الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 572

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 572 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 287970 / تحميل: 5235
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

والقمر والكواكب الأحد عشر الذين رايتهم في منامك ، ليكونوا مؤنسيك في هذه البئر ، ويكسوك ويلبسوك ثوبا على بدنك فدعا يوسف على اثر اليأس المطلق بالدعاء الآنف الذكر.(١)

وفي رواية عن الامام الصادقعليه‌السلام انّه قال : «حين القي يوسف في الجبّ هبط عليه جبرئيل وقال : ما تصنع هنا ايّها الغلام؟ فقال له : ان اخوتي القوني في البئر. فقال له جبرئيل : أتحبّ ان تخرج من البئر؟ قال : ذلك بمشيئة الله ، ان شاء اخرجني.

فقال له : ان الله يأمرك ان تدعو بهذا الدعاء لتخرج من البئر : «اللهم انّي اسألك بأنّ لك الحمد ، لا اله الّا أنت المنّان ، بديع السماوات والأرض ، ذو الجلال والإكرام ، ان تصلي على محمّد وآل محمّد وان تجعل لي ممّا انا فيه فرجا ومخرجا»(٢) .

٣ ـ جملة( وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ ) تدلّ على انّهم لم يرموه في البئر ، أنزلوه على مكان يشبه الرصيف لمن يريد النّزول الى سطح الماء ، وقد شدوه بحبل حتى إذا نزل ووصل الى غيابة الجبّ تركوه وحده.

وهناك قسم من الرّوايات التي تفسّر الآيات المتقدمة تؤيد هذا الموضوع.

٤ ـ تسويل النفس

جملة «سوّلت» مشتقّة من «التسويل» ومعناه «التزيين» وقد يأتي بمعنى «الترغيب» وقد يأتي بمعنى «الوسوسة» كما في بعض التفاسير جميع هذه المعاني ترجع الى شيء واحد اي انّ هوى النفس زيّن لكم هذا العمل.

وهي اشارة الى انّه حين يطغى هوى النفس على الإنسان ويستبدّ به عناده ، فإنه يتصور ان اسوا الجنايات لديه امر حسن ، كما لو كان ذلك قتل الأخ او ابعاده ، وقد يتصور ان ذلك امر مقدّس وهذه نافذة على اصل كلي في المسائل

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ٤١٦.

(٢) نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٢١٦.

١٦١

النفسية ، بحيث يجعل الميل المفرط والرغبة الجامحة لأمر ما ـ وخاصّة مع اقترانهما بالرذائل الاخلاقية ـ غشاوة على احساس الإنسان ، فتنقلب عنده الحقائق وتتغير صورها.

لذا فإنّ القضاء الصحيح وادراك الواقعيّات العينيّة ، لا يمكن لها ان تتحقق دون تهذيب النفس ، وإذا كانت العدالة شرط في القاضي فإنّ هذا الأمر واحد من أسبابها وإذا كان القرآن الكريم يقول في الآية (٢٨٢) من سورة البقرة( وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ ) فذلك اشارة الى هذه الحقيقة ايضا.

٥ ـ الكذاب عديم الحافظة

قصّة يوسف ـ وما جرى له مع اخوته ـ تثبت مرّة اخرى هذا الأصل المعروف الذي يقول : انّ الكذاب لا يستطيع ان يكتم سرّه دائما ، لانّ الواقعيات العينية حين تظهر الى الوجود الخارجي تظهر ومعها روابط ـ اكثر من ان تعدّ ـ مع موضوعات اخرى تدور حولها ، وإذا أراد الكاذب ان يهيئ مناخا لمسألة غير واقعية فإنّه لا يستطيع ان يحفظ هذه الروابط مهما كان دقيقا.

ولنفرض انّه يستطيع ان يؤلف بين عدد من الروابط الكاذبة في حادثة ما ، ولكن المحافظة على هذه الروابط المصطنعة في ذهنه ليست عملا هيّنا ، فإنّ اقل غفلة منه تسبب وقوعه في التناقض ، فتتسبب هذه الغفلة في فضيحة صاحبها وتكشف الأمر الواقعي وهذا درس كبير لمن يريد المحافظة على ماء وجهه ومكانته في المجتمع ان لا يلجأ الى الكذب فيتعرض موقعه الاجتماعي للخطر وينزل عليه غضب الله.

٦ ـ ما هو الصبر الجميل؟

الصبر امام الحوادث الصعبة والأزمات الشديدة يدلّ على قوة شخصية الإنسان ، وعلى سعة روحه بسعة ما تتركه هذه الحوادث فلا يتأثر ولا يهتز لها.

١٦٢

ربّما يحرك النسيم العليل ماء الحوض الصغير ، ولكن المحيطات العظيمة كالمحيط الهادي ـ مثلا ـ يستوعب حتى الاعصار الذي يتلاشى امام هدوئه وسعته.

وقد يتصبر الإنسان أحيانا ، ولكنّه سرعان ما يتلف هذا الصبر بكلماته النابية التي تدل على عدم الشكر وعدم تحمل الحادثة ونفاد الصبر.

ولكن المؤمنين الذين يتمتعون بإرادة قويّة واستيعاب للحوادث ، هم أولئك الذين لا يتأثرون بها ولا يجري على لسانهم ما يدلّ على عدم الشكر وكفران النعمة او الجزع او الهلع.

صبر هؤلاء هو الصبر الجميل قد يبرز الآن هذا السؤال ، وهو اننا نقرا في الآيات الاخرى ـ من هذه السورة ـ انّ يعقوب بكى على يوسف حتى ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ، أفلا ينافي ما صدر من يعقوب صبره الجميل؟!

والجواب على هذا السؤال في جملة واحدة ، وهي : ان قلوب عباد الله مركز للعواطف ، فلا عجب ان ينهلّ دمع عينهم مدرارا ، المهم ان يسيطروا على أنفسهم ، ولا يفقدوا توازنهم ، ولا يقولوا شيئا يسخط الله.

ومن الطريف ان مثل هذا السؤال وجه الى النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين بكى على موت ولده ابراهيم حيث قالوا له : يا رسول الله ، أتنهانا عن البكاء وتبكي؟! فأجابهم النّبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «تدمع العين ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الربّ».

وفي رواية اخرى انّه قال : «ليس هذا بكاء انّه رحمة»(١) .

وهذا اشارة الى انّ ما في صدر الإنسان هو القلب ، وليس حجر! وطبيعيّ ان يتأثر الإنسان امام المسائل العاطفية ، وابسط هذا التأثر هو انهلال الدمع انّ هذا لا يعدّ عيبا ، بل هو امر حسن ، العيب هو ان يقول الإنسان ما يسخط الربّ.

* * *

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٢٢ ، ص ١٥٧ و ١٥٨.

١٦٣

الآيتان

( وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٩) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (٢٠) )

التّفسير

نحو ارض مصر :

قضى يوسف في ظلمة الجب الموحشة والوحدة القاتلة ساعات مرّة ، ولكنّه بإيمانه بالله وسكينته المنبثقة عن الايمان شع في قلبه نور الأمل ، وألهمه الله تعالى القوة والقدرة على تحمّل الوحدة الموحشة ، وان ينجح في هذا الامتحان.

ولكنّ الله اعلم كم يوما قضى يوسف في هذه الحالة؟

قال بعض المفسّرين : قضى ثلاثة ايام ، وقال آخرون : يومين.

وعلى كل حال تبلج النّور( وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ ) (١) .

وانتخبت منزلها على مقربة من الجبّ ، وطبيعي انّ اوّل ما تفكر القافلة فيه ـ

__________________

(١) سمّيت القافلة «سيارة» لانّها في سير وحركة دائمين.

١٦٤

في منزلها الجديد ـ هو تأمين الماء وسد حاجتها منه( فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ ) (١) .

فانتبه يوسف الى صوت وحركة من أعلى البئر ، ثمّ راى الحبل والدلو يسرعان الى النّزول ، فانتهز الفرصة وانتفع من هذا العطاء الالهي وتعلق بالحبل بوثوق.

فأحسّ المأمور بالإتيان بالماء ان الدلو قد ثقل اكثر ممّا ينبغي ، فلمّا سحبه بقوة الى الأعلى فوجئ نظره بغلام كأنّه فلقة قمر ، فصرخ وقال :( يا بُشْرى هذا غُلامٌ ) .

وشيئا فشيئا سرى خبر يوسف بين جماعة من اهل القافلة ، ولكن من اجل ان لا يذاع هذا الخبر وينتشر ، ولكي يمكن بيع هذا الغلام الجميل في مصر ، اخفوه( وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً ) (٢) .

وبالطبع هناك احتمالات اخرى في تفسير هذه الجملة منها ان الذين عثروا على يوسف اسرّوه واخفوا خبره ، وقالوا : هذا متاع لأصحاب هذا الجبّ أودعوه عندنا لنبيعه في مصر.

ومنها ان احد اخوة يوسف كان بين الحين والحين يأتي الى الجبّ ليطلع على يوسف ويأتيه بالطعام وحين اطلع اخوة يوسف على ما جرى اخفوا علاقتهم الاخوية بيوسف وقالوا : هذا غلامنا فرّ من أيدينا واختفى هنا ، وهددوا يوسف بالموت إذ كشف الستار عن الحقيقة.

ولكن التّفسير الاوّل يبدو اقرب للنظر.

وتقول الآية في نهايتها :( وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ ) وبالرغم من اختلاف المفسّرين في من هم الذين شروا يوسف بثمن بخس ، وقول بعضهم : هم اخوة

__________________

(١) «الوارد» في الأصل من «الورود» وهو من يأتي بالماء ، ثمّ توسع استعمال الكلمة وأطلقت على كل ورود ودخول.

(٢) «البضاعة» في الأصل من مادة «بضع» على وزن «نذر» ومعناها : القطعة من اللحم ، ثمّ توسعوا في المعنى وأطلقوا هذا اللفظ على القطعة المهمّة ، من المال. والبضعة هي القطعة من الجسد ، وحسن البضع معناه : الإنسان المكتنز لحمه ، و «بضع» على وزن «حزب» معناه العدد من ثلاثة الى عشرة (راجع المفردات للراغب).

١٦٥

يوسف ، ولكن ظاهر الآيات هو من كان في القافلة ، وقد تمّ البحث عن اخوته في نهاية الآية التي سبقت هذه الآيات ، وجميع الضمائر في الجمل( فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ أَسَرُّوهُ بِضاعَةً ) تعود على من كان في القافلة.

