الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 572

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 572 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 287677 / تحميل: 5228
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

٢٤٥١ - وروي عن نصر الخادم قال: " نظر العبد الصالح أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام إلى سفرة عليها حلق صفر(١) فقال: انزعوا هذه واجعلوا مكانها حديدا فإنه لا يقرب شيئا مما فيها شئ من الهوام ".

باب السفر الذى يكره فيه اتخاذ السفرة

٢٤٥٢ - قال الصادق عليه السلام لبعض أصحابه: تأتون قبر أبي عبدالله صلوات الله عليه؟ فقال له: نعم، قال: تتخذون لذلك سفرة؟ قال: نعم، قال: أما لو أتيتم قبور آبائكم وامهاتكم لم تفعلوا ذلك، قال: قلت: فأي شئ نأكل؟ قال: الخبز باللبن(٢) ".

٢٤٥٣ - وفي خبر آخر قال الصادق عليه السلام: " بلغني أن قوما إذا زاروا الحسين عليه السلام حملوا معهم السفرة فيها الجداء والاخبصة(٣) وأشباهه، لو زاروا قبور أحبائهم ما حملوا معهم هذا ".

باب الزاد في السفر

٢٤٥٤ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من شرف الرجل أن يطيب زاده إذا خرج في سفر(٤) ".

___________________________________

(١) الحلق كعنب حلقة والحديد يدفع الهوام.

(٢) يدل على استحباب ترك المطاعم الجيدة في سفر زيادة أبى عبدالله الحسين عليه السلام واستشعار الحزن فيه، والخبر رواه ابن قولويه في كامل الزيارات ص ١٢٩ مسندا.

(٣) الجداء: الجدى المشوى، وفى الكامل " الحلاوة "، والخبيص حلواء من التمر.

(٤) رواه الكلينى ج ٨ ص ٣٠٣ تحت رقم ٤٦٧ عن على، عن أبيه، عن النوفلى، عن السكونى عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله الحديث " وشرف الرجل: مجده وأصالته.

٢٨١

٢٤٥٥ - و " كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا سافر إلى مكة للحج أو العمرة تزود من أطيب الزاد من اللوز والسكر، والسويق المحمض والمحلى ".

٢٤٥٦ - وروي أنه " قام أبوذر - رحمة الله عليه - عند الكعبة فقال: أنا جندب ابن السكن، فاكتنفه الناس فقال: لو أن أحدكم أراد سفرا لاتخذ فيه من الزاد ما يصلحه لسفره، فتزودوا لسفر يوم القيامة، أما تريدون فيه ما يصلحكم؟ فاقم إليه رجل فقال: أرشدنا، فقال: صم يوما شديد الحر للنشور، وحج حجة لعظائم الامور وصل ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور، كلمة خير تقولها، وكلمة شر تسكت عنها، أو صدقة منك على مسكين لعلك تنجو بها يا مسكين من يوم عسير، اجعل الدنيا درهمين درهما قد أنفقته على عيالك ودرهما قدمته لآخرتك، والثالث يضر ولا ينفع لا ترده، اجعل الدنيا كلمتين كلمة في طلب الحلال وكلمة للآخرة، والثالثة تضر ولا تنفع لا تردها، ثم قال: قتلني هم يوم لا ادركه ".

٢٤٥٧ - وقال لقمان لابنه: " يا بني إت الدنيا بحر عميق، وقد هلك فيها عالم كثير، فإجعل سفينتك فيها الايمان بالله، واجعل شراعها التوكل على الله(١) واجعل زادك فيها تقوى الله عزوجل، فإن نجوت فبرحمة الله، وإن هلكت فبذنوبك ".

باب حمل الآلات والسلاح في السفر

٢٤٥٨ - روى سليمان بن داود المنقري، عن حماد بن عيسى، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " في وصية لقمان لابنه: يا بني سافر بسيفك وخفك وعمامتك وحبالك(٢)

___________________________________

(١) رواه الكلينى ج ١ ص ١٦ في حديث طويل عن هشام بن الحكم، عن موسى بن جعفر عليهما السلام مع اختلاف وفيه " فلتكن سفينتك فيها تقوى الله، وحوشها الايمان، وشراعها التوكل " والشراع ككتاب ما يقال له بالفارسية بادبان.

(٢) الحبال: الرسن.

ورواه الكلينى في الروضة ص ٣٠٣ تحت رقم ٤٦٦، وفيه " وخبائك " والخباء: الخيمة.

٢٨٢

وسقائك وخيوطك ومخرزك(١) وتزود معك من الادوية ما تنتفع به أنت ومن معك، وكن لاصحابك موافقا إلا في معصية الله عزوجل - وزاد فيه بعضهم: وفرسك -(٢) ".

باب الخيل وارتباطها وأول من ركبها

٢٤٥٩ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة(٣) والمنفق عليها في سبيل الله عزوجل كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها "(٤) .

فإذا أعددت شيئا فأعده أقرح أرثم محجل الثلاثة، طلق اليمين، كميتا ثم أغر تسلم وتغنم(٥) .

___________________________________

(١) في الكافى " وسقائك وأبرتك وخيوطك " والمخرز ما يخرز به الخف والجراب والسقاء وما كان من الجلود.

(٢) في بعض النسخ " وقوسك " كما في المحاسن ص ٣٦٠. ولعله الاصوب.

(٣) إلى هنا رواه الكلينى ج ٥ ص ٤٨ في الصحيح وكذا البرقى في المحاسن ص ٦٣١ وفيهما " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة " وهكذا رواه أحمد والبخارى ومسلم والنسائى وابن ماجة.

(٤) رواه أبوداود السجستانى باسناده عن سهل بن الربيع بن عمرو عن النبى صلى الله عليه وآله، ورواه الطبرانى في الاوسط على ما في الجامع الصغير عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وآله هكذا " الخير معقود بنواصى الخيل إلى يوم القيامة، والمنفق على الخيل كالباسط كفه بالنفقة لا يقبضها ".

(٥) روى ابن حبان في صحيحة عن عقبة بن عامر وأبى قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله " خير الخيل الادهم الاقرح الارثم المحجل طلق اليد اليمنى، قال يزيد بن أبى حبيب: فان لم يكن أدهم فكميت على هذه الشية " وروى الحاكم في المستدرك عن عقبة عن النبى صلى الله عليه وآله قال: " إذا أردت أن تغزو فاشتر فرسا أغر محجلا مطلق اليمنى فانك تغنم وتسلم " ونحوه في المحاسن ص ٤٣١.

والاقرح هو الفرس يكون في وسط جبهته قرحه بالضم وهى بياض يسير، والارثم بفتح الهمزة والثاء المثلثة المفتوحة هو الفرس الذى أنفه وشفته العليا أبيض، والمحجل هو الذى يرتفع البياض في قوائمه إلى موضع القيد ويجاوز الارساغ ولا يجاوز الركبتين لانهما مواضع الاحجال وهى الخلاخيل والقيود ولا يكون التحجيل باليد واليدين ما لم يكن معها رجل أو رجلان (النهاية) وطلق اليمين بفتح الطاء وسكون اللام وبضمها أيضا إذا لم يكن بها تحجيل.

والكميت بضم الكاف وفتح الميم هو الفرس الاحمر أو الذى ليس بالاشقر ولا الادهم بل يخالط حمرته سواد، والشية بكسر الشين المعجمة وفتح الياء مخففة هو كل لون في الحيوان يكون معظم لونها على خلافه.

وقوله " محجل الثلاثة " أى يكون يده اليسرى ورجلاه بيضاء أو يكون فيها بياض.

والاغر ما يكون في جبهته بياض.

٢٨٣

٢٤٦٠ - وروى بكر بن صالح، عن سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسن عليه السلام قال: " سمعته يقول: الخيل على كل منخر منها شيطان، فإذا أراد أحدكم أن يلجمها فليسم "(١) .

٢٤٦١ - قال: وسمعته يقول: " من ربط فرسا عتيقا محيت عنه عشر سيئات(٢) وكتبت له إحدى عشرة حسنة في كل يوم، ومن ارتبط هجينا(٣) محيت عنه في كل يوم سيئتان وكتبت له تسع حسنات في كل يوم، ومن ارتبط بزذونا(٤) يريد به جمالا أو قضاء حاجة أو دفع عدو محيت عنه في كل يوم سيئة وكتبت له ست حسنات.(٥) ومن(٦) ارتبط فرسا

___________________________________

(١) رواه الكلينى ج ٦ ص ٥٣٩ من يعقوب بن جعفر عنه عليه السلام وفيه " فليسم الله عزوجل "، وهكذا في المحاسن.

(٢) في المحاسن والكافى ج ٥ ص ٤٨ " ثلاث سيئات ".

والعتيق هو الذى أبواه عربيان وفرس عتيق ككريم وزنا ومعنى.

(٣) الهجين هو الذى أبوه عربى وامه أمة غير محصنة، ومن الخيل: الذى ولدته برذونة من حصان عربى.

(٤) البرذون بالكسر ما لم يكن شئ من أبويه عربيا، والتركى من الخيل. (راجع الصحاح والنهاية)

(٥) إلى هنا في الكافى ج ٥ ص ٤٨ والمحاسن ص ٦٣١ وثواب الاعمال ص ٢٢٦ عن يعقوب بن جعفر بن ابراهيم الجعفرى عن أبى الحسن عليه السلام.

(٦) من هنا في المحاسن ص ٦٣١ وثواب الاعمال من حديث بكر بن صالح عن سليمان بن جعفر الجعفرى.

٢٨٤

أشقر أغر أو أقرح - فإن كان أغر سائل الغرة به وضح في قوائمه(١) فهو أحب إلي - لم يدخل بيته فقر ما دام ذاك الفرس فيه، وما دام في ملك صاحبه لا يدخل بيته حيف "(٢) .

