الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل6%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 572

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 572 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 287974 / تحميل: 5235
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

ضمن الأحلام المختلطة و «الأضغاث» حيث قسّموا الأحلام الى قسمين : أحلام ذات معنى وهي قابلة للتعبير.

وأحلام مختلطة لا معنى لها حيث لم يجدوا لها تعبيرا وتأويلا وكانوا يعدّون هذا النوع نتيجة قوّة الخيال ، على العكس من النوع الاوّل الذي يعدّونه نتيجة اتّصال الروح بعالم الغيب.

كما انّ هناك احتمال آخر ، وهو انّهم توقّعوا ان تقع حوادث مزعجة في المستقبل ، وما اعتاد عليه حاشية الملوك والطغاة هو ذكر المسائل المريحة لهم فحسب ، وكما يصطلح عليه ما فيه طيب الخاطر ، ويمتنعون عن ذكر ما يزعجهم ، وهذا احد اسباب سقوط مثل هذه الحكومات المتجبّرة!

هنا يرد سؤال ، وهو : كيف تجرّا هؤلاء امام السلطان ، بقولهم جوابا لسؤاله عن رؤياه انّها( أَضْغاثُ أَحْلامٍ ) في حين انّ المعروف عند حاشية السلطان انّ تفلسف كلّ حركة منه ولو كانت بغير معنى ويفسّرونها تفسيرا مقبولا.

من الممكن انّهم رأوا الملك مهموما من هذه الرؤيا ، وكان من حقّه ذلك لانّه راى( سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ ) .

الا يدلّ ذلك على أنّ من الممكن انّ افرادا ضعافا يتسلّمون السلطة من يده على حين غرّة!؟!

لذلك قالوا له :( أَضْغاثُ أَحْلامٍ ) ليرفعوا الكدورة عن خاطره ، اي : لا تتأثّر فما هنالك امر مهم ، وهذه الأحلام لا يمكن ان تكون دليلا على اي شيء.

وهناك احتمال آخر ذكره المفسّرون وهو انّ مرادهم من( أَضْغاثُ أَحْلامٍ ) لم يكن انّ هذه الأحلام لا تأويل لها ، بل المراد انّ مثل هذه الأحلام ملتوية ومجموعة من امور مختلفة ، وهم غير قادرين على تأويل مثل هذه الأحلام ، فهم لم ينكروا إمكان وجود أستاذ ماهر وقادر على تأويل هذه الرؤيا ، وانّما أظهروا

٢٢١

عجزهم عن التعبير والتأويل فحسب.

وهنا تذكّر ساقي الملك ما حدث له ولصاحبه في السجن مع يوسف ، ونجا من السجن كما بشّره يوسف( وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ ) .

اجل في زاوية السجن يعيش رجل حيّ الضمير طاهر القلب مؤمن وقلبه مرآة للحوادث المستقبلية ، انّه الذي يستطيع ان يكشف الحجاب عن هذه الرؤيا المغلقة ويعبّرها.

جملة( فَأَرْسِلُونِ ) تشير الى انّ من الممكن ان يكون يوسف ممنوع المواجهة ، وكان الساقي يريد ان يأذن الملك ومن حوله بمواجهته لهذا الشأن.

وهكذا حرّك كلام الساقي المجلس وشخصت الأبصار نحوه ، وطلبوا منه الاسراع بالذهاب اليه والإتيان بالخبر.

مضى الساقي الى السجن ليرى صديقه القديم ذلك الصديق الذي لم يف بوعده له ، لكنّه ربّما كان يعرف انّ شخصية يوسف الكريمة تمنعه من فتح «باب العتاب» فالتفت اليه وقال :( يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ) .

كلمة «الناس» تشير الى احتمال انّ رؤيا الملك صيّرها أطرافه المتملّقون وحاشيته حادثة مهمّة لذلك اليوم ، فنشروها بين الناس وعمّموا حالة «القلق» من القصر الى الوسط الاجتماعي العام.

وعلى كلّ حال فإنّ يوسف دون ان يطلب شرطا او قيدا او اجرا لتعبيره عبّر الرؤيا فورا تعبيرا دقيقا لا غموض فيه ولا حجاب مقرونا بما ينبغي عمله في المستقبل و( قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا

٢٢٢

قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ ) (١) .

ثمّ انّه يحلّ بكم القحط لسبع سنين متوالية فلا امطار ولا زراعة كافية ، فعليكم بالاستفادة ممّا جمعتم في سنيّ الرخاء( ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَ ) .

ولكن عليكم ان تحذروا من استهلاك الطعام( إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ ) وإذا واظبتم على هذه الخطّة فحينئذ لا خطر يهدّدكم لانّه( ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ )

و( يُغاثُ النَّاسُ ) اي يدركهم الغيث فتكثر خيراتهم ، وليس هذا فحسب ، بل( فِيهِ يَعْصِرُونَ ) المحاصيل لاستخراج الدهن والفاكهة لشراب عصيرها إلخ.

* * *

ملاحظات

١ ـ كم كان تعبير يوسف لهذه الرؤيا دقيقا ومحسوبا ، حيث كانت البقرة في الأساطير القديمة مظهر «السنة» وكون البقرات سمانا دليل على كثرة النعمة ، وكونها عجافا دليل على الجفاف والقحط ، وهجوم السبع العجاف على السبع السّمان كان دليلا على ان يستفاد من ذخائر السنوات السابقة.

وسبع سنبلات خضر وقد أحاطت بها سبع سنبلات يابسات تأكيد آخر على هاتين الفترتين فترة النعمة وفترة الشدّة.

اضافة الى انّه اكّد له على هذه المسألة الدقيقة ، وهي خزن المحاصيل في

__________________

(١) كلمة «داب» على وزن «ادب» تعني في الأصل ادامة الحركة ، كما انّها بمعنى العادة المستمرة ، فيكون معنى الكلام : عليكم ان تزرعوا تبعا لعادتكم المستمرة في مصر ولكن ينبغي ان تقتصدوا في مصرفه ويحتمل ان يكون المراد منه ان تزرعوا بجد وجهد اكثر فأكثر لانّ دأبا ودؤوبا بمعنى الجدّ والتعب ايضا ، اي اعملوا حتّى تتعبوا.

٢٢٣

سنابلها لئلّا تفسد بسرعة وليكون حفظها الى سبع سنوات ممكنا.

وكون عدد البقرات العجاف والسنابل اليابسات لم يتجاوز السبع لكلّ منهما دليل آخر على انتهاء الجفاف والشدّة مع انتهاء تلك السنوات السبع وبالطبع فإنّ سنّة سيأتي بعد هذه السنوات سنة مليئة بالخيرات والأمطار ، فلا بدّ من التفكير للبذر في تلك السنة وان يحتفظوا بشيء ممّا يخزن لها.

في الحقيقة لم يكن يوسف مفسّرا بسيطا للأحلام ، بل كان قائدا يخطّط من زاوية السجن لمستقبل البلاد ، وقد قدّم مقترحا من عدّة مواد لخمسة عشر عاما على الأقل ، وكما سنرى فإنّ هذا التعبير المقرون بالمقترح للمستقبل حرّك الملك وحاشيته وكان سببا لانقاذ اهل مصر من القحط القاتل من جهة ، وان ينجو يوسف من سجنه وتخرج الحكومة من ايدي الطغاة من جهة اخرى.

٢ ـ مرّة اخرى تعلّمنا هذه القصّة هذا الدرس الكبير وهو انّ قدرة الله اكبر ممّا نتصوّر ، فهو القادر بسبب رؤيا بسيطة يراها جبابرة الزمان أنفسهم ان ينقذ امّة كبيرة من فاجعة عظيمة ، ويخلّص عبده الخالص بعد سنين من الشدائد والمصائب ايضا.

فلا بدّ ان يرى الملك هذه الرؤيا ، ولا بدّ ان يحضر الساقي عنده يتذكّر رؤياه في السجن ، وترتبط أخيرا حوادث مهمّة بعضها ببعض ، فالله تعالى هو الذي يخلق الحوادث العظيمة من توافه الأمور.

اجل ، ينبغي لنا توكيد ارتباطنا القلبي مع هذا الربّ القادر

٣ ـ الأحلام المتعدّدة في هذه السورة ، من رؤيا يوسف نفسه الى رؤيا السجينين الى رؤيا فرعون مصر ، والاهتمام الكبير الذي كان يوليه اهل ذلك العصر بالنسبة لتعبير الرؤيا أساسا ، يدلّ على انّ تعبير الرؤيا في ذلك العصر كان من العلوم المتقدّمة ، وربّما وجب ـ لهذا السبب ـ ان يكون نبي ذلك العصر ـ اي

٢٢٤

(يوسف) ـ مطّلعا على مثل هذا العلم الى درجة عالية بحيث يعدّ اعجازا منه.

أليست معاجز الأنبياء يجب ان تكون من ابرز العلوم في زمانهم ، ليحصل اليقين ـ عند العجز من قبل علماء العصر ـ بأنّ مصدر العلم الذي يحمله نبيّهم هو الله!.

* * *

٢٢٥

الآيات

( وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢) وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣) )

التّفسير

تبرئة يوسف من كلّ اتّهام!

لقد كان تعبير يوسف لرؤيا الملك ـ كما قلنا ـ دقيقا ومدروسا ومنطقيا الى درجة انّه جذب الملك وحاشيته اليه ، إذ كان يرى انّ سجينا مجهولا عبّر رؤياه بأحسن تعبير وتحليل ، دون ان ينتظر ايّ اجر او يتوقّع امرا ما كما انّه اعطى

٢٢٦

للمستقبل خطّة مدروسة ايضا.

لقد فهم الملك اجمالا انّ يوسف لم يكن رجلا يستحقّ السجن ، بل هو شخص اسمى مقاما من الإنسان العادي ، دخل السجن نتيجة حادث خفيّ ، لذلك تشوّق لرؤيته ، ولكن لا ينبغي للملك ان ينسى غروره ويسرع الى زيارته ، بل امر ان يؤتى به اليه كما يقول القرآن :( وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ ) لم يوافق يوسف على الخروج من السجن دون ان يثبت براءته ، فالتفت الى رسول الملك و( قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ ) اذن فيوسف لم يرغب ان يكون كأي مجرم ، او على الأقل كأي متّهم يعيش مشمولا بـ «عفو الملك» لقد كان يرغب اوّلا ان يحقّق في سبب حبسه ، وان تثبت براءته وطهارة ذيله ، ويخرج من السجن مرفوع الراس ، كما يثبت ضمنا تلوّث النظام الحكومي وما يجري في قصر وزيره!.

