الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 572

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 572 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 287830 / تحميل: 5231
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

مكانه من نفوسنا.

فكثير من الناس لا يزال ينظر الى قصّة يوسفعليه‌السلام على انها حادثة عشق طريف ، ومثله كمثل الدابّة التي يلوح لها البستان النضر المليء بالازهار ، الّا انّها تراه حفنة من «العلف» تسدّ جوعها :

وما يزال الكثير من الناس يضفي على القصّة افرازات خيالية كاذبة ليحرّف القصّة عن واقعها وهذا من عدم اللياقة وفقدان الجدارة وعدم قابلية المحل ، والّا فإنّ اصل القصّة جمع كل انواع القيم الانسانية العليا في نفسه.

وسنرى في المستقبل ـ بإذن الله ـ انّه لا يمكن تجاوز فصول هذه القصّة الجامعة والجميلة وكما يقول الشاعر في هذه القصّة :

يسكر من عطر الزهور الفتى

حتى يرى مفتقدا ثوبه!

* * *

اثر القصّة في حياة الناس

مع ملاحظة انّ القسم المهمّ من القرآن قد جاء على صورة تأريخ للأمم السابقة وقصص الماضين ، فقد يتساءل البعض : لم يحمل هذا الكتاب التربوي كل هذا «التأريخ» والقصص؟!

وتتضح العلة الحقيقية للموضوع بملاحظة عدّة نقاط :

١ ـ انّ التاريخ مختبر لنشاطات البشرية المختلفة ، وما رسمه الإنسان في ذهنه من الأفكار والتصورات يجده بصورة عينية على صفحات التأريخ. وبملاحظة انّ اكثر المعلومات البشرية توافقا مع الواقع والحقيقة هي التي تحمل جانبا حسيّا ، فإنّ دور التاريخ في اظهار الواقعيّات الحياتية يمكن دركه جيدا.

فالإنسان يرى بأم عينيه الهزيمة المردية ـ لامّة ما ـ نتيجة اختلافها وتفرقها ، كما يرى النجاح المشرق في قوم آخرين في ظل اتّحادهم وتوافقهم. فالتاريخ

١٢١

يتحدّث بلغة ـ من دون لسان ـ عن النتائج القطعية وغير القابلة للإنكار للتطبيقات العملية للمذاهب والخطط والبرامج عند كل قوم.

وقصص الماضين مجموعة من اكثر التجارب قيمة. ونعرف انّ خلاصة الحياة ومحصولها ليس شيئا سوى التجربة.

والتاريخ مرآة تنعكس عليها جميع ما للمجتمعات الانسانية من محاسن ومساوئ ورقي وانحطاط والعوامل لكلّ منها.

وعلى هذا فإنّ مطالعة تاريخ الماضين تجعل عمر الإنسان طويلا بقدر أعمارهم حقّا ، لانّها تضع مجموعة تجاربهم خلال أعمارهم تحت تصرفه واختياره.

ولهذا يقول الامام عليعليه‌السلام في حديثه التاريخي خلال وصاياه لولده الحسن المجتبى في هذا الصدد : «اي بني اني وان لم أكن عمّرت عمر من كان قبلي ، فقد نظرت في اعمالهم ، وفكّرت في اخبارهم ، وسرت في آثارهم ، حتى عدت كأحدهم ، بل كأنّي بما انتهى الي من أمورهم قد عمرت من اوّلهم الى آخرهم»(١) .

والتاريخ الذي نتحدث عنه طبعا هو التاريخ الخالي من الخرافات والأكاذيب والتملّقات والتحريفات والمسوخات.

ولكن ـ وللأسف ـ مثل هذا النوع من التاريخ قليل جدا.

ولا ينبغي ان نبعد عن النظر ما للقرآن من اثر في بيان «نماذج» من التاريخ الأصيل واراءتها.

التاريخ الذي ينبغي ان يكون كالمرآة الصافية لا المقعّرة.

التاريخ الذي لا يتحدث عن الوقائع فحسب ، بل يصل الى الجذور ويسترشف النتائج.

فمع هذه الحال لم لا يستند القرآن ـ الذي هو كتاب تربوي عال في فصوله ـ

__________________

(١) نهج البلاغة ، من كتاب لهعليه‌السلام لولده الحسن المجتبىعليه‌السلام .

١٢٢

على التاريخ ويأتي بالشواهد والأمثال من قصص الماضين؟! ٢ ـ ثمّ بعد هذا فإنّ للتاريخ والقصّة جاذبية خاصّة ، والإنسان واقع تحت هذا التأثير الخارق للعادة في جميع أدوار حياته من سنّ الطفولة حتى الشيخوخة.

ولذلك فإنّ التاريخ والقصّة يشكلان القسم الأكبر من آداب العالم وآثار الكتّاب. واحسن الآثار التي خلّفها الشعراء والكتاب الكبار سواء كانوا من بلاد العرب او من فارس او من بلاد اخرى هي قصصهم.

فأنت تلاحظ «الكلستان» ـ لسعدي و «الشاهنامة» لفردوسي و «الخمسة» للنظامي وكذلك آثار «فيجتور هيجو» الفرنسي و «شكسبير» الانجليزي و «غوته» الالماني جميعها كتبت على هيئة قصص جذابة».

والقصّة سواء كتبت نثرا او شعرا ، او عرضت على شاشة المسرح او بواسطة الفيلم السينمائي ، فإنّها تترك أثرا في المشاهد والمستمع دونها اثر الاستدلالات العقلية في مثل هذا التأثير.

والعلّة في ذلك قد تكون انّ الإنسان حسي بالطبع قبل ان يكون عقليا ويتخبط في المسائل المادية قبل ان يتعمق في المسائل الفكرية.

وكلما ابتعد الإنسان عن ميدان الحسّ في نفسها جانبا عقليا ، كانت هذه المسائل أثقل على الذهن وابطأ هضما.

ومن هنا نلاحظ انّه لأجل بيان الاستدلال العقلي يستمد المفكرين في المسائل الاجتماعية والحياتية المختلفة وتوغل في البعد العقلي من الامثلة الحسيّة ، وأحيانا يكون للمثال المناسب والمؤثر في الاستدلال قيمة مضاعفة ، ولذلك فإنّ العلماء الناجحين هم أولئك الذين لهم هيمنة على انتخاب احسن الامثلة.

ولم لا يكون الأمر كذلك ، والاستدلالات العقلية هي حصيلة المسائل الحسّية والعينيّة والتجريبيّة؟!

١٢٣

٣ ـ القصّة والتاريخ مفهومان عند كل احد ، على خلاف الاستدلالات العقلية ، فإنّ الناس في فهمها ليسوا سواسية وعلى هذا فإنّ الكتاب الشامل الذي يريد ان يستفيد منه البدوي الامّي والمتوحش الى الفيلسوف والمفكر الكبير ، يجب ان يكون معتمدا على التاريخ والقصص والامثلة.

ومجموعة هذه الجهات تبيّن انّ القرآن خطا احسن الخطوات في بيان التواريخ والقصص في سبيل التعليم والتربية ، ولا سيّما إذ التفتنا الى هذه النقطة ، وهي انّ القرآن لا يذكر الوقائع التاريخية في ايّ مجال بشكل عار من الفائدة ، بل يذكر معطياتها بشكل ينتفع بها تربويا ، كما سنلاحظ «النماذج» والامثلة في هذه السورة.

* * *

١٢٤

الآيات

( إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (٤) قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥) وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦) )

التّفسير

بارقة الأمل وبداية المشاكل :

بدا القرآن بذكر قصّة يوسف من رؤياه العجيبة ذات المعنى الكبير ، لانّ هذه الرؤيا في الواقع تعدّ اوّل فصل من فصول حياة يوسف المتلاطمة.

جاء يوسف في احد الايّام صباحا الى أبيه وهو في غاية الشوق ليحدثه عن رؤياه ، وليكشف ستارا عن حادثة جديدة لم تكن ذات اهمية في الظاهر ، ولكنّها كانت إرهاصا لبداية فصل جديد من حياته( إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي

١٢٥

رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ ) .

يقول ابن عباس : (انّ يوسف راى رؤياه ليلة الجمعة التي صادفت ليلة القدر) (ليلة تعيين الأقدار والآجال).

ولكن كم كان ليوسف من العمر حين راى رؤياه؟!

هناك من يقول : كان ابن تسع سنوات ، ومن يقول : ابن سبع ، ومنهم من يقول : ابن اثنتي عشرة سنة ، والقدر المسلم به انّه كان صبيّا.

وممّا يستلفت الانتباه الى جملة «رأيت» جاءت مكررة في الآية للتأكيد والقاطعية ، وهي اشارة الى ان يوسفعليه‌السلام يريد ان يقول : إذا كان كثير من الناس ينسون رؤياهم ويتحدثون عنها بالشك والتردّد ، فلست كذلك. بل اقطع بأنّي رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين لي دون شك.

