الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 572

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 572 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 287940 / تحميل: 5234
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

أو عنه من اصل التركة.

(السادسة): من جعل دابته أو جاريته هديا لبيت الله بيع ذلك وصرف ثمنه في معونة الحاج والزائرين.

(السابعة): روى اسحاق بن عمار عن أبي ابراهيمعليه‌السلام في رجل كانت عليه حجة الاسلام فأراد أن يحج، فقيل له: تزوج ثم حج، قال: (إن تزوجت قبل أن أحج فغلامي حر، فبدأ بالنكاح، فقال: تحرر الغلام) وفيه اشكال إلا أن يكون نذرا.

(الثامنة): روى رفاعة عن أبي عبداللهعليه‌السلام في رجل نذر الحج ولم يكن له مال فحج عن غيره أيجزي عن نذره؟ قال: (نعم) وفيه اشكال إلا أن يقصد ذلك بالنذر.

(التاسعة): قيل من نذر ألا يبيع خادما أبدا لزمه الوفاء وإن احتاج إلى ثمنه، وهو استنادا إلى رواية مرسلة.

(العاشرة): العهد كاليمين يلزم حيث تلزم.

ولو تعلق بما الاعود(١) مخالفته دينا أو دنيا خالف إن شاء، ولا إثم ولا كفارة.

كتاب الصيد والذبائح

يؤكل من الصيد ما قتله السيف والرمح والسهم والمعراض اذا خرق، ولو اصاب السهم معترضا حل إن كان فيه حديدة، ولو خلا منها لم يؤكل الا أن يكون حادا فيخترق وكذا ما يقتله الكلب المعلم دون غيره من الجوارح.

ولا يؤكل ما قتله الفهد وغيره من جوارح البهائم.

ولا ما قتله العقاب وغيره من جوارح

____________________ ___

(١) الاكثر فائدة ونفعا.

(*)

٢٤١

الطير إلا أن يذكى.

وإدراك ذكاته بأن يجده ورجله تركض أو عينه تطرف.

وضابطه حركة الحيوان.

ويشترط في الكلب أن يكون معلما يسترسل إذا أغري وينزجر إذا زجر وألا يعتاد أكل صيده، ولا عبرة بالندرة.

ويعتبر في المرسل أن يكون مسلما أو بحكمه قاصدا بارساله الصيد مسميا عند الارسال.

فلو ترك التسمية عامدا لم يؤكل صيده، ويؤكل لو نسي اذا اعتقد الوجوب.

ولو ارسل وسمى غيره لم يؤكل صيده الا أن يذكيه، ويعتبر ألا (يغيب) عنه، فلو غاب وحياته مستقرة ثم وجده مقتولا أو ميتا لم يؤكل.

وكذا السهم ما لم يعلم أنه القاتل ويجوز الاصطياد بالشرك والحبالة وغيرهما من الآلة و بالجوارح لكن لا يحل منه إلا ما ذكي.

والصيد ما كان ممتنعا، ولو قتل بالسهم فرخاأوقتل الكلب طفلا(١) غير ممتنع لم يحل ولو رمى طائرا فقتله وفرخا لم يطر حل الطائر دون فرخه.

مسائل: من أحكام الصيد: (الاولى): اذا تقاطعته الكلاب قبل إدراكه حل.

(الثانية): لو رماه بسهم فتردى من جبل أو وقع في ماء فمات لم يحل وينبغي هنا اشتراط استقرار الحياة(٢) .

____________________ ___

(١) الطفل: المولود، وولد كل وحشية أيضا طفل.

اه‍ مختار الصحاح.

(٢) هذا استدراك على الحكم السابق، لانه يفيد عدم حله سواء أكان قبل موته مستقر الحياة ام لا.

مع ان عدم الحل انما هو حكم خاص بمستقر الحياة قبل التردي وبعد الاصابة والسهم.

ويدل على ذلك عبارته فيس شرائع الاسلام وهذا نصها: (ولو رمى صيدا فتردى من جبل او وقع في ماء فمات، لم يحل لاحتمال ان يكون موته من السقطة نعم لو صير حياته غير مستقرة، حل لانه يجري مجرى المذبوح).

(*)

٢٤٢

(الثالثة): لو قطعه السيف اثنين فلم يتحركا حلا، ولو تحرك أحدهما فهو الحلال ان كانت حياته مستقرة لكن بعد التذكية.

ولو لم تكن مستقرة حلا.

وفي رواية يؤكل الاكبر دون الاصغر وهي شاذة.

ولو اخذت الحبالة منه قطعة فهي ميتة.

(الرابعة): اذا أدرك الصيد وفيه حياة مستقرة ولا آلة ليذكيه لم يحل حتى يذكى.

وفي رواية جميل: يدع الكلب حتى يقتله.

(الخامسة): لو ارسل كلبه فأرسل كافر كلبه فقتلا صيدا، أو مسلم لم يسم او لم يقصد الصيد، لم يحل.

(السادسة): لو رمى صيدا فأصاب غيره حل.

ولو رمى لا للصيد فقتل صيدا لم يحل.

(السابعة): اذا كان الطير مالكا جناحه فهو لصائده الا أن يعرف مالكه فيرده اليه.

ولو كان مقصوصا لم يؤخذ لان له مالكا.

ويكره أن يرمي الصيد بما هو اكبر منه ولو اتفق قيل يحرم والاشبه الكراهية.

وكذا يكره أخذ الفراخ من اعشاشها.

والصيد بكلب علمه مجوسي.

وصيد السمك يوم الجمعة قبل الصلاة.

وصيد الوحش والطير بالليل.

والذبائح: تستدعي بيان فصول: (الاول): الذابح: ويشترط فيه الاسلام أو حكمه ولو كان انثى.

