الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 572

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 572 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 287700 / تحميل: 5229
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

امام اربع حالات مختلفة.

الاولى : ان يتمنّى ان ينعم الله عليه مثل ما أنعم على غيره ، وهذه الحالة تدعى «الغبطة» وهي جديرة بالثناء والمدح ، وليس لها اثر سيء ، لانّها تدعو صاحبها للسعي والجدّ والمثابرة حتى ينال مثل ما نال المغبوط.

الثّانية : ان يتمنّى ان تسلب هذه النعمة عن الآخرين ، ويسعى من اجل تحقيق هذا التمني ، وهذه هي الحالة المذمومة الموسومة «بالحسد» التي تدعو صاحبها الى التخريب وسلب النعمة عن الآخرين ، دون ان تدعوه لانّ يطلب من الله مثل ما اعطي غيره من النعم.

الثّالثة : ان يتمنّى ان تكون هذه النعمة له فقط ويحرم الآخرون منها وهذه الحالة تسمّى «البخل» والانانية التي تدعو الإنسان ان يطلب شيئا لنفسه ، ويلتذّ من حرمان الآخرين.

الرّابعة : ان يتمنّى ويحب تنعّم الآخرين بهذه النعمة وان كان محروما منها ، وهو مستعدّ ان يقدّم ما عنده من أجلهم وبغض النظر عن منافعه الشخصية ، وهذه الحالة الرفيعة هي ما يسمّى بـ «الإيثار» التي هي من أهم الصفات الانسانية الحميدة.

وعلى كل حال فإنّ الحسد لا يقتصر على قتل اخوة يوسف لأخيهم فحسب ، بل قد يوصل الإنسان الى قتل نفسه.

ولهذا نجد في الأحاديث الاسلامية تعابير مؤثرة تدعو الى مكافحة هذه الرّذيلة ، وعلى سبيل المثال نورد منها ما يلي :

١ ـ في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : «انّ الله نهى موسى عن الحسد وقال له : انّ الحاسد ساخط لنعمي صادّ لقسمي الذي قسمت بين عبادي ، ومن يك كذلك فلست منه وليس منّي»(١) .

__________________

(١) اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٠٧.

١٤١

٢ ـ ونقرا حديثا للإمام الصادقعليه‌السلام يقول : «آفة الدين الحسد والعجب والمفاخرة» كما نقرا له حديثا يقول : «انّ المؤمن يغبط ولا يحسد ، والمنافق يحسد ولا يغبط»(١) .

٦ ـ كما نستنتج درسا آخر من هذا المقطع في القصّة ، وهو انّ الوالدين ينبغي ان يلاحظا أبناءها الآخرين عند إبراز عنايتهما ومحبّتهما لواحد منهم ، فبالرغم من ان يعقوب لم يرتكب خطأ ـ دون ايّ شك ـ بالنسبة لإبراز علاقته لولديه يوسف وبنيامين ، وانّما كان كل ذلك وفق حسابات خاصّة. ولكن هذه الحادثة تكشف لنا انّه ينبغي ان يكون الإنسان اكثر إحساسا ، في هذه المسألة ـ من القدر اللازم. لانّ إبراز العلاقة لبعض الأبناء دون بعض توجد عقدة في نفوس الآخرين ، الى درجة انّها تجرّهم الى كل عمل مخرّب ، حيث يجدون شخصياتهم منهزمة ولا بدّ من تحطيم شخصية أخيهم للتعويض عن هذه الهزيمة ، فيكون الاقدام على هذا العمل دون لحاظ الرحمية ووشائج القربى.

وإذا لم يستطع الإنسان ان يقوم بعمل معاكس ، فإنّه يظل يلوم نفسه ويحرضها حتى يبتلى بالمرض النفسي.

وما زلت اذكر انّه كان لي صديق قد مرض ولده الصغير ، فأوصى ولده الكبير برعايته ، وأخذ الأب يولي ولده الصغير محبة وشفقة فائضة «لانّه مريض».

فلم تمض فترة حتى مرض هذا الابن الكبير بمرض نفسي مجهول ، قلت لذلك الصديق العزيز : الا تفكّر انّ أساس المرض هو عدم العدالة بين ولديك لكنّه لم يصدّق ، وأخيرا راجع الطبيب النّفساني المختصّ فقال : ان ابنك ليس مريضا بمرض خاصّ ، وانّما أساس مرضه هو اهتمامك بأخيه وعدم اهتمامك به ، وهو يحس بأنّ شخصيته متعطشة للحنان والحبّ ، في حين انّ أخاه لم يحرم منهما.

__________________

(١) المصدر نفسه.

١٤٢

وفي هذا الصدد نقرا في الرّوايات الاسلامية ان الامام الباقرعليه‌السلام قال يوما : «والله انّي لأصانع بعض ولدي ، وأجلسه على فخذي ، وانكز له المخّ ، واكسر له الكسر ، وان الحقّ لغيره من ولدي ، ولكن مخافة عليه منه ومن غيره ، لا يصنعوا به ما فعل بيوسف اخوته ، وما انزل الله سورة الّا أمثالا لكي لا يجد بعضنا بعضا كما حسد يوسف اخوته ، وبغوا عليه ، فجعلها رحمة على من تولّانا ، ودان بحبّنا وحجّة على أعدائنا ومن نصب لنا الحرب والعداوة»(١) .

* * *

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٧٤ ، ص ٧٨.

١٤٣

الآيات

( قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (١٤) )

التّفسير

المؤامرة المشؤومة!

بعد ان صوّب اخوة يوسف اقتراح أخيهم في عدم قتل يوسف ، والقائه في الجبّ ، أخذوا يفكرون في كيفية فصل يوسف عن أبيه لذلك اقدموا على تخطيط آخر ، فجاءوا الى أبيهم بلسان ليّن يدعو الى الترحم ، وفي شكل يتظاهرون به انهم مخلصون له وحدثوا أباهم و( قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ ) .

تعال يا أبانا وارفع اليد عن اتهامنا ، فإنّه أخونا وما يزال صبيا وبحاجة الى اللهو واللعب ، وليس من الصحيح حبسه عندك في البيت ، فخلّ سبيله( أَرْسِلْهُ

١٤٤

مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ ) (١) .

وإذا كنت تخشى عليه من سوء فنحن نواظب على حمايته( وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) .

وبهذا الأسلوب خططوا لفصل أخيهم عن أبيه بمهارة ، ولعلّهم قالوا هذا الكلام امام يوسف ليطلب من أبيه إرساله معهم.

وهذه الخطة تركت الأب ـ من جانب ـ امام طريق مسدود ، فإذا لم يرسل يوسف مع اخوته فهو تأكيد على اتهامه ايّاهم ، وحرضت ـ من جانب آخر ـ يوسف على ان يطلب من أبيه الذهاب معهم ليتنزّه كما يتنزه اخوته ، ويستفيد من هذه الفرصة لاستنشاق الهواء الطلق خارج المدينة.

اجل ، هكذا تكون مؤامرات الذين ينتهزون الفرصة ، وغفلة الطرف الآخر ، فيستفيدوا من جميع الوسائل العاطفية والنفسيّة ، ولكن المؤمنين ينبغي الّا ينخدعوا بحكم الحديث المأثور «المؤمن كيّس» اي فطن ذكي فلا يركنوا للمظهر المنمّق حتى لو كان ذلك من أخيهم.

ولكن يعقوب ـ دون ان يتهم اخوة يوسف بسوء القصد ـ اظهر تردّده في إرسال يوسف لامرين : الاوّل : انه سيبتعد عنه فيحزن عليه ، والثاني : ربّما يوجد خارج المدينة بعض الذئاب المفترسة فتأكله ، فاعتذر إليهم و( قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ ) .

وهذه المسألة طبيعية ، حيث قد يبتعد اخوة يوسف عنه فيغفلون عن امره ، فيأتي إليه الذئب فيأكله.

وبديهي انّ الاخوة لم يكن لهم جواب بالنسبة للأمر الاوّل الذي أشار اليه أبوهم يعقوب ، لانّ الحزن والاغتمام على فراق يوسف لم يكن شيئا عاديّا حتى

__________________

(١) «يرتع» من مادة «رتع» على وزن «قطع» ومعناه في الأصل رعي الأغنام والانعام بصورة عامّة للنباتات وشبعها منها ، ولكن قد يطلق هذا اللفظ (رتع ، يرتع) ويراد به تنزّه الإنسان وكثرة الاكل والشرب ايضا.

١٤٥

يعوّض عنه ، وربّما كان هذا التعبير مثيرا لنار الحسد في اخوة يوسف اكثر.

ومن جهة اخرى فإنّ هذا الموضوع الذي أشار اليه يعقوب ، وهو حزنه على ابتعاد يوسف عنه يمكن ردّه ، وهو لا يحتاج الى بيان ، لانّ الولد لا بدّ له من الابتعاد عن أبيه من اجل ان ينمو ويرشد ، وإذا أريد له ان يكون كنبات «النّورس» بحيث يبقى تحت ظل شجرة «وجود الأب» فإنّه سوف يبقى عالة عليه فلا بدّ من هذا الابتعاد والانفصال حتى يتكامل ولده ، فاليوم تنزّه وغدا اجتهاد ومثابرة لتحصيل العلم ، وبعد غد عمل وسعي للحياة ، وأخيرا فإنّ الانفصال لا بدّ منه.

لذلك فإنّهم لم يجيبوه عن الشقّ الاوّل من كلامه ، بل أجابوه عن الشقّ الثّاني لانّه كان مهما واساسيا بالنسبة لهم إذ( قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ ) .

اي : أترانا موتى فلا ندافع عن أخينا ، بل نتفرج على الذئب كيف يأكله! ثمّ اضافة الى علاقة الاخوة التي تدفعنا للحفاظ على أخينا ، ما عسى ان نقول للناس عنّا؟ هل ننتظر ليقال عنّا : انّ جماعة أقوياء وفتية أشداء جلسوا وتفرجوا على الذئب وهو يفترس أخاهم! فهل نستطيع العيش بعد هذا مع الناس؟!

لقد أجابوا أباهم بما تضمن قوله :( أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ ) ومشغولون بلعبكم ، كيف يكون ذلك؟ والمسألة ليست بهذه البساطة انّها الخسارة وذهاب ماء الوجه والخزي إذ كيف يمكن لواحد منّا ان يشغله اللعب فيغفل عن أخيه يوسف ، لانّه في مثل هذه الحال لا تبقى لنا قيمة ولا نصلح لاي عمل.

ويبرز هنا سؤال مهم وهو : لماذا أشار يعقوب الى خطر الذئب من دون الاخطار الاخرى؟!

قال البعض : ان صحراء كنعان ـ كانت ـ «صحراء مذئبة» ومن هنا كان

١٤٦

الخوف من الذئب اكثر من غيره.

وقال البعض : كان ذلك للرؤيا التي رآها يعقوب من قبل وهي ان ذئابا هجمت على ولده يوسف.

وهناك احتمال آخر هو ان يعقوب أجابهم بلسان الكناية ، والمقصود من الذئاب في كلامه هم الأناس المتصفون بصفة الذئب اخوة يوسف.

