الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 572

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 572 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 287832 / تحميل: 5231
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وعنده حقة، أخذت منه، وأعطي معها شاتين أو عشرين درهما. فإن وجبت عليه حقة، وعنده جذعة، أخذت منه، وردّ عليه شاتان أو عشرون درهما.

فأمّا زكاة البقر، فليس في شي‌ء منها زكاة، الى أن تبلغ ثلاثين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها تبيع حولي. ثمَّ ليس فيما زاد عليها شي‌ء، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها مسنّة. وكلّ ما زاد على ذلك، كان هذا حكمه: في كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنّة.

وأمّا الغنم، فليس فيها زكاة، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها شاة. ثمَّ ليس فيها شي‌ء، الى أن تبلغ مائة وعشرين. فإذا بلغت ذلك، وزادت واحدة، كان فيها شاتان الى أن تبلغ مائتين. فإذا بلغت وزادت واحدة، كان فيها ثلاث شياه الى أن تبلغ ثلاثمائة. فإذا بلغت ذلك، وزادت واحدة، كان فيها أربع شياه. ثمَّ تترك هذه العبرة فيما زاد عليه، وأخذ من كلّ مائة شاة.

وأمّا الخيل إذا كانت عتاقا كان على كلّ واحدة منها في في كلّ سنة ديناران. وإن كانت براذين كان على كلّ واحدة منها دينار واحد. ومن حصل عنده من كلّ جنس تجب فيه الزّكاة أقلّ من النّصاب الذي فيه الزّكاة، وإن كان لو جمع لكان أكثر من النّصاب والنّصابين، لم يكن عليه شي‌ء، حتى

١٨١

يبلغ كلّ جنس منه، الحدّ الذي تجب فيه الزّكاة. ولو أنّ إنسانا ملك من المواشي ما تجب فيه الزّكاة، وإن كانت في مواضع متفرّقة، وجب عليه فيها الزّكاة. وإن وجد في موضع واحد من المواشي ما تجب فيه الزكاة لملّاك جماعة لم يكن عليهم فيها شي‌ء على حال. ولا بأس أن يخرج الإنسان ما يجب عليه من الزّكاة من غير الجنس الذي يجب عليه فيه بقيمته. وإن أخرج من الجنس، كان أفضل.

باب الوقت الذي تجب فيه الزكاة

لا زكاة في الذّهب والفضّة حتّى يحول عليهما الحول بعد حصولهما في الملك. فان كان مع إنسان مال أقلّ ممّا تجب فيه الزّكاة، ثمَّ أصاب تمام النّصاب في وسط السّنة، فليس عليه فيه الزّكاة حتّى يحول الحول على القدر الذي تجب فيه الزّكاة. وإذا استهلّ هلال الشّهر الثّاني عشر، فقد حال على المال الحول، ووجبت فيه الزّكاة. فإن أخرج الإنسان المال عن ملكه قبل استهلال الثّاني عشر، سقط عنه فرض الزّكاة. وإن أخرجه من ملكه بعد دخول الشّهر الثّاني عشر، وجبت عليه الزّكاة، وكانت في ذمّته الى أن يخرج منه.

وأمّا الحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب، فوقت الزّكاة فيها حين حصولها بعد الحصاد والجذاذ والصّرام، ثمَّ ليس فيها

١٨٢

بعد ذلك شي‌ء، وإن حال عليها حول، إلّا أن تباع بذهب أو فضّة، وحال عليهما الحول، فتجب حينئذ فيه الزّكاة.

وأمّا الإبل والبقر والغنم، فليس في شي‌ء منها زكاة، حتّى يحول عليها الحول من يوم يملكها. وكلّ ما لم يحل عليه الحول من صغار الإبل والبقر والغنم، لا تجب فيه الزّكاة. ولا يجوز تقديم الزّكاة قبل حلول وقتها. فإن حضر مستحقّ لها قبل وجوب الزّكاة، جاز أن يعطى شيئا ويجعل قرضا عليه. فإذا جاء الوقت، وهو على تلك الصّفة من استحقاقه لها، احتسب له من الزّكاة. وإن كان قد استغنى، أو تغيّرت صفته التي يستحقّ بها الزّكاة، لم يجزئ ذلك عن الزّكاة، وكان على صاحب المال أن يخرجها من الرأس.

وإذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور ولا يؤخّره. فإن عدم المستحقّ له، عزله عن ماله، وانتظر به المستحق. فإن حضرته الوفاة، وصى به أن يخرج عنه. وإذا عزل ما يجب عليه من الزّكاة، فلا بأس أن يفرّقه ما بينه وبين شهر وشهرين، ولا يجعل ذلك أكثر منه. وما روي عنهمعليهم‌السلام ، من الأخبار في جواز تقديم الزّكاة وتأخيرها، فالوجه فيه ما قدّمناه في أنّ ما يقدّم منه يجعل قرضا، ويعتبر فيه ما ذكرناه، وما يؤخّر منه إنّما يؤخّر انتظار المستحق، فأمّا مع وجوده، فالأفضل إخراجه إليه على البدار حسب ما قدّمناه.

١٨٣

باب مستحق الزكاة وأقل ما يعطى وأكثر

الذي يستحق الزّكاة هم الثّمانية أصناف الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن: وهم الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، و( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ ) ، والغارمون،( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وابن السّبيل.

فأمّا الفقير فهو الذي له بلغة من العيش. والمسكين الذي لا شي‌ء معه. وأمّا العاملون عليها فهم الذين يسعون في جباية الصّدقات.

وأمّا المؤلّفة فهم الذين يتألّفون ويستمالون إلى الجهاد.

(وَفِي الرِّقابِ ) وهم المكاتبون والمماليك الذين يكونون تحت الشّدة العظيمة. وقد روي أنّ من وجبت عليه كفّارة عتق رقبة في ظهار أو قتل خطإ وغير ذلك، ولا يكون عنده، يشترى عنه ويعتق.

والغارمون هم الذين ركبتهم الدّيون في غير معصية ولا فساد.

( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) وهو الجهاد.

وابن السّبيل وهو المنقطع به. وقيل أيضا: إنّه الضّيف الذي ينزل بالإنسان ويكون محتاجا في الحال، وإن كان له يسار في بلده وموطنه.

١٨٤

فإذا كان الإمام ظاهرا، أو من نصبه الإمام حاصلا، فتحمل الزّكاة إليه، ليفرّقها على هذه الثّمانية الأصناف. ويقسم بينهم على حسب ما يراه. ولا يلزمه أن يجعل لكل صنف جزءا من ثمانية، بل يجوز أن يفضّل بعضهم على بعض، إذا كثرت طائفة منهم وقلّت آخرون.

وإذا لم يكن الإمام ظاهرا، ولا من نصبه الإمام حاصلا، فرّقت الزّكاة في خمسة أصناف من الذين ذكرناهم، وهم الفقراء والمساكين( وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ ) وابن السّبيل. ويسقط سهم( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) وسهم السّعاة وسهم الجهاد، لأنّ هؤلاء لا يوجدون إلّا مع ظهور الإمام. لأن الْمُؤَلَّفَةَ( قُلُوبُهُمْ ) إنّما يتألّفهم الإمام ليجاهدوا معه، والسّعاة أيضا إنّما يكونون من قبله في جميع الزّكوات، والجهاد أيضا إنّما يكون به أو بمن نصبه. فإذا لم يكن هو ظاهرا ولا من نصبه، فرّق فيمن عداهم.

والذين يفرّق فيهم الزّكاة ينبغي أن يحصل لهم مع الصّفات التي ذكرناها أن يكونوا عارفين بالحقّ معتقدين له. فإن لم يكونوا كذلك، فلا يجوز أن يعطوا الزّكاة. فمن أعطى زكاته لمن لا يعرف الحق، لم يجزئه، وكان عليه الإعادة. ولو أنّ مخالفا أخرج زكاته الى أهل نحلته، ثمَّ استبصر، كان عليه إعادة الزّكاة. ولا يجوز أن يعطى الزّكاة من أهل المعرفة إلّا أهل السّتر والصّلاح. فأمّا الفسّاق وشرّاب

١٨٥

الخمور فلا يجوز أن يعطوا منها شيئا. ولا بأس أن تعطي الزّكاة أطفال المؤمنين. ولا تعطى أطفال المشركين.

