الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 572

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 572 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 287972 / تحميل: 5235
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

الْعِقابِ ) . انّ العذاب الشديد غير مخالف لرحمته الواسعة ، كما لا يتوهّم أحدا انّ رحمته العامّة هي إعطاء الفرصة للظالمين ان يفعلوا ما يريدون. لانّه في هذه الموارد يكون شديد العقاب ، والحصول على نتائج هذه الصفتين للربّ يعني( لَذُو مَغْفِرَةٍ ) و( لَشَدِيدُ الْعِقابِ ) مرهون بسلوك الإنسان نفسه.

* * *

ملاحظتان

١ ـ لماذا التعجّب في الخلق الجديد؟

يستفاد من خلال آيات متعدّده في القرآن الكريم انّ من جملة مشاكل الأنبياء مع المشركين اثبات «المعاد الجسماني» لانّهم كانوا يتعجّبون دائما من هذا الموضوع وهو : كيف يبعث الإنسان من جديد بعد ان صار ترابا؟ كما اشارت اليه الآية السابقة( أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) وهناك سبع آيات اخرى تشير الى هذا الموضوع (الآية ٣٥ و ٨٢ من سورة المؤمنون ٧ ـ ٢ النمل ٦ ـ ١ و ٥٣ الصافات ـ ٣ ق ٧ ـ ٤ الواقعة).

ومن هنا يتّضح انّ هذا التساؤل كان مهمّا بالنسبة إليهم حيث كانوا يكرّرونه في كلّ فرصة ، ولكن القرآن الكريم يجيبهم بعبارات قصيرة وقاطعة ، فمثلا الآية (٢٩) من سورة الأعراف :( كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) تتكوّن من كلمات قليلة ولكنّها مفحمة لهم ، وفي مكان آخر يقول تعالى :( وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) لانّكم في الخلق الاوّل لم تكونوا شيئا امّا الآن فتوجد على الأقل عظام نخرة مع التراب المتبقّي منكم.

وفي بعض الأحيان يأخذ بأيدي الناس ويدعوهم الى التفكّر والإمعان في عظمة وقدرة الخالق( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ) .

٣٤١

٢ ـ هل انّ الله يعفو عن الظالمين؟

قرانا في الآيات المتقدّمة انّ الله يعفو ويغفر للذين ظلموا ، وهذا الغفران غير لازم لمن يصرّ على ظلمه ، ولكنّه من باب إعطاء الفرصة لهم لان يصلحوا أنفسهم ، والّا فهو تعالى شديد العقاب.

ويمكن ان نستفيد من هذه الآية انّ الذنوب الكبيرة ـ ومن جملتها الظلم ـ قابلة للغفران (ولكن بتحقّق شروطها) ، وهو ردّ على قول المعتزلة بأنّ الذنوب الكبيرة لا يغفرها الله ابدا.

وعلى ايّة حال فـ «المغفرة الواسعة» و «العقاب الشديد» في الواقع تجعل كل المعترفين بوجود الله بين «الخوف» و «الرجاء» الذي يعتبر من العوامل المهمّة لتربية الإنسان ، فلا ييأس من رحمة الله لكثرة الذنوب ، ولا يأمن من العذاب لقلّتها.

ولهذا جاء في الحديث عن الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لو لا عفو الله وتجاوزه ما هنئ احد العيش ، ولولا وعيد الله وعقابه لاتّكل كلّ واحد»(١) .

ومن هنا يتّضح انّ الذين يقولون ـ أثناء ارتكابهم المعاصي ـ انّ الله كريم ، يكذبون في اتّكالهم على كرم الله ، فهم في الواقع يستهزءون بعقاب الله.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلد ٥ و ٦ ، ص ٢٧٨ ـ تفسير القرطبي ، المجلّد السّادس ، ص ٣٥١٤.

٣٤٢

الآية

( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ(٧) )

التّفسير

ذريعة اخرى!

بعد ما أشرنا في الآيات السّابقة الى مسألة «التوحيد» و «المعاد» ، تتطرّق هذه الآية الى واحدة من اعتراضات المشركين المعاندين حول مسألة النبوّة :( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) .

ومن الواضح انّ احدى وظائف النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اظهار معاجزه لكي يدلّ على صدقه وصلته بالوحي الالهي ، والذي يبحث عن الحقيقة له الحقّ في المطالبة بالمعجزة أثناء شكّه وتردّده في تصديق الدعوة ، او تتّضح له دلائل النبوّة عن طريق آخر.

ولكن يجب ان نلتفت الى هذه النقطة وهي : انّ اعداء الأنبياء لم يكن لديهم حسن نيّة او اتّباع للحقّ عند طلبهم المعجزة ، بل لعنادهم وعدم تسليمهم للأمر الواقع ولذلك كانوا يقترحون بين فترة واخرى معاجز عجيبة وغريبة. وهذه ما

٣٤٣

يسمّى بـ «المعجزات الاخلاقية».

اقتراحهم للمعاجز لم يكن لكشف الحقيقة ، ولهذا لم يستجب الأنبياء لمطاليبهم ، وفي الحقيقة كانت هذه الفئة من الكفّار المعاندين يعتقدون انّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدّعي القدرة على انجاز اي عمل خارق للعادة ، وايّ واحد منهم يقترح عليه انجاز عمل ما سوف يلبّي مطاليبه.

ولكن الأنبياء كانوا يقولون لهم الحقيقة وهي انّ المعاجز بيد الله ، ورسالتنا هداية الناس.

ولذلك نقرا في تكملة الآية قوله تعالى :( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) .

* * *

بحثان

هنا يرد سؤالان :

١ ـ هل الآية «انّما أنت منذر ...» جواب للكفّار؟

كيف يمكن لجملة( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) ان تكون جوابا للكفّار عند طلبهم المعجزة؟

الجواب : بالاضافة الى ما قلناه سابقا فإنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليست له القدرة الغيبية المطلقة كي يطلبوا منه الاعجاز ، لانّ الوظيفة الاولى له هي إنذار أولئك الذين يسيرون في طريق الضلال ، والدعوة الى الصراط المستقيم ، وإذا ما احتاجت هذه الدعوة الى المعجزة فسوف يأتي بها النّبي ، ولكن لا يأتي بها للمعاندين البعيدين عن هذه المسيرة.

فمعنى الآية : انّ الكفّار نسوا انّ هدف الأنبياء الإنذار والدعوة الى الله ، واعتقدوا انّ وظيفتهم القيام بالمعاجز.

٣٤٤

٢ ـ ما هو المقصود من جملة( لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) ؟

قال بعض المفسّرين : انّ هاتين الصفتين (منذر) و (هاد) صفتان للرسول ، فأصل الجملة تكون (أنت منذر وهاد لكلّ قوم).

ولكن هذا التّفسير خلاف الظاهر ، لانّ الواو في جملة( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) تفصل بين جملة( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ) ولو كانت كلمة «هاد» قبل «لِكُلِّ قَوْمٍ » كان المعنى السّابق صحيحا. ولكن الأمر ليس كذلك.

والشيء الآخر هو انّ هدف الآية بيان انّ هناك قسمين من الدعوة الى الله : أحدهما ان يكون عمل الداعي هو الإنذار فقط. والآخر : ان يكون العمل هو الهداية.

وسوف تسألون حتما : ما هو وجه التفاوت بين (الإنذار) و (الهداية)؟ نقول في جواب هذا السؤال : انّ الإنذار للذين اضلّوا الطريق ودعوتهم تكون الى الصراط المستقيم ، ولكن الهداية والاستقامة للذين آمنوا.

وفي الحقيقة انّ المنذر مثل العلّة المحدثة ، امّا الهادي فبمنزلة العلّة الباقية وهذه هي التي تعبّر عنها بالرّسول والامام ، فالرّسول يقوم بتأسيس الشريعة والامام يقوم بحفظها وحراستها. (ليس من شكّ انّ الهداية في آيات اخرى مطلقة للرسول ، ولكن بقرينة المنذر في هذه الآية نفهم انّ المقصود من الهادي هو الشخص الحافظ والحامي للشريعة).

هناك روايات عديدة تؤكّد ما قلناه سابقا ، فقد قال الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «انا المنذر وعلي الهادي».

ولا بأس ان نشير الى عدّة من هذه الرّوايات :

١ ـ في ذيل هذه الآية من تفسير الفخر الرازي مرفوعا عن ابن عبّاس قال : وضع رسول الله يده على صدره فقال : «انا المنذر» ثمّ اومأ الى منكب عليعليه‌السلام وقال : (أنت الهادي بك يهتدي المهتدون من بعدي) هذه الرّواية ذكرها العلّامة

٣٤٥

«ابن كثير» في تفسيره ، والعلّامة «ابن الصبّاغ المالكي» في الفصول المهمّة ، و «الكنجي» الشافعي في كفاية الطالب و «الطبري» في تفسيره ، و «ابو حيّان الاندلسي» في تفسيره البحر المحيط ، وكذلك «العلّامة النيسابوري» في تفسيره الكشّاف ، وعدد آخر من المفسّرين.

٢ ـ نقل «الحمويني» وهو من علماء اهل السنّة المعروفين في كتابه فرائد السمطين عن ابو هريرة قال «ان المراد بالهادي عليعليه‌السلام ».

٣ ـ «مير غياث الدين» مؤلّف كتاب (حبيب السيّد) كتب يقول في المجلّد الثّاني صفحة ١٢ : «قد ثبت بطرق متعدّدة انّه لمّا نزل قوله تعالى :( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) قال لعلي : «انا المنذر وأنت الهادي بك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي».

كما نقل هذا الحديث «الآلوسي» في (روح المعاني) و «الشبلنجي» في (نور الأبصار) والشيخ «سليمان القندوزي» في (ينابيع المودّة).

وبما انّ اكثر هذه الرّوايات مسنده الى ابن عبّاس فإنّه لم يكن الشخص الوحيد الذي روى ذلك ، فأبو هريرة نقل ذلك فيما ذكره الحمويني ، وحتّى علي نفسه ـ طبقا لما نقله الثعلبي ـ قد قال : «المنذر النّبي والهادي رجل من بني هاشم» يعني نفسه(١) .