وعلى كل حال فقد استطاع اخوة يوسف بما أوتوا من الحيل ، وبتحريك احاسيس يوسف النقيّة وترغيبه الى التنزه خارج المدينة ، وربّما كان الاوّل مرّة يتاح ليوسف ان يحصل على مثل هذه الفرصة استطاعوا ان يأخذوا يوسف معهم وان يستسلم الأب لهذا الأمر فيوافق على طلبهم.

* * *

بحوث

وينبغي هنا الالتفات الى عدة دروس حيّة تستلهم من هذه القصّة :

١ ـ مؤامرات الأعداء في ثياب الأصدقاء

من الطبيعي انّ الأعداء لا يدخلون الميادين ـ عند الهجوم ـ بصراحة ودون استتار ابدا.

بل انّهم من اجل تفويت الفرصة على الطرف الآخر واستغفاله وسلبه كل وسائل الدفاع يسعون الى إخفاء عملهم تحت قناع جذاب انّ اخوة يوسف اخفوا خطة هلاكه او ابعاده تحت غطاء اسمى الاحاسيس والعواطف الاخوية ، هذه الاحاسيس التي كانت تحرك يوسف من جهة لانّ يمضي معهم ، وكانت عند أبيهم موضع قبول من جهة اخرى ايضا.

وهذه هي الطريقة التي نواجهها في حياتنا اليوميّة على المدى الواسع ، وما

١٤٧

تلقيناه من ضربات قاسية من أعدائنا المخاتلين بثياب الأبرار في هذا المضمار غير قليل ، ولها مظاهر متعددة ، فمرة بمظهر المساعدات الاقتصادية ، واخرى تحت ستار التبادل الثقافي ، وثالثة في ثوب الدفاع عن حقوق البشر ، ورابعة بأسلوب المعاهدات الدفاعية كل تلك الأمور كانت نتيجة اسوا القرارات الاستعمارية المذلّة للأمم المستضعفة والتي من ضمنها أمتنا الاسلاميّة.

ولكن ومع هذه التجارب التاريخيّة ينبغي ان نكون حذرين للغاية وان نعرف أعداءنا جيدا ، فلا نحسن الظن بهذه الذئاب البشرية التي تريد ان تمتص دماءنا بما تظهره من عواطف واحاسيس متلبسة بثياب المخلصين المتفانين فما زلنا نتذكر ما فعلته الدول المتسلطة على العالم حيث أرسلت تحت ستار المساعدات الطبيّة الى بعض الدول الافريقية المتضررة بالحرب اسلحة وعتاد أرسلت الى عملائها ، كما بعثت اخطر جواسيسها تحت ثياب الدبلوماسية والسفارات والممثلين لها الى مختلف مناطق العالم.

وتحت ستار الخبراء العسكريين وتدريب الدّول المستضعفة على الاسلحة الحديثة والمتطورة كانوا يأخذون مع عودتهم جميع الأسرار العسكرية لتلك الدولة.

وبإرسال خبراء فنيين!! الى هذه الدول يربطوا عجلة اقتصادها بالمناهج تكرس التبعية ترى ، أليست كل هذه التجارب التأريخيّة كافية لئلّا ننخدع بهذه الزخارف البرّاقة الكاذبة وان نعرف وجوه هؤلاء الذئاب المتظاهرين بالانسانيّة.

٢ ـ حاجة الإنسان الفطرية والطبيعية الى التنزّه والارتياح

من الطريف ان يعقوبعليه‌السلام لم يردّ على كلام اخوة يوسف واستدلالهم على انّه بحاجة الى التنزه والارتياح ، بل وافق على ذلك عمليّا ، وهذا دليل كاف على ان ايّ عقل سليم لا يستطيع ان ينكر هذه الحاجة الفطرية والطبيعيّة فالإنسان

١٤٨

ليس آلة تستعمل في اي وقت كان وكيف كان ، بل له روح ونفس ينالهما التعب والنصب كما ينالان الجسم. فكما ان الجسم يحتاج الى الراحة والنوم ، كذلك الرّوح والنّفس بحاجة الى التنزّه والارتياح السليم.

التجربة ـ ايضا ـ تدل على ان الإنسان كلّما واصل عمله بشكل رتيب ، فإنّ مردود هذا العمل سيقلّ تدريجيا نتيجة ضعف النشاط ، وعلى العكس من ذلك فإنّ الاستراحة لعدة ساعات تبعث في الجسم نشاطا جديدا بحيث تزداد كمية العمل وكيفيته معا ، ولذلك فإنّ الساعات التي تصرف في الراحة والتنزه تكون عونا على العمل ايضا.

وفي الرّوايات الاسلامية نجد هذه الواقعية بأسلوب طريف جاء بمثابة «القانون» حيث يقول الامام عليعليه‌السلام : «للمؤمن ثلاث ساعات : فساعة يناجي فيها ربّه ، وساعة يرمّ معاشه ، وساعة يخلي بين نفسه وبين لذّتها فيما يحلّ ويجمل»(١) .

وممّا يستجلب النظر انّ في بعض الرّوايات الاسلامية أضيفت هذه الجملة الى النص المتقدم «وذلك عون على سائر الساعات».

وعلى حدّ تعبير البعض فإنّ التنزّه والارتياح بمثابة تدهين وتنظيف اجهزة السيّارة ، فلو توقفت هذه السيارة ساعة عن العمل لمراقبة اجهزتها وتنظيفها ، فإنها ستغدو اكثر قوة نشاطا يعوّض عن زمن توقفها اضعاف المرات ، كما انه سيزيد من عمر السيارة ايضا.

لكن المهم ان يكون هذا التنزّه صحيحا ، والّا فإنه لا يحل المشكلة ، بل سيزيدها ، فإنّ كثيرا من حالات التنزّه هذه تدمر الإنسان وتسلب منه نشاطه وقدرته على العمل لفترة ما ، او على الأقل تخفف من نشاط عمله.

وهناك نقطة تدعو للالتفات ايضا ، وهي ان الإسلام اهتم بمسألة الترويض والاستراحة النفسية بحيث أجاز المسابقات في هذا المضمار ويحدثنا التاريخ

__________________

(١) نهج البلاغة ، الكلمات القصار : رقم الكلمة ٣٩٠.

١٤٩

انّ قسما من هذه المسابقات جرت بمرأى من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأحيانا كانت تناط اليه مهمة التحكيم والقضاء في هذه المسابقة ، وربّما اعطى ناقته الخاصّة ـ لبعض الصحابة للتسابق عليها.

ففي رواية الامام الصادقعليه‌السلام انّه قال : «ان النّبي اجرى الإبل مقبلة من تبوك فسبقت العصباء وعليها اسامة ، فجعل الناس يقولون : سبق رسول الله ورسول الله يقول : سبق اسامة(١) » (اشارة الى ان المهم في السبق هو الراكب لا المركب ، حتى وان كان المركب السابق عند من لا يجيدون السبق).

النقطة الاخرى هي انّه كما ان اخوة يوسف استغلّوا علاقة الإنسان ـ ولا سيما الشاب ـ بالتنزّه واللعب من اجل الوصول الى هدفهم الغادر ففي حياتنا المعاصرة ـ ايضا ـ نجد اعداء الحق والعدالة يستغلّون مسألة الرياضة واللعب في سبيل تلويث أفكار الشباب ، فينبغي ان نحذر المستكبرين «الذئاب» الذين يخططون لإضلال الشباب وحرفهم عن رسالتهم تحت اسم الرياضة والمسابقات المحلّية والعالمية.

ولا ننسى ما كان يجري في عصر الطاغوت (الشاه) ، فإنّهم وبهدف تنفيذ بعض المؤامرات ونهب ثروات البلاد وتحويلها الى الأجانب لقاء ثمن بخس ، كانوا يرتّبون سلسلة من المسابقات الرياضية الطويلة العريضة لالهاء الناس لئلّا يطلعوا على المسائل السياسيّة.

٣ ـ الولد في ظلّ الوالد

إذا كانت محبّة الأب الشديدة او الام بالنسبة للولد تستوجب ان يحفظ الى جانبهما ، الّا ان من الواضح ان فلسفة هذه المحبة من وجهة نظر قانون الخلقة هي المحافظة التامة على الولد عند الحاجة إليها ، وعلى هذا الأساس ينبغي ان تقل

__________________

(١) سفينة البحار ، ج ١ ، ص ٥٩٦.

١٥٠

هذه المحافظة كلّما تقدّمت به السن ، ويمنح الولد الاجازة ليخطو في حياته نحو الاستقلال ، والّا فسيكون كمثل غرسة النّورس تحت ظل الشجرة القوية دائما لا تنمو كما يلزم.

وربّما وافق يعقوبعليه‌السلام ـ لهذا السبب ـ على اقتراح ابنائه رغم علاقته الشديدة بيوسف ، وأرسله معهم الى خارج المدينة ، ومع انّ هذا الأمر كان صعبا على يعقوب ، ولكن مصلحة يوسف وحاجته الى الرشد والنموّ كانت تستوجب ان يجيزه أبوه ليبتعد عنه ساعات وايّاما!

وهذه مسألة تربوية مهمّة غفل عنها كثير من الآباء والأمهات ، حيث يربّون أولادهم تربية بحيث لا يستطيعون ان يعيشوا خارج «خيمة الأبوين» ومحافظتهما عليهم ، وبالتالي يسقطون امام تيارات الحوادث وضغوطها ، كما ان هناك رجالا عظماء فقدوا والديهم في دور الطفولة ، ولكنّهم صنعوا أنفسهم بأيديهم وواجهوا المشاكل وتجاوزوها.

فالمهم ان يلتفت الوالدان الى هذه المسألة التربوية ، والّا فستكون محبتهما «الكاذبة» مانعا من استقلال أولادهم.

من الطريف ان هذه المسألة موجودة في بعض الحيوانات بشكل غريزي ، فنحن نرى أفراخ الدجاج «الفروج» ـ مثلا ـ يبدأ حياته تحت جناحي امه ، وتحافظ الدجاجة الام عليها كما تحافظ على روحها «العزيزة».

ولكن بعد فترة حيت تكبر هذه الافراخ فإنّ الام لا تترك المحافظة على هذه الافراخ فحسب ، بل تنقر ايّا منها يصل إليها. ومعنى هذا انّها تريد ان تعوّدهم على ان يتعلموا طريق الحياة المستقلة! فإلى متى تعيشون غير مستقلين؟!

ولكن هذا الموضوع لا ينافي تقوية الروابط العائلية والمحافظة على المودة والمحبّة ، بل هي محبّة عميقة وعلاقة محسوبة ونافعة للطرفين.

١٥١

٤ ـ لا قصاص ولا اتهام قبل الجناية

نشاهد في هذا الفصل من القصّة انّ يعقوب بالرغم من علمه بما سيقدم عليه اخوة يوسف وتحذيره ولده يوسف ألّا يقصص رؤياه على اخوته ، وان يكتم الأمر ، الّا انّه لم يكن مستعدا لانّ يتّهمهم بقصد الاساءة الى يوسف ، بل كان عذره إليهم انّه يحزنه فراقه ، ويخاف ان يأكله الذئب في الصحراء.