هنا يبرز هذا السؤال وهو : لم باعوا يوسف الذي كان يعدّ ـ على الأقل ـ غلاما ذا قيمة بثمن قليل ، او كما عبّر عنه القرآن( وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ) ؟

ولكن هذا امر مألوف فإنّ السراق او أولئك الذين تأتيهم بضاعة مهمّة دون اي تعب ونصب يبيعونها سريعا لئلا يطلع الآخرون.

ومن الطبيعي انّهم لا يستطيعون بهذه الفورية ان يبيعوه بسعر غال.

و «البخس» في الأصل معناه تقليل قيمة الشيء ظلما ، ولذلك فإنّ القرآن يقول :( وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ ) (١) .

ثمّ انّ هناك اختلافا آخر بين المفسّرين في الثمن الذي بيع به يوسف ، وكيف قسّم بينهم؟ فقال البعض : عشرون درهما ، وقالت طائفة : اثنان وعشرون ، ومع ملاحظة انّ الباعة كانوا عشرين يتّضح سهم كل منهم ، وكم هو زهيد! وتقول الآية :( وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ) .

وفي الحقيقة انّ هذه الجملة في حكم بيان العلة للجملة المتقدمة ، وهي اشارة الى انّهم باعوا يوسف بثمن بخس ، لانّهم لم يرغبوا في هذه المعاملة ولم يعتنوا بها.

وهذا البيع البخس امّا لانّ اهل القافلة اشتروا يوسف بثمن بخس ، والإنسان إذا اشترى شيئا رخيصا باعه رخيصا عادة ، او انّهم كانوا يخافون ان يفتضح سرّهم ويجدون من يدّعيه ، او من جهة انّهم لم يجدوا في يوسف أثرا للغلام الذي يباع ويشترى ، بل وجدوا فيه آثار الحرّية واضحة في وجهه ، ومن هنا فلا البائعون كانوا راغبين ببيعه ولا المشترون كانوا راغبين بشرائه.

* * *

__________________

(١) هود ، ٨٥.

١٦٦

الآيتان

( وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢١) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢) )

التّفسير

في قصر عزيز مصر :

انتهت حكاية يوسف مع اخوته الذين القوه في غيابة الجبّ وبيّناها تفصيلا ، بدا فصل جديد من حياة هذا الغلام الحدث في مصر فقد جيء بيوسف الى مصر وعرض للبيع ، ولما كان تحفة نفيسة فقد صار من نصيب «عزيز مصر» الذي كان وزيرا لفرعون او رئيسا لوزرائه ، لانّه كان يستطيع ان يدفع قيمة أعلى لغلام ممتاز من جميع الجهات ، والآن لنر ما الذي حدث له في بيت عزيز مصر.

يقول القرآن الكريم في شأن يوسف :( وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ

١٦٧

أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ) (١) فلا ينبغي ان تنظري اليه كما ينظر الى العبيد.

يستفاد من سياق الآية انّ عزيز مصر لم يرزق ولدا وكان في غاية الشوق للولد ، وحين وقعت عيناه على هذا الصبيّ الجميل والسعيد تعلّق قلبه به ليكون مكان ولده.

ثمّ يضيف القرآن الكريم( وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ ) .

هذا «التمكين» في الأرض امّا ان يكون لمجيء يوسف الى مصر ، وخاصّة ان خطواته ، في محيط مصر مقدّمة لما سيكون عليه من الاقتدار والمكانة القصوى ، وامّا انّه لا قياس ، بين هذه الحياة في مصر «العزيز» وبين تلك الحياة في غيابة الجبّ والوحدة والوحشة. فأين تلك الشدّة من هذه النعمة والرفاه!

ويضيف القرآن ايضا( وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ ) .

المراد من «تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ » ـ كما أشرنا سابقا ـ هو علم تفسير الأحلام وتعبير الرؤيا حيث كان يوسف قادرا على ان يطلع على بعض اسرار المستقبل من خلاله ، او المراد منه الوحي لانّ يوسف مع عبوره من المضايق الصعبة والشدائد القاسية ونجاحه في الاختبارات الالهية في قصر عزيز مصر ، نال الجدارة بحمل الرسالة والوحي. ولكن الاحتمال الاوّل اقرب كما يبدو للنظر.

ثمّ يختتم القرآن هذه الآية بالقول :( وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) .

انّ واحدة من مظاهر قدرة الله العجيبة وهيمنته على الأمور كلها ان يدع ـ في كثير من الموارد ـ اسباب موفقية الإنسان ونجاحه بيد أعدائه كما حدث في مسألة يوسفعليه‌السلام ، فلو لا خطة اخوته لم يصل الى الجبّ ابدا ، ولو لم يصل الى الجبّ لما وصل الى مصر ، ولو لم يصل الى مصر لما ذهب الى السجن ولما كان

__________________

(١) «المثوى» من مادة (ثوى) ومعناه المقام ، ولكن معناه هنا الموقعية والمنزلة والمقام كذلك.

١٦٨

هناك اثر من رؤيا فرعون التي أصبح يوسف بسببها عزيز مصر! ففي الحقيقة ان الله اجلس يوسف على عرش الاقتدار بواسطة اخوته الذين تصوروا انّهم سيقضون عليه في تركهم ايّاه في غيابة الجبّ.

لقد واجه يوسف في هذا المحيط الجديد ، الذي يعدّ واحدا من المراكز السياسية المهمة في مصر مسائل مستحدثة فمن جهة كان يرى قصور الطغاة المدهشة وثرواتهم ومن جهة اخرى كانت تتجسد في ذهنه صورة أسواق النخاسين وبيع المماليك والعبيد ومن خلال الموازنة بين هاتين الصورتين كان يفكر في كيفية القضاء على هموم المستضعفين من الناس لو أصبح مقتدرا على ذلك!

اجل ، لقد تعلم الكثير من هذه الأشياء في هذا المحيط المفعم بالضوضاء ، وكان قلبه يفيض همّا لانّ الظروف لم تتهيأ له بعد. فاشتغل بتهذيب نفسه وبنائها ، يقول القرآن الكريم في هذا الصدد :( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) .

كلمة «اشدّ» مشتقّة من مادة «شدّ» وتعني فتل العقدة باستحكام وهي هنا اشارة الى الاستحكام الجسماني والروحاني.

قال بعضهم : انّ هذه الكلمة جمع لا مفرد لها ولكن البعض الآخر قال : انّها جمع (شدّ) على وزن (سدّ) ولكن معناها الجمعي غير قابل للإنكار على كل حال!

المراد من «الحكم» و «العلم» الواردين في الآية المتقدمة التي تقول :( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً ) امّا ان يكون مقام النبوّة كما ذهب الى ذلك بعض المفسّرين ، وامّا ان يكون المراد من الحكم العقل والفهم والقدرة على القضاء الصحيح الخالي من اتباع الهوى والاشتباه. والمراد من العلم الاطلاع الذي لا يقترن معه الجهل ، ومهما كان فإنّ الحكم والعلم موهبتان نادرتان وهبهما

١٦٩

الله ليوسف لتقواه وصبره وتوكله عليه ، وجميع هذه الصفات مجتمعة في كلمة «المحسنين».

قال بعض المفسّرين : هناك ثلاثة احتمالات لمعنى كلمتي (الحكم والعلم) الواردتين في الآية ، وهي :

١ ـ انّ الحكم اشارة الى مقام النبوة (لانّ النّبي حاكم على الحق) والعلم اشارة الى علم الدين.

٢ ـ ان الحكم يعني ضبط النفس إزاء الهوى والميول النفسيّة ، وهو هنا اشارة الى الحكمة العملية. والعلم اشارة الى العلم النظري وتقديم الحكم على العلم هنا لانّ الإنسان إذا لم يهذب نفسه ويبنيها بناء صحيحا لا يصل الى العلم الصحيح.

٣ ـ انّ الحكم معناه ان يبلغ الإنسان مقام «النفس المطمئنة» ويتسلّط على نفسه بحيث يستطيع ان يتملك زمام النفس الامّارة ووسوستها والمراد من العلم هو الأنوار القدسيّة واشعة الفيض الالهي الذي تنزل من عالم الملكوت على قلب الإنسان الطاهر(١) .

* * *

ملاحظات

١ ـ ما هو اسم «عزيز» مصر؟

ممّا يستجلب النظر في الآيات المتقدمة ان اسم عزيز مصر لم يذكر فيها ، انّما ورد التعبير عنه ب( الَّذِي اشْتَراهُ ) .

لكن من هو هذا العزيز؟! لم تذكره الآية ، كما سنرى في الآيات المقبلة ان عنوانه لم يصرّح به الّا بالتدريج ، فمثلا نقرا في الآية (٢٥) هذا النصّ( وَأَلْفَيا

__________________

(١) راجع التفسير الكبير للفخر الرازي ، ج ١٨ ، ص ١١١.

١٧٠

سَيِّدَها لَدَى الْبابِ ) .

وحين نتجاوز هذه الآيات ونصل الى الآية (٣٠) نواجه التعبير عن زوجته بـ «امْرَأَتُ الْعَزِيزِ ».

وهذا البيان التدريجي امّا لانّ القرآن يتحدث ـ حسب طريقته ـ بالمقدار اللازم ، وهذا دليل من ادلة الفصاحة والبلاغة ، او لأنّه ـ كما هو ملاحظ هذا اليوم في «نصوص الآداب» ايضا ـ حين يبدأ بالقصّة ـ يبدأ بها من نقطة غامضة ليتحرك الاحساس في الباحث ، وليلفت نظره نحو القصّة.

٢ ـ يوسفعليه‌السلام وتعبير الأحلام

الملاحظة الاخرى التي تثير السؤال في الآيات المتقدمة ، هي : ما علاقة الاطلاع على تفسير الأحلام وتأويل الأحاديث بمجيء يوسف الى قصر عزيز مصر الذي أشير اليه بلام الغاية في جملة( وَلِنُعَلِّمَهُ ) ؟!

لكن مع الالتفات الى انّ هذه النقطة يمكن ان تكون جوابا للسؤال الآنف الذكر ، وهي ان كثيرا من المواهب العلمية يهبها الله قبال التقوى من الذنوب ومقاومة الأهواء والميول النفسيّة ، او بتعبير آخر : انّ هذه المواهب التي هي ثمرة البصيرة القلبية الثاقبة ، هي جائزة الهية يهبها الله لمثل هؤلاء الأشخاص.

نقرا في حالات ابن سيرين مفسر الأحلام المشهور انّه كان رجلا بزازا وكان جميلا للغاية فعشقته امراة وتعلق قلبها به ، واستدرجته الى بيتها بأساليب وحيل خاصّة ، ثمّ غلّقت الأبواب عليه (لينال منها الحرام) لكنه لم يستسلم لهوى تلك المراة وأخذ ينصحها ويذكر مفاسد هذا الذنب العظيم ، ولكن نار الهوى كانت متأججة في قلبها بحيث لم يطفئها ماء الموعظة ، ففكر ابن سيرين في الخلاص من قبضتها ، فلوّث جسده بما كان في بيتها من اقذار تنفّر الرائي ، فلما رأته المراة نفرت منه وأخرجته من البيت.