ولا يجوز أن يعطي الإنسان زكاته لمن تلزمه النّفقة عليه مثل الوالدين والولد والجدّ والجدة والزّوجة والمملوك. ولا بأس أن يعطي من عدا هؤلاء من الأهل والقرابات من الأخ والأخت وأولادهما والعمّ والخال والعمّة والخالة وأولادهم.

والأفضل أن لا يعدل بالزّكاة عن القريب مع حاجتهم الى ذلك الى البعيد. فإن جعل للقريب قسط، وللبعيد قسط، كان أفضل.

ومتى لم يجد من تجب عليه الزّكاة مستحقّا لها، عزلها من ماله، وانتظر بها مستحقّها، فإن لم يكن في بلده من يستحقّها فلا بأس أن يبعث بها إلى بلد آخر. فإن أصيبت الزّكاة في الطّريق أو هلكت، فقد أجزأ عنه. وإن كان قد وجد في بلده لها مستحقا، فلم يعطه، وآثر من يكون في بلد آخر، كان ضامنا لها، إن هلكت، ووجب عليه إعادتها.

ومن وصّي بإخراج زكاة، أو أعطي شيئا منها ليفرّقه على مستحقيه، فوجده، ولم يعطه. بل أخّره، ثمَّ هلك، كان ضامنا للمال.

ولا تحلّ الصّدقة الواجبة في الأموال لبني هاشم قاطبة. وهم الذين ينتسبون إلى أمير المؤمنين،عليه‌السلام ، وجعفر

١٨٦

ابن أبي طالب، وعقيل بن أبي طالب، وعبّاس بن عبد المطّلب. فامّا ما عدا صدقة الأموال، فلا بأس أن يعطوا إيّاها. ولا بأس أن تعطي صدقة الأموال مواليهم. ولا بأس أن يعطي بعضهم بعضا صدقة الأموال. وإنّما يحرم عليهم صدقة من ليس من نسبهم.

وهذا كلّه إنّما يكون في حال توسّعهم ووصولهم إلى مستحقّهم من الأخماس. فإذا كانوا ممنوعين من ذلك ومحتاجين إلى ما يستعينون به على أحوالهم، فلا بأس أن يعطوا زكاة الأموال رخصة لهم في ذلك عند الاضطرار.

ولا يجوز أن تعطى الزّكاة لمحترف يقدر على اكتساب ما يقوم بأوده وأود عياله. فإن كانت حرفته لا تقوم به، جاز له أن يأخذ ما يتّسع به على أهله. ومن ملك خمسين درهما يقدر أن يتعيّش بها بقدر ما يحتاج إليه في نفقته، لم يجز له أن يأخذ الزكاة. وإن كان معه سبعمائة درهم، وهو لا يحسن أن يتعيّش بها، جاز له أن يقبل الزّكاة، ويخرج هو ما يجب عليه فيما يملكه من الزّكاة، فيتّسع به على عياله. ومن ملك دارا يسكنها وخادما يخدمه، جاز له أن يقبل الزّكاة. فإن كانت داره دار غلّة تكفيه ولعياله، لم يجز له أن يقبل الزّكاة فإن لم يكن له في غلّتها كفاية، جاز له أن يقبل الزّكاة.

وينبغي أن تعطي زكاة الذّهب والفضّة للفقراء والمساكين

١٨٧

المعروفين بذلك، وتعطي زكاة الإبل والبقر والغنم أهل التّجمّل.

فإن عرفت من يستحقّ الزّكاة، وهو يستحيي من التعرّض لذلك، ولا يؤثر إن تعرفه، جاز لك أن تعطيه الزّكاة وإن لم تعرفه أنّه منها، وقد أجزأت عنك.

وإذا كان على إنسان دين، ولا يقدر على قضائه، وهو مستحقّ لها، جاز لك أن تقاصّه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدّين على ميّت، جاز لك أن تقاصّه منها. وإن كان على أخيك المؤمن دين، وقد مات، جاز لك أن تقضي عنه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدين على والدك أو والدتك أو ولدك، جاز لك أن تقضيه عنهم من الزّكاة.

فإذا لم تجد مستحقا للزّكاة، ووجدت مملوكا يباع، جاز لك أن تشتريه من الزّكاة وتعتقه. فإن أصاب بعد ذلك مالا، ولا وارث له، كان ميراثه لأرباب الزّكاة. وكذلك لا بأس مع وجود المستحقّ أن يشتري مملوكا ويعتقه، إذا كان مؤمنا، وكان في ضرّ وشدّة. فإن كان بخلاف ذلك، لم يجز ذلك على حال.

ومن أعطى غيره زكاة الأموال ليفرقها على مستحقها، وكان مستحقّا للزّكاة، جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يعطي غيره. اللهمّ إلّا أن يعيّن له على أقوام بأعيانهم. فإنّه لا يجوز

١٨٨

له حينئذ أن يأخذ منها شيئا، ولا أن يعدل عنهم الى غيرهم.

وأقلّ ما يعطي الفقير من الزّكاة خمسة دراهم أو نصف دينار. وهو أوّل ما يجب في النّصاب الأوّل. فأمّا ما زاد على ذلك، فلا بأس أن يعطى كلّ واحد ما يجب في نصاب نصاب، وهو درهم إن كان من الدراهم، أو عشر دينار إن كان من الدّنانير، وليس لأكثره حد. ولا بأس أن يعطي الرّجل زكاته لواحد يغنيه بذلك.

باب وجوب زكاة الفطرة ومن تجب عليه

الفطرة واجبة على كلّ حر بالغ مالك لما تجب عليه فيه زكاة المال. ويلزمه أن يخرج عنه وعن جميع من يعوله من ولد ووالد وزوجة ومملوك ومملوكة، مسلما كان أو ذمّيّا، صغيرا كان أو كبيرا. فإن كان لزوجته مملوك في عياله، أو يكون عنده ضيف يفطر معه في شهر رمضان، وجب عليه أيضا أن يخرج عنهما الفطرة. وإن رزق ولدا في شهر رمضان، وجب عليه أيضا أن يخرج عنه. فإن ولد المولود ليلة الفطر أو يوم العيد قبل صلاة العيد، لم يجب عليه إخراج الفطرة عنه فرضا واجبا. ويستحبّ له أن يخرج ندبا واستحبابا.

وكذلك من أسلم ليلة الفطر قبل الصّلاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة، وليس ذلك بفرض. فإن كان إسلامه

١٨٩

قبل ذلك، وجب عليه إخراج الفطرة. ومن لا يملك ما يجب عليه فيه الزّكاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة أيضا عن نفسه وعن جميع من يعوله. فإن كان ممّن يحلّ له أخذ الفطرة أخذها ثمَّ أخرجها عن نفسه وعن عياله. فإن كان به إليها حاجة، فليدر ذلك على من يعوله. حتّى ينتهي إلى آخرهم، ثمَّ يخرج رأسا واحدا إلى غيرهم، وقد أجزأ عنهم كلّهم.

باب ما يجوز إخراجه في الفطرة ومقدار ما يجب منه

أفضل ما يخرجه الإنسان في زكاة الفطرة التّمر ثمَّ الزّبيب. ويجوز إخراج الحنطة والشّعير والأرزّ والأقط واللّبن. والأصل في ذلك أن يخرج كلّ أحد ممّا يغلب على قوته في أكثر الأحوال.

فأمّا أهل مكّة والمدينة وأطراف الشّام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والأهواز وكرمان، فينبغي لهم أن يخرجوا التّمر. وعلى أوساط الشّام ومرو من خراسان والريّ، أن يخرجوا الزّبيب. وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلّها وخراسان، أن يخرجوا الحنطة والشّعير، وعلى أهل طبرستان الأرز، وعلى أهل مصر البرّ. ومن سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط، فإذا عدموه، كان عليهم اللّبن.

١٩٠

ومن عدم أحد هذه الأصناف التي ذكرناها، أو أراد أن يخرج ثمنها بقيمة الوقت ذهبا أو فضة، لم يكن به بأس. وقد روي رواية أنّه يجوز أن يخرج عن كلّ رأس درهما. وقد روي أيضا أربعة دوانيق. والأحوط ما قدّمناه من أنّه يخرج قيمته بسعر الوقت.