واللطيفة الاخرى هي انّ ضمير «هم» الذي يأتي لجمع المذكر السالم العاقل ، قد استعمل للكواكب والشّمس والقمر ، ومثل هذا الاستعمال «ساجدين» ايضا اشارة الى انّ سجود الكواكب لم يكن من قبيل الصدفة بل كان امرا مدروسا ومحسوبا كما يسجد الرجال العقلاء!

وواضح ـ طبعا ـ انّ السجود المقصود منه هنا هو الخضوع والتواضع ، والّا فإنّ السجود المعروف عند الناس لا مفهوم له بالنسبة للكواكب والشمس والقمر.

ان هذه الرؤيا المثيرة ذات المغزى تركت يعقوب النّبي غارقا في التفكير فالقمر والشمس والكواكب ، واي الكواكب! انّها احد عشر يسجدون جميعا لولدي يوسف ، كم هي رؤيا ذات مغزى! لا شك انّ الشمس والقمر «انا وامه او خالته» والكواكب الأحد عشر اخوته ، هكذا يرتفع قدر ولدي حتى تسجد له الشمس والقمر وكواكب السّماء.

ان ولدي «يوسف» عزيز عند الله إذا راى هذه الرؤيا المثيرة! لذلك توجه الى يوسف بلهجة يشوبها الاضطراب والخوف المقرون

١٢٦

«بالفرحة» و( قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً ) وانا اعرف( إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) وهو منتظر الفرصة ليوسوس لهم ويثير نار الفتنة والحسد وليجعل الاخوة يقتتلون فيما بينهم.

الطريف هنا انّ يعقوب لم يقل «أخاف من إخوتك ان يقصدوا إليك بسوء» بل اكّد ذلك على انّه امر قطعي ، وخصوصا بتكرار «الكيد» لانّه كان يعرف نوازع ابنائه وحساسيّاتهم بالنسبة لأخيهم يوسف ، وربّما كان اخوته يعرفون تأويل الرؤيا ، ثمّ انّ هذه الرؤيا لم تكن بشكل يعسر تعبيرها.

ومن جهة اخرى لا يتصور ان تكون هذه الرؤيا شبيهة برؤيا الأطفال ، إذ يمكن احتمال رؤية الأطفال للشمس والقمر والكواكب في منامهم ، ولكن ان تكون الشمس والقمر والكواكب موجودات عاقلة وتنحني بالسجود لهم ، فهذه ليست رؤيا أطفال ومن هذا المنطلق خشي يعقوب على ولده يوسف نائرة الحسد من اخوته عليه.

ولكن هذه الرؤيا لم تكن دليلا على عظمة يوسف في المستقبل من الوجهة الظاهرية والمادية فحسب ، بل تدل على مقام النبوّة التي سيصل إليها يوسف في المستقبل.

ولذلك فقد أضاف يعقوب ـ لولده يوسف ـ قائلا :( وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ ) (١) ( الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ ) .

اجل فإنّ الله على كل شيء قدير و( إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) .

* * *

__________________

(١) «التأويل» في الأصل إرجاع الشيء ، وكل عمل او كل حديث يصل الى الهدف النهائي يطلق عليه «تأويل» وتحقق الرؤيا في الخارج مصداق للتأويل و «الأحاديث» جمع الحديث ، وهو نقل ما يجري ، والحديث هنا كناية عن الرؤيا لان الإنسان ينقلها للمعبرين.

١٢٧

ملاحظات

١ ـ الرّؤيا والحلم

انّ مسألة الرؤيا في المنام من المسائل التي تستقطب أفكار الافراد العاديين من الناس والعلماء في الوقت نفسه.

فما هذه الأحلام التي يراها الإنسان في منامه من احداث سيئة او حسنة ، وميادين موحشة او مؤنسة ، وما يثير السرور او الغم في نفسه؟!

أهي مرتبطة بالماضي الذي عشعش في اعماق روح الإنسان وبرز الى الساحة بعد بعض التبديلات والتغييرات؟ ام هي مرتبطة بالمستقبل الذي تلتقط صوره عدسة الروح برموز خاصّة من الحوادث المستقبلية؟! او هي انواع مختلفة ، منها ما يتعلق بالماضي ، ومنها ما يتعلق بالمستقبل ، ومنها ناتج عن الميول النفسية والرغبات وما الى ذلك ...؟!

انّ القرآن يصرّح في آيات متعددة انّ بعض هذه الأحلام ـ على الأقل ـ انعكاسات عن المستقبل القريب او البعيد.

وقد قرانا عن رؤيا يوسف في الآيات المتقدمة ، كما سنرى قصّة الرؤيا التي حدثت لبعض السجناء مع يوسف في الآية (٣٦) وقصّة رؤيا عزيز مصر في الآية (٤٣) وجميعها تكشف الحجب عن المستقبل.

وبعض هذه الحوادث ـ كما في رؤيا يوسف ـ تحقق في وقت متأخر نسبيا «يقال انّ رؤيا يوسف تحققت بعد أربعين سنة» وبعضها تحقق في المستقبل القريب كما في رؤيا عزيز مصر ولمن في السجن مع يوسف.

وفي غير سورة يوسف إشارات الى الرؤيا التي كان لها تعبير ايضا ، كما ورد في سورة الفتح عن رؤيا النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما ورد في سورة الصافات عن رؤيا إبراهيم الخليل «وهذه الرؤيا كانت وحيا الهيا بالاضافة لما حملت من تعبير».

ونقرا في الحديث عن النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الرؤيا قوله : «الرؤيا ثلاث :

١٢٨

بشرى من الله ، وتحزين من الشيطان ، والذي يحدث به الإنسان نفسه فيراه في منامه»(١) .

وواضح انّ أحلام الشيطان ليست شيئا حتى يكون لها تعبير ، ولكن ما يكون من الله في الرؤيا فهي تحمل بشارة حتما ويجب ان تكون رؤيا تكشف الستار عن المستقبل المشرق.

وعلى كل حال يلزمنا هنا ان نبيّن النظرات المختلفة في حقيقة الرؤيا ، ونشير إليها بأسلوب مكثف مضغوط.

والتفاسير في حقيقة الرؤيا كثيرة ويمكن تصنيفها الى قسمين هما :

١ ـ التّفسير المادي

٢ ـ التّفسير المعنوي

١ ـ التّفسير المادي :

يقول الماديون : يمكن ان تكون للرؤيا عدّة علل :

الف : قد تكون الرؤيا نتيجة مباشرة للأعمال اليومية ، اي انّ ما يحدث للإنسان في يومه قد يراه في منامه.

ب ـ وقد تكون الرؤيا عبارة عن سلسلة من الاماني ، فيراها الإنسان في النوم كما يرى الظمآن في منامه الماء ، او ان إنسانا ينتظر مسافرا فيراه في منامه قادما من سفره.

ج ـ وقد يكون الباعث للرؤيا الخوف من شيء ما ، وقد كشفت التجارب ان الذين يخافون من لص يرونه في النوم.

امّا فرويد واتباعه فلديهم مذهب خاص في تفسير الأحلام ، إذ انهم بعد

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ١٤ ، ص ٤٤ ويضيف بعض العلماء قسما رابعا على هذه الأقسام ، هو الرؤيا التي تكون نتيجة مباشرة عن الوضع المزاجي والجسماني للإنسان ، وسيشار إليها في البحوث المقبلة ان شاء الله.

١٢٩

شرح بعض المقدمات يقولون : انّ الرؤيا عبارة عن إرضاء الميول المكبوتة التي تحاول الظهور على مسرح الوعي بعد تحويرها وتبدّلها في عملية خداع الانا.

ولزيادة الإيضاح يقولون : ـ بعد قبول ان النفس البشرية مشتملة على قسمين «الوعي» وهو ما له ارتباط بالأفكار اليومية والمعلومات الارادية والاختيارية للإنسان ، و «اللّاوعي» وهو ما خفي في باطن الإنسان بصورة رغبة لم تتحقق ـ فكثيرا ما يحدث ان تكون لنا ميول لكننا لم نستطع ارضاءها ـ لظروف ما ـ فتأخذ مكانها في ضمير الباطن : وعند النوم حين يتعطل جهاز الوعي تمضي في نوع من إشباع التخيل الى الوعي نفسه ، فتنعكس أحيانا دون تغيير [كمثل العاشق الذي يرى في النوم معشوقته] وأحيانا تتغير اشكالها وتنعكس بصور مناسبة ، وفي هذه الحالة تحتاج الرؤيا الى تعبير.