والأخلاق والمعايير الانسانية والاسس القضائية العادلة توجب ذلك ايضا ، فحيث لم تتوفر لدينا علامة ظاهرة على مخالفة شخص ما فلا ينبغي اتّهامه ، فالأصل البراءة والصحّة والطهارة الّا ان يثبت خلافه.

٥ ـ تلقين العدوّ

المسألة الاخرى اننا نقرا ـ في ذيل الآيات المتقدمة ـ رواية عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : «لا تلقّنوا الكذّاب فيكذب فإنّ بني يعقوبعليه‌السلام لم يعلموا ان الذئب يأكل الإنسان حتى لقّنهم أبوهم»(١) . اشارة الى انه قد يحدث أحيانا ان لا يلتفت الطرف الآخر الى الحيلة والى طريق الاعتذار وانتخاب طريق الانحراف ، فعليكم ان تحذروا من ذكر الاحتمالات المختلفة التي تبيّن له طرق الانحراف.

ومثل هذا يشبه تماما ما لو قال الإنسان لطفله : لا ترم الكرة باتّجاه المصباح ، ولم يكن الطفل يعلم ان الكرة يمكن ان ترمى نحو المصباح ، فيلتفت الى ان مثل هذا العمل ممكن ، وتتحرك فيه نوازع الفحص ماذا سيكون لو رميت الكرة باتجاه المصباح؟ ثمّ يبدأ «لعبته» لتنتهي بتكسّر المصباح!

وليس هذا موضوعا هينا ولا خاصا بالأطفال ، فقد يتفق أحيانا ان الأوامر والنواهي الخاطئة ، تسبب ان يتعلم الناس أشياء لم يعرفوها من قبل ، فتوسوس لهم أنفسهم ان يقدموا عليها ، فينبغي في مثل هذه الموارد ـ قدر المستطاع ـ ان

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٤١٥.

١٥٢

تثار المسائل بشكل لا يبعث على اي تعلّم سيئ! وبالطبع فإنّ يعقوب النّبيعليه‌السلام قال كلامه عن صفاء وطهارة قلب ، الّا انّ أبناءه الضالين استغلوا كلامه لقصدهم السيئ.

وشبيه هذا الموضوع الأسلوب الذي نجده في كثير من المقالات ، فمثلا قد يكتب أحدهم مقالة ـ او يقوم بإخراج فيلما او غيرها ـ عن ضرر الموادّ المخدرة او الاستمناء ، فيتناول هذه المسائل بصورة يتعلمها غير المطلعين وينسون المسائل التي تذكر في هذه المواضيع لذم هذه الأعمال وبيان طرق النجاة منها ، ولذلك فغالبا ما يكون ضرر هذه المقالات والافلام وخسارتها اكثر من فائدتها بمراتب.

٦ ـ وآخر نقطة نشير إليها هنا انّ اخوة يوسف( قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ ) وهي اشارة الى انّ الإنسان إذا تحمّل مسئولية ما ـ ووافق عليها ـ فإنّ من الواجب عليه ان يوقف نفسه من أجلها والّا فإنّه سيفقد كل قيمه ـ قيمة شخصيته ، وماء وجهه ، والموقع الاجتماعي ، ووجدانه.

فكيف يعقل ان يكون الشخص ضمير حيّ ووجدان يقظ وشخصية كريمة يعتز بحيثيته وماء وجهه ، ومع كل ذلك يتنصل عن مسئولياته ويقف موقفا سلبيا ازاءها؟!

* * *

١٥٣

الآيات

( فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٥) وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (١٧) وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١٨) )

التّفسير

الكذب المفضوح :

وأخيرا انتصر اخوة يوسف واقنعوا أباهم ان يرسل معهم أخاهم يوسف ، فباتوا ليلتهم مطمئني البال بانتظار الصبح لتنفيذ خطتهم وازاحة أخاهم الذي يقف عائقا في طريقهم وكان قلقهم الوحيد ان يندم أبوهم ويسحب كلامه ووعده بإرسال يوسف معهم.

فجاءوا صباحا الى أبيهم فأمرهم بالمحافظة على يوسف ، وكرر توصياته

١٥٤

في شأنه ، فأظهر الأبناء طاعتهم لأبيهم وابدوا احترامهم الفائق ومحبتهم العميقة ، وتحركوا الى خارج المدينة.

يقال : انّ أباهم ودعهم الى بوابة المدينة ثمّ أخذ منهم يوسف وضمّه الى صدره ودمعت عيناه ، ثمّ أودع يوسف عندهم وفارقهم ، ولكن يعقوب كان يودعهم بنظراته ، وكان اخوة يوسف لا يقصرون عن مدارة أخيهم يوسف واظهار عنايتهم به ومحبتهم له طالما كانت تلاحظهم عينا أبيهم ، ولكن ما ان غاب عنهم أبوهم واطمأنوا الى انّه لا يراهم ، حتى انفجرت عقدتهم وصبوا «جام غضبهم» وحقدهم وحسدهم المتراكم لعدّة سنوات على راس يوسف ، فالتفّوا حوله يضربونه بأيديهم ويلتجئ من واحد لآخر ويستجير بهم فلا يجيره احد منهم.

نقرا في رواية انّ يوسف كان يبكي تحت وابل اللكمات والضربات القاسيّة ، ولكن حين أرادوا ان يلقوه في الجبّ شرع بالضحك فجأة فتعجب اخوته كثيرا وحسبوا ان أخاهم يظنّ الأمر لا يعدو كونه مزاحا ولكنّه رفع الستار عن ضحكه وعلّمهم درسا كبيرا إذ قال : ـ لا انسى انني نظرت ـ ايها الاخوة ـ الى عضلات أيديكم القويّة وقواكم الجسدية الخارقة ، فسررت وقلت في نفسي : ما عسى ان يخشى ويخاف من الحوادث والملمّات من كان عنده مثل هؤلاء الاخوة ، فاعتمدت عليكم وربطت قلبي بقواكم ، والآن وقد أصبحت أسيرا بين أيديكم واستجير بكم من واحد للآخر فلا أجار ، وقد سلطكم الله عليّ لا تعلم هذا الدرس ، وهو الّا اعتمد واتوكّل على احد سواه حتى ولو كانوا اخوتي.

وعلى كل حال فالقرآن الكريم يقول في هذا الصدد :( فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ ) (١) .

__________________

(١) في العبارة المتقدمة حذف جواب «لما» والتقدير كما يلي : فلما ذهبوا به واجمعوا ان يجعلوه في غيابة الجبّ عظمت فتنتهم (تفسير القرطبي) ولعل هذا الحذف اقتضى لعظم هذه الحادثة المؤلمة ان يسكت عنه المتكلم ، وهو بنفسه من فنون البلاغة العربية (تفسير الميزان).

١٥٥

جملة «اجمعوا» تدلّ على انّ جميع الاخوة كانوا متفقين على هذه الخطّة ، وان لم يتفقوا جميعا على قتله.

وأساسا فإنّ كلمة «اجمعوا» مأخوذة من مادة «جمع» وهي في هذه الموارد اشارة الى جمع الآراء والأفكار.

ثمّ تبيّن الآية انّ الله اوحى الى يوسف وهدا روعه وألهمه الّا يحزن فالعاقبة له ، إذ تقول :( وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) .

ذلك اليوم الذي تجلس فيه على العرش وأنت القوي الأمين ، فيأتي إخوتك ليمدّوا ايدي الحاجة إليك ، ويكونوا كالظامئين الى النبع العذب في الصحراء اللاهبة ويسرعون إليك في منتهى التواضع ، ولكنّك في حال من العظمة بحيث لا يصدّقون انك أخوهم ، وستقول لهم في ذلك اليوم : ألستم الذين فعلتم مع أخيكم الصغير يوسف كذا وكذا وكم سيكونون خجلين من فعلهم هذه في ذلك اليوم! وهذا الوحي الالهي لم يكن وحي النبوة ، بقرينة الآية (٢٢) من السورة ذاتها ، بل كان إلهاما لقلب يوسف ليعلم انه ليس وحيدا ، بل له حافظ ورقيب ، وهذا الوحي بثّ في قلب يوسف نور الأمل وأزال عن روحه ظلمات اليأس والحيرة.

لقد نفّذ اخوة يوسف خطتهم كما أرادوا ، ولكن ينبغي ان يفكروا عند العودة ماذا كيف كي يصدّق أبوهم ان يوسف انتهى بصورة طبيعية لا عن مكيدة ليضمنوا عواطف أبيهم نحوهم.

وكانت الفكرة التي أوصلتهم الى هذا الهدف هي ما تخوّف أبوهم منه ، فأقنعوه ـ ظاهرا ـ عن هذا الطريق مدّعين بأنّ الذئب قد أكل يوسف وجاؤوا اليه بدلائل مزيّفة!!

يقول القرآن الكريم :( وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ ) بكاء كاذبا ، وهذا يدلّ على انّ البكاء الكاذب ممكن ولا يمكن ان يخدع ببكاء العين وحدها.

امّا الأب الذي كان ينتظر مجيء ولده (يوسف) بفارغ الصبر ، فقد اهتز

١٥٦

وارتجف حين راى الجمع وليس بينهم يوسف ، وسأل عنه مستفسرا فأجابوه و( قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا ) لصغر سنه ولانّه لا يعرف التسابق ، وانشغلنا عنه( فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ ) .

لأنك أخبرتنا من قبل بهذا الاحتمال ، وستظن ان ادّعاءنا مجرّد احتيال.

لقد كان كلام اخوة يوسف مدروسا بشكل دقيق ، وذلك ـ اوّلا ـ لانّهم خاطبوا يعقوب بقولهم بكلمة «يا أَبانا » وفيها ما فيها من الاستعطاف.

وثانيا : لانّ من الطبيعي ان ينشغل هؤلاء الاخوة الأقوياء بالتسابق ، ويتركوا أخاهم الصغير رقيبا على متاعهم ، وبعد ذلك كله فقد جاؤوا أباهم يبكون لتمرير خطتهم ، وقالوا له :( وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ ) .

ومن اجل ان يبرهنوا على صحة كلامهم فقد( جاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ) إذ لطخوا الثوب بدم الغزال او الخروف او التيس ولكن حيث انّ الكاذب لا يمتلك حافظة قويّة ، وحيث ان اية حقيقة فيها علائق مختلفة وكيفيات ومسائل يقل ان تجتمع منظّمة في الكذب ، فقد غفل اخوة يوسف عن هذه المسألة الدقيقة وهي ـ على الأقل ـ ان يخرقوا قميص يوسف الملطخ بالدم ليدل على هجوم الذئب فقد قدّموا القميص سالما غير مخرق فأحس الأب بمؤامرتهم ، فما ان وقعت عيناه على القميص حتى فهم كل شيء و( قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً ) .