اجل لقد اهتمّ بكرامة شخصيته وشرفه قبل خروجه من السجن ، وهذا هو نهج الأحرار.

الطريف هنا انّ يوسف في عبارته هذه أبدى سموا في شخصيته الى درجة انّه لم يكن مستعدّا لانّ يصرّح باسم امراة العزيز التي كانت السبب المباشر في اتّهامه وحبسه ، بل اكتفى بالاشارة الى جماعة النسوة اللاتي لهنّ علاقة بهذا الموضوع فحسب.

ثمّ يضيف يوسف : إذا لم يعلم سبب سجني شعب مصر ولا جهازه الحكومي وبأي سبب وصلت السجن ، فالله مطّلع على ذلك( إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ) .

عاد المبعوث من قبل الملك الى يوسف مرّة ثانية الى الملك ، وأخبره بما طلبه يوسف مع ما كان من إبائه وعلوّ همّته ، لذا عظم يوسف في نفس الملك وبادر مسرعا الى إحضار النسوة اللائي شاركن في الحادثة ، والتفت اليهنّ( قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ ) يجب ان تقلن الحقّ هل ارتكب

٢٢٧

يوسف خطيئة او ذنبا؟

فتيقّظ فجأة الوجدان النائم في نفوسهنّ ، وأجبنه جميعا بكلام واحد ـ متّفق على طهارته و( قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ ) .

امّا امراة العزيز التي كانت حاضرة ايضا ، وكانت تصغي بدقّة الى حديث الملك ونسوة مصر ، فلم تجد في نفسها القدرة على السكوت ، ودون ان تسأل احسّت بأنّ الوقت قد حان لانّ تنزّه يوسف وان تعوّض عن تبكيت وجدانها وحيائها وذنبها بشهادتها القاطعة في حقّه ، وخاصّة انّها رأت كرم يوسف المنقطع النظير من خلال رسالته الى الملك ، إذ لم يعرّض فيها بالطعن في شخصيتها وكان كلامه عامّا ومغلقا تحت عنوان «نسوة مصر».

فكأنّما حدث انفجار في داخلها فجأة وصرخت و( قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) .

ثمّ واصلت امراة العزيز كلامها( ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ) لانّي عرفت بعد هذه المدّة الطويلة وما عندي من التجارب( أَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ ) .

في الحقيقة (بناء على انّ الجملة المتقدّمة لامراة العزيز كما يقتضيه ظاهر العبارة) فانّها ومن اجل اعترافها الصريح بنزاهة يوسف وما اخطأته في حقّه ، تقيم دليلين :

الاوّل : انّ وجدانها ، ويحتمل بقايا علاقتها بيوسف ، لا تسمح لها ان تستر الحقّ اكثر من هذا ، وان تخون هذا الشاب الطاهر في غيابه.

الثّاني : انّ من مشاهدة الدروس المليئة بالعبر على مرور الزمن تجلّت لها هذه الحقيقة ، وهي انّ الله يرعى الصالحين ولا يوفّق الخائنين في مرادهم ابدا.

وبهذا بدأت الحجب تنقشع عن عينيها قليلا قليلا وتلمس حقيقة الحياة ولا سيّما في هزيمة عشقها الذي صنع غرورها وشخصيتها الخياليّة ، وانفتحت

٢٢٨

عيناها على الواقع اكثر ، فلا عجب ان تعترف هذا الاعتراف الصريح.

وتواصل امراة العزيز القول :( وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي ) وبحفظه واعانته نبقى مصونين ، وانا أرجو ان يغفر لي ربّي هذا الذنب( إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

قال بعض المفسّرين : انّ الآيتين الأخيرتين من كلام يوسف ، وقالوا : انّهما في الحقيقة تعقيب لما قاله يوسف لرسول الملك ومعنى الكلام يكون هكذا.

«إذا قلت حقّقوا عن شأن النسوة اللائي قطّعن أيديهن ، فمن اجل ان يعلم الملك او عزيز مصر الذي هو وزيره ، انّي لم اخنه في غيابه والله لا يهدي كيد الخائنين كما لا أبرئ نفسي لانّ النفس امّارة بالسوء الّا ما رحم ربّي انّ ربّي غفور رحيم».

الظاهر انّ الهدف من هذا التّفسير المخالف لظاهر الآية انّهم صعب عليهم قبول هذا المقدار من العلم والمعرفة لامراة العزيز التي تقول بلحن مخلص وحاك عن التنبّه والتيقّظ.

والحال انّه لا يبعد انّ الإنسان حين يرتطم في حياته بصخرة صمّاء ، تظهر في نفسه حالة من التيقّظ المقرون بالاحساس بالذنب والخجل ، خاصّة انّه لوحظ انّ الهزيمة في العشق المجازي يجرّ الإنسان الى طريق العشق الحقيقي «عشق الله».

وبالتعبير علم النفس المعاصر : انّ تلك الميول النفسية المكبوتة يحصل فيها حالة ال «تصعيد» وبدلا من تلاشيها وزوالها فانّها تتجلّى بشكل عال.

ثمّ انّ قسما من الرّوايات التي تشرح حال امراة العزيز ـ في السنين الاخيرة من حياتها ـ دليل على هذا التيقّظ والانتباه ايضا.

وبعد هذا كلّه فربط هاتين الآيتين بيوسف ـ الى درجة ما ـ بعيد ، وهو خلاف الظاهر بحيث لا ينسجم مع اي من المعايير الادبية للأسباب الآتية :

٢٢٩

اوّلا : كلمة «ذلك» التي ذكرت في بداية الآية هي بعنوان ذكر العلّة ، اي علّة الكلام المتقدّم الذي لم يكن سوى كلام امراة العزيز فحسب ، وربط هذا التذييل بكلام يوسف الوارد في الآيات السابقة امر عجيب.

ثانيا : إذا كانت هاتان الآيتان بيانا لكلام يوسف فسيبدو بينهما نوع من التناقض والتضادّ ، فمن جهة يقول : انّي لم اخنه بالغيب ، ومرّة يقول : وما أبرئ نفسي انّ النفس لامّارة بالسوء. وهذا الكلام لا يقوله الّا من يعثر او يزل ولو يسيرا ، في حين انّ يوسف لم يصدر منه اي زلل.

وثالثا : إذا كان مقصوده ان يعرف عزيز مصر انّه بريء فهو من البداية «بعد شهادة الشاهد» عرف الواقع ، ولذلك قال لامراته :( اسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ ) وإذا كان مقصوده انّه لم يخن الملك ، فلا علاقة للملك بهذا الأمر ، والتوسّل الى تفسيرهم هذا بحجّة انّ الخيانة لامراة العزيز خيانة للملك الجبّار ، فهو حجّة واهية ـ كما يبدو ـ خاصّة انّ حاشية القصر لا يكترثون بمثل هذه المسائل.

وخلاصة القول : انّ هذا الارتباط في الآيات يدلّ على انّ جميع ما ورد في السياق من كلام امراة العزيز التي انتبهت وتيقّظت واعترفت بهذه الحقائق.

* * *

ملاحظات

١ ـ هذه عاقبة التقوى

رأينا في هذا القسم من قصّة يوسف انّ عدوّته المعاندة «زليخا» اعترفت أخيرا بطهارته ، كما اعترفت بذنبها وخطئها وببراءته وهذه عاقبة التقوى وطهارة الثوب ، وهذا معنى قوله تعالى :( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) .

فكن طاهرا واستقم في طريق «الطهارة» فالله حاميك ولا يسمح للملوّثين

٢٣٠

ان يسيئوا إليك.

٢ ـ الهزائم التي تكون سببا للتيقّظ

لا تكون الهزائم هزائم دائما ، بل ـ في كثير من الأحيان ـ تعدّ الهزيمة هزيمة في الظاهر الّا انّها في الباطن نوع من الانتصار المعنوي ، وهذه هي الهزائم التي تكون سببا لتيقّظ الإنسان ، وتشقّ حجب الغفلة والغرور عنه ، وتعدّ نقطة انعطاف جديدة في حياته.

فامرأة العزيز التي تدعى «زليخا» او «راعيل» وإن ابتليت في عملها بأشدّ الهزائم ، لكن هذه الهزيمة في مسير الذنب كانت سببا لأنّ تنتبه ويتيقّظ وجدانها النائم ، وان تندم على ما فات من عملها والتفتت الى ساحة الله. وما ينقل من قصتها بعد لقائها ليوسف وهو عزيز مصر ـ آنئذ ـ شاهد على هذا المدّعى ، إذ قالت : «الحمد لله الذي جعل العبيد ملوكا بطاعته وجعل الملوك عبيدا بمعصيته». ونقرا في نهاية الحديث انّ يوسف تزوّج منها أخيرا(١) .

السعداء هم أولئك الذين يصنعون من الهزائم انتصارا ، ومن سوء الحظّ حظّا حسنا ، ومن اخطائهم طريقا صحيحا للحياة.

وبالطبع فليس ردّ الفعل من قبل جميع الافراد إزاء الهزائم هكذا فالأشخاص الضعاف حين تصيبهم الهزيمة ييأسون ويكتنف القنوط جميع وجودهم ، وقد يؤدّي بهم الى الانتحار وهذه هي الهزيمة الحقيقيّة.

لكن الذين يشعرون بكرامتهم وشخصيّتهم ، يسعون لان يجعلوا الهزائم سلّما لصعودهم وترقّيهم وجسرا لانتصارهم.

__________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٥٥٤.

٢٣١

٣ ـ الحفاظ على الشرف خير من الحرية الظاهرية

رأينا انّ يوسف لم يدخل السجن لطهارة ثوبه فحسب ، بل لم يكن مستعدّا للخروج من السجن حتّى يعود مبعوث الملك ويجري التحقيقات حول النسوة اللائي قطّعن أيديهن لتثبت براءته ويخرج من السجن مرفوع الراس لا ان يخرج كأي مجرم ملوّث يشمله عفو الملك!! وذلك ذلّ واي ذلّ! وهذا درس لكلّ الناس في الماضي والحاضر والمستقبل.