١٧١

يقال انّ ابن سيرين أصبح ذكيّا بعد هذه الحادثة ورزق موهبة عظيمة في تفسير الأحلام ، وذكروا قصصا عجيبة عنه في الكتب التي تتناول تفسير الأحلام تدل على عمق اطلاعه في هذا المجال!

فعلى هذا يمكن ان يكون يوسفعليه‌السلام قد نال هذه الموهبة الخاصّة (العلم بتأويل الأحاديث) لتسلّطه على نفسه قبال اثارة امراة العزيز لهوى النفس!

ثمّ بعد هذا كله فإنّ قصور الملوك في ذلك الزمان كانت مراكز لمفسري الأحلام ، وانّ شابا ـ ذكيا كيوسف ـ كان يستطيع ان يستفيد من تجارب الآخرين ، وان يكون له استعداد روحي لافاضة العلم الالهي في هذا المجال!

وعلى كل حال فإنّه ليس مستبعدا ان يهب الله سبحانه لعباده المخلصين المنتصرين في ميادين «جهاد النفس للهوى والشّهوات» مواهب من المعارف والعلوم التي لا تقاس بأيّ معيار مادي ، ويمكن ان يكون الحديث المعروف «العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء» اشارة الى هذه الحقيقة.

هذا العلم ليس ممّا يقرا عند الأستاذ ، ولا يعطى لايّ كان وبدون حساب بل هو جائزة من الجوائز التي تمنح للمتسابقين في ميادين جهاد النفس!

٣ ـ المراد من قوله تعالى :( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ )

قلنا ان (اشدّ) معناه الاستحكام الجسماني والروحاني ، وبلوغ الرشد معناه الوصول الى هذه المرحلة ، ولكن هذا العنوان قد عبّر عنه القرآن الكريم في مراحل مختلفة من عمر الإنسان.

فتارة أطلقه على سنّ البلوغ كقوله تعالى :( وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) (١) .

وتارة يرد هذا المعنى في وصول الإنسان الى أربعين سنة ، كقوله تعالى :

__________________

(١) سورة الاسراء ، الآية ٣٤.

١٧٢

( حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ) (١) .

وتارة يراد به ما قبل مرحلة الشيخوخة والكبر ، كقوله تعالى :( ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً ) (٢) .

ولعل هذا التفاوت في التعبيرات آت من طيّ الإنسان مراحل مختلفة لاستحكام الروح والجسم ، ولا شكّ ان الوصول الى سنّ البلوغ واحد من هذه المراحل.

وبلوغ الأربعين الذي يكون تواما للنضج الفكري والعقلي مرحلة ثانية ، كما ان المرحلة الثّالثة تكون قبل ان يسير الإنسان نحو قوس النّزول ويبلغ الضعف والوهن!

وعلى كل حال فإنّ المقصود في الآية ـ محل البحث ـ هو مرحلة البلوغ الجسمي والروحي الذي ظهر في يوسف بداية شبابه ، يقول الفخر الرازي في تفسيره في هذا الصدد : «مدة دور القمر ثمانية وعشرون يوما وكسر ، فإذا جعلت هذه الدورة اربعة اقسام كان كل قسم منها سبعة ايام ، فلا جرم رتبوا احوال الأبدان على الأسابيع ، فالإنسان إذا ولد كان ضعيف الخلقة نحيف التركيب الى ان يتم له سبع سنين ، ثمّ إذا دخل في السبعة الثانية حصل فيه آثار الفهم والذكاء والقوّة ، ثمّ لا يزال في الترقي الى ان يتمّ له اربع عشرة سنة ، فإذا دخل في السنة الخامسة عشرة دخل في الأسبوع الثّالث وهناك يكمل العقل ويبلغ الى حد التكليف وتتحرك فيه الشهودة ، ثمّ لا يزال يرتقي على هذه الحالة الى ان يتم السنة الحادية والعشرين وهناك يتم الأسبوع الثّالث ، ويدخل في السنة الثّانية والعشرين وهذا الأسبوع آخر أسبوع النشوء والنماء ، فإذا تمّت السنة الثّامنة والعشرون فقد تمّت مدّة النشوء والنماء وينتقل الإنسان منه الى زمان الوقوف ،

__________________

(١) سورة الأحقاف ، الآية ١٥.

(٢) سورة غافر ، ٦٧.

١٧٣

وهو الزمان الذي يبلغ الإنسان فيه اشدّه ، وبتمام هذا الأسبوع الخامس ـ يحصل للإنسان خمسة وثلاثون سنة ثمّ انّ هذه المراتب مختلفة في الزيادة والنقصان ، فهذا الأسبوع الخامس الذي هو أسبوع الشدّة والكمال يبتدئ من السنة التّاسعة والعشرين الى الثّالثة والثّلاثين ، وقد يمتّد الى الخامسة والثّلاثين ، فهذا هو الطريق المعقول في هذا الباب ، والله اعلم بحقائق الأشياء»(١) .

التقسيم المتقدّم وان كان مقبولا الى حدّ ما لكنّه يبدو غير دقيق ، لانّ مرحلة البلوغ اوّلا ليست في انتهاء العقد الثاني ، وكذلك فإن التكامل الجسماني ـ طبقا لما يقول علماء اليوم ـ هو ٢٥ سنة والبلوغ الفكري الكامل أربعون سنة طبقا لبعض الرّوايات ، وبعد هذا كله فإنّ ما ورد آنفا لا يصحّ ان يكون قانونا عامّا ليصدق على جميع الأشخاص.

٤ ـ وآخر ما ينبغي الالتفات اليه هنا هو ان القرآن بعد ان يتحدث عن إتيان يوسف الحكم والعلم يعقب بالقول :( وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) ومعنى ذلك ان مواهب الله ـ حتى للأنبياء ـ ليست اعتباطا ، وكل ينال بمقدار إحسانه ويغرف من بحر الله وفيضه اللامحدود كما نال يوسف سهما وافرا من ذلك بصبره واستقامته امام كل تلك المشاكل.

* * *

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، ج ١٨ ، ص ١١١.

١٧٤

الآيتان

( وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤) )

التّفسير

العشق الملتهب :

لم يأسر جمال يوسف الملكوتي عزيز مصر فحسب ، بل أسر قلب امراة العزيز كذلك وأصبح متيّما بجماله!.

وامتدّت مخالب العشق الى اعماق قلبها ، وبمرور الزمن كان هذا العشق يتجذّر يوما بعد يوم ويزداد اشتعالا لكنّ يوسف هذا الشابّ الطاهر التقي ، لم يفكّر بغير الله ، ولم يتعلّق قلبه بغير عشق الله سبحانه.

وهناك امور اخرى زادت من عشق امراة العزيز ليوسف فمن جهة لم ترزق الولد ، ومن جهة اخرى انغمارها في حياة مترفة مفعمة بالبذخ ومن جهة

١٧٥

ثالثة عدم ابتلائها بأيّ نوع من البلاء كما هي حال المتنعّمين ، وعدم الرقابة الشديدة على هذا القصر من قبل العزيز من جهة رابعة كلّ ذلك ترك امراة العزيز ـ الفارغة من الايمان والتقوى ـ تهوي في وساوسها الشيطانية الى الحضيض ، بحيث أفضت ليوسف أخيرا عمّا في قلبها وراودته عن نفسه.

واتّبعت جميع الاساليب والطرق للوصول الى هدفها ، وسعت لكي تلقي في قلبه أثرا من هواها وترغيبها وطلبها ، كما يقول عن ذلك القرآن الكريم :( وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها ) .

وجملة «راودته» مأخوذة من مادّة «المراودة» وأصلها البحث عن المرتع والمرعى ، وما ورد في المثل المعروف «الرائد لا يكذب اهله» اشارة الى هذا المعنى ، كما يطلق «المرود» على وزن (منبر) على قلم الكحل الذي تكحل به العين ، ثمّ توسّعوا في هذا اللفظ فأطلق على كلّ ما يطلب بالمداراة والملاءمة.

وهذا التعبير يشير الى انّ امراة العزيز طلبت من يوسف ان ينال منها بطريق المسالمة والمساومة ـ كما يصطلح عليه ـ وبدون اي تهديد ، وأبدت محبّتها القصوى له بمنتهى اللين.

وأخيرا فكّرت في ان تخلو به وتوفّر له جميع ما يثير غريزته ، من ثياب فضفاضة ، وعطور عبقة شذيّة ، وتجميلات مرغبة ، حتّى تستولي على يوسف وتأسره!.

يقول القرآن الكريم :( وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ ) .

«غلّقت» تدلّ على المبالغة وانّها أحكمت غلق الأبواب ، وهذا يعني انّها سحبت يوسف الى مكان من القصر المتشكّل من غرف متداخلة وكما ورد في بعض الرّوايات كانت سبعة أبواب ، فغلقتها عليه جميعا لئلّا يجد يوسف اي طريق للفرار اضافة الى ذلك أرادت ان تشعر يوسف ان لا يقلق لانتشار الخبر فإنّه سوف لا يفتضح ، حيث لا يستطيع احد ان ينفذ الى داخل القصر ابدا.

١٧٦

وفي هذه الحال ، حين راى يوسف انّ هذه الأمور تجري نحو الإثم ، ولم ير طريقا لخلاصه منها ، توجّه يوسف الى زليخا و( قالَ مَعاذَ اللهِ ) وبهذا الكلام رفض يوسف طلب امراة العزيز غير المشروع وأعلمها انّه لن يستسلم لارادتها. وافهمها ضمنا ـ كما افهم كلّ انسان ـ انّه في مثل هذه الظروف الصعبة لا سبيل الى النجاة من وساوس الشيطان واغراءاته الّا بالالتجاء الى الله الله الذي لا فرق عنده بين السرّ والعلن ، بين الخلوة والاجتماع ، فهو مطّلع ومهيمن على كلّ شيء ، ولا شيء الّا وهو طوع امره وارادته!

وبهذه الجملة اعترف يوسف بوحدانية الله تعالى من الناحية النظرية ، وكذلك من الناحية العملية ايضا ، ثمّ أضاف( إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ ) أليس التجاوز ظلما وخيانة واضحة( إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) .

