الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 572

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 572 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 287708 / تحميل: 5229
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

أي فئتين من المؤمنين وقع القتال بينهما، وأنّه لا ينبغي لأحد أن يفضّل أي فئة منهما على الأُخرى، حتّى لا تحدث فتنة. (1)

2 - حرّمت الإباضيّة الزواج بين من ربطت بينهما علاقة إثم، وقد كانوا في تحريمهم لهذا الزواج يستندون إلى روح الإسلام الّذي يحارب الفاحشة. (2) وقد انفردوا به من بين سائر المذاهب.

3 - منعت الإباضيّة المسلم من إراقة ماء الوجه والتعرّض لمذلّة السؤال؛ فإذا هانت عليه كرامته، وذهب يسأل الناس الزكاة، حَرُم منها عقاباً له على هذا الهوان، وتعويداً له على الاستغناء عن الناس، والاعتماد على الكفاح. (3)

مؤسّس المذهب الإباضي ودعاته في العصور الأُولى:

قد تعرّفت على عقائد الإباضيّة، فحان البحث عن أئمّتهم ودعاتهم في العصور الأُولى.

1 - عبد الله بن إباض، مؤسّس المذهب:

هو عبد الله بن إباض، المقاعسي، المري، التميمي، ابن عبيد، ابن مقاعس، من دعاة الإباضيّة، بل هو مؤسّس المذهب.

____________________

(1) انظر: الإباضيّة في مصر والمغرب: 61.

(2) الإباضيّة في موكب التاريخ: 111 - 112.

(3) الإباضيّة في موكب التاريخ: 116.

١٤١

قد اشتهرت هذه الفِرقة بالإباضيّة من أوّل يوم، وهذا يدلُّ على أنّه كان لعبد الله بن إباض، دور في نشوء هذه الفِرقة وازدهارها.

2 - جابر بن زيد العماني، الأزدي:

جابر بن زيد، أبو الشعثاء، الأزدي، اليحمدي، البصري، مشهور بكنيته، فقيه الإباضيّة، مات سنة 93هـ، ويقال: مائة. يروي عن عبد الله بن عبّاس.

3 - أبو عبيدة، مسلم بن أبي كريمة (المتوفّى حوالي 158هـ):

مسلم بن أبي كريمة التميمي، توفّي في ولاية أبي جعفر المنصور المتوفّى سنة 158هـ، قال عنه ابن الجوزي: مجهول.

أخذ العلم عن جابر بن عبد الله، وجابر بن زيد، وضمار السعيدي، وجعفر السمّاك وغيرهم.

حمل العلم عنه الربيع بن حبيب الفراهيدي؛ صاحب المسند، وأبو الخطّاب المعافري، وعبد الرحمن بن رستم، وعاصم السدراتي، وغيرهم.

4 - أبو عمرو، ربيع بن حبيب الفراهيدي:

هو من أئمّة الإباضيّة، وهو صاحب المسند المطبوع، ولم نجد له ترجمة وافية في كتب الرجال لأهل السنّة، ويُعدّ في طليعة الجامعين للحديث والمصنّفين فيه.

١٤٢

5 - أبو يحيى عبد الله بن يحيى الكندي:

عبد الله بن يحيى بن عمر الكندي، من حضرموت، وكان قاضياً لإبراهيم بن جبلة؛ عامل القاسم بن عمر على حضرموت، وهو عامل مروان على اليمن، خرج بحضرموت والتفَّ حوله جماعة عام 128هـ، وبسط سيطرته على عُمان واليمن والحجاز، وفي عام 130هـ جهّز مروان بن محمد جيشاً بقيادة عبد الملك بن محمد بن عطيّة السعدي، فكانت بينهم حرب عظيمة، قُتل فيها عبد الله بن يحيى وأكثر من معه من الإباضيّة، ولحق بقيّة الخوارج ببلاد حضرموت.

دول الإباضيّة:

قد قام باسم الإباضيّة، عدد من الدول في أربعة مواضع من البلاد الإسلاميّة:

1 - دولة في عُمان، استقلّت عن الدولة العباسيّة في عهد أبي العباس السفّاح، سنة 132هـ، ولا تزال إلى اليوم.

2 - دولة في ليبيا، سنة 140هـ، ولم تعمّر طويلاً؛ فقد انتهت بعد ثلاث سنوات.

3 - دولة في الجزائر، قامت سنة 160هـ، وبقيت إلى حوالي 190هـ، ثُمَّ قضت عليها الدولة العبيديّة.

١٤٣

4 - دولة قامت في الأندلس، ولا سيّما في جزيرتي ميورقة ومينورقة، وقد انتهت يوم انتهت الأندلس.

هذه هي الإباضيّة، وهذا ماضيهم وحاضرهم، وقد قدّمنا إليك صورة موجزة من تاريخهم ونشأتهم وشخصيّاتهم وعقائدهم.

١٤٤

13

الشِّيعة الإماميّة

الشّيعة لغة واصطلاحاً:

الشيعة لغة هم: الجماعة المتعاونون على أمر واحد في قضاياهم، يقال تشايع القوم إذا تعاونوا، وربّما يطلق على مطلق التابع، قال سبحانه: ( فَاسْتَغَاثَهُ الّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الّذِي مِنْ عَدُوّه ) (1) ، وقال تعالى: ( وَإِنّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) (2) .

وأمّا اصطلاحاً، فلها إطلاقات عديدة، بملاكات مختلفة:

1 - الشيعة: من أحبَّ عليّاً وأولاده باعتبارهم أهل بيت النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) الّذين فرض الله سبحانه مودّتهم، قال عزَّ وجلَّ: ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى ) (3) . والشّيعة بهذا المعنى تعمّ كلّ المسلمين، إلاّ النواصب؛ بشهادة أنّهم يصلّون على نبيّهم وآله في صلواتهم وأدعيتهم، ويتلون الآيات النازلة في حقّهم صباحاً ومساءً، وهذا هو الإمام الشافعي يصفهم بقوله:

يـا أهل بيت رسول الله حبكم

فرض من الله في القرآن أنزله

____________________

(1) القصص: 15.

(2) الصافات: 83 - 84.

(3) الشورى: 23.

١٤٥

كـفاكم مـن عـظيم الشأن أنّكم

مَن لم يصلّ عليكم لا صلاة له (1)

2 - من يفضّل عليّاً على عثمان، أو على الخلفاء عامّة، مع اعتقاده بأنّه رابع الخلفاء، وإنّما يقدّم؛ لاستفاضة مناقبه وفضائله عن الرسول الأعظم، والّتي دوّنها أصحاب الحديث في صحاحهم ومسانيدهم.

3 - الشيعة من يشايع علياً وأولاده باعتبار أنّهم خلفاء الرسول وأئمة الناس بعده، نَصَبهم لهذا المقام بأمر من الله سبحانه، وذكر أسماءهم وخصوصيَّاتهم. والشيعة بهذا المعنى هو المبحوث عنه في المقام، وقد اشتُهر بأنّ عليّاً هو الوصيّ حتّى صار من ألقابه، وذكره الشعراء بهذا العنوان في قصائدهم، وهو يقول في بعض خطبه:

«لا يقاس بآل محمد من هذه الأُمّة أحد، ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً، هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حقِّ الولاية، وفيهم الوصيّة والوراثة». (2)

ومُجمل القول: إنّ هذا اللفظ يشمل كلَّ من قال إنّ قيادة الأُمّة لعليّ بعد الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وإنّه يقوم مقامه في كلِّ ما يمتُّ إليه، سوى النبوّة ونزول الوحي عليه، كلّ ذلك بتنصيص من الرسول.

وعلى ذلك، فالمقوّم للتشيّع، وركنه الرّكين، هو القول بالوصاية والقيادة، بجميع شؤونها، للإمام (عليه السّلام)، فالتشيّع هو الاعتقاد بذلك، وأمّا ما سوى ذلك، فليس مقوّماً لمفهوم التشيّع، ولا يدور عليه إطلاق الشيعة.

____________________

(1) الصواعق: 148.

(2) نهج البلاغة: الخطبة 2.

١٤٦

الفصل الأوّل:

مبدأ التشيّع وتاريخ تكوّنه

زعم غير واحد من الكتّاب القدامى والجدد، أنّ التشيّع كسائر المذاهب الإسلاميّة، من إفرازات الصراعات السياسيّة، وذهب بعض آخر إلى القول إنّه نتيجة الجدال الكلامي والصراع الفكري، فأخذوا يبحثون عن تاريخ نشوئه وظهوره في الساحة الإسلاميّة، وكأنّهم يتلقّون التشيّع كظاهرة طارئة على المجتمع الإسلامي، ويظنّون أنّ القطاع الشيعي من جسم الأُمّة الإسلاميّة، باعتباره قطاعاً تكوّن على مرّ الزمن؛ لأحداث وتطورات سياسيّة أو اجتماعيّة أو فكريّة، أدَّت إلى تكوين ذلك المذهب كجزء من ذلك الجسم الكبير، ثُمَّ اتسع ذلك الجزء بالتدريج.