لا شكّ انّ هذه الأحاديث لا تصرّح بالخلافة ، ولكن بالنظر الى ما تحتويه هذه الكلمة (الهداية) من المعنى الواسع ، فإنّها غير منحصرة بعليعليه‌السلام بل تشمل جميع العلماء واصحاب الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين كانوا يقومون بنفس المهمّة ، فإنّه يتّضح لنا تخصيص علي بن أبي طالبعليه‌السلام في هذه الرّوايات بهذا العنوان يدلّ على انّه المصداق البارز له ، وذلك لما يمتاز به من الخصوصيات ، وهذا المطلب لا يكون منفصلا عن خلافة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتما.

* * *

__________________

(١) للمزيد من الاطلاع راجع كتاب احقاق الحقّ ، المجلّد الثّالث ، ص ٨٧ وما بعدها.

٣٤٦

الآيات

( اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (٨) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (٩) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠) )

التّفسير

علم الله المطلق :

نقرا في هذه الآيات قسما من صفات الخالق ، والتي تكمل بحث التوحيد والمعاد ، فالحديث عن علمه الواسع ومعرفته بكلّ شيء ، هو ذاك العلم الذي يقوم عليه نظام التكوين وعجائب الخلقة وآيات التوحيد ، وهو العلم الذي يكون أساسا للمعاد والعدالة الالهيّة يوم القيامة وهذه الآيات استندت الى هذين القسمين : (العلم بنظام التكوين ، والعلم بأعمال العباد).

تقول الآية اوّلا :( اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى ) في رحمها ، سواء من أنثى الإنسان او الحيوان( وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ ) اي تنقص قبل موعدها المقرّر( وَما

٣٤٧

تَزْدادُ ) (١) اي يعلم بما تزيد عن موعدها المقرّر.

في تفسير هذه الجمل الثلاث هناك آراء مختلفة بين المفسّرين :

يعتقد البعض ـ انّها تشير ـ كما ذكرنا آنفا ـ الى وقت الولادة ، وهي على ثلاثة انواع : فمرّة يولد المولود قبل موعده. ومرّة في موعده ، واخرى بعد الموعد المقرّر. فالله يعلم كلّ ذلك ويعلم لحظة الولادة بالتحديد ، وهذه من الأمور التي لا يستطيع اي احد او جهاز ان يحدّد موعده ، وهذا العلم خاص بذات الله المنزّهة ، وسببه واضح لانّ استعدادات الأرحام والاجنّة مختلفة ، ولا احد يعلم بهذا التفاوت.

وقال بعض آخر : انّها تشير الى ثلاث حالات مختلفة للرحم ايّام الحمل ، فالجملة الاولى تشير الى نفس الجنين الذي تحفظه ، والجملة الثانية تشير الى دم الحيض الذي ينصبفي الرحم ويمصّه الجنين ، والجملة الثالثة اشارة الى الدم الاضافي الذي يخرج أثناء الحمل أحيانا ، او دم النفاس أثناء الولادة(٢) .

وهناك عدّة احتمالات اخرى في تفسير هذه الآية دون ان تكون متناقضة فيما بينها ، ويمكن ان يكون مراد الآية اشارة الى مجموع هذه التفاسير ، ولكن الظاهر انّ التّفسير الاوّل اقرب ، بدليل جملة (تحمل) المقصود منها الجنين والجمل (تغيض) و (تزداد) بقرينة الجملة السابقة تشير الى الزيادة والنقصان في فترات الحمل.

روى الشيخ الكليني في الكافي عن الامام الصادقعليه‌السلام او الامام الباقرعليه‌السلام

__________________

(١) «تغيض» أصلها الغيض بمعنى ابتلاع السائل وهبوط مستوى الماء. وتأتي بمعنى النقصان والفساد ، و «الغيضة» المكان الذي يقف فيه الماء فيبتلعه ، و «ليلة غائضة» اي مظلمة.

(٢) يقول صاحب الميزان مؤيّدا هذا الراي : إنّ بعض روايات ائمّة اهل البيت يؤيّد هذا الراي. وابن عبّاس ممّن يؤيّد هذا الراي ايضا ، ولكن بالنظر الى الرّوايات المنقولة في تفسير نور الثقلين في ذيل الآية فإنّ أكثرها يؤيّد ما قلناه في الراي الاوّل.

٣٤٨

في تفسير الآية انّ «الغيض كلّ حمل دون تسعة أشهر ، وما تزداد كلّ شيء حمل على تسعة أشهر». وفي تكملة الحديث يقول : «كلّما رأت المراة الدم الخالص في حملها فإنّها تزداد وبعدد الايّام التي زاد فيها في حملها من الدم»(١) .

( وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) ولكي لا يتصوّر احد انّ هذه الزيادة والنقصان بدون حساب ودليل ، بل انّ كلّ ساعة وثانية ولحظة لا تمرّ دون حساب ، كما انّ للجنين ودم الرحم حساب وكتاب ايضا. فالآية التي بعدها تؤكّد ما قلناه في الآية السابقة حيث تقول :( عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ) فعلمه بالغيب والشهادة لهذا السبب( الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ ) فهو يحيط بكلّ شيء ، ولا يخفى عنه شيء.

ولتكميل هذا البحث وتأكيد علمه المطلق يضيف القرآن الكريم :( سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ ) (٢) وهذا هو الحقّ فالذي يوجد في كلّ مكان لا معنى للغيب والشهادة او الليل والنهار عنده ، فهو محيط بها وعالم بأخبارها بشكل متساو.

* * *

بحوث

١ ـ القرآن وعلم الاجنّة

أشار القرآن المجيد مرارا الى مسألة الجنين وعجائب تكوينه ليكون احد الادلّة على التوحيد ومعرفة الله وعلمه المطلق ، وبالطبع فإنّ علم الاجنّة واحد من العلوم الحديثة وكان سابقا عبارة عن معلومات اوّليّة محدودة ثمّ توسعت في هذا العصر. ولكن بتقدّم العلم والمعرفة حدثت قفزة في هذا المجال كشف عن

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٢ ، صفحة ٤٨٥.

(٢) «سارب» من سرب على وزن ضرر ، بمعنى الماء الجاري ، ويقال للشخص الذاهب الى عمل ايضا.

٣٤٩

كثير من اسرار هذا العالم الساكن والهادىء وعن كثير من عجائبه بحيث نستطيع ان نقول : انّ اكبر درس للتوحيد ومعرفة الله كامن في تكوين الجنين ومراحل تكامله.

فمن هذا الذي يرعى هذا الكائن المخفي وبتعبير القرآن واقع «في ظلمات ثلاث» الذي يمتاز بالظرافة ودقّة التكوين وان يوصل له المقدار اللازم من الغذاء ويرشده مراحل حياته؟

وعند ما تقول الآية السابقة :( اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى ) فليس المقصود من علمه بالذكر والأنثى فقط ، بل بكلّ خصائصه والطاقة الكامنة فيه ، هذه الأشياء لا يستطيع احد وبأي وسيلة ان يتعرّف عليها ، وعلى هذا فإنّ وجود هذا النظام الدقيق والمعقّد للجنين ومراحل تكامله لا يمكن ان يكون بدون صانع عالم وقدير.

٢ ـ كلّ شيء له مقدار

نحن نقرا في آيات مختلفة من القرآن الكريم انّ كلّ شيء له حدّ محدود ولا يتجاوزه ، ففي الآية (٣) من سورة الطلاق يقول تعالى :( قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) وفي الآية ٢١ سورة الحجر يقول تعالى :( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) والآية التي نحن بصددها( وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) .

كلّ هذه تشير الى انّه ليس هناك شيء في العالم بدون حساب ، حتّى الموجودات في الطبيعة التي نعتبرها في بعض الأحيان غير مهمّة ، فإنّ وجودها على أساس حساب دقيق ، علمنا بذلك ام لم نعلم ، وأساسا فإنّ معنى حكمة الله هو ان يجعل لكلّ ما في الكون حدّا ومقدارا ونظاما.

وكلّ ما حصلناه اليوم من اسرار الكون بواسطة العلوم يؤكّد هذه الحقيقة ، فمثلا نرى انّ دم الإنسان ـ الذي هو المادّة الحياتية لوجود الإنسان والذي يقوم

٣٥٠

بنقل المواد الضروريّة اللازمة لخلايا الجسم ـ يتركّب من عشرين مادّة او اكثر ، وبنسب ثابتة دقيقة بحيث لو تمّ اي تغيير فيها لتعرّضت سلامة الإنسان للخطر ، ولهذا السبب ولمعرفة النقص الحاصل في الجسم يقومون بتحليل الدم وقياس نسبة السكر والدهن وسائر مركّبات الدم الاخرى ، ويتمّ تشخيص العلّة بواسطة معرفة زيادة او نقصان هذه النسب ، وليس دم الإنسان وحده له هذه الميزة ، بل كلّ ما في الوجود له نفس هذه الدقّة في النظام.

ولا بدّ هنا من التنبيه على انّ ما يظهر لنا في بعض الأحيان من عدم النظام في عالم الوجود هو في الواقع ناتج من قصور في علومنا ومعرفتنا ، فالإنسان الذي يؤمن بالله لا يمكن ان يتصوّر ذلك ، وبتطوّر العلوم تتأكّد لنا هذه الحقيقة.

وكي نستطيع ان نتعلّم هذا الدرس وهو انّ المجتمع الانساني الذي هو جزء من عالم الوجود إذا أراد له العيش بسلام ، فعليه ان يجعل شعار( كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ ) يسود جميع جوانبه ، ويجتنب الإفراط والتفريط في اعماله وتخضع جميع مؤسساته الاجتماعية للحساب والموازين.

٣ ـ الغيب والشهادة سواء عند الله

استندت هذه الآيات الى انّ الغيب والشهادة معلومان عند الله ، فهما مفهومان نسبيان وتستخدمان للكائن الذي علمه ووجوده محدود ، وعلى سبيل المثال نحن نمتلك حواسا ذات مدى نسبي ، فمتى ما كان الشيء داخلا في هذا المدى فهو شاهد بالنسبة لنا ، وما كان خارجا عنه فهو غيب ، فلو فرضنا انّ أبصارنا لها قدرة غير محدودة ويمكنها النفوذ في باطن الأشياء وإدراكها ، فإنّ كلّ شيء يعتبر شاهد عندنا.