فأمّا القدر الذي يجب إخراجه عن كلّ رأس، فصاع من أحد الأشياء التي قدّمنا ذكرها. وقدره تسعة أرطال بالعراقيّ وستّة أرطال بالمدني. وهو أربعة أمداد. والمدّ مائتان واثنان وتسعون درهما ونصف. والدرهم ستّة دوانيق. والدّانق ثماني حبّات من أوسط حبّات الشّعير. فأمّا اللّبن فمن يريد إخراجه، أجزأه أربعة أرطال بالمدنيّ أو ستّة بالعراقي.

باب الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة ومن يستحقها

الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة يوم الفطر قبل صلاة العيد. ولو أن إنسانا أخرجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين أو من أوّل الشّهر الى آخره، لم يكن به بأس، غير أن الأفضل ما قدّمناه.

فإذا كان يوم الفطر، فليخرجها، ويسلّمها الى مستحقّيها فإن لم يجد لها مستحقّا، عزلها من ماله، ثمَّ يسلّمها بعد الصّلاة أو من غد يومه الى مستحقّيها. فإن وجد لها أهلا، وأخّرها،

١٩١

كان ضامنا لها، الى أن يسلّمها إلى أربابها. وإن لم يجد لها أهلا، وأخرجها من ماله، لم يكن عليه ضمان.

وينبغي أن تحمل الفطرة الى الإمام ليضعها حيث يراه. فإن لم يكن هناك إمام، حملت الى فقهاء شيعته ليفرقوها في في مواضعها. وإذا أراد الإنسان أن يتولّى ذلك بنفسه، جاز له له ذلك، غير أنّه لا يعطيها إلا لمستحقّيها.

والمستحقّ لها، هو كلّ من كان بالصّفة التي تحلّ له معها الزّكاة. وتحرم على كلّ من تحرم عليه زكاة الأموال.

ولا يجوز حمل الفطرة من بلد الى بلد. وان لم يوجد لها مستحقّ من أهل المعرفة، جاز أن تعطى المستضعفين من غيرهم.

ولا يجوز إعطاؤها لمن لا معرفة له، إلّا عند التقية أو عدم مستحقّيها من أهل المعرفة. والأفضل أن يعطي الإنسان من يخافه من غير الفطرة، ويضع الفطرة في مواضعها.

ولا يجوز أن يعطي أقلّ من زكاة رأس واحد لواحد مع الاختيار. فإن حضر جماعة محتاجون وليس هناك من الأصواع بقدر ما يصيب كلّ واحد منهم صاع، جاز أن يفرّق عليهم. ولا بأس أن يعطي الواحد صاعين أو أصواعا.

والأفضل أن لا يعدل الإنسان بالفطرة إلى الأباعد مع وجود القرابات ولا الى الأقاصي مع وجود الجيران. فإن فعل خلاف ذلك، كان تاركا فضلا، ولم يكن عليه بأس.

١٩٢

باب الجزية وأحكامها

الجزية واجبة على أهل الكتاب ممّن أبى منهم الإسلام وأذعن بها، وهم اليهود والنّصارى. والمجوس حكمهم حكم اليهود والنّصارى. وهي واجبة على جميع الأصناف المذكورة إذا كانوا بشرائط المكلّفين وتسقط عن الصّبيان والمجانين والبله والنّساء منهم. فأمّا ما عدا الأصناف المذكورة من الكفّار، فليس يجوز أن يقبل منهم إلّا الإسلام أو القتل. ومن وجبت عليه الجزية وحلّ الوقت، فأسلم قبل أن يعطيها، سقطت عنه، ولم يلزمه أداؤها.

وكلّ من وجبت عليه الجزية، فالإمام مخيّر بين أن يضعها على رءوسهم أو على أرضيهم. فإن وضعها على رءوسهم، فليس له أن يأخذ من أرضيهم شيئا. وإن وضعها على أرضيهم، فليس له أن يأخذ من رءوسهم شيئا.

وليس للجزية حدّ محدود ولا قدر موقّت. بل يأخذ الإمام منهم على قدر ما يراه من أحوالهم من الغنى والفقر بقدر ما يكونون به صاغرين.

وكان المستحقّ للجزية في عهد رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، المهاجرين دون غيرهم. وهي اليوم لمن قام مقامهم في نصرة الإسلام والذبّ من سائر المسلمين.

١٩٣

ولا بأس أن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب ممّا أخذوه من ثمن الخمور والخنازير والأشياء التي لا يحلّ للمسلمين بيعها والتّصرف فيها.

باب أحكام الأرضين وما يصح التصرف فيه منها بالبيع والشرى والتملك وما لا يصح

الأرضون على أربعة أقسام:

ضرب منها يسلم أهلها عليها طوعا من قبل نفوسهم من غير قتال، فتترك في أيديهم، ويؤخذ منهم العشر أو نصف العشر، وكانت ملكا لهم، يصحّ لهم التّصرّف فيها بالبيع والشّرى والوقف وسائر أنواع التّصرف.

وهذا حكم أرضيهم إذا عمروها وقاموا بعمارتها. فإن تركوا عمارتها، وتركوها خرابا، كانت للمسلمين قاطبة. وعلى الإمام أن يقبّلها ممّن يعمّرها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع. وكان على المتقبّل بعد إخراج حقّ القبالة ومئونة الأرض، العشر أو نصف العشر فيما يبقى في حصّته، إذا بلغ الى الحدّ الذي يجب فيه ذلك. وهو خمسة أوسق فصاعدا حسب ما قدّمناه.

والضّرب الآخر من الأرضين، ما أخذ عنوة بالسّيف، فإنّها تكون للمسلمين بأجمعهم. وكان على الإمام أن يقبّلها

١٩٤

لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع. وكان على المتقبّل إخراج ما قد قبل به من حقّ الرّقبة، وفيما يبقى في يده وخاصّه العشر أو نصف العشر.

وهذا الضّرب من الأرضين لا يصحّ التّصرف فيه بالبيع والشرى والتملّك والوقف والصّدقات. وللإمام أن ينقله من متقبّل إلى غيره عند انقضاء مدّة ضمانه، وله التّصرّف فيه بحسب ما يراه من مصلحة المسلمين. وهذه الأرضون للمسلمين قاطبة، وارتفاعها يقسم فيهم كلّهم: المقاتلة، وغيرهم. فإن المقاتلة ليس لهم على جهة الخصوص إلّا ما تحويه العسكر من الغنائم.

والضّرب الثّالث كلّ أرض صالح أهلها عليها، وهي أرض الجزية، يلزمهم ما يصالحهم الإمام عليه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع، وليس عليهم غير ذلك.

فإذا أسلم أربابها، كان حكم أرضيهم حكم أرض من أسلم طوعا ابتداء، ويسقط عنهم الصّلح، لأنه جزية بدل من جزية رءوسهم وأموالهم، وقد سقطت عنهم بالإسلام. وهذا الضّرب من الأرضين يصحّ التّصرّف فيه بالبيع والشّرى والهبة وغير ذلك من أنواع التّصرف، وكان للإمام أن يزيد وينقض ما صالحهم عليه بعد انقضاء مدّة الصّلح حسب ما يراه من زيادة الجزية ونقصانها

١٩٥

والضّرب الرّابع، كلّ أرض انجلى أهلها عنها، أو كانت مواتا فأحييت، أو كانت آجاما وغيرها ممّا لا يزرع فيها، فاستحدثت مزارع.

فإن هذه الأرضين كلّها للإمام خاصة، ليس لأحد معه فيها نصيب، وكان له التّصرّف فيها بالقبض والهبة والبيع والشّرى حسب ما يراه، وكان له أن يقبّلها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع، وجاز له أيضا بعد انقضاء مدّة القبالة نزعها من يد من قبّله إيّاها وتقبيلها لغيره، إلّا الأرضين التي أحييت بعد مواتها، فإن الذي أحياها أولى بالتّصرف فيها ما دام يقبلها بما يقبلها غيره. فإن أبى ذلك، كان للإمام أيضا نزعها من يده وتقبيلها لمن يراه. وعلى المتقبّل بعد إخراجه مال القبالة والمؤن فيما يحصل في حصتّه، العشر أو نصف العشر.

باب الخمس والغنائم

الخمس واجب في جميع ما يغنمه الإنسان.

والغنائم كلّ ما أخذ بالسّيف من أهل الحرب الذين أمر الله تعالى بقتالهم من الأموال والسّلاح والكراع والثّياب والمماليك وغيرها ممّا يحويه العسكر وممّا لم يحوه.

