الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 572

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 572 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 287979 / تحميل: 5235
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

والقمر والكواكب الأحد عشر الذين رايتهم في منامك ، ليكونوا مؤنسيك في هذه البئر ، ويكسوك ويلبسوك ثوبا على بدنك فدعا يوسف على اثر اليأس المطلق بالدعاء الآنف الذكر.(١)

وفي رواية عن الامام الصادقعليه‌السلام انّه قال : «حين القي يوسف في الجبّ هبط عليه جبرئيل وقال : ما تصنع هنا ايّها الغلام؟ فقال له : ان اخوتي القوني في البئر. فقال له جبرئيل : أتحبّ ان تخرج من البئر؟ قال : ذلك بمشيئة الله ، ان شاء اخرجني.

فقال له : ان الله يأمرك ان تدعو بهذا الدعاء لتخرج من البئر : «اللهم انّي اسألك بأنّ لك الحمد ، لا اله الّا أنت المنّان ، بديع السماوات والأرض ، ذو الجلال والإكرام ، ان تصلي على محمّد وآل محمّد وان تجعل لي ممّا انا فيه فرجا ومخرجا»(٢) .

٣ ـ جملة( وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ ) تدلّ على انّهم لم يرموه في البئر ، أنزلوه على مكان يشبه الرصيف لمن يريد النّزول الى سطح الماء ، وقد شدوه بحبل حتى إذا نزل ووصل الى غيابة الجبّ تركوه وحده.

وهناك قسم من الرّوايات التي تفسّر الآيات المتقدمة تؤيد هذا الموضوع.

٤ ـ تسويل النفس

جملة «سوّلت» مشتقّة من «التسويل» ومعناه «التزيين» وقد يأتي بمعنى «الترغيب» وقد يأتي بمعنى «الوسوسة» كما في بعض التفاسير جميع هذه المعاني ترجع الى شيء واحد اي انّ هوى النفس زيّن لكم هذا العمل.

وهي اشارة الى انّه حين يطغى هوى النفس على الإنسان ويستبدّ به عناده ، فإنه يتصور ان اسوا الجنايات لديه امر حسن ، كما لو كان ذلك قتل الأخ او ابعاده ، وقد يتصور ان ذلك امر مقدّس وهذه نافذة على اصل كلي في المسائل

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ٤١٦.

(٢) نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٢١٦.

١٦١

النفسية ، بحيث يجعل الميل المفرط والرغبة الجامحة لأمر ما ـ وخاصّة مع اقترانهما بالرذائل الاخلاقية ـ غشاوة على احساس الإنسان ، فتنقلب عنده الحقائق وتتغير صورها.

لذا فإنّ القضاء الصحيح وادراك الواقعيّات العينيّة ، لا يمكن لها ان تتحقق دون تهذيب النفس ، وإذا كانت العدالة شرط في القاضي فإنّ هذا الأمر واحد من أسبابها وإذا كان القرآن الكريم يقول في الآية (٢٨٢) من سورة البقرة( وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ ) فذلك اشارة الى هذه الحقيقة ايضا.

٥ ـ الكذاب عديم الحافظة

قصّة يوسف ـ وما جرى له مع اخوته ـ تثبت مرّة اخرى هذا الأصل المعروف الذي يقول : انّ الكذاب لا يستطيع ان يكتم سرّه دائما ، لانّ الواقعيات العينية حين تظهر الى الوجود الخارجي تظهر ومعها روابط ـ اكثر من ان تعدّ ـ مع موضوعات اخرى تدور حولها ، وإذا أراد الكاذب ان يهيئ مناخا لمسألة غير واقعية فإنّه لا يستطيع ان يحفظ هذه الروابط مهما كان دقيقا.

ولنفرض انّه يستطيع ان يؤلف بين عدد من الروابط الكاذبة في حادثة ما ، ولكن المحافظة على هذه الروابط المصطنعة في ذهنه ليست عملا هيّنا ، فإنّ اقل غفلة منه تسبب وقوعه في التناقض ، فتتسبب هذه الغفلة في فضيحة صاحبها وتكشف الأمر الواقعي وهذا درس كبير لمن يريد المحافظة على ماء وجهه ومكانته في المجتمع ان لا يلجأ الى الكذب فيتعرض موقعه الاجتماعي للخطر وينزل عليه غضب الله.

٦ ـ ما هو الصبر الجميل؟

الصبر امام الحوادث الصعبة والأزمات الشديدة يدلّ على قوة شخصية الإنسان ، وعلى سعة روحه بسعة ما تتركه هذه الحوادث فلا يتأثر ولا يهتز لها.

١٦٢

ربّما يحرك النسيم العليل ماء الحوض الصغير ، ولكن المحيطات العظيمة كالمحيط الهادي ـ مثلا ـ يستوعب حتى الاعصار الذي يتلاشى امام هدوئه وسعته.

وقد يتصبر الإنسان أحيانا ، ولكنّه سرعان ما يتلف هذا الصبر بكلماته النابية التي تدل على عدم الشكر وعدم تحمل الحادثة ونفاد الصبر.

ولكن المؤمنين الذين يتمتعون بإرادة قويّة واستيعاب للحوادث ، هم أولئك الذين لا يتأثرون بها ولا يجري على لسانهم ما يدلّ على عدم الشكر وكفران النعمة او الجزع او الهلع.

صبر هؤلاء هو الصبر الجميل قد يبرز الآن هذا السؤال ، وهو اننا نقرا في الآيات الاخرى ـ من هذه السورة ـ انّ يعقوب بكى على يوسف حتى ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ، أفلا ينافي ما صدر من يعقوب صبره الجميل؟!

والجواب على هذا السؤال في جملة واحدة ، وهي : ان قلوب عباد الله مركز للعواطف ، فلا عجب ان ينهلّ دمع عينهم مدرارا ، المهم ان يسيطروا على أنفسهم ، ولا يفقدوا توازنهم ، ولا يقولوا شيئا يسخط الله.

ومن الطريف ان مثل هذا السؤال وجه الى النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين بكى على موت ولده ابراهيم حيث قالوا له : يا رسول الله ، أتنهانا عن البكاء وتبكي؟! فأجابهم النّبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «تدمع العين ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الربّ».

وفي رواية اخرى انّه قال : «ليس هذا بكاء انّه رحمة»(١) .

وهذا اشارة الى انّ ما في صدر الإنسان هو القلب ، وليس حجر! وطبيعيّ ان يتأثر الإنسان امام المسائل العاطفية ، وابسط هذا التأثر هو انهلال الدمع انّ هذا لا يعدّ عيبا ، بل هو امر حسن ، العيب هو ان يقول الإنسان ما يسخط الربّ.

* * *

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٢٢ ، ص ١٥٧ و ١٥٨.

١٦٣

الآيتان

( وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٩) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠) )

التّفسير

نحو ارض مصر :

قضى يوسف في ظلمة الجب الموحشة والوحدة القاتلة ساعات مرّة ، ولكنّه بإيمانه بالله وسكينته المنبثقة عن الايمان شع في قلبه نور الأمل ، وألهمه الله تعالى القوة والقدرة على تحمّل الوحدة الموحشة ، وان ينجح في هذا الامتحان.

ولكنّ الله اعلم كم يوما قضى يوسف في هذه الحالة؟

قال بعض المفسّرين : قضى ثلاثة ايام ، وقال آخرون : يومين.

وعلى كل حال تبلج النّور( وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ ) (١) .

وانتخبت منزلها على مقربة من الجبّ ، وطبيعي انّ اوّل ما تفكر القافلة فيه ـ

__________________

(١) سمّيت القافلة «سيارة» لانّها في سير وحركة دائمين.

١٦٤

في منزلها الجديد ـ هو تأمين الماء وسد حاجتها منه( فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ ) (١) .

فانتبه يوسف الى صوت وحركة من أعلى البئر ، ثمّ راى الحبل والدلو يسرعان الى النّزول ، فانتهز الفرصة وانتفع من هذا العطاء الالهي وتعلق بالحبل بوثوق.

فأحسّ المأمور بالإتيان بالماء ان الدلو قد ثقل اكثر ممّا ينبغي ، فلمّا سحبه بقوة الى الأعلى فوجئ نظره بغلام كأنّه فلقة قمر ، فصرخ وقال :( يا بُشْرى هذا غُلامٌ ) .

وشيئا فشيئا سرى خبر يوسف بين جماعة من اهل القافلة ، ولكن من اجل ان لا يذاع هذا الخبر وينتشر ، ولكي يمكن بيع هذا الغلام الجميل في مصر ، اخفوه( وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً ) (٢) .

وبالطبع هناك احتمالات اخرى في تفسير هذه الجملة منها ان الذين عثروا على يوسف اسرّوه واخفوا خبره ، وقالوا : هذا متاع لأصحاب هذا الجبّ أودعوه عندنا لنبيعه في مصر.

ومنها ان احد اخوة يوسف كان بين الحين والحين يأتي الى الجبّ ليطلع على يوسف ويأتيه بالطعام وحين اطلع اخوة يوسف على ما جرى اخفوا علاقتهم الاخوية بيوسف وقالوا : هذا غلامنا فرّ من أيدينا واختفى هنا ، وهددوا يوسف بالموت إذ كشف الستار عن الحقيقة.

ولكن التّفسير الاوّل يبدو اقرب للنظر.

وتقول الآية في نهايتها :( وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ ) وبالرغم من اختلاف المفسّرين في من هم الذين شروا يوسف بثمن بخس ، وقول بعضهم : هم اخوة

__________________

(١) «الوارد» في الأصل من «الورود» وهو من يأتي بالماء ، ثمّ توسع استعمال الكلمة وأطلقت على كل ورود ودخول.