وبعد أن افترض هؤلاء أنّه أمر طارئ، أخذوا بالفحص والتفتيش عن علّته أو علله، فذهبوا في تعيين المبدأ إلى كونه ردّة فعل سياسيّة أو فكريّة، ولكنّهم لو كانوا عارفين أنّ التشيّع وُلِد منذ عهد النبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؛ لَمَا تسرّعوا في إبداء الرأي في ذلك المجال، ولعلموا أنّ التشيّع والإسلام وجهان لعملة واحدة، وليس للتشيّع تاريخ ولا مبدأ، سوى تاريخ الإسلام ومبدئه، وانّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) هو الغارس لبذرة التشيّع في صميم الإسلام، من أوّل يوم أمَر بالصدع وإظهار الحقيقة، إلى أن لبىَّ دعوة ربه.

١٤٧

فالتشيّع ليس إلاّ عبارة عن استمرار قيادة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بعد وفاته، عن طريق من نصبه إماماً للناس وقائداً للأُمّة، حتّى يرشدها إلى النهج الصحيح والهدف المنشود، وكان هذا المبدأ أمراً ركّز عليه النبيّ في غير واحد من المواقف الحاسمة، فإذا كانّ التشيع متبلوراً في استمرار القيادة بالوصيّ، فلا نجد له تاريخاً سوى تاريخ الاسلام، والنصوص الواردة عن رسوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

والشيعة هم المسلمون من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان في الأجيال اللاحقة، هم الّذين بقوا على ما كانوا عليه في عصر الرسول في أمر القيادة، ولم يغيّروه، ولم يتعدّوا عنه إلى غيره، ولم يأخذوا بالمصالح المزعومة في مقابل النصوص، وصاروا بذلك المصداق الأبرز لقوله سبحانه: ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَرسُولِهِ وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (1) .

ففزعوا في الأُصول والفروع إلى عليّ وعترته الطاهرة، وانحازوا عن الطائفة الأُخرى؛ الّذين لم يتعبدوا بنصوص الخلافة والولاية وزعامة العترة؛ حيث تركوا النصوص وأخذوا بالمصالح.

إنّ الآثار المرويّة في حق شيعة الإمام عن لسان النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ترفع اللّثام عن وجه الحقيقة، وتُعرب عن التفاف قسم من المهاجرين حول الوصيّ، فكانوا معروفين بشيعة عليّ في عصر الرسالة، وأنّ النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وصفهم في كلماته بأنّهم هم الفائزون، وإن كنت في شك من هذا الأمر، فسأتلو عليك بعض ما ورد من النصوص في المقام.

____________________

(1) الحجرات: 1.

١٤٨

1 - أخرج ابن مردويه، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله من أكرم الخلق على الله؟، قال: يا عائشة، أما تقرأين ( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ ) (1) . (2)

2 - أخرج ابن عساكر، عن جابر بن عبد الله، قال: كنّا عند النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فأقبل عليّ، فقال النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «والّذي نفسي بيده، إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة»، ونزلت: ( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ ) ، فكان أصحاب النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، إذا أقبل عليّ قالوا: جاء خير البريّة. (3)

3 - أخرج ابن عدي، عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزلت ( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ ) قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لعلي: «هو أنت وشيعتك يوم القيامة، راضين مرضيّين». (4)

4 - أخرج ابن مردويه، عن عليّ، قال: قال لي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «ألم تسمع قول الله: ( إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيّةِ ) أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض، إذا جاءت الأُمم للحساب تدعون غرّاً محج<لين». (5)

5 - روى ابن حجر في صواعقه، عن أُم سلمة: كانت ليلتي، وكان النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عندي، فأتته فاطمة، فتبعها عليّ (رضي الله عنه)، فقال النبيّ: «يا عليّ أنت وأصحابك في الجنّة، أنت وشيعتك في الجنة». (6)

____________________

(1) البينة: 7.

(2 و3 و4 و5) الدر المنثور: 6/589.

(6) الصواعق: 161.

١٤٩

6 - روى أحمد في المناقب: إنّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قال لعليّ: «أمَا ترضى أنّك معي في الجنّة، والحسن والحسين وذريّتنا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذريّتنا، وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا». (1)

7 - أخرج الديلمي: (يا عليّ، إنّ الله قد غفر لك ولذريّتك ولولدك ولأهلك ولشيعتك، فابشر إنّك الأنزع البطين). (2)

8 - روى المغازلي بسنده عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «يدخلون من أُمّتي الجنة سبعون ألفاً لا حساب عليهم»، ثُمَّ التفت إلى عليّ، فقال: «هم شيعتك وأنت أمامهم». (3)

إلى غير ذلك من الروايات الّتي تُعرب عن أنّ عليّاً (عليه السّلام) كان متميّزاً بين أصحاب النبيّ؛ بأنّ له شيعة وأتباعاً، ولهم مواصفات وسمات كانوا مشهورين بها، في حياة النبيّ وبعدها.

الشيعة في كلمات المؤرّخين وأصحاب الفِرق:

قد غلب استعمال الشيعة بعد عصر الرسول، تبعاً له فيمن يوالي عليّاً وأهل بيته، ويعتقد بإمامته ووصايته، ويَظهر ذلك من خلال كلمات المؤرّخين وأصحاب المقالات؛ نشير إلى بعضها:

1 - روى المسعودي في حوادث وفاة النبيّ: إنّ الإمام عليّاً أقام ومن

____________________

(1) الصواعق: 161.

(2) المصدر نفسه.

(3) مناقب المغازلي: 293.

١٥٠

معه من شيعته في منزله، بعد أن تمّت البيعة لأبي بكر. (1)

2 - وقال النوبختي (المتوفّى 313هـ): إنّ أوّل الفِرق، الشيعة؛ وهم فِرقة عليّ بن أبي طالب، المسمّون شيعة عليّ في زمان النبيّ وبعده، معروفون بانقطاعهم إليه، والقول بإمامته. (2)

3 - وقال أبو الحسن الأشعري: وإنّما قيل لهم: الشيعة، لأنّهم شايعوا عليّاً، ويقدّمونه على سائر أصحاب رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم). (3)

4 - ويقول الشهرستاني: الشيعة هم الّذين شايعوا عليّاً في الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصّاً ووصيّةً. (4)

5 - وقال ابن حزم: ومن وافق الشيعة في أنّ عليّاً أفضل الناس بعد رسول الله وأحقّهم بالإمامة، وولْده من بعده. (5)

هذا غيض من فيض، وقليل من كثير، ممّا جاء في كلمات المؤرّخين وأصحاب المقالات، تُعرب عن أنّ لفيفاً من الأُمّة في حياة الرسول وبعده، إلى عصر الخلفاء وبعدهم، كانوا مشهورين بالتشيّع لعليّ، وأنّ لفظة الشيعة ممّا نطق بها الرسول وتبعته الأُمّة عليه.

____________________

(1) الوصيّة: 121.

(2) فِرق الشيعة: 15.

(3) مقالات الإسلاميّين: 1/65.

(4) الملِل والنحل: 1/131.

(5) الفصل في الملِل والنحل: 2/113.

١٥١

رواد التشيع في عصر النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):

وإليك أسماء لفيف من الصحابة الشيعة المعروفين بالتشيّع:

1 - عبد الله بن عبّاس. 2 - الفضل بن العبّاس. 3 - عبيد الله بن العبّاس. 4 - قثم بن العبّاس. 5 - عبد الرحمن بن العبّاس. 6 - تمام بن العبّاس. 7 - عقيل بن أبي طالب. 8 - أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب. 9 - نوفل بن الحرث. 10 - عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. 11 - عون بن جعفر. 12 - محمد بن جعفر. 13 - ربيعة بن الحرث بن عبد المُطّلب. 14 - الطفيل بن الحرث. 15 - المغيرة بن نوفل بن الحارث. 16 - عبد الله بن الحرث بن نوفل. 17 - عبد الله بن أبي سفيان بن الحرث. 18 - العبّاس بن ربيعة بن الحرث. 19 - العبّاس بن عُتبة بن أبي لهب. 20 - عبد المُطّلب بن ربيعة بن الحرث. 21 - جعفر بن أبي سفيان بن الحرث.