٢٤٦٢ - قال(٣) : وسمعته يقول: " أهدى أمير المؤمنين عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله أربعة أفراس من اليمن فأتاه فقال: يا رسول الله أهديت لك أربعة أفراس، قال: صفها(٤) قال: هي ألوان مختلفة، قال: فيها وضح؟ قال: نعم، قال: فيها شقر به وضح؟ قال: نعم، قال: فأمسكه لي، وقال: فيها كميتان أو ضحان، قال: أعطهما ابنيك، قال: والرابع أدهم بهيم(٥) قال: بعه واستخلف قيمته لعيالك، إنما يمن الهيل في ذوات الاوضاح ".

٢٤٦٣ - قال(٣) : وسمعته يقول: " من خرج من منزله أو منزل غير منزله في أول الغداة فلقي فرسا أشقر به أوضاح بورك له في يومه، وإن كانت به غرة سائلة فهو العيش، ولم يلق في يومه ذلك إلا سرورا، وقضي الله عزوجل حاجته(٦) ".

___________________________________

(١) الشقرة: حمرة صافية في الخيل وهى لون يأخذ من الاحمر والاصفر وهو أشقر وقد قيل: الاشقر: شديدة الحمرة، والغرة: بياض في جبهة الفرس وهو أغر، وتقدم بيان الاقرح من أنه الذى يكون في جبهته قرحة وهى بياض بقدر الدرهم أو دونه، والوضح: الضوء والبياض، يقال: بالفرس وضح إذا كان في قوائمه كلها بياض، وقد يكون به البرص.

(٢) كذا في المحاسن وفى بعض النسخ " حيق " والحيق ما يشمل الانسان من المكروه لكن في ثواب الاعمال " لا يدخل في بيته حنق ".

والظاهر أن كل ما ذكره من فضائل ارتباط الفرس العتيق والهجين والبرذون والاشقر وجده في كتاب سليمان بن جعفر الجعفرى أو غيره متفرقا فذكره هنا مجتمعا أو كان فيه مجتمعا ونقله البرقى والكلينى متفرقا في تضاعيف الابواب.

(٣) يعنى سليمان قال: سمعت موسى بن جعفر عليهما السلام.

(٤) في الكافى ج ٦ ص ٥٣٨ والمحاسن " فقال: سمها لى ".

(٥) البهيم من الدواب المصمت منها وهو الذى لا يخالط لونه لون غيره والجمع بهم.

(٦) رواه هكذا البرقى في المحاسن والمؤلف نحوه في ثواب الاعمال عن سليمان عن أبى جعفر الباقر عليه السلام والظاهر أنه تصحيف لان سليمان لم يدرك الباقر عليه السلام.

ويحتمل التعدد، أو رواه سليمان مرسلا ويؤيده اختلاف الالفاظ.

٢٨٥

٢٤٦٤ - وقال الصادق عليه السلام: " كانت الخيل وحوشا في بلاد العرب، وصعد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام على أبي قبيس فناديا: ألا هلا ألا هلم، فما بقي فرس إلا أعطى بقياده وأمكن من ناصيته(١) ".

باب حق الدابة على صاحبها

٢٤٦٥ - روى إسماعيل بن أبي زياد(٢) باسناده قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: للدابة على صاحبها خصال: يبدا بعلفها إذا نزل، ويعرض عليها الماء إذا مر به، ولا يضرب وجهها فانها تسبح بحمد ربها، ولا يقف على ظهرها الا في سبيل الله عزوجل، ولا يحملها فوق طاقتها، ولا يكلفها من المشي إلا ما تطيق ".

٢٤٦٦ - وسأل رجل أبا عبدالله عليه السلام " متى أضرب دابتي تحتي؟ قال: إذا لم تمش تحتك كمشيها إلى مذودها(٣) ".

٢٤٦٧ - وروي أنه قال: " اضربوها على العثار، ولا تضربوها على النفار فانها ترى ما لا ترون(٤) ".

٢٤٦٨ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إذا عثرت الدابة تحت الرجل فقال لها:

___________________________________

(١) رواه البرقى في المحاسن ص ٦٣٠ بسند مرفوع عن أبى عبدالله عليه السلام

(٢) يعنى السكونى، ورواه الكلينى ج ٦ ص ٥٢٧ بتقديم وتأخير.

(٣) المذود بالذال أخت الدال كمنبر: معتلف الدابة.

(٤) في الكافى ج ٦ ص ٥٣٨ باسناده عن مسمع بن عبدالملك عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اضربوها على النفار ولا تضربوها على العثار " و رواه أيضا مرسلا في خبر آخر أيضا، وقال العلامة المجلسى رحمه الله: " لعل ما في الكافى أوفق وأظهر " والتعليل لا يلائمه.

وفى المحاسن كما في الكافى.

٢٨٦

تعست، تقول: تعس أعصانا للرب(١) ".

٢٤٦٩ - وقال علي عليه السلام " في الدواب: لا تضربوا الوجوه ولا تلعنوها فإن الله عزوجل لعن لاعنها(٢) " وفي خبر آخر: " لا تقبحوا الوجوه ".

٢٤٧٠ - وقال النبي صلى الله عليه وآله: " إن الدواب إذا لعنت لزمتها اللعنة(٣) ".

٢٤٧١ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لا تتوركوا على الدواب ولا تتخذوا ظهورها مجالس(٤) ".

___________________________________

(١) تعس يتعس إذا عثر وانكب بوجهه وقد يفتح العين وهو دعاء عليه بالهلاك (النهاية) وقال العلامة المجلسى في المرآة: لعل المراد بالرب المالك.

في الكافى ج ٦ ص ٥٣٨ رواه عن العدة عن سهل عن جعفر بن محمد بن يسار عن الدهقان عن درست عن أبى عبدالله عليه السلام عنه صلى الله عليه وآله.

(٢) روى البرقى ص ٦٣٣ باسناده عن محمد بن مسلم عن أبى عبدالله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: " لا ضربوا الدواب على وجوهها فانها تسبح بحمد ربها ".

وفى حديث آخر " لا تسموها في وجوهها " وهكذا مروى في الكافى ج ٦ ص ٥٣٨.

ويحتمل التعدد، ويؤيده الخبر الآتى.

وقال المولى المجلسى قوله " ولا تقبحوا الوجوه " أى الدواب أو وجوهها بالكى ونحوه.

وقال الفاضل التفرشى: الوجوه في " لا تضربوا الوجوه " بدل الضمير بدل البعض، ويمكن أن يراد بتقبيح الوجه ضربه فان الضرب قد تقبحه، وقال سلطان العلماء: لا تقبحوا الوجوه بالاحراق بالكى وغيره، ويحتمل أن يكون المراد لا تقولوا: قبح الله وجهك.

ويحتمل أن يكون المراد لا تضربوا وجوهها ضربا مؤثرا.

(٣) لعل المراد انه يلزم عليها أن تلعن لاعنيها، أو تصير ملعونا، أو تصير سبب هلاكها وتضروا.

(٤) رواه الكلينى ج ٦ ص ٥٣٥ باسناده عن عمرو بن جميع عن أبى عبدالله عليه السلام عن النبى صلى الله عليه وآله.

والمراد الجلوس عليها على أحد الوركين فانه يضربها ويصير سببا لدبرها، أو المراد رفع احدى الرجلين ووضعها فوق السرج للاستراحة، قال الفيروزآبادي تورك على الدابة ثنى رجليه لينزل أو ليستريح، وقال الجوهرى: تورك على الدابة أى ثنى رجله ووضع احدى وركيه في السرج (المرآة) وفى بعض نسخ الكافى " لا تتوكؤوا ".

و قوله " لا تتخذوا ظهورها مجالس " أى بان تقفوا عليها للصحبة بل انزلوا وتكلموا الا ان يكون يسيرا. (م ت)

٢٨٧

٢٤٧٢ - وقال الباقر عليه السلام: " لكل شئ حرمة وحرمة البهائم في وجوهها(١) ".

باب ما لم تبهم عنه البهائم

٢٤٧٣ - روى علي بن رئاب، عن أبي حمزة عن علي بن الحسين عليهما السلام أنه كان يقول: " ما بهمت البهائم عنه فلم تبهم عن أربعة: معرفتها بالرب تبارك وتعالى، و معرفتها بالموت(٢) ، ومعرفتها بالاثني من الذكر، ومعرفتها بالمرعى الخصب ".

٢٤٧٤ - وأما الخبر الذي روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: " لو عرفت البهائم من الموت ما تعرفون ما أكلتم منها سمينا قط " فليس بخلاف هذا الخبر لانها تعرف الموت لكنها لا تعرف منه ما تعرفون.

باب ثواب النفقة على الخيل

٢٤٧٥ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله " في قول الله عزوجل: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " قال: نزلت في النفقة على الخيل ".

قال مصنف هذا الكتاب - رضي الله عنه -: هذه الآية روي أنها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وكان سبب نزولها أنه كان معه أربعة دراهم فتصدق بدهم منها بالليل وبدرهم منها بالنهار، ودرهم في السر، وبدرهم في العلانية فنزلت فيه هذه الآية(٣) .

والآية إذا نزلت في شئ فهي منزلة في كل ما يجري فيه، فالاعتقاد في تفسيرها أنها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وجرت في النفقة على الخيل وأشباه ذلك(٤) .

__________________________________

(١) الخبر في الكافى والمحاسن عن أبى عبدالله عليه السلام مسندا.

(٢) الظاهر أنها تعرف الموت ولا تعرف ما بعدها لانه ليس لها عذاب كما كان لبنى آدم.

(٣) رواه ابن المغازلى وموفق بن أحمد والمفيد في الاختصاص والعياشى.

(٤) لعموم الاية وخصوص السبب لا يخصص العموم كما في كثير من الايات، ويمكن أن يكون صدقته عليه السلام على الخيل المربوطة للجهاد. (م ت)

٢٨٨

باب علة الرقعتين في باطن يدى الدابة

٢٤٧٦ - روى حماد بن عثمان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: " جعلت فداك نرى الدواب في بطون أيديها مثل الرقعتين(١) في باطن يديها مثل الكي(٢) فأي شئ هو؟ قال: ذلك موضع منخريه في بطن امه ".