وفي الكتابي روايتان، أشهرهما: المنع.

وفي رواية ثالثة: اذا سمعت تسميته فكل والافضل أن يليه المؤمن.

نعم لا تحل ذبيحة المعادي لاهل البيتعليهم‌السلام .

(الثاني): الآلة ولا تصح الا بالحديد مع القدرة، ويجوز بغيره مما يغري الاوداج عند الضرورة، ولو مروة او ليطة أو زجاجة.

وفي الظفر والسن مع الضرورة تردد.

(الثالث): الكيفية: وهي قطع الاعضاء الاربعة: المرئ، والودجان،

٢٤٣

والحلقوم، وفي الرواية: إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس.

ويكفي في النحر الطعن في الثغرة: ويشترط استقبال القبلة بالذبيحة مع الامكان، والتسمية، فلو أخل بأحدهما عمدا لم يحل، ولو كان نسيانا حل، ويشترط نحر الابل وذبح ما عداها.

فلو نحر المذبوح أو ذبح المنحور لم يحل.

ولا يحل حتى يتحرك بعد التذكية حركة الحي، وأدناه أن يتحرك الذنب أو تطرف العين ويخرج الدم المعتدل، وقيل: يكفي الحركة، وقيل: يكفى أحدهما، وهو أشبه.

وفي ابانة الرأس بالذبح قولان، المروي: أنها تحرم ولو سبقت السكين فأبانته لم تحرم الذبيحة.

ويستحب في الغنم ربط يدي المذبوح واحدى رجليه وامساك صوفه أو شعره حتى يبرد.

وفي البقر عقد يديه ورجليه واطلاق ذنبه.

وفي الابل ربط أخفافه إلى ابطيه.

وفي الطير ارساله.

ويكره الذباحة ليلا، ونخع الذبيحة(١) وقلب السكين في الذبح، وأن يذبح حيوانا وآخر ينظر اليه، وأن يذبح بيده ما رباه من النعم.

ويحرم سلخ الذبيحة قبل بردها.

وقيل يكره، وهو أشبه.

ويلحق به أحكام: (الاول): ما يباع في أسواق المسلمين يجوز ابتياعه من غير تفحص.

(الثاني): ما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان كالمستعصي والمتردي في بئر يجوز عقره بالسيف وغيره مما يخرج اذا خشي تلفه.

(الثالث): ذكاة السمك: اخراجه من الماء حيا.

ولا يعتبر في المخرج الاسلام ولا التسمية، ولو وثب او نضب عنه الماء فأخذ حيا حل.

وقيل:

____________________ ___

(١) نخعت الشاة نخعا من باب نخع: جاوزت بالسكين منتهى الذبح إلى النخاع اه‍. مصباح.

(*)

٢٤٤

يكفي ادراكه يضطرب، ولو صيد وأعيد في الماء فمات لم يحل وان كان في الآلة.

وكذا الجراد ذكاته أخذه حيا.

ولا يشترط اسلام الآخذ ولا التسمية ولا يحل ما يموت قبل اخذه.

وكذا لو أحرقه قبل اخذه.

ولا يحل منه ما لم يستقل بالطيران.

(الرابع): ذكاة الجنين ذكاة أمه إذا تمت خلقته.

وقيل: يشترط مع إشعاره ألا تلجه الروح وفيه بعد.

ولو خرج حيا لم يحل إلا بالتذكية.

كتاب الاطعمة والاشربة

والنظر فيه يستدعي أقساما: (الاول): في حيوان البحر: ولا يؤكل منه إلا سمك له فلس ولو زال عنه كالكنعت.

ويؤكل الربيثا والاربيان والطمر والطبراني والايلامي.

ولا يؤكل السلحفاة، ولا الضفادع ولا السرطان.

وفي الجري روايتان، أشهرها التحريم.

وفي الزمار والمارماهي والرهو، روايتان.

والوجه: الكراهية.

ولو وجد في جوف سمكة سمكة أخرى حلت ان كانت مما يؤكل.

ولو قذفت الحية تضطرب، فهي حلال ان لم تنسلخ فلوسها.

ولا يؤكل الطافي وهو الذي يموت في الماء وان كان في شبكة او حظيرة.

ولو اختلط الحي فيهما بالميت حل والاجتناب أحوط.

ولا يؤكل جلال السمك حتى يطعم علفا طاهرا يوما وليلة.

وبيض السمك المحرم مثله. ولو اشتبه أكل منه الخشن لا الاملس.

(الثاني): في البهائم: ويؤكل من الانسية: النعم، ويكره الخيل والحمر وكراهية البغل أشد.

ويحرم الجلال منها على الاصح وهو ما يأكل عذرة

٢٤٥

الانسان محضا.

ويحل مع الاستبراء بأن يربط ويطعم العلف.

وفي كميته اختلاف، محصله: استبراء الناقة بأربعين يوما والبقرة بعشرين، والشاة بعشرة.

ويؤكل من الوحشية البقر، والكباش الجبلية، والحمر، والغزلان، واليحامير.

ويحرم كل ما له ناب، وضابطه: ما يفترس كالاسد.

والثعلب، ويحرم الارنب، والضب، واليربوع، والحشار: كالفأرة، والقنفذ، والحية، والخنافس، والصراصر، وبنات الوردان، والقمل.

(القسم الثالث): في الطير: ويحرم منه ما كان سبعا كالبازي والرخمة.

وفي الغراب روايتان، والوجه: الكراهية.

ويتأكد في الابقع.

ويحرم من الطير ما كان صفيفه أكثر من دفيفه، وما ليس له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية.

ويحرم الخفاش والطاووس.

وفي الخطاف تردد.

والكراهية أشبه.

ويكره الفاختة والقبرة.