فعلى هذا تكون الأحلام مرتبطة بالماضي دائما ولا تخبر عن المستقبل ابدا ، نعم يمكن ان تكون وسيلة جيدة لقراءة «ضمير اللاوعي!».

ومن هنا فهم يستعينون لمعالجة الأمراض النفسيّة المرتبطة بضمير «اللاوعي» باستدراج أحلام المريض نفسه.

ويعتقد بعض علماء التغذية انّ هناك علاقة بين الرؤيا وحاجة البدن للغذاء ، فمثلا لو راى الإنسان في نومه دما يقطر من أسنانه ، فتعبير ذلك انّ بدنه يحتاج الى فيتامين (ث) وإذا رأى في نومه أن شعر رأسه صار أبيضا ، فمعناه انّه مبتلى بنقص فيتامين (ب).

٢ ـ التّفسير المعنوي

وامّا الفلاسفة الميتافيزيقيون فلهم تفسير آخر للرؤيا ، حيث يقولون : انّ الرؤيا والأحلام على اقسام :

١ ـ الرّؤيا المرتبطة بماضي الحياة حيث تشكل الرغبات والامنيات قسما

١٣٠

مهما من هذه الأحلام.

٢ ـ الرؤيا غير المفهومة والمضطربة وأضغاث الأحلام التي تنشأ من التوهم والخيال (وان كان من المحتمل ان يكون لها دافع نفسي.

٣ ـ الرّؤيا المرتبطة بالمستقبل والتي تخبر عنه.

وممّا لا شك فيه انّ الأحلام المتعلقة بالحياة الماضية وتجسّد الأمور التي راها الإنسان في طول حياته ليس لها تعبير خاص ومثلها الاطياف المضطربة او ما تسمى بأضغاث أحلام التي هي افرازات الأفكار المضطربة ، كالاطياف التي تمرّ بالإنسان وهو في حال الهذيان او الحمّى ، فهي ـ ايضا ـ لا يمكن ان تكون تعبيرا عن مستقبل الحياة ولهذا فإنّ علماء النفس يستفيدون من هذه الأحلام ويتخذونها نوافذ للدخول الى ضمير اللّاوعي في البشر ، ويعدّونها مفاتيح لعلاج الأمراض النفسيّة ، ويكون تعبير الرؤيا عند هؤلاء لكشف الأسرار النفسية وأساس الأمراض ، لا لكشف حوادث المستقبل في الحياة!

امّا الأحلام المتعلقة بالمستقبل فهي على نحوين :

قسم منها أحلام واضحة وصريحة لا تحتاج الى تعبير وأحيانا تتحقق بشكل عجيب في المستقبل القريب او البعيد دون اي تفاوت.

وهناك قسم آخر من هذه الأحلام التي تتحدث عن المستقبل ، ولكنّها في الوقت ذاته غير واضحة ، وقد تغيّرت نتيجة العوامل الذهنية والروحيّة الخاصّة فتحتاج الى تعبير.

ولكل من هذه الأحلام نماذج ومصاديق كثيرة ، ولا يمكن إنكارها جميعا ، لانّها لا في المصادر المذهبية او الكتب التأريخية ـ فحسب ـ بل تتكرر في حياتنا او حياة من نعرفهم بشكل لا يمكن عدّه من باب المصادفات والاتفاقات!.

* * *

١٣١

ونذكر هنا عدّة نماذج من الأحلام الصادقة التي كشفت بشكل عجيب عن حوادث مستقبلية سمعناها من افراد موثوقين :

١ ـ المرحوم الآخوند ملا علي من علماء همدان الموثوقين والمعروفين ينقل عن المرحوم الميرزا عبد النّبي النوري وهو من علماء طهران الكبار هذه القضية :

عند ما كنت في سامراء كان يصلني سنويا من مدينة مازندران مبلغ بمقدار مائة تومان تقريبا ، وعلى أساس هذا الأمر كنت استقرض دائما مقدار حاجتي من المؤونة وعند ما يصلني هذا المبلغ كنت أقوم بتسديد هذه القروض.

وفي احد الأعوام جاءني خبر مؤسف ، وهو انّ المحصول الزراعي في مازندران سيء للغاية بسبب القحط ، ولهذا فإنّهم يعتذرون عن عدم إرسال المبلغ المقرر في هذه السنة ، ولما سمعت بذلك تألمت بشدّة ونمت وانا في هذه الحال من الهم والغم ، فرأيت في عالم الرؤيا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يدعوني ويقول : يا فلان ، قم وافتح تلك الخزانة (وأشار الى خزانة في الحائط) وخذ منها مائة تومان موجودة هناك. فانتبهت من النوم ، ولم تمض فترة حتى طرقت الباب بعد الظهر ، فرأيت رسول الميرزا الشيرازيقدس‌سره المرجع الكبير للشيعة وقال لي : انّ الميرزا يدعوك : فتعجبت من هذه الدعوة في هذا الوقت بالذات. فذهبت اليه فرأيته جالسا في حجرته (وقد نسيت الرؤيا تماما) وفجأة قال لي المرحوم الميرزا الشيرازي : يا ميرزا عبد النّبي افتح باب تلك الخزانة وخذ منها مائة تومان موجودة هناك. فتذكرت الرؤيا فورا وتعجبت كثيرا وأردت ان أقول شيئا ، ولكني شعرت بأنّه لا يرغب في ذلك ، فقمت الى الخزانة فأخذت المبلغ المذكور وخرجت.

٢ ـ وينقل صديق ـ وهو محل اعتماد ـ ان المرحوم التبريزي صاحب كتاب «ريحانة الأدب» كان له ولد يشكو من يده اليمنى (ربّما كان مبتلى بالروماتيزم)

١٣٢

بشكل يصعب عليه ان يمسك القلم بيده ، فتقرر ان يسافر الى المانيا للمعالجة ويقول : حين كنت في السفينة رأيت في المنام ان امي توفيت ففتحت التقويم السنوي وسجلت الحادثة ـ مقيدة بالساعة واليوم ـ ولم تمض فترة حتى رجعت الى بلدي فاستقبلني جماعة من الأقاربوالأصدقاء فوجدتهم لبسوا ثياب الحداد فتعجبت ، وكنت قد نسيت الرؤيا ، وأخيرا أخبرت ـ بالتدريج ـ ان امي توفيت ، فتذكرت مباشرة رؤياي في السفينة فأخرجت التقويم وسألت عن اليوم الذي توفيت فيه فكان مطابقا لذلك اليوم تماما.

٣ ـ يقول سيد قطب في تفسيره «في ظلال القرآن» في هامشه على الآيات المتعلقة بسورة يوسف : «إذا كنت أنكر جميع ما قلتم في الرؤيا فلن أستطيع ان أنكر ما حدث لي يوم كنت في امريكا ابدا رأيت هناك في المنام انّ ابن أختي قد نزفت عيناه دما ولا يستطيع ان يرى (كان ابن أختي وسائر أعضاء اسرتي بمصر) فاستوحشت ممّا رأيت وكتبت رسالة الى اسرتي بمصر فورا ، وسألتهم عن حال ابن أختي بوجه خاص ، فلم تمض فترة حتى جاءتني الجواب الذي يخبرني بأنّ ابن أختي مبتلى بنزيف داخلي في عينيه ولا يستطيع ان يرى ، وهو مشغول بالمعالجة.

وممّا يستلفت النظر انّ النزف الداخلي كان بشكل لا يمكن رؤيته الّا بالاجهزة الطبيّة ، وقد حرم ابن أختي من النظر والرؤية على كل حال. غير انني رأيت في منامي حتى هذه المسألة الدقيقة.

ان الأحلام التي تكشف الحجب عن الأسرار والحقائق المرتبطة بالمستقبل ، او الحقائق الخفيّة المتعلقة بالحاضر ، هي اكثر من ان تحصر ، وليس بمقدور بعض الافراد الذي لا يعتقدون بهذه الحقائق إنكارها ، او حملها على المصادفة والاتفاق!

من خلال التحقيق مع الأصدقاء القريبين يمكن الحصول على شواهد

١٣٣

كثيرة من هذه الأحلام ، وهذه الأحلام لا يمكن تعبيرها عن طريق التّفسير المادي ابدا ، وانما الطريق الوحيد هو تعبير فلاسفة الروح والاعتقاد باستقلال الروح ، ومن مجموع هذه الأحلام يمكن ان نستفيد منها كشاهد على استقلال الروح.

٢ ـ في الآيات ـ محل البحث ـ نلاحظ ان يعقوب ـ بالاضافة الى تحذيره لولده يوسف من ان يقصّ رؤياه على اخوته ـ فإنّه عبر عن رؤياه بصورة اجماليّة وقال له( وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ ) .