باب حسن القيام على الدواب

٢٤٧٧ - روي عن أبي ذر - رحمة الله عليه - أنه قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن الدابة تقول: اللهم ارزقني مليك صدق يشبعني ويسقيني ولا يحملني مالا اطيق(٣) ".

٢٤٧٨ - وقال الصادق عليه السلام: " ما اشترى أحد دابة إلا قالت: اللهم اجعله بي رحيما "(٤) .

٢٤٧٩ - وروى عنه عبدالله بن سنان أنه قال: " اتخذوا الدابة فإنها زين وتقضى عليها الحوائج، ورزقها على الله عزوجل ".

٢٤٨٠ - وروى السكوني باسناده(٥) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن الله تبارك

___________________________________

(١) الرقعة بالضم مأخوذ من الرقعة التى ترقع به الثوب.(مراد)

(٢) الكى احراق قطعة من الجلد بحديدة محماة ويقال له بالفارسية " داغ ".

(٣) مروى نحوه في المحاسن ورواه الكلينى بلفظ آخر مسندا عن الصادق عليه السلام في ج ٦ ص ٥٣٧.

(٤) في المحاسن ص ٦٢٦ مسندا عن على بن جعفر عن أبى ابراهيم عليه السلام قال: " ما من دابة يريد صاحبها أن يركبها الا قالت: " اللهم اجعله بى رحيما ".

(٥) يعنى عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عنه صلى الله عليه وآله.

٢٨٩

وتعالى يحب الرفق ويعين عليه، فإذا ركبتم الدواب العجاف(١) فأنزلوها منازلها فإن كانت الارض مجدبة فانجوا(٢) عليها، وإن كانت مخصبة فأنزلوها منازلها ".

٢٤٨١ - وقال علي صلوات الله عليه(٣) : " من سافر منكم بدابة فيبدأ حين ينزل بعلفها وسقيها ".

٢٤٢٨ - وقال أبوجعفر عليه السلام: " إذا سرت في أرض خصبة فارفق بالسير، وإذا سرت في أرض مجدبة فعجل بالسير ".

باب ما جاء في الابل

٢٤٨٣ - قال الصادق عليه السلام: " إياكم والابل الحمر، فإنها أقصر الابل أعمارا(٤) ".

٢٤٨٤ - وقال عليه السلام: " إن على ذروة كل بعير شيطان فأشبعه وامتهنه(٥) ".

٢٤٨٥ - وقال أبوعبدالله عليه السلام: " اشتروا السود القباح فإنها أطول الابل أعمارا(٦) ".

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " الابل عز لاهلها(٧) ".

___________________________________

(١) العجف بالتحريك: الهزال، والاعجف المهزول، والعجفاء الانثى والجمع عجاف على غير قياس لان فعلاء لا يجمع على فعال. (الصحاح)

(٢) أى أسرعوا، ونجوت أى أسرعت وسبقت.

(٣) مروى في المحاسن ص ٣٦١ مسندا.

(٤) مروى في الكافى ج ٦ ص ٥٤٣ عن ابن أبى يعفور عن أبى جعفر عليه السلام.

(٥) أى استعمله وذلله واستفد منه.

(٦) مروى في الكافى ج ٦ ص ٥٤٣ في ذيل حديث رواه عن صفوان الجمال عن أبى عبدالله عليه السلام وقال فيه: " اشتر لى جملا وخذه أشوه الخ ".

وفى المحاسن في حديث رواه أيضا عن أبى عبدالله عليه السلام.

(٧) رواه البرقى ص ٦٣٥ باسناده عن عمر بن أبان عن أبى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله.

٢٩٠

٢٤٨٧ - و " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يتخطى القطار(١) قيل: يا رسول الله ولم؟ قال: لانه ليس من قطار إلا وما بين البعير إلى البعير شيطان ".

٢٤٨٨ - و " سئل النبي صلى الله عليه وآله أي المال خير؟ قال: زرع زرعه صاحبه وأصلحه وأدى حقه يوم حصاده، قيل: يا رسول الله فأي المال بعد الزرع خير؟ قال: رجل في غنمه قد تبع بها مواضع القطر يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، قيل: يا رسول الله فأي المال بعد الغنم خير؟ قال: البقر تغدو بخير وتروح بخير(٢) قيل: يا رسول الله فأي المال بعد البقر خير؟ فقال: الراسيات في الوحل، المطعمات في المحل(٣) نعم الشئ النخل من باعه فإنما ثمنه بمنزلة رماد على رأس شاهقة(٤) اشتدت به الريح في يوم عاصف إلا أن يخلف مكانها، قيل: يا رسول الله فأي المال بعد النخل خير؟ فسكت فقال له رجل: فأين الابل؟ قال: فيها الشقاء والجفاء والعناء وبعد الدار، تغدو مدبرة وتروح مدبرة(٥) لا يأتي خيرها إلا من جانبها الاشام، أما إنها لا تعدم الاشقياء الفجرة(٦) ".

قال مصنف هذا الكتاب - رضي الله عنه -: معنى قوله صلى الله عليه وآله: " لا يأتي خيرها إلا من جانبها الاشأم " هو أنها لا تحلب ولا تركب إلا من الجانب الايسر(٧) .

___________________________________

(١) أى التجاوز من بينهم. الخبر رواه البرقى بسند فيه ارسال.

(٢) أى تحلب منها اللبن في الغداة أى أول اليوم والرواح أى آخره. (م ت)

(٣) أى الثابتات أرجلها في الطين والمطعمات في أيام الجدب والقحط فانها صابرة العطش، والمراد النخل كما صرح به.

(٤) الشاهقة: الجبل الراسخ والعالى.

(٥) أى أن الادبار والنحوسة لا ينفك عنها في وقت من الاوقات.(مراد)

(٦) جواب لسؤال مقدر كأنه قيل: إذا كان كذلك فمن مربيها قال عليه السلام أما انها لا تعدم الاشقياء الفجرة وهم الجمالون كما هو المسموع والمشهود، وفى الخصال " انهم الظلمة ".

(٧) يحتمل أن يكون جانبها الايسر كناية عن عدم اليمن وقلة الخير والبركة. (سلطان)

٢٩١

٢٤٨٩ - وقال عليه السلام: " في الغنم إذا أقبلت أقبلت وإذا أدبرت أقبلت(١) ، والبقر إذا أقبلت أقبلت وإذا أدبرت أدبرت، والابل، إذا أقبلت أدبرت وأذا أدبرت أدبرت ".

باب ما يجب من العدل على الجمل وترك ضربه واجتناب ظلمه

٢٤٩٠ - روى السكوني باسناده " أن النبي صلى الله عليه وآله أبصر ناقة معقولة وعليها جهازها، فقال: أين صاحبها، مروه فليستعد غدا للخصومة "(٢) .

٢٤٩١ - وفي خبر آخر قال النبي صلى الله عليه وآله: " أخروا الاحمال فإن اليدين معلقة، والرجلين موثقة ".

٢٤٩٢ - وروى ابن فضال، عن حماد اللحام قال: " مر قطار لابي عبدالله عليه السلام فرأى زاملة(٣) قد مالت، فقال: يا غلام اعدل على هذا الحمل، فإن الله تعالى يحب العدل ".

٢٤٩٣ - وروى أيوب بن أعين قال: " سمعت الوليد بن صبيح يقول لابي عبدالله عليه السلام: إن أبا حنيفة(٤) رأى هلال ذي الحجة بالقادسية وشهد معنا عرفة،

___________________________________

(١) أى إذا أقبلت بالنتاج فهو وإذا أدبرت يعنى بالموت يذبحها صاحبها وينتفع من لحمها وجلدها، أما البقر فوسط، وأما الابل فاقبالها ادبارها لانه إذا حصل له بعض النتاج أو النفع أنفق لها صاحبها أزيد من نتاجها.

(٢) يعنى يوم القيامة لان عقال الناقة وعليها حملها ظلم عليها فاذا كان يوم القيامة تخاصم صاحبه بين يدى الجبار وتقول: ما ذنبى حتى ظلمتنى فينتصف الله سبحانه منك لها.

(٣) الزاملة المحمل وبعير يحمل الطعام والمتاع، وميل الحمل إلى جانب سبب لدبر الدابة.

(٤) هو سعيد بن بيان سابق الحاج الهمدانى ومع أنه ثقة يذم فعله، وقيل انه كان يذهب بجماعة إلى الحج في نهاية السرعة وذهب بهم في هذا الخبر من القادسية التى كانت قريبة من النجف إلى عرفات في ثمانية أيام وشئ.

وروى العياشى عن أبى عبدالله عليه السلام قال:

" أتى قنبر أمير المؤمنين عليه السلام فقال: هذا سابق الحاج، فقال: لا قرب الله داره هذا خاسر الحاج يتعب البهيمة، وينقر الصلاة، اخرج اليه فاطرده ".

٢٩٢

فقال: ما لهذا صلاة، ما لهذا صلاة "(١) .

٢٤٩٤ - و " حج علي بن الحسين عليهما السلام على ناقة له أربعين حجة فما قرعها بسوط "(٢) .

٢٤٩٥ - وقال الصادق عليه السلام: " أي بعير حج عليه ثلاث سنين يجعل من نعم الجنة " وروى " سبع سنين "(٣) .

باب ما جاء في ركوب العقب  (٤)

٢٤٩٦ - روى علي بن رئاب، عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعقبون بعيرا بينهم وهم منطلقون إلى بدر ".

باب ثواب من أعان مؤمنا مسافرا

٢٤٩٧ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من أعان مؤمنا مسافرا نفس الله عنه ثلاثا وسبعين كربة، وأجاره في الدنيا والآخرة من الغم والهم، ونفس عنه كربه العظيم يوم يغص الناس بأنفاسهم " وفي خبر آخر " حيث يتشاغل الناس بأنفاسهم ".