هؤلاء من مشاهير بني هاشم، وأمّا غيرهم، فإليك أسماء لفيف منهم:

22 - سلمان المحمّدي. 23 - المقداد بن الأسود الكندي. 24 - أبوذر الغفاري. 25 - عمّار بن ياسر. 26 - حذيفة بن اليمان. 27 - خزيمة بن ثابت. 28 - أبو أيّوب الأنصاري. 29 - أبو الهيثم مالك بن التيهان. 30 - أُبي بن كعب. 31 - سعد بن عبادة. 32 - قيس بن سعد بن عبادة. 33 - عدي بن حاتم. 34 - عبادة بن الصامت. 35 - بلال بن رباح الحبشي. 36 - أبو رافع مولى رسول الله. 37 - هاشم بن عتبة. 38 - عثمان بن حُنيف. 39 - سهل بن حُنيف. 40 - حكيم بن جبلة العبدي. 41 - خالد بن سعيد بن العاص. 42 - أبو الحصيب الأسلمي. 43 - هند بن أبي هالة

١٥٢

التميمي. 44 - جعدة بن هبيرة. 45 - حجر بن عدي الكندي. 46 - عمرو بن الحمق الخزاعي. 47 - جابر بن عبد الله الأنصاري. 48 - محمّد بن أبي بكر. 49 - أبان بن سعيد بن العاص. 50 - زيد بن صوحان الزيدي.

هؤلاء خمسون صحابيّاً من الطبقة العليا للشيعة، فمن أراد التفصيل والوقوف على حياتهم وتشيّعهم، فليرجع إلى الكتب المؤلَّفة في الرجال.

١٥٣

الفصل الثاني:

شبهات حول تاريخ الشيعة

قد تعرّفت على تاريخ التشيع، وأنّه ليس وليد الجدال الكلامي، ولا إنتاج السياسات الزمنيّة؛ وإنّما هو وجه آخر للإسلام، وهما وجهان لعملة واحدة، إلاّ أنّ هناك جماعة من المؤرّخين وكتّاب المقالات، ظنّوا أنّ التشيّع أمر حادث وطارئ على المجتمع الإسلامي، فأخذوا يفتّشون عن مبدئه ومصدره، وراحوا يثيرون الشبهات حول تاريخه، وإليك استعراض هذه الشبهات نقداً وتحليلاً.

الشبهة الأُولى:

الشيعة ويوم السقيفة

إنّ مأساة السقيفة جديرة بالقراءة والتحليل، وقد تخيّل لبعض المؤرخين أنّ التشيّع ظهر بعدها.

يقول الطبري: اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة؛ ليبايعوا سعد بن عبادة، فبلغ ذلك أبا بكر، فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح، فقال: ما هذا؟، فقالوا: منّا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: منّا الأمراء ومنكم الوزراء - إلى أن

١٥٤

قال: - فبايعه عمر، وبايعه الناس، فقالت الأنصار أو بعض الأنصار: لا نبايع إلاّ عليّاً، ثُمَّ قال: أتى عمر بن الخطاب منزل عليّ، وفيه طلحة والزّبير ورجال من المهاجرين، فقال: والله لأحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة، فخرج عليه الزبير مسلطاً بالسيف فعثر، فسقط السيف من يده، فوثبوا عليه فأخذوه.

وقال أيضاً: وتخلّف عليّ والزّبير، واخترط الزبير سيفه، وقال: لا أغمده حتّى يُبَايَع عليّ، فبلغ ذلك أبا بكر وعمر، فقالا: خذوا سيف الزبير. (1)

يُلاحظ عليه: أنّ هذه النصوص تدلّ على أنّ فكرة التشيّع لعليّ، كانت مختمرة في أذهانهم منذ عهد الرسول إلى وفاته، فلمّا رأت الجماعة أنّ الحق خرج عن محوره، عمدوا إلى التمسّك بالحق بالاجتماع في بيت عليّ، الّذي أوصّاهم النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) به طيلة حياته؛ إذ من البعيد جداً أن يجتمع رأيهم على عليّ في يوم واحد في ذلك اليوم العصيب، فالمعارضة كانت استمراراً لما كانوا يلتزمون به في حياة النبيّ، ولم تكن فكرة خلقتها الظروف والأحداث.

كان أبوذر وقت أخذ البيعة غائباً، ولمّا جاء، قال: أصبتم قناعة، وتركتم قرابة، لو جعلتم الأمر في أهل بيت نبيّكم، لَمَا اختلف عليكم اثنان. (2)

وقال سلمان: أصبتم ذا السن، وأخطأتم المعدن، أمّا لو جعلتموه فيهم، ما اختلف منكم اثنان، ولأكلتموها رغداً.

وروى الزبير بن بكار في الموفقيّات: إنّ عامّة المهاجرين، وجلّ الأنصار، كانوا لا يشكّون أنّ عليّاً هو صاحب الأمر.

____________________

(1) تاريخ الطبري: 2/443 - 444.

(2) تاريخ اليعقوبي: 2/103.

١٥٥

وروى الجوهري في كتاب السقيفة: إنّ سلمان والزبير وبعض الأنصار، كان هواهم أن يبايعوا عليّاً.

وروى أيضاً: إنّه لمّا بويع أبو بكر واستقرَّ أمره، ندم قوم كثير من الأنصار على بيعته، ولام بعضهم بعضاً، وهتفوا باسم الإمام عليّ، ولكنّه لم يوافقهم. (1)

ومن المستحيل عادة، اختمار تلك الفكرة بين هؤلاء، في يوم واحد، بل يُعرب ذلك عن وجود جذور لها، قبل رحلة النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، ويؤكد ذلك نداءاته الّتي ذكرها في حق عليّ وعترته، في مواقف متعدّدة، فامتناع الصحابة عن بيعة الخليفةن ومطالبتهم بتسليم الأمر إلى عليّ؛ إنّما هو لأجل مشايعتهم لعليّ زمن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وما هذا إلاّ إخلاصاً و وفاءاً منهم للنبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وأين هو من تكوّن التشيع يوم السقيفة؟!

الشبهة الثانية:

التشيّع صنيع عبد الله بن سبأ

كتب الطبري في تاريخه يقول:

كان عبد الله بن سبأ يهوديّاً من أهل صنعاء، أُمّه سوداء، فأسلم زمان عثمان، ثُمَّ تنقّل في بلدان المسلمين يحاول إضلالهم، فبدأ بالحجاز، ثُمَّ البصرة، ثُمَّ الكوفة، ثُمَّ الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشّام، فأخرجوه حتّى أتى

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 6/43 - 44.

١٥٦

مصر، فاعتمر فيهم، فقال لهم فيما يقول: لعجب ممّن يزعم أنّ عيسى يرجع، ويكذِّب بأنّ محمّداً يرجع، وقد قال الله عز وجل: ( إِنّ الّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادّكَ إِلَى‏ مَعَادٍ ) (1) ، فمحمّد أحق بالرجوع من عيسى، قال: فقُبل ذلك عنه، ووضع لهم الرجعة، فتكلّموا فيها، ثُمَّ قال لهم بعد ذلك: إنّه كان ألف نبيّ، ولكلّ نبيّ وصيّ، وكان عليّ وصيّ محمّد، ثُمَّ قال: محمّد خاتم الأنبياء، وعليّ خاتم الأوصياء، وإنّ عثمان غاصب حق هذا الوصيّ وظالمه، فيجب مناهضته لإرجاع الحق إلى أهله.

وقد بثّ عبد الله بن سبأ دُعاته في البلاد الإسلاميّة، وأشار عليهم أن يُظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والطعن في الأُمراء، فمال إليه وتبعه على ذلك جماعات من المسلمين، فيهم الصحابي الكبير، والتابعي الصالح، من أمثال: أبي ذر، وعمّار بن ياسر، ومحمّد بن حذيفة، وعبد الرحمن بن عديس، ومحمّد بن أبي بكر، وصعصعة بن صوحان العبدي، ومالك الأشتر، إلى غيرهم من أبرار المسلمين وأخيارهم، فكانت السبئيّة تثير الناس على ولاتهم، تنفيذاً لخطة زعيمها، وتضع كتباً في عيوب الأمراءن وترسل إلى غير مصرهم من الأمصار، فنتج عن ذلك قيام جماعات من المسلمين؛ بتحريض السبئيّين، وقدومهم إلى المدينة، وحصرهم عثمان في داره؛ حتّى قتل فيها، كلّ ذلك كان بقيادة السبئيّين ومباشرتهم.