وأغلظ من ذلك كراهية الهدهد، والصرد، والصوام، والشقراق.

ولو كان أحد المحللة جلالا حرم حتى يستبرأ، فالبطة وما أشبهها بخمسة أيام.

والدجاجة ثلاثة أيام، ويحرم الزنابير، والذباب، والبق والبرغوث، وبيض ما لا يؤكل لحمه.

ولو اشتبه اكل منه ما اختلف طرفاه وترك ما اتفق.

مسألتان: (الاولى): اذا شرب المحلل لبن الخنزيرة كره.

ولو اشتد به عظمه حرم لحمه ولحم نسله.

(الثانية): لو شرب خمرا لم يحرم بل يغسل، ولا يؤكل ما في جوفه.

ولو شرب بولا لم يحرم وغسل ما في جوفه.

(القسم الرابع): في الجامد وهو خمسة: (الاول): الميتات: والانتفاع بها محرم.

ويحل منها ما لا تحله الحياة إذا

٢٤٦

كان الحيوان طاهرا في حال الحياة وهو عشرة: الصوف، والشعر، والوبر، والريش، والقرن، والعظم، والسن، والظلف، والبيض اذا اكتسى القشر الاعلى، والانفحة.

وفي اللبن روايتان، والاشبه التحريم.

(الثاني): ما يحرم من الذبيحة وهو خمسة: القضيب، والانثيان، والطحال، والفرث، والدم.

وفي المثانة والمرارة تردد، أشبهه: التحريم للاستخباث.

وفي الفرج، والعلباء، والنخاع، وذات الاشاجع، والغدد، وخرزة الدماغ، والحدق خلاف، أشبهه: الكراهية.

وتكره الكلى، والقلب والعروق.

واذا شوى الطحال مثقوبا فما تحته حرام وإلا فهو حلال(١) .

(الثالث): الاعيان النجسة: كالعذرات وما أبين من حي، والعجين اذا عجن بالماء النجس، وفيه رواية بالجواز بعد خبزه، لان النار قد طهرته.

(الرابع): الطين: وهو حرام إلا طين قبر الحسينعليه‌السلام للاستشفاء ولا يتجاوز قدر الحمصة.

(الخامس): السموم القاتلة، قليلها وكثيرها، وما يقتل كثيره فالمحرم ما بلغ ذلك الحد.

(القسم الخامس): في المائعات.

والمحرم خمسة: (الاول): الخمر، وكل مسكر، والعصير اذا غلا.

(الثاني): الدم.

وكذا العلقة ولو في البيضة، وفي نجاستها تردد، أشبه: النجاسة.

ولو وقع قليل دم في قدر وهي تغلي، لم يحرق المرق، ولا ما فيها اذا ذهب بالغليان.

ومن الاصحاب من منع من المائع وأوجب غسل التوابل وهو

____________________ ___

(١) ولو شوى الطحال مع اللحم، ولم يكن مثقوبا لم يحرم اللحم، وكذا لو كان اللحم فوقه، أما لو كان مصقوبا. وكان اللحم تحته حرم (*)

٢٤٧

حسن، كما لو وقع غيره من النجاسة.

(الثالث): كل مانع لاقته نجاسة فقد نجس، كالخمر، والدم، والميتة، والكافر الحربي.

وفي الذمي روايتان، أشهرهما: النجاسة.

وفي رواية: اذا اضطر إلى مؤاكلته أمره بغسل يده وهي متروكة.

ولو كان ما وقعت فيه النجاسة جامدا ألقي ما يكتنف النجاسة وحل ما عداه.

ولو كان المائع دهنا جاز بيعه للاستصباح به تحت السماء خاصة لا تحت الاظلة.

ولا يحل ما يقطع من أليات الغنم، ولا يستصبح بما يذاب منها، وما يموت فيه ما له نفس سائلة من المائع نجس دون ما لا نفس له.

(الرابع): ابوال ما لا يؤكل لحمه.

وهل يحرم بول ما يؤكل لحمه؟ قيل: نعم، إلا بول الابل، والتحليل أشبه.

(الخامس): ألبان الحيوان المحرم كاللبوة، والذئبة، والهرة، ويكره ما كان لحمه مكروها كالاتن حليبه وجامده.

(القسم السادس): في اللواحق، وهي سبع: (الاولى): شعر الخنزير نجس سواء أخذ من حي او ميت على الاظهر.

فان اضطر استعمل ما دسم فيه وغسل يده.

ويجوز الاستقاء بجلود الميتة ولا يصلى بمائها.

(الثانية): اذا وجد لحم فاشتبه ألقي في النار فان انقبض فهو ذكي وان انبسط فهو ميتة.

ولو اختلط الذكي بالميتة اجتنبا.

وفي رواية الحلبي: يباع ممن يستحل الميتة.

على الاصح.

(الثالثة): لا يأكل الانسان من مال غيره إلا باذنه.

وقد رخص مع عدم الاذن في الاكل من بيوت من تضمنته الآية اذا لم يعلم الكراهية.

وكذا ما يمر الانسان به من ثمرة النخل.

وفي ثمرة الزرع والشجر تردد.

ولا يقصد ولا يحمل.

٢٤٨

(الرابعة): من شرب خمرا او شيئا نجسا، فبصاقه طاهر ما لم يكن متغيرا بالنجاسة.

(الخامسة): اذا باع ذمي خمرا ثم أسلم فله قبض ثمنها.

(السادسة): الخمر تحل إذا انقلبت خلا، ولو كان بعلاج، ولا تحل لو ألقي فيها خل استهلكها.

وقيل: لو ألقي في الخل خمر من اناء فيه خمر لم يحل حتى يصير ذلك الخمر خلا وهو متروك.

(السابعة): لا يحرم الربوبات والاشربة وان شم منها رائحة المسكر.