___________________________________

(١) لانه لا يمكن الصلاة مع هذه الحركة الا بالايماء واحداث هذه الضرورة اختيارى لامكان الخروج قبله بايام فمعنى نفى الصلاة عدم اتيانها على وجهها لاشتغاله بالسير والسرعة.

(٢) روى البرقى بسندين صحيحين عن عبدالله بن سنان نحوه في أحدهما " ولقد بركت به في سنة من سنواته فما قرعها بسوط ".

(٣) تقدم تحت رقم ٢٢٠٧ ونحوه مروى في المحاسن ص ٦٣٥.

(٤) أى الركوب بالنوبة.

٢٩٣

باب المروء‌ة في السفر

٢٤٩٨ - تذاكر الناس عند الصادق عليه السلام أمر الفتوة فقال: " تظنون أمر الفتوة بالفسق والفجور إنما الفتوة والمروء‌ة طعام موضوع، ونائل مبذول بشئ معروف، وأذى مكفوف فأما تلك فشطارة وفسق، ثم قال: ما المروء‌ة؟ فقال الناس: لا نعلم، قال: المروء‌ة والله أن يضع الرجل خوانه بفناء داره، والمروء‌ة مروء‌تان مروء‌ة في الحضر ومروء‌ة في السفر، فأما التي في الحضر فتلاوة القرآن ولزوم المساجد والمشي مع الاخوان في الحوائج(١) والنعمة ترى على الخادم أنها تسر الصديق وتكبت العدو، وأما التي في السفر فكثرة الزاد وطيبه وبذله لمن كان معك وكتمانك على القوم أمرهم بعد مفارقتك إياهم وكثرة المزاح في غير ما يسخط الله عزوجل، ثم قال عليه السلام: والذي بعث جدي صلوات الله عليه وآله بالحق نبيا إن الله عزوجل ليرزق العبد على قدر المروء‌ة وإن المعونة تنزل على قدر المؤونة، وإن الصبر ينزل على قدر شدة البلاء ".

باب ارتياد المنازل والامكنة التي يكره النزول فيها

٢٤٩٩ - روى السكوني باسناده(٢) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إياكم والتعريس(٣) على ظهر الطريق وبطون الاودية فإنها مدارج السباع ومأوى الحيات ".

٢٥٠٠ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من نزل منزلا يتخوف فيه السبع فقال: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير وهو على

___________________________________

(١) راجع معانى الاخبار ص ٢٥٨ روى نحوه مسندا.

(٢) يعنى عن أبى عبدالله عن آبائه عن على عليهم السلام.

(٣) التعريس: نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة.

٢٩٤

كل شئ قدير، اللهم إني أعوذ بك من شر كل سبع " إلا أمن(١) من شر ذلك السبع حتى يرحل من ذلك المنزل إن شاء الله تعالى ".

باب المشى في السفر

٢٥٠١ - روى منذر بن جيفر(٢) ، عن يحيى بن طلحة النهدي قال: قال لنا أبوعبدالله عليه السلام: " سيروا وانسلوا فإنه أخف عليكم "(٣) .

٢٥٠٢ - وروي " أن قوما مشاة أدركهم رسول الله صلى الله عليه وآله فشكوا إليه شدة المشي، فقال لهم: استعينوا بالنسل "(٤) .

٢٥٠٣ - وسأل معاوية بن عمار أبا عبدالله عليه السلام " عن رجل عليه دين أعليه أن يحج؟ قال: نعم إن حجة الاسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين، ولقد كان أكثر من حج مع رسول الله صلى الله عليه وآله مشاة، ولقد مر رسول الله صلى الله عليه وآله بكراع الغميم(٥) فشكوا إليه الجهد والطاقة والاعياء، فقال: شدوا أزركم واستبطنوا، ففعلوا [ذلك] فذهب ذلك عنهم ".

٢٥٠٤ - وروى علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " قلت له: قول الله عزوجل: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " قال: يخرج يمشي إن لم يكن عنده [شئ] قلت: لا يقدر على المشي؟ قال: يمشي

___________________________________

(١) أى لا يتم هذه الكلمات الا أمن، أو لا يدعوا بها الا أمن.

(٢) منذر بن جيفر بن حكيم العبدى عربى صميم له كتاب وجيفر اختلف فيه و الاصح بتقديم الياء على الفاء.

وطريق الصدوق اليه فيه ابراهيم بن هاشم وهو حسن كالصحيح.

(٣) نسل ينسل نسلا ونسلانا في المشى أى أسرع.

(٤) في النهاية وفى رواية " شكوا اليه الاعياء فقال: عليكم بالنسلان " أى الاسراع في المشى.

(٥) كراع الغميم موضع بين مكة والمدينة وهو واد أمام عسفان، والكراع جانب مستطيل من الحرة تشبيها بالكراع وهو ما دون الركبة من الساق.

٢٩٥

ويركب، قلت: لا يقدر على ذلك، قال: يخدم القوم ويخرج معهم "(١) .

باب آداب المسافر

٢٥٠٥ - روى سليمان بن داود المنقري، عن حماد بن عيسى(٢) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " قال لقمان لابنه: إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك وامورهم، وأكثر التبسم في وجوههم، وكن كريما على زادك بينهم، وإذا دعوك فأجبهم وإذا استعانوا بك فأعنهم، واستعمل طول الصمت وكثرة الصلاة وسخاء النفس بما معك

___________________________________

(١) هذا الحديث ليس بمعمول به عند الفقهاء وقد حملوه على التقية أو الاستحباب و في المدارك ص ٣١٨ " أجمع العلماء كافة أن الاستطاعة شرط في الحج قال الله تعالى " ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا " وقال عزوجل " لا يكلف الله نفسا الا وسعها " قال في المنتهى وقد اتفق علماء‌نا على أن الزاد والراحلة شرطان في الوجوب فمن فقدهما أو أحدهما مع بعد مسافته لم يجب عليه الحج وان تمكن من المشى، ويدل على اعتبارهما مضافا إلى عدم تحقق الاستطاعة عرفا بدونهما غالبا صحيحة محمد بن يحيى الخثعمى قال: " سأل حفص الكناسى أبا عبدالله (ع) وأنا عنده عن قول الله عزوجل " ولله على الناس الاية " ما يعنى بذلك؟ قال: من كان صحيحا في بدنه، مخلى سربه، له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج " وصحيحة محمد بن مسلم قال: " قلت لابى جعفر عليه السلام قوله تعالى " ولله على الناس إلى قوله اليه سبيلا " قال: يكون له ما يحج به، قلت: فان عرض عليه الحج فاستحيى؟ قال: هو ممن يستطيع ولم يستحيى ولو على حمار أجدع أبتر، فان كان يستطيع أن يمشى راجلا بعضا ويركب بعضا فليفعل " قال في المنتهى: انما يشترط الزاد والراحلة في حق المحتاج اليهما لبعد مسافته أما القريب إلى مكة فلا يعتبر في حقه وجود الراحلة إذا لم يكن محتاجا اليها.

وهو جيد لكن في تحديد القرب الموجب لذلك خفاء والرجوع إلى اعتبار المشقة وعدمها جيد الا أن اللازم منه عدم اعتبار الراحلة في حق البعيد أيضا إذا تمكن من المشى من غير مشقة شديدة ولا نعلم به قائلا.

(٢) في المحاسن " عن حماد بن عثمان " وفى الكافى " عن حماد " بدون ذكر الاب وعلى أى حال هما ثقتان.

٢٩٦

من دابة أو ماء أو زاد، وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم، واجهد رأيك لهم إذا استشاروك، ثم لا تعزم حتى تثبت وتنظر، ولا تجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلي وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك في مشورتك، فان من لم يمحض النصيحة لمن استشاره سلبه الله رأيه ونزع عنه الامانة، وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم، وإذا رأيتهم يعلمون فاعمل، وإذا تصدقوا وأعطوا قرضا فأعط معهم واسمع لمن هو أكبر منك سنا، وإذا أمروك بأمر وسألوك شيئا، فقل: نعم، ولا تقل: لا، فإن " لا " عي(١) ولؤم وإذا تحيرتم في الطريق فانزلوا، وإذا شككتم في القصد فقفوا وتؤامروا، وإذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدوه فان الشخص الواحد في الفلاة مريب لعله أن يكون عين اللصوص أو يكون هو الشيطان الذي حيركم، واحذروا الشخصين أيضا إلا أن تروا مالا أرى.

فإن العاقل إذا أبصر بعينه شيئا عرف الحق منه، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، يا بني إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشئ، صلها واسترح منها فإنها دين، وصل في جماعة ولو على رأس زج(٢) ولا تنامن على دابتك فإن ذلك سريع في دبرها(٣) وليس ذلك من فعل الحكماء إلا أن تكون في محمل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل(٤) ، وإذا قربت من المنزل فانزل عن دابتك وابدأ بعلفها قبل نفسك فإنها نفسك، وإذا أردتم النزول فعليكم من بقاع الارض بأحسنها لونا وألينها تربة وأكثرها عشبا، فإذا نزلت فصل ركعتين قبل أن تجلس، وإذا أردت قضاء حاجتك فابعد المذهب في الارض، وإذا ارتحلت فصل ركعتين ثم ودع الارض التي حللت بها وسلم عليها وعلى اهلها فإن لكل بقعة أهلا من الملائكة، وإن استطعت أن لا تأكل طعاما حتى تبدأ فتصدق منه فافعل.

___________________________________

(١) بكسر العين أى جهل وبفتحها أى عجز. (م ت)

(٢) الزج بالضم: الرمح والحديدة التى في أسفل الرمح، وذلك يكون للمبالغة.

(٣) الدبر بالتحريك: جراحة على ظهر الدابة.

(٤) لاسترخاء المفاصل أى إذا لم يمدد يسترخى المفاصل.

٢٩٧

وعليك(١) بقراء‌ة كتاب الله عزوجل ما دمت راكبا، وعليك بالتسبيح ما دمت عاملا [عملا] وعليك بالدعاء ما دمت خاليا، وإياك والسير من أول الليل وسر في آخره، وإياك ورفع الصوت في مسيرك".