إنّ المسلمين بعدما بايعوا علياً، ونكث طلحة والزبير بيعتهما، وخرجا إلى البصرة، رأى السبئيّون أنّ رؤساء الجيشين أخذوا يتفاهمون، وأنّه إن تمّ ذلك

____________________

(1) القصص: 85.

١٥٧

سيؤخذون بدم عثمان، فاجتمعوا ليلاً وقرروا أن يندسّوا بين الجيشين، ويثيروا الحرب بكرة، دون علم غيرهم، وإنّهم استطاعوا أن ينفّذوا هذا القرار الخطير في غلس الليل، قبل أن ينتبه الجيشان المتقاتلان، فناوش المندسّون من السبئيّين في جيش عليّ، من كان بإزائهم من جيش البصرة، ففزع الجيشان وفزع رؤساؤهما، وظنّ كلّ بخصمه شرّاً، ثُمَّ إنّ حرب البصرة وقعت بهذا الطريق، دون أن يكون لرؤساء الجيشين رأي أو علم. (1)

إلى هنا انتهت قصة السبئيّة؛ الّتي ذكرها الطبري في تاريخه.

نظرنا في الموضوع:

1 - إنّ ما جاء في تاريخ الطبري من القصة، لا يصحّ نسبته إلاّ إلى عفاريت الأساطير ومردة الجن؛ إذ كيف يصحّ لإنسان أن يصدّق أنّ يهوديّاً جاء من صنعاء، وأسلم في عصر عثمان، استطاع أنّ يُغري كبار الصحابة والتابعين ويخدعهم، ويطوف بين البلاد، واستطاع أن يكوّن خلايا ضدَّ عثمان، ويستقدمهم إلى المدينة، ويؤلّبهم على الخلافة الإسلاميّة، فيهاجموا داره ويقتلوه، بمرأى ومسمع من الصحابة العدول ومن تبعهم بإحسان، هذا شيء لا يحتمله العقل، وإن وطّن على قبول العجائب والغرائب!!

إنّ هذه القصّة تمسّ كرامة المسلمين والصحابة والتابعين، وتصوّرهم أُمّه ساذجة؛ يغترّون بفكر يهوديٍّ وفيهم السادة والقادة والعلماء والمفكرون.

2 - إنّ القراءة الموضوعيّة للسيرة والتاريخ، تُوقفنا على سيرة عثمان بن

____________________

(1) انظر تاريخ الطبري: 3/378، نقل بتصرف وتلخيص.

١٥٨

عفّان، ومعاوية بن أبي سفيان، فإنّهما كانا يعاقبان المعارضين لهم، وينفون المخالفين ويضربونهم، فهذا أبوذر الغفاري نفاه عثمان من المدينة إلى الربذة؛ لاعتراضه عليه في تقسيم الفيء وبيت المال بين أبناء بيته، كما أنّ غلمانه ضربوا عمّار بن ياسر؛ حتّى أنفتق له فتق في بطنه، وكسروا ضلعاً من أضلاعه. إلى غير ذلك من مواقفهم من مخالفيهم ومعارضيهم، ومع ذلك نرى أنّ رجال الخلافة وعمالها، يغضّون الطرف عمّن يؤلّب الصحابة والتابعين على إخماد حكمهم، وقتل خليفتهم في عقر داره، ويجر الويل والويلات على كيانهم!!

3 - إنّ رواية الطبري، نقلت عن أشخاص لا يصحّ الاحتجاج بهم؛ مثلاً: السري؛ الّذي يروي عنه الطبري، إنّما هو أحد رجلين:

أ - السري بن إسماعيل الهمداني؛ الّذي كذّبه يحيى بن سعيد، وضعّفه غير واحد من الحفّاظ. (1)

ب - السري بن عاصم بن سهل الهمداني؛ نزيل بغداد (المتوفّى عام 258هـ)، وقد أدرك ابن جرير الطبري شطراً من حياته؛ يربو على ثلاثين سنة، كذّبه ابن خراش، ووهّاه ابن عدي، وقال: يسرق الحديث، وزاد ابن حبان: ويرفع الموقوفات؛ لا يحلّ الاحتجاج به، فالاسم مشترك بين كذّابين، لا يهمّنا تعيين أحدهما.

4 - عبد الله بن سبأ، أسطورة تاريخيّة، لأنّ القرائن والشواهد والاختلاف الموجود في حق الرجل ومولده، وزمن إسلامه، ومحتوى دعوته، يُشرف

____________________

(1) ميزان الاعتدال: 2/117.

١٥٩

المحقّق على القول: بأنّ عبد الله بن سبأ، شخصيّة خرافيّة، وضعها القصّاصون، وأرباب السمر والمجون، في عصر الدولتين: الأُمويّة والعباسيّة.

وفي المقام كلام للكاتب المصري الدكتور طه حسين، يدعم كون الرجل أسطورة تاريخيّة، حاكها أعداء الشيعة، نكاية بالشيعة؛ حيث قال:

وأكبر الظنِّ أنّ عبد الله بن سبأ هذا، إنّما قال ودعا إلى ما دعا إليه بعد أن كانت الفتنة، وعظم الخلاف، فهو قد استغلَّ الفتنة ولم يثرها.

إنّ خصوم الشيعة أيّام الأُمويّين والعباسيّين، قد بالغوا في أمر عبد الله بن سبأ هذا، ليشكّكوا في بعض ما نسب من الأحداث إلى عثمان وولاته، من ناحية، وليشنعوا على عليّ وشيعته من، ناحية أُخرى، فيردوا بعض أُمور الشيعة إلى يهوديٍّ أسلم كيداً للمسلمين، وما أكثر ما شنّع خصوم الشيعة على الشيعة؟!، وما أكثر ما شنع الشيعة على خصومهم؛ في أمر عثمان، وفي غير أمر عثمان؟

فلنقف من هذا كلّه، موقف التحفّظ والتحرّج والاحتياط، ولنُكبر المسلمين في صدر الإسلام عن أن يعبث بدينهم وسياستهم وعقولهم ودولتهم، رجل أقبل من صنعاء وكان أبوه يهوديّاً وكانت أُمّه سوداء، وكان هو يهوديّاً ثُمَّ أسلم لا رغباً ولا رهباً، ولكن مكراً وكيداً وخداعاً، ثُمَّ أُتيح له من النجاح ما كان يبتغي، فحرّض المسلمين على خليفتهم حتّى قتلوه، وفرّقهم بعد ذلك أو قبل ذلك شيعاً وأحزاباً.

هذه كلّها أُمور لا تستقيم للعقل، ولا تثبت للنقد، ولا ينبغي أنّ تُقام عليها أُمور التاريخ. (1)

____________________

(1) الفتنة الكبرى: 134.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

الحسد والبغضاء في بعض النفوس الضعيفة فيسعون ضدّهم عند السلطان ويظهرونهم كمجموعة اجنبية تحاول العبث بأمن البلد ونظامه ، فحاول يعقوبعليه‌السلام ان يجنبهم بنصيحته عن هذه المشاكل.

وأخيرا حاول بعض المفسّرين تأويل الآية بمعنى قد يعد ذوقيا قال : انّ يعقوب بنصيحته تلك أراد ان يعلم أولاده دستورا اجتماعيا هامّا ، وهو انّ على الإنسان ان يبحث عن ضالّته بطرق عديدة وسبل شتّى بحيث لو سدّ طريق بوجهه لكان بمقدوره البحث عنها من طرق اخرى حيث سيكون النصر حليفه في النهاية ، امّا إذا حاول الوصول الى هدفه بانتهاجه طريقا واحدا فقط ، فقد يصطدم في اوّل الطريق بعائق يمنعه عن الوصول فعند ذلك يستولي عليه اليأس ويترك السعي اليه.

واصل الاخوة سيرهم نحو مصر ، وبعد ان قطعوا مسافة طويلة وشاسعة بين كنعان ومصر دخلوا الاراضي المصرية ، وعند ذاك( وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ ) فهم برغم تفرّقهم الى جماعات صغيرة ـ طبقا لما وصّاهم به أبوهم ـ فإنّ الفائدة والثمرة الوحيدة التي ترتّبت على تلك النصيحة ليس (الّا حاجة في نفس يعقوب قضاها) وهذه اشارة الى انّ اثرها لم يكن سوى الهدوء والطمأنينة التي استولت على قلب الأب الحنون الذي بعد عنه أولاده ، وبقي ذهنه وفكره مشغولا بهم وبسلامتهم وخائفا عليهم من كيد الحاسدين وشرور الطامعين ، فما كان يتسلّى به في تلك الايّام لم يكن سوى يقينه القلبي بأنّ أولاده سوف يعملون بنصيحته.