ويكره الاسلاف في العصير.

وأن يستأمن على طبخه من يستحله قبل أن يذهب ثلثاه، والاستشفاء بمياه الجبال الحارة التي يشم منها رائحة الكبريت.

كتاب الغصب

والنظر في امور: (الاول): الغصب هو الاستقلال باثبات اليد على مال الغير عدوانا.

ولا يضمن لو منع المالك من امساك الدابة المرسلة.

وكذا لو منعه من القعود على بساطه ويصح(١) غصب العقار كالمنقول ويضمن بالاستقلال به.

ولو سكن الدار قهرا مع صاحبها ففي الضمان قولان، ولو قلنا بالضمان ضمن النصف.

ويضمن حمل الدابة لو غصبها.

وكذا الامة.

ولو تعاقبت الايدي على المغصوب فالضمان على الكل.

ويتخير المالك.

والحر لا يضمن ولو كان صغيرا لكن لو أصابه تلف بسبب الغاصب ضمنه.

ولو كان لا بسببه كالموت ولدغ الحية فقولان.

ولو حبس

____________________ ___

(١) أي: يتحقق ويتصور. اه‍ من الشرح الكبير.

(*)

٢٤٩

صانعا لم يضمن اجرته.

ولو انتفع به ضمن اجرة الانتفاع.

ولا يضمن الخمر لو غصبت من مسلم ويضمنها لو غصبها من ذمي، وكذا الخنزير.

ولو فتح بابا على مال ضمن السارق دونه.

ولو أزال القيد عن فرس فشرد او عن عبد مجنون فأبق ضمن.

ولا يضمن لو أزاله عن عاقل.

(الثاني): في الاحكام: يجب رد المغصوب وإن تعسر كالخشبة في البناء واللوح في السفينة.

ولو عاب(١) ضمن الارش.

ولو تلف او تعذر العود ضمن مثله إن كان متساوي الاجزاء.

وقيمته يوم الغصب إن كان مختلفا. وقيل: أعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف، وفيه وجه آخر. ومع رده لا يرد زيادة القيمة السوقية. وترد الزيادة لزيادة في العين او الصفة. ولو كان المغصوب دابة فعابت، ردها مع الارش.

ويتساوى بهيمة القاضي والشوكي، ولو كان عبدا وكان الغاصب هو الجاني رده ودية الجناية ان كانت مقدرة. وفيه قول آخر. ولو مزج الزيت بمثله رد العين. وكذا لو كان بأجود منه، ولو كان بأدون ضمن المثل. ولو زادت قيمة المغصوب فهو لمالكه، أما لو كانت الزيادة لانضياف عين كالصبغ والآلة في الابنية أخذ العين الزائدة ورد الاصل، ويضمن الارش ان نقص.

(الثالث): في اللواحق، وهي ستة.

(الاولى): فوائد المغصوب للمالك منفصلة كانت كالولد أو متصلة كالصوف والسمن، او منفعة كأجرة السكنى وركوب الدابة.

ولا يضمن من الزيادة المتصلة ما لم تزد به القيمة كما لو سمن المغصوب وقيمته واحدة.

(الثانية): لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد او يضمنه وما يحدث من منافعه وما يزاد في قيمته لزيادة صفة فيه.

(الثالثة): اذا اشتراه عالما بالغصب فهو كالغاصب ولا يرجع المشتري بالثمن البائع بما يضمن، ولو كان جاهلا دفع العين إلى مالكها ويرجع بالثمن على البائع

____________________ ___

(١) عاب المتاع: صار ذا عبث.

٢٥٠

وبجميع ما عرمه مما لم يحصل له في مقابلته عوض كقيمة الولد.

وفي الرجوع بما يضمن من المنافع كعوض الثمرة وأجرة السكنى تردد.

(الرابعة): اذا غصب حبا فزرعه، او بيضة فأفرخت، او خمرا فخللها، فالكل للمغصوب منه.

(الخامسة): اذا غصب أرضا فزرعها فالزرع لصاحبه وعليه أجرة الارض ولصاحبها ازالة الغرس والزامه طم الحفرة والارش ان نقصت.

ولو بذل صاحب الارض قيمة الغرس لم تجب اجابته.

(السادسة): لو تلف المغصوب واختلفا في القيمة فالقول قول الغاصب.

وقيل: قول المغصوب منه.

كتاب الشفعة

وهي: استحقاق في حصة الشريك لانتقالها بالبيع.

والنظر فيه يستدعي امورا: (الاول): ما تثبت فيه: وتثبت في الارضين والمساكن إجماعا.

وهل ثثبت فيما ينقل كالثياب والامتعة؟ فيه قولان، والاشبه: الاقتصار على موضع الاجماع.

وتثبت في النخل والشجر والابنية تبعا للارض، وفي ثبوتها في الحيوان قولان، المروي: انها لا تثبت.

ومن فقهائنا من أثبتها في العبد دون غيره.

ولا تثبت فيما لا ينقسم كالعضايد والحمامات والنهر والطريق الضيق على الاشبه.

ويشترط انتقاله بالبيع فلا تثبت لو انتقل بهبة او صلح او صداق او صدقة او اقرار.

ولو كان الوقف مشاعا مع طلق فباع صاحب الطلق لم تثبت للموقوف عليه.

وقال المرتضى: تثبت، وهو أشبه.

(الثاني): في الشفيع، وهو كل شريك بحصة مشاعة قادر على الثمن(١) .

____________________ ___

(١) في شرائع الاسلام: ويشترط فيه الاسلام اذا كان المشتري مسلما.

(*)

٢٥١

فلا تثبت للذمي على مسلم.

ولا بالجوار.

ولا لعاجز عن الثمن.