٤ ـ النفس الامّارة «المتمرّدة»

يقسّم علماء النفس والأخلاق النفس «وهي الإحساسات والغرائز والعواطف الانسانية» الى ثلاثة مراحل ، وقد أشار إليها القرآن المجيد :

المرحلة الاولى : «النفس الامّارة» وهي النفس التي تأمر الإنسان بالذنب وتجرّه الى كلّ جانب ، ولذا سمّوها «امّارة» وفي هذه المرحلة لا يكون العقل والايمان قد بلغا مرحلة من القدرة ليكبحا جماحها ، بل في كثير من المواقع يستسلمان للنفس الامّارة ، وإذا تصارعت النفس الامّارة مع العقل في هذه المرحلة فإنّها ستهزمه وتطرحه أرضا.

وهذه المرحلة هي التي أشير إليها في الآية المتقدّمة ، وجرت على لسان امراة العزيز بمصر ، وجميع شقاء الإنسان أساسه النفس الامّارة بالسوء.

المرحلة الثّانية : «النفس اللوّامة» وهي التي ترتقي بالإنسان بعد التعلّم والتربية والمجاهدة ، وفي هذه المرحلة ربّما يخطئ الإنسان نتيجة طغيان الغرائز ، لكن سرعان ما يندم وتلومه هذه النفس ، ويصمّم على تجاوز هذا الخطأ والتعويض عنه ، ويغسل قلبه وروحه بماء التوبة.

وبعبارة اخرى : في المواجهة بين النفس والعقل ، قد ينتصر العقل أحيانا وقد

٢٣٢

تنتصر النفس ، الّا انّ النتيجة والكفّة الراجحة هي للعقل والايمان.

ومن اجل الوصول الى هذه المرحلة لا بدّ من الجهاد الأكبر ، والتمرين الكافي ، والتربية في مدرسة الأستاذ ، والاستلهام من كلام الله وسنن الأنبياء والائمّةعليهم‌السلام .

وهذه المرحلة هي التي اقسم الله بها في سورة القيامة قسما يدلّ على عظمتها( لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) .

المرحلة الثّالثة : «النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ » وهي المرحلة التي توصل الإنسان بعد التصفية والتهذيب الكامل الى ان يسيطر على غرائزه ويروّضها فلا تجد القدرة للمواجهة مع العقل والايمان ، لانّ العقل والايمان بلغا درجة من القوّة بحيث لا تقف امامهما الغرائز الحيوانية.

وهذه هي مرحلة الاطمئنان والسكينة الاطمئنان الذي يحكم المحيطات والبحار حيث لا يظهر عليها الانهزام امام اشدّ الأعاصير.

وهذا هو مقام الأنبياء والأولياء واتباعهم الصادقين ، أولئك الذين تدارسوا الايمان والتقوى في مدرسة رجال الله ، وهذّبوا أنفسهم سنين طوالا ، وواصلوا الجهاد الأكبر الى آخر مرحلة.

وإليهم والى أمثالهم يشير القرآن الكريم في سورة الفجر( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ) .

اللهمّ اعنّا لنستضيء بنور آياتك ، ونصعّد أنفسنا الامّارة الى اللّوامة ومنها الى النفس المطمئنة ولنجد روحا مطمئنا لا يضطرب ولا يتزلزل امام طوفان الحوادث ، وان نكون أقوياء امام الأعداء ، ولا تبهرنا زخارف الدنيا وزبارجها ، وان نصبر على البأساء والضرّاء.

اللهمّ ارزقنا العقل لننتصر على اهوائنا ونوّرنا إذا كنّا على خطأ بالتوفيق

٢٣٣

والهداية.

اللهمّ انّنا لم نبلغ هذه المرحلة بخطانا ، بل كنت أنت في كلّ مرحلة دليلنا وقائدنا ، فلا تحبس الطافك عنّا وإذا كان عدم شكرنا على جميع هذه النعم مستوجبا لعقابك ، فأيقظنا من نومة الغافلين قبل ان نذوق العذاب آمين ربّ العالمين.

* * *

٢٣٤

الآيات

( وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤) قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥) وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٧) )

التّفسير

يوسف أمينا على خزائن مصر :

رأينا انّ يوسف ـ هذا النّبي العظيم ـ ثبتت براءته أخيرا للجميع ، وحتّى الأعداء شهدوا بطهارته ونزاهته ، وظهر لهم انّ الذنب الوحيد الذي أودع من اجله السجن لم يكن غير التقوى والامانة التي كان يتحلّى بهما.

اضافة الى هذا فقد ثبت لهم انّ هذا السجين منهل العلم والمعرفة والنّباهة وطاقة فذّة وعالية في الادارة ، حيث انّه حينما فسّر رؤيا الملك (وهو سلطان

٢٣٥

مصر) بيّن له الطرق الكفيلة للخلاص من المشكلة الاقتصادية المتفاقمة القادمة.

ثمّ يستمر القرآن بذكر القصّة فيقول :( وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ) وهكذا امر الملك بإحضاره لكي يجعله مستشاره الخاص ونائبه في المهمّات فيستفيد من علمه ومعرفته وخبرته لحلّ المشاكل المستعصية.

ثمّ أرسل الملك مندوبا لزيارته في السجن ، فدخل عليه وأبلغه تحيات الملك وعواطفه القلبية تجاهه ثمّ قال له : انّه قد لبّى طلبك في البحث والتحقيق عن نساء مصر واتّهامهنّ ايّاك ، حيث شهدنّ جميعهنّ صراحة ببراءتك ونزاهتك فالآن لا مجال للتأخير ، قم لنذهب الى الملك.

فدخل يوسف على الملك وتكلّم معه فعند ما سمع من يوسف الاجوبة التي تحكي عن علمه وفراسته وذكائه الحادّ ، ازداد حبّا له وقال : انّ لك اليوم عندنا منزلة رفيعة وسلطات واسعة وانّك في موضع ثقتنا واعتمادنا( فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ ) فلا بدّ ان تتصدّى للمناصب الهامّة في هذا البلد ، وتهتمّ بإصلاح الأمور الفاسدة ، وانّك تعلم (حينما فسّرت الرؤيا) بأنّ ازمة اقتصادية شديدة سوف تعصف بهذا البلد ، وفي تصوّري انّك الشخص الوحيد القادر على ان يتغلّب على هذه الازمة.

فاختار يوسف منصب الامانة على خزائن مصر ، وقال اجعلني مشرفا على خزائن هذا البلد فإنّي حفيظ عليم وعلى معرفة تامّة بأسرار المهنة وخصائصها( قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) .

كان يوسف يعلم انّ جانبا كبيرا من الاضطراب الحاصل في ذلك المجتمع الكبير المليء بالظلم والجور يكمن في القضايا الاقتصادية ، والآن وبعد ان عجزت اجهزة الحكم من حلّ تلك المشاكل واضطرّوا لطلب المساعدة منه ، فمن الأفضل له ان يسيطر على اقتصاد مصر حتّى يتمكّن من مساعدة المستضعفين وان يخفّف عنهم ـ قدر ما يستطيع ـ الآلام والمصاعب ويستردّ حقوقهم من

٢٣٦

الظالمين. ويقوم بترتيب الأوضاع المترديّة في ذلك البلد الكبير ، ويجعل الزراعة وتنظيمها هدفه الاوّل وخاصّة بعد وقوفه على انّ السنين القادمة هي سنوات الوفرة حيث تليها سنوات المجاعة والقحط ، فيدعو الناس الى الزراعة وزيادة الانتاج وعدم الإسراف في استعمال المنتوجات الزراعية وتقنين الحبوب وخزنها والاستفادة منها في ايّام القحط والشدّة.

وهكذا لم ير يوسف بدّا من توليّة منصب الاشراف على خزائن مصر.

وقال البعض : انّ الملك حينما راى في تلك السنة انّ الأمور قد ضاقت عليه وعجز عن حلّها ، كان يبحث عمّن يعتمد عليه وينجّيه من المصاعب ، فمن هنا حينما قابل يوسف ورآه أهلا لذلك أعطاه مقاليد الحكم بأجمعها واستقال هو من منصبه.

وقال آخرون : انّ الملك جعله في منصب الوزير الاوّل بديلا عن (عزيز مصر).

والاحتمال الآخر هو انّه بقي مشرفا على خزائن مصر ـ وهذا ما يستفاد من ظاهر الآية الكريمة ، الّا انّ الآيتين (١٠٠) و (١٠١) واللتين يأتي تفسيرهما بإذن الله تدلّان على انّه أخيرا استقلّ بأمور مصر ـ بدل الملك وصار هو ملكا على مصر.

وبرغم انّ الآية رقم (٨٨) تقول : انّ اخوة يوسف حينما دخلوا عليه نادوه باسم( يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ ) وهذا دليل على انّه استقلّ بمنصب عزيز مصر ، لكن نقول : انّه لا مانع من ان يكون يوسف قد ارتقى سلّم المناصب تدريجا حيث كان في اوّل الأمر مشرفا على الخزائن ، ثمّ جعل الوزير الاوّل ، وأخيرا صار ملكا على مصر.

ثمّ يقول الله سبحانه وتعالى منهيا بذلك قصّة يوسفعليه‌السلام :( وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ ) .

٢٣٧

نعم انّ الله سبحانه وتعالى ينزل رحمته وبركاته ونعمه المادية والمعنوية على من يشاء من عباده الذين يراهم أهلا لذلك( نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ ) .

وانّه سبحانه وتعالى لا ينسى ان يجازي المحسنين ، وانّه مهما طالت المدّة فإنّه يجازيهم بجزائه الأوفى( وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) .

ولكن لا يقتصر سبحانه وتعالى على مجازاة المحسنين في الدنيا ، بل يجازي المتّقين والمحسنين بأحسن من ذلك في الآخرة وهو الجزاء الأوفى( وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ ) .