(٢) «البضاعة» في الأصل من مادة «بضع» على وزن «نذر» ومعناها : القطعة من اللحم ، ثمّ توسعوا في المعنى وأطلقوا هذا اللفظ على القطعة المهمّة ، من المال. والبضعة هي القطعة من الجسد ، وحسن البضع معناه : الإنسان المكتنز لحمه ، و «بضع» على وزن «حزب» معناه العدد من ثلاثة الى عشرة (راجع المفردات للراغب).

١٦٥

يوسف ، ولكن ظاهر الآيات هو من كان في القافلة ، وقد تمّ البحث عن اخوته في نهاية الآية التي سبقت هذه الآيات ، وجميع الضمائر في الجمل( فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ أَسَرُّوهُ بِضاعَةً ) تعود على من كان في القافلة.

هنا يبرز هذا السؤال وهو : لم باعوا يوسف الذي كان يعدّ ـ على الأقل ـ غلاما ذا قيمة بثمن قليل ، او كما عبّر عنه القرآن( وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ) ؟

ولكن هذا امر مألوف فإنّ السراق او أولئك الذين تأتيهم بضاعة مهمّة دون اي تعب ونصب يبيعونها سريعا لئلا يطلع الآخرون.

ومن الطبيعي انّهم لا يستطيعون بهذه الفورية ان يبيعوه بسعر غال.

و «البخس» في الأصل معناه تقليل قيمة الشيء ظلما ، ولذلك فإنّ القرآن يقول :( وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ ) (١) .

ثمّ انّ هناك اختلافا آخر بين المفسّرين في الثمن الذي بيع به يوسف ، وكيف قسّم بينهم؟ فقال البعض : عشرون درهما ، وقالت طائفة : اثنان وعشرون ، ومع ملاحظة انّ الباعة كانوا عشرين يتّضح سهم كل منهم ، وكم هو زهيد! وتقول الآية :( وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ) .

وفي الحقيقة انّ هذه الجملة في حكم بيان العلة للجملة المتقدمة ، وهي اشارة الى انّهم باعوا يوسف بثمن بخس ، لانّهم لم يرغبوا في هذه المعاملة ولم يعتنوا بها.

وهذا البيع البخس امّا لانّ اهل القافلة اشتروا يوسف بثمن بخس ، والإنسان إذا اشترى شيئا رخيصا باعه رخيصا عادة ، او انّهم كانوا يخافون ان يفتضح سرّهم ويجدون من يدّعيه ، او من جهة انّهم لم يجدوا في يوسف أثرا للغلام الذي يباع ويشترى ، بل وجدوا فيه آثار الحرّية واضحة في وجهه ، ومن هنا فلا البائعون كانوا راغبين ببيعه ولا المشترون كانوا راغبين بشرائه.

* * *

__________________

(١) هود ، ٨٥.

١٦٦

الآيتان

( وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢١) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢) )

التّفسير

في قصر عزيز مصر :

انتهت حكاية يوسف مع اخوته الذين القوه في غيابة الجبّ وبيّناها تفصيلا ، بدا فصل جديد من حياة هذا الغلام الحدث في مصر فقد جيء بيوسف الى مصر وعرض للبيع ، ولما كان تحفة نفيسة فقد صار من نصيب «عزيز مصر» الذي كان وزيرا لفرعون او رئيسا لوزرائه ، لانّه كان يستطيع ان يدفع قيمة أعلى لغلام ممتاز من جميع الجهات ، والآن لنر ما الذي حدث له في بيت عزيز مصر.

يقول القرآن الكريم في شأن يوسف :( وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ

١٦٧

أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ) (١) فلا ينبغي ان تنظري اليه كما ينظر الى العبيد.

يستفاد من سياق الآية انّ عزيز مصر لم يرزق ولدا وكان في غاية الشوق للولد ، وحين وقعت عيناه على هذا الصبيّ الجميل والسعيد تعلّق قلبه به ليكون مكان ولده.

ثمّ يضيف القرآن الكريم( وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ ) .

هذا «التمكين» في الأرض امّا ان يكون لمجيء يوسف الى مصر ، وخاصّة ان خطواته ، في محيط مصر مقدّمة لما سيكون عليه من الاقتدار والمكانة القصوى ، وامّا انّه لا قياس ، بين هذه الحياة في مصر «العزيز» وبين تلك الحياة في غيابة الجبّ والوحدة والوحشة. فأين تلك الشدّة من هذه النعمة والرفاه!

ويضيف القرآن ايضا( وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ ) .

المراد من «تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ » ـ كما أشرنا سابقا ـ هو علم تفسير الأحلام وتعبير الرؤيا حيث كان يوسف قادرا على ان يطلع على بعض اسرار المستقبل من خلاله ، او المراد منه الوحي لانّ يوسف مع عبوره من المضايق الصعبة والشدائد القاسية ونجاحه في الاختبارات الالهية في قصر عزيز مصر ، نال الجدارة بحمل الرسالة والوحي. ولكن الاحتمال الاوّل اقرب كما يبدو للنظر.

ثمّ يختتم القرآن هذه الآية بالقول :( وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) .

انّ واحدة من مظاهر قدرة الله العجيبة وهيمنته على الأمور كلها ان يدع ـ في كثير من الموارد ـ اسباب موفقية الإنسان ونجاحه بيد أعدائه كما حدث في مسألة يوسفعليه‌السلام ، فلو لا خطة اخوته لم يصل الى الجبّ ابدا ، ولو لم يصل الى الجبّ لما وصل الى مصر ، ولو لم يصل الى مصر لما ذهب الى السجن ولما كان

__________________

(١) «المثوى» من مادة (ثوى) ومعناه المقام ، ولكن معناه هنا الموقعية والمنزلة والمقام كذلك.

١٦٨

هناك اثر من رؤيا فرعون التي أصبح يوسف بسببها عزيز مصر! ففي الحقيقة ان الله اجلس يوسف على عرش الاقتدار بواسطة اخوته الذين تصوروا انّهم سيقضون عليه في تركهم ايّاه في غيابة الجبّ.

لقد واجه يوسف في هذا المحيط الجديد ، الذي يعدّ واحدا من المراكز السياسية المهمة في مصر مسائل مستحدثة فمن جهة كان يرى قصور الطغاة المدهشة وثرواتهم ومن جهة اخرى كانت تتجسد في ذهنه صورة أسواق النخاسين وبيع المماليك والعبيد ومن خلال الموازنة بين هاتين الصورتين كان يفكر في كيفية القضاء على هموم المستضعفين من الناس لو أصبح مقتدرا على ذلك!

اجل ، لقد تعلم الكثير من هذه الأشياء في هذا المحيط المفعم بالضوضاء ، وكان قلبه يفيض همّا لانّ الظروف لم تتهيأ له بعد. فاشتغل بتهذيب نفسه وبنائها ، يقول القرآن الكريم في هذا الصدد :( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) .

كلمة «اشدّ» مشتقّة من مادة «شدّ» وتعني فتل العقدة باستحكام وهي هنا اشارة الى الاستحكام الجسماني والروحاني.

قال بعضهم : انّ هذه الكلمة جمع لا مفرد لها ولكن البعض الآخر قال : انّها جمع (شدّ) على وزن (سدّ) ولكن معناها الجمعي غير قابل للإنكار على كل حال!

المراد من «الحكم» و «العلم» الواردين في الآية المتقدمة التي تقول :( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً ) امّا ان يكون مقام النبوّة كما ذهب الى ذلك بعض المفسّرين ، وامّا ان يكون المراد من الحكم العقل والفهم والقدرة على القضاء الصحيح الخالي من اتباع الهوى والاشتباه. والمراد من العلم الاطلاع الذي لا يقترن معه الجهل ، ومهما كان فإنّ الحكم والعلم موهبتان نادرتان وهبهما

١٦٩

الله ليوسف لتقواه وصبره وتوكله عليه ، وجميع هذه الصفات مجتمعة في كلمة «المحسنين».

قال بعض المفسّرين : هناك ثلاثة احتمالات لمعنى كلمتي (الحكم والعلم) الواردتين في الآية ، وهي :

١ ـ انّ الحكم اشارة الى مقام النبوة (لانّ النّبي حاكم على الحق) والعلم اشارة الى علم الدين.

٢ ـ ان الحكم يعني ضبط النفس إزاء الهوى والميول النفسيّة ، وهو هنا اشارة الى الحكمة العملية. والعلم اشارة الى العلم النظري وتقديم الحكم على العلم هنا لانّ الإنسان إذا لم يهذب نفسه ويبنيها بناء صحيحا لا يصل الى العلم الصحيح.

٣ ـ انّ الحكم معناه ان يبلغ الإنسان مقام «النفس المطمئنة» ويتسلّط على نفسه بحيث يستطيع ان يتملك زمام النفس الامّارة ووسوستها والمراد من العلم هو الأنوار القدسيّة واشعة الفيض الالهي الذي تنزل من عالم الملكوت على قلب الإنسان الطاهر(١) .

* * *

ملاحظات

١ ـ ما هو اسم «عزيز» مصر؟

ممّا يستجلب النظر في الآيات المتقدمة ان اسم عزيز مصر لم يذكر فيها ، انّما ورد التعبير عنه ب( الَّذِي اشْتَراهُ ) .

لكن من هو هذا العزيز؟! لم تذكره الآية ، كما سنرى في الآيات المقبلة ان عنوانه لم يصرّح به الّا بالتدريج ، فمثلا نقرا في الآية (٢٥) هذا النصّ( وَأَلْفَيا

__________________

(١) راجع التفسير الكبير للفخر الرازي ، ج ١٨ ، ص ١١١.

١٧٠

سَيِّدَها لَدَى الْبابِ ) .

وحين نتجاوز هذه الآيات ونصل الى الآية (٣٠) نواجه التعبير عن زوجته بـ «امْرَأَتُ الْعَزِيزِ ».