ويجب الخمس أيضا في جميع ما يغنمه الإنسان من أرباح

١٩٦

التّجارات والزّراعات وغير ذلك بعد إخراج مئونته ومئونة عياله.

ويجب الخمس أيضا في جميع المعادن من الذّهب والفضّة والحديد والصّفر والملح والرّصاص والنّفط والكبريت وسائر ما يتناوله اسم المعدن على اختلافها.

ويجب أيضا الخمس من الكنوز المذخورة على من وجدها، وفي العنبر وفي الغوص.

وإذا حصل مع الإنسان مال قد اختلط الحلال بالحرام، ولا يتميّز له، وأراد تطهيره، أخرج منه الخمس، وحلّ له التّصرف في الباقي. وإن تميّز له الحرام، وجب عليه إخراجه وردّه الى أربابه. ومن ورث مالا ممّن يعلم أنّه كان يجمعه من وجوه محظورة مثل الرّبا والغضب وما يجري مجراهما، ولم يتميّز له المغصوب منه ولا الرّبا، أخرج منه الخمس، واستعمل الباقي، وحلّ له التّصرف فيه.

والذمّي إذا اشترى من مسلم أرضا، وجب عليه فيها الخمس.

وجميع ما قدّمناه ذكره من الأنواع، يجب فيه الخمس قليلا كان أو كثيرا، إلّا الكنوز ومعادن الذّهب والفضّة، فإنّه لا يجب فيها الخمس إلّا إذا بلغت إلى القدر الذي يجب فيه الزّكاة.

١٩٧

والغوص لا يجب فيه الخمس إلّا إذا بلغ قيمته دينارا.

وأمّا الغلّات والأرباح فإنّه يجب فيها الخمس بعد إخراج حق السّلطان ومئونة الرّجل ومئونة عياله بقدر ما يحتاج اليه على الاقتصاد.

والكنوز إذا كانت دراهم أو دنانير، يجب فيها الخمس فيما وجد منها، إذا بلغ إلى الحدّ الّذي قدّمناه ذكره. وإن كان ممّا يحتاج الى المؤنة والنّفقة عليه، يجب فيه الخمس بعد إخراج المؤنة منه.

باب قسمة الغنائم والأخماس

كلّ ما يغنمه المسلمون من دار الحرب من جميع الأصناف التي قدّمناه ذكرها، ممّا حواه العسكر يخرج منه الخمس. وأربعة أخماس ما يبقى يقسم بين المقاتلة. وما لم يحوه العسكر من الأرضين والعقارات وغيرها من أنواع الغنائم يخرج منه الخمس، والباقي تكون للمسلمين قاطبة: مقاتليهم وغير مقاتليهم، يقسمه الامام بينهم على قدر ما يراه من مئونتهم.

والخمس يأخذه الإمام فيقسمه ستّة أقسام:

قسما لله، وقسما لرسوله، وقسما لذي القربى. فقسم الله وقسم الرّسول وقسم ذي القربى للإمام خاصّة، يصرفه في أمور نفسه وما يلزمه من مئونة غيره.

١٩٨

وسهم ليتامى آل محمّد، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم. وليس لغيرهم شي‌ء من الأخماس. وعلى الإمام أن يقسم سهامهم فيهم على قدر كفايتهم ومئونتهم في السّنة على الاقتصاد. فإن فضل من ذلك شي‌ء، كان له خاصّة. وإن نقص كان عليه أن يتمّ من خاصّته.

وهؤلاء الذين يستحقّون الخمس، هم الذين قدّمنا ذكرهم ممّن تحرم عليهم الزّكاة، ذكرا كان أو أنثى. فإن كان هناك من أمّه من غير أولاد المذكورين، وكان أبوه منهم، حلّ له الخمس، ولم تحلّ له الزّكاة. وإن كان ممّن أبوه من غير أولادهم، وأمّه منهم، لم يحلّ له الخمس، وحلّت له الزّكاة.

باب الأنفال

الأنفال كانت لرسول الله خاصّة في حياته، وهي لمن قام مقامه بعده في أمور المسلمين. وهي كلّ أرض خربة قد باد أهلها عنها. وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب أو يسلّمونها هم بغير قتال، ورءوس الجبال وبطون الأودية والآجام والأرضون الموات التي لا أرباب لها، وصوافي الملوك وقطائعهم ممّا كان في أيديهم من غير وجه الغصب، وميراث من لا وارث له.

وله أيضا من الغنائم قبل أن تقسم: الجارية الحسناء،

١٩٩

والفرس الفاره، والثّوب المرتفع، وما أشبه ذلك ممّا لا نظير له من رقيق أو متاع.

وإذا قاتل قوم أهل حرب من غير أمر الإمام، فغنموا، كانت غنيمتهم للإمام خاصّة دون غيره.

وليس لأحد أن يتصرف فيما يستحقّه الإمام من الأنفال والأخماس إلّا بإذنه. فمن تصرّف في شي‌ء من ذلك بغير إذنه، كان عاصيا، وارتفاع ما يتصرّف فيه مردود على الإمام. وإذا تصرّف فيه بأمر الإمام، كان عليه أن يؤدي ما يصالحه الإمام عليه من نصف أو ثلث أو ربع.

هذا في حال ظهور الإمام. فأمّا في حال الغيبة، فقد رخّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم ممّا يتعلّق بالأخماس وغيرها فيما لا بدّ لهم منه من المناكح والمتاجر والمساكن. فأمّا ما عدا ذلك، فلا يجوز له التصرّف فيه على حال.

وما يستحقّونه من الأخماس في الكنوز وغيرها في حال الغيبة فقد اختلف قول أصحابنا فيه، وليس فيه نصّ معيّن إلا أنّ كلّ واحد منهم قال قولا يقتضيه الاحتياط.

فقال بعضهم: إنّه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر.

وقال قوم: إنّه يجب حفظه ما دام الإنسان حيا. فإذا حضرته الوفاة، وصّى به الى من يثق به من إخوانه المؤمنين

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

الأمور في القضايا الاقتصادية دون إعطاء اي دور للإنسان ، ولكن برغم ذلك فإنّه لا يمكن غضّ النظر عن اهمية القضايا الاقتصادية ودورها في المجتمعات ، والآيات السابقة تشير إلى هذه الحقيقة ، والملاحظ انّ يوسف ركّز من بين جميع مناصب الدولة على منصب الاشراف على الخزانة ، وذلك لعلمه انّه إذا نجح في ترتيب اقتصاد مصر ، فإنّه يتمكّن من إصلاح كثير من المفاسد الاجتماعية ، كما انّ تنفيذه للعدالة الاقتصادية يؤدّي الى سيطرته على سائر دوائر الدولة وجعلها تحت امرته.

وقد اهتمّت الرّوايات الاسلامية بهذا الموضوع اهتماما كبيرا ، فمثلا نرى في الرّواية المعروفة المروية عن امير المؤمنين عليعليه‌السلام انّه جعل (قوام الدين والدنيا) في ركنين : أحدهما القضايا الاقتصادية وما يقوم عليه معاش الناس ، والرّكن الآخر هو العلم والمعرفة.

وبرغم انّ المسلمين قد أهملوا هذا الجانب من الحياة الفردية والاجتماعية الذي اهتمّ به الإسلام كثيرا وتأخّروا عن اعداء الإسلام في هذا الجانب ، الّا انّ يقظة المجتمعات الاسلامية المتزايدة وتوجّههم نحو الإسلام يزيد الأمل في النفوس بأن تزيد من نشاطها الاقتصادي وتعتبره عبادة اسلامية كبرى ، وتقوم ببناء نظام اقتصادي مدروس وفق خطط محكمة لكي تعود إليهم قوّتهم ونشاطهم.

وهنا نقطة اخرى يجب التنبيه عليها ، وهي انّنا نلاحظ انّ يوسفعليه‌السلام يخاطب الملك ويقول له :( إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) وهذه اشارة الى اهميّة عنصر الادارة الى جانب عنصر الامانة وانّ توفّر عنصر الامانة والتقوى فقط في شخص لا يؤهّله لان يتصدّى لأحد المناصب الاجتماعية الحسّاسة ، بل لا بدّ من اجتماع ذلك العامل مع العلم والتخصّص والقدرة على الادارة ، لكونه قرن ال (عليم) مع ال (حفيظ) وكثيرا ما نشاهد الإضرار الناتجة عن سوء الادارة لا تقلّ بل تزيد على

٢٤١

الخسائر الناتجة عن الخيانة!