ودلالة رؤيا يوسف على انّه سيبلغ في المستقبل مقامات كبيرة معنوية ومادية يمكن دركها تماما ولكن يبرز هذا السؤال ، وهو : كيف عرف يعقوب انّ ابنه يوسف سيعلمتأويل الأحاديث في المستقبل؟ اهو خبر أخبره يعقوب ليوسف مصادفة ولا علاقة له بالرؤيا ، ام انّه اكتشف ذلك من رؤيا يوسف؟

الظاهر ان يعقوب فهم ذلك من رؤيا يوسف ، ويمكن ان يكون ذلك عن احد طريقين :

الاوّل : انّ يوسف في حداثة سنّه وقد نقل لأبيه ـ خاصّة ـ بعيدا عن أعين اخوته (لانّ أباه أوصاه ان لا يقصّها على اخوته) وهذا الأمر يدلّ على ان يوسف نفسه كان له احساس خاص برؤياه بحيث لم يقصصها بمحضر الجميع

ولانّ مثل هذا الاحساس في صبيّ ـ كيوسفعليه‌السلام ـ يدلّ على انّ له استعدادا روحيّا لتعبير الرؤيا ، وانّ أباه قد احسّ بهذا الاستعداد وبالتربية الصحيحة سيكون له في المستقبل حظّ زاهر في هذا المجال.

الثّاني : انّ ارتباط الأنبياء ، بعالم الغيب له عدّة طرق ، فمرّة عن طريق «الإلهامات القلبية» وتارة عن طريق «ملك الوحي» واخرى عن طريق «الرؤيا».

وبالرغم من انّ يوسف لم يكن نبيّا في ذلك الوقت ، لكن رؤيته لهذه الرؤيا ذات المعنى الكبير يدلّ على ان سيكون له ارتباط بعالم الغيب في المستقبل ،

١٣٤

ولا بدّ أن يعرف تعبير الرؤيا ـ طبعا ـ حتى يكون له مثل هذا الارتباط.

٣ ـ من الدروس التي نستلهمها من هذا القسم من الآيات ان نحفظ الأسرار ، وينبغي ان يطبق هذا الدرس أحيانا حتى امام الاخوة ، فدائما تقع في حياة الإنسان اسرار لو اذيعت وفشت بات مستقبله او مستقبل مجتمعه معرضا للخطر ، والمواظبة على حفظ هذه الأسرار دليل على سعة الروح وتملك الارادة ، فكثير من ضعاف الشخصيّة أوقعوا أنفسهم او مجتمعهم في الخطر بسبب افشاء الأسرار ، وكم يرى الإنسان ـ من مساءة وضرر لانّه ترك حفظ الأسرار وفي هذا المجال ورد حديث عن الامام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام إذ قال : «لا يكون المؤمن مؤمنا حتى تكون فيه ثلاث خصال : سنّة من ربّه ، وسنّة من نبيّه ، وسنّة من وليّه. فأمّا السّنة من ربّه فكتمان السرّ ، وامّا السّنة من نبيّه فمداراة الناس ، وامّا السّنة من وليّه فالصبر على البأساء والضراء»(١) .

وورد حديث عن الامام الصادقعليه‌السلام يقول : «سرّك من دمك فلا يجرينّ من غير أوداجك»(٢) .

* * *

__________________

(١) بحار الأنوار ، ط جديدة ، ج ٧٨ ، ص ٣٣٤.

(٢) سفينة البحار ، مادة : كتم.

١٣٥

الآيات

( لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (٩) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠) )

التّفسير

المؤامرة :

من هنا تبدا قصّة مواجهة اخوة يوسف واشتباكهم معه : ففي الآية الاولى ـ من الآيات محل البحث ـ اشارة الى الدروس التربوية الكثيرة التي توحيها القصّة ، إذ تقول الآية :( لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ ) .

وفي انّ المراد بالسائلين ، من هم؟ يقول بعض المفسّرين كالقرطبي في التّفسير الجامع وغيره : انّ هؤلاء السائلين هم جماعة من يهود المدينة ، جاؤوا

١٣٦

يسألون النّبي اسئلة في هذا المجال ، ولكن ظاهر الآية مطلق ، فلا مرجّح لانّ يكون المراد بالسائلين هم اليهود دون غيرهم.

وايّ درس أعظم من ان يجتمع عدّة افراد لإهلاك فرد ضعيف ووحيد ـ في الظاهر ـ وبخطط اعدّها الحسد ، ويبذلون أقصى جهودهم لهذا الأمر ، ولكن نفس هذا العمل ـ ودون شعور وارادة منهم ـ بات سببا في تربّعه على سرير الملك وصيرورته آمرا على البلد الكبير «مصر» ثمّ يأتي اخوته في النهاية ليطأطئوا برؤوسهم إعظاما له ، وهذا يدلّ على ان الله إذا أراد امرا فهو قادر على ان يجريه حتى على ايدي من يخالفون ذلك الأمر ، ليتجلّى ان الإنسان المؤمن الطاهر ليس وحيدا في هذا العالم ، فلو سعى جميع افراد هذا العالم الى إزهاق روحه والله لا يريد ذلك ، فإنهم لا يستطيعون ان يسلبوا منه شعرة واحدة.

كان ليعقوب اثنا عشر ولدا ، واثنان منهم : يوسف وبنيامين وهما من ام واحدة اسمها راحيل ، وكان يعقوب يولي هذين الولدين محبّة خاصّة ، لا سيما يوسف.

لانّهما اوّلا : أصغر أولاده ، وبالطبع فهما يحتاجان الى العناية والرعاية والمحبة.

وثانيا : لانّ امّهما ارتحلت من الدنيا ـ طبقا لبعض الرّوايات ـ وبعد هذا كلّه كانت بوادر النبوغ والذكاء والحادّ ترتسم على يوسف ، وهذه الأمور ادّت الى ان أن يولي يعقوب ابنه هذا عناية اكثر.

الّا ان الاخوة الحساد ـ دون ان يلتفتوا الى هذه الجهات ـ تألّموا من حبّ أبيهم ليوسف وأخيه ، وخاصّة بعد اختلافهم في الام والمنافسة الطبيعية المترتبة على هذا الأمر. لهذا اجتمعوا فيما بينهم وتدارسوا الأمر وصمموا على المؤامرة( إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ) (١) .

__________________

(١) «العصبة» معناها الجماعة المتفقون على الأمر ، وهذه الكلمة معناها الجمع الّا لا مفرد لها من جنسها.

١٣٧

وحكموا على أبيهم من جانب واحد بقولهم :( إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) .

ان نار الحسد والحقد لم تدعهم ليفكروا في جميع جوانب الأمر ليكتشفوا دلائل علاقة الحبّ التي تربط يعقوب بولديه يوسف وبنيامين ، لانّ المنافع الخاصّة لكل فرد تجعل بينه وبين عقله حجابا فيقضي من جانب واحد لتكون النتيجة «الضلال عن جادة الحق والعدل» وبالطبع فإنّ اتهامهم لأبيهم بالضلالة ، لم يكن المقصود منها الضلالة الدينية ، لانّ الآيات الآتية تكشف عن اعتقادهم بنبوّة أبيهم ، وانما استنكروا طريقة معاشرته فحسب.

ثمّ ادّى بهم الحسد الى ان يخططوا لهذا الأمر ، فاجتمعوا وقدموا مقترحين وقالوا :( اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً ) ـ أرسلوه الى منطقة بعيدة ـ( يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ ) .

ومن الحق ان تشعروا بالذنب والخجل في وجدانكم لانّكم تقدمون على هذه الجناية في حق أخيكم الصغير ، ولكن يمكن أن تتوبوا وتغسلوا الذنب( تَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ ) .

وهناك احتمال آخر لتفسير هذه الآية هو انّكم إذا أبعدتم أخاكم عن عيني أبيكم يصلح ما بينكم وبين أبيكم وتذهب اتعابكم ويزول اذاكم من هذا الموضوع ، ولكن التّفسير الاوّل اقرب للنظر!

وعلى كل حال فإنّ هذه الجملة تدلّ على احساسهم بالذنب من هذا العمل ، وكانوا يخافون الله في اعماق قلوبهم ، ولذلك قالوا : نتوب ونكون من بعده قوما صالحين.

ولكن المسألة المهمة هنا هي انّ الحديث عن التوبة قبل الجريمة ـ في الواقع ـ هو لأجل خداع «الوجدان» واغرائه وفتح الباب للدخول الى الذنب ، فلا يعدّ دليلا على الندم ابدا.

وبتعبير آخر : انّ التوبة الواقعية هي التي توجد بعد الذنب حالة من الندم

١٣٨

والخجل للإنسان ، وامّا الكلام في التوبة قبل الذنب فليس توبة.