ولا فيما قسم وميز إلا بالشركة في الطريق او النهر اذا بيع أحدهما او هما مع الشقص.

وتثبت بين شريكن. ولا تثبت لما زاد على أشهر الروايتين.

ولو ادعى غيبة الثمن أجل ثلاثة أيام، فان لم يحضره بطلت.

ولو قال انه في بلد آخر، أجل بقدر وصوله وثلاثة أيام ما لم يتضرر المشتري.

وتثبت للغائب والسفيه والمجنون والصبي ويأخذ لهم الولي مع الغبطة، ولو ترك الولي فبلغ الصبي او افاق المجنون فله الاخذ.

(الثالث): في كيفية الاخذ: ويأخذ بمثل الثمن الذي وقع عليه العقد، ولو لم يكن الثمن مثليا كالرقيق والجواهر اخذه بقيمته.

وقيل: تسقط الشفعة استنادا إلى رواية فيها احتمال.

وللشفيع المطالبة في الحال. ولو أخر لا لعذر بطلت شفعته.

وفيه قول آخر. ولو كان لعذر لم يبطل. وكذا لو توهم زيادة ثمن أو جنسا من الثمن فبان غيره. ويأخذ الشفيع من المشتري ودركه عليه.

ولو انهدم المسكن او عاب بغير فعل المشتري أخذ الشفيع بالثمن او ترك.

وان كان بفعل المشتري أخذ بحصته من الثمن.

ولو اشترى بثمن مؤجل قيل: هو بالخيار بين الاخذ عاجلا، والتأخير، وأخذه بالثمن في محله.

وفي النهاية يأخذ الشقص ويكون الثمن مؤجلا ويلزم كفيلا إن لم يكن مليئا وهو أشبه.

ولو دفع الشفيع الثمن قبل حلوله لم يلزم البائع أخذ ولو ترك الشفيع قبل البيع لم تبطل.

أما لو شهد على البائع او بارك للمشتري او للبائع او أذن في البيع ففيه التردد.

والسقوط أشبه. ومن اللواحق مسألتان: (الولى): قال الشيخ: الشفعة لا تورث.

وقال المفيد، وعلم الهدى: تورث، وهو أشبه.

ولو عفا أحد الورثة عن نصيبه أخذه الباقون ولم تسقط.

(الثانية): لو اختلف المشتري والشفيع في الثمن فالقول قول المشتري مع يمينه لانه ينتزع الشئ من يده.

٢٥٢

كتاب احياء الموات

والعامر ملك لاربابه لا يجوز التصرف فيه إلا باذنهم.

وكذا ما به صلاح العامر كالطريق والشرب والمراح.

والموات ما لا ينتفع به لعطلته مما لم يجر عليه ملك او ملك وباد اهله، فهو للامام لا يجوز احياؤه إلا باذنه، ومع اذنه يملك بالاحياء.

ولو كان الامام غائبا فمن سبق إلى إحيائه كان أحق به، ومع وجوده له رفع يده.

ويشترط في التملك بالاحياء: ألا يكون في يد مسلم.

ولا حريما لعامر.

ولا مشعرا للعبادة كعرفة ومنى.

ولا مقطعا(١) ولا محجرا، والتحجير يفيد أولوية لا ملكا مثل أن ينصب عليها مرزابا.

واما الاحياء فلا تقدير للشرع فيه ويرجع في كيفيته إلى العادة.

ويلحق بهذا مسائل: (الاولى): الطريق المبتكر في المباح إذا تشاح أهله فحده: خمسة أذرع، وفي رواية سبعة أذرع.

(الثانية): حريم بئر المعطن: أربعون ذراعا.

والناضح ستون ذراعا.

والعين الف ذراع.

وفي الصلبة خمسمائة.

(الثالثة): من باع نخلا واستثنى واحدة كان له المدخل اليها والمخرج ومدى جرائدها.

(الرابعة): اذا تشاح أهل الوادي في مائه حبسه الاعلى للنخل إلى الكعب.

وللزرع إلى الشراك.

ثم يسرحه إلى الذي يليه.

____________________ ___

(١) كما أقطع النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله الدار وارضا بحضرموت.

(*)

٢٥٣

(الخامسة): يجوز للانسان أن يحمي المرعى في ملكه خاصة.

وللامام مطلقا.

(السادسة): لو كان له رحا على نهر لغيره لم يجز له أن يعدل بالماء عنها الا برضاء صاحبها.

(السابعة): من اشترى دارا فيها زيادة من الطريق ففي رواية: ان كان ذلك فيما اشترى فلا بأس.

وفي النهاية إن لم يتميز لم يكن له عليه شئ.

وان تميز رده ورجع على البائع بالدرك، والرواية ضعيفة، وتفصيل النهاية في موضع المنع، والوجه: البطلان.

وعلى تقدير الامتياز يفسخ إن شاء ما لم يعلم.

(الثامنة): من له نصيب في قناة او نهر جاز له بيعه بما شاء.

(التاسعة): روى اسحاق بن عمار عن العبد الصالح(١) في رجل لم يزل في يده ويد آبائه دار، وقد علم أنها ليست لهم ولا يظن مجئ صاحبها.

قال: ما أحب أن يبيع ما ليس له، ويجوز أن يبيع سكناه.

والرواية مرسلة، وفي طريقها: الحسن بن سماعة، وهو واقفي، وفي النهاية يبيع تصرفه فيها، ولا يبيع أصلها، ويمكن تنزيلها على أرض عاطلة أحياها غير المالك باذنه فللمحيي التصرف والاصل للمالك.

____________________ ___

(١) هو الامام أبوابراهيم موسى بن جعفر الكاظم (ع).