* * *

بحوث

١ ـ كيف استجاب يوسف لطلب طاغوت زمانه؟

بالنسبة للآيات المتقدّمة فإنّ اوّل ما يجلب إليها النظر هو انّه كيف لبّى يوسف ـ هذا النّبي العظيم ـ طلب طاغوت زمانه وتعاون معه وتحمّل منصب الوزارة او الاشراف على خزينة الدولة؟

جواب هذا السؤال ـ في الحقيقة ـ يكمن في نفس الآيات السابقة ، فإنّه قد تحمّل هذه المسؤولية بعنوان انّه( حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) كي يحفظ بيت المال المتضمّن لاموال الشعب ويستثمره في سبيل منافعهم ، وبخاصّة حقوق الطبقة المحرومة والتي غالبا ما يستولي عليها المستكبرون.

اضافة الى هذا فإنّه عن طريق معرفته بتعبير الرؤيا ـ كما ذكرنا ـ كان على علم بالأزمة الاقتصادية الشديدة التي سوف تعصف بالشعب المصري ، بحيث لولا التخطيط الدقيق والاشراف المباشر عليها لماتت جماعات كثيرة من الشعب فبناء على هذا فإنّ انقاذ حياة الامّة والاحتفاظ بأرواح شعب بريء يقتضي ان يستفيد يوسف من هذه الفرصة التي أتيحت له ويستغلّها لأجل خدمة جميع افراد

٢٣٨

الشعب ، وبخاصّة المحرومين منهم حيث انّهم عادة ما يكونون اوّل ضحايا الازمة الاقتصادية واكثر المتضرّرين من الغلاء.

وقد ورد كلام مفصّل حول هذا الموضوع في بحث استجابة طلب الظالم وقبول الولاية في علم الفقه ، وانّ استجابة طلب الظالم والتصدّي لمناصب الحكم لا يكون حراما دائما ، بل تارة يكون مستحبّا ، وقد يكون في بعض الأحيان واجبا شرعا ، وذلك إذا كانت منفعة التصدّي ومرجّحاته الدينيّة اكثر من الإضرار الناتجة عن التصدّي من دعم حكم الظالم وغيره.

ونلاحظ في روايات عديدة انّ ائمّة اهل البيتعليهم‌السلام كانوا يجوّزون لبعض خلّص شيعتهم وأصحابهم أمثال علي بن يقطين ـ الذي كان من اصحاب الكاظمعليه‌السلام ـ حيث تصدّى لمنصب الوزارة لفرعون زمانه ـ هارون الرشيد ـ وذلك بأمر من الامامعليه‌السلام ، غاية ما في الأمر انّ الاستجابة والتصدّي لمناصب الحكم او ردّها تابعان لقانون «الأهم والمهم».

فلا بدّ من ملاحظة المنافع الدينيّة والاجتماعية ومقارنتها مع الإضرار الناتجة ، إذ لعلّ الذي يتصدّى للمنصب قد يستطيع في نهاية المطاف ان يزيح الظالم عن الحكم (كما حدث ليوسف بناء على مضمون بعض الرّوايات الواردة) او يكون المعين الذي تنبثق منه الحركات والثورات ، لانّه يقوم بتهيئة مقدّمات الثورة من داخل اجهزة الحكم القائم (ويمكن ان يكون مؤمن آل فرعون من هذا القبيل) او يكون على الأقل ملجأ وملاذا للمظلومين والمحرومين ومخفّفا عن آلامهم والضغوط الواردة عليهم من قبل اجهزة النظام.

وكلّ واحد من هذه الأمور يمكن ان يكون مبرّرا للتصدّي للمناصب وقبولها من الحاكم الظالم ، وللإمام الصادقعليه‌السلام رواية معروفة في حقّ هؤلاء الأشخاص يقولعليه‌السلام (فّارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان)(١) .

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ١٣٩.

٢٣٩

لكن هذا الموضوع ـ التعاون مع الظالم ـ من الأمور التي يقترب فيها حدود الحلال من الحرام ، وكثيرا ما يؤدّي تهاون صغير من الشخص المتصدّي الى وقوعه في اشراك النظام وارتكاب جريمة تعدّ من اكبر الجرائم وأفظعها ـ وهي التعاون مع الظالم ـ في حين يتصوّر انّه يقوم بعبادة وخدمة انسانية مشكورة.

وقد يستفيد بعض الانتهازيين من حياة (يوسف) او (علي بن يقطين) ويتّخذه ذريعة للتعاون مع الظالم وتغطية لاعمالهم الشريرة ، في حين انّه يوجد بون شاسع بين تصرّفاتهم وتصرّفات يوسف او علي بن يقطين(١) .

هنا سؤال آخر يطرح نفسه وهو انّه كيف رضخ سلطان مصر الظالم لهذا الأمر ـ واستجاب لطلب يوسف ـ مع علمه بأنّ يوسف لا يسير بسيرة الظالمين والمستثمرين والمستعمرين ، بل يكون على العكس من ذلك معاديا لهم؟

الاجابة على هذا السؤال لا تكون صعبة مع ملاحظة امر واحد وهو انّه تارة تحيط الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بالظالم بحيث تزلزل اركان حكومته الظالمة ، فيرى الخطر محدقا بحكومته وبكلّ شيء يتعلّق بها في هذه الحالة وتجنّبا من السقوط التامّ لا يمانع ، بل يدعم قيام حكومة شعبية عادلة لكي يحافظ على حياته وبجزء من سلطته.

٢ ـ اهميّة المسائل الاقتصادية والادارية

رغم انّنا لا نتّفق مع الرؤية التي تنظر الى الأمور بمنظار واحد وتحصر جميع

__________________

(١) نطالع في روايات عديدة عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام انّ بعض الجاهلين بالمعايير الاسلامية كانوا يعترضون على الامام أحيانا ، بأنّه لماذا قبلت ولاية عهد المأمون مع كلّ زهدك في الدنيا واعراضك عنها؟ فكان الامامعليه‌السلام يجيبهم : «يا هذا ايّما أفضل النّبي ام الوصي»؟ فقالوا : لا بل النّبي ، فقال : ايّهما أفضل مسلم ام مشرك»؟ فقالوا : لا بل مسلم فقال : «فإنّ العزيز عزيز مصر كان مشركا ، وكان يوسف عليه‌السلام نبيّا ، وانّ المأمون مسلم» وانا وصي ، ويوسف سأل العزيز ان يولّيه حين قال :( اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) ، وانا أجبرت على ذلك» وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١٤٦.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

امرأته ، فلما صار في النوم وضعت رأسه على الأرض و قامت ، فانتبه المأمون و غضب لذلك فقالت : إنّ أبي أدّبني بأن لا أقعد عند نائم و لا أنام عند قاعد .

قول المصنف ( و هذه من الاستعارات العجيبة ، كأنّه شبّه السّه بالوعاء و العين بالوكاء ، فإذا اطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء ، و هذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ) فروى أبو داود في سننه في آخر باب الوضوء من النوم عن حيوة بن شريح الحمصي ، في آخرين عن بقية عن الوضين بن عطا عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ عن عليعليه‌السلام قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وكاء السّه العينان فمن نام فليتوضأ(١) .

( و قد رواه قوم لأمير المؤمنينعليه‌السلام و ذكر ذلك المبرد محمد بن يزيد ) قال الحموي : لقب محمد بن يزيد بالمبرد لأنّه لمّا صنّف المازني كتاب الألف و اللام سأله عن دقيقه و عويصه ، فأجابه بأحسن جواب ، فقال له المازني : قم فأنت المبرّد بكسر الراء أي : المثبت للحق ، فحرفه الكوفيون و فتحوا الراء ، و كان متّهما بالوضع في اللغة و أرادوا امتحانه ، فسألوه عن القبعض فقال هو القطن و أنشد

« كأنّ سنامها حشي القبعضا »

فقالوا : إن كان صحيحا فهو عجيب و إن كان مختلقا فهو أعجب(٢) .

( في كتاب المقتضب في باب اللفظ بالحروف ) في كشف الظنون المقتضب في الخطب للمبرد شرحه الرماني و علق على مشكلات أوائله الفارقي .

( و قد تكلمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم بمجازات الآثار النبوية ) قال ثمة كأنّهعليه‌السلام شبّه السته بالوعاء و العين بالوكاء ، فإذا نامت العين

____________________

( ١ ) سنن أبي داود ١ : ٥٢ ح ٢٣ اسند إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام .

( ٢ ) معجم الأدباء للحموي ١٠ : ١١٢ ١١٣ .

٥٠١

انحلّ صرار السته كما أنّه إذا زال الوكاء وسع بما فيه الوعاء ، الا أن حفظ العين للسته على خلاف حفظ الوكاء للوعاء ، فان العين إذا أشرجت لم تحفظ سيتها و الأوكية إذا حللت لم تضبط أوعيتها(١) .

٣٦ الخطبة ( ٧٩ ) و قالعليه‌السلام :

أَيُّهَا اَلنَّاسُ اَلزَّهَادَةُ قِصَرُ اَلْأَمَلِ وَ اَلشُّكْرُ عِنْدَ اَلنِّعَمِ وَ اَلوَرَعُ عِنْدَ اَلْمَحَارِمِ فَإِنْ عَزَبَ ذَلِكَ عَنْكُمْ فَلاَ يَغْلِبِ اَلْحَرَامُ صَبْرَكُمْ وَ لاَ تَنْسَوْا عِنْدَ اَلنِّعَمِ شُكْرَكُمْ فَقَدْ أَعْذَرَ اَللَّهُ إِلَيْكُمْ بِحُجَجٍ مُسْفِرَةٍ ظَاهِرَةٍ وَ كُتُبٍ بَارِزَةِ اَلْعُذْرِ وَاضِحَةٍ « أيها الناس إلى عند المحارم » جعلعليه‌السلام الزهد عبارة عن ثلاثة أمور :

قصر الأمل ، و شكر النعم ، و الورع عند المحارم .

أمّا الأول فقالوا : جمع اللَّه تعالى الزهد في كلمتين(٢) :( لكيلا تأسوا على ما فاتَكم و لا تَفرَحوا بِمآ آتاكم ) (٣) و لا يحصل الحالان إلاّ بقصر الأمل .

و أما الثاني : فلأن من زهد في الدّنيا هان عليه الإنفاق ممّا أنعم اللَّه عليه من المال شكرا .

و قال الصادقعليه‌السلام إنّ اللَّه أنعم على قوم بالمواهب فلم يشكروا فصارت عليهم وبالا ، و ابتلى قوما بالمصائب فصبروا فصارت عليهم نعمة(٤) .