فهذه التعليمات الاسلامية صريحة في اهميّة جانب الادارة والقدرة عليها ، ومع ذلك نرى تهاون بعض المسلمين بهذا الجانب ، فالمهمّ لديهم هو نصب الأشخاص الذين يطمئنون الى تقواهم وأمانتهم لادارة الأمور ، مع انّ السيرة النبوية الشريفةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذلك سيرة عليعليه‌السلام ترشدان الى انّهما كانا يهتمّان اهتماما كبيرا بالجانب الاداري والقدرة على الادارة مع اهتمامهم بأمانة الشخص وسلوكه الحسن.

٣ ـ الرّقابة على الاستهلاك

الملاحظ في القضايا الاقتصادية انّه قد لا تكون (زيادة الانتاج) بمكان من الاهميّة بقدر اهميّة (الرقابة على الاستهلاك) ومن هنا نشاهد انّ يوسف في ايّام حكومته ، حاول ـ بشدّة ـ ان يسيطر على الاستهلاك الداخلي في سنوات الوفرة لكي يتمكّن من الاحتفاظ بجزء كبير من المنتوجات الزراعية لسنوات القحط والمجاعة القادمة ، وفي الحقيقة انّ زيادة الانتاج والرقابة متلازمان لا يفترقان ، فالزيادة في الانتاج لا تثمر الّا إذا أعقبتها رقابة صحيحة ، كما انّ الرقابة تكون اكثر فائدة إذا أعقبتها زيادة في الانتاج.

انّ السياسة الاقتصادية التي انتهجها يوسفعليه‌السلام في مصر أظهرت انّ الخطّة الاقتصادية الصحيحة والمتطورة مع الزمن لا يمكن ان تقتصر على متطلّبات الجيل الحاضر ، بل لا بدّ وان تراعي مصالح الأجيال القادمة ، لانّ التفكير بالمصالح المستعجلة للجيل الحاضر والتغاضي عن مصالح الأجيال القادمة ـ كما لو استهلكنا جميع ثروات الأرض ـ تعتبر غاية الانانية وحبّ الذات ، إذ انّ الأجيال القادمة هم في الواقع إخوتنا وأبناؤنا فلا بدّ من التفكير في مصالحهم وعدم التفريط بها.

٢٤٢

والملفت للنظر انّه يستفاد من بعض الرّوايات الواردة كما ورد عن الامام علي بن موسى الرّضاعليهما‌السلام «واقبل يوسف على جمع الطعام فجمع في السبع سنين المخصبة فكبسه في الخزائن ، فلمّا مضت تلك السنون وأقبلت المجدية اقبل يوسف على بيع الطعام فباعهم في السنة الاولى بالدراهم والدنانير حتى لم يبق بمصر وما حولها دينار ولا درهم الّا صار في مملكة يوسف ، وباعهم في السنة الثّانية بالحلي والجواهر حتى لم يبق بمصر وما حولها حلي ولا جواهر الا صار في ملكة يوسف ، وباعهم في السنة الثّالثة بالدّواب والمواشي حتى لم يبق بمصر وما حولها دابة ولا ماشية الّا صار في ملكية يوسف ، وباعهم في السنة الرّابعة بالعبيد والإماء حتى لم يبق بمصر ومن حولها عبد ولا امة الّا صار في ملكية يوسف ، وباعهم في السنة الخامسة بالدّور والعقار حتى لم يبق بمصر وما حولها دار ولا عقار الّا صار في ملكية يوسف ، وباعهم في السنة السّادسة بالمزارع والأنهار حتى لم يبق بمصر وما حولها نهر ولا مزرعة الّا صار في ملكية يوسف ، وباعهم في السنة السّابعة برقابهم حتى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا حرّ الّا صار عبد يوسف ، فملك احرارهم وعبيدهم وأموالهم وقال النّاس : ما رأينا ولا سمعنا بملك أعطاه الله من الملك ما اعطى هذا الملك حكما وعلما وتدبيرا ، ثمّ قال يوسف للملك : ايّها الملك ما ترى فيما خولني ربّي من ملك مصر وأهلها اشر علينا برأيك ، فإنّي لم أصلحهم لافسدهم ، ولم انجهم من البلاء ليكون وبالا عليهم ولكن الله نجاهم على يدي ، قال له الملك : الرّاي رأيك ، قال يوسف : انّي اشهد الله وأشهدك ايّها الملك انّي اعتقت اهل مصر كلّهم ، ورددت إليهم أموالهم وعبيدهم ، ورددت إليك ايّها الملك خاتمك وسريرك وتاجك على ان لا تسير الّا بسيرتي ولا تحكم الّا بحكمي قال له الملك : انّ ذلك لشرفي وفخري لا أسير الّا بسيرتك ولا احكم الّا بحكمك ، ولولاك ما قويت عليه ولا اهتديت له ، ولقد جعلت سلطاني عزيزا ما

٢٤٣

يرام ، وانا اشهد ان لا اله الّا الله وحده لا شريك له ، وأنت رسوله فأقم على ما وليتك فإنّك لدينا مكين أمين»(١) .

٤ ـ مدح النفس

لا شكّ في انّ مدح الإنسان نفسه يعدّ من الأمور القبيحة ، ولكن ليست هذه قاعدة عامّة ، بل قد تقتضي الأمور بأن يقوم الإنسان بعرض نفسه على المجتمع والإعلان عن خبراته وتجاربه ، لكي يتعرّف عليه الناس ويستفيدوا من خبراته ولا يبقى كنزا مستورا.

وقد مرّ علينا في الآيات السابقة انّ يوسف حينما تولّى مسئولية الاشراف على خزائن مصر وصف نفسه بأنّه :( حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) ، وكان هذا الوصف من يوسف لنفسه ضروريا وذلك حتّى يعرف شعب مصر ومليكها انّه يمتلك الصفات اللازمة التي تؤهله للتصدّي لهذا المنصب.

ومن هنا نقرا في تفسير العياشي نقلا عن الامام الصّادقعليه‌السلام انّه حينما سئل عن الحكم الشرعي لمدح الإنسان نفسه؟ أجابعليه‌السلام «نعم إذا اضطرّ اليه ، امّا سمعت قول يوسف اجعلني على خزائن الأرض انّي حفيظ عليم ، وقول العبد الصالح : وانا لكم ناصح أمين»(٢) .

ومن هنا يتّضح لنا جليّا فلسفة مدح الامام عليعليه‌السلام نفسه في بعض الخطب ، فمثلا يقول في خطبة الشقشقية واصفا نفسه : (... انّ محلي منها محلّ القطب من الرّحى ينحدر عنّي السيل ولا يرقى اليّ الطير ...) فمثل هذه الأوصاف هي في الواقع لأجل إيقاظ الغافلين وإرشادهم الى الاستفادة من هذا المنهل العذب في سبيل الوصول الى سعادة الفرد والمجتمع.

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلّد الثّالث ، صفحة ٢٤٤ ، تفسير نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٤٣٥.

(٢) تفسير نور الثّقلين ، ج ٢ ، ص ٤٣٣.

٢٤٤

٥ ـ افضليّة الجزاء المعنوي على سواه

برغم انّ كثيرا من المؤمنين الخيرين يلقون في هذه الدنيا جزاء اعمالهم الخيرة ، كما هو الحال بالنسبة ليوسف حيث جوزي جزاء حسنا ، لعفافه وتقواه وصبره على البلاء ، إذ لو كان آثما لما اعتلى هذا المنصب ، ولكن هذا لا يعني انّ على الإنسان ان ينتظر الجزاء في هذه الدنيا ويتوهّم انّ الجزاء يجب ان يكون ماديّا وملموسا وفي هذه الدنيا ويرى تأخير الجزاء ظلما في حقّه ، لكن هذا التصوّر بعيد عن الواقع ، لانّ الجزاء الأوفى هو ما يوافي الإنسان في حياته القادمة.

ولعلّ لدفع هذا التوهّم الخاطئ وانّ ما جوزي به يوسف هو الجزاء الأوفى ، يقول القرآن الكريم( وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ ) .

٦ ـ الدفاع عن المسجونين

برغم انّ السجن لم يكن دائما محلا للأخيار ، بل يستضيف تارة الابرياء وتارة المجرمين ، لكنّ القواعد الانسانية تستوجب التعامل الحسن مع السجناء ، حتّى ولو كانوا مجرمين.