وهذا البيان التدريجي امّا لانّ القرآن يتحدث ـ حسب طريقته ـ بالمقدار اللازم ، وهذا دليل من ادلة الفصاحة والبلاغة ، او لأنّه ـ كما هو ملاحظ هذا اليوم في «نصوص الآداب» ايضا ـ حين يبدأ بالقصّة ـ يبدأ بها من نقطة غامضة ليتحرك الاحساس في الباحث ، وليلفت نظره نحو القصّة.

٢ ـ يوسفعليه‌السلام وتعبير الأحلام

الملاحظة الاخرى التي تثير السؤال في الآيات المتقدمة ، هي : ما علاقة الاطلاع على تفسير الأحلام وتأويل الأحاديث بمجيء يوسف الى قصر عزيز مصر الذي أشير اليه بلام الغاية في جملة( وَلِنُعَلِّمَهُ ) ؟!

لكن مع الالتفات الى انّ هذه النقطة يمكن ان تكون جوابا للسؤال الآنف الذكر ، وهي ان كثيرا من المواهب العلمية يهبها الله قبال التقوى من الذنوب ومقاومة الأهواء والميول النفسيّة ، او بتعبير آخر : انّ هذه المواهب التي هي ثمرة البصيرة القلبية الثاقبة ، هي جائزة الهية يهبها الله لمثل هؤلاء الأشخاص.

نقرا في حالات ابن سيرين مفسر الأحلام المشهور انّه كان رجلا بزازا وكان جميلا للغاية فعشقته امراة وتعلق قلبها به ، واستدرجته الى بيتها بأساليب وحيل خاصّة ، ثمّ غلّقت الأبواب عليه (لينال منها الحرام) لكنه لم يستسلم لهوى تلك المراة وأخذ ينصحها ويذكر مفاسد هذا الذنب العظيم ، ولكن نار الهوى كانت متأججة في قلبها بحيث لم يطفئها ماء الموعظة ، ففكر ابن سيرين في الخلاص من قبضتها ، فلوّث جسده بما كان في بيتها من اقذار تنفّر الرائي ، فلما رأته المراة نفرت منه وأخرجته من البيت.

١٧١

يقال انّ ابن سيرين أصبح ذكيّا بعد هذه الحادثة ورزق موهبة عظيمة في تفسير الأحلام ، وذكروا قصصا عجيبة عنه في الكتب التي تتناول تفسير الأحلام تدل على عمق اطلاعه في هذا المجال!

فعلى هذا يمكن ان يكون يوسفعليه‌السلام قد نال هذه الموهبة الخاصّة (العلم بتأويل الأحاديث) لتسلّطه على نفسه قبال اثارة امراة العزيز لهوى النفس!

ثمّ بعد هذا كله فإنّ قصور الملوك في ذلك الزمان كانت مراكز لمفسري الأحلام ، وانّ شابا ـ ذكيا كيوسف ـ كان يستطيع ان يستفيد من تجارب الآخرين ، وان يكون له استعداد روحي لافاضة العلم الالهي في هذا المجال!

وعلى كل حال فإنّه ليس مستبعدا ان يهب الله سبحانه لعباده المخلصين المنتصرين في ميادين «جهاد النفس للهوى والشّهوات» مواهب من المعارف والعلوم التي لا تقاس بأيّ معيار مادي ، ويمكن ان يكون الحديث المعروف «العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء» اشارة الى هذه الحقيقة.

هذا العلم ليس ممّا يقرا عند الأستاذ ، ولا يعطى لايّ كان وبدون حساب بل هو جائزة من الجوائز التي تمنح للمتسابقين في ميادين جهاد النفس!

٣ ـ المراد من قوله تعالى :( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ )

قلنا ان (اشدّ) معناه الاستحكام الجسماني والروحاني ، وبلوغ الرشد معناه الوصول الى هذه المرحلة ، ولكن هذا العنوان قد عبّر عنه القرآن الكريم في مراحل مختلفة من عمر الإنسان.

فتارة أطلقه على سنّ البلوغ كقوله تعالى :( وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) (١) .

وتارة يرد هذا المعنى في وصول الإنسان الى أربعين سنة ، كقوله تعالى :

__________________

(١) سورة الاسراء ، الآية ٣٤.

١٧٢

( حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ) (١) .

وتارة يراد به ما قبل مرحلة الشيخوخة والكبر ، كقوله تعالى :( ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً ) (٢) .

ولعل هذا التفاوت في التعبيرات آت من طيّ الإنسان مراحل مختلفة لاستحكام الروح والجسم ، ولا شكّ ان الوصول الى سنّ البلوغ واحد من هذه المراحل.

وبلوغ الأربعين الذي يكون تواما للنضج الفكري والعقلي مرحلة ثانية ، كما ان المرحلة الثّالثة تكون قبل ان يسير الإنسان نحو قوس النّزول ويبلغ الضعف والوهن!

وعلى كل حال فإنّ المقصود في الآية ـ محل البحث ـ هو مرحلة البلوغ الجسمي والروحي الذي ظهر في يوسف بداية شبابه ، يقول الفخر الرازي في تفسيره في هذا الصدد : «مدة دور القمر ثمانية وعشرون يوما وكسر ، فإذا جعلت هذه الدورة اربعة اقسام كان كل قسم منها سبعة ايام ، فلا جرم رتبوا احوال الأبدان على الأسابيع ، فالإنسان إذا ولد كان ضعيف الخلقة نحيف التركيب الى ان يتم له سبع سنين ، ثمّ إذا دخل في السبعة الثانية حصل فيه آثار الفهم والذكاء والقوّة ، ثمّ لا يزال في الترقي الى ان يتمّ له اربع عشرة سنة ، فإذا دخل في السنة الخامسة عشرة دخل في الأسبوع الثّالث وهناك يكمل العقل ويبلغ الى حد التكليف وتتحرك فيه الشهودة ، ثمّ لا يزال يرتقي على هذه الحالة الى ان يتم السنة الحادية والعشرين وهناك يتم الأسبوع الثّالث ، ويدخل في السنة الثّانية والعشرين وهذا الأسبوع آخر أسبوع النشوء والنماء ، فإذا تمّت السنة الثّامنة والعشرون فقد تمّت مدّة النشوء والنماء وينتقل الإنسان منه الى زمان الوقوف ،

__________________

(١) سورة الأحقاف ، الآية ١٥.

(٢) سورة غافر ، ٦٧.

١٧٣

وهو الزمان الذي يبلغ الإنسان فيه اشدّه ، وبتمام هذا الأسبوع الخامس ـ يحصل للإنسان خمسة وثلاثون سنة ثمّ انّ هذه المراتب مختلفة في الزيادة والنقصان ، فهذا الأسبوع الخامس الذي هو أسبوع الشدّة والكمال يبتدئ من السنة التّاسعة والعشرين الى الثّالثة والثّلاثين ، وقد يمتّد الى الخامسة والثّلاثين ، فهذا هو الطريق المعقول في هذا الباب ، والله اعلم بحقائق الأشياء»(١) .

التقسيم المتقدّم وان كان مقبولا الى حدّ ما لكنّه يبدو غير دقيق ، لانّ مرحلة البلوغ اوّلا ليست في انتهاء العقد الثاني ، وكذلك فإن التكامل الجسماني ـ طبقا لما يقول علماء اليوم ـ هو ٢٥ سنة والبلوغ الفكري الكامل أربعون سنة طبقا لبعض الرّوايات ، وبعد هذا كله فإنّ ما ورد آنفا لا يصحّ ان يكون قانونا عامّا ليصدق على جميع الأشخاص.

٤ ـ وآخر ما ينبغي الالتفات اليه هنا هو ان القرآن بعد ان يتحدث عن إتيان يوسف الحكم والعلم يعقب بالقول :( وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) ومعنى ذلك ان مواهب الله ـ حتى للأنبياء ـ ليست اعتباطا ، وكل ينال بمقدار إحسانه ويغرف من بحر الله وفيضه اللامحدود كما نال يوسف سهما وافرا من ذلك بصبره واستقامته امام كل تلك المشاكل.

* * *

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، ج ١٨ ، ص ١١١.

١٧٤

الآيتان

( وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤) )

التّفسير

العشق الملتهب :

لم يأسر جمال يوسف الملكوتي عزيز مصر فحسب ، بل أسر قلب امراة العزيز كذلك وأصبح متيّما بجماله!.

وامتدّت مخالب العشق الى اعماق قلبها ، وبمرور الزمن كان هذا العشق يتجذّر يوما بعد يوم ويزداد اشتعالا لكنّ يوسف هذا الشابّ الطاهر التقي ، لم يفكّر بغير الله ، ولم يتعلّق قلبه بغير عشق الله سبحانه.

وهناك امور اخرى زادت من عشق امراة العزيز ليوسف فمن جهة لم ترزق الولد ، ومن جهة اخرى انغمارها في حياة مترفة مفعمة بالبذخ ومن جهة

١٧٥

ثالثة عدم ابتلائها بأيّ نوع من البلاء كما هي حال المتنعّمين ، وعدم الرقابة الشديدة على هذا القصر من قبل العزيز من جهة رابعة كلّ ذلك ترك امراة العزيز ـ الفارغة من الايمان والتقوى ـ تهوي في وساوسها الشيطانية الى الحضيض ، بحيث أفضت ليوسف أخيرا عمّا في قلبها وراودته عن نفسه.

واتّبعت جميع الاساليب والطرق للوصول الى هدفها ، وسعت لكي تلقي في قلبه أثرا من هواها وترغيبها وطلبها ، كما يقول عن ذلك القرآن الكريم :( وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها ) .