المراد من كلمة «ربّي»

هناك اقوال كثيرة بين المفسّرين في المراد من قوله :( إِنَّهُ رَبِّي ) فأكثر المفسّرين ، كالعلّامة الطبرسي في مجمع البيان وكاتب المنار في تفسير المنار وغيرهما ، قالوا : انّ كلمة «ربّ» هنا استعملت في معناها الواسع ، وقالوا : انّ المراد من كلمة «ربّ» هنا هو «عزيز مصر» الذي لم يأل جهدا في إكرام يوسف ، وكان يوصي امرأته من البداية بالاهتمام به وقال لها :( أَكْرِمِي مَثْواهُ ) .

ومن يظنّ انّ هذه الكلمة لم تستعمل بهذا المعنى فهو مخطئ تماما ، لانّ كلمة «ربّ» في هذه السورة أطلقت عدّة مرّات على غير الله سبحانه. وأحيانا ورد هذا الاستعمال على لسان يوسف نفسه ، وأحيانا على لسان غيره!

فمثلا في قصّة تعبير الرؤيا للسجناء ، طلب يوسف من الذي بشّره بالنجاة ان يذكر حاله عند ملك مصر( وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ) (الآية ٤٢).

١٧٧

كما نلاحظ هذا الاستعمال على لسان يوسف ـ أيضا ـ حين جاءه مبعوث فرعون مصر ، إذ يقول القرآن الكريم في هذا الصدد :( فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ ) (الآية ٥٠).

وفي الآية (٤١) من هذه السورة ، وذيل الآية (٤٢) أطلقت كلمة «ربّ» في لسان القرآن الكريم بمعنى المالك وصاحب النعمة. فعلى هذا تلاحظون انّ كلمة «ربّ» استعملت ٤ مرّات ـ سوى الآية محلّ البحث ـ في غير الله ، وإن كانت قد استعملت في هذه السورة وفي سور اخرى من القرآن في خصوص ربّ العالمين (الله) مرارا.

فالحاصل انّ هذه الكلمة من المشترك اللفظي وهي تستعمل في المعنيين.

ولكن رجّح بعض المفسّرين ان تكون كلمة «ربّ» في هذه الآية( إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ ) يقصد بها الله لانّها جاءت بعد كلمة( مَعاذَ اللهِ ) مباشرة ، وكونها الى جنب لفظ الجلالة صار سببا لعود الضمير في( إِنَّهُ رَبِّي ) عليه فيكون معنى الآية : انّني ألتجئ الى الله وأعوذ به فهو الهي الذي اكرمني وعظم مقامي وكلّ ما عندي من النعم فهو منه.

ولكن مع ملاحظة وصية عزيز مصر لامراته( أَكْرِمِي مَثْواهُ ) وتكرارها في الآية ـ محل البحث ـ يكون المعنى الاوّل اقرب وأقوى.

جاء في التوراة الفصل ٣٩ رقم ٨ و ٩ و ١٠ ما مؤدّاه : «وبعد هذا وقعت المقدّمات ، انّ امراة سيّده القت نظرتها على يوسف وقالت : اضطجع معي ، لكنّه ابى وقال لامراة سيّده : انّه سيّدي غير عارف بما معي في البيت ، وكلّ ما يملك مودع عندي ، ولا أجد اكبر منّي في هذا البيت ، ولم يزاحمني شيء سواك لانّك امرأته ، فكيف اقدم على هذا العمل القبيح جدّا ، واتجرّا في الذنب على الله». فهذه الجمل في التوراة تؤيّد المعنى الاوّل.

وهنا يبلغ امر يوسف وامراة العزيز الى ادقّ مرحلة واخطرها ، حيث يعبّر

١٧٨

القرآن عنه تعبيرا ذا مغزى كبير( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ ) .

وفي معنى هذه الجملة اقوال بين المفسّرين يمكن تصنيفها واجمالها الى ثلاثة تفاسير :

١ ـ انّ امراة العزيز كانت تريد ان تقضي وطرا مع يوسف ، وبذلت وسعها في ذلك ، وكاد يوسف يستجيب لرغبتها بطبيعة كونه بشرا شابّا لم يتزوّج ويرى نفسه إزاء المثيرات الجنسيّة وجها لوجه لو لا ان راى برهان الله اي روح الايمان والتقوى وتربية النفس ، أضف الى كلّ ذلك مقام العصمة الذي كان حائلا دون هذا العمل!

فعلى هذا يكون الفرق بين معاني «همّ» اي القصد من امراة العزيز ، والقصد من قبل يوسف ، هو انّ يوسف كان يتوقّف قصده على شرط لم يتحقّق ، اي (عدم وجود برهان ربّه) ولكن القصد من امراة العزيز كان مطلقا ، ولانّها لم يكن لديها مثل هذا المقام من التقوى والعفّة ، فإنّها صمّمت على هذا القصد حتّى آخر مرحلة ، والى ان اصطدمت جبهتها بالصخرة الصمّاء!

ونظير هذا التعبير موجود في الآداب العربيّة وغيرها كما نقول مثلا : انّ جماعة لا ترتبط بقيم أخلاقية ولا ذمّة صمّمت على الاغارة على مزرعة فلان ونهب خيراته ، ولولا انّي تربّيت سنين طوالا عند استاذي العارف الزاهد فلان ، لاقدمت على هذا العمل معهم.

فعلى هذا كان تصميم يوسف مشروطا بشرط لم يتحقّق ، وهذا الأمر لا منافاة له مع مقام يوسف من العصمة والتقوى ، بل يؤكّد له هذا المقام العظيم كذلك.

وطبقا لهذا التّفسير لم يبد من يوسف اي شيء يدلّ على التصميم على الذنب ، بل لم يكن في قلبه حتّى هذا التصميم.

ومن هنا فيمكن القول انّ بعض الرّوايات التي تزعم انّ يوسف كان مهيّئا

١٧٩

لينال وطرا من امراة العزيز ، وخلع ثيابه عن بدنه ، وذكرت تعبيرات اخرى نستحيي من ذكرها ، كلّ هذه الأمور عارية من الصحّة ومختلقة ، وهذه اعمال من شأن الافراد والمنحرفين الملوّثين غير الانقياء. فكيف يمكن ان يتّهم يوسف مع هذه المنزلة وقداسة روحه ومقام تقواه بمثل هذا الاتّهام.

الطريف انّ التّفسير الاوّل نقل عن الامام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام في عبارة موجزة جدّا وقصيرة ، حيث يسأله المأمون «الخليفة العبّاسي» قائلا : الا تقولون انّ الأنبياء معصومون؟ فقال الامام : «بلى». فقال : فما تفسير هذه الآية( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ ) فقال الامامعليه‌السلام : «لقد همّت به ، ولولا ان راى برهان ربّه لهمّ بها كما همّت ، لكنّه كان معصوما والمعصوم لا يهمّ بذنب ولا يأتيه» فقال المأمون : لله درّك يا أبا الحسن(١) .

٢ ـ انّ تصميم كلّ من امراة العزيز ويوسف لا علاقة له بالوطر الجنسي ، بل كان تصميما على ضرب أحدهما الآخر

فتصميم امراة العزيز على هذا العمل كان لعدم انتصارها في عشقها وبروز روح الانتقام فيها ثأرا لهذا العشق.

وتصميم يوسف كان دفاعا عن نفسه ، وعدم التسليم لطلب تلك المراة.

ومن جملة القرائن التي تذكر في هذا الموضوع :

اوّلا : انّ امراة العزيز كانت قد صمّمت على نيل الوطر الجنسي قبل هذه الحالة ، وكانت قد هيّأت مقدّمات هذا الأمر ، فلا مجال ـ اذن ـ لان يقول القرآن : انّها صمّمت على هذا العمل الآن ، لانّ هذه الساعة لم تكن ساعة تصميم.

وثانيا : انّ ظهور حالة الخشونة والانتقام بعد هذه الهزيمة امر طبيعي ، لانّها بذلت ما في وسعها لاقناع يوسف ، ولمّا لم توفّق الى ما رغبت فيه توسلّت بطريق آخر ، وهو طريق الخشونة والضرب.

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ج ٢ ص ٤٢١.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

امرأته ، فلما صار في النوم وضعت رأسه على الأرض و قامت ، فانتبه المأمون و غضب لذلك فقالت : إنّ أبي أدّبني بأن لا أقعد عند نائم و لا أنام عند قاعد .

قول المصنف ( و هذه من الاستعارات العجيبة ، كأنّه شبّه السّه بالوعاء و العين بالوكاء ، فإذا اطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء ، و هذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ) فروى أبو داود في سننه في آخر باب الوضوء من النوم عن حيوة بن شريح الحمصي ، في آخرين عن بقية عن الوضين بن عطا عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ عن عليعليه‌السلام قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وكاء السّه العينان فمن نام فليتوضأ(١) .

( و قد رواه قوم لأمير المؤمنينعليه‌السلام و ذكر ذلك المبرد محمد بن يزيد ) قال الحموي : لقب محمد بن يزيد بالمبرد لأنّه لمّا صنّف المازني كتاب الألف و اللام سأله عن دقيقه و عويصه ، فأجابه بأحسن جواب ، فقال له المازني : قم فأنت المبرّد بكسر الراء أي : المثبت للحق ، فحرفه الكوفيون و فتحوا الراء ، و كان متّهما بالوضع في اللغة و أرادوا امتحانه ، فسألوه عن القبعض فقال هو القطن و أنشد

« كأنّ سنامها حشي القبعضا »

فقالوا : إن كان صحيحا فهو عجيب و إن كان مختلقا فهو أعجب(٢) .

( في كتاب المقتضب في باب اللفظ بالحروف ) في كشف الظنون المقتضب في الخطب للمبرد شرحه الرماني و علق على مشكلات أوائله الفارقي .

( و قد تكلمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم بمجازات الآثار النبوية ) قال ثمة كأنّهعليه‌السلام شبّه السته بالوعاء و العين بالوكاء ، فإذا نامت العين

____________________

( ١ ) سنن أبي داود ١ : ٥٢ ح ٢٣ اسند إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام .

( ٢ ) معجم الأدباء للحموي ١٠ : ١١٢ ١١٣ .

٥٠١

انحلّ صرار السته كما أنّه إذا زال الوكاء وسع بما فيه الوعاء ، الا أن حفظ العين للسته على خلاف حفظ الوكاء للوعاء ، فان العين إذا أشرجت لم تحفظ سيتها و الأوكية إذا حللت لم تضبط أوعيتها(١) .