وقد يتصوّر البعض أنّ الدفاع عن المسجونين من مبتكرات العصر الحديث ، لكن المتتبّع للتاريخ الاسلامي يرى انّه منذ الايّام الاولى لقيام دولة الإسلام كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤكّد ويوصي على التعامل الحسن مع الأسرى والمسجونين ـ كما قرانا جميعا وصيّة عليعليه‌السلام في حقّ المجرم الذي قام باغتياله (وهو عبد الرّحمن بن ملجم المرادي) حيث امر ان يرفق به وحتّى انّهعليه‌السلام بعث اليه من اللبن الذي كان يشربه وعند ما أرادوا قتله قال : ضربة بضربة.

كما انّ يوسف حينما كان في السجن كان يعدّ أخا حميما وصديقا وفيّا ومستشارا أمينا لجميع نزلاء السجن ، وحينما خرج من السجن ـ امر ان يكتب ـ

٢٤٥

لجلب انتباه العالمين ـ على بابه «هذا قبور الاحياء ، وبيت الأحزان ، وتجربة الأصدقاء ، وشماتة الأعداء»(١) .

واظهر لهم بهذا الدعاء عطفه ومحبّته حيث قال : «اللهمّ اعطف عليهم بقلوب الأخيار ، ولا تعم عليهم الاخبار»(٢) .

والطريف انّنا نقرا في سياق الحديث السابق انّه : «فذلك يكون اصحاب السجن اعرف الناس بالاخبار في كلّ بلدة».

وقد مرّت علينا هذه التجربة في ايّام السجن ، حيث كانت تصلنا الاخبار وبصورة منتظمة ـ الّا في بعض الحالات النادرة ـ وعن طرق خفيّة لا يكشفها السجّانون ، وكثيرا ما كان الذي يدخل الى السجن يطّلع على بعض الاخبار التي لم يكن قد سمعها عند ما كان في الخارج ، والحديث عن هذا الموضوع طويل وقد يخرجنا عن هدف هذا الكتاب.

* * *

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٤٣٢.

(٢) نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٤٣٢.

٢٤٦

الآيات

( وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (٦٠) قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (٦١) وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢) )

التّفسير

اقتراح جديد من يوسف لإخوته :

وكما كان متوقّعا ، فقد تحسّنت الزراعة في مصر خلال سبع سنوات متتالية وذلك على اثر توالي الأمطار ووفرة ماء النيل وكثرته ، ويوسف الذي كان مسئولا عن الشؤون الاقتصادية في مصر ومشرفا على خزائنها ، امر ببناء المخازن الكبيرة والصغيرة التي تستوعب الكميّات الكبيرة من المواد الغذائية

٢٤٧

وتحفظها عن الفساد ، وقد اجبر أبناء الشعب على ان يبيعوا للدولة الفائض عن حاجتهم من الانتاج الزراعي ، وهكذا امتلأت المخازن بالمنتوجات الزراعية والاستهلاكية ومرّت سبع سنوات من الرخاء والوفرة ، وبدا القحط والجفاف يظهر وجهه الكريه ، ومنعت السّماء قطرها ، فلم تينع ثمرة ، ولم تحمل نخلة.

وهكذا أصاب عامّة الشعب الضيق وقلّت منتوجاتهم الزراعية ، لكنّهم كانوا على علم بخزائن الدولة وامتلائها بالمواد الغذائية ، وساعدهم يوسف حيث استطاع ـ بخطّة محكمة ومنظّمة مع الأخذ بعين الاعتبار الحاجات المتزايدة ، في السنين القادمة ـ ان يرفع الضيق عن الشعب بأن باع لهم المنتوجات الزراعية مراعيا في ذلك العدالة بينهم.

وهذا القحط والجفاف لم يكن مقتصرا على مصر وحدها ، بل شمل البلدان المحيطة بها ايضا ، ومنهم شعب فلسطين وارض كنعان المتاخمة لمصر والواقعة على حدودها في الشمال الشرقي ، وكانت عائلة يوسف تسكن هناك وقد تأثّرت بالجفاف. واشتدّ بهم الضيق ، بحيث اضطرّ يعقوب ان يرسل جميع أولاده ـ ما عدا بنيامين الذي أبقاه عنده بعد غياب يوسف ـ الى مصر ، حيث سافروا مع قافلة كانت تسير الى مصر ووصلوا إليها ـ كما قيل ـ بعد ١٨ يوما.

وتذكر المصادر التاريخيّة انّ الأجانب عند دخولهم الى الاراضي المصرية كانوا ملزمين بتسجيل اسمائهم في قوائم معيّنة لكي تعرض على يوسف ، ومن هنا فحينما عرض الموظفون تقريرا على يوسف عن القافلة الفلسطينية وطلبهم للحصول على المؤن والحبوب راى يوسف أسماء اخوته بينهم وعرفهم وامر بإحضارهم اليه ، دون ان يتعرّف احد على حقيقتهم وانّهم اخوته يقول القرآن الكريم :( وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ) وكان طبيعيّا ان لا يتعرّف اخوة يوسف عليه لانّه في جانب كان قد مضى على فراقهم ايّاه منذ ان أودعوه الجبّ وخرج منه ودخل الى مصر ما يقرب

٢٤٨

من أربعين سنة ، ومن جهة اخرى كان لا يخطر ببالهم انّ أخوهم صار عزيزا لمصر ، وحتّى لو رأوا الشبه بين العزيز وبين أخيهم لحملوه على الصدفة.

اضافة الى هذا فإنّ ملابس يوسف تختلف عن السابق ، ومن الصعب عليهم معرفة يوسف وهو في ملابس اهل مصر ، كما انّ احتمال بقاء يوسف على قيد الحياة بعد هذه المدّة كان ضعيفا عندهم ، وعلى ايّة حال فإنّ اخوة يوسف قد اشتروا ما طلبوه من الحبوب ودفعوا ثمنه بالأموال او الكندر او الاحذية او بسائر ما جلبوه معهم من كنعان الى مصر.

امّا يوسف فإنّه قد رحّب بإخوته ولاطفهم وفتح باب الحديث معهم ، قالوا : نحن عشرة اخوة من أولاد يعقوب ، ويعقوب هو ابن ابراهيم الخليل نبي الله العظيم ، وأبونا ايضا من أنبياء الله العظام ، وقد كبر سنّه والمّ به حزن عميق ملك عليه وجوده.

فسألهم يوسف : لماذا هذا الغمّ والحزن؟

قالوا : كان له ولد أصغر من جميع اخوته وكان يحبّه كثيرا ، فخرج معنا يوما للنزهة والتفرّج والصيد وغفلنا عنه فأكله الذئب ، ومنذ ذلك اليوم وأبونا يبكي لفراقه.

نقل بعض المفسّرين انّه كان من عادة يوسف ان لا يعطي ولا يبيع لكلّ شخص الّا حمل بعير واحد ، وبما انّ اخوته كانوا عشرة فقد باع لهم ١٠ أحمال من الحبوب ، فقالوا : انّ لنا أبا شيخا كبيرا عاجزا عن السفر وأخا صغيرا يرعى شؤون الأب الكبير ، فطلبوا من العزيز ان يدفع إليهم حصّتهما ، فأمر يوسف ان يضاف الى حصصهم حملان آخران ، ثمّ توجّه إليهم مخاطبا ايّاهم وقال : انّي ارى في وجوهكم النبل والرفعة كما انّكم تتحلّون بأخلاق طيبة ، وقد ذكرتم انّ أباكم يحبّ أخاكم الصغير كثيرا ، فيتّضح انّه يمتلك صفات ومواهب عالية وفذّة ولهذا احبّ ان أراه اضافة الى هذا ، فإنّ الناس هنا قد أساءوا الظنّ بكم واتهموكم ،

٢٤٩

لانّكم من بلد اجنبي ، فأتوا بأخيكم الصغير في سفركم القادم لتثبتوا صدقكم ، وتدفعوا التّهمة عن أنفسكم.

وهنا يقول القرآن الكريم : انّه حينما جهّزهم يوسف بجهازهم وأرادوا الرحيل عن مصر( وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ) لكنّه ختم كلامه بتهديد مبطّن لهم ، وهو انّني سوف امنع عنكم المؤن والحبوب إذا لم تأتوني بأخيكم( فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ ) ، وكان يوسف يحاول بشتّى الطرق ، تارة بالتهديد ، واخرى بالتحبّب ، ان يلتقي بأخيه بنيامين ويبقيه عنده. وظهر من سياق الآيات.