وجملة «راودته» مأخوذة من مادّة «المراودة» وأصلها البحث عن المرتع والمرعى ، وما ورد في المثل المعروف «الرائد لا يكذب اهله» اشارة الى هذا المعنى ، كما يطلق «المرود» على وزن (منبر) على قلم الكحل الذي تكحل به العين ، ثمّ توسّعوا في هذا اللفظ فأطلق على كلّ ما يطلب بالمداراة والملاءمة.

وهذا التعبير يشير الى انّ امراة العزيز طلبت من يوسف ان ينال منها بطريق المسالمة والمساومة ـ كما يصطلح عليه ـ وبدون اي تهديد ، وأبدت محبّتها القصوى له بمنتهى اللين.

وأخيرا فكّرت في ان تخلو به وتوفّر له جميع ما يثير غريزته ، من ثياب فضفاضة ، وعطور عبقة شذيّة ، وتجميلات مرغبة ، حتّى تستولي على يوسف وتأسره!.

يقول القرآن الكريم :( وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ ) .

«غلّقت» تدلّ على المبالغة وانّها أحكمت غلق الأبواب ، وهذا يعني انّها سحبت يوسف الى مكان من القصر المتشكّل من غرف متداخلة وكما ورد في بعض الرّوايات كانت سبعة أبواب ، فغلقتها عليه جميعا لئلّا يجد يوسف اي طريق للفرار اضافة الى ذلك أرادت ان تشعر يوسف ان لا يقلق لانتشار الخبر فإنّه سوف لا يفتضح ، حيث لا يستطيع احد ان ينفذ الى داخل القصر ابدا.

١٧٦

وفي هذه الحال ، حين راى يوسف انّ هذه الأمور تجري نحو الإثم ، ولم ير طريقا لخلاصه منها ، توجّه يوسف الى زليخا و( قالَ مَعاذَ اللهِ ) وبهذا الكلام رفض يوسف طلب امراة العزيز غير المشروع وأعلمها انّه لن يستسلم لارادتها. وافهمها ضمنا ـ كما افهم كلّ انسان ـ انّه في مثل هذه الظروف الصعبة لا سبيل الى النجاة من وساوس الشيطان واغراءاته الّا بالالتجاء الى الله الله الذي لا فرق عنده بين السرّ والعلن ، بين الخلوة والاجتماع ، فهو مطّلع ومهيمن على كلّ شيء ، ولا شيء الّا وهو طوع امره وارادته!

وبهذه الجملة اعترف يوسف بوحدانية الله تعالى من الناحية النظرية ، وكذلك من الناحية العملية ايضا ، ثمّ أضاف( إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ ) أليس التجاوز ظلما وخيانة واضحة( إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) .

المراد من كلمة «ربّي»

هناك اقوال كثيرة بين المفسّرين في المراد من قوله :( إِنَّهُ رَبِّي ) فأكثر المفسّرين ، كالعلّامة الطبرسي في مجمع البيان وكاتب المنار في تفسير المنار وغيرهما ، قالوا : انّ كلمة «ربّ» هنا استعملت في معناها الواسع ، وقالوا : انّ المراد من كلمة «ربّ» هنا هو «عزيز مصر» الذي لم يأل جهدا في إكرام يوسف ، وكان يوصي امرأته من البداية بالاهتمام به وقال لها :( أَكْرِمِي مَثْواهُ ) .

ومن يظنّ انّ هذه الكلمة لم تستعمل بهذا المعنى فهو مخطئ تماما ، لانّ كلمة «ربّ» في هذه السورة أطلقت عدّة مرّات على غير الله سبحانه. وأحيانا ورد هذا الاستعمال على لسان يوسف نفسه ، وأحيانا على لسان غيره!

فمثلا في قصّة تعبير الرؤيا للسجناء ، طلب يوسف من الذي بشّره بالنجاة ان يذكر حاله عند ملك مصر( وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ) (الآية ٤٢).

١٧٧

كما نلاحظ هذا الاستعمال على لسان يوسف ـ أيضا ـ حين جاءه مبعوث فرعون مصر ، إذ يقول القرآن الكريم في هذا الصدد :( فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ ) (الآية ٥٠).

وفي الآية (٤١) من هذه السورة ، وذيل الآية (٤٢) أطلقت كلمة «ربّ» في لسان القرآن الكريم بمعنى المالك وصاحب النعمة. فعلى هذا تلاحظون انّ كلمة «ربّ» استعملت ٤ مرّات ـ سوى الآية محلّ البحث ـ في غير الله ، وإن كانت قد استعملت في هذه السورة وفي سور اخرى من القرآن في خصوص ربّ العالمين (الله) مرارا.

فالحاصل انّ هذه الكلمة من المشترك اللفظي وهي تستعمل في المعنيين.

ولكن رجّح بعض المفسّرين ان تكون كلمة «ربّ» في هذه الآية( إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ ) يقصد بها الله لانّها جاءت بعد كلمة( مَعاذَ اللهِ ) مباشرة ، وكونها الى جنب لفظ الجلالة صار سببا لعود الضمير في( إِنَّهُ رَبِّي ) عليه فيكون معنى الآية : انّني ألتجئ الى الله وأعوذ به فهو الهي الذي اكرمني وعظم مقامي وكلّ ما عندي من النعم فهو منه.

ولكن مع ملاحظة وصية عزيز مصر لامراته( أَكْرِمِي مَثْواهُ ) وتكرارها في الآية ـ محل البحث ـ يكون المعنى الاوّل اقرب وأقوى.

جاء في التوراة الفصل ٣٩ رقم ٨ و ٩ و ١٠ ما مؤدّاه : «وبعد هذا وقعت المقدّمات ، انّ امراة سيّده القت نظرتها على يوسف وقالت : اضطجع معي ، لكنّه ابى وقال لامراة سيّده : انّه سيّدي غير عارف بما معي في البيت ، وكلّ ما يملك مودع عندي ، ولا أجد اكبر منّي في هذا البيت ، ولم يزاحمني شيء سواك لانّك امرأته ، فكيف اقدم على هذا العمل القبيح جدّا ، واتجرّا في الذنب على الله». فهذه الجمل في التوراة تؤيّد المعنى الاوّل.

وهنا يبلغ امر يوسف وامراة العزيز الى ادقّ مرحلة واخطرها ، حيث يعبّر

١٧٨

القرآن عنه تعبيرا ذا مغزى كبير( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ ) .

وفي معنى هذه الجملة اقوال بين المفسّرين يمكن تصنيفها واجمالها الى ثلاثة تفاسير :

١ ـ انّ امراة العزيز كانت تريد ان تقضي وطرا مع يوسف ، وبذلت وسعها في ذلك ، وكاد يوسف يستجيب لرغبتها بطبيعة كونه بشرا شابّا لم يتزوّج ويرى نفسه إزاء المثيرات الجنسيّة وجها لوجه لو لا ان راى برهان الله اي روح الايمان والتقوى وتربية النفس ، أضف الى كلّ ذلك مقام العصمة الذي كان حائلا دون هذا العمل!

فعلى هذا يكون الفرق بين معاني «همّ» اي القصد من امراة العزيز ، والقصد من قبل يوسف ، هو انّ يوسف كان يتوقّف قصده على شرط لم يتحقّق ، اي (عدم وجود برهان ربّه) ولكن القصد من امراة العزيز كان مطلقا ، ولانّها لم يكن لديها مثل هذا المقام من التقوى والعفّة ، فإنّها صمّمت على هذا القصد حتّى آخر مرحلة ، والى ان اصطدمت جبهتها بالصخرة الصمّاء!

ونظير هذا التعبير موجود في الآداب العربيّة وغيرها كما نقول مثلا : انّ جماعة لا ترتبط بقيم أخلاقية ولا ذمّة صمّمت على الاغارة على مزرعة فلان ونهب خيراته ، ولولا انّي تربّيت سنين طوالا عند استاذي العارف الزاهد فلان ، لاقدمت على هذا العمل معهم.

فعلى هذا كان تصميم يوسف مشروطا بشرط لم يتحقّق ، وهذا الأمر لا منافاة له مع مقام يوسف من العصمة والتقوى ، بل يؤكّد له هذا المقام العظيم كذلك.

وطبقا لهذا التّفسير لم يبد من يوسف اي شيء يدلّ على التصميم على الذنب ، بل لم يكن في قلبه حتّى هذا التصميم.

ومن هنا فيمكن القول انّ بعض الرّوايات التي تزعم انّ يوسف كان مهيّئا

١٧٩

لينال وطرا من امراة العزيز ، وخلع ثيابه عن بدنه ، وذكرت تعبيرات اخرى نستحيي من ذكرها ، كلّ هذه الأمور عارية من الصحّة ومختلقة ، وهذه اعمال من شأن الافراد والمنحرفين الملوّثين غير الانقياء. فكيف يمكن ان يتّهم يوسف مع هذه المنزلة وقداسة روحه ومقام تقواه بمثل هذا الاتّهام.

الطريف انّ التّفسير الاوّل نقل عن الامام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام في عبارة موجزة جدّا وقصيرة ، حيث يسأله المأمون «الخليفة العبّاسي» قائلا : الا تقولون انّ الأنبياء معصومون؟ فقال الامام : «بلى». فقال : فما تفسير هذه الآية( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ ) فقال الامامعليه‌السلام : «لقد همّت به ، ولولا ان راى برهان ربّه لهمّ بها كما همّت ، لكنّه كان معصوما والمعصوم لا يهمّ بذنب ولا يأتيه» فقال المأمون : لله درّك يا أبا الحسن(١) .

٢ ـ انّ تصميم كلّ من امراة العزيز ويوسف لا علاقة له بالوطر الجنسي ، بل كان تصميما على ضرب أحدهما الآخر

فتصميم امراة العزيز على هذا العمل كان لعدم انتصارها في عشقها وبروز روح الانتقام فيها ثأرا لهذا العشق.