ثمّ يستمرّ القرآن في مدح يعقوب ووصفه بقوله :( وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) وهذه اشارة الى انّ كثيرا من الناس يتيهون في الأسباب وينسون قدرة الله سبحانه وتعالى ويتصوّرون انّ ما يصيب الإنسان من الشرور انّما هو من الآثار الملازمة لبعض العيون فيتوسلّون بغير الله سبحانه

٢٦١

وتعالى لدفع هذه الشرور ويغفلون عن التوكّل على الله سبحانه وتعالى والاعتماد عليه ، الّا انّ يعقوب كان عالما بأنّه بدون ارادة الله سبحانه وتعالى لا يحدث شيء ، فكان يتوكّل في الدرجة الاولى على الله سبحانه وتعالى ويعتمد عليه ، ثمّ يبحث عن عالم الأسباب ومن هنا نرى في الآية (١٠٢) من سورة البقرة انّ القرآن يصف سحرة بابل وكهنتها بأنّهم( وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ) وهذه اشارة الى انّ القادر الوحيد هو الله سبحانه وتعالى ، فلا بدّ من الاعتماد والاتّكال عليه لا على سواه.

* * *

٢٦٢

الآيات

( وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩) فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (٧٠) قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ (٧١) قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢) قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (٧٣) قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (٧٤) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦) )

التّفسير

يوسف يخطّط للاحتفاظ بأخيه :

وأخيرا دخل الاخوة على يوسف واعلموه بأنّهم قد نفّذوا طلبته واصطحبوا

٢٦٣

معهم أخاهم الصغير برغم امتناع الأب في البداية ، ولكنّهم اصرّوا عليه وانتزعوا منه الموافقة لكي يثبتوا لك انّهم قد وفوا بالعهد ، امّا يوسف فإنّه قد استقبلهم بحفاوة وكرم بالغين ودعاهم لتناول الطعام على مائدته ، فأمر ان يجلس كلّ اثنين منهم على طبق من الطعام ، ففعلوا وجلس كلّ واحد منهم بجنب أخيه على الطعام ، وبقي بنيامين وحيدا فتألّم من وحدته وبكى وقال : لو كان اخي يوسف حيّا لعطف عليّ ولاجلسني الى جنبه على المائدة لانّنا اخوة من أب واحد وامّ واحدة ، قال يوسف مخاطبا ايّاهم : إنّ أخاكم بقي وحيدا وانّني سأجلسه بجنبي على المائدة ونأكل سويّة من الطعام ، ثمّ بعد ذلك امر يوسف بأن تهيّأ لهم الغرف ليستريحوا فيها ويناموا ، ومرّة اخرى بقي بنيامين وحيدا ، فاستدعاه يوسف إلى غرفته وبسط له الفراش الى جنبه ، لكنّه لاحظ في تقاسيم وجهه الحزن والألم وسمعه يذكر أخاه المفقود (يوسف) متأوّها ، عند ذلك نفذ صبر يوسف وكشف عن حقيقة نفسه ، والقرآن الكريم يصف هذه الوقائع بقوله :( وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ) .

قوله تعالى( فَلا تَبْتَئِسْ ) مأخوذ من مادّة (البؤس) وهو اصل بمعنى الضرر والشدّة ، لكن في الآية الشريفة استعملت بمعنى : لا تسلط الغمّ على نفسك ولا تكن حزينا من معاملتهم لك ، والمراد بقوله «يعملون» هو معاملة الاخوة السيّئة لأخيهم بنيامين حيث خطّطوا لإبعاده وطرده من بينهم كما فعلوا بيوسف ـ فقال يوسف لأخيه : لا تحزن فإنّ المحاولات التي قاموا بها لالحاق الضرر بي قد انقلبت الى خير وسعادة ورفعة لي ، إذا لا تحزن وكن على يقين بأنّ محاولاتهم سوف تذهب ادراج الرياح.

وتقول بعض الرّوايات : انّه عند ذاك اقترح يوسف على أخيه بنيامين وقال له : هل تودّ ان تبقى عندي ولا تعود معهم؟

٢٦٤

قال بنيامين : نعم ، ولكن اخوتي لا يوافقون على ذلك ، لانّهم قد اعطوا أبي العهود والمواثيق المغلّظة بأن يرجعوني اليه سالما.

قال يوسف : لا تهتمّ بهذا الأمر فإنّي سوف أضع خطّة محكمة بحيث يضطرّون لتركك عندي والرجوع دونك.

وبدا يوسف بتنفيذ الخطّة ، وامر بأن يعطي لكلّ واحد منهم حصّة من الطعام والحبوب ثمّ عند ذاك( فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ) .

لا شكّ في أنّ يوسف قام بهذا العمل بسرية تامّة ، ولعلّه لم يطّلع على هذه الخطّة سوى موظّف واحد وعند ذاك افتقد العاملون على تزويد الناس بالمؤونة الكيل الملكي الخاص ، وبحث عنه الموظّفون والعمّال كثيرا لكن دون جدوى وحينئذ( أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ ) .

وحينما سمع اخوة يوسف هذا النداء ارتعدت فرائصهم واستولى عليهم الخوف ، حيث لم يخطر ببالهم ان يتّهموا بالسرقة بعد الحفاوة التي قوبلوا بها من جانب يوسف ، فتوجّهوا الى الموظفين والعمال وقالوا لهم : ماذا فقدتم؟( قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ ) .

قالوا : قد فقدنا صواع الملك ونظنّ انّه عندكم( قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ ) وبما انّ الصواع ثمين ومورد علاقة الملك فانّ لمن يعثر عليه جائزة ، وهي حمل بعير من الطعام( وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ) ، ثمّ أضاف المؤذّن والمسؤول عن البحث عن الصواع المفقود : انّني شخصيّا اضمن هذه الجائزة( وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ) .

فاشتدّ اضطراب الاخوة لسماعهم هذه الأمور وزادت مخاوفهم ، وتوجّهوا الى الموظّف مخاطبين ايّاه( قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ ) .

قولهم (لقد علمتم ما جئنا الى آخره) لعلّه اشارة الى ما قصده الاخوة في خطابهم للموظفين من انّكم قد وقفتم على حسن نيّتنا في المرّة السابقة حيث

٢٦٥

جئناكم وقد وضعتم الأموال التي دفعناها إليكم ثمنا للطعام في رحالنا ، لكنّنا رجعنا إليكم مرّة ثانية ، فلا يعقل انّنا وقد قطعنا المسافات البعيدة للوصول الى بلدكم نقوم بعمل قبيح ونسرق الصواع؟

اضافة الى هذا فقد ورد في بعض المصادر انّ الاخوة حينما دخلوا ارض مصر ألجموا جمالهم ليمنعوها من التطاول والتعدّي على المزارع واموال الناس ، فمثلنا الحريص على اموال الناس كيف يعقل ان يقوم بهذا العمل القبيح؟ الّا انّ الموظفين توجّهوا إليهم و( قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ ) .

أجاب الاخوة : إنّه عقاب من وجد الصواع في رحله هو ان يؤخذ الشخص نفسه بدل الصواع( قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ ) وانّ هذا العقاب هو جزاء السارق( كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ) .

وحينئذ امر يوسف الموظفين والعمال بأنّ تنزل رحالهم من على ظهور الجمال ويفتح متاعهم وان يبحثوا فيها واحدا بعد واحد ودون استثناء ، وتجنّبا عن انكشاف الخطّة امر يوسف بأن يبداوا البحث والتفتيش في امتعة الاخوة اوّلا قبل امتعة أخيه بنيامين ، لكنّهم وجدوه أخيرا في امتعة بنيامين( فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ ) .

بعد ان عثر على الصاع في متاع بنيامين ، استولى الارتباك والدهشة على الاخوة ، وصعقتهم هذه الواقعة ورأوا أنفسهم في حيرة غريبة ، فمن جهة قام أخوهم بعمل قبيح وسرق صواع الملك ، وهذا يعود عليهم بالخزي والعار ، ومن جهة اخرى انّ هذا العمل سوف يفقدهم اعتبارهم ونفوذهم عند الملك خصوصا مع حاجتهم الشديدة الى الطعام ، واضافة الى كلّ هذا ، كيف يجيبون على استفسارات أبيهم؟ وكيف يقنعونه بذنب ابنه وعدم تقصيرهم في ذلك؟

قال بعض المفسّرين : انّه بعد ان عثر على الصاع توجّه الاخوة الى بنيامين وعاتبوه عتابا شديدا ، فقالوا له : الا تخجل من فعلك القبيح قد فضحتنا وفضحت

٢٦٦

أباك يعقوب ، وآل يعقوب قل لنا كيف سرقت الصاع ووضعته في رحلك؟

أجابهم بنيامين ببرود ، حيث كان عالما بالقضيّة واسرارها : انّ الذي قام بهذا العمل ووضع الصواع في رحلي ، هو نفسه الذي وضع الأموال في متاعكم في المرّة السابقة ، لكن الاخوة لم ينتبهوا ـ لهول الواقعة عليهم ـ لمغزى كلام بنيامين(١) .