أمران : انّ الحبوب كانت تباع وتشترى في مصر بالكيل لا بالوزن ، واتّضح ايضا انّ يوسف كان يستقبل الضيوف ـ ومنهم اخوته ـ الذين كانوا يفدون الى مصر بحفاوة بالغة ويستظيفهم بأحسن وجه.

وأجاب اخوة يوسف على طلب أخيهم :( قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ ) ويستفاد من قوله( إِنَّا لَفاعِلُونَ ) واجابتهم الصريحة لعزيز مصر ، انّهم كانوا مطمئنين الى قدرتهم على التأثير على أبيهم وأخذ الموافقة منه ، وكيف لا يكونون مطمئنين بقدرتهم على ذلك وهم الذين استطاعوا بإصرارهم والحاحهم ان يفرّقوا بين يوسف وأبيه؟!

وأخيرا امر يوسف رجاله بأن يضعوا الأموال التي اشتروا بها الحبوب في رحالهم ـ جلبا لعواطفهم ـ( وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) .

* * *

٢٥٠

بحوث

١ ـ لماذا لم يظهر يوسف حقيقته لإخوته

بالنسبة للآيات السابقة فإنّ اوّل ما يتبادر الى الذهن هو انّه لماذا لم يعرّف يوسف نفسه لإخوته ، حتّى يقفوا على حقيقة حاله ويرجعوا الى أبيهم ويخبرونه عن مصير يوسف ، وبذلك تنتهي آلامه لأجل فراق يوسف؟

ويمكن طرح هذا السؤال على شكل أوسع وبصورة اخرى ، وهو انّه حينما التقى يوسف بإخوته في مصر كان قد مرّ ثمان سنوات على تحريره من السجن ، حيث كان في السنة الاولى من سنوات القحط والجدب ، التي أعقبت سبع سنوات من الوفرة والرخاء ، وقام بخزن المنتوجات الزراعية ـ وفي السنة الثامنة او بعدها ـ جاء اخوة يوسف الى مصر لشراء الحبوب ، فلما ذا لم يحاول يوسف خلال هذه السنوات الثمان ان يبعث الى كنعان من يخبر أباه بواقع حاله ويخرجه عن آلامه وينهي مرارته الطويلة؟

حاول جمع من المفسّرين ـ كالعلّامة الطبرسي في مجمع البيان والعلّامة الطباطبائي في تفسير الميزان والقرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن ـ الاجابة على هذا السؤال ، وذكروا له عدّة اجوبة ، ولعلّ أحسنها وأقربها هو انّ يوسف لم يكن مجازا من قبل الله سبحانه وتعالى في اخبار أبيه ، لانّ قصّة يوسف مع غضّ النظر عن خصائصه الذاتية كانت ساحة لاختبار يعقوب وحقلا لامتحانه ، فلا بدّ من ان يؤدّي يعقوب امتحانه ويجتاز فترة الاختبار قبل ان يسمح ليوسف بإخباره ، واضافة الى هذا فإنّ اسراع يوسف في اخبار اخوته قد يؤدّي الى عواقب غير محمودة ، مثلا قد يستولي عليهم الخوف والهلع من انتقام يوسف منهم لما ارتكبوه سابقا في حقّه فلا يرجعوا اليه.

٢ ـ لماذا ارجع يوسف الأموال الى اخوته

السؤال الذي يطرح نفسه هو انّه لماذا امر يوسف ان تردّ اموال اخوته التي

٢٥١

دفعوها ثمنا للحبوب ، وتوضع في رحالهم؟

وقد أجاب المفسّرون عن هذا السؤال بإجابات عديدة ، ومنهم الرازي في تفسيره حيث ذكر عشرة اجوبة ، لكن بعضها بعيد عن الواقع ، ولعلّ ملاحظة الآيات السابقة تكفي في الاجابة عن السؤال ، لانّ الآية الشريفة تقول :( لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) فإنّ يوسف كان يقصد من وراء هذا العمل ، انّ اخوته بعد رجوعهم الى الوطن حينما يجدون أموالهم قد خبّئت في متاعهم ، سوف يقفون على كرم عزيز مصر (يوسف) وجلالة قدره ، اكثر ممّا شاهدوه ، وسوف يطمئن يعقوب بنوايا عزيز مصر ويعطي الاذن بسفر بنيامين ، ويكون السبب والدافع في سفرهم الى مصر مرّة اخرى وباطمئنان اكثر مستصحبين معهم أخاهم الصغير.

٣ ـ كيف وهب يوسف الى اخوته اموال بيت المال؟

السؤال الآخر الذي يطرح نفسه هنا هو انّه كيف وهب يوسف الأموال من بيت المال لإخوته دون اي تعويض؟

يمكن الاجابة على هذا السؤال بطريقتين :

الاوّل : انّ بيت المال في مصر كان يحتوي على حصّة معيّنة من الأموال تصرف في شؤون المستضعفين (ومثل هذه الحصّة موجودة دائما) وبما انّ اخوة يوسف كانوا في تلك الفترة من المستضعفين ، استغلّ يوسف هذه الفرصة واستفاد من هذه الحصّة لمساعدة إخوته : (كما كان يستفيد منها في مساعدة سائر المستضعفين) ومن المعلوم انّ الحدود المصطنعة بين الدولة لم تكن حائلا دون مساعدة مستضعفي سائر البلدان من هذه الحصّة.

الثّاني : انّ المناصب العالية في الدولة ـ كمنصب يوسف ـ تتضمّن عادة على

٢٥٢

امتيازات وحقوق معيّنة ، ومن اقلّ هذه الحقوق هو ان يهيئ لنفسه ولعائلته المحتاجة ولمن يقرب اليه كأبيه واخوته مستلزمات العيش الكريم ، وقد استفاد يوسف من هذا الحقّ في إعطاء الأموال لإخوته.

* * *

٢٥٣

الآيات

( فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٦٣) قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥) قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦) )

التّفسير

موافقة يعقوب :

رجع اخوة يوسف الى كنعان فرحين حاملين معهم المتاع الثمين ، لكنّهم كانوا يفكّرون بمصيرهم في المستقبل وانّه لو رفض الأب ولم يوافق على سفر أخيهم الصغير (بنيامين) فإنّ عزيز مصر سوف لن يستقبلهم ، كما انّه لا يعطيهم

٢٥٤

حصّتهم من الحبوب والمؤن.

ومن هنا يقول القرآن :( فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ ) ولا سبيل لنا للحصول عليه الّا ان ترسل معنا أخانا( فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ ) وكن على يقين من انّنا سوف نحافظ عليه ونمنعه من الآخرين( وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) .

امّا الأب الشيخ الكبير الذي لم يمح صورة (يوسف) عن ذاكرته مرّ السنين فإنّه حينما سمع هذا الكلام استولى عليه الخوف وقال لهم معاتبا :( هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ ) فكيف تتوقّعون منّي ان اطمئن بكم والبّي طلبكم واوافق على سفر ولدي وفلذّة كبدي معكم الى بلاد بعيدة ، ولا زلت اذكر تخلفّكم في المرّة السابقة عن عهدكم ، ثمّ أضاف( فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) هذه العبارة لعلّها اشارة الى ما تحدّثت به نفس يعقوب من انّه يصعب عليّ ان اوافق على سفر بنيامين معكم وقد عرفت سوءكم في المرّة السابقة ، لكن حتّى لو وافقت على ذلك فإنّني اتّكل على الله سبحانه وتعالى الذي هو ارحم الراحمين واطلب رعايته وحفظه منه لا منكم.

الآية السابقة لا تدلّ على الموافقة القطعيّة وقبوله لطلبهم ، وانّما هي مجرّد احتمال منه حيث انّ الآيات القادمة تظهر انّ يعقوب لم يكن قد وافق على طلبهم الّا بعد ان أخذ منهم العهود والمواثيق ، والاحتمال الآخر هو انّ هذه الآية لعلّها اشارة الى يوسف ، حيث كان يعلم انّه على قيد الحياة (وسوف نقرا في الآيات القادمة انّه كان على يقين بحياة يوسف) فدعا له بالحفظ.