باب دعاء الضال عن الطريق

٢٥٠٦ - روى علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا ضللت عن الطريق فناد " يا صالح - أو يا أبا صالح - أرشدونا إلى طريق يرحمكم الله ".

٢٥٠٧ - وروي " أن البر موكل به صالح، والبحر موكل به حمزة "(٢) .

باب القول عند نزول المنزل

٢٥٠٨ - قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: " يا علي إذا نزلت منزلا فقل: " اللهم أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين " ترزق خيره ويدفع عنك شره ".

باب القول عند دخول مدينة أو قرية

٢٥٠٩ - كان في وصية رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: " يا علي إذا أردت مدينة أو قرية فقل حين تعاينها: " اللهم إني أسألك خيرها وأعوذ بك من شرها، اللهم

_____________________________

(١) احتمل بعض الاعلام أن من هنا إلى آخر الحديث من قول الصادق عليه السلام جعله عليه السلام متمما لوصية لقمان حيث انه كان في نسخته " وعليك بقراء‌ة القرآن " مكان " عليك بقراء‌ة كتاب الله " كما صرح هو بذلك.

(٢) المشهور أن الموكل بالبر الخضر وبالبحر الياس عليهما السلام. (م ت)

٢٩٨

حببنا إلى أهلها، وحبب صالحي أهلها إلينا "(١) .

باب الموت في الغربة

٢٥١٠ - روى الحسن بن محبوب، عن أبي محمد الوابشي،(٢) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " ما من مؤمن يموت في أرض غربة تغيب عنه فيها بواكيه إلا بكته بقاع الارض التي كان يعبد الله عزوجل عليها، وبكته أثوابه، وبكته أبواب السماء التي كان يصعد فيها عمله، وبكاه الملكان الموكلان به ".

٢٥١١ - وقال عليه السلام: " إن الغريب إذا حضره الموت التفت يمنة ويسرة ولم ير أحدا رفع رأسه، فيقول الله عزوجل: إلى من تلتفت؟ إلى من هو خير لك مني و عزتي وجلالي لئن أطلقتك عن عقدتك(٣) لاصيرنك في طاعتي، ولئن قبضتك لاصيرنك إلى كرامتي ".

باب تهنئة القادم من الحج

٢٥١٢ - قال الصادق عليه السلام: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقول للقادم من مكة: قبل الله منك، وأخلف عليك نفقتك، وغفر ذنبك ".

باب ثواب معانقة الحاج

٢٥١٣ - في رواية أبي الحسين الاسدي رضي الله عنه قال: قال الصادق عليه السلام

___________________________________

(١) كذا وفى المحاسن ص ٣٧٤ " اللهم انى أسألك خيرها وأعوذ بك من شرها، اللهم أطعمنا من جناها وأعذنا من وبائها وحببنا إلى أهلها، وحبب صالحى أهلها الينا ".

وفى بعض نسخه " اطعمنا من خانها " وقال بعضهم: الظاهر أن المراد بالخان الخوان.

(٢) كان من رجال الصادق عليه السلام وكأنه عبدالله بن سعيد.

(٣) أى المرض المقدر عليه كالعقدة

٢٩٩

" من عانق حاجا بغباره كان كأنما استلم الحجر الاسود".

باب النوادر

٢٥١٤ - روي عن جابر بن عبدالله الانصاري قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يطرق الرجل أهله ليلا إذا جاء من الغيبة حتى يؤذنهم "(١) .

٢٥١٥ - وقال عليه السلام: " السفر قطعة من العذاب، فإذا قضى أحدكم سفره فليسرع الاياب إلى أهله "(٢) .

٢٥١٦ - وقال الصادق عليه السلام: " سير المنازل ينفد الزاد، ويسيئ الاخلاق، ويخلق الثياب، والسير ثمانية عشر"(٣) .

٢٥١٧ - وروى عبدالله بن ميمون باسناده(٤) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ضللتم الطريق فتيامنوا"(٥) .

___________________________________

(١) يدل على كراهة دخول المسافر منزله في الليل الا أن يعلمهم.

وروى " أنه دخل رجل منزله في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله ورأى ابنه نائما مع زوجته فتوهم أنه أجنبى فقتله، فلما سمعه صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك ".

(٢) رواه البرقى ص ٣٧٧ عن النوفلى عن السكونى باسناده قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله.

(٣) رواه البرقى عن أبيه عن أبن أبى نجران عمن ذكره عن أبى عبدالله عليه السلام.

والظاهر أن المراد به أن السير للتنزه والتفرج ينبغى أن لا يصير إلى المنازل، وهى ثمانية فراسخ بل نهايته ثمانية عشر ميلا ستة فراسخ فان الزائد عليها ينفد الزاد لان الانسان لا يتهيأ غالبا لها ما يكفيها بخلاف السفر ويسيئ اخلاق المصاحبين ويتسخ ثيابهم وتبلى بخلاف ما إذا كان قريبا فانه يرطب الدماغ ويخرج البدن والروح من الكلال. (م ت)

(٤) يعنى عن أبى عبدالله عن آبائه عليهم السلام عن النبى صلى الله عليه وآله كما في المحاسن ص ٣٦٢.

(٥) " فتيامنوا " أى توجهوا إلى جانب يمينكم. (م ت)

٣٠٠

٥ ـ التوسّل جائز :

يستفاد من الآيات ـ آنفة الذكر ـ انّ طلب الاستغفار من الآخرين غير مناف للتوحيد ، بل هو سبيل الى الوصول الى لطف الله سبحانه ، والّا فكيف كان يمكن ليعقوب ان يستجيب لطلب ابنائه في ان يستغفر لهم وان يجيبهم بالإيجاب على توسّلهم به.

وهذا الأمر يدلّ على ان التوسّل بأولياء الله جائز على الإجمال ، والأشخاص الذين يرون ذلك مخالفا لاصل التوحيد غافلون عن نصوص القرآن ، او انّ التعصّب المقيت يحجب ابصارهم عن تلك النصوص.

٦ ـ نهاية الليلة السوداء

انّ الدرس الكبير الذي نستلهمه من الآيات المتقدّمة هو انّه مهما كانت المشاكل والحوادث صعبة وعسيرة ، ومهما كانت الأسباب والعلل الظاهرية غير تامّة ومحدودة ، ومهما كان النصر او الفرج بطيئا (او غير متحقّق فعلا) فإنّ ايّا من أولئك لا يمنع من الرجاء والأمل بلطف الله ، فالله الذي أعاد البصر برائحة القميص ونقل رائحة ذلك القميص من مسافة بعيدة ، وردّ العزيز المفتقد بعد سنين طويلة ، قادر على ان يضمّد القلوب المجروحة من الفراق ، وان يشفي آلام النفوس.

اجل انّنا نجد الدرس التوحيدي الكبير ينطوي في هذا القصص والتاريخ ، وهو انّه لا شيء على الله بعزيز ولا عسير ، بل يهون كلّ شيء بأمره وارادته.

( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) .

* * *

٣٠١

الآيات

( فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ (٩٩) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١) )

التّفسير

عاقبة امر يوسف وأبيه واخوته :

مع وصول القافلة التي تحمل أعظم بشارة من مصر الى كنعان ، وعودة البصر

٣٠٢

الى يعقوب ، ارتفعت اهازيج في كنعان. فالبيت الذي لم يخلع اهله عنهم ثياب الحزن والاسى لسنين عديدة ، أصبح غارقا في السرور والحبور ، فلم يكتموا رضاهم عن هذه النعم الالهيّة ابدا.

والآن ينبغي على اهل هذا البيت ـ وفقا لوصيّة يوسف ـ ان يتحرّكوا ويتّجهوا نحو مصر ، وتهيّأت مقدّمات السفر من جميع النواحي ، وركب يعقوب راحلته وشفتاه رطبتان بذكر الله وتمجيده ، وقد منحه عشق يوسف قوّة وعزما الى درجة وكأنّه عاد شابا من جديد.

وهذا السفر على خلاف الاسفار السابقة ـ التي كانت مقرونة لدى اخوة يوسف بالقلق والحزن ـ كان خاليا من ايّة شائبة من شوائب الهمّ والغمّ. وحتّى لو كان السفر بنفسه متعبا ، فهذا التعب لم يكن شيئا ذا بال قبال ما يهدفون اليه في مسيرهم هذا.

كانوا يطوون الليالي والايّام ببطء ، لانّ الشوق كان يحيل كلّ دقيقة الى يوم او سنة ، ولكن انتهى كلّ شيء ولاحت معالم مصر وأبنيتها من بعيد بمزارعها الخضر وأشجارها الباسقة السامقة وعماراتها الجميلة.

الّا انّ القرآن الكريم ـ كعادته دائما ـ حذف هذه المقدّمات التي يمكن ان تدرك بأدنى تفكّر وتأمّل ، فقال في هذا الشأن :( فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ ) .

وكلمة «آوى» ـ كما يقول الراغب في مفرداته ـ تعني في الأصل انضمام شيء الى شيء آخر ، وضمّ يوسف أبويه اليه كناية عن احتضانهما ومعانقتهما.

وأخيرا تحقّقت احلى سويعات الحياة ليعقوب ، وفي هذا اللقاء والوصال الذي تمّ بين يعقوب ويوسف بعد سنين من الفراق ، مرّت على يعقوب ويوسف لحظات لا يعلم الله عواطفها في تلك اللحظات الحلوة ، وايّة دموع انسكبت من عينيهما من الفرح.

٣٠٣

وعندها التفت يوسف الى اخوته وأبويه و( قالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ ) لانّ مصر أصبحت تحت حكم يوسف في امن وأمان واطمئنان.

ويستشفّ من هذه الجملة انّ يوسف كان قد خرج الى خارج بوّابة المدينة لاستقبال والديه واخوته ، ولعلّ التعبير ب( دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ ) يحتمل ان يكون يوسف قد أمر أن تنصب الخيام هناك «خارج المدينة» وان تهيأ مقدّمات الاستقبال لأبويه واخوته.