(*)

٢٥٤

كتاب اللقطة

وأقسامها ثلاثة: (الاول): في اللقيط: وهو كل صبي او مجنون ضائع لا كافل له.

ويشترط في الملتقط التكليف.

وفي اشتراط الاسلام تردد.

ولا يلتقط المملوك إلا باذن مولاه.

وأخذ اللقيط مستحب واللقيط في دار الاسلام حر، وفي دار الشرك رق.

واذا لم يتول أحدا فعاقلته ووارثه: الامام اذا لم يكن له وارث ويقبل اقراره على نفسه بالرقية مع بلوغه ورشده.

واذا وجد الملتقط سلطانا استعان به على نفقته فان لم يجد استعان بالمسلمين.

فان تعذر الامر أنفق الملتقط ورجع عليه اذا نوى الرجوع.

ولو تبرع لم يرجع.

القسم الثاني - في الضوال: وهي كل حيوان مملوك ضائع.

وأخذه في صورة الجواز مكروه.

ومع تحقق التلف مستحب.

فالبعير لا يؤخذ ولو أخذ ضمنه الآخذ وكذا حكم الدابة والبقرة.

ويؤخذ لو تركه صاحبه من جهد في غير كلا ولا ماء، ويملكه الآخذ.

والشاة إن وجدت في الفلاة أخذها الواجد لانها لا تمنع من ضرر السباع ويضمنها وفي رواية ضعيفة: يحبسها عنده ثلاثة أيام فان جاء صاحبها والا تصدق بثمنها.

وينفق الواجد على الضالة ان لم يتفق سلطان ينفق من بيت المال.

وهل يرجع على المالك؟ الاشبه: نعم، ولو كان للضالة نفع كالظهر او اللبن قال الشيخ في النهاية: كان بازاء ما انفق، والوجه التقاص.

القسم الثالث - وفيه ثلاث فصول: (الاول): اللقطة: كل مال ضائع أخذ ولا يد عليه فما دون الدرهم ينتفع به بغير تعريف.

وفي قدر الدرهم روايتان، وما كان ازيد، فان وجده في الحرم كره أخذه وقيل يحرم ولا يحل أخذه إلا مع نية التعريف، ويعرف حولا فان جاء صاحبه

٢٥٥

والا تصدق به عنه او استبقاه أمانة، ولا يملك.

ولو تصدق به بعد الحول فكره المالك لم يضمن الملتقط على الاشهر.

وان وجده في غير الحرم يعرف حولا.

ثم الملتقط بالخيار بين التملك والصدقة و ابقائها أمانة.

ولو تصدق بها فكره المالك ضمن الملتقط ولو كانت مما لا يبقى كالطعام قومها عند الوجدان وضمنها وانتفع بها وان شاء دفعها إلى الحاكم، ولا ضمان.

ويكره أخذ الادواة، والمخصرة، والنعلين.

والشظاظ، والعصا، والوتد، والحبل، والعقال، وأشباهها.

مسائل: (الاولى): ما يوجد في خربة او فلاة او تحت الارض فهو لواجده.

ولو وجده في ارض لها او بائع ولو كان مدفونا، عرفه المالك او البائع فان عرفه فهو أحق به إلا كان للواجد.

وكذا ما يجده في دابته.

ولو وجد في جوف سمكة قال الشيخ: أخذه بلا تعريف.

(الثانية): ما وجده في صندوقه او داره فهو له، ولو شاركه في التصرف كان كاللقطة اذا أنكره.

(الثالثة): لا تملك اللقطة بحول الحول وان عرفها ما لم ينو التملك.

وقيل: تملك بمضي الحول.

(الثاني): الملتقط من له أهلية الاكتساب.

فلو التقط الصبي او المجنون جاز ويتولى الولي التعريف.

وفي المملوك تردد، أشبهه: الجواز.

وكذا المكاتب، والمدبر، وام الولد.

(الثالث): في الاحكام وهي ثلاثة: (الاول): لا يدفع اللقطة الا بالبينة.

ولا يكفي الوصف، وقيل: يكفي في الاموال الباطنة كالذهب والفضة، وهو حسن.

(الثاني) لا بأس بجعل الآبق فان عينه لزم بالرد، وان لم يعينه ففي رد العبد من المصر: دينار، ومن خارج البلد: أربعة دنانير، على رواية ضعيفة يؤيدها

٢٥٦

الشهرة وألحق الشيخان: البعير، وفيما عداهما أجرة المثل.

(الثالث): لا يضمن الملتقط في الحول لقطة ولا لقيطا ولا ضالة ما لم يفرط.

كتابب المواريث والنظر في المقدمات، والمقاصد، واللواحق والمقدمات ثلاث: (الاولى): في موجبات الارث، وهي: نسب، وسبب.

فالنسب ثلاث مراتب: ١ - الابوان، والولد وإن نزل.

٢ - والاجداد وإن علوا، الاخوة وأولادهم وإن نزلوا.

٣ - والاعمام والاخوال.

والسبب قسمان: زوجية وولاء.

والولاء ثلاث مراتب: ولاء العتق، ثم ولاء تضمن الجريرة(١) ثم ولاء الامامة.

(الثانية): في موانع الارث، وهى ثلاثة: الكفر، والرق، والقتل.

أما الكفر فانه يمنع في طرف الوارث.

فلا يرث الكافر مسلما، حربيا كان الكافر او ذميا او مرتدا ويرث الكافر أصليا ومرتدا فميراث المسلم لوارثه المسلم انفرد بالنسب او شاركه الكافر او كان أقرب حتى لو كان ضامن جريرة مع ولد كافر فالميراث للضامن.

ولو لم يكن وارث مسلم فميراثه للامام.

والكافر يرثه المسلم ان اتفق ولا يرثه الكافر إلا اذا لم يكن وارث مسلم.