ثمّ انّ الاخوة حينما عادوا من مصر( وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ ) فشاهدوا انّ هذا الأمر هو برهان قاطع على صحّة طلبهم ، فجاءوا الى أبيهم و( قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا ) وهل هناك فضل وكرم اكثر من هذا ان يقوم حاكم اجنبي وفي ظروف القحط والجفاف ،

٢٥٥

بمساعدتنا ويبيع لنا الحبوب والمؤن ثمّ يردّ إلينا ما دفعناه ثمنا له؟!

ثمّ انّه ردّ بضاعتنا علينا بشكل خفي بحيث لا يستثير فينا الخجل ـ أليس هذا غاية الجود والكرم؟! فيا أبانا ليس هناك مجال للتأخير ـ ابعث معنا أخانا لكي نسافر ونشتري الطعام( وَنَمِيرُ أَهْلَنا ) وسوف نكون جادّين في حفظ أخينا( وَنَحْفَظُ أَخانا ) ، وهكذا نتمكّن من ان نشتري كيل بعير من الحبوب( وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ) وانّنا على يقين في انّ سماحة العزيز وكرمه ـ سوف يسهّلان حصوله و( ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ ) .

وفي كلّ الأحوال ـ رفض يعقوب إرسال ابنه بنيامين معهم ، ولكنّه كان يواجه إصرار أولاده بمنطقهم القوي بحيث اضطرّ الى التنازل على مطلبهم ولم ير بدّا من القبول ، ولكنّهوافق بشرط :( قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ ) ، والمقصود من قوله( مَوْثِقاً مِنَ اللهِ ) هو العهد واليمين المتضمّن لاسم الله سبحانه وتعالى ، وامّا جملة( إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ ) فهي في الواقع بمعنى ـ الّا إذا أحاطت بكم وغلبتكم الحوادث ، ولعلّها اشارة الى حوادث الموت او غيرها من الحوادث والمصائب التي تسلب قدرة الإنسان وتقصم ظهره وتجعله عاجزا.

وذكر هذا الاستثناء دليل بارز على ذكاء نبي الله يعقوب وفطنته ، فإنّه برغم حبّه الشديد لولده بنيامين لكنّه لم يحمل أولاده بما لا يطيقوا وقال لهم : انّكم مسئولون عن سلامة ولدي العزيز وانّي سوف اطلبه منكم الّا ان تغلبكم الحوادث القاهرة ، فحينئذ لا حرج عليكم.

وعلى كلّ حال فقد وافق اخوة يوسف بدورهم على شرط أبيهم ، وحينما أعطوه العهد والمواثيق المغلّظة قال يعقوب :( فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ ) .

* * *

٢٥٦

بحوث

١ ـ بالنسبة للآيات السابقة فإنّ اوّل ما يتبادر الى الذهن ، هو انّه كيف وافق يعقوب على سفر بنيامين مع اخوته برغم ما اظهروه في المرّة السابقة من سوء المعاملة مع يوسف ، اضافة الى هذا فإنّنا نعلم انّهم كانوا يبطنون الحقد والحسد لبنيامين ـ وان كان اخفّ من حقدهم وحسدهم على يوسف ـ حيث وردت في الآيات الافتتاحية لهذه السورة قوله تعالى :( إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ) اي انّ يوسف وأخاه احبّ الى أبينا برغم ما نملكه نحن من قوّة وكثرة.

لكن تظهر الاجابة على هذا السؤال إذا لاحظنا انّه قد مضى ثلاثون الى أربعين سنة على حادثة يوسف ، وقد صار اخوة يوسف الشبّان كهولا ، ومن الطبيعي انّهم نضجوا اكثر من السابق ، كما وقفوا على الآثار السلبية والسيّئة لما فعلوه مع يوسف ، سواء في داخل اسرتهم ام في وجدانهم ، حيث أثبتت لهم تجارب السنين السالفة انّ فقد يوسف كان لا يزيد حبّ أبيهم لهم ، بل ازداد نفوره منهم وخلق لهم مشاكل جديدة.

اضافة الى هذه الأمور فإنّ يعقوب لم يواجه طلبا للخروج الى التنزّه والصيد ، بل كان يواجه مشكلة مستعصية مستفحلة ، وهي اعداد الطعام لعائلة كبيرة وفي سنوات القحط والمجاعة.

فمجموع هذه الأمور أجبرت يعقوب على الرضوخ لطلب أولاده والموافقة على سفر بنيامين ولكنّه أخذ منهم العهود والمواثيق على ان يرجعوه سالما.

٢ ـ السؤال الآخر الذي نواجهه هنا هو انّه هل الحلف وأخذ العهد والمواثيق منهم كان كافيا لكي يوافق يعقوب على سفر بنيامين معهم؟

الجواب : انّه من الطبيعي انّ مجرّد الحلف واليمين لم يكن كافيا لذلك ، ولكن في هذه المرّة كانت الشواهد والقرائن تدلّ على انّ هناك حقيقة واضحة قد برزت

٢٥٧

الى الوجود ، وهي خالية عن محاولات الخداع والتضليل (كما هو الحال في المرّة السابقة) ففي مثل هذه الصورة لا سبيل لتأكيد هذه الحقيقة وجعلها اقرب الى التنفيذ سوى العهد واليمين ، مثل ما نشاهده في هذه الايّام من تحليف الزعماء السياسيين كرئيس الجمهورية او نوّاب البرلمان ، حيث يحلفون بالوفاء للدستور والعمل على طبقه وذلك بعد ان انتخبهم الشعب من خلال انتخابات حرّة ونزيهة.

* * *

٢٥٨

الآيتان

( وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦٨) )

التّفسير

وأخيرا توجّه اخوة يوسف صوب مصر للمرّة الثانية بعد اذن أبيهم وموافقته على اصطحاب أخيهم الصغير معهم ، وحينما أرادوا الخروج ودعهم أبوهم موصيا ايّاهم بقوله :( وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ ) ثمّ أضاف : انّه ليس في مقدوري ان امنع ما قد قدّر لكم في علم الله سبحانه وتعالى( وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ ) ولكن هناك بعض الأمور التي يمكن للإنسان ان يجتنب عنها حيث لم يثبت في حقّها القدر الالهي

٢٥٩

المحتوم ، وما أسديته لكم من النصيحة هو في الواقع لدفع هذه الأمور الطارئة والتي بإمكان الإنسان ان يدفعها عن نفسه ثمّ قال : أخيرا( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) .

لا شكّ في انّ عاصمة مصر في تلك الايّام شأنها شأن جميع البلدان ، كانت تمتلك سورا عاليا وأبوابا متعدّدة وكان يعقوب قد نصح أولاده بأن يتفرّقوا الى جماعات صغيرة ، وتدخل كلّ جماعة من باب واحد ، لكن الآية السابقة لم تبيّن لنا فلسفة هذه النصيحة.

ذهب جمع من المفسّرين الى انّ سبب هذه النصيحة هو انّ اخوة يوسف كانوا يتمتّعون بقسط وافر من الجمال (وان لم يكونوا كيوسف لكنّهم في كلّ الأحوال كانوا اخوته) وبأجسام قويّة رشيقة ، وكان الأب الحنون في قلق شديد من انّ الفات نظر الناس الى هذه المجموعة المكوّنة من ١١ شخصا ويدلّ سيماهم على انّهم غرباء وانّهم ليسوا من اهل مصر ، فيصيبهم الحسد من تلك العيون الفاحصة.

ثمّ بعد هذا التّفسير ـ دخل المفسّرون في بحث طويل ونقاش مستمر حول موضوع تأثير العين في حياة الإنسان واستدلّوا على ذلك بشواهد عديدة من الرّوايات والتاريخ. ونحن بحول الله وقوّته سوف نبحث عن هذا الموضوع عند حديثنا عن قوله تعالى :( وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ ) .(١) ونثبت انّه برغم الخرافات الكثيرة التي لفّها العوام حوله الّا انّ مقدارا من هذا الأمر له حقيقة موضوعية حيث ثبت علميا انّ أمواج سيّالة تخرج من العين وتمتلك بعض المواصفات المغناطيسيّة.

وهناك سبب آخر ذكره المفسّرون وهو انّ دخول هذه المجموعة الى مصر بوجوههم المشرقة وأجسامهم الرشيقة القويمة والسير في شوارعها ، قد يثير

__________________

(١) سورة ن والقلم ، ٢٥.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572