جاء في بعض الرّوايات انّ يعقوب أخذ قميص يوسف وهو يقلّبه ويقول : «ما أرى اثر ناب ولا ظفر انّ هذا السبع رحيم» ، وفي رواية انّه أخذ القميص وألقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص ، وقال : تالله ما رأيت كاليوم ذئبا احلم من هذا أكل ابني ولم يمزق على قميصه ، وجاء انّه بكى وصاح وحرّ مغشيّا عليه فأفاضوا على الماء فلم يتحرك ونادوه فلم يجب ووضع يهوذا يده على مخارج نفسه فلم يحس بنفس ولا تحرك له عرق ، فقال : ويل لنا من

١٥٧

ديان يوم الدين ضيعنا أخانا وقتلنا أبانا فلم يفق الّا ببرد السحر(١) .

وبالرغم من احتراق قلبه ولهيب روحه لم يجر على لسانه ما يدل على عدم الشكر او اليأس او الفزع او الجزع ، بل قال :( فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ) (٢) ثمّ قال :( وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ ) واسأله ان يبدل مرارة الصبر في فمي الى «حلاوة» ويرزقني القوة والقدرة على التحمّل اكثر امام هذا الطوفان العظيم ، لئلا افقد زمامي ويجري على لساني كلام غير لائق.

ولم يقل : اسأله ان يعطيني الصبر على موت يوسف ، لانّه كان يعلم ان يوسف لم يقتل بل قال : اطلب الصبر على مفارقتي ولدي يوسف وعلى ما تصفون.

ملاحظات

* * *

١ ـ حول الترك «الاولى»

ينقل ابو حمزة الثمالي عن الامام السجاد فيقول : كنت يوم الجمعة في المدينة وصليت الغداة مع الامام السجادعليه‌السلام فلمّا فرغ من صلاته وتسبيحه نهض الى منزله وانا معه ، فدعا مولاة له تسمى سكينة فقال لها : «لا يعبر على بابي سائل الّا أطعمتموه فإنّ اليوم يوم الجمعة».

يقول ابو حمزة : فقلت له : ليس كل من يطلب العون مستحقا له ، فقال : يا أبا ثابت ، أخاف أن يكون بعض من يسألنا محقّا فلا نطعمه ونردّه فينزل بنا ـ اهل البيت ـ ما نزل بيعقوب وآله. أطعموهم ان يعقوب كان يذبح كل يوم كبشا فيتصدق منه ويأكل هو وعياله منه ، وان سائلا مؤمنا صوّاما محقّا له عند الله منزلة ، وكان مجتازا غريبا اعترّ على باب يعقوب عشية جمعة عند أوان إفطاره

__________________

(١) تفسير الآلوسي : ذيل الآية.

(٢) صبر جميل (صفة وموصوف) خبر لمبتدإ محذوف ، وتقدير الكلام : صبري صبر جميل.

١٥٨

يهتف على بابه : أطعموا السائل المجتاز الغريب الجائع من فضل طعامكم ، يهتف بذلك على بابه مرارا وهم يسمعونه ، قد جهلوا حقّه ولم يصدقوا قوله : فلما ايس ان يطعموه وغشيه الليل استرجع واستعبر وشكا جوعه الى الله باب وطاويا ، وأصبح صائما جائعا صابرا حامدا لله ، وبات يعقوب وآل يعقوب شباعا بطانا وأصبحوا وعندهم من فضل طعامهم.

قال : فأوحى اللهعزوجل الى يعقوب في صبيحة تلك الليلة : لقد أذللت ـ يا يعقوب ـ عبدي ذلة استجررت بها غضبي ، واستوجبت بها أدبي ، ونزول عقوبتي وبلواي عليك وعلى ولدك يا يعقوب ، ان احبّ انبيائي اليّ وأكرمهم علي من رحم مساكين عبادي وقرّبهم اليه وأطعمهم وكان لهم مأوى وملجأ يا يعقوب ، ما رحمت «ذميال» عبدي المجتهد في عبادته ، القانع باليسير من ظاهر الدنيا عشاء أمس لمّا عبر ببابك عند أوان إفطاره ويهتف بكم : أطعموا السائل الغريب المجتاز القانع ، فلم تطعموه شيئا. فاسترجع واستعبر وشكا ما به اليّ وبات جائعا وطاويا حامدا ، أصبح لي صائما ، وأنت ـ يا يعقوب ـ وولدك شباع ، وأصبحت وعندكم فضل من طعامكم.

او علمت ـ يا يعقوب ـ انّ العقوبة والبلوى أوليائي أسرع منها الى اعدائي ...إلخ(١) .

ومن الطريف انّ أبا حمزة يقول : سألت الامام زين العابدينعليه‌السلام متى راى يوسف رؤياه؟ فقال الامام : في تلك الليلة»(٢) .

يستفاد من هذا الحديث ان زلّة بسيطة او بعبارة أدق : «ترك الاولى» وهو لا يعدّ خطيئة او إثما ، لانّ يعقوب له يتّضح له حال السائل هذا الترك من قبل الأنبياء والأولياء يكون سببا لانّ يبتليهم الله بلاء شديدا وما ذلك الّا لمقامهم

__________________

(١) تفسير البرهان ، ج ٢ ، ص ٢٤٣ ونور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٤١١.

(٢) المصدر السّابق.

١٥٩

الكبير الذي يوجب عليهم ان يراقبوا كل حركاتهم وسكناتهم ، لانّ «حسنات الأبرار سيئات المقربين».

فإذا كان يعقوبعليه‌السلام قد ابتلي بهذا البلاء والهمّ لانّه لم يطلع على حال قلب السائل وآلامه ، فكيف الحال في المجتمعات التي تغرق فيها طائفة بالنعيم والرفاه وطائفة من الناس جياع ، كيف لا يشملهم غضب الله! وكيف يسلمون من عذاب الله!

٢ ـ دعاء يوسف البليغ الجذّاب

ترد في روايات اهل البيتعليهم‌السلام وروايات اهل السنة ، ان يوسف حين استقرّ في قعر الجبّ انقطع أمله من كل شيء ، وصرف كلّ توجهه الى ذات الله المقدسة يناجي ربّه ، وكانت لديه حوائج ذكرها بتلقين جبرئيل إياه ففي رواية انّه دعا ربّه بهذه المناجاة «اللهم يا مؤنس كل غريب ، ويا صاحب كل وحيد ، يا ملجأ كل خائف ، ويا كاشف كل كربة ، ويا عالم كل نجوى ، ويا منتهى كل شكوى ، ويا حاضر كل ملا ، يا حيّ يا قيّوم ، اسألك ان تقذف رجاءك في قلبي ، حتى لا يكون لي همّ ولا شغل غيرك ، وان تجعل لي من امري فرجا ومخرجا ، انّك على كل شيء قدير».

ومن الطريف انّنا نقرا في ذيل هذه الرواية ، انّ الملائكة سمعت صوت يوسف فنادت : «الهنا نسمع صوتا ودعاء ، الصوت صوت صبي والدعاء دعاء نبيّ»(١) .

وهناك نقطة تدعو للالتفات وهي : حين رمى يوسف اخوته في الجبّ خلعوا عنه قميصه وتركوه عاريا ، فنادى : اتركوا لي قميصي ـ على الأقل ـ لاغطي به بدني إذا بقيت حيا ، ويكون كفني إذا متّ. فقال له اخوته : اطلبه من الشمس

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ٥ ، ص ٣٣٧.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

هل كان صعباً تطبيق قواعد الإسلام في الحياة اليومية؟

كنت أتقصّد التفريق بين الممارسات الإسلامية والثقافة الإسلامية وذلك ما كان يختلط على الناس. «كوني أوروبية، اعتناقي الإسلام لا يعني بالضرورة ارتدائي العباءة في لندن» فالعباءة هي زي ثقافي ولكن اللباس الفضفاض هو المطلوب في الإسلام وليس الأمر محصوراً بارتداء العباءة. فأنا أصلّي، أدفع الصدقات والخمس، أمتنع كلياً عن شرب الكحول والمحرّمات ولكن ليس المطلوب مني أن ألبس العباءة مع أنني أمتلك واحدة أستمتع بارتدائها في المنزل. ولكن بطبيعة الحال، أثناء تواجدي في أوروبا - أرتدي الزي الأوروبي مع مراعاة الحجاب.

فأنا أرى الكثير من الممارسات والقيم الإسلامية في أوروبا كاحترام حقوق الإنسان والحفاظ على النظافة والبيئة وهذه القيم الإسلامية وللأسف مفقودة اليوم عند أغلبية المجتمعات الإسلامية. وهذا بالذات ما عناه المستشرق محمد أسد عندما قال: «تستطيع أن ترى الكثير من الإسلام في أوروبا والقليل من المسلمين، والكثير من المسلمين في الشرق ولكن القليل من الإسلام الحقيقي».

ما هي التحديات التي يفرضها تخلي المرء عن ديانته الأولى واعتناقه لديانة أخرى؟

إنّ التحول إلى الإسلام له تحدياته، خصوصاً على صعيد وجود بيئة مماثلة للتعايش معها. فمثلاً من الصعوبات التي تطرح: وجود زوج لائق لامرأة اعتنقت الإسلام، حيث تصبح الواحدة منا عالقة بين عالمين. فأنا شخصياً امرأة مطلَّقة وأعاني أحياناً من لسعة الوحدة.كذلك المسلمون يتحمسون كثيراً لاعتناق الآخرين لديانتهم ولكنني دائماً أقول، ماذا عن البيئة الحاضنة فيما بعد؟ حيث يبدأ العمل الحقيقي عندها. فهم يشجعون الناس على اعتناق الإسلام ومن ثم يتركونهم وحدهم لمصيرهم. أنا محظوظة ربما بإنشاء شبكة من الصداقات. ولكن كم مرّ علي من الأعياد لم أستطع الإحتفال بها كوني كنت وحيدة. فالعيد كان بالنسبة إليّ أداء الصلاة ومن ثم متابعة اليوم بشكل عادي للأسف.

ولكنني أجد إيجابية في ذلك أحياناً، عندما ينتهي بي الأمر في الأعياد بالعشاء مع أحد الذين اعتنقوا الإسلام كذلك ولا يجد من يعيّد معه.

٣٠١

فالعزلة هي ما يترتب علينا عند اعتناقنا مذهباً ما وتخلينا عن مذهب آخر، ففي عيد الميلاد، لا أكون فرداً مرحّباً به في عائلتي كوني اخترت سلوك طريق آخر. وفي شهر رمضان أجد نفسي وحيدة حيث لا يوجد من يتسحّر معي أو يتناول معي الإفطار إلا إن دعاني أحدهم. ولكنّ العزاء دائماً أنّ الله بصحبتي وهو خير صاحب.

وإن كان الإيمان بالله هو الذي يجعلني أقاوم تلك التحديات ولكنني سمعت عن كثيرين اعتنقوا الإسلام حديثاً قد عادوا وانكفؤوا عن ذلك بسبب عدم وجود الدعم المعنوي الكافي من المجتمع الإسلامي المحيط. ومنذ فترة التقيت بامرأة كانت قد اعتنقت الإسلام لفترة عشر سنوات ولكنها عادت لتصبح اليوم وزيرة مسيحية مجدداً.