فلمّا دخلوا القصر أكرمهم يوسفعليه‌السلام ( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ) .

وكانت هذه العظمة من النعمة الالهيّة واللطف والموهبة التي منّ الله بها على يوسف قد ادهشت اخوة يوسف وأبويه فذهلوا جميعا( وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) .

وعندها التفت يوسف الى أبيه( وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ ) .

الم يكن انّي رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رايتهم لي ساجدين؟! فانظر يأبت كما كنت تتوقّع من عاقبة امري( قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا ) ( وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ) .

الطريف هنا انّ يوسف تكلّم هنا عن سجنه في مصر من بين جميع مشاكله ولم يتكلّم على الجبّ مراعاة لإخوته.

ثمّ أضاف يوسف قائلا :( وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ) .

ومرّة اخرى يظهر هنا يوسف مثلا آخر من سعة صدره وعظمته ، ودون ان يقول : من هو المقصّر ، وانّما يقول بصورة مجملة انّ الشيطان تدخّل فنزغ بيني وبين اخوتي ، فهو لا يريد ان يتشكّى من اخطاء اخوته السالفة.

والتعبير عن ارض كنعان بالبدو تعبير طريف وكاشف عن مدى الاختلاف بين تمدّن مصر وتخلّف كنعان «حضاريّا».

وأخير يقول يوسف : انّ جميع هذه المواهب هي من قبل الله ، ولم لا تكون

٣٠٤

كذلك فـ( إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ ) .

فيتولّى امور عباده بالتيسير والتدبير وهو يعلم من هو المحتاج ومن هو الجدير بالاستجابة( إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) .

ثمّ يلتفت يوسف نحو مالك الملك الحقيقي وولي النعمة الدائمة فيقول شاكرا راجيا :( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ ) .

وهذا العلم البسيط بحسب الظاهر «تأويل الأحاديث» كم كان له من اثر عظيم في تغيير حياتي وحياة جماعة آخرين من عبادك ، وما أعظم بركة العلم! فأنت يا ربّ :( فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) .

ولذلك فقد خضعت واستسلمت قبال قدرتك جميع الأشياء.

ربّاه :( أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) .

اي انّني لا اطلب دوام الملك وبقاء الحكم والحياة الماديّة منك يا ربّ ، لانّ هذه الأمور جميعها فانية وليس فيها سوى البريق الجذّاب. بل اطلب منك يا ربّ ان تكون عاقبة امري على خير ، وان اقضي حياتي وأموت مؤمنا في سبيلك مسلّما لارادتك ، وان أكون في صفوف الصالحين. فهذه الأمور هي المهمّة لديّ فحسب.

* * *

بحوث

١ ـ هل السجود لغير الله جائز؟!

كما بيّنا في الجزء الاوّل من هذا التّفسير عند بحثنا في شأن سجود الملائكة لآدم ، فقلنا : انّ السجود بمعنى العبادة يختص بالله تعالى ولا تجوز العبادة لاي احد في ايّ مذهب الّا لله سبحانه وهذا هو المراد من توحيد العبادة الذي هو قسم مهمّ من التوحيد الذي دعا اليه جميع الأنبياء.

٣٠٥

فبناء على هذا لم يكن يوسف وهو نبيّ الله يسمح لأحد ان يسجد له ويعبده من دون الله ، ولا النّبي العظيم يعقوب كان يقدّم على مثل هذا الأمر ، ولا القرآن الكريم كان يعبّر عنه بأنّه عمل جدير او على الأقل عمل مجاز.

فبناء على ذلك فإنّ السجود المشار اليه في الآية ـ محلّ البحث ـ امّا انّه كان «سجدة الشكر» لله تعالى الذي اولى يوسف هذه المواهب والمقام العظيم ، وفرّج عن آل يعقوب كربهم وأزال عنهم همومهم ، وهذا السجود في الوقت الذي كان لله ، بما انّه كان من اجل عظمة موهبة يوسف ، فإنّه كان يعتبر تعظيما وتكريما ليوسف ايضا ، ومن هذا المنطلق فإنّ الضمير في (له) الذي يعود على يوسف قطعا ينسجم وهذا المعنى تماما.

او انّ المراد من السجود هو مفهومه الواسع ، اي الخضوع والتواضع ، لانّ السجدة ـ او السجود ـ لا يأتي اي منهما بمعناه المعروف دائما ، بل ربّما يرد بمعنى الخضوع والتواضع أحيانا ، فلذا قال بعض المفسّرين : انّ التحيّة او التواضع المتداول آنئذ كان الانحناء والتعظيم ، وانّ المراد من السجود في الآية هو هذا المعنى.

الّا انّه مع الالتفات الى جملة «خرّوا» التي يعني مفهومها الهويّ نحو الأرض فإنّه لا يستفاد من السجود في الآية الانحناء والخضوع (هنا).

وقال بعض المفسّرين العظام : انّ سجود يعقوب واخوة يوسف وامّهم كان لله سبحانه ، الّا انّ يوسف كان ـ بمثابة الكعبة ـ قبلة لهم ، ولهذا جاء في بعض تعابير العرب قولهم : فلان صلّى للقبلة(١) .

الّا انّ المعنى الاوّل يبدو اقرب للنظر ، وخاصّة انّ بعض الرّوايات الواردة عن اهل البيتعليهم‌السلام تقول : «كان سجودهم لله ، او عبادة لله»(٢) .

__________________

(١) راجع تفسير الميزان ، وتفسير الفخر الرازي ذيل الآية محل البحث.

(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٤٦٧.

٣٠٦

كما جاء في بعض الرّوايات انّ سجودهم كان طاعة لله وتحيّة ليوسف(١) .

كما انّ السجود لآدم كان سجودا لله العظيم الذي خلق مثل هذا الخلق البديع ، وهو في الوقت الذي يعدّ عبادة لله فهو دليل على احترام آدم وعظمته.

وهذا الأمر يشبه تماما ان يؤدّي رجل ـ مثلا ـ عملا مهمّا عظيما ، فنسجد نحن لله الذي خلق مثل هذا الإنسان ، فهذا السجود هو لله كما انّه في الوقت ذاته يعدّ احتراما وتعظيما للرجل ايضا.

٢ ـ وساوس الشيطان :

انّ جملة( نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ) مع ملاحظة انّ نزغ بمعنى الدخول في امرّ ما بقصد الفساد او الإفساد تدلّ على انّ لوساوس الشيطان في مثل هذه الحوادث أثرا مهمّا دائما ، الّا انّنا نوّهنا من قبل بأنّ هذه الوساوس لوحدها لا تعمل شيئا ، فالمصمّم الأخير هو الإنسان نفسه ، بل هو الذي يفتح أبواب قلبه للشيطان ويسمح له بالدخول.

فبناء على ذلك فليس في الآية ـ محلّ البحث ـ امر خلاف اصل حريّة الارادة أساسا. غاية ما في الأمر انّ يوسفعليه‌السلام بما لديه من حلم وسعة صدر لم يرغب ان يحرج اخوته ويزيد في خجلهم ، فهم كانوا خجلين الى درجة كافية ، ولهذا لم يشر الى المصمّم النهائي وانّما ذكر وساوس الشيطان التي تعدّ العالم الثانوي فحسب.

٣ ـ الأمن نعمة الله الكبرى؟

لقد أشار يوسف الى مسألة الأمن من بين جميع المواهب والنعم بمصر ، وقال لأبويه واخوته( ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ ) وهذا الأمر يدلّ على انّ

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٤٦٨.

٣٠٧

نعمة الأمن أساس جميع النعم ، والحقّ انّها كذلك ، لانّه متى ذهبت نعمة الأمن ، فإنّ سائر مسائل الرفاه والمواهب المادية والمعنوية يحدق بها الخطر.

ففي جوّ او محيط غير آمن ، ليس بالمقدور اطاعة الله فيه ولا الحياة الحرّة الكريمة ، كما ليس بمقدور الإنسان ان يفكّر تفكيرا مطمئنا هادئا ، ولا السعي والجدّ والجهاد نحو تحقّق الاهداف الاجتماعية ايضا.

وهذه الجملة لعلّها اشارة الى هذه اللطيفة ، وهي انّ يوسف يريد ان يقول : انّ ارض مصر في عهدي وحكومتي ليست هي تلك الأرض في عهد الفراعنة وحكمهم ، فأولئك الظالمون المستكبرون المستثمرون الانانيون ولّوا ومضوا كما مضى ذلك التعذيب والأذى ، فالجوّ جو آمن تماما.

٤ ـ اهميّة مقام العلم :

ومرّة اخرى يعوّل يوسفعليه‌السلام في انتهاء عمله وامره على مسألة علم تعبير الرؤيا ، ويجعل هذا العلم البسيط ـ ظاهرا ـ الى جانب تلك الحكومة العظمى ومن دون منازع ، وهذا يكشف عن تأكيده على اهميّة العلم مهما كان بسيطا ، فيقول :( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ ) .

٥ ـ حسن العاقبة :

قد يتقلّب الإنسان في طول عمره في اشكال مختلفة متعدّدة ، الّا انّ من المسلّم به انّ الصفحات الاخيرة من حياته اهمّ من جميع ما مضى عليه ، لانّ سجل عمره ينتهي بانتهائها ويتعلّق الحكم النهائي ، لذا فإنّ الرجال المؤمنين يطلبون من الله دائما ان تكون هذه الصفحات من العمر مشرقة نيّرة ، وان يختم لهم بالخير.

ونجد يوسفعليه‌السلام يطلب من الله ـ هنا ـ هذا الأمر نفسه فيقول :( تَوَفَّنِي مُسْلِماً

٣٠٨

وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) .

وليس معنى هذا الكلام طلب الموت من الله ، كما تصوّره ابن عبّاس فقال : لم يطلب احد من الأنبياء الموت من الله الّا يوسف ، فعند ما توفّرت له اسباب حكومته تأجّج العشق (والتعلّق بالله) في نفسه فتمنّى لقاء الله.