٣٦ الخطبة ( ٧٩ ) و قالعليه‌السلام :

أَيُّهَا اَلنَّاسُ اَلزَّهَادَةُ قِصَرُ اَلْأَمَلِ وَ اَلشُّكْرُ عِنْدَ اَلنِّعَمِ وَ اَلوَرَعُ عِنْدَ اَلْمَحَارِمِ فَإِنْ عَزَبَ ذَلِكَ عَنْكُمْ فَلاَ يَغْلِبِ اَلْحَرَامُ صَبْرَكُمْ وَ لاَ تَنْسَوْا عِنْدَ اَلنِّعَمِ شُكْرَكُمْ فَقَدْ أَعْذَرَ اَللَّهُ إِلَيْكُمْ بِحُجَجٍ مُسْفِرَةٍ ظَاهِرَةٍ وَ كُتُبٍ بَارِزَةِ اَلْعُذْرِ وَاضِحَةٍ « أيها الناس إلى عند المحارم » جعلعليه‌السلام الزهد عبارة عن ثلاثة أمور :

قصر الأمل ، و شكر النعم ، و الورع عند المحارم .

أمّا الأول فقالوا : جمع اللَّه تعالى الزهد في كلمتين(٢) :( لكيلا تأسوا على ما فاتَكم و لا تَفرَحوا بِمآ آتاكم ) (٣) و لا يحصل الحالان إلاّ بقصر الأمل .

و أما الثاني : فلأن من زهد في الدّنيا هان عليه الإنفاق ممّا أنعم اللَّه عليه من المال شكرا .

و قال الصادقعليه‌السلام إنّ اللَّه أنعم على قوم بالمواهب فلم يشكروا فصارت عليهم وبالا ، و ابتلى قوما بالمصائب فصبروا فصارت عليهم نعمة(٤) .

و اما الثالث فسئل الصادقعليه‌السلام عن الزاهد في الدنيا فقال : الذي يترك

____________________

( ١ ) المجازات النبوية : ١٧٨ .

( ٢ ) من حديث للإمام الصادقعليه‌السلام ، بحار الأنوار ٧٨ : ٧٠ بتصرف .

( ٣ ) الحديد : ٢٣ .

( ٤ ) تحف العقول : ٢٦٧ .

٥٠٢

حلالها مخافة حسابه و يترك حرامها مخافة عقابه(١) .

« فإن عزب » أي : بعد و غاب .

« ذلك » الذي ذكر من الأمور الثلاثة .

« عنكم » فلا بدّ لكم من رعاية الثاني ، و الثالث شكر النعم و الورع عن المحارم ، و أشار إلى الورع بقوله .

« فلا يغلب الحرام صبركم » لأنّه ورد أنّه يؤتى يوم القيامة بأعمال قوم كالجبال فتصير هباء منثورا لغلبة الحرام على صبرهم .

و أشار إلى الشكر بقوله :

« و لا تنسوا عند النعم شكركم » فإنّ شكر المنعم واجب عقلي و قال تعالى :

( و لئن كفرتم إنّ عذابي لشديد ) (٢) .

« فقد أعذر اللَّه عليكم بحجج مسفرة » أي : مشرقة مضيئة( لئلاّ يكون لِلنَّاس على اللَّهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُل ) (٣) .

« و كتب بارزة العذر واضحة » إلى نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله و إلى أنبياء قبله .

٣٧ الحكمة ( ٤٢ ) و قالعليه‌السلام : لبعض أصحابه :

جَعَلَ اَللَّهُ مَا كَانَ مِنْ شَكْوَاكَ حَطّاً لِسَيِّئَاتِكَ فَإِنَّ اَلْمَرَضَ لاَ أَجْرَ فِيهِ وَ لَكِنَّهُ يَحُطُّ اَلسَّيِّئَاتِ وَ يَحُتُّهَا حَتَّ اَلْأَوْرَاقِ وَ إِنَّمَا اَلْأَجْرُ فِي اَلْقَوْلِ بِاللِّسَانِ وَ اَلْعَمَلِ بِالْأَيْدِي وَ اَلْأَقْدَامِ وَ إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ

____________________

( ١ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٠ : ٣١١ .

( ٢ ) إبراهيم : ٧ .

( ٣ ) النساء : ١٦٥ .

٥٠٣

اَلنِّيَّةِ وَ اَلسَّرِيرَةِ اَلصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ اَلْجَنَّةَ قول المصنّف : ( و قالعليه‌السلام لبعض أصحابه ) :

هو صالح بن سليم بن سلامان بن طي ( في علة اعتلها ) فلم يشهد معه صفّين لمرضه ، فقالعليه‌السلام ما نقل(١) المصنف له لمّا رجع من صفّين في طريقه .

ففي ( صفّين نصر بن مزاحم ) : قال عبد الرحمن بن جندب : لمّا أقبل عليّعليه‌السلام من صفّين أقبلنا معه إلى أن قال حتى جزنا النخيلة و رأينا بيوت الكوفة ، فإذا نحن بشيخ جالس في ظلّ بيت على وجهه أثر المرض ، فأقبل إليه عليّعليه‌السلام و نحن معه ، فقال له : مالي أرى وجهك منكفتا ؟ أمن مرض ؟ قال : نعم .

قال : فلعلك كرهته فقال : ما أحبّ أن يعتري قال : أليس احتساب بالخير في ما أصابك منه ؟ قال : بلى قال : أبشر برحمة ربّك و غفران ذنبك ، من أنت يا عبد اللَّه ؟ قال : أنا صالح بن سليم قال : ممّن ؟ قال : أمّا الأصل فمن سلامان بن طي ، و أمّا الجوار و الدعوة فمن بني سليم بن منصور قال : سبحان اللَّه ما أحسن اسمك و اسم أبيك و اسم من اعتزيت إليه ، هل شهدت معنا غزاتنا هذه ؟ قال : لا و اللَّه ما شهدتها و لقد أردتها و لكن ما ترى بي من لحب الحمّى خذلني عنها .

قالعليه‌السلام : ليسَ على الضُعَفاءِ و لاَ عَلى المَرضَى و لا على الذين لا يَجدُونَ ما يُنفقُون حرجٌ( إِذا نَصَحوا للَّه و رسوله ما على المحسنين من سبيلٍ و اللَّه غفورٌ رحيم ) (٢) أخبرني ما يقول الناس فيما كان بيننا و بين أهل الشام ؟ قال : منهم المسرور فيما كان بينك و بينهم و اولئك أغبياء الناس ، و منهم المكبوت الأسف لمّا كان من ذلك و اولئك نصحاء الناس لك ، و ذهب لينصرف فقالعليه‌السلام له : صدقت جعل اللَّه ما كان من شكواك حطّا لسيّئاتك ، فإنّ المرض لا أجر فيه

____________________

( ١ ) النهج ، الحكمة : ٤٢ .

( ٢ ) التوبة : ٩١ .

٥٠٤

و لكن لا يدع للعبد ذنبا إلاّ حطّه ، إنّما الأجر في القول باللّسان و العمل باليد و الرجل ، و إنّ اللَّه عز و جل يدخل بصدق النيّة و السريرة الصالحة من عباده الجنّة(١) .

« جعل اللَّه ما كان من شكواك حطّا لسيّئاتك » في الخبر عاد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سلمان في علته فقال : إنّ لك فيها ثلاث خصال : أنت من اللَّه تعالى بذكر ، و دعاؤك فيه مستجاب ، و لا تدع العلّة عليك ذنبا إلاّ حطّته(٢) .

و في الخبر : حمّى ليلة كفّارة سنة لأنّه يبقى أثرها إلى سنة(٣) .

و في ( الطرائف ) : برى‏ء الفضل بن سهل من علّة فقال : إنّ في المرض لنعما لا ينبغي للعقلاء أن يجحدوها ، منها تمحيص للذنوب و تعرّض للثواب و الصبر و إيقاظ من الغفلة و ادكار للنعمة الموجودة في الصحة و رضا بما قدر اللَّه و قضائه و استدعاء للتوبة و حضّ على الصدقة(٤) .

« فإنّ المرض لا أجر فيه و لكنه يحط السيئات و يحتها حت الأوراق » يقال : حت الدم عن الثوب و حت الورق عن الشجر .

و في ( أدب كاتب الصولي ) لبعضهم تشبيها بمقط القلم لاصلاحه :

فإن تكن الحطوب فرين مني

أديما لم يكن قدما يعط

فإنّ كرائم الأقلام تحفى

فيصلح من تشعثها المقط(٥)

هذا ، و في ( تاريخ بغداد ) اعتل الحسن بن وهب من حمّى نافض و صالب و طاولته فكتب إليه أبو تمّام :

____________________

( ١ ) صفّين لنصر بن مزاحم : ٥٢٨ ، و نقله المجلسي في بحار الأنوار ٣٢ : ٥٥١ .

( ٢ ) ذكره الصدوق في الخصال : ١٧١ ( ١٩٥ ) و المجلسي في البحار ٧٧ : ٦٢ رواية ٣ و ٨١ : ١٨٥ رواية ٣٧ .

( ٣ ) نسبه الطوسي في أماليه إلى الرسول الأكرم صلّى اللَّه عليه و آله ، الأمالي : ٦٤١ ح ١ .

( ٤ ) الظرائف للمقدّسي : ١٤٣ .

( ٥ ) أدب الكتاب للصولي : ١١ .

٥٠٥

ليت حمّاك فيّ و كان لك الأجر

فلا تشتكي و كنت المريضا(١)

( و فيه ) : إعتل الفضل بن سهل ذو الرياستين بخراسان ثم برى‏ء فجلس للناس فهنّأوه بالعافية و تصرّفوا في الكلام ، فلمّا فرغوا أقبل على الناس فقال :

إنّ في العلل لنعما ينبغي للعقلاء أن يعلموها : تمحيص للذنوب ، و تعرّض لثواب الصبر ، و إيقاظ من الغفلة ، و ادكار للنعمة في حال الصحة ، و استدعاء للتوبة ، و حضّ على الصدقة ، و في قضاء اللَّه و قدره بعدم الخيار فنسي الناس ما تكلّموا به و انصرفوا بكلام الفضل(٢) .

« و إنّما الأجر في القول باللّسان و العمل بالأيدي و الأقدام » و المرض ليس منهما فليس فيه أجر ، و أمّا قوله( ذلك بأنّهم لا يصيبُهم ظمأ و لاَ نَصبُ و لا مخمصة في سبيل اللَّه و لا يطَؤُنَ موطئا يغيظ الكفّار و لا ينالُونَ من عَدُوّ نيلاً إِلاّ كُتب لهُم به عمل صالح إِن اللَّه لا يُضيعُ أجرَ المُحسِنينَ و لا يُنفِقونَ نَفَقَةً صغيرةً و لا كبيرةً و لا يقطَعُون وادياً إِلاّ كتب لَهُم ليَجزِيَهُمُ اللَّهُ أَحسَن ما كانوا يَعمَلُون ) (٣) في جعل إصابتهم الجوع و العطش و التعب و هي ليست من أعمال الجوارح مثل وطى‏ء الأقدام في غيظ الكفار و النيل منهم و الإنفاق و قطع الوادي في الجهاد و نحوها ممّا هو العمل بالأيدي و الأقدام ، فلا ينافي كلامهعليه‌السلام لأنّ ما ذكر أوّلا مسبّب عن أعمال الجوارح ، فإنّ الجوع و العطش و التعب كانت بواسطة الجهاد .