أخيراً ما الرسالة التي وجهتها إلى الناس من خلال كتابك؟

لقد وجهت رسالة من خلال كتابي إلى الناس الذين يتعلقون اليوم بالمظاهر المادية للحياة. الكثير من الشبان يحلمون بما كنت أمتلكه في الـ «أم تي ڤي» من تسلية ومعارف وشهرة وثقافة.. كنت أمتلك كل ذلك ويمكنني القول بأنّني لم أكن أشعر بالسعادة ولا أفكّر أبداً باسترجاع حياتي السابقة. ذلك الفراغ الذي كنت أحسّ به قبل اعتناقي للإسلام امتلأ اليوم من خلال وجود هدف لحياتي وعلاقة مميزة مع الله وحلم بالجنة.

وتختم بايكر بالقول: أكثر ما يقلقني اليوم هو أنّ غالبية سكان بريطانيا يبنون معارفهم عن الإسلام من خلال ما تمليه عليهم وسائل الإعلام. فالناس هنا لا يذهبون إلى المكتبات ويشترون الكتب ليتعرفوا على الإسلام، بل يكتفون بقراءة الدايلي مايل أو مشاهدة التلفاز لتكوين رأيهم عن الإسلام. كل ما ينقصنا هو التعليم والتثقيف. ولذلك أنا دائماً جاهزة لإجراء المقابلات، لكي أتكلم وأشرح أكثر عن الإسلام. فمثلاً عندما تتصل صحيفة الصن بأحدهم لإجراء حوار، يمتنع عن القبول، ولكنني أفعل لأنّ إلقاء قطرة واحدة من الحقيقة في ذلك المحيط الشاسع يمكن أن يكون له أثر».

٣٠٢

بايكر اليوم تبقي نفسها منشغلة بتحسين صورة الإسلام في بريطانيا. وكانت واحدة من الذين نظموا حملة «ألهمني الرسول محمد (ص)» في لندن التي هدفت إلى تقديم صورة مشرقة عن الإسلام من خلال ملصقات يتم وضعها في مواقف الحافلات وعلى سيارات الأجرة وكانت صورتها ظهرت على إحدى الملصقات وقد كتب تحتها «أؤمن بحماية البيئة وكذلك الرسول محمد (ص)». وقد تلقّت وسائل الإعلام تلك الحملة بالقبول. وفي الآونة الأخيرة أجرت معها شبكة البي بي سي لقاءً حول الفيلم المسيء للإسلام «براءة المسلمين».

الأخ يحيى

انطباعات من مسلم جديد

القرآن: الوحي الأخير

استدركت ضرورة وحتمية بعث نبي جديد بعد النبي عيسى (ع) نتيجة الابتكارات المنسوبة إلى الوحي الإلهي فكانت الحاجة لنبي آخر بعد عيسى (ع) مع وحي آخر بعد الإنجيل. لهذا بعث الله محمداً (ص) مع آخر رسالة، (أي القرآن)، لإعادة كل البشرية إلى الإيمان وعبادة إله واحد هو الله، دون شركاء أو وسطاء. وفقاً للمسلمين، القرآن الكريم، مصدر دائم لهداية الناس، وقد قدم توضيحاً عقلانياً للدور التاريخي الرائع للنبي عيسى (ع)، فقد ورد اسم (عيسى) خمساً وعشرين مرة في القرآن الكريم الذي يتضمن سورة اسمها مريم تيمناً باسم والدة نبي الله عيسى: السيدة مريم بنت عمران (عليها السلام).

فالحتمية الإلهية لنزول وحي جديد، وجدتها في الآيات القرآنية التالية التي أقنعتني جدا:) وَمَا کَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ یُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَتَفْصِیلَ الْکِتَابِ لا رَیْبَ فِیهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِینَ ﴿37﴾﴾ [يونس: 37]، و﴿ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْیَقِینِ ﴿51﴾ ﴾ [الحاقة: 51]. تزامناً، كنت أشعر بالقلق خوفاً من حصول تحريف في القرآن الكريم لأنها كانت مشكلة كبيرة مع الكتب السماوية السابقة. فقرأت بأن القرآن لن يتغير أو لن يتم إلغاؤه:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿9﴾ ﴾ [الحجر: 9].

٣٠٣

وعرفت لاحقاً أن بعض الظواهر العلمية مذكورة في القرآن، وهذا ما يؤكد مصداقية الاعتقاد بأن القرآن هو كلام الله. فهناك آيات تصف تكوين الجنين داخل رحم أمه، وتكوين الجبال، وأصل الكون، والمخ، والبحار، والأمواج والسحب. إنه فوق استيعاب أي شخص أن يتصور أنّ هذه الحقائق كانت مكتشفة منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، ذلك أنه تم الكشف عن هذه الحقائق وتم تأكيدها في الآونة الأخيرة بواسطة علميات أُجريت بآليات متطورة.

الإسلام: جوهر وذروة الأديان السماوية

يعتقد المسلمون أن الغرض الأساسي لخلق الجنس البشري هو عبادة الله. كما قال في القرآن الكريم،﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ﴿56﴾ ﴾ [الذاريات: 56] وبحسب عالم إسلامي معروف في الغرب فإن «النظام الأكثر اكتمالا من العبادة المتاحة للإنسان اليوم هو النظام الموجود في دين الإسلام، وكلمة «الإسلام» تعني «التسليم والخضوع لإرادة الله (عزّ وجل)»، على الرغم من أنه يشارالى الإسلام عادة باسم ثالث الديانات التوحيدية الثلاث، فإنه ليس ديناً جديداً على الإطلاق. إنه دين جاء به جميع أنبياء الله للبشرية. فالإسلام هو دين آدم وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام).

ويضيف العالم «بما أن الله واحد، والبشر هو نوع واحد، فبالنتيجة الدين الذي سيبعثه الله للناس هو دين موحد، فالحاجات الروحية والاجتماعية البشرية هي ذاتها والطبيعة البشرية لم تتغير منذ تم إنشاء أول رجل وامرأة

وبما أن رسالة الله كانت دائما هي نفسها، أدركت أنه من واجب جميع البشر البحث عن الحقيقة في التدين وليس مجرد القبول والاتباع الأعمى للدين الذي يتولاه مجتمعهم أو الوالدين، وفقاً للقرآن،﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّیْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُکْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِیَّاهُ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿40﴾ ﴾ [يوسف: 40].

٣٠٤

وفيما يتعلق بالفطرة، قال النبي محمد (ص)، ما معناه كل مولود يولد على الفطرة لكن والديه يحولانه إلى اليهودية أو المسيحية أو المجوسية. وعلاوة على ذلك، قال الله تعالى:﴿ فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿30﴾ ﴾ [الروم: 30].

كذلك، تعلمت أنه لا يوجد دين آخر مقبول عند الله الى جانب الإسلام، كما قال بوضوح في القرآن الكريم:﴿ وَمَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الإسْلامِ دِینًا فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِی الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِینَ ﴿85﴾ ﴾ [آل عمران: 85].

فاستنتجت أن الانسان قد يهمل هدى الله ويقيم لنفسه معايير خاصة للمعيشة. ولكن في نهاية المطاف، سوف يكتشف أنه لم يكن يتبع إلا سراباً.

عابر

واصلت قراءة القرآن والتعرف على أقوال وأفعال النبي محمد (ص)، فلاحظت أن الإسلام يرى الإنسان (العبد) كرجل عابر لهذه الحياة، والآخرة هي الدار المقر.

فنحن هنا لفترة قصيرة، ولا يمكن أن نأخذ أي شيء معنا من هذه الحياة إلا إيماننا بالله وأفعالنا الحسنة. وبالتالي، ينبغي أن نكون مثل المسافر الذي يمر عبر الأراضي فقط ولا يأخذ أي شيء منها.يجب علينا أن نفهم أن معنى أن نكون على قيد الحياة هو أن نكون تحت اختبارات متواصلة. فهناك المعاناة والفرح والألم والغبطة. هذه الاختبارات من الخير والشر هدفها بلورة الصفات الروحية العليا فينا. نحن غير قادرين على الاستفادة من هذه التجارب إلا إذا بذلنا قصارى جهدنا، بحيث يكون لدينا ثقة كاملة بالله وتقبل ما يقدر الله لنا بصبر.

٣٠٥

الطريق إلى الجنة

كان لا بد من معرفة المزيد عن الجنة إذ إنها بالتأكيد الهدف النهائي الذي يسعى إليه كل فرد، يقول الله،﴿إِنَّمَا یُؤْمِنُ بِآیَاتِنَا الَّذِینَ إِذَا ذُکِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ ﴿15﴾ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ ﴿16﴾ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِیَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْیُنٍ جَزَاءً بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ ﴿17﴾ ﴾ [السجدة: 17] فصرت على بينة أن سروري غداً هو أبعد من كل خيال، إذ سأعيش هذا الفرح العارم في ظل الخالق.

كنت أتساءل أي النفوس تستحق هذه المكافأة؟ هذا الثواب أعظم من أن يكون له ثمن. قيل لي أن الثمن هو الايمان الحقيقي بالله والطاعة له ولنبيه محمد (ص) وآل بيته (عليهم السلام).

أدركت أن البشرية يجب أن تعبد الله لتحقيق البر والوضع الروحي اللازم لدخول الجنة.هذا يعني أنه على البشر الفهم أن العبادة لا غنى عنها كما الأكل والتنفس وليست مجرد معروف يقومون به تجاه الله.لذلك نحن بحاجة لقراءة القرآن لمعرفة أي نوع من الناس يريدنا الله أن نكون ونحاول أن نصبح على هذا النحو. إذاً هذا هو الطريق إلى الجنة.

التغلب على عقبة:

في هذه المرحلة، شعرت بأنني 80٪ أريد أن أصبح مسلماً، ولكن ما كان يدفعني إلى الخلف أنني كنت قلقاً من ردّة فعل عائلتي وأصدقائي لو علموا بأنني أصبحت مسلماً.

فأعربت عن قلقي لأخ مسلم فقال لي أنه في يوم القيامة، لا أحد سيكون قادراً على مساعدتك، لا والدك، ولا والدتك أو أي من أصدقائك. لذلك، إذا كنت تعتقد أن الإسلام هو الدين الحق، يجب أن تتقبله وتعيش حياتك لإرضاء واحد أحد هو الذي خلقك، وهو الله.

وهكذا، أصبح جلياً بالنسبة لي أننا جميعا في قارب واحد؛ وأن كل نفس ذائقة الموت ثم سنكون جميعاً مسؤولين عن معتقداتنا وعن أفعالنا أمام الله.

٣٠٦

شريط فيديو ذو مغزى:

في هذه المرحلة من بحثي عن الحقيقة، كنت على وشك اعتناق الاسلام. شاهدت محاضرة إسلامية على شريط فيديو حول الغرض من الحياة. وكان الموضوع الرئيسي لهذه المحاضرة أن الغرض من الحياة يمكن تلخيصه في كلمة واحدة، هي الإسلام (التسليم لإرادة الله).