وتوضيح ذلك انّه كثيرا ما يقع أن الإنسان حين يواجه الضمير و «الوجدان» عند الاقدام على الذنب ، او حين يكون الاعتقاد الديني سدّا وحاجزا امامه يمنعه عن الذنب وهو مصمم عليه ، فمن اجل ان يجتاز حاجز الوجدان او الشرع بيسر ، يقوم الشخص بخداع نفسه وضميره يأتي سوف اقف مكتوف اليدين بعد الذنب ، بل سأتوب وامضي الى بيت الله وأؤدي الأعمال الصالحة ، وسأغسل جميع آثار الذنوب.

اي انّه في الوقت الذي يرسم الخطة الشيطانية للاقدام على الذنب ، يرسم خطة شيطانية اخرى لمخادعة الضمير والوجدان وللاعتداء على عقيدته! فإلى ايّ درجة تبلغ هذه الخطة من السوء بحيث تمكّن الإنسان من تحقيق الجناية والذنب وكسر الحاجز الديني الذي يقف امامه!! انّ اخوة يوسف دخلوا من هذا الطريق ايضا.

المسألة الدقيقة الاخرى في هذه الآية : انّهم قالوا :( يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ ) ولم يقولون : يخل لكم قلب أبيكم ، وذلك لانّهم لم يطمئنّوا الى انّ أباهم ينسى يوسف بهذه السرعة فيكفي ان يتوجه إليهم أبوهم ، ولو ظاهرا!

وهناك احتمال آخر لهذا التعبير ، وهو أنّ الوجه والعينين نافذتان الى القلب ، فمتى ما خلا الوجه لهم فإنّ القلب سيخلو ويتوجه إليهم بالتدريج.

ولكن كان من بين الاخوة من هو اكثر ذكاء وارق عاطفة ووجدانا ، لانّه لم يرض بقتل يوسف او إرساله الى البقاع البعيدة التي يخشي عليه من الهلاك فيها فاقترح عليهم اقتراحا ثالثا ، وهو ان يلقى في البئر (بشكل لا يصيبه مكروه) لتمرّ قافلة فتأخذه معها ، ويغيب عن وجه أبيه ووجوههم ، حيث تقول الآية في هذا الصدد( قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ ) .

* * *

١٣٩

ملاحظات

١ ـ «الجبّ» معناه «البئر» التي لم تنضّد بالطابوق والصخور ، ولعلّ اغلب آبار الصحراء على هذه الشاكلة.

و «الغيابة» المخبأ من البئر الغائب عن النظر ولعلّ هذا التعبير يشير الى ان الآبار الصحراوية يصنع في قعرها مكان قريب من الماء ، بحيث لو أراد احد النزول الى البئر ليستفيد من الماء ، فإنّه يستطيع ان يجلس هناك ويملا دلوه من ذلك الماء دون ان ينزل هو في الماء ، وبالطبع فإنّ من ينظر البئر من فوقها لا يرى ذلك المكان ولذلك سمي «غيابة»(١) .

٢ ـ لا شك انّ اقتراح هذا القائل( أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ ) لم يكن الهدف منه موت يوسف في البئر ، بل بقاءه سالما لتنقذه القافلة عند مرورها على البئر للاستسقاء.

٣ ـ يستفاد من جملة( إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ ) انّ القائل لم يكن يرغب ـ أساسا ـ حتى بهذا الاقتراح ولعله كان لا يوافقهم على إيذاء يوسف أصلا.

٤ ـ هناك اختلاف بين المفسّرين في اسم هذا الأخ القائل( لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ ) فقال بعضهم : اسمه «روبين» وكان اذكاهم ، وقال بعضهم : اسمه «يهودا» وقال آخرون : اسمه «لاوى».

٥ ـ اثر الحسد المدمّر في حياة الناس

الدرس الآخر الذي نتعلّمه من هذه القصّة ، وهو انّ الحسد يمكن ان يدفع الإنسان حتى الى قتل أخيه ، او إيجاد المشاكل له ، فنار الحسد إذا لم يمكن إخمادها فإنّها ستحرق صاحبها بالاضافة الى إحراق الآخرين بها.

وأساسا إذا حرم الإنسان من نعمة أنعمها الله على عبد سواه ، فإنّه سيكون

__________________

(١) مقتبس من تفسير المنار في تفسير الآية.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وعنده حقة، أخذت منه، وأعطي معها شاتين أو عشرين درهما. فإن وجبت عليه حقة، وعنده جذعة، أخذت منه، وردّ عليه شاتان أو عشرون درهما.

فأمّا زكاة البقر، فليس في شي‌ء منها زكاة، الى أن تبلغ ثلاثين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها تبيع حولي. ثمَّ ليس فيما زاد عليها شي‌ء، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها مسنّة. وكلّ ما زاد على ذلك، كان هذا حكمه: في كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنّة.

وأمّا الغنم، فليس فيها زكاة، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها شاة. ثمَّ ليس فيها شي‌ء، الى أن تبلغ مائة وعشرين. فإذا بلغت ذلك، وزادت واحدة، كان فيها شاتان الى أن تبلغ مائتين. فإذا بلغت وزادت واحدة، كان فيها ثلاث شياه الى أن تبلغ ثلاثمائة. فإذا بلغت ذلك، وزادت واحدة، كان فيها أربع شياه. ثمَّ تترك هذه العبرة فيما زاد عليه، وأخذ من كلّ مائة شاة.

وأمّا الخيل إذا كانت عتاقا كان على كلّ واحدة منها في في كلّ سنة ديناران. وإن كانت براذين كان على كلّ واحدة منها دينار واحد. ومن حصل عنده من كلّ جنس تجب فيه الزّكاة أقلّ من النّصاب الذي فيه الزّكاة، وإن كان لو جمع لكان أكثر من النّصاب والنّصابين، لم يكن عليه شي‌ء، حتى

١٨١

يبلغ كلّ جنس منه، الحدّ الذي تجب فيه الزّكاة. ولو أنّ إنسانا ملك من المواشي ما تجب فيه الزّكاة، وإن كانت في مواضع متفرّقة، وجب عليه فيها الزّكاة. وإن وجد في موضع واحد من المواشي ما تجب فيه الزكاة لملّاك جماعة لم يكن عليهم فيها شي‌ء على حال. ولا بأس أن يخرج الإنسان ما يجب عليه من الزّكاة من غير الجنس الذي يجب عليه فيه بقيمته. وإن أخرج من الجنس، كان أفضل.

باب الوقت الذي تجب فيه الزكاة

لا زكاة في الذّهب والفضّة حتّى يحول عليهما الحول بعد حصولهما في الملك. فان كان مع إنسان مال أقلّ ممّا تجب فيه الزّكاة، ثمَّ أصاب تمام النّصاب في وسط السّنة، فليس عليه فيه الزّكاة حتّى يحول الحول على القدر الذي تجب فيه الزّكاة. وإذا استهلّ هلال الشّهر الثّاني عشر، فقد حال على المال الحول، ووجبت فيه الزّكاة. فإن أخرج الإنسان المال عن ملكه قبل استهلال الثّاني عشر، سقط عنه فرض الزّكاة. وإن أخرجه من ملكه بعد دخول الشّهر الثّاني عشر، وجبت عليه الزّكاة، وكانت في ذمّته الى أن يخرج منه.

وأمّا الحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب، فوقت الزّكاة فيها حين حصولها بعد الحصاد والجذاذ والصّرام، ثمَّ ليس فيها

١٨٢

بعد ذلك شي‌ء، وإن حال عليها حول، إلّا أن تباع بذهب أو فضّة، وحال عليهما الحول، فتجب حينئذ فيه الزّكاة.

وأمّا الإبل والبقر والغنم، فليس في شي‌ء منها زكاة، حتّى يحول عليها الحول من يوم يملكها. وكلّ ما لم يحل عليه الحول من صغار الإبل والبقر والغنم، لا تجب فيه الزّكاة. ولا يجوز تقديم الزّكاة قبل حلول وقتها. فإن حضر مستحقّ لها قبل وجوب الزّكاة، جاز أن يعطى شيئا ويجعل قرضا عليه. فإذا جاء الوقت، وهو على تلك الصّفة من استحقاقه لها، احتسب له من الزّكاة. وإن كان قد استغنى، أو تغيّرت صفته التي يستحقّ بها الزّكاة، لم يجزئ ذلك عن الزّكاة، وكان على صاحب المال أن يخرجها من الرأس.

وإذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور ولا يؤخّره. فإن عدم المستحقّ له، عزله عن ماله، وانتظر به المستحق. فإن حضرته الوفاة، وصى به أن يخرج عنه. وإذا عزل ما يجب عليه من الزّكاة، فلا بأس أن يفرّقه ما بينه وبين شهر وشهرين، ولا يجعل ذلك أكثر منه. وما روي عنهمعليهم‌السلام ، من الأخبار في جواز تقديم الزّكاة وتأخيرها، فالوجه فيه ما قدّمناه في أنّ ما يقدّم منه يجعل قرضا، ويعتبر فيه ما ذكرناه، وما يؤخّر منه إنّما يؤخّر انتظار المستحق، فأمّا مع وجوده، فالأفضل إخراجه إليه على البدار حسب ما قدّمناه.