و اما الثالث فسئل الصادقعليه‌السلام عن الزاهد في الدنيا فقال : الذي يترك

____________________

( ١ ) المجازات النبوية : ١٧٨ .

( ٢ ) من حديث للإمام الصادقعليه‌السلام ، بحار الأنوار ٧٨ : ٧٠ بتصرف .

( ٣ ) الحديد : ٢٣ .

( ٤ ) تحف العقول : ٢٦٧ .

٥٠٢

حلالها مخافة حسابه و يترك حرامها مخافة عقابه(١) .

« فإن عزب » أي : بعد و غاب .

« ذلك » الذي ذكر من الأمور الثلاثة .

« عنكم » فلا بدّ لكم من رعاية الثاني ، و الثالث شكر النعم و الورع عن المحارم ، و أشار إلى الورع بقوله .

« فلا يغلب الحرام صبركم » لأنّه ورد أنّه يؤتى يوم القيامة بأعمال قوم كالجبال فتصير هباء منثورا لغلبة الحرام على صبرهم .

و أشار إلى الشكر بقوله :

« و لا تنسوا عند النعم شكركم » فإنّ شكر المنعم واجب عقلي و قال تعالى :

( و لئن كفرتم إنّ عذابي لشديد ) (٢) .

« فقد أعذر اللَّه عليكم بحجج مسفرة » أي : مشرقة مضيئة( لئلاّ يكون لِلنَّاس على اللَّهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُل ) (٣) .

« و كتب بارزة العذر واضحة » إلى نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله و إلى أنبياء قبله .

٣٧ الحكمة ( ٤٢ ) و قالعليه‌السلام : لبعض أصحابه :

جَعَلَ اَللَّهُ مَا كَانَ مِنْ شَكْوَاكَ حَطّاً لِسَيِّئَاتِكَ فَإِنَّ اَلْمَرَضَ لاَ أَجْرَ فِيهِ وَ لَكِنَّهُ يَحُطُّ اَلسَّيِّئَاتِ وَ يَحُتُّهَا حَتَّ اَلْأَوْرَاقِ وَ إِنَّمَا اَلْأَجْرُ فِي اَلْقَوْلِ بِاللِّسَانِ وَ اَلْعَمَلِ بِالْأَيْدِي وَ اَلْأَقْدَامِ وَ إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ

____________________

( ١ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٠ : ٣١١ .

( ٢ ) إبراهيم : ٧ .

( ٣ ) النساء : ١٦٥ .

٥٠٣

اَلنِّيَّةِ وَ اَلسَّرِيرَةِ اَلصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ اَلْجَنَّةَ قول المصنّف : ( و قالعليه‌السلام لبعض أصحابه ) :

هو صالح بن سليم بن سلامان بن طي ( في علة اعتلها ) فلم يشهد معه صفّين لمرضه ، فقالعليه‌السلام ما نقل(١) المصنف له لمّا رجع من صفّين في طريقه .

ففي ( صفّين نصر بن مزاحم ) : قال عبد الرحمن بن جندب : لمّا أقبل عليّعليه‌السلام من صفّين أقبلنا معه إلى أن قال حتى جزنا النخيلة و رأينا بيوت الكوفة ، فإذا نحن بشيخ جالس في ظلّ بيت على وجهه أثر المرض ، فأقبل إليه عليّعليه‌السلام و نحن معه ، فقال له : مالي أرى وجهك منكفتا ؟ أمن مرض ؟ قال : نعم .

قال : فلعلك كرهته فقال : ما أحبّ أن يعتري قال : أليس احتساب بالخير في ما أصابك منه ؟ قال : بلى قال : أبشر برحمة ربّك و غفران ذنبك ، من أنت يا عبد اللَّه ؟ قال : أنا صالح بن سليم قال : ممّن ؟ قال : أمّا الأصل فمن سلامان بن طي ، و أمّا الجوار و الدعوة فمن بني سليم بن منصور قال : سبحان اللَّه ما أحسن اسمك و اسم أبيك و اسم من اعتزيت إليه ، هل شهدت معنا غزاتنا هذه ؟ قال : لا و اللَّه ما شهدتها و لقد أردتها و لكن ما ترى بي من لحب الحمّى خذلني عنها .

قالعليه‌السلام : ليسَ على الضُعَفاءِ و لاَ عَلى المَرضَى و لا على الذين لا يَجدُونَ ما يُنفقُون حرجٌ( إِذا نَصَحوا للَّه و رسوله ما على المحسنين من سبيلٍ و اللَّه غفورٌ رحيم ) (٢) أخبرني ما يقول الناس فيما كان بيننا و بين أهل الشام ؟ قال : منهم المسرور فيما كان بينك و بينهم و اولئك أغبياء الناس ، و منهم المكبوت الأسف لمّا كان من ذلك و اولئك نصحاء الناس لك ، و ذهب لينصرف فقالعليه‌السلام له : صدقت جعل اللَّه ما كان من شكواك حطّا لسيّئاتك ، فإنّ المرض لا أجر فيه

____________________

( ١ ) النهج ، الحكمة : ٤٢ .

( ٢ ) التوبة : ٩١ .

٥٠٤

و لكن لا يدع للعبد ذنبا إلاّ حطّه ، إنّما الأجر في القول باللّسان و العمل باليد و الرجل ، و إنّ اللَّه عز و جل يدخل بصدق النيّة و السريرة الصالحة من عباده الجنّة(١) .

« جعل اللَّه ما كان من شكواك حطّا لسيّئاتك » في الخبر عاد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سلمان في علته فقال : إنّ لك فيها ثلاث خصال : أنت من اللَّه تعالى بذكر ، و دعاؤك فيه مستجاب ، و لا تدع العلّة عليك ذنبا إلاّ حطّته(٢) .

و في الخبر : حمّى ليلة كفّارة سنة لأنّه يبقى أثرها إلى سنة(٣) .

و في ( الطرائف ) : برى‏ء الفضل بن سهل من علّة فقال : إنّ في المرض لنعما لا ينبغي للعقلاء أن يجحدوها ، منها تمحيص للذنوب و تعرّض للثواب و الصبر و إيقاظ من الغفلة و ادكار للنعمة الموجودة في الصحة و رضا بما قدر اللَّه و قضائه و استدعاء للتوبة و حضّ على الصدقة(٤) .

« فإنّ المرض لا أجر فيه و لكنه يحط السيئات و يحتها حت الأوراق » يقال : حت الدم عن الثوب و حت الورق عن الشجر .

و في ( أدب كاتب الصولي ) لبعضهم تشبيها بمقط القلم لاصلاحه :

فإن تكن الحطوب فرين مني

أديما لم يكن قدما يعط

فإنّ كرائم الأقلام تحفى

فيصلح من تشعثها المقط(٥)

هذا ، و في ( تاريخ بغداد ) اعتل الحسن بن وهب من حمّى نافض و صالب و طاولته فكتب إليه أبو تمّام :

____________________

( ١ ) صفّين لنصر بن مزاحم : ٥٢٨ ، و نقله المجلسي في بحار الأنوار ٣٢ : ٥٥١ .

( ٢ ) ذكره الصدوق في الخصال : ١٧١ ( ١٩٥ ) و المجلسي في البحار ٧٧ : ٦٢ رواية ٣ و ٨١ : ١٨٥ رواية ٣٧ .

( ٣ ) نسبه الطوسي في أماليه إلى الرسول الأكرم صلّى اللَّه عليه و آله ، الأمالي : ٦٤١ ح ١ .

( ٤ ) الظرائف للمقدّسي : ١٤٣ .

( ٥ ) أدب الكتاب للصولي : ١١ .

٥٠٥

ليت حمّاك فيّ و كان لك الأجر

فلا تشتكي و كنت المريضا(١)

( و فيه ) : إعتل الفضل بن سهل ذو الرياستين بخراسان ثم برى‏ء فجلس للناس فهنّأوه بالعافية و تصرّفوا في الكلام ، فلمّا فرغوا أقبل على الناس فقال :

إنّ في العلل لنعما ينبغي للعقلاء أن يعلموها : تمحيص للذنوب ، و تعرّض لثواب الصبر ، و إيقاظ من الغفلة ، و ادكار للنعمة في حال الصحة ، و استدعاء للتوبة ، و حضّ على الصدقة ، و في قضاء اللَّه و قدره بعدم الخيار فنسي الناس ما تكلّموا به و انصرفوا بكلام الفضل(٢) .

« و إنّما الأجر في القول باللّسان و العمل بالأيدي و الأقدام » و المرض ليس منهما فليس فيه أجر ، و أمّا قوله( ذلك بأنّهم لا يصيبُهم ظمأ و لاَ نَصبُ و لا مخمصة في سبيل اللَّه و لا يطَؤُنَ موطئا يغيظ الكفّار و لا ينالُونَ من عَدُوّ نيلاً إِلاّ كُتب لهُم به عمل صالح إِن اللَّه لا يُضيعُ أجرَ المُحسِنينَ و لا يُنفِقونَ نَفَقَةً صغيرةً و لا كبيرةً و لا يقطَعُون وادياً إِلاّ كتب لَهُم ليَجزِيَهُمُ اللَّهُ أَحسَن ما كانوا يَعمَلُون ) (٣) في جعل إصابتهم الجوع و العطش و التعب و هي ليست من أعمال الجوارح مثل وطى‏ء الأقدام في غيظ الكفار و النيل منهم و الإنفاق و قطع الوادي في الجهاد و نحوها ممّا هو العمل بالأيدي و الأقدام ، فلا ينافي كلامهعليه‌السلام لأنّ ما ذكر أوّلا مسبّب عن أعمال الجوارح ، فإنّ الجوع و العطش و التعب كانت بواسطة الجهاد .

« و ان اللَّه سبحانه يدخل بصدق النيّة و السريرة الصالحة من يشاء من عباده الجنّة » الظاهر كون الكلام استدراكا من قولهعليه‌السلام السابق « و انما الأجر . » ،

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ٨ : ٢٥٢ ، لم نعثر على البيت الشعري في ديوان أبي تمام .

( ٢ ) تاريخ بغداد ١٢ : ٣٤٢ .

( ٣ ) التوبة : ١٢٠ ١٢١ .