وتصميم يوسف كان دفاعا عن نفسه ، وعدم التسليم لطلب تلك المراة.

ومن جملة القرائن التي تذكر في هذا الموضوع :

اوّلا : انّ امراة العزيز كانت قد صمّمت على نيل الوطر الجنسي قبل هذه الحالة ، وكانت قد هيّأت مقدّمات هذا الأمر ، فلا مجال ـ اذن ـ لان يقول القرآن : انّها صمّمت على هذا العمل الآن ، لانّ هذه الساعة لم تكن ساعة تصميم.

وثانيا : انّ ظهور حالة الخشونة والانتقام بعد هذه الهزيمة امر طبيعي ، لانّها بذلت ما في وسعها لاقناع يوسف ، ولمّا لم توفّق الى ما رغبت فيه توسلّت بطريق آخر ، وهو طريق الخشونة والضرب.

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ج ٢ ص ٤٢١.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

الآيات

( وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (٥) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (٧) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨) )

التّفسير

يوم البعث والنشور :

تأتي هذه الآيات لتواصل البحث عن الكفّار الذين كذّبوا الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يذعنوا للحقّ حيث أعرضوا عن جميع المعاجز التي شاهدوها.

والآيات أعلاه تشرح حال هؤلاء الأفراد وموضّحة المصير البائس الذي ينتظر هؤلاء المعاندين في يوم القيامة.

يقول سبحانه إنّ هؤلاء لم يعدموا الإنذار والإخبار ، بل جاءهم من الأخبار ما يوجب انزجارهم عن القبائح والذنوب :( وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ ) وذلك ليلقي عليهم الحجّة.

وبناء على هذا فلا يوجد نقص في تبليغ الدعاة الإلهيين ، وما يوجد من

٣٠١

نقصان أو خلل يمكن فيهم ، حيث ليس لديهم روح تواقة لمعرفة الحقّ ولا آذان صاغية ، ونفوسهم متنكّبة عن التقوى والتدبّر في الآيات الإلهية.

والقصد من «الأنباء» الإخبار عن الأمم والأقوام السابقة الذين هلكوا بألوان العذاب المدمّر الذي حلّ بهم ، وكذلك أخبار يوم القيامة وجزاء الظالمين والكفّار ، حيث اتّضحت كلّ تلك الأخبار في القرآن الكريم.

ويضيف تعالى :( حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ ) فهذه الآيات حكم إلهيّة بليغة ومواعظ مؤثّرة ، إلّا أنّها لا تفيد أهل العناد(١) (٢) .

تبيّن هذه الآية أن لا نقص في «فاعلية الفاعل» ، أو تبليغ الرسل. لكن الأمر يكمن في مدى استعداد الناس وأهليتهم لقبول الدعوة الإلهيّة ، وإلّا فإنّ الآيات القرآنية والرسل والأخبار التي وردتهم عن الأمم السابقة والأخبار التي تنبؤهم عن أحوال يوم القيامة كلّ هذه الأمور هي حكمة بالغة ومؤثّرة في النفوس الخيّرة ذات الفطرة السليمة.

الآية التالية تؤكّد على أنّ هؤلاء ليسوا على استعداد لقبول الحقّ ، فأتركهم لحالهم وأعرض عنهم وتذكّر يوم يدعو الداعي الإلهي إلى أمر مخيف ، وهو الدعوة إلى الحساب ، حيث يقول سبحانه :( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ ) (٣) .

وعلى هذا تكون عبارة :( يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ ) عبارة مستقلّة ومنفصلة عن جملة :( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ) . لكن البعض يرى أنّ كلّ واحدة من الجملتين مكمّلة للأخرى ، حيث يذهبون إلى أنّ قوله تعالى :( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ) جاءت بصيغة الأمر للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالإعراض عن المشركين الذين يرجون الشفاعة منه يوم القيامة عند ما يدعوهم

__________________

(١) (حكمة بالغة) خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هذه حكمة بالغة).

(٢) نذر جمع نذير ويعني (المنذرين) والمقصود بالمنذرين هي الآيات القرآنية وأخبار الأمم والأنبياء الذين وصل صوتهم إلى أسماع الناس ، ويحتمل البعض أنّ (نذر) مصدر بمعنى إنذار. لكن المعنى الأوّل هو الأنسب. وضمنا فإنّ (ما) في عبارة (ما تغن بالنذر) نافية وليست استفهامية.

(٣) في الآية أعلاه (يوم) يتعلّق بمحذوف تقديره (اذكر) ويحتمل البعض أنّها تتعلّق بـ (يخرجون) ولكن ذلك مستبعد.

٣٠٢

الداعي الإلهي للحساب. وهذا الرأي مستبعد جدّا.

وهنا يثار السؤال التالي : هل الداعي هو الله سبحانه؟ أم الملائكة؟ أم إسرافيل الذي يدعو الناس ليوم الحشر عند ما ينفخ في الصور؟ أم جميع هؤلاء؟

ذكر المفسّرون احتمالات عدّة للإجابة على هذا التساؤل ، ولكن بالرجوع إلى قوله تعالى :( يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ) ،(١) يرجّح الرأي الأوّل. رغم أنّ الآيات اللاحقة تتناسب مع كون الداعي هم الملائكة المختّصون بشؤون الحساب والجزاء.

أمّا المراد من( شَيْءٍ نُكُرٍ ) (٢) فهو الحساب الإلهي الدقيق الذي لم يكن معلوما من حيث وقته قبل قيام الساعة ، أو العذاب الذي لم يخطر على بالهم ، أو جميع هذه الأمور ، ذلك لأنّ يوم القيامة في جميع أحواله حالة غير مألوفة للبشر.

وفي الآية اللاحقة يبيّن الله سبحانه وتعالى توضيحا أكثر حول هذا الموضوع ويذكر أنّ هؤلاء يخرجون من القبور في حالة :( خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ ) .

نسبة «الخشوع» هنا للأبصار لأنّ المشهد مرعب ومخيف إلى حدّ لا تستطيع الأنظار رؤيته ، لذلك فإنّها تتحوّل عنه وتطرّق نحو الأسفل.

والتشبيه هنا بالجراد المنتشر لأنّ النشور في يوم الحشر يكون بصورة غير منتظمة لحالة الهول التي تعتري الناس فيه ، كما هي حركة انتشار الجراد التي تتمثّل فيها الفوضى والاضطراب خلافا للقسم الأكبر من حركة الطيور التي تطير وفق نظم خاصّة في الجو ، مضافا إلى أنّهم كالجراد من حيث الضعف وعدم القدرة.

نعم ، إنّ حالة هؤلاء الفاقدين للعلم والبصيرة ، حالة ذهول ووحشة وتخبّط في المسير كالسكارى يرتطم بعضهم ببعض فاقدين للوعي والإرادة كما في قوله

__________________

(١) الإسراء ٢

(٢) (نكر) مفرد من مادّة (نكارة) وتعني الشيء المبهم المخيف.

٣٠٣

تعالى :( وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى ) .(١)

والحقيقة أنّ هذا التشبيه هو ما ورد أيضا في الآية (٤) من سورة القارعة حيث يقول سبحانه :( يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ ) .

وأمّا قوله تعالى :( مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ ) فإنّ كلمة «مهطعين» تأتي من مادّة (إهطاع) أي مدّ الرقبة ، والبعض يرجعها إلى النظر بانتباه أو الركض بسرعة نحو الشيء ، ويحتمل أن تكون كلّ واحدة من هذه المعاني هي المقصودة ، ولكن المعنى الأوّل هو الأنسب ، لأنّ الإنسان عند سماعه لصوت موحش يمدّ رقبته على الفور وينتبه إلى مصدر الصوت ، ويمكن أن تكون هذه المفاهيم مجتمعة في الآية الكريمة حيث أنّ بمجرّد سماع صوت الداعي الإلهي تمدّ الرقاب إليه ثمّ يتبعه التوجّه بالنظر نحوه ، ثمّ الإسراع إليه والحضور في المحكمة الإلهيّة العادلة عند دعوتهم إليها.

وهنا يستولي الخوف من الأهوال العظيمة لذلك اليوم على وجود الكفّار والظالمين ، لذا يضيف سبحانه معبّرا عن حالة البؤس التي تعتري الكافرين بقوله :( يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ ) .

والحقّ أنّه يوم صعب وعسير. وهذا ما يؤكّده البارئعزوجل بقوله :( وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً ) .(٢)

ويستفاد من هذا التعبير أنّ يوم القيامة يوم غير عسير بالنسبة للمؤمنين.

* * *

__________________

(١) الحجّ ، ٢.

(٢) الفرقان ، ٢٦.

٣٠٤

مسألة

لماذا كان يوم القيامة يوما عسيرا؟ :

ولماذا لا يكون عسيرا؟ في الوقت الذي يحاط فيه المجرمون بكلّ أجواء الرهبة والوحشة ، وخاصّة عند ما يستلمون صحائف أعمالهم حيث يصطرخون :( يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها ) ،(١) هذا من جهة.

ومن جهة اخرى فإنّهم يواجهون بما ليس في الحسبان ، حيث يحاسبون بدقّة حتّى على أصغر الأعمال التي أدّوها ، سواء كانت صالحة أم طالحة :( إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) .(٢)

ومن جهة ثالثة ، لا سبيل يومئذ للتكفير عن الذنوب والتعويض بالطاعة ، والاعتذار عن التقصير ، حيث لا عذر يقبل ولا مجال للعودة مرّة اخرى إلى الحياة يقول تعالى :( وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ) .(٣)

ونقرأ كذلك في قوله تعالى :( وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) .(٤) . ولكن هيهات.