على عكس الأديان أو المعتقدات الأخرى، فإن مصطلح «الإسلام» لا يرتبط بأي شخص أو مكان معين. قد أسمى الله الدين في الآية القرآنية التالية:﴿ إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ ﴾ [آل عمران: 19] فأي شخص يعتنق الإسلام يسمى مسلماً بغض النظر عن عرق ذلك الشخص أو جنسه أو جنسيته. هذا هو واحد من الأسباب التي تجعل الإسلام دينآً عالمياً.

قبل بحثي عن الحقيقة، لم أنظر بجدية إلى الإسلام كخيار بسبب الصورة السلبية المستمرة عن المسلمين في وسائل الإعلام. وقد أظهر مقطع من شريط الفيديو كيف أن المسلمين وعلى الرغم من تميز الإسلام بالمعاييرالأخلاقية العالية، ليسوا جميعاً متمسكين بهذه المعايير.و يمكن قول الشيء نفسه عن أتباع الديانات الأخرى.

فهمت أخيراً أننا لا نستطيع أن نحكم على الديانات من خلال تصرفات أتباعها وحدها، كما فعلت، لأن عامة البشر غير معصومين. على هذا الحساب، لا ينبغي لنا أن نحكم على الإسلام من تصرفات أنصاره، ولكن عن طريق الوحي (القرآن الكريم) وسنة النبي محمد (ص) وأهل بيته (عليهم السلام).

النقطة الأخيرة التي التقطتها هي أهمية الامتنان لله. فالله يذكر في القرآن أنه ينبغي لنا أن نكون ممتنين لحقيقة أنه خلقنا:﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَکُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِکُمْ لا تَعْلَمُونَ شَیْئًا وَجَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ ﴿78﴾ ﴾ [النحل: 78].

٣٠٧

الحقيقة تكشف عن نفسها:

بمجرد انتهاء العرض،اختبرت كشف النقاب عن روحي، شعرت أنّ عبئاً كبيراً من الخطايا زال عن كتفي. وعلاوة على ذلك، شعرت بنفسي كأنني أرتفع عن الأرض وأحلّق، رافضاً المسرات المؤقتة في هذا العالم من أجل الأفراح الأبدية في الآخرة.

هذه التجربة، إلى جانب عملية طويلة من التفكير، حلت أحجية «الغرض من الحياة». وكشفت أن الإسلام هو الحقيقة، وبالتالي كان علي تحديد هدفي من الحياة، ومعتقدي، اتجاهي وأفعالي.

فدخلت بوابة الإسلام بالإعلان عن نية الإيمان بالقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

أُبلغت بأن هذه الشهادة تؤكد الاعتقاد بجميع الأنبياء والمرسلين من الله، جنباً إلى جنب وبالتالي فإن كل رسول ونبي هو تحديث واستكمال لدين واحد حتى وصلنا إلى آخر الأنبياء محمد (ص) وإلى الوحي النهائي من الله [القرآن].

انطباعات من مسلم جديد:

أثناء بحثي عن الحقيقة، الدرس الذي تخطى جميع الدروس، هو أن كل المعبودات الأخرى ما عدا الله هي مجرد أوهام.

فالإذعان لإرادة الله أشعرني بالسلام مع الخالق، مع الآخرين، وأخيراً، مع نفسي. ونتيجة لذلك، بت أشعر بالامتنان جداً، وهذا من رحمة الله، الذي أنقذني من أعماق الجهل وصعد بي إلى نور الحقيقة.

الإسلام، الدين الحق في جميع الأوقات والأماكن ولكل الشعوب، هو رمز كامل للحياة إذ يوجّه الإنسان لتحقيق الغرض من وجوده على الأرض، ويعد له اليوم الذي سيعود فيه الى خالقه.

اتباع هذا المسار بطريقة ورعة تمكن الواحد منا من اكتساب رضوان الله فنكون أقرب إليه وسط المسرات التي لا نهاية لها من الجنة والخلاص من عذاب جهنم. مكافأة إضافية بأن تكون حياتنا الحالية أسعد بكثير عندما نتخذ مثل هذا الخيار.

٣٠٨

التمتع بالضلالة:

وقد أعطى اعتناق الاسلام لي أكثر من نظرة ثاقبة في الطبيعة الوهمية لهذه الحياة. على سبيل المثال، إحدى الركائز الأساسية للإسلام هي تحرير الإنسان. فعندما يطلق مسلم على نفسه اسم «عبد الله»، ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على التحرر من العبودية لجميع الأشكال الأخرى، وعلى الرغم من أن الإنسان المعاصر قد يظن أنه متحرر، وهو في الحقيقة عبد لرغباته. مخدوع ومضلل من هذه الحياة الدنيوية. يقول الله تعالى:﴿ أَرَ‌أَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴿43﴾ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَ‌هُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 43، 44].

لذلك يجب علينا ألا ندع حماسنا للاستمتاع بمتع هذه الحياة الزائلة يعرِّض فرصة الاستمتاع بملذات الجنة للخطر. كما يقول الله في القرآن:﴿ زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِینَ وَالْقَنَاطِیرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَیْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِکَ مَتَاعُ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴿14﴾ قُلْ أَؤُنَبِّئُکُمْ بِخَیْرٍ مِنْ ذَلِکُمْ لِلَّذِینَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِیرٌ بِالْعِبَادِ ﴿15﴾ ﴾ [آل عمران: 14، 15].

ولذلك، فإن المنافسة الحقيقية في هذه الحياة ليست على تراكم الثروة أو الرغبة في الشهرة، بل بالقيام بالاعمال الصالحة لإرضاء الله، مع الاحتفاظ بالجزء القانوني من التمتع في هذه الحياة.

الطريق الصحيح إلى الله:

هناك العديد من البدائل الدينية المتاحة للإنسان، والأمر متروك له لاختيار أي ديانة يرغب في اتباعها. إنَّه أشبه بالتاجر مع العديد من السلع أمامه، وهو الذي يختار أي سلعة ليتاجر بها. من الواضح أنّه سوف يختار ما يعتقد أنّه الأكثر ربحاً. ومع ذلك، فإن التاجر يبقى غير متأكد وغير ضامن للربح؛ حيث يمكن أن يكسب اليوم ويمكن أن يخسر غداً كل شيء.

في المقابل، فإن المؤمن في وحدانية تسليمه لله، يكون متأكداً تماماً أنّه إذا كان يتبع طريق الهداية [القرآن وسنة النبي محمد (ص)، وآل بيته (عليهم السلام)] سيكون بلا شك مصيره النجاح والثواب في نهاية هذا الطريق، ولحسن الحظ، يبدأ هذا النجاح أيضاً في بداية اختيار هذا المسار.

٣٠٩

أنا مسلمة جديدة...

رقية وارث مقصود

ليس من أمر أسهل من اعتناق الإِسلام - لحظة يدرك الإنسان أن الله حق وأن الله موجود حقاً ويقر بأن النبي العربي محمد (ص) هو حقاً خاتم رسل الله ضمن سلسلة الأنبياء الآخرين المذكورين في الإنجيل يكون قد خطى فعلياً الخطوة الأولى.

تسمى لحظة الإشراق هذه التقوى والإحسان. فجأة تدرك أن الله يراك ويعرفك وإن كنت لا تعرفه ولا تراه.

الخطوة الثانية في مسيرة اعتناق الإِسلام هي التعبير وبوضوح عن لحظة الإيمان هذه - أي نطق الشهادة: «أشهد» لتتوالى الخطوات طوال حياتك.

كيف أعيش كمسلمة:

أن تصبح جزءاً من الجالية المسلمة المحلية وتلج في نمط الحياة هذا أمر يختلف تماماً عن مجرد أن تصبح مسلماً على مستوى العقل.

فهذا يتطلب من الكثيرات من معتنقات الإِسلام درجة عالية من العزم والثقة. فأنتِ لن تواجهي عائلتك وأصدقائك الذين يعتقدون أنك قد أصبت بالجنون فقط، ولكن كامرأة عليك أيضاً أن تستجمعي قواك للدخول إلى عالم المسجد حيث الرجال العابسو الوجوه ذوو اللحى الطويلة لن يكلموك.

فإن كنت واحدة من معتنقات الإِسلام في بعض نواحي إنكلترا الشمالية حيث يغلب على المساجد الطابع الآسيوي، يجدر بك أن تعلمي الكثير عن الثقافات الآسيوية بالإضافة إلى تعلّم الإِسلام.

تنجلي تلك العبسات عن حياء ورقة وتقوى وصداقة صادقة وضيافة وكرم؛ ولكن يعتبر من الفظاظة أن يبدو الرجل وكأنه متحمس للتحدث مع النساء أو للنظر إليهن أكثر من نظرة واحدة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الكثير من المساجد لا تحوي بعد على مصلّى للنساء.

٣١٠

اكتساب الثقة:

لكننا نحن الذين نعتنق الإِسلام نكتسب الثقة شيئاً فشيئاً، فلم نعد نشعر بأنه علينا أن نتظاهر بأننا عرب أو باكستانيون لنشعر بالانتماء.

فنحن نعلم الآن أن المسلمين متواجدون في كل مكان حول العالم من الأسكيمو إلى أستراليا.

يمكننا أن نختار أسماء عربية، كما يمكننا أن نبقى على أسمائنا القديمة فهذا الأمر ليس ذا قيمة حقاً.

على النساء اختيار ملابس معينة كالبنطال الفضفاض والسترة الطويلة أو التنورة الطويلة. وإن كنا لا نشعر بالانسجام في المساجد المحلية لأننا لا نتقن اللغة العربية، فنحن بدأنا بتنظيم مساجد داخل البيوت ونشكل جماعات فيما بيننا وندعو الآسيويين أيضاً ليكونوا ضيوفنا.

أطياف متعددة من المسلمين.... عائلة واحدة:

بدأنا نحن - معتنقو الإِسلام الجدد - بالقراءة بما فيه الكفاية وبتحصيل العلم بما يمكِّننا من التعبير عن آرائنا حول الأمور من حولنا. فنحن عندنا النضج الكافي لندرك أن ليس كل المسلمين قديسين. فالبشر بشر وجلّنا بعيد عن الكمال.

هكذا نتغلب على الشعور بالخيبة عندما نكتشف أن ليس كل مسلم يحيا كما ينبغي على المسلم أن يحيا للوصول إلى الكمال وبالتالي لا نستسلم أو نتهمهم بالنفاق؛ بل على العكس نبذل أقصى جهدنا لنحيا حياتنا بأفضل طريقة ممكنة.

شيئاً فشيئاً يدرك كافة معتنقي الإِسلام وجود الكثير من أنواع المسلمين.

بعض المسلمين روحانيون في حين أن آخرين يهتمون بظاهر العبادات.

لكن شعورنا يزداد بأنه بإمكاننا أن نجد مكاناً لأنفسنا إلى جانب الآخرين في هذه الأمة الواسعة والعائلة الممتدة، وطالما أننا نقوم بأقصى جهدنا فإن الله سيثيبنا على نوايانا الحسنة.