وبما انّ كلّ شيء له حدّ محدود غير الذات الالهيّة ، فإنّ لغير الله تعالى غيب وشهادة ، ولانّ ذات الله غير محدودة ووجوده عام ومطلق فإنّ كلّ شيء بالنسبة

٣٥١

اليه شهادة ، ولا معنى للغيب بالنسبة اليه ، وإذا ما قلنا ـ انّ الله عالم الغيب والشهادة فهو ما نعتبره نحن غيب وشهادة ، امّا هو فهما عنده سواء. لنفترض انّنا ننظر ما في أيدينا في النهار ، فهل نجهل ما فيها؟! جميع الكون في مقابل علم الله أوضح من هذا واظهر.

٤ ـ الآثار التربوية في إدراكنا لعلم الله

أثناء قراءتنا للآيات الماضية التي تقول : انّ الله يعلم السرّ والجهر من القول وحركاتكم في الليل والنهار وكلّها مشهودة عنده ، هل نجد في أنفسنا ايمانا بهذه الحقيقة؟ لو كنّا مؤمنين بذلك حقّا ونشعر بأنّ الله تعالى مطّلع علينا فإنّ هذا الايمان والاحساس الباطني يبعث على تغيير عميق في روحنا وفكرنا وقولنا وضمائرنا؟.

نقل عن الامام الصادقعليه‌السلام في جوابه لمن سأله عن طريقتهم في الحياة قال : «علمت انّ الله مطلع عليّ فاستحييت».

كما نشاهد كثيرا من المواقف من تأريخ المسلمين وحياتهم تتجلّى فيها هذه الحقيقة ، يقال : دخل أب وابنه في بستان ، فتسلّق الأب شجرة ليقطف ثمارها دون اذن صاحبها ، بينما بقي الابن أسفل الشجرة لمراقبة الأوضاع. وفجأة صاح الابن الذي كان مؤمنا ومتعلّما ونادى أباه بأن ينزل بسرعة ، عندها خاف الأب ونزل فورا وسأل من الذي رآني؟ قال : الذي هو فوقنا ، فنظر الأب الى الأعلى فلم يجد أحدا ، وسأل من الذي رآني؟ قال : الذي هو فوقنا ، فنظر الأب الى الأعلى فلم يجد أحدا ، فقال الابن : كان قصدي هو الله المحيط بنا جميعا ، كيف يمكن ان تخاف ان يراك الإنسان ، ولا تخاف ان يراك الله؟! اين الايمان؟!

* * *

٣٥٢

الآية

( لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (١١) )

التّفسير

المعقّبات الغيبية!

علمنا في الآيات السابقة انّ الله بما انّه عالم الغيب والشهادة فإنّه يعلم أسرار الناس وخفاياهم ، وتضيف هذه الآية انّه مع حفظ وحراسة الله لعبادة فإنّ( لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ ) (١) .

ولكي لا يتصوّر احد انّ هذا الحفظ بدون شروط وينغمس في المزلّات ، او يرتكب الذنوب الموجبة للعقاب ، ومع كلّ ذلك ينتظر من الله او الملائكة ان يحفظوه ، يعلّل القرآن ذلك بقوله :( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما

__________________

(١) هناك حديث بين المفسرين في ان الضمير (له) لمن يعود ، وكما تشير الآية فإنه يعود للإنسان كما تؤكد عليه الآيات السابقة ، ولكن بعضهم قال : يعود للنبي او لله. وهذا يخالف ما جاء في ذيل الآية [فتأمل].

٣٥٣

بِأَنْفُسِهِمْ ) .

وكي لا يتبادر الى الأذهان انّه مع وجود الملائكة الحافظة فأيّ معنى للعذاب او الجزاء؟ هنا تضيف الآية( وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ ) ولهذا السبب فإنّه حين صدور العذاب الالهي على قوم او امّة ، فسوف ينتهي دور المعقّبات ويتركون الإنسان عرضة للحوادث

* * *

بحوث

١ ـ ما هي المعقّبات؟

«المعقّبات» كما جاء في مجمع البيان للعلّامة الطبرسي وكما قاله بعض المفسّرين جمع (معقبة) وهي بدورها جمع (معقّب) ومعناه المجموعة التي تعمل بشكل متناوب ومستمر. والظاهر من الآية انّ الله سبحانه وتعالى امر مجموعة من الملائكة بأن يحفظوا الإنسان في الليل والنهار ومن بين يديه ومن خلفه.

انّ الإنسان ـ بدون شك ـ معرّض في حياته الى كثير من الحوادث الروحية والجسمية ، فالامراض والمتغيّرات في السّماء والأرض محيطة بالإنسان ، وخصوصا في مرحلة الطفولة التي لا يدرك فيها ما يجري حوله ويكون هدفا سهلا للإصابة بها ، فقد يتعجّب الإنسان كيف ينجو الطفل وينمو من بين جميع هذه الحوادث ، وخصوصا في العوائل التي لا تدرك هذه المسائل وتعاني من قلّة الامكانيات كأبناء الريف الذين يعانون من الحرمان والفقر وهم معرضون للامراض اكثر من غيرهم.

وإذا ما امعنّا النظر في هذه المسائل فسوف نجد انّ هناك قوى محافظة ، تحفظ الإنسان في مقابل هذه الحوادث كالدرع الواقي.

وكثيرا ما يتعرّض الإنسان الى حوادث خطرة ويتخلّص منها بشكل

٣٥٤

اعجازي تجعله يشعر انّ كلّ ذلك ليس صدفة وانّما هناك قوى محافظة تحميه.

وهناك كثير من الأحاديث المنقولة عن ائمّة المسلمين تؤكّد ذلك ومن جملتها : الحديث المروي عن الامام الباقرعليه‌السلام في تفسير هذه الآية يقول : «يحفظ بأمر الله من ان يقع في ركي او يقع عليه حائط او يصيبه شيء ، حتّى إذا جاء القدر خلوا بينه وبينه يدفعونه الى المقادير ، وهما ملكان يحفظانه بالليل وملكان من نهار يتعاقبانه».

وفي حديث آخر عن الامام الصادقعليه‌السلام يقول : «ما من عبد الّا ومعه ملكان يحفظانه فإذا جاء الأمر من عند الله خليا بينه وبين امر الله».

ونقرا في نهج البلاغة عن امير المؤمنينعليه‌السلام «انّ مع كلّ انسان ملكين يحفظانه فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه».

كما نقرا في نهج البلاغة في وصف الملائكة من الخطبة الاولى «ومنهم الحفظة لعباده».

انّ عدم إدراكنا لوجود المعقّبات عن طريق الحسّ او التجربة العلمية ليس دليلا على عدم وجودهم ، لانّه غير منحصر في هذا المجال فقط ، فالقرآن الكريم والمصادر المعرفية الاخرى اشارت الى امور كثيرة وراء الحسّ والتي لا يمكن إثباتها بالطرق العادية. واكثر من ذلك ما قلنا سابقا من انّنا نتعرّض في حياتنا الى كثير من المخاطر والتي لا يمكن النجاة منها الّا بوجود هذه القوى المحافظة (ورأيت في حياتي بعض من هذه النماذج المحيّرة ، والتي كانت بالنسبة لي كشخص صعب التصديق دليلا على وجود هذا المعقّب اللامرئي).

٢ ـ التغيير يبدأ من النفس (قانون عام)

تبيّن الجملة( إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ ) والتي جاءت في موردين متفاوتين في القرآن الكريم ، انّها قانون عام ، قانون حاسم ومنذر!

٣٥٥

هذا القانون الذي هو واحد من القوانين الاساسيّة لعلم الاجتماع في الإسلام ، يقول لنا : انّ ما يصيبكم هو من عند أنفسكم ، وما أصاب القوم من السعادة والشقاء هو ممّا عملت أيديهم ، وما يقال من الحظّ والصدفة وما يحتمله المنجّمون ليس له أساس من الصحّة ، فالأساس والقاعدة هي ارادة الامّة إذا أرادت العزّة والافتخار والتقدّم ، او العكس ان أرادت هي الذلّة والهزيمة ، حتّى اللطف الالهي او العقاب لا يكون الّا بمقدّمة. فتلك ارادة الأمم في تغيير ما بأنفسهم حتّى يشملهم اللطف او العذاب الالهي.

وبتعبير آخر : انّ هذا الأصل القرآني الذي يبيّن واحدا من اهمّ المسائل الاجتماعية في الإسلام ، يؤكّد لنا ان اي تغيير خارجي للأمم مرتبط بالتغيير الداخلي لها ، واي نجاح او فشل يصيب الامّة ناشئ من هذا الأمر ، والذين يبحثون عن العوامل الخارجية لتبرير اعمالهم وتصرّفاتهم ويعتبرون القوى المستعمرة والمتسلّطة هي السبب في شقائهم يقعون في خطأ كبير ، لانّ هذه القوى الجهنميّة لا تستطيع ان تفعل شيئا إذا لم تكن لديها قدرة ومركز في داخل المجتمع.

المهمّ ان نطهّر مجتمعاتنا من هذه المقرّات والمراكز للمستعمرين ولا نجعلها تنفذ في داخل مجتمعنا ، فهؤلاء بمنزلة الشياطين ، ونحن نعلم انّ الشيطان ليس له سبيل على عباد الله المخلصين ، فهو يتسلّط على الذي مهّد له السبيل في داخله.

يقول هذا الأصل القرآني : انّنا يجب ان نثور من الداخل كي ننهي حالة الشقاء والحرمان ، ثورة فكرية وثقافية ، ثورة ايمانيّة وأخلاقية ، وأثناء وقوعنا في مخالب الشقاء يجب ان نبحث فورا عن نقاط الضعف فينا ، ونطهّر أنفسنا منها بالتوبة والرجوع الى الله ونبدأ حياة جديدة مفعمة بالنّور والحركة ، كي نستطيع في ظلّها ان نبدّل الهزيمة الى نصر ، لا ان نخفي نقاط الضعف وعوامل الهزيمة هذه ونبحث عنها في خارج المجتمع ونظلّ ندور في الطرق الملتوية.