ثمّ يستمرّ القرآن الكريم ويبيّن كيف استطاع يوسف ان يأخذ أخاه بالخطّة التي رسمها الله له دون ان يثير في اخوته اي نوع من المقاومة والرفض( كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ) .

والأمر المهمّ في هذه القضيّة هو انّه لو أراد يوسف ان يعاقب أخاه بنيامين ، وطبقا للقانون المصري ـ لكان عليه ان يضرب أخاه ويودعه السجن لكن مثل هذه المعاملة كانت تخالف رغبات واهداف يوسف للاحتفاظ بأخيه ، ومن هنا وقبل القبض على بنيامين ، سأل اخوته عن عقوبة السارق عندهم ، فاعترفوا عنده بأنّ السنة المتّبعة عندهم في معاقبة السارق ان يعمل السارق عند المعتدى عليه كالعبد.

لا ريب انّ للعقوبة والجزاء طرقا عديدة منها ان يعاقب المعتدي على طبق ما يعاقب به في قومه ، وهكذا عامل يوسف أخاه بنيامين ، وتوضيحا لهذه الحالة وانّ يوسف لم يكن بإمكانه أخذ أخيه طبقا للدستور المصري يقول القرآن الكريم :( ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ) لكن الله سبحانه وتعالى يستثني بقوله :( إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ ) وهو اشارة إلى أنّ ما فعله يوسف بأخيه لم يكن الّا بأمر منه سبحانه وتعالى وطبقا لإرادته في الاحتفاظ ببنيامين ، واستمرارا لامتحان يعقوب وأولاده.

وأخيرا يضيف القرآن الكريم ويقول : انّ الله سبحانه يرفع درجات من

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٢٥٣ ذيل الآية.

٢٦٧

استطاع ان يفوز في الامتحان ويخرج مرفوع الراس كما حدث ليوسف( نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ ) ولكن في كلّ الأحوال فانّ الله تعالى عليم يهدي الإنسان الى سواء السبيل وهو الذي أوقع هذه الخطّة في قلب يوسف وألهمه ايّاها( وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ) .

* * *

بحوث

الآيات السابقة تثير اسئلة كثيرة فلا بدّ من الاجابة عليها :

١ ـ لماذا لم يعترف يوسف بالحقيقة

لماذا لم يعترف يوسف بالحقيقة لإخوته لينهي ـ وفي اسرع وقت ممكن ـ مأساة أبيه وينجيه من العذاب الذي كان يعيشه؟

الجواب على هذا السؤال : هو ما مرّ علينا خلال البحث ، من انّ الهدف كان امتحان يعقوب وأولاده واختبار مدى تحمّلهم وصبرهم على الشدائد والمصائب ، وبتعبير آخر : لم تكن هذه الخطّة امرا عفويا دون تفكير ، وانّما نفذت طبقا لاوامر الله سبحانه وتعالى وارادته في اختبار يعقوب ومدى صبره على مصيبة فقد ثاني اعزّ أولاده ، لكي تكمل سلسلة الامتحانات ويفوز بالدرجات العالية التي يستحقّها ، كما كانت الخطّة اختبارا لأخوة يوسف في مدى تحمّلهم للمسؤولية وقدرتهم على حفظ العهد ومراعاة الامانة التي قطعوها مع أبيهم.

٢ ـ لماذا اتّهم يوسف أخاه؟

هل يجوز شرعا ان يتّهم الإنسان بريئا لم يرتكب ذنبا ، ولم تقتصر آثار هذه

٢٦٨

التّهمة على البريء وحده ، بل تشمل الآخرين من قريب او بعيد؟ كما هو الحال في يوسف حيث شمل اتّهامه الاخوة وسبب لهم مشاكل عديدة.

يمكن معرفة الجواب بعد وقوفنا على انّ توجيه هذه التّهمة لبنيامين كان باتّفاق مسبق بينه وبين يوسف ، وكان عارفا بأنّ هدف الخطّة وتوجيه التهمة اليه لأجل بقائه عند يوسف ، امّا بالنسبة للآثار السلبية المترتّبة على الاخوة فإنّ اتّهام بنيامين بالسرقة لم يكن في الواقع اتّهاما مباشرا لإخوته وإنّ سبب لهم بعض التشويش والقلق ولا مانع من ذلك بالنظر الى امتحان مهم.

٣ ـ لماذا اتّهام الجميع بالسرقة؟

مرّ علينا في الآية الشريفة قوله تعالى :( إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ ) وهذه في الواقع تهمة موجّهة الى الجميع وهي تهمة كاذبة ، فما المسوغ والمجوّز الشرعي لمثل هذا الاتّهام الباطل؟

يمكن الاجابة على هذا السؤال في عدّة نقاط وهي :

اوّلا : انّ قائل هذه الجملة غير معلوم ، حيث ورد في القرآن انّه (قالوا ...) ولعلّ القائلين هم بعض الموظفين من عمّال يوسف والمسؤولين عن حماية خزائن الحبوب ، فهم حينما افتقدوا صواع الملك ، اطمأنّوا بأنّ السارق هو احد افراد القافلة القادمة من كنعان ، فوجّهوا الخطاب إليهم جميعا ، وهذا من الأمور الطبيعيّة ، فحينما يقوم شخص مجهول في ضمن مجموعة معيّنة بعمل ما ، فإنّ الخطاب يوجّه إليهم جميعا ويقال لهم : إنّكم فعلتم هذا العمل ، والمقصود إنّ احد هذا المجموعة او بعضها قد فعل كذا.

ثانيا : الطرف الذي وجّهت اليه التّهمة وهو بنيامين ، كان موافقا على توجيه هذه التهمة له ، لانّ التهمة كانت مقدّمة للخطّة المرسومة والتي كانت تنتهي ببقائه عند أخيه يوسف ، وامّا شمول الاتّهام لجميع الاخوة ودخولهم جميعا في دائرة

٢٦٩

الظنّ بالسرقة ، فإنّ كلّ ذلك كان اتّهاما مؤقتا حيث زالت بمجرّد التفتيش والعثور على الصواع وظهر المذنب الواقعي.

قال بعض المفسّرين : انّه قصد بالسرقة ـ فيما نسبوه الى اخوة يوسف ـ هو ما اقترفوه سابقا من سرقة الاخوة يوسف من أبيه ، لكن هذا التوجيه يتمّ إذا كانت التهمة قد وجهت إليهم من قبل يوسف ، لانّه كان عالما بالذنب الذي ارتكبوه ، ولعلّ ما ورد في ذيل الآية الشريفة يدلّ على ذلك ، حيث قال العمّال انّنا :( نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ ) ومثل هذا الخطاب لا يتضمّن توجيه السرقة إليهم ، (ولكن الجواب الاوّل أصح ظاهرا).

٤ ـ عقوبة السرقة في تلك الازمنة

يستفاد من الآيات السابقة انّ عقوبة السرقة عند المصريين كانت تختلف عنها عند الكنعانيين ، فعند اخوة يوسف (آل يعقوب) ولعلّه عند الكنعانيين كانت العقوبة هي عبودية السارق (بصورة دائمة او مؤقتة) لأجل الذنب الذي اقترفه(١) .

لكن المصريين لم يجازوا السارق بالعبودية الدائمة او المؤقتة ، وانّما كانوا يعاقبون المذنب بالضرب المبرح او السجن ، وفي كلّ الأحوال لا يستفاد من قوله تعالى :( قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ ) انّ الشرائع السّماوية كانت تحدّد عقوبة السارق بالعبودية ، ولعلّها كانت سنّة متّبعة عند بعض المجتمعات في تلك الازمنة ، وقد ذكر المؤرّخون في تاريخ العبودية انّ بعض المجتمعات التي كانت تدين بالشرائع الخرافية ، كانوا يعاقبون المدين العاجز عن سداد دينه بالعبودية للمدين.

__________________

(١) يقول الطبرسي في مجمع البيان ـ ذيل الآية ـ انّ السنّة المتّبعة لدى بعض المجتمعات في ذلك الزمان هو ان يصير السارق عبدا لمدّة سنة كاملة ، وذكر ايضا انّ اسرة يعقوب كانت ترى عبودية السارق بمقدار ما سرق (اي يعمل عندهم بذلك المقدار).