« و ان اللَّه سبحانه يدخل بصدق النيّة و السريرة الصالحة من يشاء من عباده الجنّة » الظاهر كون الكلام استدراكا من قولهعليه‌السلام السابق « و انما الأجر . » ،

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ٨ : ٢٥٢ ، لم نعثر على البيت الشعري في ديوان أبي تمام .

( ٢ ) تاريخ بغداد ١٢ : ٣٤٢ .

( ٣ ) التوبة : ١٢٠ ١٢١ .

٥٠٦

بمعنى أن النيّة و إن لم تكن عمل الجوارح إلاّ أنّها لمّا كانت سببا لأعمال الجوارح كانت أيضا موجبا للأجر إن كانت صالحة ، و للوزر إن كانت فاسدة .

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « نيّة المؤمن خير من عمله و نيّة الكافر شرّ من عمله »(١) ، و قال تعالى .( إِن السَمعَ و البَصَرَ و الفؤاد كُل اُولئكَ كان عنه مسؤولاً ) (٢) .

و قال الصادقعليه‌السلام : إنّما خلّد أهل النّار في النّار لأنّ نياتهم في الدّنيا ان لو خلّدوا فيها أن يعصوا اللَّه أبدا ، و إنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة لأنّ نيّاتهم أن لو بقوا في الدّنيا أن يطيعوا اللَّه أبدا ، فبالنيّات خلّد هؤلاء و هؤلاء ثم تلا قوله تعالى قُل كُلٌ يعمَلُ على شاكِلَتِه(٣) .

و في ( الكافي ) : و إن المؤمن الفقير يقول : ربّ ارزقني حتى أفعل كذا و كذا من البرّ ، فإذا علم تعالى ذلك منه بصدق نيّة كتب له من الأجر مثل ما لو عمله ، إنّ اللَّه واسع كريم(٤) .

هذا ، و قالعليه‌السلام بصدق النيّة ، لأنّه ليست كلّ نيّة صادقة ، فقد قال تعالى( و منهم من عاهدَ اللَّه لئن آتانا من فَضلِهِ لنَصَّدَّقَنَّ و لنكُوننَّ من الصالحين فَلما آتاهُم من فَضلِهِ بَخِلُوا بهِ و تَولَّوا و هُم مُعرِضون فأَعقَبَهُم نفاقاً في قلوبهم إِلى يوم يلقونه بما أخلفوا اللَّه ما و عدُوه و بما كانوا يكذِبُونَ ) (٥) .

و قال الصادقعليه‌السلام في صدق النية : عند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر ، تصفية العمل أشدّ من العمل ، تخليص النيّة من الفساد أشد على العالمين

____________________

( ١ ) علل الشرائع للصدوق ٢ : ٤٠٣ حديث ٤ .

( ٢ ) الاسراء : ٣٦ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٨٥ ح ٥ ، و ذكره الصدوق في علل الشرائع ٢ : ٥٢٣ ح ١ ، و الآية ٨٤ من سورة الاسراء .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٨٥ ح ٣ ، و ذكره البرقي في المحاسن : ٢٦١ .

( ٥ ) التوبة : ٧٥ ٧٧ .

٥٠٧

من طول الجهاد(١) .

( قال الرضي : و أقول : صدقعليه‌السلام ، إنّ المرض لا أجر فيه لأنّه ليس من قبيل ما يستحق عليه العوض ، لأن العوض يستحق على ما كان في مقابلة فعل اللَّه تعالى بالعبد من الآلام و الأمراض و ما يجري مجرى ذلك ، و الأجر و الثواب يستحقان على ما كان في مقابلة فعل العبد ، فبينهما فرق قد بيّنه كما يقتضيه علمه الثاقب و رأيه الصائب ) و قد قالعليه‌السلام في المرض يصيب الصبي : إنّه كفارة لوالديه ، و ورد أنّ النّوم الموحش كفّارة(٢) .

٣٨ الحكمة ( ٤٧ ) و قالعليه‌السلام :

قَدْرُ اَلرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِهِ وَ صِدْقُهُ عَلَى قَدْرِ مُرُوءَتِهِ وَ شَجَاعَتُهُ عَلَى قَدْرِ أَنَفَتِهِ وَ عِفَّتُهُ عَلَى قَدْرِ غَيْرَتِهِ « قدر الرجل على قدر همّته » في ( تاريخ بغداد ) غلب عبد اللَّه بن طاهر على الشام و وهب له المأمون ما وصل إليه من الأموال هنا لك ، ففرّقه على القوّاد ثم وقف على باب مصر فقال : أخزى اللَّه فرعون ما كان أخسّه و أدنى همّته ، ملك هذه القرية فقال( أنا ربُّكم الأعلى ) (٣) و اللَّه لا دخلتها(٤) .

و في ( المعجم ) قال الصاحب بن عباد :

و قائلة : لم عرتك الهموم

و أمرك ممتثل في الامم

____________________

( ١ ) الروضة من الكافي للكليني : ٢ ح ١ .

( ٢ ) بحار الأنوار عن الإمام عليعليه‌السلام ٥ : ٣١٧ و عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ٨١ : ١٩٧ رواية ٥٤ .

( ٣ ) النازعات : ٢٤ .

( ٤ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٩ : ٤٨٣ ، ترجمة عبد اللَّه بن طاهر ( ٥٠١٤ ) .

٥٠٨

فقلت دعيني و ما قد عرى(١)

فإنّ الهموم بقدر الهمم(٢)

و في ( الكامل ) : سافر كعب بن مامة الأيادي مع رجل من بني النمر بن قاسط ، فقلّ الماء فتصافناه و التصافن أن يطرح حجر في الاناء ثم يصبّ فيه من الماء ما يغمره لئلا يتغابنوا ، فجعل النمري يشرب نصيبه فإذا أخذ كعب نصيبه قال : اسق أخاك النمري فيؤثره ، حتى جهد كعب و رفعت له أعلام الماء ، فقيل له رد كعب و لا ورود به فمات عطشا .

و وفد أوس بن حارثة بن لام الطائي و حاتم الطائي على عمرو بن هند ملك الحيرة ، فدعا أوسا فقال له : أنت أفضل أم حاتم ؟ فقال له : أبيت اللعن ، لو ملكني حاتم و ولدي و لحمتي لوهبنا في غداة واحدة ، ثم دعا حاتما فقال له :

أنت أفضل أم أوس ؟ فقال : أبيت اللعن إنّما ذكّرت بأوس ، و لأحد ولده أفضل منّي .

و كان النعمان بن المنذر دعا بحلة و عنده وفود العرب من كلّ حي فقال :

احضروني في غد فانّي ملبس هذه الحلة أكرمكم ، فحضر القوم جميعا إلاّ أوسا ، فقيل له لم تخلفت ؟ فقال : إن كان المراد غيري فأجمل الأشياء بي ألاّ أكون حاضرا ، و إن كنت أنا المراد فسأطلب و يعرف مكاني ، فلما جلس النعمان لم ير أوسا فقال : إذهبوا إلى أوس فقولوا له : إحضر آمنا ممّا خفت ، فحضر فلبس الحلة فحسده قوم من أهله فقالوا للحطيئة : اهجه و لك ثلاثمائة ناقة فقال : كيف أهجو رجلا لا أرى في بيتي أثاثا و لا مالا إلاّ من عنده ، ثم قال :

كيف الهجاء و ما تنفكّ صالحة

من آل لأم(٣) بظهر الغيب تأتيني(٤)

____________________

( ١ ) ورد في الديوان بلفظ : « فقلت ذريني على غصتي »

( ٢ ) ديوان الصاحب بن عباد : ٢٨٠ .

( ٣ ) نسخة التحقيق « إذا ذكرت » .

( ٤ ) ديوان الحطيئة : ١٧٤ .

٥٠٩

فقال لهم بشر بن أبي خازم الأسدي : أنا أهجوه لكم ، فأخذ الابل و فعل ، فأغار أوس على الابل فاكتسحها و جعل بشر لا يستجير حيّا إلاّ قالوا قد أجرناك إلاّ من أوس و كان في هجائه إيّاه ذكر امّه فأتى به فدخل على امه فقال : قد أتينا ببشر الهاجي لك و لي فما ترين فيه ؟ قالت : أرى أن ترد عليه ماله و تعفو عنه و تحبوه و أفعل مثل ذلك ، فانّه لا يغسل هجاه إلاّ مدحه ، فخرج إليه و قال له : إنّ امّي سعدى التي كنت تهجوها أمرت لك بكذا و كذا فقال : لا جرم ، لا و اللَّه لا مدحت أحدا حتى أموت غيرك(١) .

« و صدقه على قدر مروّته » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل و سجوده ، فإنّ ذلك شي‏ء اعتاده فلو تركه استوحش لذلك ، و لكن انظروا إلى صدق حديثه و أداء أمانته(٢) .

و عنهعليه‌السلام : إنّما سمّي اسماعيل صادق الوعد لأنّه وعد رجلا في مكان فانتظره في ذلك المكان سنة فأتاه بعد سنة فقال له إسماعيل : مازلت منتظرا لك(٣) .

و في ( الخصال ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ست من المروّة ، ثلاث منها في الحضر ، و ثلاث منها في السفر : فأمّا الّتي في الحضر ، فتلاوة كتاب اللَّه عز و جل و عمارة مساجد اللَّه و اتخاذ الإخوان في اللَّه عز و جل ، و أمّا الّتي في السفر ، فبذل الزاد و حسن الخلق و المزاح في غير معاصي اللَّه(٤) .

« و شجاعته على قدر أنفته » في ( وزراء الجهشياري ) : بلغ موسى بن المهدي و هو الهادي حال بنت لعمارة بن حمزة مولاهم و هي جميلة

____________________

( ١ ) الكامل في الأدب للمبرّد ١ : ١٩٧ ١٩٩ ، طبعة مصر .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ١٠٥ ح ١٢ .

( ٣ ) ورد في البحار قريب منه عن الإمام الرضاعليه‌السلام ٣ : ٣٨٨ رواية ١ .