ولو كان وارث مسلم كان أحق بالارث وان بعد وقرب الكافر، واذا أسلم الكافر، على ميراث قبل قسمته شارك إن كان مساويا في النسب وحاز الميراث إن كان أولى سواء كان الموروث مسلما او كافرا.

____________________ ___

(١) هو المعروف عند فقهاء السنة بولاء الموالاة.

(*)

٢٥٧

ولو كان الوارث المسلم واحدا لم يزاحمه الكافر وان أسلم لانه لا تتحقق هنا قسمة.

مسائل: (الاولي): الزوج المسلم أحق بميراث زوجته من ذوي قرابتها الكفار، كافرة كانت أو مسلمة، له النصف بالزوجية والباقي بالرد وللزوجة المسلمة الربع مع الورثة الكفار والباقي للامام.

ولو أسلموا او أسلم أحدهم، قال الشيخ: يزد عليهم ما فضل عن سهم الزوجية، وفيه تردد.

(الثانية): روى مالك بن أعين عن أبي جعفرعليه‌السلام في نصراني مات وله ابن أخ وابن أخت مسلمان وأولاد صغار: لابن الاخ الثلثان، ولابن الاخت الثلث، وينفقان على الاولاد بالنسبة فان أسلم الصغار دفع المال إلى الامام فان بلغوا على الاسلام دفعة الامام اليهم.

فان لم يبقوا دفع إلى ابن الاخ الثلثين والى ابن الاخت الثلث.

(الثالث): اذا كان أحد أبوي الصغير مسلما الحق به فلو بلغ أجبر على الاسلام.

ولو أبى كان كالمرتد.

(الرابعة) المسلمون يتوارثون وان اختلفت آراؤهم، وكذا الكفار وان اختلفت مللهم.

(الخامسة): المرتد عن فطرة(١) يقتل ولا يستتاب، وتعتد امرأته عدة الوفاة.

وتقسم أمواله.

ومن ليس عن فطرة يستتاب.

فان تاب والا يقتل وتعتد زوجته عدة الطلاق مع الحياة وعدة الوفاة لامعها.

والمرأة لا تقتل بل تحبس وتضرب أوقات الصلاة حتى تتوب ولو كانت عن فطرة.

(السادسة): لو مات المرتد كان ميراثه لوارثه المسلم.

ولو لم يكن وارث الا كافرا كان ميراثه للامام على الاظهر.

وأما القتل فيمنع الوارث من الارث اذا كان عمدا ظلما ولا يمنع لو كان خطأ.

____________________ ___

(١) هو من كان أبواه مسلمين عند بدء الحمل به.

(*)

٢٥٨

وقال الشيخان: يمنع من الدية حسب.

ولو اجتمع القاتل وغيره فالميراث لغير القاتل وان بعد، سواء تقرب بالقاتل او بغيره.

ولو لم يكن وارث سوى القاتل فالارث للامام.

وهنا مسائل: (الاولى): الدية كأموال الميت تقضي منها ديونه وتنفذ وصاياه وان قتل عمدا إذا أخذت الدية(١) .

وهل للديان منع الوارث من القصاص؟ الوجه: لا، وفي رواية لهم المنع حتى يضمن الوارث الدين.

(الثانية): يرث الدية من يتقرب بالاب ذكرانا أو اناثا، الزوج والزوجة ولا يرث من يتقرب بالام، وقيل: يرثها من يرث المال.

(الثالثة): اذا لم يكن للمقتول عمدا وارث سوى الامام فله القود أو الدية مع التراضي وليس له العفو، وقيل: له العفو.

أما الرق، فيمنع في الوارث والموروث.

ولو اجتمع مع الحر فالميراث للحر دونه ولو بعد وقرب المملوك، ولو أعتق على ميراث قبل القسمة شارك ان كان مساويا وحاز الارث ان كان أولى ولو كان الوارث واحدا فأعتق الرق لم يرث وان كان أقرب لانه لا قسمة، ولو لم يكن وارث سوى المملوك أجبر مولاه على أخذ قيمته وينعتق ليحوز الارث.

ولو قصر المال عن قيمته لم يفك.

وقيل: يفك ويسعى في باقيه ويفك الابوان والاولاد دون غيرهما وقيل: يفك ذو القرابة.

وفيه رواية ضعيفة.

وفي الزوج والزوجة تردد.

ولا يرث المدبر ولا ام الولد ولا المكاتب المشروط.

ومن تحرر بعضه يرث بما فيه من الحرية ويمنع بما فيه من الرقية.

المقدمة الثالثة: في السهام: وهي ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان

____________________ ___

(١) يريد اذا صولح على القصاص عليهما.

(*)

٢٥٩

والثلث، والسدس.

فالنصف للزوج مع عدم الولد وإن نزل، وللبنت، والاخت للاب والام أو للاب.

والربع للزوج مع الولد وإن نزل وللزوجة مع عدمه.

والثمن للزوجة مع الولد وإن نزل.

والثلثان للبنتين فصاعدا وللاختين فصاعدا للاب والام، أو للاب والثلث للام مع عدم من يحجبها من الولد وان نزل او الاخوة، وللاثنين فصاعدا من ولد الام.

والسدس لكل واحد من الابوين مع الولد وإن نزل.

وللام مع من يحجبها عن الزائد.

وللواحد من كلالة الام ذكرا كان او انثى.

والنصف يجتمع مع مثله، مع الربع، والثمن، ومع الثلث والسدس.

ولا يجتمع الربع مع الثمن.

ويجتمع الربع مع الثلثين والثلث والسدس.

ويجتمع الثمن مع الثلثين والسدس.

ولا يجتمع مع الثلث، ولا الثلث مع السدس.

مسألتان: (الاولى): التعصيب باطل.