٢٧٠

٥ ـ السقاية او الصواع

يلاحظ في الآيات السابقة انّ الله سبحانه وتعالى يعبّر عن الكيل تارة ب (الصواع) واخرى ب (السقاية) ، والظاهر انّهما صفتان لشيء واحد ، حيث ورد في بعض المصادر انّ هذا الصاع كان في اوّل الأمر كأسا يسقى به الملك ، ثمّ حينما عمّ القحط والغلاء في مصر وصار الطعام والحبوب يوزّع على الناس حسب الحصص ، استعمل هذا الكأس الثمين لكيل الطعام وتوزيعه ، وذلك إظهارا لاهميّة الحبوب وترغيبا للناس في القناعة وعدم الإسراف في الطعام.

ثمّ انّ المفسّرين ذكروا أوصافا عديدة لهذا الصاع ، حيث قال بعضهم انّها كانت من الفضّة وقال آخرون : انّها كأس ذهبية ، وأضاف آخرون انّ الكأس كان مطعما بالجواهر والأحجار الكريمة ، وقد وردت في بعض الرّوايات الضعيفة إشارة الى هذه الأمور ، لكن ليس لنا دليل قطعي وصريح على صحة كلّ هذه المذكورات ، الّا ما قيل من انّ هذا الصاع كان في يوم من الايّام كأسا يسقى به ملك مصر ، ثمّ صار كيلا للطعام ، ومن البديهي انّه لا بدّ وان يكون لهذا الصاع صبغة رمزية واعتبارية للدلالة على اهمية الطعام وتحريض الناس على عدم الإسراف فيه ، إذ لا يعقل ان يكون الجهاز الذي يوزن به كلّ ما يحتاجه البلد من الطعام والحبوب ، هو مجرّد كأس كان يستعمله الملك في يوم من الايّام.

وأخيرا فقد مرّ علينا خلال البحث انّ يوسف قد اختير مشرفا على خزائن الدولة ، ومن الطبيعي ان يكون الصاع الملكي الثمين في حوزته ، فحينما حكم على بنيامين بالعبودية صار عبدا لمن كان الصاع في يده (اي يوسف) وهذه هي النتيجة التي كان يوسف قد خطّط لها.

* * *

٢٧١

الآيات

( قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (٧٧) قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨) قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (٧٩) )

التّفسير

موقف اخوة يوسف :

وأخيرا اقتنع اخوة يوسف بأنّ أخاهم (بنيامين) قد ارتكب فعلا شنيعا وقبيحا وإنّه قد شوّه سمعتهم وخذلهم عند عزيز مصر ، فأرادوا ان يبرّئوا أنفسهم ويعيدوا ماء وجههم قالوا :( إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ) اي انّه لو قام بالسرقة فهذا ليس بأمر عجيب منه فإنّ أخاه يوسف وهو اخوه لأبويه قد ارتكب مثل هذا العمل القبيح ، ونحن نختلف عنهما في النسب ، وهكذا أرادوا ان يفصلوا بينهم وبين بنيامين ويربطوه بأخيه يوسف.

٢٧٢

وحينما سمع يوسف كلامهم تأثّر بشدّة لكنّه كتم ما في نفسه( فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ ) لانّه كان عالما بأنّهم قد افتروا عليه واتّهموه كذبا ، الّا انّه لم يرد عليهم وقال لهم باختصار واقتضاب( قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً ) اي انّكم احقر واشرّ مكانا ممّن تتّهمونه وتنسبون اليه السرقة ، او أنتم احقر الناس عندي.

ثمّ أضاف يوسف : انّ الله سبحانه وتعالى اعلم بما تنسبون( وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ ) .

الملاحظ هنا انّه برغم انّ اخوة يوسف افتروا عليه زورا واتّهموه بالسرقة لكي يبرّئوا أنفسهم ، لكن لا بدّ وان تكون لهذه التّهمة ارضية قديمة بحيث تمسّك بها الاخوة في تلك اللحظة الحرجة.

ومن هنا فقد قام المفسّرون بالبحث والتنقيب في الرّوايات القديمة والمصادر التاريخيّة ، ونقلوا ثلاثة نصوص في هذا المجال :

الاوّل : انّ يوسف بعد ان توفّيت امّه قضى فترة من طفولته عند عمّته ، وقد كانت تكنّ له حبّا عميقا ، وحينما كبر يوسف وأراد يعقوب ان يفصله عنها ، لم تر عمّته حيلة ووسيلة للاحتفاظ بيوسف الّا بحيلة نسائية وذلك بأن ربطت على خاصرته حزاما او شالا ممّا تركه آل إسحاق ، ثمّ ادّعت انّ يوسف أراد سرقتها ، فلا بدّ من ان يعاد إليها يوسف ـ وطبقا للدستور والسنّة المتّبعة عندهم ـ عبدا قنا جزاء له.

الثّاني : قيل انّ امراة من أرحام يوسف من امّه يوسف كان لها صنم تعبده ، فأخذه يوسف وحطمه ورمى به على الطريق ، فاتّهموه بالسرقة.

الثّالث : قيل انّ يوسف كان يأخذ ـ أحيانا بعض الطعام من المائدة ويتصدّق به على الفقراء والمساكين ، فعلم الاخوة بذلك واتّهموه بالسرقة.

لكن مثل هذه الأعمال لا تعدّ سرقة ، لانّ النّبيه يعرف انّ ربط الحزام على الشخص دون علمه بأنّه ملك الغير. او كسر الصنم ورميه على الطريق ، او أخذ

٢٧٣

الطعام من المائدة التي بسطها أبوه ويعلم انّه يرضى بالتصدّق ببعضها للفقراء والمساكين ، لا يعدّ سرقة ولا يجوز معاقبة من فعله بهذه التّهمة.

وعند ما لاحظ الاخوة أنفسهم محاصرين بين أمرين ، فمن جهة وطبقا للسنّة والدستور المتعيّن عندهما لا بدّ وان يبقى أخوهم الصغير ـ بنيامين عند عزيز مصر ويقوم بخدمته كسائر عبيده ، ومن جهة اخرى فإنّهم قد اعطوا لأبيهم المواثيق والايمان المغلّظة على ان يحافظوا على أخيهم بنيامين ويعودوا به سالما اليه ، حينما وقعوا في هذه الحالة توجّهوا الى يوسف الذي كان مجهول الهوية عندهم ، مخاطبين ايّاه( قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ ) لكي نرجعه الى أبيه ونكون قد وفينا بالوعد الذي قطعناه له ، فإنّه شيخ كبير ولا طاقة له بفراق ولده العزيز ، فنرجو منك ان تترحّم علينا وعلى أبيه ف( إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) .

امّا يوسف فإنّه قد واجه هذا الطلب بالإنكار الشديد و( قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ ) فإنّ العدل والإنصاف يقتضي ان يكون المعاقب هو السارق ، وليس بريئا رضي بأن يتحمّل أوزار عمل غيره ، ولو فعلنا لامسينا من الظالمين( إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ ) .

والطريف انّ يوسف لم ينسب لأخيه السرقة وانّما عبّر عنه ب( مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ ) . وهذا برهان على السلوك الحسن والسيرة المستقيمة التي كان ينتهجها يوسف في حياته.

* * *

٢٧٤

الآيات

( فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٠) ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (٨١) وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٨٢) )

التّفسير

رجوع الاخوة الى أبيهم خائبين :

حاول الاخوة ان يستنقذوا أخاهم بنيامين بشتّى الطرق ، إلّا انّهم فشلوا في ذلك ، ورأوا انّ جميع سبل النجاة قد سدّت في وجوههم ، فبعد ان فشلوا في تبرئة أخيهم وبعد ان رفض العزيز استعباد أحدهم بدل بنيامين ، استولى عليهم اليأس وصمّموا على الرجوع والعودة الى كنعان لكي يخبروا أباهم ، يقول القرآن واصفا

٢٧٥

ايّاهم( فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ) اي انّهم بعد ان يئسوا من عزيز مصر او من انقاذ أخيهم ، ابتعدوا عن الآخرين واجتمعوا في جانب وبداوا بالتشاور والنجوى فيما بينهم.