١٨٣

باب مستحق الزكاة وأقل ما يعطى وأكثر

الذي يستحق الزّكاة هم الثّمانية أصناف الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن: وهم الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، و( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ ) ، والغارمون،( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وابن السّبيل.

فأمّا الفقير فهو الذي له بلغة من العيش. والمسكين الذي لا شي‌ء معه. وأمّا العاملون عليها فهم الذين يسعون في جباية الصّدقات.

وأمّا المؤلّفة فهم الذين يتألّفون ويستمالون إلى الجهاد.

(وَفِي الرِّقابِ ) وهم المكاتبون والمماليك الذين يكونون تحت الشّدة العظيمة. وقد روي أنّ من وجبت عليه كفّارة عتق رقبة في ظهار أو قتل خطإ وغير ذلك، ولا يكون عنده، يشترى عنه ويعتق.

والغارمون هم الذين ركبتهم الدّيون في غير معصية ولا فساد.

( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) وهو الجهاد.

وابن السّبيل وهو المنقطع به. وقيل أيضا: إنّه الضّيف الذي ينزل بالإنسان ويكون محتاجا في الحال، وإن كان له يسار في بلده وموطنه.

١٨٤

فإذا كان الإمام ظاهرا، أو من نصبه الإمام حاصلا، فتحمل الزّكاة إليه، ليفرّقها على هذه الثّمانية الأصناف. ويقسم بينهم على حسب ما يراه. ولا يلزمه أن يجعل لكل صنف جزءا من ثمانية، بل يجوز أن يفضّل بعضهم على بعض، إذا كثرت طائفة منهم وقلّت آخرون.

وإذا لم يكن الإمام ظاهرا، ولا من نصبه الإمام حاصلا، فرّقت الزّكاة في خمسة أصناف من الذين ذكرناهم، وهم الفقراء والمساكين( وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ ) وابن السّبيل. ويسقط سهم( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) وسهم السّعاة وسهم الجهاد، لأنّ هؤلاء لا يوجدون إلّا مع ظهور الإمام. لأن الْمُؤَلَّفَةَ( قُلُوبُهُمْ ) إنّما يتألّفهم الإمام ليجاهدوا معه، والسّعاة أيضا إنّما يكونون من قبله في جميع الزّكوات، والجهاد أيضا إنّما يكون به أو بمن نصبه. فإذا لم يكن هو ظاهرا ولا من نصبه، فرّق فيمن عداهم.

والذين يفرّق فيهم الزّكاة ينبغي أن يحصل لهم مع الصّفات التي ذكرناها أن يكونوا عارفين بالحقّ معتقدين له. فإن لم يكونوا كذلك، فلا يجوز أن يعطوا الزّكاة. فمن أعطى زكاته لمن لا يعرف الحق، لم يجزئه، وكان عليه الإعادة. ولو أنّ مخالفا أخرج زكاته الى أهل نحلته، ثمَّ استبصر، كان عليه إعادة الزّكاة. ولا يجوز أن يعطى الزّكاة من أهل المعرفة إلّا أهل السّتر والصّلاح. فأمّا الفسّاق وشرّاب

١٨٥

الخمور فلا يجوز أن يعطوا منها شيئا. ولا بأس أن تعطي الزّكاة أطفال المؤمنين. ولا تعطى أطفال المشركين.

ولا يجوز أن يعطي الإنسان زكاته لمن تلزمه النّفقة عليه مثل الوالدين والولد والجدّ والجدة والزّوجة والمملوك. ولا بأس أن يعطي من عدا هؤلاء من الأهل والقرابات من الأخ والأخت وأولادهما والعمّ والخال والعمّة والخالة وأولادهم.

والأفضل أن لا يعدل بالزّكاة عن القريب مع حاجتهم الى ذلك الى البعيد. فإن جعل للقريب قسط، وللبعيد قسط، كان أفضل.

ومتى لم يجد من تجب عليه الزّكاة مستحقّا لها، عزلها من ماله، وانتظر بها مستحقّها، فإن لم يكن في بلده من يستحقّها فلا بأس أن يبعث بها إلى بلد آخر. فإن أصيبت الزّكاة في الطّريق أو هلكت، فقد أجزأ عنه. وإن كان قد وجد في بلده لها مستحقا، فلم يعطه، وآثر من يكون في بلد آخر، كان ضامنا لها، إن هلكت، ووجب عليه إعادتها.

ومن وصّي بإخراج زكاة، أو أعطي شيئا منها ليفرّقه على مستحقيه، فوجده، ولم يعطه. بل أخّره، ثمَّ هلك، كان ضامنا للمال.

ولا تحلّ الصّدقة الواجبة في الأموال لبني هاشم قاطبة. وهم الذين ينتسبون إلى أمير المؤمنين،عليه‌السلام ، وجعفر

١٨٦

ابن أبي طالب، وعقيل بن أبي طالب، وعبّاس بن عبد المطّلب. فامّا ما عدا صدقة الأموال، فلا بأس أن يعطوا إيّاها. ولا بأس أن تعطي صدقة الأموال مواليهم. ولا بأس أن يعطي بعضهم بعضا صدقة الأموال. وإنّما يحرم عليهم صدقة من ليس من نسبهم.

وهذا كلّه إنّما يكون في حال توسّعهم ووصولهم إلى مستحقّهم من الأخماس. فإذا كانوا ممنوعين من ذلك ومحتاجين إلى ما يستعينون به على أحوالهم، فلا بأس أن يعطوا زكاة الأموال رخصة لهم في ذلك عند الاضطرار.

ولا يجوز أن تعطى الزّكاة لمحترف يقدر على اكتساب ما يقوم بأوده وأود عياله. فإن كانت حرفته لا تقوم به، جاز له أن يأخذ ما يتّسع به على أهله. ومن ملك خمسين درهما يقدر أن يتعيّش بها بقدر ما يحتاج إليه في نفقته، لم يجز له أن يأخذ الزكاة. وإن كان معه سبعمائة درهم، وهو لا يحسن أن يتعيّش بها، جاز له أن يقبل الزّكاة، ويخرج هو ما يجب عليه فيما يملكه من الزّكاة، فيتّسع به على عياله. ومن ملك دارا يسكنها وخادما يخدمه، جاز له أن يقبل الزّكاة. فإن كانت داره دار غلّة تكفيه ولعياله، لم يجز له أن يقبل الزّكاة فإن لم يكن له في غلّتها كفاية، جاز له أن يقبل الزّكاة.

وينبغي أن تعطي زكاة الذّهب والفضّة للفقراء والمساكين

١٨٧

المعروفين بذلك، وتعطي زكاة الإبل والبقر والغنم أهل التّجمّل.

فإن عرفت من يستحقّ الزّكاة، وهو يستحيي من التعرّض لذلك، ولا يؤثر إن تعرفه، جاز لك أن تعطيه الزّكاة وإن لم تعرفه أنّه منها، وقد أجزأت عنك.

وإذا كان على إنسان دين، ولا يقدر على قضائه، وهو مستحقّ لها، جاز لك أن تقاصّه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدّين على ميّت، جاز لك أن تقاصّه منها. وإن كان على أخيك المؤمن دين، وقد مات، جاز لك أن تقضي عنه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدين على والدك أو والدتك أو ولدك، جاز لك أن تقضيه عنهم من الزّكاة.

فإذا لم تجد مستحقا للزّكاة، ووجدت مملوكا يباع، جاز لك أن تشتريه من الزّكاة وتعتقه. فإن أصاب بعد ذلك مالا، ولا وارث له، كان ميراثه لأرباب الزّكاة. وكذلك لا بأس مع وجود المستحقّ أن يشتري مملوكا ويعتقه، إذا كان مؤمنا، وكان في ضرّ وشدّة. فإن كان بخلاف ذلك، لم يجز ذلك على حال.

ومن أعطى غيره زكاة الأموال ليفرقها على مستحقها، وكان مستحقّا للزّكاة، جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يعطي غيره. اللهمّ إلّا أن يعيّن له على أقوام بأعيانهم. فإنّه لا يجوز

١٨٨

له حينئذ أن يأخذ منها شيئا، ولا أن يعدل عنهم الى غيرهم.

وأقلّ ما يعطي الفقير من الزّكاة خمسة دراهم أو نصف دينار. وهو أوّل ما يجب في النّصاب الأوّل. فأمّا ما زاد على ذلك، فلا بأس أن يعطى كلّ واحد ما يجب في نصاب نصاب، وهو درهم إن كان من الدراهم، أو عشر دينار إن كان من الدّنانير، وليس لأكثره حد. ولا بأس أن يعطي الرّجل زكاته لواحد يغنيه بذلك.