٣٥٦

هناك كتب ومؤلّفات كثيرة كتبت عن عوامل انتصار المسلمين الأوائل ثمّ تضعضع سلطانهم بعد حين ، وكثير من تلك الأبحاث ظلّت تتعثّر في الطرق الملتوية ، ولكن إذا ما أردنا ان نستلهم من الأصل أعلاه والصادر من منبع الوحي فيجب ان نبحث عن ذاك النصر او تلك الهزيمة وعن عواملها الفكرية والعقائدية والاخلاقية في المسلمين. ففي الثورات المعاصرة ومن جملتها الثورة الاسلامية في ايران ، او ثورة الجزائر او ثورة المسلمين الافغان ، نشاهد بوضوح انطباق هذا الأصل القرآني عليها. فقبل ان تغيّر الدول المستعمرة والمستكبرة طريقتها في التعامل معنا ، غيّرنا نحن ما بأنفسنا فتغيّر كلّ شيء.

وعلى ايّة حال فهذا درس ليومنا ولغدنا ولمستقبلنا ولكلّ المسلمين والأجيال القادمة. ونحن نرى انّ القيادات المنتصرة فقط هي التي استطاعت ان تقود وتغيّر شعوبها على أساس هذا الأصل الخالد ، وفي تاريخ المسلمين والإسلام شواهد على ذلك كثيرة.

* * *

٣٥٧

الآيات

( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (١٣) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (١٤) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (١٥) )

التّفسير

قسم آخر من دلائل عظمة الله :

يتطرّق القرآن الكريم مرّة ثانية الى آيات التوحيد وعلائم العظمة واسرار الخلقة. فهذه الآيات تحاول ان تقرّب العلاقة بين الإنسان وربّه من خلال الاشارة الى بعض الظواهر الطبيعيّة بشكل موجز وعميق المعنى لكي يشعّ نور الايمان في

٣٥٨

قلوب الناس ، فتشير اوّلا الى البرق( هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً ) فالبرق بشعاعه يبهر العيون من جانب ، ويحدث صوتا مخيفا وهو الرعد من جانب آخر ، وقد يسبّب أحيانا الحرائق للناس وخصوصا في المناطق الصحراوية فيبعث على خوفهم ومن جانب آخر فإنّه يسبّب هطول الأمطار ويروي ظمأ الصحراء ويسقي المزروعات فيطمع فيه الناس ، وبين هذا الخوف والرجاء تمرّ عليهم لحظات حسّاسة. ثمّ تضيف الآية( وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ ) القادرة على ارواء ظمأ الاراضي الزراعية.

بركات الرعد والبرق :

نحن نعلم انّ ظاهرة البرق في المفهوم العلمي هي اقتراب سحابتين إحداهما من الاخرى ، وهما تحملان شحنات سالبة وموجبة ، فيتمّ تفريغ الشحنات بين السحابتين فتحدث شرارة عظيمة ، ويحدث مثل ذلك عند اقتراب سلكين أحدهما سالب والآخر موجب ، وإذا كنّا قريبين منهما فإنّنا نسمع صوتا خفيفا ، ولكن لاحتواء الغيوم على شحنات هائلة من الالكترونات فانّهما تحدثان صوتا شديدا يسمّى الرعد.

وإذا ما اقتربت سحابة تحمل الشحنة الموجبة من الأرض التي تحتوي على شحنات سالبة فستحدث شرارة تسمّى بالصاعقة ، وخطورتها تكمن في انّ الأرض والمناطق المرتفعة تعتبر راس السلك السالب ، حتّى الإنسان في الصحراء يمكن ان يمثّل هذا السلك فيحدث تفريغ للشحنات يحوّل الإنسان الى رماد في لحظة واحدة ، ولهذا السبب عند وقوع البرق والرعد في الصحراء يجب ان يلجأ الإنسان الى شجرة او حائط او الى الجبال او الى اي مرتفع آخر ، او ان يستلقي في ارض منخفضة.

وعلى ايّة حال فإنّ للبرق ـ الذي يسمّى في بعض الأحيان مزاح الطبيعة ـ

٣٥٩

فوائد جمّة عرفت من خلال ما كشفه العلم الحديث. ونشير هنا الى ثلاثة منها :

١ ـ السقي : ـ من الطبيعي انّ البرق تتولّد منه حرارة عالية جدّا قد تصل بعض الأحيان الى (١٥) الف درجة مئوية ، وهذه الحرارة كافية لان تحرق الهواء المحيط بها ، وفي النتيجة يقلّ الضغط الجوي ، فيسبّب سقوط الأمطار. ولهذا السبب نرى هطول الأمطار الغزيرة بعد حدوث البرق.

وهذه في الواقع واحدة من وظائف البرق (السقي).

٢ ـ التعقيم : ـ ونتيجة للحرارة العالية التي يسبّبها البرق فسوف يزداد مقدار الاوكسجين في قطرات الماء ، ويسمّى هذا الماء بالماء الثقيل او الماء المؤكسد (٢ O ٢ H ) ومن آثاره قتل المكروبات ، ولهذا السبب يستعمل لغسل الجروح ، فعند نزول هذه القطرات الى الأرض سوف تبيد بيوض الحشرات والآفات الزراعية ، ولهذا السبب يقال انّ السنة الكثيرة الآفات الزراعية هي السنة القليلة البرق والرعد.

٣ ـ التغذية والتسميد : ـ تتفاعل قطرات الماء مع الحرارة العالية للبرق لتنتج حامض الكاربون ، وعند نزولها الى الأرض وتركيبها مع محتوياتها تضع نوعا من السّماد النباتي ، فتتمّ تغذية النبات من هذا الطريق.

يقول بعض العلماء : انّ مقدار ما ينتجه البرق من الاسمدة في السنة يصل الى عشرات الملايين من الاطنان ، وهذه كميّة كبيرة جدّا.

وعلى ايّة حال نرى من خلال ظاهرة طبيعيّة صغيرة كلّ هذه المنافع والبركات ، فهي تقوم بالسقي ورشّ السموم والتغذية ، فيمكن ان تكون دليلا واضحا لمعرفة الله ، كلّ ذلك من بركات البرق. كما انّه يمكن ان يكون البرق عاملا مهمّا في إشعال الحرائق من خلال الصاعقة ، وقد تحرق الإنسان او الأشجار ، ومع انّها نادرة الحدوث ويمكن الوقاية منها ، فهي مع ذلك عامل خوف للناس ، فمفهوم الخوف والطمع للبرق قد يكون اشارة الى جميع هذه الأمور.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

امرأته ، فلما صار في النوم وضعت رأسه على الأرض و قامت ، فانتبه المأمون و غضب لذلك فقالت : إنّ أبي أدّبني بأن لا أقعد عند نائم و لا أنام عند قاعد .

قول المصنف ( و هذه من الاستعارات العجيبة ، كأنّه شبّه السّه بالوعاء و العين بالوكاء ، فإذا اطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء ، و هذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ) فروى أبو داود في سننه في آخر باب الوضوء من النوم عن حيوة بن شريح الحمصي ، في آخرين عن بقية عن الوضين بن عطا عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ عن عليعليه‌السلام قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وكاء السّه العينان فمن نام فليتوضأ(١) .

( و قد رواه قوم لأمير المؤمنينعليه‌السلام و ذكر ذلك المبرد محمد بن يزيد ) قال الحموي : لقب محمد بن يزيد بالمبرد لأنّه لمّا صنّف المازني كتاب الألف و اللام سأله عن دقيقه و عويصه ، فأجابه بأحسن جواب ، فقال له المازني : قم فأنت المبرّد بكسر الراء أي : المثبت للحق ، فحرفه الكوفيون و فتحوا الراء ، و كان متّهما بالوضع في اللغة و أرادوا امتحانه ، فسألوه عن القبعض فقال هو القطن و أنشد

« كأنّ سنامها حشي القبعضا »

فقالوا : إن كان صحيحا فهو عجيب و إن كان مختلقا فهو أعجب(٢) .

( في كتاب المقتضب في باب اللفظ بالحروف ) في كشف الظنون المقتضب في الخطب للمبرد شرحه الرماني و علق على مشكلات أوائله الفارقي .

( و قد تكلمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم بمجازات الآثار النبوية ) قال ثمة كأنّهعليه‌السلام شبّه السته بالوعاء و العين بالوكاء ، فإذا نامت العين

____________________

( ١ ) سنن أبي داود ١ : ٥٢ ح ٢٣ اسند إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام .

( ٢ ) معجم الأدباء للحموي ١٠ : ١١٢ ١١٣ .

٥٠١

انحلّ صرار السته كما أنّه إذا زال الوكاء وسع بما فيه الوعاء ، الا أن حفظ العين للسته على خلاف حفظ الوكاء للوعاء ، فان العين إذا أشرجت لم تحفظ سيتها و الأوكية إذا حللت لم تضبط أوعيتها(١) .

٣٦ الخطبة ( ٧٩ ) و قالعليه‌السلام :

أَيُّهَا اَلنَّاسُ اَلزَّهَادَةُ قِصَرُ اَلْأَمَلِ وَ اَلشُّكْرُ عِنْدَ اَلنِّعَمِ وَ اَلوَرَعُ عِنْدَ اَلْمَحَارِمِ فَإِنْ عَزَبَ ذَلِكَ عَنْكُمْ فَلاَ يَغْلِبِ اَلْحَرَامُ صَبْرَكُمْ وَ لاَ تَنْسَوْا عِنْدَ اَلنِّعَمِ شُكْرَكُمْ فَقَدْ أَعْذَرَ اَللَّهُ إِلَيْكُمْ بِحُجَجٍ مُسْفِرَةٍ ظَاهِرَةٍ وَ كُتُبٍ بَارِزَةِ اَلْعُذْرِ وَاضِحَةٍ « أيها الناس إلى عند المحارم » جعلعليه‌السلام الزهد عبارة عن ثلاثة أمور :

قصر الأمل ، و شكر النعم ، و الورع عند المحارم .

أمّا الأول فقالوا : جمع اللَّه تعالى الزهد في كلمتين(٢) :( لكيلا تأسوا على ما فاتَكم و لا تَفرَحوا بِمآ آتاكم ) (٣) و لا يحصل الحالان إلاّ بقصر الأمل .

و أما الثاني : فلأن من زهد في الدّنيا هان عليه الإنفاق ممّا أنعم اللَّه عليه من المال شكرا .

و قال الصادقعليه‌السلام إنّ اللَّه أنعم على قوم بالمواهب فلم يشكروا فصارت عليهم وبالا ، و ابتلى قوما بالمصائب فصبروا فصارت عليهم نعمة(٤) .