٥٠٦

بمعنى أن النيّة و إن لم تكن عمل الجوارح إلاّ أنّها لمّا كانت سببا لأعمال الجوارح كانت أيضا موجبا للأجر إن كانت صالحة ، و للوزر إن كانت فاسدة .

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « نيّة المؤمن خير من عمله و نيّة الكافر شرّ من عمله »(١) ، و قال تعالى .( إِن السَمعَ و البَصَرَ و الفؤاد كُل اُولئكَ كان عنه مسؤولاً ) (٢) .

و قال الصادقعليه‌السلام : إنّما خلّد أهل النّار في النّار لأنّ نياتهم في الدّنيا ان لو خلّدوا فيها أن يعصوا اللَّه أبدا ، و إنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة لأنّ نيّاتهم أن لو بقوا في الدّنيا أن يطيعوا اللَّه أبدا ، فبالنيّات خلّد هؤلاء و هؤلاء ثم تلا قوله تعالى قُل كُلٌ يعمَلُ على شاكِلَتِه(٣) .

و في ( الكافي ) : و إن المؤمن الفقير يقول : ربّ ارزقني حتى أفعل كذا و كذا من البرّ ، فإذا علم تعالى ذلك منه بصدق نيّة كتب له من الأجر مثل ما لو عمله ، إنّ اللَّه واسع كريم(٤) .

هذا ، و قالعليه‌السلام بصدق النيّة ، لأنّه ليست كلّ نيّة صادقة ، فقد قال تعالى( و منهم من عاهدَ اللَّه لئن آتانا من فَضلِهِ لنَصَّدَّقَنَّ و لنكُوننَّ من الصالحين فَلما آتاهُم من فَضلِهِ بَخِلُوا بهِ و تَولَّوا و هُم مُعرِضون فأَعقَبَهُم نفاقاً في قلوبهم إِلى يوم يلقونه بما أخلفوا اللَّه ما و عدُوه و بما كانوا يكذِبُونَ ) (٥) .

و قال الصادقعليه‌السلام في صدق النية : عند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر ، تصفية العمل أشدّ من العمل ، تخليص النيّة من الفساد أشد على العالمين

____________________

( ١ ) علل الشرائع للصدوق ٢ : ٤٠٣ حديث ٤ .

( ٢ ) الاسراء : ٣٦ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٨٥ ح ٥ ، و ذكره الصدوق في علل الشرائع ٢ : ٥٢٣ ح ١ ، و الآية ٨٤ من سورة الاسراء .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٨٥ ح ٣ ، و ذكره البرقي في المحاسن : ٢٦١ .

( ٥ ) التوبة : ٧٥ ٧٧ .

٥٠٧

من طول الجهاد(١) .

( قال الرضي : و أقول : صدقعليه‌السلام ، إنّ المرض لا أجر فيه لأنّه ليس من قبيل ما يستحق عليه العوض ، لأن العوض يستحق على ما كان في مقابلة فعل اللَّه تعالى بالعبد من الآلام و الأمراض و ما يجري مجرى ذلك ، و الأجر و الثواب يستحقان على ما كان في مقابلة فعل العبد ، فبينهما فرق قد بيّنه كما يقتضيه علمه الثاقب و رأيه الصائب ) و قد قالعليه‌السلام في المرض يصيب الصبي : إنّه كفارة لوالديه ، و ورد أنّ النّوم الموحش كفّارة(٢) .

٣٨ الحكمة ( ٤٧ ) و قالعليه‌السلام :

قَدْرُ اَلرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِهِ وَ صِدْقُهُ عَلَى قَدْرِ مُرُوءَتِهِ وَ شَجَاعَتُهُ عَلَى قَدْرِ أَنَفَتِهِ وَ عِفَّتُهُ عَلَى قَدْرِ غَيْرَتِهِ « قدر الرجل على قدر همّته » في ( تاريخ بغداد ) غلب عبد اللَّه بن طاهر على الشام و وهب له المأمون ما وصل إليه من الأموال هنا لك ، ففرّقه على القوّاد ثم وقف على باب مصر فقال : أخزى اللَّه فرعون ما كان أخسّه و أدنى همّته ، ملك هذه القرية فقال( أنا ربُّكم الأعلى ) (٣) و اللَّه لا دخلتها(٤) .

و في ( المعجم ) قال الصاحب بن عباد :

و قائلة : لم عرتك الهموم

و أمرك ممتثل في الامم

____________________

( ١ ) الروضة من الكافي للكليني : ٢ ح ١ .

( ٢ ) بحار الأنوار عن الإمام عليعليه‌السلام ٥ : ٣١٧ و عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ٨١ : ١٩٧ رواية ٥٤ .

( ٣ ) النازعات : ٢٤ .

( ٤ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٩ : ٤٨٣ ، ترجمة عبد اللَّه بن طاهر ( ٥٠١٤ ) .

٥٠٨

فقلت دعيني و ما قد عرى(١)

فإنّ الهموم بقدر الهمم(٢)

و في ( الكامل ) : سافر كعب بن مامة الأيادي مع رجل من بني النمر بن قاسط ، فقلّ الماء فتصافناه و التصافن أن يطرح حجر في الاناء ثم يصبّ فيه من الماء ما يغمره لئلا يتغابنوا ، فجعل النمري يشرب نصيبه فإذا أخذ كعب نصيبه قال : اسق أخاك النمري فيؤثره ، حتى جهد كعب و رفعت له أعلام الماء ، فقيل له رد كعب و لا ورود به فمات عطشا .

و وفد أوس بن حارثة بن لام الطائي و حاتم الطائي على عمرو بن هند ملك الحيرة ، فدعا أوسا فقال له : أنت أفضل أم حاتم ؟ فقال له : أبيت اللعن ، لو ملكني حاتم و ولدي و لحمتي لوهبنا في غداة واحدة ، ثم دعا حاتما فقال له :

أنت أفضل أم أوس ؟ فقال : أبيت اللعن إنّما ذكّرت بأوس ، و لأحد ولده أفضل منّي .

و كان النعمان بن المنذر دعا بحلة و عنده وفود العرب من كلّ حي فقال :

احضروني في غد فانّي ملبس هذه الحلة أكرمكم ، فحضر القوم جميعا إلاّ أوسا ، فقيل له لم تخلفت ؟ فقال : إن كان المراد غيري فأجمل الأشياء بي ألاّ أكون حاضرا ، و إن كنت أنا المراد فسأطلب و يعرف مكاني ، فلما جلس النعمان لم ير أوسا فقال : إذهبوا إلى أوس فقولوا له : إحضر آمنا ممّا خفت ، فحضر فلبس الحلة فحسده قوم من أهله فقالوا للحطيئة : اهجه و لك ثلاثمائة ناقة فقال : كيف أهجو رجلا لا أرى في بيتي أثاثا و لا مالا إلاّ من عنده ، ثم قال :

كيف الهجاء و ما تنفكّ صالحة

من آل لأم(٣) بظهر الغيب تأتيني(٤)

____________________

( ١ ) ورد في الديوان بلفظ : « فقلت ذريني على غصتي »

( ٢ ) ديوان الصاحب بن عباد : ٢٨٠ .

( ٣ ) نسخة التحقيق « إذا ذكرت » .

( ٤ ) ديوان الحطيئة : ١٧٤ .

٥٠٩

فقال لهم بشر بن أبي خازم الأسدي : أنا أهجوه لكم ، فأخذ الابل و فعل ، فأغار أوس على الابل فاكتسحها و جعل بشر لا يستجير حيّا إلاّ قالوا قد أجرناك إلاّ من أوس و كان في هجائه إيّاه ذكر امّه فأتى به فدخل على امه فقال : قد أتينا ببشر الهاجي لك و لي فما ترين فيه ؟ قالت : أرى أن ترد عليه ماله و تعفو عنه و تحبوه و أفعل مثل ذلك ، فانّه لا يغسل هجاه إلاّ مدحه ، فخرج إليه و قال له : إنّ امّي سعدى التي كنت تهجوها أمرت لك بكذا و كذا فقال : لا جرم ، لا و اللَّه لا مدحت أحدا حتى أموت غيرك(١) .

« و صدقه على قدر مروّته » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل و سجوده ، فإنّ ذلك شي‏ء اعتاده فلو تركه استوحش لذلك ، و لكن انظروا إلى صدق حديثه و أداء أمانته(٢) .

و عنهعليه‌السلام : إنّما سمّي اسماعيل صادق الوعد لأنّه وعد رجلا في مكان فانتظره في ذلك المكان سنة فأتاه بعد سنة فقال له إسماعيل : مازلت منتظرا لك(٣) .

و في ( الخصال ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ست من المروّة ، ثلاث منها في الحضر ، و ثلاث منها في السفر : فأمّا الّتي في الحضر ، فتلاوة كتاب اللَّه عز و جل و عمارة مساجد اللَّه و اتخاذ الإخوان في اللَّه عز و جل ، و أمّا الّتي في السفر ، فبذل الزاد و حسن الخلق و المزاح في غير معاصي اللَّه(٤) .

« و شجاعته على قدر أنفته » في ( وزراء الجهشياري ) : بلغ موسى بن المهدي و هو الهادي حال بنت لعمارة بن حمزة مولاهم و هي جميلة

____________________

( ١ ) الكامل في الأدب للمبرّد ١ : ١٩٧ ١٩٩ ، طبعة مصر .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ١٠٥ ح ١٢ .

( ٣ ) ورد في البحار قريب منه عن الإمام الرضاعليه‌السلام ٣ : ٣٨٨ رواية ١ .

( ٤ ) الخصال للصدوق ١ : ٣٢٤ ح ١١ .

٥١٠

فراسلها فقالت لأبيها ذلك ، فقال : إبعثي إليه في المصير إليك و أعلميه أنّك تقدرين على إيصاله إليك في موضع يخفى أثره ، فأرسلت إليه بذلك و حمل موسى على المصير نفسه ، فأدخلته حجرة قد فرشت و اعدّت له ، فلما صار إليها دخل عليه عمارة فقال : السّلام عليك أيها الأمير ماذا تصنع هاهنا ؟

إتّخذناك وليّ عهد فينا أو فحلا في نسائنا ؟ ثم أمر به فبطح في موضعه فضربه عشرين درة خفيفة و ردّه إلى منزله ، فحقد عليه فلما ولي الخلافة دسّ إليه رجلا يدّعي عليه أنّه غصبه الضيعة المعروفة بالبيضاء بالكوفة و كانت قيمتها ألف ألف درهم فبينا الهادي ذات يوم جالس للمظالم و عمارة بحضرته ، و ثب الرجل فتظلم منه ، فقال الهادي لعمارة : ما تقول ؟ قال : ان كانت الضيعة لي فهي له و ان كانت له فهي له و وثب فانصرف عن المجلس(١) .