٣١١

جيمي بور

من عارضة أزياء إلى امرأة مسلمة

السلام عليكم، إسمي جيمي

وُلدت وترعرعت على المسيحية الحديثة غير الطائفية ولم أجد فيها أجوبة لما كنت أبحث عنه، ولمدة 31 عاماً كمسيحية، لم أشعر يوماً بالله. حاولت وبكل ما بوسعي ولكني لم أشعر به على الإطلاق. كنت عارضة لبلادي ولمدة خمس سنوات، تعاطيتُ الكثير من المخدرات خلال تلك الفترة كنت أستخدمها كمساعد لفقدان الوزن وكنت أستخدمها لمرة واحدة لأُبعد نفسي عن الإكثار من تناول الطعام. كنت أعتقد بأنني قوية لأتجنب الإدمان على المخدرات التي تحوّل كل من يستخدمها إلى مدمن. بدأتُ أفكر بأني سآخذها لأسبوعين إلّا أنني أصبحتُ مدمنة ليل نهار. أخذتني المخدرات إلى الحضيض والدمار الكامل، فقد كان زوجي يتعاطى المخدرات كذلك. ما دفعه ليكون عنيفاً معي، حتى أني كنت خائفة على حياتي.

قررت أن أتوقف عن تعاطيها، فليس هذا ما أريده لحياتي. فقلت له أنني سأتوقف عنها، ضحك وقال: «لن تستطيعي التوقف». فقلت: «سأتوقف عنها». وتوقفت عن تناولها ذلك اليوم ولم أنظر إلى الخلف مرة أخرى، ولم يكن لديَّ أي برنامج لإعادة التأهيل أو أي مساعدة خارجية أو نظام دعم. كان زوجي يضحك، محاولاً أن يثنيني عن عزمي حتى أعود لتناولها من جديد، وبعد ذلك رُزقت بولدي الصغير. تغيّرت نظرتي إلى الحياة بأكملها. فقد أحببتُ ذلك الطفل الصغير الرائع والذي يحتاج إلى أم صالحة، أحببته كثيراً. فأردت تغيير كل شيء كنت قد ركزت عليه سابقاً، لأجله.

كنت في السابق قادرة على فعل أي شيء أريد أن أقوم به، فقد كنت جزءاً من مشاهد هوليوود التي يرغب الجميع بأن يكون جزءاً منها. لم أكن شخصاً جيداً، كنت في السابق، أشرب الكحول وأتعاطى المخدرات. ولكنني لم أعد أريد القيام بهذه الأمور بعد الآن.

٣١٢

قمتُ بالبحث عن الإِسلام لفترة قبل أن أصبح مسلمة، أردتُ أن أعرف وبشكلٍ أساسي سبب كراهية العالم للمسلمين بهذا القدر، لأنني رأيت ما رأيتُ في نشرات الأخبار، ورأيتُ الظلم والعنف وهذا ما دفعني للبحث عن الحقيقة ولمعرفة ما إذا كان الإِسلام كذلك. بدأتُ البحث عن الموضوع، وكلما بحثت أكثر كلما غصت أعمق في الموضوع. فوجدتُ الحقيقة.

تفاجأ الكثير من الناس عندما تخليتُ عن كل الملذات السابقة لأجل أن أكون مسلمة. والغريب هو أنني عندما نطقت الشهادتين أسست بتلاشي الرغبات للقيام بتلك الأمور وبشكل كامل. إنه لشيء رائع أن أستمتع وأشعر بالسلام في قلبي كوني مسلمة.

أعتقد أن الشيء الأساسي الذي أثار إعجابي بالإِسلام هو احترام المرأة. فهناك الكثير من الاحترام للمرأة والأمور التي تقوم بها النساء، حياتنا نحن النساء ليست سهلة، فلدينا الكثير لنفكر فيه ونقلق بشأنه، كعائلاتنا وأزواجنا وأطفالنا. فتربية الأطفال هو أمر صعب جداً، بالإضافة إلى الأعمال المنزلية والطبخ والاعتناء بأزواجنا.. إنها وظيفة صعبة.

وفي الواقع فإن الإِسلام يحترم المرأة لتلك الأسباب. كان سبباً لفصلنا عن الرجال في المساجد حتى لا يتشتت الرجال. يفهم الإِسلام القوة الكامنة في جاذبيتنا ومظهرنا وهو ما يتأثر به الرجال، والإِسلام يحترم هذا الأمر. ما إن أدركتُ هذا حتى تمكنت الفكرة مني وأردتُ أن أصبح مسلمة. اعتناقي للإِسلام أشعرني بالاختلاف فقد جعلني أشعر بالسلام المطلق. كنت في السابق أشعر بعدم الاستقرار، فالكثير من الأشياء كانت في حالة عدم استقرار، والسبب في هذا هو عدم اتخاذ قرار بشأنها. لم يكن لديَّ أيَّ هدف في ذهني ولم يكن هناك سبب لوجودي، لكن اعتناقي للإِسلام أعطاني السلام والأمان والتوازن وهو ما احتجت إليه في حياتي، إسلامي جعل من الأشياء حقيقة، وتستحق أن أكون هنا من أجلها، فأخيراً صار هناك هدف لحياتي وأنا أفهم الآن ما هو الغرض منها. لا نملك الفرصة دوماً للالتقاء بالناس الذين نحتاجهم بصورة جوهرية لنفهمهم. هذا ما جعلني أتردد على المسجد لأتقرب إلى الناس وأفهمهم. وكلما زاد ترددي إلى المسجد، كلما ازداد عدد النساء اللواتي أحطن بي واعتنين بي ومنحنني العطف الموجود في الإِسلام.

٣١٣

لم أفكر أبداً ولو لمرة واحدة في حياتي بأني سأصبح مسلمة على الإطلاق. فقناعاتي تجاه المسلمين كانت مغلوطة للغاية فأنا لم أحبهم، فقد كنت أعتقد بأنهم سيئون ولم أكن لأفكر ولو لمرة بأني سأكون واحدة منهم. ولكن اليوم أنا فخورة وسعيدة جداً، وأريد أن أرتدي الحجاب ليعرف الناس أني مسلمة، حتى لو كرهوني فأنا لا أهتم. أنا أريد أن أبيِّن لهم أن الله موجود في أي شخص وليس فقط في الشرق أوسطيين.

٣١٤

راكيل: مسلمة أميركية...

ضابطة شرطة سابقة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إسمي راكيل، وقد اعتنقت الإسلام.

لقد كنت ضابطة شرطة في مدينة ديترويت وعملت هناك منذ عام 1996 وحتى عام 2004 وقد أُطلق علَيّ النار عام 2002، وكان ذلك أثناء تأدية وظيفتي وكدت أفارق الحياة.

لم أكن أذهب إلى الكنيسة في واقع الأمر، لقد نشأت في منزل مسيحي، فأبواي قسين مسيحيين، وقرأت الكثير عن الكاثوليكية.

لقد لاحظت أن الإسلام منطقي من الناحية الفكرية، أنا لم أحلل الأديان الأخرى وأدرسها، إلّا أنها تبدو وكأنها تحمل الكثير من صنع الإنسان، وأفكاره بدلاً من شريعة الله الأصلية، وهذا كان يزعجني كثيراً. ثم وجدت الإسلام، أكثر دقة تاريخياً ومن حيث أصالة النصوص، ولم يتم تشويهه من خلال الكثير من الترجمات المختلفة.

أعتقد أنه في عام 2002، تم إنقاذ حياتي لسبب، وأعتقد أن هذا السبب هو أن أتمكن من اعتناق الإسلام وأن أصبح مسلمة. لم أكن أعرف كيف أعبد الله، لم أعرف ما هو الدين الذي ينبغي أن أؤمن به، حتى التقيت ببعض الأصدقاء المسلمين، وقد حدثوني باستفاضة، وفسَّروا لي الكثير. لقد كنت أشعر بالقلق حيال إعلان الشهادة لأنني لا أعرف الكثير من الكلمات الإسلامية حتى الآن، فساندتني إحدى الأخوات التي كانت ترعاني في المسجد، وساعدتني حتى أعلن شهادتي وكان الأمر رائعاً فعلاً. لقد استمتعت بمجرد الإعلان أني أشهد أن لا لا إله إلّا الله أمام كل من في المسجد وكان ذلك أبرز الأحداث بالنسبة لي. لم أعد أخاف الموت فيجب أن لا نخشى إلّا الله، ونتحلى بالإيمان، لأنَّ الله واحد وأنا أعرف ذلك لأنني كنت على شفير الموت ولو كنت قد توفيت ذلك اليوم، لا أعرف إن كنت في هذه الحالة سيكون مصيري إلى نار جهنم أم لا، أما الآن فتملأني الثقة والطمأنينة والسعادة لأنني أعرف مصيري إن حدث لي شيء اليوم.

٣١٥

كان سيصيبني الجنون إن تابعت عملي كضابطة شرطة، لأن الناس يهاجمون المسلمين في ديترويت دون سبب على الإطلاق، لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، كان الأمر فظيعاً وقد أزعجني، وكنت أردّ بأن كونهم مسلمين لا يعني أنهم متطرفون حيث أزعجني ما رأيت - كضابطة شرطة - في الشوارع والأسلوب الذي كانت تتم به معاملتهم فقد كان في ذلك انعدام للضمير.

أعرف أن تعلُّم لغة جديدة قد يكون محبطاً للبعض، فهي في الأساس ثقافة جديدة، وليست ديناً فحسب، بل أسلوب حياة. وبالنسبة لي لم يكن ذلك محبطاً، كل ما في الأمر هو رغبتي في تعلمها بسرعة أكبر، وأريد أن أتقنها بمفردي، لكن هذا ليس سهلاً وعلَيَّ أن أتعلم كل شيء تقريباً عبر الإنترنت حتى كيفية ارتداء الحجاب، إنها تجربة مذهلة. بدأت أمتنع عن الكثير من المحرمات كشرب الكحول ولم أعد أتناول لحم الخنزير، وبالطبع أشتري الآن لحماً حلالاً. أصبحت في الأربعين وكنت أعرف أنني أرغب في إدخال هذه التغييرات إلى حياتي، وآن الأوان لأنعم بالسلام والهدوء في حياتي وأتقرب إلى الله، وكنت مستعدة تماماً لهذا التغيير وكنت أعرف أن هذا ما تفتقده حياتي. عندما أصلي، أشعر أنَّ الصلاة مؤثرة جداً وأشعر بقدر هائل من الحماية.

أقرأ القرآن الكريم كل يوم، وأجد فيه آداب الإسلام وأتعلم شيئاً جديداً، والناس يقدمون الكثير من المساعدة، فبالرغم من اختلاف العرق، لا يصدر الناس عليك أحكاماً إذا دخلت وأنت أمريكي. بل يقدمون الكثير من الدعم، فالكل يعاملك بكل لطف ويساعد في تعليمك وتوجيهك.