( ٤ ) الخصال للصدوق ١ : ٣٢٤ ح ١١ .

٥١٠

فراسلها فقالت لأبيها ذلك ، فقال : إبعثي إليه في المصير إليك و أعلميه أنّك تقدرين على إيصاله إليك في موضع يخفى أثره ، فأرسلت إليه بذلك و حمل موسى على المصير نفسه ، فأدخلته حجرة قد فرشت و اعدّت له ، فلما صار إليها دخل عليه عمارة فقال : السّلام عليك أيها الأمير ماذا تصنع هاهنا ؟

إتّخذناك وليّ عهد فينا أو فحلا في نسائنا ؟ ثم أمر به فبطح في موضعه فضربه عشرين درة خفيفة و ردّه إلى منزله ، فحقد عليه فلما ولي الخلافة دسّ إليه رجلا يدّعي عليه أنّه غصبه الضيعة المعروفة بالبيضاء بالكوفة و كانت قيمتها ألف ألف درهم فبينا الهادي ذات يوم جالس للمظالم و عمارة بحضرته ، و ثب الرجل فتظلم منه ، فقال الهادي لعمارة : ما تقول ؟ قال : ان كانت الضيعة لي فهي له و ان كانت له فهي له و وثب فانصرف عن المجلس(١) .

( و عفته على قدر غيرته ) كانعليه‌السلام يقول لأهل العراق : نبئت أن نساءكم يدافعن الرجال في الطريق ، أما تستحون و لا تغارون ؟

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ان اللَّه تعالى غيور يحب كلّ غيور ، و لغيرته حرّم الفواحش ظاهرها و باطنها ، و إذا لم يغر الرجل فهو منكوس القلب(٢) .

و عنهعليه‌السلام : لمّا أقام العالم الجدار أوحى تعالى إلى موسىعليه‌السلام : إنّي مجازي الأبناء بسعي الآباء ، إن خيرا فخير و إن شرّا فشر ، لا تزنوا فتزني نساؤكم ، و من وطى‏ء فراش امرى‏ء مسلم وطى‏ء فراشه ، كما تدين تدان(٣) .

و عن الصادقعليه‌السلام : كانت في بني اسرائيل بغيّ و كان رجل منهم يكثر

____________________

( ١ ) وزراء الجهشياري تاريخ الوزراء : ١٤٧ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٣٦ ح ٣ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٥٣ رواية ١ ، و كذلك ثواب الأعمال : ١٣ ، و أيضا المجلسي في بحار الأنوار ١٣ : ٢٩٦ رواية ١٣ .

٥١١

الاختلاف إليها ، فلمّا كان في آخر ما أتاها أجرى اللَّه على لسانها : أما إنّك سترجع إلى أهلك فتجد معها رجلا ، فارتفعا إلى موسىعليه‌السلام فنزل جبرئيلعليه‌السلام و قال : يا موسى من يزن يزن به ، فنظر موسى إليهما فقال : عفّوا تعفّ نساؤكم(١) .

٣٩ الحكمة ( ٤٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلظَّفَرُ بِالْحَزْمِ وَ اَلْحَزْمُ بِإِجَالَةِ اَلرَّأْيِ وَ اَلرَّأْيُ بِتَحْصِينِ اَلْأَسْرَارِ هو قياس منتج : ان الظفر بتحصين الأسرار و هو قياس ينحلّ إلى قياسين ، لأنّ القضية الثانية كبرى بالنسبة إلى الاولى و صغرى بالنسبة إلى الثالثة .

أمّا كون الظّفر بالحزم ففي العيون : قيل لرجل من بني عبس : ما أكثر صوابكم فقال : نحن ألف رجل و فينا حازم واحد و نحن نطيعه ، فكأنّا ألف حازم(٢) .

و يقال : روّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم(٣) .

و أمّا كون الحزم بإجالة الرأي فكان عامر بن الظرب حكيم العرب يقول :

دعوا الرأي يغبّ حتى يختمر ، و إيّاكم و الرأي الفطير(٤) .

و لمّا استعجل الحجّاج المهلّب في حرب الأزارقة قال المهلّب : إنّ من

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٥٣ رواية ٣ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٠ ٣٢ ، و كذلك العقد الفريد ١ : ٦٠ .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٤ .

( ٤ ) ابن عبد ربه ١ : ٦٠ ( دار الكتب العلمية ) .

٥١٢

البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره(١) .

و يقال : ليس بين الملك و بين ان يملك رعيته أو تملكه رعيته إلاّ حزم أو توان .

و قيل : من التمس الرخصة من الإخوان عند المشورة و من الأطباء عند المرض و من الفقهاء عند الشبهة أخطأ الرأي و ازداد مرضا و حمل الوزر(٢) .

و أمّا كون الرأي بتحصين الأسرار فيقال : ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك(٣) .

و في ( وزراء الجهشياري ) : كان موسى بن عيسى الهاشمي يتقلّد للرشيد مصر ، و كثر التظلّم منه و اتّصلت السعايات به و قيل إنّه قد استكثر من العبيد و العدّة فقال الرشيد ليحيى البرمكي : اطلب لي رجلا كاتبا عفيفا يكمل لمصر و يستر خبره فلا يعلم موسى بن عيسى حتى يفجأه قال : قد وجدته هو عمر بن مهران و كان كتب للخيزران و لم يكتب لغيرها قط و كان رجلا أحول مشوّه الخلق خسيس اللّباس فأمر بإحضاره قال : فاستدناني الرشيد و نحّى الغلمان و أمرني أن أستر خبري حتى افاجى‏ء موسى بن عيسى فأتسلّم العمل منه ، فأعلمته أنّه لا يقرأ لي ذكرا في كتب أصحاب الأخبار حتى أوافي مصر ، فكتب لي بخطّه إلى موسى ، فخرجت من غد مبكرا على بغلة لي و معي غلام أسود على بغل استأجرته ، معه خرج فيه قميص و مبطنة و طيلسان و شاشية و خف و مفرش صغير ، و اكتريت لثلاثة من أصحابي أثق بهم ثلاثة أبغل ، و أظهرت أنّي وجّهت ناظرا في أمور بعض العمّال ، كلّما وردت

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣١ .

( ٢ ) المصدر نفسه ١ : ٣٠ ، في كتاب للهند .

( ٣ ) المصدر نفسه ١ : ٤٠ .

٥١٣

بلدا توهّم من معي أنّي قصدته و ليس يعرف خبري أحد من أهل البلدان أمرّ بها في نزولي و نفوذي حتى وافيت الفسطاط فنزلت جنابا و خرجت منه وحدي في زيّ متظلم أو تاجر ، فدخلت دار الامارة و ديوان البلد و بيت المال ، و سألت و بحثت عن الأخبار و جلست مع المتظلمين و غيرهم ، فمكثت ثلاثة أيام أفعل ذلك حتى عرفت جميع ما احتجت إليه ، فلمّا نام الناس دعوت أصحابي فقلت للّذي أردت استكتابه على الديوان : قد رأيت مصر و قد استكتبتك على الديوان فبكّر إليه فاجلس فيه ، فإذا سمعت الحركة فاقبض على الكاتب و وكلّ به و بالكتاب و الأعمال ، و لا يخرج من الديوان أحد حتى أوافيك ، و دعوت بآخر فقلّدته بيت المال و أمرته بمثل ذلك ، و قلّدت الآخر عملا من الأعمال بالحضرة ، و أمرتهم أن يبكّروا و لا يظهروا أنفسهم حتى يسمعوا الحركة ، و بكّرت فلبست ثيابي و وضعت الشاشية على رأسي و مضيت إلى دار الامارة ، فأذن موسى للناس إذنا عامّا ، فدخلت فيمن دخل ، فإذا موسى على فرش و القوّاد وقوف عن يمينه و شماله و الناس يدخلون فيسلّمون و يخرجون و أنا جالس بحيث يراني و حاجبه ساعة بساعة يقيمني و يقول لي تكلّم بحاجتك ، فأعتلّ عليه حتى خفّ الناس ، فدنوت منه و أخرجت إليه كتاب الرشيد فقبّله و وضعه على عينه ثم قرأه فامتقع لونه و قال : السمع و الطاعة تقرى‏ء أبا حفص السلام و تقول له : ينبغي لك أن تقيم بموضعك حتى نعدّ لك منزلا يشبهك و يخرج غدا أصحابنا يستقبلونك فتدخل مدخل مثلك .

فقال له : أنا عمر بن مهران قد أمرني الرشيد بإقامتك للناس و انصاف المظلوم منك و أنا فاعل ذلك فقال : أنت عمر بن مهران ؟ قلت : نعم قال :( لعن اللَّه فرعون حيث يقول أليس لي مُلك مِصر ) (١) و اضطرب الصوت في الدار ،

____________________

( ١ ) الزخرف : ٥١ .

٥١٤

فقبض كاتبي على الديوان و صاحبي الآخر على بيت المال و ختما عليه و وردت عليه رقاع أصحاب أخباره بذلك ، فنزل عن فرشه و قال : « لا إله إلاّ اللَّه هكذا تقوم الساعة ما ظننت أنّ أحدا بلغ من الحزم و الحيلة ما بلغت ، فإنّك قد تسلّمت الأعمال و أنت في مجلسي » ثم نهضت إلى الديوان فقطعت أمور المتظلمين منه و انصرفت على بغلتي التي دخلت عليها و معي غلامي الأسود(١) .

و في ( عيون ابن قتيبة ) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إستعينوا على الحوائج بالكتمان ، فإنّ كلّ ذي نعمة محسود(٢) .

و كان عليعليه‌السلام يتمثل بهذين البيتين :

و لا تفش سرّك إلاّ إليك

فإنّ لكلّ نصيح نصيحا

فإنّي رأيت غواة الرجال

لا يتركون أديما صحيحا(٣)

و قال الشاعر :

و لو قدرت على نسيان ما اشتملت

منّي الضلوع من الأسرار و الخبر

لكنت أوّل من ينسى سرائره

إذ كنت من نشرها يوما على خطر(٤)

٤٠ الحكمة ( ٦٣ ) و قالعليه‌السلام :

اَلشَّفِيعُ جَنَاحُ اَلطَّالِبِ

____________________

( ١ ) تاريخ الوزراء للجهشياري : ٢١٧ ٢٢٠ بتصرف .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ، أخرجه عن أحمد بن خليل عن محمد بن الحصيب عن أوس بن عبد اللَّه بن بريدة عن أخيه عن بريدة ١ : ٣٨ و قد مرّ .

( ٣ ) ذكرهما ابن قتيبة في العيون ١ : ٣٩ ، و قد مرّ ذكره .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبه ١ : ٣٩ .