( و عفته على قدر غيرته ) كانعليه‌السلام يقول لأهل العراق : نبئت أن نساءكم يدافعن الرجال في الطريق ، أما تستحون و لا تغارون ؟

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ان اللَّه تعالى غيور يحب كلّ غيور ، و لغيرته حرّم الفواحش ظاهرها و باطنها ، و إذا لم يغر الرجل فهو منكوس القلب(٢) .

و عنهعليه‌السلام : لمّا أقام العالم الجدار أوحى تعالى إلى موسىعليه‌السلام : إنّي مجازي الأبناء بسعي الآباء ، إن خيرا فخير و إن شرّا فشر ، لا تزنوا فتزني نساؤكم ، و من وطى‏ء فراش امرى‏ء مسلم وطى‏ء فراشه ، كما تدين تدان(٣) .

و عن الصادقعليه‌السلام : كانت في بني اسرائيل بغيّ و كان رجل منهم يكثر

____________________

( ١ ) وزراء الجهشياري تاريخ الوزراء : ١٤٧ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٣٦ ح ٣ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٥٣ رواية ١ ، و كذلك ثواب الأعمال : ١٣ ، و أيضا المجلسي في بحار الأنوار ١٣ : ٢٩٦ رواية ١٣ .

٥١١

الاختلاف إليها ، فلمّا كان في آخر ما أتاها أجرى اللَّه على لسانها : أما إنّك سترجع إلى أهلك فتجد معها رجلا ، فارتفعا إلى موسىعليه‌السلام فنزل جبرئيلعليه‌السلام و قال : يا موسى من يزن يزن به ، فنظر موسى إليهما فقال : عفّوا تعفّ نساؤكم(١) .

٣٩ الحكمة ( ٤٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلظَّفَرُ بِالْحَزْمِ وَ اَلْحَزْمُ بِإِجَالَةِ اَلرَّأْيِ وَ اَلرَّأْيُ بِتَحْصِينِ اَلْأَسْرَارِ هو قياس منتج : ان الظفر بتحصين الأسرار و هو قياس ينحلّ إلى قياسين ، لأنّ القضية الثانية كبرى بالنسبة إلى الاولى و صغرى بالنسبة إلى الثالثة .

أمّا كون الظّفر بالحزم ففي العيون : قيل لرجل من بني عبس : ما أكثر صوابكم فقال : نحن ألف رجل و فينا حازم واحد و نحن نطيعه ، فكأنّا ألف حازم(٢) .

و يقال : روّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم(٣) .

و أمّا كون الحزم بإجالة الرأي فكان عامر بن الظرب حكيم العرب يقول :

دعوا الرأي يغبّ حتى يختمر ، و إيّاكم و الرأي الفطير(٤) .

و لمّا استعجل الحجّاج المهلّب في حرب الأزارقة قال المهلّب : إنّ من

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٥٣ رواية ٣ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٠ ٣٢ ، و كذلك العقد الفريد ١ : ٦٠ .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٤ .

( ٤ ) ابن عبد ربه ١ : ٦٠ ( دار الكتب العلمية ) .

٥١٢

البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره(١) .

و يقال : ليس بين الملك و بين ان يملك رعيته أو تملكه رعيته إلاّ حزم أو توان .

و قيل : من التمس الرخصة من الإخوان عند المشورة و من الأطباء عند المرض و من الفقهاء عند الشبهة أخطأ الرأي و ازداد مرضا و حمل الوزر(٢) .

و أمّا كون الرأي بتحصين الأسرار فيقال : ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك(٣) .

و في ( وزراء الجهشياري ) : كان موسى بن عيسى الهاشمي يتقلّد للرشيد مصر ، و كثر التظلّم منه و اتّصلت السعايات به و قيل إنّه قد استكثر من العبيد و العدّة فقال الرشيد ليحيى البرمكي : اطلب لي رجلا كاتبا عفيفا يكمل لمصر و يستر خبره فلا يعلم موسى بن عيسى حتى يفجأه قال : قد وجدته هو عمر بن مهران و كان كتب للخيزران و لم يكتب لغيرها قط و كان رجلا أحول مشوّه الخلق خسيس اللّباس فأمر بإحضاره قال : فاستدناني الرشيد و نحّى الغلمان و أمرني أن أستر خبري حتى افاجى‏ء موسى بن عيسى فأتسلّم العمل منه ، فأعلمته أنّه لا يقرأ لي ذكرا في كتب أصحاب الأخبار حتى أوافي مصر ، فكتب لي بخطّه إلى موسى ، فخرجت من غد مبكرا على بغلة لي و معي غلام أسود على بغل استأجرته ، معه خرج فيه قميص و مبطنة و طيلسان و شاشية و خف و مفرش صغير ، و اكتريت لثلاثة من أصحابي أثق بهم ثلاثة أبغل ، و أظهرت أنّي وجّهت ناظرا في أمور بعض العمّال ، كلّما وردت

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣١ .

( ٢ ) المصدر نفسه ١ : ٣٠ ، في كتاب للهند .

( ٣ ) المصدر نفسه ١ : ٤٠ .

٥١٣

بلدا توهّم من معي أنّي قصدته و ليس يعرف خبري أحد من أهل البلدان أمرّ بها في نزولي و نفوذي حتى وافيت الفسطاط فنزلت جنابا و خرجت منه وحدي في زيّ متظلم أو تاجر ، فدخلت دار الامارة و ديوان البلد و بيت المال ، و سألت و بحثت عن الأخبار و جلست مع المتظلمين و غيرهم ، فمكثت ثلاثة أيام أفعل ذلك حتى عرفت جميع ما احتجت إليه ، فلمّا نام الناس دعوت أصحابي فقلت للّذي أردت استكتابه على الديوان : قد رأيت مصر و قد استكتبتك على الديوان فبكّر إليه فاجلس فيه ، فإذا سمعت الحركة فاقبض على الكاتب و وكلّ به و بالكتاب و الأعمال ، و لا يخرج من الديوان أحد حتى أوافيك ، و دعوت بآخر فقلّدته بيت المال و أمرته بمثل ذلك ، و قلّدت الآخر عملا من الأعمال بالحضرة ، و أمرتهم أن يبكّروا و لا يظهروا أنفسهم حتى يسمعوا الحركة ، و بكّرت فلبست ثيابي و وضعت الشاشية على رأسي و مضيت إلى دار الامارة ، فأذن موسى للناس إذنا عامّا ، فدخلت فيمن دخل ، فإذا موسى على فرش و القوّاد وقوف عن يمينه و شماله و الناس يدخلون فيسلّمون و يخرجون و أنا جالس بحيث يراني و حاجبه ساعة بساعة يقيمني و يقول لي تكلّم بحاجتك ، فأعتلّ عليه حتى خفّ الناس ، فدنوت منه و أخرجت إليه كتاب الرشيد فقبّله و وضعه على عينه ثم قرأه فامتقع لونه و قال : السمع و الطاعة تقرى‏ء أبا حفص السلام و تقول له : ينبغي لك أن تقيم بموضعك حتى نعدّ لك منزلا يشبهك و يخرج غدا أصحابنا يستقبلونك فتدخل مدخل مثلك .

فقال له : أنا عمر بن مهران قد أمرني الرشيد بإقامتك للناس و انصاف المظلوم منك و أنا فاعل ذلك فقال : أنت عمر بن مهران ؟ قلت : نعم قال :( لعن اللَّه فرعون حيث يقول أليس لي مُلك مِصر ) (١) و اضطرب الصوت في الدار ،

____________________

( ١ ) الزخرف : ٥١ .

٥١٤

فقبض كاتبي على الديوان و صاحبي الآخر على بيت المال و ختما عليه و وردت عليه رقاع أصحاب أخباره بذلك ، فنزل عن فرشه و قال : « لا إله إلاّ اللَّه هكذا تقوم الساعة ما ظننت أنّ أحدا بلغ من الحزم و الحيلة ما بلغت ، فإنّك قد تسلّمت الأعمال و أنت في مجلسي » ثم نهضت إلى الديوان فقطعت أمور المتظلمين منه و انصرفت على بغلتي التي دخلت عليها و معي غلامي الأسود(١) .

و في ( عيون ابن قتيبة ) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إستعينوا على الحوائج بالكتمان ، فإنّ كلّ ذي نعمة محسود(٢) .

و كان عليعليه‌السلام يتمثل بهذين البيتين :

و لا تفش سرّك إلاّ إليك

فإنّ لكلّ نصيح نصيحا

فإنّي رأيت غواة الرجال

لا يتركون أديما صحيحا(٣)

و قال الشاعر :

و لو قدرت على نسيان ما اشتملت

منّي الضلوع من الأسرار و الخبر

لكنت أوّل من ينسى سرائره

إذ كنت من نشرها يوما على خطر(٤)

٤٠ الحكمة ( ٦٣ ) و قالعليه‌السلام :

اَلشَّفِيعُ جَنَاحُ اَلطَّالِبِ

____________________

( ١ ) تاريخ الوزراء للجهشياري : ٢١٧ ٢٢٠ بتصرف .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ، أخرجه عن أحمد بن خليل عن محمد بن الحصيب عن أوس بن عبد اللَّه بن بريدة عن أخيه عن بريدة ١ : ٣٨ و قد مرّ .

( ٣ ) ذكرهما ابن قتيبة في العيون ١ : ٣٩ ، و قد مرّ ذكره .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبه ١ : ٣٩ .