باب وجوب زكاة الفطرة ومن تجب عليه

الفطرة واجبة على كلّ حر بالغ مالك لما تجب عليه فيه زكاة المال. ويلزمه أن يخرج عنه وعن جميع من يعوله من ولد ووالد وزوجة ومملوك ومملوكة، مسلما كان أو ذمّيّا، صغيرا كان أو كبيرا. فإن كان لزوجته مملوك في عياله، أو يكون عنده ضيف يفطر معه في شهر رمضان، وجب عليه أيضا أن يخرج عنهما الفطرة. وإن رزق ولدا في شهر رمضان، وجب عليه أيضا أن يخرج عنه. فإن ولد المولود ليلة الفطر أو يوم العيد قبل صلاة العيد، لم يجب عليه إخراج الفطرة عنه فرضا واجبا. ويستحبّ له أن يخرج ندبا واستحبابا.

وكذلك من أسلم ليلة الفطر قبل الصّلاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة، وليس ذلك بفرض. فإن كان إسلامه

١٨٩

قبل ذلك، وجب عليه إخراج الفطرة. ومن لا يملك ما يجب عليه فيه الزّكاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة أيضا عن نفسه وعن جميع من يعوله. فإن كان ممّن يحلّ له أخذ الفطرة أخذها ثمَّ أخرجها عن نفسه وعن عياله. فإن كان به إليها حاجة، فليدر ذلك على من يعوله. حتّى ينتهي إلى آخرهم، ثمَّ يخرج رأسا واحدا إلى غيرهم، وقد أجزأ عنهم كلّهم.

باب ما يجوز إخراجه في الفطرة ومقدار ما يجب منه

أفضل ما يخرجه الإنسان في زكاة الفطرة التّمر ثمَّ الزّبيب. ويجوز إخراج الحنطة والشّعير والأرزّ والأقط واللّبن. والأصل في ذلك أن يخرج كلّ أحد ممّا يغلب على قوته في أكثر الأحوال.

فأمّا أهل مكّة والمدينة وأطراف الشّام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والأهواز وكرمان، فينبغي لهم أن يخرجوا التّمر. وعلى أوساط الشّام ومرو من خراسان والريّ، أن يخرجوا الزّبيب. وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلّها وخراسان، أن يخرجوا الحنطة والشّعير، وعلى أهل طبرستان الأرز، وعلى أهل مصر البرّ. ومن سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط، فإذا عدموه، كان عليهم اللّبن.

١٩٠

ومن عدم أحد هذه الأصناف التي ذكرناها، أو أراد أن يخرج ثمنها بقيمة الوقت ذهبا أو فضة، لم يكن به بأس. وقد روي رواية أنّه يجوز أن يخرج عن كلّ رأس درهما. وقد روي أيضا أربعة دوانيق. والأحوط ما قدّمناه من أنّه يخرج قيمته بسعر الوقت.

فأمّا القدر الذي يجب إخراجه عن كلّ رأس، فصاع من أحد الأشياء التي قدّمنا ذكرها. وقدره تسعة أرطال بالعراقيّ وستّة أرطال بالمدني. وهو أربعة أمداد. والمدّ مائتان واثنان وتسعون درهما ونصف. والدرهم ستّة دوانيق. والدّانق ثماني حبّات من أوسط حبّات الشّعير. فأمّا اللّبن فمن يريد إخراجه، أجزأه أربعة أرطال بالمدنيّ أو ستّة بالعراقي.

باب الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة ومن يستحقها

الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة يوم الفطر قبل صلاة العيد. ولو أن إنسانا أخرجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين أو من أوّل الشّهر الى آخره، لم يكن به بأس، غير أن الأفضل ما قدّمناه.

فإذا كان يوم الفطر، فليخرجها، ويسلّمها الى مستحقّيها فإن لم يجد لها مستحقّا، عزلها من ماله، ثمَّ يسلّمها بعد الصّلاة أو من غد يومه الى مستحقّيها. فإن وجد لها أهلا، وأخّرها،

١٩١

كان ضامنا لها، الى أن يسلّمها إلى أربابها. وإن لم يجد لها أهلا، وأخرجها من ماله، لم يكن عليه ضمان.

وينبغي أن تحمل الفطرة الى الإمام ليضعها حيث يراه. فإن لم يكن هناك إمام، حملت الى فقهاء شيعته ليفرقوها في في مواضعها. وإذا أراد الإنسان أن يتولّى ذلك بنفسه، جاز له له ذلك، غير أنّه لا يعطيها إلا لمستحقّيها.

والمستحقّ لها، هو كلّ من كان بالصّفة التي تحلّ له معها الزّكاة. وتحرم على كلّ من تحرم عليه زكاة الأموال.

ولا يجوز حمل الفطرة من بلد الى بلد. وان لم يوجد لها مستحقّ من أهل المعرفة، جاز أن تعطى المستضعفين من غيرهم.

ولا يجوز إعطاؤها لمن لا معرفة له، إلّا عند التقية أو عدم مستحقّيها من أهل المعرفة. والأفضل أن يعطي الإنسان من يخافه من غير الفطرة، ويضع الفطرة في مواضعها.

ولا يجوز أن يعطي أقلّ من زكاة رأس واحد لواحد مع الاختيار. فإن حضر جماعة محتاجون وليس هناك من الأصواع بقدر ما يصيب كلّ واحد منهم صاع، جاز أن يفرّق عليهم. ولا بأس أن يعطي الواحد صاعين أو أصواعا.

والأفضل أن لا يعدل الإنسان بالفطرة إلى الأباعد مع وجود القرابات ولا الى الأقاصي مع وجود الجيران. فإن فعل خلاف ذلك، كان تاركا فضلا، ولم يكن عليه بأس.

١٩٢

باب الجزية وأحكامها

الجزية واجبة على أهل الكتاب ممّن أبى منهم الإسلام وأذعن بها، وهم اليهود والنّصارى. والمجوس حكمهم حكم اليهود والنّصارى. وهي واجبة على جميع الأصناف المذكورة إذا كانوا بشرائط المكلّفين وتسقط عن الصّبيان والمجانين والبله والنّساء منهم. فأمّا ما عدا الأصناف المذكورة من الكفّار، فليس يجوز أن يقبل منهم إلّا الإسلام أو القتل. ومن وجبت عليه الجزية وحلّ الوقت، فأسلم قبل أن يعطيها، سقطت عنه، ولم يلزمه أداؤها.

وكلّ من وجبت عليه الجزية، فالإمام مخيّر بين أن يضعها على رءوسهم أو على أرضيهم. فإن وضعها على رءوسهم، فليس له أن يأخذ من أرضيهم شيئا. وإن وضعها على أرضيهم، فليس له أن يأخذ من رءوسهم شيئا.

وليس للجزية حدّ محدود ولا قدر موقّت. بل يأخذ الإمام منهم على قدر ما يراه من أحوالهم من الغنى والفقر بقدر ما يكونون به صاغرين.

وكان المستحقّ للجزية في عهد رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، المهاجرين دون غيرهم. وهي اليوم لمن قام مقامهم في نصرة الإسلام والذبّ من سائر المسلمين.

١٩٣

ولا بأس أن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب ممّا أخذوه من ثمن الخمور والخنازير والأشياء التي لا يحلّ للمسلمين بيعها والتّصرف فيها.

باب أحكام الأرضين وما يصح التصرف فيه منها بالبيع والشرى والتملك وما لا يصح

الأرضون على أربعة أقسام:

ضرب منها يسلم أهلها عليها طوعا من قبل نفوسهم من غير قتال، فتترك في أيديهم، ويؤخذ منهم العشر أو نصف العشر، وكانت ملكا لهم، يصحّ لهم التّصرّف فيها بالبيع والشّرى والوقف وسائر أنواع التّصرف.

وهذا حكم أرضيهم إذا عمروها وقاموا بعمارتها. فإن تركوا عمارتها، وتركوها خرابا، كانت للمسلمين قاطبة. وعلى الإمام أن يقبّلها ممّن يعمّرها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع. وكان على المتقبّل بعد إخراج حقّ القبالة ومئونة الأرض، العشر أو نصف العشر فيما يبقى في حصّته، إذا بلغ الى الحدّ الذي يجب فيه ذلك. وهو خمسة أوسق فصاعدا حسب ما قدّمناه.

والضّرب الآخر من الأرضين، ما أخذ عنوة بالسّيف، فإنّها تكون للمسلمين بأجمعهم. وكان على الإمام أن يقبّلها

١٩٤

لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع. وكان على المتقبّل إخراج ما قد قبل به من حقّ الرّقبة، وفيما يبقى في يده وخاصّه العشر أو نصف العشر.