أكثر ما يعجبني في الإسلام هو الحجاب، فأنا أستمتع به، لأكون صادقة تماماً، لا سيما هنا في لاس فيغاس حيث ينظر الرجال إلى النساء بشكل غريب وهذا يثير الخوف. وهكذا أشعر بمزيد من الراحة والأمان. أما في ما يتعلق بإخبار أصدقائي عن اعتناقي الإسلام، لست متأكدة من ردود أفعالهم فمثلاً أفضل صديقاتي من الطفولة تعمل في الواقع في الكنيسة الكاثوليكية، وأعرف أن رد فعلها لهذا سيكون سيئاً، وقد لا نكون أصدقاء بعد الآن. والبعض أظهروا لي الكثير من الدعم أو طرحوا أسئلة مثيرة للاهتمام كذلك، فكان من اللطيف أن أتمكن من أن أنقل أفكاري لهم. من أبرز الأسئلة التي طرحها أصدقائي بصفة خاصة، سواء من الرجال أو النساء، لماذا تغطين رأسك؟ ولماذا تغطين ذراعيك؟

٣١٦

لا سيما عندنا في لاس فيغاس، لأن المجتمع هنا مختلف للغاية مقارنة حتى بالمجتمعات الأمريكية العادية، الناس هنا يرتدون ألبسة مكشوفة خاصة النساء، فقلت بكل بساطة، الأمر يتعلق بالاحتشام، وقد لاحظت أن الناس ينظرون إليّ بشكل مختلف، حتى أن بعض أصدقائي ذكروا أن بعض الناس ينظرون إليّ بمزيد من الإحترام لأنّ الرجال لا ينظرون إليّ كشيء، بل ينظرون إلى وجهي. في ما يتعلق بأفراد أسرتي فهو سيف ذو حدين، إنني أفتقدهم كأشخاص، لكنني لا أفتقد دينهم على الإطلاق. وقد كانوا في غاية القسوة معي، فقد كانت لديّ تجارب رهيبة ومخيفة للغاية، كان والداي يصطحبانني منذ صغري لحضور ممارسات طرد الأرواح الشريرة. فكان لذلك أثر عاطفي هائل على نفسي طوال الوقت. والداي لا يعرفان أنني اعتنقت الإسلام، لم يكن أمامي سوى خيار واحد في رأيهما، وكان إما اختيار أن أكون مسيحية ذات شخصية جذابة مثلهما أو لا يحترمانني مطلقاً وقد أقصياني من العائلة وكان ذلك قبل أن أعتنق الإسلام.

أفضِّل أن تكون لي أسرة مسلمة وأن يكون الله في حياتي، الله الحق، وليس مجموعة من القواعد والقوانين التي أرساها البشر، لقد تسبب دينهما بالكثير من الألم لي، لكن هذا الدين ليس كذلك.

أنا أريد أن أنشر هذا الدين، وأنشر الحب وأنشر السعادة وأنشر السلام، وأوضح للناس أنه يلزم القضاء على كل هذه النماذج النمطية، وأن الإسلام ليس إرهاباً، وأنه رائع للغاية وهذا ما أرغب أنا شخصياً في أن أوضحه للناس.

٣١٧

أسلم بعد جنازة صديقه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وُلِدتُ وترعرعت في مدينة هاليفاكس في نوفا سكوتيا، أبي رجل أبيض من منطقة برنس إدوارد في كندا وأمي امرأة سوداء من مجتمع يُدعى لوكاس فيل في نوفا سكوتيا.

أمي كانت مسيحية ولقد اعتدت الذهاب معها إلى الكنيسة، وحتى عندما توقفت هي كنت أنا الوحيد من أفراد عائلتي الذي يذهب إلى هناك، عندما كبرت وأصبحت في مرحلة آخر المراهقة، توقفت عن الذهاب إلى الكنيسة، فلم أكن مهتمّاً بمفهوم الدين.

لا زلت أؤمن بالله والعديد من المعتقدات الدينية المسيحية لكنني لم أؤمن بهذا التنظيم الديني.

لقد كنت أعيش في منطقة دارتموت، هي تقع على ميناء مدينة هاليفاكس، ترعرعت هناك حيث كان يوجد عائلة باكستانية كبيرة مسلمة، كنت صديقاً لهم وتعلّمت منهم عن الإسلام بعض الأشياء، فقد كان أحد أفرادها متديّناً، فقد كنت أراه دائماً يذهب إلى المسجد ويصلّي، كان عمري 16 سنة تقريباً عندما أصبحتُ مهتمّاً بالدين الإسلامي وبدأت بالاستفسار عنه، من أصدقائي. وحين بلغت السابعة عشرة - وفي الصيف الذي ما بين الأول الثانوي والثاني الثانوي - انتقلت مع أبي وزوجته من دارتموت للعيش في هاليفاكس، حيث كان هناك العديد من العرب المسلمين، وكانت هذه النقلة بمثابة الصدمة الثقافية بالنسبة لي، لأنني كنت أعيش في كول هاربور، حيث المسلمون قلّة لا تراهم في كل مكان، وبالتالي لا ترى الحجاب أو أيّ شيء من هذا القبيل، بينما في بدفورد يوجد العديد من المسلمين العرب الذين يمكنك معرفتهم بسيماهم. بعد فترة من وصولي إلى هناك، عرف أحد الإخوة العراقيين أنني مهتم بالإسلام فجاء وقال لي بأنهم يقيمون صلاة الجمعة كل أسبوع في المدرسة الثانوية التي كنت أرتادها في وقت استراحة الغداء، فدعاني.

ذهبنا إلى هناك يوم الجمعة والحمد لله كانت تجربة جيدة جداً. كان الخطيب شاباً يافعاً مرحِّباً ومضيافاً وصلّيت معهم على الرغم من أنني لم أعِ ما أفعل، فلقد كنت أقلّدهم. بعد الصلاة تحدّثت إلى الخطيب ورجل آخر كان يأتي للصلاة كل جمعة.

٣١٨

وفي أحد الأيام وبعد انتهائنا من الصلاة سألني ذلك الرجل: «ما رأيك بالإسلام؟» فقلت له: «أنا أؤمن بالدين الإسلامي وأعتقد أنه الدين الصحيح والطريقة المُثلى للحياة» فأجابني: «إذاً يجب أن تصبح مسلماً!» تفاجأت حينها لأنني كنت صغيراً ولا زال أمامي الكثير لأتعلّمه. قال لي: «يجب أن تُسلم لأنك لا تعلم متى ستموت» عندها ضحكت لأنني كنت أبلغ من العمر السابعة عشرة فقط وما زلت صغيراً على الموت، سأموت عندما أصبح جَدَّاً في الثمانينات ويمتلئ شعري شيباً وأحفادي من حولي، فلم أكترث لما كان يقوله.

ذهبت إلى هناك 4 أو 5 مرات بعدها، إلى أن جاءت إجازة الصيف فلم أعد أذهب إلى المدرسة. لكن في يوم من أيام الإجازة الصيفية، كنت أعمل في مطعم، حيث تلقّينا اتصالاً مفاجئاً في وقت الإغلاق من المديرة، التي أخبرتنا فيما بعد أنَّ خالد توفي في حادث اصطدام سيارة. من هو خالد؟ خالد هو أحد الإخوة الفلسطينيين كان يعمل معنا في المطعم لمدة قصيرة وكان صديقي أيضاً فلقد كنا نرتاد نفس المدرسة وتخرجّنا منها معاً. عندما سمعت الخبر لم أصدّقه لأوّل وهلة. هاتفتُ المديرة التي نقلت إلينا الخبر وعندما سمعت صوتها تبكي عرفت حينها بأنه قد مات فعلاً.

لم أستوعب ما الذي يحدث في ذلك الوقت، لكنني في طريقي إلى البيت ماشياً، انهرت باكياً. كانت المرة الأولى التي عرفت فيها أنَّ أحداً توفي في نفس عمري، فكلانا كنا نبلغ الثامنة عشرة من العمر، فقد صدمتني هذه الفاجعة في الصميم..

يوم دفن الجثّة، تعلّمت كيفية الوضوء حيث هاتفت صديقي وعلّمني كيف أتوضأ. وذهبنا أنا وصديقي إلى المسجد في دارتموت لصلاة الجنازة ثم بعد ذلك توجهنا إلى مقبرة المسلمين.

كان الجو مفعماً بالحزن فإخوته وأبوه كانوا هناك والجميع منخرط في البكاء.

عندما وضعوا التراب فوق جثمانه بدأت أنا بالبكاء الشديد، أثناء ذلك شاهدت الشيخ الذي قال لي يجب أن تسلم لأنك لا تعلم متى ستموت. كان هذا بمثابة إشارة لي من عند الله أني قد أموت قريباً وأنَّ كلام الشيخ كان صحيحاً وأنني يجب أن أسلم.

٣١٩

ذهبت إليه مباشرة وأخبرته أنني أريد أن أسلم فقال لي: «أهلاً أليكس، كيف حالك؟ من الرائع رؤيتك مرة أخرى، أتمنى أنك ما زلت مهتمّاً بالإسلام». وسبحان الله في تلك اللحظة، وفي ذلك المكان عند المسجد بجانب المقبرة قلت: «أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله».

بعد ذلك مباشرةً حان وقت صلاة المغرب، وسألني أحد الإخوة إذا كنت أعرف كيفية الوضوء، فقلت نعم. ثم ذهبت إلى دورة المياه لأتوضأ لكنني نسيت مراحل الوضوء فمكثت هناك وقتاً طويلاً محاولاً التذكر. وعندما فرغت من الوضوء كانوا قد انتهوا من صلاة المغرب لكن الشيخ لم يصلِّ بعد وكان بانتظاري ثم صلّينا معاً والحمد لله نشأت بيننا صداقة طيبة من بعد ذلك، فقد استمريت في مقابلته يومياً بعد ذلك لمدة أسبوع حيث علمني سورة الفاتحة وأركان الإسلام.

قبل الإسلام لم أكن أعرف ما الذي يجب أن أفعله وما الذي أريده وما الطريقة المُثلى للعيش.

كنت أعيش وفقاً لفلسفتي الخاصة منجرفاً إلى العديد من العادات السيئة ولكن الحمد لله هداني ربي إلى الطريق الصحيح قبل الوقوع في الطريق السيء.

الكثير قد يجادل بأنَّ السبب وراء اعتناقي الدين الإسلامي هو عاطفتي. ولكن لم تكن الأسباب كذلك، لأنني كنت مقتنعاً أصلاً بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الحق لكنني كنت بحاجة إلى دفعة في الاتجاه الصحيح. فهذه الحادثة جعلتني أعي أنني قد أموت في أي دقيقة وكانت الحادثة إشارة لي بما أنني كنت مقتنعاً بالإسلام فلماذا أنتظر حتى أبلغ العشرين أو الثلاثين أو الأربعين من عمري؟ ولهذا أسلمت وبذلت جهداً في تعلّم الإسلام وأركانه ومبادئه.

أتوق إلى شهر رمضان هذا العام، وأستمتع باختباره مجدداً. نؤدي الشعائر الدينية بشكل أفضل كقراءة الأدعية والذهاب إلى المسجد دوماً وتلاوة القرآن الكريم.

أنا الآن أكثر اقتناعاً من قبل بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الصحيح لأنني رأيت براهين القرآن الكريم ومعجزاته.

حياتي بعد الإسلام تحسّنت كثيراً، فالإسلام هداني إلى الاتجاه الصحيح للحياة وهو أن أعيش حياة مستقيمة ومتديّنة بعد أن كنت متخبطاً قبل ذلك.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572