٥١٥

قالوا : الشفاعات مفاتيح الطلبات و قيل في فضل البرمكي :

و من يكن الفضل بن يحيى بن خالد

شفيعا له عند الخليفة ينجح(١)

و في ( تاريخ بغداد ) : إشترى أخ لشعبة من طعام السلطان فخسر هو و شركاؤه ، فحبس بستة آلاف دينار بحصته ، فخرج شعبة إلى المهدي ليكلّمه فيه ، فلمّا دخل عليه قال للمهدي : انشدني قتادة و سماك بن حرب لامية بن أبي الصلت يقوله لعبد اللَّه بن جدعان :

أأذكر حاجتي أم قد كفاني

حياؤك إن شيمتك الحياء

كريم لا يعطّله صباح

عن الخلق الكريم و لا مساء

فارضك أرض مكرمة بنتها

بنو تيم و أنت لهم سماء

فقال : لا ، لا تذكرها قد عرفناها و قضيناها لك ، إرفعوا إليه أخاه لا تلزموه شيئا(٢) .

هذا ، و في المعجم قال أبو العيناء : كان لي صديق فجاءني يوما و قال :

أريد الخروج إلى فلان العامل و أحببت أن يكون معي إليه وسيلة و قد سألت عن صديقه فقيل لي الجاحظ و هو صديقك فاحبّ أن تأخذ لي كتابه إليه بالعناية ، فصرت إلى الجاحظ فقلت له جئتك مسلّما و قاضيا للحق و لبعض أصدقائي حاجة و هي كذا و كذا فقال : لا تشغلنا الساعة عن المحادثة و إذا كان في غد وجّهت إليك بالكتاب ، فلمّا كان في غد ، وجّه إليّ بالكتاب ، فقلت لابني :

وجّه هذا الكتاب إلى فلان ففيه حاجته فقال لي : إن الجاحظ بعيد الغور فينبغي أن نفضّه و ننظر ما فيه ، ففعل فإذا في الكتاب :

« هذا الكتاب مع من لا أعرفه و قد كلّمني فيه من لا أوجب حقّه ، فان

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٠٨ .

( ٢ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٩ : ٢٥٦ في ترجمة شعبة بن الحجاج .

٥١٦

قضيت حاجته لم أحمدك ، و ان رددته لم أذممك » .

فلمّا قرأت الكتاب مضيت من فوري إلى الجاحظ فقال : قد علمت انّك أنكرت ما في الكتاب ، فقلت أو ليس موضع نكرة ، فقال لا هذه علامة بيني و بين الرجل في من أعتني به ، فقلت : لا إله إلاّ اللَّه ما رأيت أحدا أعلم بطبعك و ما جبلت عليه من هذا الرجل ، انّه لمّا قرأ هذا الكتاب قال : أم الجاحظ عشرة آلاف في عشرة آلاف قحبة و ام من يسأله حاجة فقلت له : يا هذا تشتم صديقنا فقال :

هذه علامة في من أشكره فضحك الجاحظ(١) .

٤١ الخطبة (( الحكمة )) ( ٦٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْعَفَافُ زِينَةُ اَلْفَقْرِ وَ اَلشُّكْرُ زِينَةُ اَلْغِنَى أقول : كرّره المصنف في ( ٣٤٠ ) سهوا ، لكن نقله عنه هنا ابن ميثم بدون الفقرة الأخيرة(٢) و انما نقله عنه معها ابن أبي الحديد(٣) .

« العفاف زينة الفقر » و قد وصف اللَّه تعالى الفقراء المتزيّنين بالعفاف في قوله( يَحسَبُهُم الجاهِلُ أَغنياءَ مِنَ التَّعفُّف تَعرفُهم بسيماهم لا يَسألونَ الناس إِلحافاً ) (٤) .

« و الشكر زينة الغنى » قال سليمانعليه‌السلام ( ربِّ أَوزعني أن أَشكُر نعمتك الّتي أَنعمتَ عليَّ وَ على والديَّ ) (٥) و قال أيضا لمّا رأى عرش ملكة سبأ مستقرا

____________________

( ١ ) معجم الادباء للحموي ١٦ : ٨٣ ، في ترجمة عمرو بن بحر ، الجاحظ .

( ٢ ) نقل شرح ابن ميثم « العفاف زينة الفقر » ٥ : ٢٧٣ رقم ٦٠ .

( ٣ ) راجع شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢١٣ رقم ٦٦ .

( ٤ ) البقرة : ٢٧٣ .

( ٥ ) النمل : ١٩ .

٥١٧

عنده في أقل من طرفة عين( هذا من فضل رَبّي ليبلوَني ءأشكُر أَم أكفُر و مَن شَكَرَ فإنّما يَشكُرُ لِنَفسِهِ ) ( و مَن كَفَر فإن ربِّي غَنيٌ كريم ) (١) .

٤٢ الحكمة ( ٦٩ ) و قالعليه‌السلام :

إِذَا لَمْ يَكُنْ مَا تُرِيدُ فَلاَ تُبَلْ مَا كُنْتَ أقول : هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) ، و الصواب ما في ابن أبي الحديد(٣) و ابن ميثم(٤) و النسخة الخطية(٥) « فلا تبل كيف كنت » و « تبل » بضم التاء و الأصل فيه تبال ، حذفوا الألف تخفيفا لكثرة الاستعمال كما حذفوا الياء من قولهم « لا أدر » قال زهير :

لقد باليت مظعن امّ أوفى

و لكن ام أوفى لا تبالي(٦)

قالوا : كان لامرأة ابن واحد ، فمات فقالت أردت أن لا يموت هذا ، فمن شاء بعده عاش و من شاء مات .

٤٣ الحكمة ( ٨٧ ) و قالعليه‌السلام :

عَجِبْتُ لِمَنْ يَقْنَطُ وَ مَعَهُ اَلاِسْتِغْفَارُ

____________________

( ١ ) النمل : ٤٠ .

( ٢ ) راجع النسخة المصرية شرح محمّد عبده : ٦٧١ رقم ٦٦ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢١٥ .

( ٤ ) في شرح ابن ميثم ٥ : ٢٧٣ كما ما ذكره ( محمّد عبده ) في النسخة المصرية المنقحة .

( ٥ ) راجع النسخة الخطية ( المرعشي ) : ٣١٢ .

( ٦ ) ديوان زهير بن أبي سلمى : ٥٧ .

٥١٨

أقول : روي عنهعليه‌السلام هذا المعنى بلفظ آخر ، فعنهعليه‌السلام قال « العجب لمن يهلك و النجاة معه » قيل : ما هي ؟ قالعليه‌السلام : الاستغفار(١) .

و ورد أنّ الزهري لمّا حصل له القنوط من عقوبته رجلا فمات قال له عليّ بن الحسينعليه‌السلام : أخاف عليك من قنوطك ما لا أخاف عليك من ذنبك .

و أمره ببعث ديته ثم الاستغفار ، فقال له فرّجت عني يا سيدي اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته(٢) .

و في ( الكافي ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : الاستغفار و قول لا إله إلاّ اللَّه خير العبادة ، قال تعالى( فَاعلَم أَنّه لا إله إلاّ اللَّه و استَغفر لِذَنبك ) .(٣) و قد قال تعالى .( وَ ما كانَ اللَّه مُعذِّبَهُم وَ هُم يَستَغفِرُون ) (٤) .

٤٤ الحكمة ( ٨٩ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَللَّهِ أَصْلَحَ اَللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَلنَّاسِ وَ مَنْ أَصْلَحَ أَمْرَ آخِرَتِهِ أَصْلَحَ اَللَّهُ لَهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَ مَنْ كَانَ لَهُ فِي نَفْسِهِ وَاعِظٌ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ اَللَّهِ حَافِظٌ الحكمة ( ٤٢٣ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اَللَّهُ عَلاَنِيَتَهُ وَ مَنْ عَمِلَ لِدِينِهِ كَفَاهُ اَللَّهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَ مَنْ أَحْسَنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَللَّهِ أَحْسَنَ اَللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَلنَّاسِ

____________________

( ١ ) ذكره الطبرسي في مكارم الأخلاق : ١٦٦ .

( ٢ ) تنقيح المقال للمامقاني ٣ : ١٨٧ .

( ٣ ) محمد : ١٩ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٥٠٥ ح ٦ عن حسين بن زيد ، و الآية ١٩ من سورة محمد .

٥١٩

أقول : روى ( روضة الكافي ) في حديثه ( ٤٧٧ ) عن الصادقعليه‌السلام : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : كانت الفقهاء و العلماء إذا كتب بعضهم إلى بعض كتبوا بثلاثة ليس معهنّ رابعة : من كانت همّته آخرته كفاه اللَّه همّه من الدنيا ، و من أصلح سريرته أصلح اللَّه علانيته ، و من أصلح فيما بينه و بينه تعالى أصلح اللَّه فيما بينه و بين الناس(١) .

قولهعليه‌السلام في الأول : « من أصلح ما بينه و بين اللَّه تعالى أصلح اللَّه ما بينه و بين الناس » و في الثاني : « و من أحسن في ما بينه و بين اللَّه أحسن اللَّه ما بينه و بين الناس » على ما في ( الطبعة المصرية(٢) و ابن أبي الحديد )(٣) ، و لكن في ( ابن ميثم(٤) و النسخة الخطية ) : « كفاه اللَّه ما بينه و بين الناس »(٥) .

قال الصادقعليه‌السلام : ما نقل اللَّه عبدا من ذلّ المعاصي إلى عزّ التقوى إلاّ أغناه من غير مال و أعزّه من غير عشيرة و آنسه من غير بشر(٦) .

و في الأول « و من أصلح أمر آخرته أصلح اللَّه له أمر دنياه » و في الثاني « و من عمل لدينه كفاه اللَّه أمر دنياه » قال تعالى : و من يَتّق اللَّه يَجعَل لهُ مخرجا .

( و يَرزُقُه من حيثُ لا يَحتَسبُ ) (٧) .

و عن عيسىعليه‌السلام : أوحى اللَّه تعالى إلى الدّنيا : من خدمني فاخدميه ، و من خدمك فاستخدميه(٨) .

____________________

( ١ ) الكافي الروضة للكليني : ٣٠٧ .

( ٢ ) راجع النسخة المصرية المنقحة : ٧٥٥ رقم ٤٠٩ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٦٨ رقم ٤٢٩ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٤٤٧ رقم ٤٩٨ .

( ٥ ) النسخة الخطية : ٣٢٧ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٢ : ٧٦ ح ٨ .

( ٧ ) الطلاق : ٢ ٣ .

( ٨ ) ورد ما يشابهه في بحار الأنوار ٧٧ : ٥٤ .

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572