و اما الثالث فسئل الصادقعليه‌السلام عن الزاهد في الدنيا فقال : الذي يترك

____________________

( ١ ) المجازات النبوية : ١٧٨ .

( ٢ ) من حديث للإمام الصادقعليه‌السلام ، بحار الأنوار ٧٨ : ٧٠ بتصرف .

( ٣ ) الحديد : ٢٣ .

( ٤ ) تحف العقول : ٢٦٧ .

٥٠٢

حلالها مخافة حسابه و يترك حرامها مخافة عقابه(١) .

« فإن عزب » أي : بعد و غاب .

« ذلك » الذي ذكر من الأمور الثلاثة .

« عنكم » فلا بدّ لكم من رعاية الثاني ، و الثالث شكر النعم و الورع عن المحارم ، و أشار إلى الورع بقوله .

« فلا يغلب الحرام صبركم » لأنّه ورد أنّه يؤتى يوم القيامة بأعمال قوم كالجبال فتصير هباء منثورا لغلبة الحرام على صبرهم .

و أشار إلى الشكر بقوله :

« و لا تنسوا عند النعم شكركم » فإنّ شكر المنعم واجب عقلي و قال تعالى :

( و لئن كفرتم إنّ عذابي لشديد ) (٢) .

« فقد أعذر اللَّه عليكم بحجج مسفرة » أي : مشرقة مضيئة( لئلاّ يكون لِلنَّاس على اللَّهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُل ) (٣) .

« و كتب بارزة العذر واضحة » إلى نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله و إلى أنبياء قبله .

٣٧ الحكمة ( ٤٢ ) و قالعليه‌السلام : لبعض أصحابه :

جَعَلَ اَللَّهُ مَا كَانَ مِنْ شَكْوَاكَ حَطّاً لِسَيِّئَاتِكَ فَإِنَّ اَلْمَرَضَ لاَ أَجْرَ فِيهِ وَ لَكِنَّهُ يَحُطُّ اَلسَّيِّئَاتِ وَ يَحُتُّهَا حَتَّ اَلْأَوْرَاقِ وَ إِنَّمَا اَلْأَجْرُ فِي اَلْقَوْلِ بِاللِّسَانِ وَ اَلْعَمَلِ بِالْأَيْدِي وَ اَلْأَقْدَامِ وَ إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ

____________________

( ١ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٠ : ٣١١ .

( ٢ ) إبراهيم : ٧ .

( ٣ ) النساء : ١٦٥ .

٥٠٣

اَلنِّيَّةِ وَ اَلسَّرِيرَةِ اَلصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ اَلْجَنَّةَ قول المصنّف : ( و قالعليه‌السلام لبعض أصحابه ) :

هو صالح بن سليم بن سلامان بن طي ( في علة اعتلها ) فلم يشهد معه صفّين لمرضه ، فقالعليه‌السلام ما نقل(١) المصنف له لمّا رجع من صفّين في طريقه .

ففي ( صفّين نصر بن مزاحم ) : قال عبد الرحمن بن جندب : لمّا أقبل عليّعليه‌السلام من صفّين أقبلنا معه إلى أن قال حتى جزنا النخيلة و رأينا بيوت الكوفة ، فإذا نحن بشيخ جالس في ظلّ بيت على وجهه أثر المرض ، فأقبل إليه عليّعليه‌السلام و نحن معه ، فقال له : مالي أرى وجهك منكفتا ؟ أمن مرض ؟ قال : نعم .

قال : فلعلك كرهته فقال : ما أحبّ أن يعتري قال : أليس احتساب بالخير في ما أصابك منه ؟ قال : بلى قال : أبشر برحمة ربّك و غفران ذنبك ، من أنت يا عبد اللَّه ؟ قال : أنا صالح بن سليم قال : ممّن ؟ قال : أمّا الأصل فمن سلامان بن طي ، و أمّا الجوار و الدعوة فمن بني سليم بن منصور قال : سبحان اللَّه ما أحسن اسمك و اسم أبيك و اسم من اعتزيت إليه ، هل شهدت معنا غزاتنا هذه ؟ قال : لا و اللَّه ما شهدتها و لقد أردتها و لكن ما ترى بي من لحب الحمّى خذلني عنها .

قالعليه‌السلام : ليسَ على الضُعَفاءِ و لاَ عَلى المَرضَى و لا على الذين لا يَجدُونَ ما يُنفقُون حرجٌ( إِذا نَصَحوا للَّه و رسوله ما على المحسنين من سبيلٍ و اللَّه غفورٌ رحيم ) (٢) أخبرني ما يقول الناس فيما كان بيننا و بين أهل الشام ؟ قال : منهم المسرور فيما كان بينك و بينهم و اولئك أغبياء الناس ، و منهم المكبوت الأسف لمّا كان من ذلك و اولئك نصحاء الناس لك ، و ذهب لينصرف فقالعليه‌السلام له : صدقت جعل اللَّه ما كان من شكواك حطّا لسيّئاتك ، فإنّ المرض لا أجر فيه

____________________

( ١ ) النهج ، الحكمة : ٤٢ .

( ٢ ) التوبة : ٩١ .

٥٠٤

و لكن لا يدع للعبد ذنبا إلاّ حطّه ، إنّما الأجر في القول باللّسان و العمل باليد و الرجل ، و إنّ اللَّه عز و جل يدخل بصدق النيّة و السريرة الصالحة من عباده الجنّة(١) .

« جعل اللَّه ما كان من شكواك حطّا لسيّئاتك » في الخبر عاد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سلمان في علته فقال : إنّ لك فيها ثلاث خصال : أنت من اللَّه تعالى بذكر ، و دعاؤك فيه مستجاب ، و لا تدع العلّة عليك ذنبا إلاّ حطّته(٢) .

و في الخبر : حمّى ليلة كفّارة سنة لأنّه يبقى أثرها إلى سنة(٣) .

و في ( الطرائف ) : برى‏ء الفضل بن سهل من علّة فقال : إنّ في المرض لنعما لا ينبغي للعقلاء أن يجحدوها ، منها تمحيص للذنوب و تعرّض للثواب و الصبر و إيقاظ من الغفلة و ادكار للنعمة الموجودة في الصحة و رضا بما قدر اللَّه و قضائه و استدعاء للتوبة و حضّ على الصدقة(٤) .

« فإنّ المرض لا أجر فيه و لكنه يحط السيئات و يحتها حت الأوراق » يقال : حت الدم عن الثوب و حت الورق عن الشجر .

و في ( أدب كاتب الصولي ) لبعضهم تشبيها بمقط القلم لاصلاحه :

فإن تكن الحطوب فرين مني

أديما لم يكن قدما يعط

فإنّ كرائم الأقلام تحفى

فيصلح من تشعثها المقط(٥)

هذا ، و في ( تاريخ بغداد ) اعتل الحسن بن وهب من حمّى نافض و صالب و طاولته فكتب إليه أبو تمّام :

____________________

( ١ ) صفّين لنصر بن مزاحم : ٥٢٨ ، و نقله المجلسي في بحار الأنوار ٣٢ : ٥٥١ .

( ٢ ) ذكره الصدوق في الخصال : ١٧١ ( ١٩٥ ) و المجلسي في البحار ٧٧ : ٦٢ رواية ٣ و ٨١ : ١٨٥ رواية ٣٧ .

( ٣ ) نسبه الطوسي في أماليه إلى الرسول الأكرم صلّى اللَّه عليه و آله ، الأمالي : ٦٤١ ح ١ .

( ٤ ) الظرائف للمقدّسي : ١٤٣ .

( ٥ ) أدب الكتاب للصولي : ١١ .

٥٠٥

ليت حمّاك فيّ و كان لك الأجر

فلا تشتكي و كنت المريضا(١)

( و فيه ) : إعتل الفضل بن سهل ذو الرياستين بخراسان ثم برى‏ء فجلس للناس فهنّأوه بالعافية و تصرّفوا في الكلام ، فلمّا فرغوا أقبل على الناس فقال :

إنّ في العلل لنعما ينبغي للعقلاء أن يعلموها : تمحيص للذنوب ، و تعرّض لثواب الصبر ، و إيقاظ من الغفلة ، و ادكار للنعمة في حال الصحة ، و استدعاء للتوبة ، و حضّ على الصدقة ، و في قضاء اللَّه و قدره بعدم الخيار فنسي الناس ما تكلّموا به و انصرفوا بكلام الفضل(٢) .

« و إنّما الأجر في القول باللّسان و العمل بالأيدي و الأقدام » و المرض ليس منهما فليس فيه أجر ، و أمّا قوله( ذلك بأنّهم لا يصيبُهم ظمأ و لاَ نَصبُ و لا مخمصة في سبيل اللَّه و لا يطَؤُنَ موطئا يغيظ الكفّار و لا ينالُونَ من عَدُوّ نيلاً إِلاّ كُتب لهُم به عمل صالح إِن اللَّه لا يُضيعُ أجرَ المُحسِنينَ و لا يُنفِقونَ نَفَقَةً صغيرةً و لا كبيرةً و لا يقطَعُون وادياً إِلاّ كتب لَهُم ليَجزِيَهُمُ اللَّهُ أَحسَن ما كانوا يَعمَلُون ) (٣) في جعل إصابتهم الجوع و العطش و التعب و هي ليست من أعمال الجوارح مثل وطى‏ء الأقدام في غيظ الكفار و النيل منهم و الإنفاق و قطع الوادي في الجهاد و نحوها ممّا هو العمل بالأيدي و الأقدام ، فلا ينافي كلامهعليه‌السلام لأنّ ما ذكر أوّلا مسبّب عن أعمال الجوارح ، فإنّ الجوع و العطش و التعب كانت بواسطة الجهاد .

« و ان اللَّه سبحانه يدخل بصدق النيّة و السريرة الصالحة من يشاء من عباده الجنّة » الظاهر كون الكلام استدراكا من قولهعليه‌السلام السابق « و انما الأجر . » ،

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ٨ : ٢٥٢ ، لم نعثر على البيت الشعري في ديوان أبي تمام .

( ٢ ) تاريخ بغداد ١٢ : ٣٤٢ .

( ٣ ) التوبة : ١٢٠ ١٢١ .