وهذا الضّرب من الأرضين لا يصحّ التّصرف فيه بالبيع والشرى والتملّك والوقف والصّدقات. وللإمام أن ينقله من متقبّل إلى غيره عند انقضاء مدّة ضمانه، وله التّصرّف فيه بحسب ما يراه من مصلحة المسلمين. وهذه الأرضون للمسلمين قاطبة، وارتفاعها يقسم فيهم كلّهم: المقاتلة، وغيرهم. فإن المقاتلة ليس لهم على جهة الخصوص إلّا ما تحويه العسكر من الغنائم.

والضّرب الثّالث كلّ أرض صالح أهلها عليها، وهي أرض الجزية، يلزمهم ما يصالحهم الإمام عليه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع، وليس عليهم غير ذلك.

فإذا أسلم أربابها، كان حكم أرضيهم حكم أرض من أسلم طوعا ابتداء، ويسقط عنهم الصّلح، لأنه جزية بدل من جزية رءوسهم وأموالهم، وقد سقطت عنهم بالإسلام. وهذا الضّرب من الأرضين يصحّ التّصرّف فيه بالبيع والشّرى والهبة وغير ذلك من أنواع التّصرف، وكان للإمام أن يزيد وينقض ما صالحهم عليه بعد انقضاء مدّة الصّلح حسب ما يراه من زيادة الجزية ونقصانها

١٩٥

والضّرب الرّابع، كلّ أرض انجلى أهلها عنها، أو كانت مواتا فأحييت، أو كانت آجاما وغيرها ممّا لا يزرع فيها، فاستحدثت مزارع.

فإن هذه الأرضين كلّها للإمام خاصة، ليس لأحد معه فيها نصيب، وكان له التّصرّف فيها بالقبض والهبة والبيع والشّرى حسب ما يراه، وكان له أن يقبّلها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع، وجاز له أيضا بعد انقضاء مدّة القبالة نزعها من يد من قبّله إيّاها وتقبيلها لغيره، إلّا الأرضين التي أحييت بعد مواتها، فإن الذي أحياها أولى بالتّصرف فيها ما دام يقبلها بما يقبلها غيره. فإن أبى ذلك، كان للإمام أيضا نزعها من يده وتقبيلها لمن يراه. وعلى المتقبّل بعد إخراجه مال القبالة والمؤن فيما يحصل في حصتّه، العشر أو نصف العشر.

باب الخمس والغنائم

الخمس واجب في جميع ما يغنمه الإنسان.

والغنائم كلّ ما أخذ بالسّيف من أهل الحرب الذين أمر الله تعالى بقتالهم من الأموال والسّلاح والكراع والثّياب والمماليك وغيرها ممّا يحويه العسكر وممّا لم يحوه.

ويجب الخمس أيضا في جميع ما يغنمه الإنسان من أرباح

١٩٦

التّجارات والزّراعات وغير ذلك بعد إخراج مئونته ومئونة عياله.

ويجب الخمس أيضا في جميع المعادن من الذّهب والفضّة والحديد والصّفر والملح والرّصاص والنّفط والكبريت وسائر ما يتناوله اسم المعدن على اختلافها.

ويجب أيضا الخمس من الكنوز المذخورة على من وجدها، وفي العنبر وفي الغوص.

وإذا حصل مع الإنسان مال قد اختلط الحلال بالحرام، ولا يتميّز له، وأراد تطهيره، أخرج منه الخمس، وحلّ له التّصرف في الباقي. وإن تميّز له الحرام، وجب عليه إخراجه وردّه الى أربابه. ومن ورث مالا ممّن يعلم أنّه كان يجمعه من وجوه محظورة مثل الرّبا والغضب وما يجري مجراهما، ولم يتميّز له المغصوب منه ولا الرّبا، أخرج منه الخمس، واستعمل الباقي، وحلّ له التّصرف فيه.

والذمّي إذا اشترى من مسلم أرضا، وجب عليه فيها الخمس.

وجميع ما قدّمناه ذكره من الأنواع، يجب فيه الخمس قليلا كان أو كثيرا، إلّا الكنوز ومعادن الذّهب والفضّة، فإنّه لا يجب فيها الخمس إلّا إذا بلغت إلى القدر الذي يجب فيه الزّكاة.

١٩٧

والغوص لا يجب فيه الخمس إلّا إذا بلغ قيمته دينارا.

وأمّا الغلّات والأرباح فإنّه يجب فيها الخمس بعد إخراج حق السّلطان ومئونة الرّجل ومئونة عياله بقدر ما يحتاج اليه على الاقتصاد.

والكنوز إذا كانت دراهم أو دنانير، يجب فيها الخمس فيما وجد منها، إذا بلغ إلى الحدّ الّذي قدّمناه ذكره. وإن كان ممّا يحتاج الى المؤنة والنّفقة عليه، يجب فيه الخمس بعد إخراج المؤنة منه.

باب قسمة الغنائم والأخماس

كلّ ما يغنمه المسلمون من دار الحرب من جميع الأصناف التي قدّمناه ذكرها، ممّا حواه العسكر يخرج منه الخمس. وأربعة أخماس ما يبقى يقسم بين المقاتلة. وما لم يحوه العسكر من الأرضين والعقارات وغيرها من أنواع الغنائم يخرج منه الخمس، والباقي تكون للمسلمين قاطبة: مقاتليهم وغير مقاتليهم، يقسمه الامام بينهم على قدر ما يراه من مئونتهم.

والخمس يأخذه الإمام فيقسمه ستّة أقسام:

قسما لله، وقسما لرسوله، وقسما لذي القربى. فقسم الله وقسم الرّسول وقسم ذي القربى للإمام خاصّة، يصرفه في أمور نفسه وما يلزمه من مئونة غيره.

١٩٨

وسهم ليتامى آل محمّد، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم. وليس لغيرهم شي‌ء من الأخماس. وعلى الإمام أن يقسم سهامهم فيهم على قدر كفايتهم ومئونتهم في السّنة على الاقتصاد. فإن فضل من ذلك شي‌ء، كان له خاصّة. وإن نقص كان عليه أن يتمّ من خاصّته.

وهؤلاء الذين يستحقّون الخمس، هم الذين قدّمنا ذكرهم ممّن تحرم عليهم الزّكاة، ذكرا كان أو أنثى. فإن كان هناك من أمّه من غير أولاد المذكورين، وكان أبوه منهم، حلّ له الخمس، ولم تحلّ له الزّكاة. وإن كان ممّن أبوه من غير أولادهم، وأمّه منهم، لم يحلّ له الخمس، وحلّت له الزّكاة.

باب الأنفال

الأنفال كانت لرسول الله خاصّة في حياته، وهي لمن قام مقامه بعده في أمور المسلمين. وهي كلّ أرض خربة قد باد أهلها عنها. وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب أو يسلّمونها هم بغير قتال، ورءوس الجبال وبطون الأودية والآجام والأرضون الموات التي لا أرباب لها، وصوافي الملوك وقطائعهم ممّا كان في أيديهم من غير وجه الغصب، وميراث من لا وارث له.

وله أيضا من الغنائم قبل أن تقسم: الجارية الحسناء،

١٩٩

والفرس الفاره، والثّوب المرتفع، وما أشبه ذلك ممّا لا نظير له من رقيق أو متاع.

وإذا قاتل قوم أهل حرب من غير أمر الإمام، فغنموا، كانت غنيمتهم للإمام خاصّة دون غيره.

وليس لأحد أن يتصرف فيما يستحقّه الإمام من الأنفال والأخماس إلّا بإذنه. فمن تصرّف في شي‌ء من ذلك بغير إذنه، كان عاصيا، وارتفاع ما يتصرّف فيه مردود على الإمام. وإذا تصرّف فيه بأمر الإمام، كان عليه أن يؤدي ما يصالحه الإمام عليه من نصف أو ثلث أو ربع.

هذا في حال ظهور الإمام. فأمّا في حال الغيبة، فقد رخّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم ممّا يتعلّق بالأخماس وغيرها فيما لا بدّ لهم منه من المناكح والمتاجر والمساكن. فأمّا ما عدا ذلك، فلا يجوز له التصرّف فيه على حال.

وما يستحقّونه من الأخماس في الكنوز وغيرها في حال الغيبة فقد اختلف قول أصحابنا فيه، وليس فيه نصّ معيّن إلا أنّ كلّ واحد منهم قال قولا يقتضيه الاحتياط.

فقال بعضهم: إنّه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر.

وقال قوم: إنّه يجب حفظه ما دام الإنسان حيا. فإذا حضرته الوفاة، وصّى به الى من يثق به من إخوانه المؤمنين

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572