قوله تعالى (خلصوا) بمعنى الخلوص ، وهو كناية عن الابتعاد عن الآخرين والاجتماع في جلسة خاصّة ، امّا قوله تعالى «نجيّا» فهو من مادّة (المناجاة) وأصله من (نجوة) بمعنى الربوة والأرض المرتفعة ، فباعتبار انّ الربوات منعزلة عن اراضيها المجاورة ، سمّيت الجلسات الخاصّة البعيدة عن عيون الغرباء والحديث في السرّ قياسا عليها ب (النجوى) فإذا كلمة (النجوى) تطلق على الحديث السرّي والخاص سواء كانت في جلسة خصوصية او في محاورة خاصّة بين اثنين لا يتعدّى سمعهما.

ذهب كثير من المفسّرين الى انّ جملة( خَلَصُوا نَجِيًّا ) تعدّ من افصح العبارات في القرآن وأجملها حيث انّ الله سبحانه وتعالى قد بيّن في كلمتين أمورا كثيرة يحتاج بيانها الى عدّة جمل.

وفي ذلك الاجتماع الخاص خاطبهم الأخ الكبير قائلا :( قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ ) بأن تردّوا اليه بنيامين سالما ، فالآن بماذا تجيبونه؟ وقد سوّدنا صفحتنا في المرّة السابقة بما عاملنا به أخانا يوسف( وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ ) (١) فالآن والحالة هكذا ـ فإنّني لا اغادر ارض مصر وسوف اعتصم فيها( فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ) والظاهر انّ قصده بحكم الله ، امّا الموت الذي هو حكم الهي ، اي لا أبرح من هذه الأرض حتّى أموت فيها ، وامّا ان يفتح الله سبحانه وتعالى له سبيلا للنجاة ، او عذرا مقبولا عند أبيه.

__________________

(١) (فرّطتم) من مادّة تفريط وأصله من (فروط) على وزن شروط ، ومعناه التقدّم ، ولكن حينما يكون من باب التفعيل يأخذ معنى القصور في التقدّم ، وحينما يكون من باب الأفعال (افراط) يأخذ معنى الإسراف في التقدّم والتجاوز عنه.

٢٧٦

ثمّ أمرهم الأخ الأكبر ان يرجعوا الى أبيهم ويخبروه بما جرى عليهم( ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ ) وهذه شهادة نشهدها بمقدار علمنا عن الواقعة حيث سمعنا بفقد صواع الملك ، ثمّ عثر عليه عند أخينا ، وظهر للجميع انّه قد سرقها( وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا ) ولكن نحن لا نعلم الّا ما شهدناه بأعيننا وهذا غاية معرفتنا( وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ ) .

وقد يرد احتمال في تفسير هذه الآية ، فلعلّهم بقولهم :( وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ ) أرادوا ان يخاطبوا أباهم بأنّنا وان قطعنا عند الايمان والعهود المغلّظة على ان نرجع أخانا سالما ، لكنّنا لا نعرف من الأمور الّا ظواهرها ومن الحقائق الّا بعضها ، فغيب الأمور عند الله سبحانه ولم نكن نتصوّر ان يسرق أخونا.

ثمّ أرادوا ان يزيلوا الشكّ والريبة عن قلب أبيهم فقالوا يمكنك ان تتحقّق وتسأل من المدينة التي كنّا فيها( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها ) (١) ومن القافلة التي سافرنا معها الى مصر ورجعنا معها ، حيث انّ فيها أناسا يعرفونك وتعرفهم ، وبمقدورك ان تسألهم عن حقيقة الحال وواقعها( وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها ) (٢) وفي كلّ الأحوال كن على ثقة بأنّنا صادقون ولم نقص عليك سوى الحقيقة والواقع( وَإِنَّا لَصادِقُونَ ) .

يستفاد من مجموع هذه الكلمات والحوار الذي دار بين الأولاد والأب انّ قضيّة سرقة بنيامين كانت قد شاعت في مصر ، وانّ جميع الناس علموا بأنّ احد افراد العير والقافلة القادمة من كنعان حاول سرقة صواع الملك ، لكن موظفي الملك تمكّنوا بيقظتهم من العثور عليها والقبض على سارقها ، ولعلّ قول الاخوة

__________________

(١) (القرية) لا تطلق عند العرب على القرى والأرياف خاصّة ، بل يشمل جميع الأرياف والمدن والقرى ، الصغيرة منها والكبيرة ـ والمقصود منها في الآية هي مصر.

(٢) «عير» كما يقول الراغب في المفردات ـ تعني الجماعة التي تصحب معها الإبل والدواب المحمّلة بالغذاء ، اي يطلق على المجموع «عير» فعلى هذا يكون السؤال منهم ممكنا لانّ الكلمة تشمل الأشخاص ايضا ولا حاجة للتقدير ، ولكن بعض المفسّرين ذهب الى انّ «العير» يطلق على الدواب فقط فلا بدّ من التقدير كما هو الحال في «القرية».

٢٧٧

لأبيهم( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ) اي اسأل ارض مصر ، كناية عن انّ القضيّة شاعت بحيث علم بها حتّى أراضي مصر وحيطانها.

* * *

بحوث

١ ـ من هو اكبر الاخوة؟

ذهب بعض المفسّرين الى انّه كان روبين (روبيل) وقال آخرون : انّه (شمعون) واحتمل البعض ان يكون أكبرهم هو (يهودا).

وحصل نقاش آخر بين المفسّرين في انّه ما المقصود من الكبر ، هل هو في العمر ام في العقل؟ لكن المستفاد من ظاهر الآية انّ المقصود به هو اكبر الاخوة في العمر.

٢ ـ الحكم وفق الدلائل الظاهرة :

ويستفاد من مدلول الآية الشريفة انّه يحقّ للقاضي والحاكم ان يحكم في الواقعة المرفوعة اليه على ما يستفيده من القرائن والشواهد القطعيّة ، وان يقرّ المتّهم او يشهد الشهود عنده ، لانّنا لاحظنا في قضيّة اخوة يوسف انّه بمجرّد ان عثر على الصاع في متاع بنيامين عدّ مذنبا وحكم عليه بالسرقة من دون شهادة او اقرار ، لانّنا حينما نتحرّى عن القضيّة نرى انّ كلّ شخص كان مسئولا عن حمل متاعه من الحبوب بنفسه ، او انّه كان حاضرا على الأقل عند تحميل العمال لمتاعه ، ومن جهة اخرى لم يكن يتصوّر احد انّ هناك خطّة في البين ، وهؤلاء الاخوة لم يعاديهم احد في مصر ، فجميع القرائن والشواهد تورث اليقين بأنّ هذا الفعل (السرقة) قد صدر عمّن وجد عنده الصاع.

وهذا الموضوع بحاجة الى دراسة عميقة في الفقه الاسلامي لتأثيره المهمّ

٢٧٨

في قضايانا المعاصرة لانّ عالم اليوم يعتمد عليه كثيرا في محاكماته ، لكنّنا تركنا هذا المبحث لانّ مجاله كتاب (القضاء).

٣ ـ يستفاد من الآيات السابقة انّ اخوة يوسف كانت طبائعهم مختلفة ، امّا الأخ الأكبر فإنّه كان وفيّا بميثاقه وحافظا لوعده الذي واعد به أباه ، امّا بقيّة الاخوة فإنّهم بعد ان شاهدوا فشل جميع محاولاتهم في اقناع العزيز ، تراجعوا عن موقفهم وعدّوا أنفسهم معذورين ، ومن الطبيعي انّ ما قام به الأخ الأكبر كان هو الأسلوب المجدي والصحيح ، لانّه ببقائه في مصر والاعتصام بها وعلى مقربة من بلاط العزيز وقصره كان باعثا للامل في ان يترحّم العزيز على الاخوة وعلى أبيهم الشّيخ الكبير ، ويعفو عن هذا الغريب ولا يجازيه من اجل صاع سرقه ثمّ عثر عليه العمّال ، فعلى هذا واملا في استجداء عطف العزيز ، بقي في مصر وبعث بإخوته الى أبيهم في كنعان ليبلغوه الخبر ويطلبوا منه ان يدلّهم على الطريق الصحيح لانقاذ أخيهم.

* * *

٢٧٩

الآيات

( قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٨٣) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤) قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (٨٥) قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٦) )

التّفسير

يعقوب والألطاف الالهية :

وأخيرا غادروا مصر متّجهين الى كنعان في حين تخلّف أخواهم الكبير والصغير ، ووصلوا الى بيتهم منهوكي القوى وذهبوا لمقابلة أبيهم ، وحينما راى الأب الحزن والألم مستوليا على وجوههم (خلافا للسفرة السابقة والتي كانوا فيها في غاية الفرح) علم انّهم يحملون اليه اخبارا محزنة وخاصّة حينما افتقد بينهم بنيامين وأخاه الأكبر ، وحينما اخبروه عن الواقعة بالتفصيل ، استولى عليه

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572