بل طلب يوسف انّما كان الشرط والحالة فحسب ، اي انّه طلب ان يكون عند الوفاة مؤمنا مسلما ، وقد كان ابراهيم ويعقوب يوصيان أبناءهما بهذه الوصيّة ايضا بقولهما لهم :( فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) .(١) وقد اختار كثير من المفسّرين هذا المعنى.

٦ ـ هل جاءت امّ يوسف الى مصر

يستفاد من ظاهر الآيات ـ آنفة الذكر ـ بصورة جيّدة انّ امّ يوسف كانت يومئذ حيّة ، وقد جاءت مع يعقوب وابنائها الى مصر ، وسجدت شاكرة هذه النعمة. الّا انّ بعض المفسّرين يصرّون على انّ امّ يوسف «راحيل» كانت قد انتقلت من الدنيا يومئذ ، وانّما التي جاءت الى مصر خالته التي تعدّ بمثابة امّه.

ونقرا في سفر التكوين من التوراة ـ الفصل ٣٥ الجملة ١٨ ـ انّ راحيل بعد ان ولدت بنيامين رحلت عن الدنيا. وجاء في بعض الرّوايات عن (وهب بن منبه) و (كعب الأحبار) هذا المعنى ذاته ايضا ، ويبدو انّه مأخوذ من التوراة.

وعلى اي حال ، فليس بوسعنا ان نغضي عن ظاهر آيات القرآن التي تقول : انّ امّ يوسف كانت حيّة آنئذ ، ونؤول ذلك ونوجّهه دون اي دليل.

٧ ـ عدم ذكر القصّة للأب :

نقرا في رواية عن الامام الصادقعليه‌السلام انّه قالعليه‌السلام : «قال يعقوب ليوسف :

__________________

(١) البقرة ، ١٣٢.

٣٠٩

يا بني حدّثني كيف صنع بك إخوتك؟!

قال : يا أبت دعني.

فقال : أقسمت عليك الّا اخبرتني!

فقال له : اخذوني واقعدوني على راس الجبّ ، ثمّ قالوا لي : انزع قميصك ، فقلت لهم انّي اسألكم بوجه أبي يعقوب ان لا تنزعوا قميصي ولا تبدوا عورتي ، فرفع فلان السكّين عليّ ، وقال : انزل.

فصاح يعقوب فسقط مغشيّا عليه ثمّ أفاق ، فقال له : يا بني كيف صنعوا بك؟! فقال يوسف : انّي اسألك بإله ابراهيم وإسماعيل وإسحاق الّا اعفيتني.

قال : فتركه» إلخ(١) .

وهذا الأمر يدلّ على انّ يوسف لم يرغب بأيّ وجه ابدا ان يعيد في ذهنه او في ذهن أبيه الماضي المرير ، بالرغم من انّ رغبة يعقوب في التقصّي عن الأمر لم تدعه يستقرّ.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٢٦٥.

٣١٠

الآيات

( ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢) وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (١٠٤) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥) وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٠٧) )

التّفسير

الأدعياء مشركون غالبا!

بعد ما انتهت قصّة يوسفعليه‌السلام بكلّ دروسها التربوية ونتائجها الغزيرة والقيّمة والخالية من جزاف القول والخرافات التاريخيّة انتقل الكلام الى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث يقول القرآن الكريم :( ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ ) .

٣١١

انّ هذه المعلومات الدقيقة لا يعلمها الّا الله ، او واحد من الذين كانوا حاضرين هناك ، وبما انّك لم تكن حاضرا لديهم فالوحي الالهي فقط هو الذي جاءك بهذه الاخبار.

ومن هنا يتّضح انّ قصّة يوسف بما انّها وردت في التوراة فأهل الحجاز عندهم معلومات تقريبيّة عنها ، ولكن كلّ هذه الحوادث لم تطرح بهذه الدقّة في جزئياتها ابدا ، وحتّى في المحافل الخاصّة السابقة لم تكن تعرف بدون اضافة وخرافة.

وعلى اي حال كان لزاما على الناس ان يؤمنوا بعد مشاهدتهم لعلائم الوحي وسماعهم لهذه النصائح الالهيّة ، وان يتراجعوا عن طريق الغيّ ، ولكن يا ايّها النّبي :( وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) .

انّ الوصف ب (الحرص) هنا دليل على شوق ولهفة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لانّ يؤمن الناس ، ولكن ما الفائدة ، فإصراره وشوقه لم يكونا كافيين ، فمن شرط الايمان الاستعداد والقابلية في نفس الشخص.

انّ أبناء يعقوبعليه‌السلام كانوا يعيشون في بيت الوحي والنبوّة ، ومع ذلك نرى كيف عصفت بهم الأهواء حتّى كادوا ان يقتلوا أخاهم ، فكيف نتوقّع من جميع الناس ان يتغلّبوا على أهوائهم وشهواتهم مرّة واحدة وبشكل جماعي ويؤمنوا بالله؟

وهذه الآية بالاضافة الى ما ذكرنا هي تسلية لقلب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى لا ييأس ابدا من إصرارهم على الكفر والذنوب ولا يستوحش الطريق لقلّة أصحابه ، كما نقرا في آيات اخرى من القرآن الكريم الكهف (٦) :( فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً ) وقوله تعالى :( وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ) فهؤلاء في الواقع ليس لهم اي عذر او مبرّر لعدم قبول الدعوة بالاضافة الى ما اتّضح من علامات الحقّ انّك لم تسألهم اجرا حتّى يكون مبرّرا لمخالفتك :

٣١٢

( إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ ) .

وهذه الدعوة عامّة للجميع ، ومائدة واسعة للعام والخاص وكلّ البشرية.

( وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ ) .

فهذه الدلائل يرونها بأعينهم كلّ يوم! تشرق الشمس عند الصباح لتنشر أشعتها الذهبية على الجبال والوديان والصحاري والبحار ، وتغرب عند المساء ويعمّ الليل بستاره المظلم كلّ مكان.

انّ اسرار هذا النظام العجيب وهذا الشروق والغروب وحياة النباتات والحشرات والإنسان ، وهدير المياه ، وحركة النسيم ، وكلّ هذا الفن العجيب للوجود هو من الوضوح بحيث ان لم يتدبّر احد فيه وفي خالقه سيكون كالخشبة المسنّدة.

كثيرة هي الدلائل التي نعتبرها صغيرة وغير مهمّة ، فنحن نمرّ عليها كلّ يوم ولا نعير لها اهميّة ، وفجأة يظهر عالم ذو بصيرة فيكتشف بعد دراسة أشهر وسنين اسرار هذه الدلائل ويذهل العالم بها.

المهمّ ان نعلم انّ كلّ ما في العالم ليس زخرفا وبدون فائدة ، لانّها من مخلوقات الله الذي لا نهاية لعلمه ولا حدّ لحكمته. وانّما الساذج والزخرف فهم أولئك الذين يعتقدون بأنّ العالم وجود عبث وليس له غاية وفائدة. ولهذا فلا تعجب لعدم ايمانهم بالآيات المنزلة عليك ، لانّهم لم يؤمنوا بالآيات المحيطة بهم من كلّ مكان( وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ) .

قد يتصوّر هؤلاء انّهم من المؤمنين المخلصين ولكن غالبا ما توجد جذور الشرك في افكارهم وأقوالهم وضمائرهم.

ليس الايمان هو الاعتقاد بوجود الله فقط ، فالمؤمن المخلص هو الذي لا يعتقد بأيّ معبود سوى الله ، فتكون أقواله واعماله وكلّ أفعاله خاضعة له. ولا يعترف بغير قانون الله ، ولا يضع طوق العبوديّة في رقبته لغيره ، ويمتثل بقلبه

٣١٣

وروحه لكلّ الأوامر الالهيّة ولو كانت مخالفة لهواه ، ويقدّم دائما الإله على الهوى ، هذا هو الايمان الخالص من الشرك في العقيدة والقول والعمل ، فلو حسبنا حسابا دقيقا في هذا المجال لوجدنا انّ الموحّدين الصادقين والمخلصين قليلون جدّا.

ولهذا السبب نقرا في الرّوايات الاسلامية ما جاء عن الامام الصادقعليه‌السلام «الشرك أخفى من دبيب النحل»(١) .

أو نقرا : «انّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، قالوا : وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال : الرياء ، يقول الله تعالى يوم القيامة إذا جاء الناس بأعمالهم : «اذهبوا الى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم من جزاء»(٢) .

ونقل عن الامام الباقرعليه‌السلام في تفسير الآية أعلاه حيث يقول «شرك طاعة وليس شرك عبادة ، والمعاصي التي يرتكبون وهي شرك طاعة أطاعوا فيها الشيطان فأشركوا بالله في الطاعة لغيره»(٣) .

وفي بعض الرّوايات نقرا انّ المقصود من (شرك النعمة) بهذا المعنى انّ الله يهب الإنسان شيئا فيقول : انّ فلانا قد جاءني به فلو لم يكن فلان لكنت من الهالكين! وكانت حياتي هباء منثورا ، فهنا قد اعتبر الشريك مع الله الشخص الذي جرت على يده نعمة الله!

الخلاصة : انّ ما يفهم من الشرك ليس الكفر وانكار الإله وعبادة الأصنام فقط ، كما جاء في حديث عن الامام الرضاعليه‌السلام «شرك لا يبلغ به الكفر» ولكن الشرك بمعناه الواسع يشمل جميع هذه الأمور.

__________________

(١) سفينة البحار ، المجلّد الاوّل ، صفحة ٦٩٧.

(٢) في ظلال القرآن ، المجلّد الخامس ، صفحة ٥٣.

(٣) نور الثقلين ، ج ٢ ، صفحة ٢٧٥ ـ اصول الكافي ، المجلّد الثّاني ، صفحة ٢٩٢.

٣١٤

وفي آخر آية يحذّر القرآن الكريم أولئك الذين لم يؤمنوا بعد ويمرّوا على الآيات الواضحة مرّ الكرام ويشركون في اعمالهم حيث يقول :( أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) .