٥٠٦

بمعنى أن النيّة و إن لم تكن عمل الجوارح إلاّ أنّها لمّا كانت سببا لأعمال الجوارح كانت أيضا موجبا للأجر إن كانت صالحة ، و للوزر إن كانت فاسدة .

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « نيّة المؤمن خير من عمله و نيّة الكافر شرّ من عمله »(١) ، و قال تعالى .( إِن السَمعَ و البَصَرَ و الفؤاد كُل اُولئكَ كان عنه مسؤولاً ) (٢) .

و قال الصادقعليه‌السلام : إنّما خلّد أهل النّار في النّار لأنّ نياتهم في الدّنيا ان لو خلّدوا فيها أن يعصوا اللَّه أبدا ، و إنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة لأنّ نيّاتهم أن لو بقوا في الدّنيا أن يطيعوا اللَّه أبدا ، فبالنيّات خلّد هؤلاء و هؤلاء ثم تلا قوله تعالى قُل كُلٌ يعمَلُ على شاكِلَتِه(٣) .

و في ( الكافي ) : و إن المؤمن الفقير يقول : ربّ ارزقني حتى أفعل كذا و كذا من البرّ ، فإذا علم تعالى ذلك منه بصدق نيّة كتب له من الأجر مثل ما لو عمله ، إنّ اللَّه واسع كريم(٤) .

هذا ، و قالعليه‌السلام بصدق النيّة ، لأنّه ليست كلّ نيّة صادقة ، فقد قال تعالى( و منهم من عاهدَ اللَّه لئن آتانا من فَضلِهِ لنَصَّدَّقَنَّ و لنكُوننَّ من الصالحين فَلما آتاهُم من فَضلِهِ بَخِلُوا بهِ و تَولَّوا و هُم مُعرِضون فأَعقَبَهُم نفاقاً في قلوبهم إِلى يوم يلقونه بما أخلفوا اللَّه ما و عدُوه و بما كانوا يكذِبُونَ ) (٥) .

و قال الصادقعليه‌السلام في صدق النية : عند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر ، تصفية العمل أشدّ من العمل ، تخليص النيّة من الفساد أشد على العالمين

____________________

( ١ ) علل الشرائع للصدوق ٢ : ٤٠٣ حديث ٤ .

( ٢ ) الاسراء : ٣٦ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٨٥ ح ٥ ، و ذكره الصدوق في علل الشرائع ٢ : ٥٢٣ ح ١ ، و الآية ٨٤ من سورة الاسراء .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٨٥ ح ٣ ، و ذكره البرقي في المحاسن : ٢٦١ .

( ٥ ) التوبة : ٧٥ ٧٧ .

٥٠٧

من طول الجهاد(١) .

( قال الرضي : و أقول : صدقعليه‌السلام ، إنّ المرض لا أجر فيه لأنّه ليس من قبيل ما يستحق عليه العوض ، لأن العوض يستحق على ما كان في مقابلة فعل اللَّه تعالى بالعبد من الآلام و الأمراض و ما يجري مجرى ذلك ، و الأجر و الثواب يستحقان على ما كان في مقابلة فعل العبد ، فبينهما فرق قد بيّنه كما يقتضيه علمه الثاقب و رأيه الصائب ) و قد قالعليه‌السلام في المرض يصيب الصبي : إنّه كفارة لوالديه ، و ورد أنّ النّوم الموحش كفّارة(٢) .

٣٨ الحكمة ( ٤٧ ) و قالعليه‌السلام :

قَدْرُ اَلرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِهِ وَ صِدْقُهُ عَلَى قَدْرِ مُرُوءَتِهِ وَ شَجَاعَتُهُ عَلَى قَدْرِ أَنَفَتِهِ وَ عِفَّتُهُ عَلَى قَدْرِ غَيْرَتِهِ « قدر الرجل على قدر همّته » في ( تاريخ بغداد ) غلب عبد اللَّه بن طاهر على الشام و وهب له المأمون ما وصل إليه من الأموال هنا لك ، ففرّقه على القوّاد ثم وقف على باب مصر فقال : أخزى اللَّه فرعون ما كان أخسّه و أدنى همّته ، ملك هذه القرية فقال( أنا ربُّكم الأعلى ) (٣) و اللَّه لا دخلتها(٤) .

و في ( المعجم ) قال الصاحب بن عباد :

و قائلة : لم عرتك الهموم

و أمرك ممتثل في الامم

____________________

( ١ ) الروضة من الكافي للكليني : ٢ ح ١ .

( ٢ ) بحار الأنوار عن الإمام عليعليه‌السلام ٥ : ٣١٧ و عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ٨١ : ١٩٧ رواية ٥٤ .

( ٣ ) النازعات : ٢٤ .

( ٤ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٩ : ٤٨٣ ، ترجمة عبد اللَّه بن طاهر ( ٥٠١٤ ) .

٥٠٨

فقلت دعيني و ما قد عرى(١)

فإنّ الهموم بقدر الهمم(٢)

و في ( الكامل ) : سافر كعب بن مامة الأيادي مع رجل من بني النمر بن قاسط ، فقلّ الماء فتصافناه و التصافن أن يطرح حجر في الاناء ثم يصبّ فيه من الماء ما يغمره لئلا يتغابنوا ، فجعل النمري يشرب نصيبه فإذا أخذ كعب نصيبه قال : اسق أخاك النمري فيؤثره ، حتى جهد كعب و رفعت له أعلام الماء ، فقيل له رد كعب و لا ورود به فمات عطشا .

و وفد أوس بن حارثة بن لام الطائي و حاتم الطائي على عمرو بن هند ملك الحيرة ، فدعا أوسا فقال له : أنت أفضل أم حاتم ؟ فقال له : أبيت اللعن ، لو ملكني حاتم و ولدي و لحمتي لوهبنا في غداة واحدة ، ثم دعا حاتما فقال له :

أنت أفضل أم أوس ؟ فقال : أبيت اللعن إنّما ذكّرت بأوس ، و لأحد ولده أفضل منّي .

و كان النعمان بن المنذر دعا بحلة و عنده وفود العرب من كلّ حي فقال :

احضروني في غد فانّي ملبس هذه الحلة أكرمكم ، فحضر القوم جميعا إلاّ أوسا ، فقيل له لم تخلفت ؟ فقال : إن كان المراد غيري فأجمل الأشياء بي ألاّ أكون حاضرا ، و إن كنت أنا المراد فسأطلب و يعرف مكاني ، فلما جلس النعمان لم ير أوسا فقال : إذهبوا إلى أوس فقولوا له : إحضر آمنا ممّا خفت ، فحضر فلبس الحلة فحسده قوم من أهله فقالوا للحطيئة : اهجه و لك ثلاثمائة ناقة فقال : كيف أهجو رجلا لا أرى في بيتي أثاثا و لا مالا إلاّ من عنده ، ثم قال :

كيف الهجاء و ما تنفكّ صالحة

من آل لأم(٣) بظهر الغيب تأتيني(٤)

____________________

( ١ ) ورد في الديوان بلفظ : « فقلت ذريني على غصتي »

( ٢ ) ديوان الصاحب بن عباد : ٢٨٠ .

( ٣ ) نسخة التحقيق « إذا ذكرت » .

( ٤ ) ديوان الحطيئة : ١٧٤ .

٥٠٩

فقال لهم بشر بن أبي خازم الأسدي : أنا أهجوه لكم ، فأخذ الابل و فعل ، فأغار أوس على الابل فاكتسحها و جعل بشر لا يستجير حيّا إلاّ قالوا قد أجرناك إلاّ من أوس و كان في هجائه إيّاه ذكر امّه فأتى به فدخل على امه فقال : قد أتينا ببشر الهاجي لك و لي فما ترين فيه ؟ قالت : أرى أن ترد عليه ماله و تعفو عنه و تحبوه و أفعل مثل ذلك ، فانّه لا يغسل هجاه إلاّ مدحه ، فخرج إليه و قال له : إنّ امّي سعدى التي كنت تهجوها أمرت لك بكذا و كذا فقال : لا جرم ، لا و اللَّه لا مدحت أحدا حتى أموت غيرك(١) .

« و صدقه على قدر مروّته » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل و سجوده ، فإنّ ذلك شي‏ء اعتاده فلو تركه استوحش لذلك ، و لكن انظروا إلى صدق حديثه و أداء أمانته(٢) .

و عنهعليه‌السلام : إنّما سمّي اسماعيل صادق الوعد لأنّه وعد رجلا في مكان فانتظره في ذلك المكان سنة فأتاه بعد سنة فقال له إسماعيل : مازلت منتظرا لك(٣) .

و في ( الخصال ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ست من المروّة ، ثلاث منها في الحضر ، و ثلاث منها في السفر : فأمّا الّتي في الحضر ، فتلاوة كتاب اللَّه عز و جل و عمارة مساجد اللَّه و اتخاذ الإخوان في اللَّه عز و جل ، و أمّا الّتي في السفر ، فبذل الزاد و حسن الخلق و المزاح في غير معاصي اللَّه(٤) .

« و شجاعته على قدر أنفته » في ( وزراء الجهشياري ) : بلغ موسى بن المهدي و هو الهادي حال بنت لعمارة بن حمزة مولاهم و هي جميلة

____________________

( ١ ) الكامل في الأدب للمبرّد ١ : ١٩٧ ١٩٩ ، طبعة مصر .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ١٠٥ ح ١٢ .

( ٣ ) ورد في البحار قريب منه عن الإمام الرضاعليه‌السلام ٣ : ٣٨٨ رواية ١ .

( ٤ ) الخصال للصدوق ١ : ٣٢٤ ح ١١ .

٥١٠

فراسلها فقالت لأبيها ذلك ، فقال : إبعثي إليه في المصير إليك و أعلميه أنّك تقدرين على إيصاله إليك في موضع يخفى أثره ، فأرسلت إليه بذلك و حمل موسى على المصير نفسه ، فأدخلته حجرة قد فرشت و اعدّت له ، فلما صار إليها دخل عليه عمارة فقال : السّلام عليك أيها الأمير ماذا تصنع هاهنا ؟

إتّخذناك وليّ عهد فينا أو فحلا في نسائنا ؟ ثم أمر به فبطح في موضعه فضربه عشرين درة خفيفة و ردّه إلى منزله ، فحقد عليه فلما ولي الخلافة دسّ إليه رجلا يدّعي عليه أنّه غصبه الضيعة المعروفة بالبيضاء بالكوفة و كانت قيمتها ألف ألف درهم فبينا الهادي ذات يوم جالس للمظالم و عمارة بحضرته ، و ثب الرجل فتظلم منه ، فقال الهادي لعمارة : ما تقول ؟ قال : ان كانت الضيعة لي فهي له و ان كانت له فهي له و وثب فانصرف عن المجلس(١) .