ومن جهة رابعة فإنّ العذاب الإلهي شديد ومرعب إلى درجة تنسي الامّهات أولادها ، وتسقط الحوامل أجنّتهن ، ويكون الجميع يومئذ في حيرة وذهول وفقدان للوعي كالسكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد ، قال تعالى :( يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى

__________________

(١) الكهف ، ٤٩.

(٢) لقمان ، ١٦.

(٣) البقرة ، ٤٨.

(٤) الأنعام ، ٢٧.

٣٠٥

النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ ) .(١)

والدليل على اضطراب وهلع العاصين هو حالة التشبّث بالافتداء بكلّ ما في الدنيا أملا في الخلاص من العذاب الأليم ، قال تعالى :( يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ، وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ ، كَلَّا إِنَّها لَظى ) .(٢)

إذا ، هل يمكن مع كلّ هذه الأوصاف والأوصاف الأخرى المهولة التي وردت في آيات اخرى أن يكون ذلك اليوم يوما مريحا وبعيدا عن الهمّ والغمّ والشدّة؟!

(حفظنا الله جميعا في ظلّ لطفه ورعايته).

* * *

__________________

(١) الحجّ ، ٢.

(٢) المعارج ، ١١ ـ ١٥.

٣٠٦

الآيات

( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧) )

التّفسير

قصّة قوم نوح عبرة وعظة :

جرت السنّة القرآنية في كثير من الموارد أنّ الله سبحانه يستعرض حالة الأقوام السابقة والعاقبة المؤلمة التي انتهوا إليها إنذارا وتوضيحا (للكفّار والمجرمين) بأنّ الاستمرار في طريق الضلال سوف لن يؤدّي بهم إلّا إلى المصير البائس الذي لاقته الأقوام السابقة.

٣٠٧

وفي هذه السورة ، إكمالا للبحث الذي تناولته الآيات السابقة ، في إثارات وإشارات مختصرة ومعبّرة حول تاريخ خمسة من الأقوام المعاندة ابتداء من قوم نوح كما في قوله تعالى :( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ) . فمضافا إلى تكذيبه واتّهامه بالجنون صبّوا عليه ألوان الأذى والتعذيب ومنعوه من الاستمرار في أداء رسالته.

فتارة يقولون له مهدّدين ومنذرين( قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ) .(١)

وتارة اخرى يضغطون رقبته بأيديهم حتّى يفقد وعيه ، ولكنّه ما أن يفيق إلى وعيه حتّى يقول : «اللهمّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون»(٢) .

وخلاصة القول فإنّ قوم نوح مارسوا كلّ وسيلة لأذى نبيّهم ، ومع ذلك فإنّه لم يتوقّف عن التبليغ والإرشاد أملا في هدايتهم.

والجدير بالذكر أنّنا نلاحظ أنّ لفظ (التكذيب) قد ورد مرّتين ، ولعلّ السبب أنّه ورد في الحالة الاولى (مختصرا) وفي الثانية (مفصّلا).

والتعبير بـ «عبدنا» إشارة إلى أنّ هؤلاء القوم المعاندين والمغرورين في الواقع يبارزون الله تعالى لا مجرّد شخص «نوح».

كلمة (وازدجر) أصلها (زجر) بمعنى الطرد ، وهو الإبعاد المقترن بصوت شديد ، كما أنّه يطلق على كلّ عمل يراد منه منع الشخص من الاستمرار به.

والظريف في هذه الآية أنّ الفعل (قالوا) أتى بصورة فعل معلوم (وازدجر) بصيغة فعل مجهول ولعلّ ذلك للإشارة إلى أنّ عدم ذكر الفاعل هنا للترفّع عن ذكر قوم نوح بسبب سوء وقبح الأعمال التي مارسوها والتي كانت أقذر وأقبح من أقوالهم ، ممّا يكون سببا في عدم ذكرهم بالصيغة المعلومة كما في قوله تعالى :

__________________

(١) الشعراء ، ١١٦.

(٢) تفسير الكشّاف وأبو الفتوح والرازي هامش الآية مورد البحث

٣٠٨

( قالُوا ) .

ثمّ يضيف تعالى أنّ نوح عند ما يئس من هداية قومه تماما :( فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ) (١) .

والغلبة المذكورة في الآية الكريمة لم تكن غلبة في الحجّة والدليل أو البرهان على عدم صحّة الدعوة ، وإنّما كانت تتجسّد بالظلم والجناية والتكذيب والإنكار وأنواع الزجر والضغوط ولهذا فإنّ هؤلاء القوم لا يستحقّون البقاء ، فانتقم لنا منهم وانصرنا عليهم.

نعم ، فهذا النّبي العظيم كان يطلب من الله المغفرة لقومه ما دام يأمل في هدايتهم وصلاحهم ، ولكن عند ما يئس منهم غضب عليهم ولعنهم ودعا ربّه أنّ ينتقم منهم.

ثمّ يشير هنا إشارة معبّرة وقويّة في كيفية العذاب الذي ابتلوا به وصبّ عليهم حيث يقول سبحانه :( فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ ) .

إنّ تعبير انفتاح أبواب السماء لتعبير رائع جدّا ، ويستعمل عادة عند هطول الأمطار الغزيرة.

(منهمر) من مادّة (همر) على وزن (صبر) وتعني النّزول الشديد للدموع أو الماء ، ويستعمل هذا التعبير أيضا عند ما يستدر الحليب من الضرع حتّى النهاية.

والعجيب هنا أنّه ورد في أقوال المفسّرين أنّ قوم نوح كانوا قد أصيبوا بالجدب لعدّة سنوات قد خلت ، وكانوا يرتقبون بتلهّف سقوط المطر عليهم ، وفجأة ينزل المطر ولكن لا ليحيي أرضهم ويزيد خيرهم بل ما حقا ومميتا لهم(٢) .

ويذكر أنّ الماء الذي أدّى إلى الطوفان لم يكن من هطول الأمطار فقط ، بل

__________________

(١) (انتصر) : طلب العون كما في الآية (٤١) سورة الشورى ، وهنا جاءت بمعنى طلب الانتقام على أساس العدل والحكمة كما فسّرها البعض في التقدير (انتصر لي).

(٢) روح المعاني هامش الآية مورد البحث.

٣٠٩

كان من تفجير العيون في الأرض حيث يقول تعالى :( وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً ) (١) وهكذا اختلط ماء السماء بماء الأرض بمقدار مقدّر وملأ البسيطة :( فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ) .

إنّ هذا التعبير يجسّد حالة الطوفان الذي غمر الأرض ، إلّا أنّ بعض المفسّرين فسّروا عبارة (قد قدر) بقولهم : إنّ كميّتي المياه المتدفّقة من الجانبين المتقابلين كانتا متساويتين في مقاديرهما بصورة دقيقة ، إلّا أنّ الرأي الأوّل هو الأرجح.

وخلاصة الأمر : إنّ الماء قد فار من جميع جهات الأرض وفجّرت العيون وهطلت الأمطار من السماء ، واتّصل الماء بعضه ببعض وشكّل بحرا عظيما وطوفانا شديدا.

وتترك الآيات الكريمة مسألة الطوفان ، لأنّ ما قيل فيها من الآيات السابقة يعتبر كافيا فتنتقل إلى سفينة نجاة نوحعليه‌السلام حيث يقول تعالى :( وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ ) .

(دسر) جمع (دسار) على وزن (كتاب) ، كما يقول الراغب في المفردات ، أنّها في الأصل بمعنى الإبعاد أو النهر بشدّة مقترنا مع حالة عدم الرضا ، ولكون المسمار عند ما يتعرّض للطرق الشديد يدخل في الخشب وما شاكل فيقال له (دسار).

وذكر قسم من المفسّرين أنّ معنى هذه الكلمة هو (الحبل) مشيرين بذلك إلى حبال أشرعة السفينة وما إلى ذلك ، والتّفسير الأوّل هو الأرجح نظرا لذكر كلمة (ألواح).

على كلّ حال ، فإنّ التعبير القرآني هنا ظريف ، لأنّه كما يقول البارئعزوجل بأنّنا وفي وسط ذلك الطوفان العظيم ، الذي غمر كلّ شيء أودعنا أمر نجاة

__________________

(١) «عيونا» : يمكن أن تكون تميّزا للأرض والتقدير فجرنا عيون الأرض ، ثمّ إنّ العيون مفعول به منفصل وقد جاءت بصورة تمييز كي تعبّر عن المبالغة والأهميّة وكأنّ الأرض جميعا تحوّلت إلى عيون.

٣١٠

نوح وأصحابه إلى مجموعة من المسامير وقطع من الخشب ، وأنّها أدّت هذه الوظيفة على أحسن وجه ، وهكذا تتجلّى القدرة الإلهيّة العظيمة.

ويمكن أن يستفاد من هذا التعبير طبيعة البساطة التي كانت عليها سفن ذلك الزمان والتي هي بعيدة عن التعقيد والتكلّف قياسا مع السفن المتقدّمة في العصور اللاحقة. ومع ذلك فإنّ سفينة نوحعليه‌السلام كان حجمها بالقدر المطلوب وطبق الحاجة ، وطبقا للتواريخ فإنّ نوحعليه‌السلام قد أمضى عدّة سنين في صنعها كي يتمكّن من وضع (من كلّ زوجين إثنين) من مختلف الحيوانات فيها.

ويشير سبحانه إلى لطف عنايته للسفينة المخصّصة لنجاة نوحعليه‌السلام حيث يقول سبحانه( تَجْرِي بِأَعْيُنِنا ) أي أنّ هذه السفينة تسير بالعلم والمشيئة الإلهيّة ، وتشقّ الأمواج العالية بقوّة وتستمر في حركتها تحت رعايتنا وحفظنا.

إنّ التعبير (بأعيننا) كناية ظريفة للدلالة على المراقبة والرعاية للشيء ويتجسّد هذا المعنى بوضوح في قوله تعالى في الآية (٣٧) من سورة هود :( وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا ) .