«الغاشية» : الغطاء او الستار ، ويقال للثوب الكبير الذي يغطّي سرج الجواد. ومعناه هنا البلاء والجزاء الذي يعمّ المفسدين(١) .

«والساعة» : القيامة ، وقد وردت بهذا المعنى في كثير من الآيات.

ويحتمل ان تكون كناية عن الوقائع العظيمة التي تحدث قبل يوم القيامة مثل الزلازل والعواصف والصواعق ، او اشارة الى ساعة الموت ، ولكن التّفسير الاوّل اقرب الى المعنى كما نرى.

* * *

__________________

(١) غاشية مؤنثة لانّها صفة «للعقوبة» التي هي مقدّرة.

٣١٥

الآيات

( قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠) لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١) )

التّفسير

اصدق الدروس والعبر :

في الآية الاولى من هذه المجموعة يتلقّى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأوامر لتحديد الطريق

٣١٦

والمنهج الذي يتّبعه ، فيقول القرآن الكريم :( قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ ) ثمّ يضيف :( عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) .

وهذه الجملة توضّح انّ كلّ فرد مسلم مقتد بالرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له نفس الدور في الدعوة الى الحقّ ، ولا بدّ من دعوة الآخرين الى الله ، من خلال أفعالهم وأقوالهم ، وكذلك تؤكّد هذه الجملة على انّ القائد يجب ان تكون له بصيرة ومعرفة كافية ، والّا فإنّ دعوته ليست الى الحقّ ، وللتأكيد على ذلك يضيف القرآن الكريم :( وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) .

فهو يؤكّد على نزاهة الخالق الذي يدعو اليه وكماله المطلق الخالي من النقصان وانّه لا يتّخذ معه شريكا.

هذه في الواقع من خصائص القائد الصادق ، ان يعلن بصراحة عن اهدافه وخططه ، وان يسير هو والتابعين له على منهج واضح وسليم ، لا ان تسودهم هالة من الإبهام في الهدف والطريقة. او ان يسير كلّ واحد منهم في جهة معيّنة.

فواحدة من الطرق التي نتعرّف بها على القيادات الصادقة من الكاذبة هو انّ القيادة الصادقة تتميّز بصراحة القول ووضوح الطريق امّا الاخرى فهي لكي تحاول التغطية على سلوكها وتلتجئ الى الحديث المبهم والمتعدّد الجوانب.

انّ وقوع هذه الآية بعد الآيات المتعلّقة بيوسف تشير الى انّ طريقة ومنهج النّبي لا يختلفان عن طريقة ومنهج يوسف النّبي. فهو كان يدعو الى «الله الواحد القهّار» حتّى في زوايا السجن ، امّا غيره فكان يدعو الى اسماء انتقلت اليه بسبب التقليد من جاهل الى جاهل آخر. امّا سيرة الأنبياء والرسل كلّها واحدة.

وبما انّ الأقوام الضالّة والجاهلة كانت دائما تثير هذا الاعتراض على الأنبياء وهو انّكم بشر؟! ولماذا لا تكلّف الملائكة لهذا الأمر؟ وبما انّ الناس في الجاهلية كانوا يثيرون نفس الاعتراض بالنسبة الى الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعوته العامّة ، فإنّ القرآن الكريم يجيب مرّة ثانية على هذا الاعتراض فيقول :( وَما أَرْسَلْنا مِنْ

٣١٧

قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ) .

هؤلاء الرّسل هم كباقي الناس يعيشون في المدن والقرى ، ويتجوّلون بين الناس ويشعرون بآلامهم واحتياجاتهم ومشاكلهم.

فالوصف هنا ب( مِنْ أَهْلِ الْقُرى ) بالاضافة الى ما تشمله القرية في اللغة من معنى المدينة او الرّيف في مقابل «البدو» التي تطلق على اهل الصحراء ، فإنّها قد تشير الى انّ أنبياء الله لم ينهضوا من بين سكنة الصحراء ـ كما صرّح بذلك بعض المفسّرين ـ لانّ سكّان البادية يتّصفون بالجهل وعدم المعرفة وقلوبهم قاسية ويمتازون بقلّة معلوماتهم عن الحياة ومتطلّباتها.

صحيح انّ اكثر سكّان ارض الحجاز كانوا من البدو ، ولكن الرّسول من اهل مكّة التي تعتبر مدينة كبيرة نسبيّا ، وصحيح ايضا انّ مدينة كنعان لو قيست بأرض مصر التي كان يوسف يحكم فيها لكانت صغيرة وغير مهمّة ولذلك كان يعبّر عنها بالبدو. ولكن نحن نعلم انّ يعقوب وأبناءه لم يكونوا من اهل البادية ابدا ، فهم كانوا يعيشون في هذه المدينة الصغيرة كنعان.

ثمّ يبيّن القرآن الكريم : إذا ما أراد هؤلاء ان يعلموا عاقبة مخالفتهم لدعوتك التي هي الدعوة الى الله فإنّ عليهم ان يسيروا ليروا آثار السابقين :( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) .

انّ السير والتجوال في الأرض لمشاهدة آثار الماضين وخراب دورهم ومدنهم بسبب العذاب الالهي ، أفضل درس لهم ، درس حي وملموس للجميع.( وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ ) .

لماذا؟ لانّ الدنيا دار مليئة بالمصائب والآلام وغير باقية ، امّا الآخرة فدار خالدة وخالية من الآلام والعذاب.

( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ ) .

٣١٨

تشير هذه الآية الى ادقّ وأصعب لحظة في حياة الأنبياء فنقول : انّ الأنبياء يواجهون دائما مقاومة عنيفة من قبل اقوامهم وطواغيت زمانهم حتّى يصل الحال بالأنبياء الى اليأس الى حدّ يظنّون انّ اتباعهم المؤمنين القليلين قد كذبوا عليهم وتركوهم وحدهم في مسيرتهم في الدعوة الى الحقّ ، وفي هذه الأثناء حيث انقطع أملهم في كلّ شيء أتاهم نصرنا. وفي نهايتها تشير الى عاقبة المجرمين( وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ) .

فهذه سنّة الله في الذين اصرّوا على اعمالهم وأغلقوا باب الهداية على أنفسهم ، فهم وبعد إتمام الحجّة عليهم ينالهم العذاب الالهي فلا تستطيع اي قوّة ان تردّه.

في تفسير هذه الجملة من الآية :( ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) ومن المقصود بها ، هناك عدّة آراء للمفسّرين :

١ ـ انّ كثيرا من علماء التّفسير يرون ما قلناه سابقا ، وخلاصته : انّ عمل الأنبياء يصل الى درجة يعتقدون فيها انّ كلّ الناس سوف يكذبوهم ، حتّى تلك المجموعة التي تظهر ايمانها ولكنّها غير راسخة في عقيدتها.

٢ ـ ويحتمل في تفسير الآية انّ فاعل «ظنّوا» هم المؤمنون ، وانّ المشاكل والاضطرابات تصل الى حدّ بأن يسوء ظنّهم بما وعدهم الأنبياء من النصر ويخيل إليهم انّه خلاف الواقع؟ وليس بعيدا سوء الظنّ هذا من الافراد الذين آمنوا حديثا.

٣ ـ وبعض آخر اعطى تفسيرا ثالثا للآية ، وخلاصته : انّ الأنبياء ـ بدون شكّ ـ كانوا بشرا ، فحين يزلزلوا زلزالا شديدا وتبدوا جميع الأبواب امامهم موصدة ظاهرا ، ولا يرى في الأفق فرج ، والحوادث المتتالية تعصف بهم ، وصرخات المؤمنين الذين نفذ صبرهم تصل الى اسماعهم ، نعم في هذه الحالة وبمقتضى الطبع البشري قد يتبادر الى أذهانهم انّ الوعد بالنصر بعيد عن الصحّة! او انّ النصر الموعود له شروطه التي لم تتحقّق بعد ، ولكن سرعان ما يتغلّبون

٣١٩

على هذه الأفكار ويبعدونها عن أذهانهم ويشع في قلوبهم بصيص الأمل ، ومن ثمّ تتّضح لهم بشائر النصر.

وشاهدهم على هذا التّفسير الآية (٢١٤) سورة البقرة :( ... حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ ) .

ولكن مجموعة اخرى من المفسّرين أمثال العلّامة «الطبرسي» في مجمع البيان و «الرّازي» في تفسيره الكبير ، بعد ما ذكروا هذا الاحتمال قالوا ببطلانه لانّه حتّى هذا المقدار من التوهّم ليس من مقام الأنبياء ، وعلى ايّة حال فالأصحّ هو التّفسير الاوّل.

وآخر آية من هذه السورة ذات محتوى شامل وجامع لكلّ الأبحاث التي ذكرناها في هذه السورة ، وهي :( لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ) .

فهي مرآة يستطيعون من خلالها ان يروا عوامل النصر والهزيمة ، الهناء والحرمان ، السعادة والشقاء ، العزّ والذلّة ، والخلاصة كلّ ما له قيمة في حياة الإنسان وما ليس له قيمة. وهي مرآة لكلّ تجارب المجتمعات السابقة والرّجال العظام. ومرآة نشاهد فيها ذلك العمر القصير للإنسان كيف يطول بمقدار عمر كلّ البشر. ولكن اولي الألباب وذوي البصائر فقط باستطاعتهم ان يشاهدوا العبر في صفحة المرآة العجيبة هذه :( ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ) .

فهذه الآيات التي أنزلناها عليك والتي أزاحت الستار عن التأريخ الصحيح للأمم السابقة ليست من العلم البشري الذي يمكن معرفته عن العلماء ، بل انّ الكتب السّماوية السابقة تشهد على ذلك وتصدّقه وتؤيّده وبالاضافة الى ذلك ففي هذه الآيات كلّ ما يحتاجه الإنسان في تأمين سعادته وتكامله :( وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ ) .

ولهذا السبب فهي( وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) فالظاهر من الآية أعلاه

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572