( و عفته على قدر غيرته ) كانعليه‌السلام يقول لأهل العراق : نبئت أن نساءكم يدافعن الرجال في الطريق ، أما تستحون و لا تغارون ؟

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ان اللَّه تعالى غيور يحب كلّ غيور ، و لغيرته حرّم الفواحش ظاهرها و باطنها ، و إذا لم يغر الرجل فهو منكوس القلب(٢) .

و عنهعليه‌السلام : لمّا أقام العالم الجدار أوحى تعالى إلى موسىعليه‌السلام : إنّي مجازي الأبناء بسعي الآباء ، إن خيرا فخير و إن شرّا فشر ، لا تزنوا فتزني نساؤكم ، و من وطى‏ء فراش امرى‏ء مسلم وطى‏ء فراشه ، كما تدين تدان(٣) .

و عن الصادقعليه‌السلام : كانت في بني اسرائيل بغيّ و كان رجل منهم يكثر

____________________

( ١ ) وزراء الجهشياري تاريخ الوزراء : ١٤٧ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٣٦ ح ٣ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٥٣ رواية ١ ، و كذلك ثواب الأعمال : ١٣ ، و أيضا المجلسي في بحار الأنوار ١٣ : ٢٩٦ رواية ١٣ .

٥١١

الاختلاف إليها ، فلمّا كان في آخر ما أتاها أجرى اللَّه على لسانها : أما إنّك سترجع إلى أهلك فتجد معها رجلا ، فارتفعا إلى موسىعليه‌السلام فنزل جبرئيلعليه‌السلام و قال : يا موسى من يزن يزن به ، فنظر موسى إليهما فقال : عفّوا تعفّ نساؤكم(١) .

٣٩ الحكمة ( ٤٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلظَّفَرُ بِالْحَزْمِ وَ اَلْحَزْمُ بِإِجَالَةِ اَلرَّأْيِ وَ اَلرَّأْيُ بِتَحْصِينِ اَلْأَسْرَارِ هو قياس منتج : ان الظفر بتحصين الأسرار و هو قياس ينحلّ إلى قياسين ، لأنّ القضية الثانية كبرى بالنسبة إلى الاولى و صغرى بالنسبة إلى الثالثة .

أمّا كون الظّفر بالحزم ففي العيون : قيل لرجل من بني عبس : ما أكثر صوابكم فقال : نحن ألف رجل و فينا حازم واحد و نحن نطيعه ، فكأنّا ألف حازم(٢) .

و يقال : روّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم(٣) .

و أمّا كون الحزم بإجالة الرأي فكان عامر بن الظرب حكيم العرب يقول :

دعوا الرأي يغبّ حتى يختمر ، و إيّاكم و الرأي الفطير(٤) .

و لمّا استعجل الحجّاج المهلّب في حرب الأزارقة قال المهلّب : إنّ من

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٥٣ رواية ٣ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٠ ٣٢ ، و كذلك العقد الفريد ١ : ٦٠ .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٤ .

( ٤ ) ابن عبد ربه ١ : ٦٠ ( دار الكتب العلمية ) .

٥١٢

البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره(١) .

و يقال : ليس بين الملك و بين ان يملك رعيته أو تملكه رعيته إلاّ حزم أو توان .

و قيل : من التمس الرخصة من الإخوان عند المشورة و من الأطباء عند المرض و من الفقهاء عند الشبهة أخطأ الرأي و ازداد مرضا و حمل الوزر(٢) .

و أمّا كون الرأي بتحصين الأسرار فيقال : ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك(٣) .

و في ( وزراء الجهشياري ) : كان موسى بن عيسى الهاشمي يتقلّد للرشيد مصر ، و كثر التظلّم منه و اتّصلت السعايات به و قيل إنّه قد استكثر من العبيد و العدّة فقال الرشيد ليحيى البرمكي : اطلب لي رجلا كاتبا عفيفا يكمل لمصر و يستر خبره فلا يعلم موسى بن عيسى حتى يفجأه قال : قد وجدته هو عمر بن مهران و كان كتب للخيزران و لم يكتب لغيرها قط و كان رجلا أحول مشوّه الخلق خسيس اللّباس فأمر بإحضاره قال : فاستدناني الرشيد و نحّى الغلمان و أمرني أن أستر خبري حتى افاجى‏ء موسى بن عيسى فأتسلّم العمل منه ، فأعلمته أنّه لا يقرأ لي ذكرا في كتب أصحاب الأخبار حتى أوافي مصر ، فكتب لي بخطّه إلى موسى ، فخرجت من غد مبكرا على بغلة لي و معي غلام أسود على بغل استأجرته ، معه خرج فيه قميص و مبطنة و طيلسان و شاشية و خف و مفرش صغير ، و اكتريت لثلاثة من أصحابي أثق بهم ثلاثة أبغل ، و أظهرت أنّي وجّهت ناظرا في أمور بعض العمّال ، كلّما وردت

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣١ .

( ٢ ) المصدر نفسه ١ : ٣٠ ، في كتاب للهند .

( ٣ ) المصدر نفسه ١ : ٤٠ .

٥١٣

بلدا توهّم من معي أنّي قصدته و ليس يعرف خبري أحد من أهل البلدان أمرّ بها في نزولي و نفوذي حتى وافيت الفسطاط فنزلت جنابا و خرجت منه وحدي في زيّ متظلم أو تاجر ، فدخلت دار الامارة و ديوان البلد و بيت المال ، و سألت و بحثت عن الأخبار و جلست مع المتظلمين و غيرهم ، فمكثت ثلاثة أيام أفعل ذلك حتى عرفت جميع ما احتجت إليه ، فلمّا نام الناس دعوت أصحابي فقلت للّذي أردت استكتابه على الديوان : قد رأيت مصر و قد استكتبتك على الديوان فبكّر إليه فاجلس فيه ، فإذا سمعت الحركة فاقبض على الكاتب و وكلّ به و بالكتاب و الأعمال ، و لا يخرج من الديوان أحد حتى أوافيك ، و دعوت بآخر فقلّدته بيت المال و أمرته بمثل ذلك ، و قلّدت الآخر عملا من الأعمال بالحضرة ، و أمرتهم أن يبكّروا و لا يظهروا أنفسهم حتى يسمعوا الحركة ، و بكّرت فلبست ثيابي و وضعت الشاشية على رأسي و مضيت إلى دار الامارة ، فأذن موسى للناس إذنا عامّا ، فدخلت فيمن دخل ، فإذا موسى على فرش و القوّاد وقوف عن يمينه و شماله و الناس يدخلون فيسلّمون و يخرجون و أنا جالس بحيث يراني و حاجبه ساعة بساعة يقيمني و يقول لي تكلّم بحاجتك ، فأعتلّ عليه حتى خفّ الناس ، فدنوت منه و أخرجت إليه كتاب الرشيد فقبّله و وضعه على عينه ثم قرأه فامتقع لونه و قال : السمع و الطاعة تقرى‏ء أبا حفص السلام و تقول له : ينبغي لك أن تقيم بموضعك حتى نعدّ لك منزلا يشبهك و يخرج غدا أصحابنا يستقبلونك فتدخل مدخل مثلك .

فقال له : أنا عمر بن مهران قد أمرني الرشيد بإقامتك للناس و انصاف المظلوم منك و أنا فاعل ذلك فقال : أنت عمر بن مهران ؟ قلت : نعم قال :( لعن اللَّه فرعون حيث يقول أليس لي مُلك مِصر ) (١) و اضطرب الصوت في الدار ،

____________________

( ١ ) الزخرف : ٥١ .

٥١٤

فقبض كاتبي على الديوان و صاحبي الآخر على بيت المال و ختما عليه و وردت عليه رقاع أصحاب أخباره بذلك ، فنزل عن فرشه و قال : « لا إله إلاّ اللَّه هكذا تقوم الساعة ما ظننت أنّ أحدا بلغ من الحزم و الحيلة ما بلغت ، فإنّك قد تسلّمت الأعمال و أنت في مجلسي » ثم نهضت إلى الديوان فقطعت أمور المتظلمين منه و انصرفت على بغلتي التي دخلت عليها و معي غلامي الأسود(١) .

و في ( عيون ابن قتيبة ) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إستعينوا على الحوائج بالكتمان ، فإنّ كلّ ذي نعمة محسود(٢) .

و كان عليعليه‌السلام يتمثل بهذين البيتين :

و لا تفش سرّك إلاّ إليك

فإنّ لكلّ نصيح نصيحا

فإنّي رأيت غواة الرجال

لا يتركون أديما صحيحا(٣)

و قال الشاعر :

و لو قدرت على نسيان ما اشتملت

منّي الضلوع من الأسرار و الخبر

لكنت أوّل من ينسى سرائره

إذ كنت من نشرها يوما على خطر(٤)

٤٠ الحكمة ( ٦٣ ) و قالعليه‌السلام :

اَلشَّفِيعُ جَنَاحُ اَلطَّالِبِ

____________________

( ١ ) تاريخ الوزراء للجهشياري : ٢١٧ ٢٢٠ بتصرف .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ، أخرجه عن أحمد بن خليل عن محمد بن الحصيب عن أوس بن عبد اللَّه بن بريدة عن أخيه عن بريدة ١ : ٣٨ و قد مرّ .

( ٣ ) ذكرهما ابن قتيبة في العيون ١ : ٣٩ ، و قد مرّ ذكره .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبه ١ : ٣٩ .

