟!

* * *

٥٨٠

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608