بعض المفسّرين ذهبوا إلى أنّ المقصود من( تَجْرِي بِأَعْيُنِنا ) هو الإشارة إلى الشخصيات المهمّة التي كانت على ظهر السفينة ، وبناء على هذا فإنّ المقصود من قوله تعالى :( تَجْرِي بِأَعْيُنِنا ) (١) أنّ تلك السفينة كانت تحمل عباد الله الخالصين المخلصين ، ونظرا لطبيعة الموارد التي استعمل فيها هذا التعبير في الآيات القرآنية الاخرى فإنّ الرأي الأوّل هو الأصحّ.

ويحتمل أيضا أنّ المراد بجملة (بأعيننا) هو الملائكة التي كان لها الأثر في هداية سفينة نوحعليه‌السلام ، ولكن هذا الرأي ضعيف أيضا لسبب أعلاه.

ثمّ يضيف تعالى :( جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ ) (٢) .

__________________

(١) «أعين» جمع عين ، وإحدى معانيها العين الباصرة ، والمعنى الآخر لها هو : الشخصية المعتبرة ، ولها معان اخرى.

(٢) يجدر بالملاحظة هنا أنّ فعل (كفر) مبني للمجهول ، والمراد به نوحعليه‌السلام الذي كفر به ، وليس فعلا معلوما يشير إلى

٣١١

نعم إنّ نوحعليه‌السلام كسائر الأنبياء الإلهيين يعتبر نعمة إلهيّة عظيمة وموهبة من مواهبه الكبيرة على البشرية ، إلّا أنّ قومه الحمقى كفروا به وبرسالته(١) .

ثمّ يقول سبحانه وكنتيجة لهذه القصّة العظيمة موضع العظّة والإعتبار :( وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) .

والحقيقة أنّ كلّ ما كان يستحقّ الذكر في هذه القصّة قد قيل ، وكلّما ينبغي للإنسان الواعي المتّعظ أن يدركه فهو موجود.

واستنادا إلى هذا التّفسير المنسجم مع الآيات السابقة واللاحقة ، فإنّ الضمير في (تركناها) يرجع إلى قصّة الطوفان وماضي نوحعليه‌السلام ومخالفيه. ولكن البعض يرى أنّ المراد هو (سفينة نوح) لأنّها بقيت مدّة من الزمن شاخصة لأنظار العالم ، وكلّما يراها أحد تتجسّد أمامه قصّة الطوفان الذي حلّ بقوم نوحعليه‌السلام ، ومع علمنا بأنّ بقايا سفينة نوحعليه‌السلام كانت حتّى عصر الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما أنّ البعض من المعاصرين ادّعى رؤية بقاياها في جبال (آرارات) في القفقاز ، عندئذ يمكن أن يكون المعنيان مقصودين في الآية الكريمة.

ولهذا فإنّ قصّة نوحعليه‌السلام كانت آية للعالمين ، وكذا سفينته التي بقيت ردحا من الزمن بين الناس(٢) .

وفي الآية اللاحقة يطرح الله سبحانه سؤالا معبّرا ومهدّدا للكافرين الذين اتّبعوا نفس المنهج الذي كان عليه قوم نوح حيث يقول سبحانه :( فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ ) .

هل هذه حقيقة واقعة ، أم قصّة واسطورة؟

__________________

الكفّار.

(١) إذا لم يكن في الآية شيء مقدّر فيكون نائب الفاعل للفعل (كفر) هو شخص نوحعليه‌السلام حين أنّهعليه‌السلام يكون النعمة التي (كفر) بها ، أمّا إذا قلنا أنّ للآية محذوف مقدّر ، فيكون تقديره (كفر به) فعندئذ تكون إشارة إلى عدم الإيمان بنوحعليه‌السلام وتعاليمه.

(٢) لقد ذكرت أبحاث مفصّلة حول قصة قوم نوحعليه‌السلام في هامش الآيات الكريمة ٢٥ ـ ٤٩ من سورة هود

٣١٢

ويضيف مؤكّدا هذه الحقيقة في آخر الآية مورد البحث في قوله تعالى :( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) .

نعم إنّ هذا الكتاب العظيم الخالي من التعقيد والمجسّد لعناصر التأثير من حيث عذوبة ألفاظه وجاذبيتها ، وحيوية عباراته وصراحتها في عرض المطالب ترغيبا وتهديدا ، وطبيعة قصصه الواقعية ذات المحتوى الغزير بالإضافة إلى قوّة دلائله وأحكامها ومنطقه المتين ، واحتوائه على كلّ ما يلزم من عناصر التأثير لذا فإنّ القلوب المهيأة لقبول الحقّ والمتفاعلة مع منطق الفطرة والمستوعبة لمنهج العقل تنجذب بصورة متميّزة ، والشاهد على هذا أنّ التأريخ الإسلامي يذكر لنا قصصا عديدة عجيبة محيّرة من حالات التأثير العميق الذي يتركه القرآن الكريم على القلوب الخيّرة.

ولكن ما العمل حينما تكون النطفة لبذرة ما ميتة ، حتّى لو هيّأ لزراعتها أخصب الأراضي ، وسقيت بماء الكوثر ، واعتني بها من قبل أمهر المزارعين ، فإنّها لن تنمو ولن تزهر وتثمر أبدا.

* * *

٣١٣

الآيات

( كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢) )

التّفسير

مصير قوم عاد :

تستعرض الآيات الكريمة أعلاه وباختصار أخبار نموذج آخر من الكفّار والمجرمين بعد قوم نوح ، وهم (قوم عاد) وذلك كتحذير لمن يتنكّب طريق الحقّ والهداية الإلهية.

وتبدأ فصول أخبارهم بقوله تعالى :( كَذَّبَتْ عادٌ ) .

لقد بذل هودعليه‌السلام غاية جهده في توعية قومه وتبليغهم بالحقّ الذي جاء به من عند الله ، وكانعليه‌السلام كلّما ضاعف سعيه وجهده لانتشالهم من الكفر والضلال ازدادوا إصرارا ونفورا ولجاجة في غيّهم وغرورهم الناشئ من الثراء والإمكانات المادية ، بالإضافة إلى غفلتهم نتيجة انغماسهم في الشهوات ، جعلتهم صمّ الآذان ،

٣١٤

عمّي العيون ، فجازاهم الله بعقاب أليم وعذاب شديد ، ولهذا تشير الآية الكريمة باختصار حيث يقول سبحانه :( فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ ) .

كما نلاحظ التفصيل في الآيات اللاحقة بعد هذا الإجمال حيث يقول سبحانه :( إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ ) .

«صرصر» من مادّة (صرّ) على وزن (شرّ) ، وفي الأصل تعني (الإغلاق والإحكام) ويأتي تكرارها في هذا السياق للتأكيد ، ولأنّ الرياح التي عذّبوا بها كانت باردة وشديدة ولاذعة ومصحوبة بالأزيز ، لذا اطلق عليها (صرصر).

أمّا (نحس) ففي الأصل معناها (الاحمرار الشديد) الذي يظهر في الأفق أحيانا ، كما يطلق العرب أيضا كلمة (نحاس) على وهج النار الخالية من الدخان ، ثمّ أطلق هذا المصطلح على كلّ (شؤم) مقابل (السعد).

«مستمر» صفة لـ (يوم) أو لـ (نحس) ومفهومه في الحالة الاولى هو استمرار حوادث ذلك اليوم كما في قوله تعالى :( سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً ، فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ ) .(١)

وتعني في الحالة الثانية استمرار نحوسة ذلك اليوم حتّى هلك الجميع.

كما يفسّر البعض معنى (النحس) بأنّه حالة الجو المكفهر المغبّر ، لأنّ العاصفة كانت مغبرة إلى درجة أنّها لم تسمح برؤية بعضهم البعض. وعند ما شاهدوا العاصفة من بعيد ظنّوا أنّها غيوم محملة بالأمطار متّجهة نحوهم ، وسرعان ما تبيّن لهم أنّها ريح عاتية لا تبقي ولا تذر أمرت بعذابهم والانتقام منهم ، كما في قوله تعالى :( فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ. مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ ) .(٢)

إنّ هذين التّفسيرين غير متنافيين ، ويمكن جمعهما في معنى الآية الكريمة

__________________

(١) الحاقّة ، ٧

(٢) الأحقاف ، ٢٤.

٣١٥

مورد البحث.

ثمّ يستعرض سبحانه وصف الريح بقوله :( تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ) .

«منقعر» من مادّة (قعر) بمعنى أسفل الشيء أو نهايته ، ولذا يستعمل هذا المصطلح بمعنى قلع الشيء من أساسه.

كما يحتمل أن يكون المقصود من هذا التعبير أنّ ضخامة الهياكل وقوّة الأبدان التي كان عليها قوم عاد لم تغنهم من فتك الريح بهم وهلاكهم حيث ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ قوم عاد حاولوا التخلّص من العذاب الذي باغتهم وذلك بأن التجأوا إلى حفر عميقة وملاجئ تحت الأرض لحفظ أنفسهم ، ولكن دون جدوى حيث أنّ الريح كانت من القوّة بحيث قلعتهم من أعماق تلك الحفر وقذفت بهم من جهة إلى اخرى ، حتّى قيل أنّها كانت تدحرجهم وتجعل أعلى كلّ منهم أسفله وتفصل رؤوسهم عن أجسادهم.

«أعجاز» جمع (عجز) ـ على وزن (رجل) ـ بمعنى خلف أو تحت ، وقد شبّهوا بالقسم الأسفل من النخلة وذلك حسبما يقول البعض لأنّ شدّة الريح قطّعت أيديهم ورؤوسهم ودفعتها باتّجاهها ، وبقيت أجسادهم المقطّعة الرؤوس والأطراف كالنخيل المقطّعة الرؤوس ، ثمّ قلعت أجسادهم من الأرض وكانت الريح تتقاذفها.