٥١٥

قالوا : الشفاعات مفاتيح الطلبات و قيل في فضل البرمكي :

و من يكن الفضل بن يحيى بن خالد

شفيعا له عند الخليفة ينجح(١)

و في ( تاريخ بغداد ) : إشترى أخ لشعبة من طعام السلطان فخسر هو و شركاؤه ، فحبس بستة آلاف دينار بحصته ، فخرج شعبة إلى المهدي ليكلّمه فيه ، فلمّا دخل عليه قال للمهدي : انشدني قتادة و سماك بن حرب لامية بن أبي الصلت يقوله لعبد اللَّه بن جدعان :

أأذكر حاجتي أم قد كفاني

حياؤك إن شيمتك الحياء

كريم لا يعطّله صباح

عن الخلق الكريم و لا مساء

فارضك أرض مكرمة بنتها

بنو تيم و أنت لهم سماء

فقال : لا ، لا تذكرها قد عرفناها و قضيناها لك ، إرفعوا إليه أخاه لا تلزموه شيئا(٢) .

هذا ، و في المعجم قال أبو العيناء : كان لي صديق فجاءني يوما و قال :

أريد الخروج إلى فلان العامل و أحببت أن يكون معي إليه وسيلة و قد سألت عن صديقه فقيل لي الجاحظ و هو صديقك فاحبّ أن تأخذ لي كتابه إليه بالعناية ، فصرت إلى الجاحظ فقلت له جئتك مسلّما و قاضيا للحق و لبعض أصدقائي حاجة و هي كذا و كذا فقال : لا تشغلنا الساعة عن المحادثة و إذا كان في غد وجّهت إليك بالكتاب ، فلمّا كان في غد ، وجّه إليّ بالكتاب ، فقلت لابني :

وجّه هذا الكتاب إلى فلان ففيه حاجته فقال لي : إن الجاحظ بعيد الغور فينبغي أن نفضّه و ننظر ما فيه ، ففعل فإذا في الكتاب :

« هذا الكتاب مع من لا أعرفه و قد كلّمني فيه من لا أوجب حقّه ، فان

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٠٨ .

( ٢ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٩ : ٢٥٦ في ترجمة شعبة بن الحجاج .

٥١٦

قضيت حاجته لم أحمدك ، و ان رددته لم أذممك » .

فلمّا قرأت الكتاب مضيت من فوري إلى الجاحظ فقال : قد علمت انّك أنكرت ما في الكتاب ، فقلت أو ليس موضع نكرة ، فقال لا هذه علامة بيني و بين الرجل في من أعتني به ، فقلت : لا إله إلاّ اللَّه ما رأيت أحدا أعلم بطبعك و ما جبلت عليه من هذا الرجل ، انّه لمّا قرأ هذا الكتاب قال : أم الجاحظ عشرة آلاف في عشرة آلاف قحبة و ام من يسأله حاجة فقلت له : يا هذا تشتم صديقنا فقال :

هذه علامة في من أشكره فضحك الجاحظ(١) .

٤١ الخطبة (( الحكمة )) ( ٦٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْعَفَافُ زِينَةُ اَلْفَقْرِ وَ اَلشُّكْرُ زِينَةُ اَلْغِنَى أقول : كرّره المصنف في ( ٣٤٠ ) سهوا ، لكن نقله عنه هنا ابن ميثم بدون الفقرة الأخيرة(٢) و انما نقله عنه معها ابن أبي الحديد(٣) .

« العفاف زينة الفقر » و قد وصف اللَّه تعالى الفقراء المتزيّنين بالعفاف في قوله( يَحسَبُهُم الجاهِلُ أَغنياءَ مِنَ التَّعفُّف تَعرفُهم بسيماهم لا يَسألونَ الناس إِلحافاً ) (٤) .

« و الشكر زينة الغنى » قال سليمانعليه‌السلام ( ربِّ أَوزعني أن أَشكُر نعمتك الّتي أَنعمتَ عليَّ وَ على والديَّ ) (٥) و قال أيضا لمّا رأى عرش ملكة سبأ مستقرا

____________________

( ١ ) معجم الادباء للحموي ١٦ : ٨٣ ، في ترجمة عمرو بن بحر ، الجاحظ .

( ٢ ) نقل شرح ابن ميثم « العفاف زينة الفقر » ٥ : ٢٧٣ رقم ٦٠ .

( ٣ ) راجع شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢١٣ رقم ٦٦ .

( ٤ ) البقرة : ٢٧٣ .

( ٥ ) النمل : ١٩ .

٥١٧

عنده في أقل من طرفة عين( هذا من فضل رَبّي ليبلوَني ءأشكُر أَم أكفُر و مَن شَكَرَ فإنّما يَشكُرُ لِنَفسِهِ ) ( و مَن كَفَر فإن ربِّي غَنيٌ كريم ) (١) .

٤٢ الحكمة ( ٦٩ ) و قالعليه‌السلام :

إِذَا لَمْ يَكُنْ مَا تُرِيدُ فَلاَ تُبَلْ مَا كُنْتَ أقول : هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) ، و الصواب ما في ابن أبي الحديد(٣) و ابن ميثم(٤) و النسخة الخطية(٥) « فلا تبل كيف كنت » و « تبل » بضم التاء و الأصل فيه تبال ، حذفوا الألف تخفيفا لكثرة الاستعمال كما حذفوا الياء من قولهم « لا أدر » قال زهير :

لقد باليت مظعن امّ أوفى

و لكن ام أوفى لا تبالي(٦)

قالوا : كان لامرأة ابن واحد ، فمات فقالت أردت أن لا يموت هذا ، فمن شاء بعده عاش و من شاء مات .

٤٣ الحكمة ( ٨٧ ) و قالعليه‌السلام :

عَجِبْتُ لِمَنْ يَقْنَطُ وَ مَعَهُ اَلاِسْتِغْفَارُ

____________________

( ١ ) النمل : ٤٠ .

( ٢ ) راجع النسخة المصرية شرح محمّد عبده : ٦٧١ رقم ٦٦ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢١٥ .

( ٤ ) في شرح ابن ميثم ٥ : ٢٧٣ كما ما ذكره ( محمّد عبده ) في النسخة المصرية المنقحة .

( ٥ ) راجع النسخة الخطية ( المرعشي ) : ٣١٢ .

( ٦ ) ديوان زهير بن أبي سلمى : ٥٧ .

٥١٨

أقول : روي عنهعليه‌السلام هذا المعنى بلفظ آخر ، فعنهعليه‌السلام قال « العجب لمن يهلك و النجاة معه » قيل : ما هي ؟ قالعليه‌السلام : الاستغفار(١) .

و ورد أنّ الزهري لمّا حصل له القنوط من عقوبته رجلا فمات قال له عليّ بن الحسينعليه‌السلام : أخاف عليك من قنوطك ما لا أخاف عليك من ذنبك .

و أمره ببعث ديته ثم الاستغفار ، فقال له فرّجت عني يا سيدي اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته(٢) .

و في ( الكافي ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : الاستغفار و قول لا إله إلاّ اللَّه خير العبادة ، قال تعالى( فَاعلَم أَنّه لا إله إلاّ اللَّه و استَغفر لِذَنبك ) .(٣) و قد قال تعالى .( وَ ما كانَ اللَّه مُعذِّبَهُم وَ هُم يَستَغفِرُون ) (٤) .

٤٤ الحكمة ( ٨٩ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَللَّهِ أَصْلَحَ اَللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَلنَّاسِ وَ مَنْ أَصْلَحَ أَمْرَ آخِرَتِهِ أَصْلَحَ اَللَّهُ لَهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَ مَنْ كَانَ لَهُ فِي نَفْسِهِ وَاعِظٌ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ اَللَّهِ حَافِظٌ الحكمة ( ٤٢٣ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اَللَّهُ عَلاَنِيَتَهُ وَ مَنْ عَمِلَ لِدِينِهِ كَفَاهُ اَللَّهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَ مَنْ أَحْسَنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَللَّهِ أَحْسَنَ اَللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَلنَّاسِ

____________________

( ١ ) ذكره الطبرسي في مكارم الأخلاق : ١٦٦ .

( ٢ ) تنقيح المقال للمامقاني ٣ : ١٨٧ .

( ٣ ) محمد : ١٩ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٥٠٥ ح ٦ عن حسين بن زيد ، و الآية ١٩ من سورة محمد .

٥١٩

أقول : روى ( روضة الكافي ) في حديثه ( ٤٧٧ ) عن الصادقعليه‌السلام : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : كانت الفقهاء و العلماء إذا كتب بعضهم إلى بعض كتبوا بثلاثة ليس معهنّ رابعة : من كانت همّته آخرته كفاه اللَّه همّه من الدنيا ، و من أصلح سريرته أصلح اللَّه علانيته ، و من أصلح فيما بينه و بينه تعالى أصلح اللَّه فيما بينه و بين الناس(١) .

قولهعليه‌السلام في الأول : « من أصلح ما بينه و بين اللَّه تعالى أصلح اللَّه ما بينه و بين الناس » و في الثاني : « و من أحسن في ما بينه و بين اللَّه أحسن اللَّه ما بينه و بين الناس » على ما في ( الطبعة المصرية(٢) و ابن أبي الحديد )(٣) ، و لكن في ( ابن ميثم(٤) و النسخة الخطية ) : « كفاه اللَّه ما بينه و بين الناس »(٥) .

قال الصادقعليه‌السلام : ما نقل اللَّه عبدا من ذلّ المعاصي إلى عزّ التقوى إلاّ أغناه من غير مال و أعزّه من غير عشيرة و آنسه من غير بشر(٦) .

و في الأول « و من أصلح أمر آخرته أصلح اللَّه له أمر دنياه » و في الثاني « و من عمل لدينه كفاه اللَّه أمر دنياه » قال تعالى : و من يَتّق اللَّه يَجعَل لهُ مخرجا .

( و يَرزُقُه من حيثُ لا يَحتَسبُ ) (٧) .

و عن عيسىعليه‌السلام : أوحى اللَّه تعالى إلى الدّنيا : من خدمني فاخدميه ، و من خدمك فاستخدميه(٨) .

____________________

( ١ ) الكافي الروضة للكليني : ٣٠٧ .

( ٢ ) راجع النسخة المصرية المنقحة : ٧٥٥ رقم ٤٠٩ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٦٨ رقم ٤٢٩ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٤٤٧ رقم ٤٩٨ .

( ٥ ) النسخة الخطية : ٣٢٧ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٢ : ٧٦ ح ٨ .

( ٧ ) الطلاق : ٢ ٣ .

( ٨ ) ورد ما يشابهه في بحار الأنوار ٧٧ : ٥٤ .

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572