٥١٥

قالوا : الشفاعات مفاتيح الطلبات و قيل في فضل البرمكي :

و من يكن الفضل بن يحيى بن خالد

شفيعا له عند الخليفة ينجح(١)

و في ( تاريخ بغداد ) : إشترى أخ لشعبة من طعام السلطان فخسر هو و شركاؤه ، فحبس بستة آلاف دينار بحصته ، فخرج شعبة إلى المهدي ليكلّمه فيه ، فلمّا دخل عليه قال للمهدي : انشدني قتادة و سماك بن حرب لامية بن أبي الصلت يقوله لعبد اللَّه بن جدعان :

أأذكر حاجتي أم قد كفاني

حياؤك إن شيمتك الحياء

كريم لا يعطّله صباح

عن الخلق الكريم و لا مساء

فارضك أرض مكرمة بنتها

بنو تيم و أنت لهم سماء

فقال : لا ، لا تذكرها قد عرفناها و قضيناها لك ، إرفعوا إليه أخاه لا تلزموه شيئا(٢) .

هذا ، و في المعجم قال أبو العيناء : كان لي صديق فجاءني يوما و قال :

أريد الخروج إلى فلان العامل و أحببت أن يكون معي إليه وسيلة و قد سألت عن صديقه فقيل لي الجاحظ و هو صديقك فاحبّ أن تأخذ لي كتابه إليه بالعناية ، فصرت إلى الجاحظ فقلت له جئتك مسلّما و قاضيا للحق و لبعض أصدقائي حاجة و هي كذا و كذا فقال : لا تشغلنا الساعة عن المحادثة و إذا كان في غد وجّهت إليك بالكتاب ، فلمّا كان في غد ، وجّه إليّ بالكتاب ، فقلت لابني :

وجّه هذا الكتاب إلى فلان ففيه حاجته فقال لي : إن الجاحظ بعيد الغور فينبغي أن نفضّه و ننظر ما فيه ، ففعل فإذا في الكتاب :

« هذا الكتاب مع من لا أعرفه و قد كلّمني فيه من لا أوجب حقّه ، فان

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٠٨ .

( ٢ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٩ : ٢٥٦ في ترجمة شعبة بن الحجاج .

٥١٦

قضيت حاجته لم أحمدك ، و ان رددته لم أذممك » .

فلمّا قرأت الكتاب مضيت من فوري إلى الجاحظ فقال : قد علمت انّك أنكرت ما في الكتاب ، فقلت أو ليس موضع نكرة ، فقال لا هذه علامة بيني و بين الرجل في من أعتني به ، فقلت : لا إله إلاّ اللَّه ما رأيت أحدا أعلم بطبعك و ما جبلت عليه من هذا الرجل ، انّه لمّا قرأ هذا الكتاب قال : أم الجاحظ عشرة آلاف في عشرة آلاف قحبة و ام من يسأله حاجة فقلت له : يا هذا تشتم صديقنا فقال :

هذه علامة في من أشكره فضحك الجاحظ(١) .

٤١ الخطبة (( الحكمة )) ( ٦٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْعَفَافُ زِينَةُ اَلْفَقْرِ وَ اَلشُّكْرُ زِينَةُ اَلْغِنَى أقول : كرّره المصنف في ( ٣٤٠ ) سهوا ، لكن نقله عنه هنا ابن ميثم بدون الفقرة الأخيرة(٢) و انما نقله عنه معها ابن أبي الحديد(٣) .

« العفاف زينة الفقر » و قد وصف اللَّه تعالى الفقراء المتزيّنين بالعفاف في قوله( يَحسَبُهُم الجاهِلُ أَغنياءَ مِنَ التَّعفُّف تَعرفُهم بسيماهم لا يَسألونَ الناس إِلحافاً ) (٤) .

« و الشكر زينة الغنى » قال سليمانعليه‌السلام ( ربِّ أَوزعني أن أَشكُر نعمتك الّتي أَنعمتَ عليَّ وَ على والديَّ ) (٥) و قال أيضا لمّا رأى عرش ملكة سبأ مستقرا

____________________

( ١ ) معجم الادباء للحموي ١٦ : ٨٣ ، في ترجمة عمرو بن بحر ، الجاحظ .

( ٢ ) نقل شرح ابن ميثم « العفاف زينة الفقر » ٥ : ٢٧٣ رقم ٦٠ .

( ٣ ) راجع شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢١٣ رقم ٦٦ .

( ٤ ) البقرة : ٢٧٣ .

( ٥ ) النمل : ١٩ .

٥١٧

عنده في أقل من طرفة عين( هذا من فضل رَبّي ليبلوَني ءأشكُر أَم أكفُر و مَن شَكَرَ فإنّما يَشكُرُ لِنَفسِهِ ) ( و مَن كَفَر فإن ربِّي غَنيٌ كريم ) (١) .

٤٢ الحكمة ( ٦٩ ) و قالعليه‌السلام :

إِذَا لَمْ يَكُنْ مَا تُرِيدُ فَلاَ تُبَلْ مَا كُنْتَ أقول : هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) ، و الصواب ما في ابن أبي الحديد(٣) و ابن ميثم(٤) و النسخة الخطية(٥) « فلا تبل كيف كنت » و « تبل » بضم التاء و الأصل فيه تبال ، حذفوا الألف تخفيفا لكثرة الاستعمال كما حذفوا الياء من قولهم « لا أدر » قال زهير :

لقد باليت مظعن امّ أوفى

و لكن ام أوفى لا تبالي(٦)

قالوا : كان لامرأة ابن واحد ، فمات فقالت أردت أن لا يموت هذا ، فمن شاء بعده عاش و من شاء مات .

٤٣ الحكمة ( ٨٧ ) و قالعليه‌السلام :

عَجِبْتُ لِمَنْ يَقْنَطُ وَ مَعَهُ اَلاِسْتِغْفَارُ

____________________

( ١ ) النمل : ٤٠ .

( ٢ ) راجع النسخة المصرية شرح محمّد عبده : ٦٧١ رقم ٦٦ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢١٥ .

( ٤ ) في شرح ابن ميثم ٥ : ٢٧٣ كما ما ذكره ( محمّد عبده ) في النسخة المصرية المنقحة .

( ٥ ) راجع النسخة الخطية ( المرعشي ) : ٣١٢ .

( ٦ ) ديوان زهير بن أبي سلمى : ٥٧ .

٥١٨

أقول : روي عنهعليه‌السلام هذا المعنى بلفظ آخر ، فعنهعليه‌السلام قال « العجب لمن يهلك و النجاة معه » قيل : ما هي ؟ قالعليه‌السلام : الاستغفار(١) .

و ورد أنّ الزهري لمّا حصل له القنوط من عقوبته رجلا فمات قال له عليّ بن الحسينعليه‌السلام : أخاف عليك من قنوطك ما لا أخاف عليك من ذنبك .

و أمره ببعث ديته ثم الاستغفار ، فقال له فرّجت عني يا سيدي اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته(٢) .

و في ( الكافي ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : الاستغفار و قول لا إله إلاّ اللَّه خير العبادة ، قال تعالى( فَاعلَم أَنّه لا إله إلاّ اللَّه و استَغفر لِذَنبك ) .(٣) و قد قال تعالى .( وَ ما كانَ اللَّه مُعذِّبَهُم وَ هُم يَستَغفِرُون ) (٤) .

٤٤ الحكمة ( ٨٩ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَللَّهِ أَصْلَحَ اَللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَلنَّاسِ وَ مَنْ أَصْلَحَ أَمْرَ آخِرَتِهِ أَصْلَحَ اَللَّهُ لَهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَ مَنْ كَانَ لَهُ فِي نَفْسِهِ وَاعِظٌ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ اَللَّهِ حَافِظٌ الحكمة ( ٤٢٣ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اَللَّهُ عَلاَنِيَتَهُ وَ مَنْ عَمِلَ لِدِينِهِ كَفَاهُ اَللَّهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَ مَنْ أَحْسَنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَللَّهِ أَحْسَنَ اَللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَلنَّاسِ

____________________

( ١ ) ذكره الطبرسي في مكارم الأخلاق : ١٦٦ .

( ٢ ) تنقيح المقال للمامقاني ٣ : ١٨٧ .

( ٣ ) محمد : ١٩ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٥٠٥ ح ٦ عن حسين بن زيد ، و الآية ١٩ من سورة محمد .

٥١٩

أقول : روى ( روضة الكافي ) في حديثه ( ٤٧٧ ) عن الصادقعليه‌السلام : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : كانت الفقهاء و العلماء إذا كتب بعضهم إلى بعض كتبوا بثلاثة ليس معهنّ رابعة : من كانت همّته آخرته كفاه اللَّه همّه من الدنيا ، و من أصلح سريرته أصلح اللَّه علانيته ، و من أصلح فيما بينه و بينه تعالى أصلح اللَّه فيما بينه و بين الناس(١) .

قولهعليه‌السلام في الأول : « من أصلح ما بينه و بين اللَّه تعالى أصلح اللَّه ما بينه و بين الناس » و في الثاني : « و من أحسن في ما بينه و بين اللَّه أحسن اللَّه ما بينه و بين الناس » على ما في ( الطبعة المصرية(٢) و ابن أبي الحديد )(٣) ، و لكن في ( ابن ميثم(٤) و النسخة الخطية ) : « كفاه اللَّه ما بينه و بين الناس »(٥) .

قال الصادقعليه‌السلام : ما نقل اللَّه عبدا من ذلّ المعاصي إلى عزّ التقوى إلاّ أغناه من غير مال و أعزّه من غير عشيرة و آنسه من غير بشر(٦) .

و في الأول « و من أصلح أمر آخرته أصلح اللَّه له أمر دنياه » و في الثاني « و من عمل لدينه كفاه اللَّه أمر دنياه » قال تعالى : و من يَتّق اللَّه يَجعَل لهُ مخرجا .

( و يَرزُقُه من حيثُ لا يَحتَسبُ ) (٧) .

و عن عيسىعليه‌السلام : أوحى اللَّه تعالى إلى الدّنيا : من خدمني فاخدميه ، و من خدمك فاستخدميه(٨) .

____________________

( ١ ) الكافي الروضة للكليني : ٣٠٧ .

( ٢ ) راجع النسخة المصرية المنقحة : ٧٥٥ رقم ٤٠٩ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٦٨ رقم ٤٢٩ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٤٤٧ رقم ٤٩٨ .

( ٥ ) النسخة الخطية : ٣٢٧ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٢ : ٧٦ ح ٨ .

( ٧ ) الطلاق : ٢ ٣ .

( ٨ ) ورد ما يشابهه في بحار الأنوار ٧٧ : ٥٤ .

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572