وللسبب المذكور أعلاه ، يكرّر الله سبحانه وتعالى إنذاره للكفّار بقوله :( فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ ) .

فنحن كذلك فعلنا وجازينا الأقوام السالفة التي سلكت سبيل الغي والطغيان والعصيان ، فعليكم أن تتفكّروا في مصيركم وأنتم تسلكون نفس الطريق الذي سلكوه!!

وفي نهاية القصّة يؤكّد قوله سبحانه :( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) فهل هنالك من آذان صاغية وقلوب واعية لهذا النداء الإلهي والإنذار

٣١٦

الربّاني؟.

والنقطة الأخيرة الجديرة بالذكر هي تأكيد قوله سبحانه :( فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ ) حيث تكرّرت مرّتين : الأولى : في بداية الحديث عن قصّة قوم عاد ، والثانية : في نهايتها. ولعلّ سبب هذا الاختلاف بين قوم عاد والأقوام الاخرى ، أنّ عذاب قوم عاد كان أكثر شدّة وانتقاما ، رغم أنّ جميع ألوان العذاب الإلهي شديد.

* * *

بحث

سعد الأيّام ونحسها :

الشيء المتعارف بين الناس ، هو أنّ بعض الأيّام سعيدة ومباركة ، والبعض الآخر نحس ومشؤوم ، مع وجود اختلاف كثير في تشخيصها.

ويدور الحديث حول مدى قبولها إسلاميا ، وهل أنّها مأخوذة من تعاليم الإسلام أم لا؟.

من الناحية العقلية لا يعدّ اختلاف أجزاء الزمان من هذه الجهة محالا ، بأن يتّصف بعضها بالنحوسة والاخرى بالبركة والسعد. ولا نملك أي استدلال عقلي لإثبات أو نفي هذا المعنى ، ولهذا نستطيع القول : إنّ هذا الأمر بهذا القدر شيء ممكن ، ولكنّه غير ثابت من الناحية العقلية.

وبناء على ذلك فإذا كانت لدينا دلائل شرعية لهذا المعنى ثبتت عن طريق الوحي فلا مانع من قبولها ، بل الالتزام بها.

وحول (نحس الأيّام) تشير الآيات القرآنية مرّتين إلى هذا الموضوع ، الاولى في الآيات مورد البحث ، والثانية : في قوله تعالى :( فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً

٣١٧

صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ ) (١) (٢) .

وفي مقابل «النحوسة» فإنّنا نلاحظ في بعض الآيات القرآنية تعبير (مبارك) كما في قوله تعالى حول ليلة القدر :( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) .(٣)

وقلنا إنّ «نحس» مأخوذ في الأصل من صورة الاحمرار الشديد في الأفق ، الذي يشبه النار المتوهّجة الخالية من الدخان والتي يطلق عليها (النحاس). وبهذه المناسبة استعمل في معنى الشؤم.

ومن هنا نلاحظ أنّ القرآن الكريم لم يتطرّق لهذه المسألة إلّا من خلال إشارة مغلقة فقط. لكنّنا حينما نقرأ في الكتب الإسلامية ، يواجهنا العديد من الرّوايات في هذا المجال ، مع العلم أنّ الكثير منها ضعيف ، وأنّ البعض الآخر منها موضوع أو ملفّق ، أو مشوب بالخرافات. وليست جميعا كذلك ، بل هناك ما هو معتبر منها وموضع اطمئنان كما يؤكّد المفسّرون صحّة ذلك من خلال تفسير الآيات أعلاه.

ويذكر لنا المحدّث الكبير العلّامة المجلسي روايات عديدة في هذا المجال في بحار الأنوار(٤) .

وفي هذا المجال نستطيع إيراد الملاحظات التالية :

أ ـ لقد ذكروا في روايات عديدة (سعد ونحس) الأيّام ، وكذلك الحوادث التي وقعت فيها ، حيث نقرأ في الرّواية التالية في أسئلة الشامي لأمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال : (أخبرني عن يوم الأربعاء والتطيّر منه وثفله ، وأي أربعاء هو) ، قالعليه‌السلام : «آخر أربعاء من الشهر ، وهو المحاق ، وفيه قتل قابيل هابيل أخاه ، ويوم الأربعاء أرسل

__________________

(١) يجدر الانتباه إلى أنّ نحسات جاءت صفة للأيّام ، وذلك يعني أنّ الأيّام المذكورة وصفت بالنحوسة ، في الوقت الذي ذكرت كلمة (يوم) في الآية الكريمة (في يوم نحس مستمر) إضافة لـ (النحس) وليست وصفا ولكن بقرينة الآية أعلاه يجب القول : إنّ الإضافة هنا تكون إضافة موصوف إلى صفة (يرجى الانتباه).

(٢) فصّلت ، ١٦.

(٣) الدخان ، ٣.

(٤) بحار الأنوار ، ج ٥٩ كتاب السماء والعالم ، ص ١ ـ ٩١ وما بعدها.

٣١٨

اللهعزوجل الريح على قوم عاد»(١) .

ومن هنا فإنّ الكثير من المفسّرين يرتّبون أثرا على هذه الرّوايات ، ويعتبرون أنّ آخر أربعاء من كلّ شهر هو يوم نحس ، ويطلقون عليه (أربعاء لا تدور) أي لا تتكرّر.

ونقرأ في بعض الرّوايات أنّ اليوم الأوّل من كلّ شهر هو سعد ومبارك ، وذلك لأنّ آدمعليه‌السلام خلق في هذا اليوم ، وكذلك فإنّ اليوم ٢٦ من كلّ شهر يوم مبارك ، حيث : (ضرب موسى فيه البحر فانفلق)(٢) .

كما أنّ اليوم الثالث من كلّ شهر ، هو يوم نحس ، نزع عن آدم وحواء لباسهما وأخرجا من الجنّة(٣) .

كما أنّ اليوم السابع من كلّ شهر هو يوم مبارك ، لأنّ نوحعليه‌السلام قد ركب في السفينة (ونجا من الغرق)(٤) .

ونقرأ في الحديث التالي عن الإمام الصادقعليه‌السلام في هذا المعنى حول يوم (النوروز) حيث يقول :

«... يوم مبارك استوت فيه سفينة نوح على الجودي ، وهو اليوم الذي نزل فيه جبرائيل على النبي ، وهو اليوم الذي حمل فيه رسول الله أمير المؤمنين على منكبه حتّى رمى أصنام قريش من فوق البيت الحرام فهشّمها وهو اليوم أمر النّبي أصحابه أن يبايعوا عليا بإمرة المؤمنين ...»(٥) .

وقد اقترن سعد ونحس الأيّام بذكر بعض الوقائع التأريخية الحسنة والسيّئة كما في العديد من الرّوايات ، فمثلا ما ذكر عن يوم عاشوراء الذي اعتبره الامويون

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٨٣ حديث (٢٥).

(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٠٥.

(٣) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٥٨.

(٤) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٦١.

(٥) بحار الأنوار ، ج ٥٩ ، ص ٩٢.

٣١٩

يوم سعد لمّا حقّقوا فيه وبظنّهم من انتصار على أهل البيتعليه‌السلام نلاحظ الرّوايات تنهى بشدّة عن التبرّك في مثل هذا اليوم ، كما تحذر من ادّخار الأقوات السنوية فيه ، والابتعاد عن أجواء الاحتفالات التي كان يقيمها الامويون في هذا اليوم وكذلك تؤكّد على تعطيل الأعمال فيه.

ومن ملاحظة مجموعة الرّوايات السابقة ، دفع البعض أن يفسّر مسألة سعد ونحس الأيّام على أنّها مجعولة من أجل شدّ المسلمين بهذه الحوادث التاريخيّة المهمّة ، وحثّهم عمليّا على تطبيق ما تستلزمه تلك الحوادث من التفاعل وما تفرزه من معطيات ، وكذلك الابتعاد عن محطّات الحوادث السيّئة واجتناب سبلها.

ويمكن أن يصدّق هذا التّفسير في قسم من هذه الرّوايات ولا يصدق على القسم الآخر منها ، ذلك لأنّ المستفاد من البعض منها أنّ هنالك تأثيرا ملموسا في بعض الأيّام (إيجابا وسلبا) وليس لنا تفسير أو علم لهذا التأثير.

ب ـ ممّا يجدر الانتباه إليه أنّ هنالك من يفرط في موضوع سعد ونحس الأيّام ، بحيث إنّهم يمتنعون من الشروع بأي عمل إلّا بالاعتماد على هذه الخلفية ، وبذلك يفوتون عليهم فرصا كثيرة يمكن الاستفادة منها.

وبدلا من التعمّق في البحث الموضوعي الذي تحسب فيه حسابات الربح والخسارة والاستفادة من الفرص والتجارب الثرية فإنّهم يرجعون كسب الأرباح إلى سعد الأيّام والانتكاسات والخسارة إلى شؤم الأيّام وهذا المنهج يعبّر عن الانهزام من الواقع والهروب من الحقيقة والإفراط في التعليل الخرافي لحوادث الحياة الذي يجب أن نحذّره ونتجنّبه بشدّة.

والجدير بنا في هذه المسائل أن لا نعطي آذانا صاغية لأقوال المنجّمين والإشاعات المنتشرة في الأجواء الاجتماعية المتخلّفة ، ولا لحديث أولئك الذين يدّعون المعرفة المستقبلية لفأل الأشخاص ، ونستمرّ في حياتنا العملية بجهد حثيث وخطى ثابتة وبالتوكّل على الله وبروح موضوعية بعيدة عن التأثّر بهذه

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572