وفاضل التركة يرد على ذوي السهام عدا الزوج والزوجة.

والام مع وجود من يحجبها على تفصيل يأتي: (الثانية) لاعول في الفرائض لاستحالة أن يفرض الله سبحانه في مال ما لا يفي بل يدخل النقص على البنت او البنتين، او على الاب او من يتقرب به.

وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وأما المقاصد فثلاثة:

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

ويمكن ان تكون الجملة( وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ ) لها علاقة بالبرق الذي يصنع هذه الغيوم المليئة بالمياه.

الآية الاخرى تشير الى صوت الرعد الذي يتزامن مع البرق( وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ) (١) .

نعم ، فهذا الصوت المدوّي في عالم الطبيعة يضرب به المثل ، فهو مع البرق في خدمة هدف واحد ولهما منافع متعدّدة كما أشرنا إليها ، ويقومان بعملية التسبيح ، وبعبارة اخرى فالرعد لسان حال البرق يحكي عن عظمة الخالق وعن نظام التكوين. فهو كتاب معنوي ، وقصيدة غرّاء ، ولوحة جميلة وجذّابة ، نظام محكم ومنظّم ومحسوب بدقّة ، وبلسان حاله يتحدّث عن علم ومهارة وذوق الكاتب والرسام والمعمار ويحمده ويثني عليه ، كلّ ذرّات هذا العالم لها اسرار ونظام دقيق. وتحكي عن تنزيه الله وخلوّه من النقص والعيوب (وهل التسبيح غير ذلك؟!).

وتتحدّث عن قدرته وحكمته (وهل الحمد غير بيان صفات الكمال؟!).

وقد احتمل بعض الفلاسفة انّ لكلّ ذرّات هذا العالم نوعا من العقل والشعور ، فهي من خلال هذا العقل تسبّح الله وتقدّسه ، ليس بلسان الحال فقط ، بل بلسان المقال ايضا.

وليس الرعد وسائر اجزاء العالم تسبّح بحمده تعالى ، بل حتّى الملائكة( وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ) (٢) فهم يخافون من تقصيرهم في تنفيذ الأوامر الملقاة على عاتقهم ، وبالتالي فهم يخشون العقاب الالهي ، ونحن نعلم انّ الخوف يصيب أولئك الذين يحسّون بمسؤولياتهم ووظائفهم خوف بنّاء يحثّ الشخص على

__________________

(١) للتوضيح اكثر في معنيي التسبيح والتقديس للكائنات سيأتي في ذيل الآية( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) الاسراء ، ٤٤.

(٢) يقول الشيخ الطوسيرحمه‌الله في تفسيره التبيان : الخيفة بيان لحالة الشخص امّا الخوف فمصدر.

٣٦١

السعي والحركة.

وللتوضيح اكثر في مجال البرق والرعد تشير الآية الى الصاعقة( وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ ) ومع كلّ ذلك ـ وبمشاهدة آيات العظمة الالهية في عالم التكوين من السّماء والأرض والنباتات والأشجار والبرق والرعد وأمثالها ، وفي قدرة الإنسان الحقيرة تجاه هذه الحوادث ، حتّى في مقابل واحدة منها مثل شرارة البرق ـ نرى انّ هناك جماعة جاهلة تجادل في الله( وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ ) .

«المحال» في الأصل «الحيلة» بمعنى التدبير السرّي وغير الظاهر ، فالذي له القدرة على هذا التدبير يمتلك العلم والحكمة العالية ، ولهذا السبب يستطيع ان ينتصر على أعدائه ولا يمكن الفرار من حكومته.

وذكر المفسّرون وجوها عديدة في تفسير( شَدِيدُ الْمِحالِ ) فتارة بمعنى «شديد القوّة» ، او «شديد العذاب» ، او «شديد القدرة» او «شديد الأخذ»(١) .

الآية الاخيرة تشير الى مطلبين :

الاوّل : قوله تعالى :( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ ) فهو يستجيب لدعواتنا ، وهو عالم بدعاء العباد وقادر على قضاء حوائجهم ، ولهذا السبب يكون دعاؤنا ايّاه وطلبنا منه حقّا ، وليس باطلا.

ولكن دعاء الأصنام باطل( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ ) نعم هكذا في دعوة الباطل ليست اكثر من وهم ، لانّ ما يقولونه من علم وقدرة الأصنام ما هو الّا أوهام وخيال ، او ليس الحقّ هو عين الواقع واصل الخير والبركة؟ والباطل هو الوهم واصل الشرّ والفساد؟ ولتصوير هذا الموضوع يضرب لنا القرآن الكريم مثالا حيّا ورائعا يقول :( إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ

__________________

(١) فسر البعض «المحال» من «المحل ، الماحل» بمعنى المكر والجدال والتصميم على العقوبة ، ولكن ما أشرنا اليه أعلاه هو الصحيح ، والتفسيران قريبا المعنى.

٣٦٢

فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ ) . فهل يستطيع احد ان يجلس على بئر ويطلب الماء بإشارة يد ليبلغ الماء فاه؟ هذا العمل لا يصدر الّا من انسان مجنون!

وتحتمل الآية تفسيرا آخر ، فهي تشبّه المشركين كمن بسط كفّه في الماء ليتجمع فوقها الماء ، وعند خروجها من الماء لم يجد فيها شيئا منه لانّ الماء يتسرّب من بين أصابع الكفّ المفتوحة.

وهناك تفسير ثالث وهو انّ المشركين ـ لحلّ مشاكلهم ـ كانوا يلجأون الى الأصنام ، فمثلهم مثل الذي يحتفظ بالماء في يده ، هل يحفظ الماء في يد؟! وهناك مثل معروف بين العرب لمن يسعى بدون فائدة يقال له : هو كقابض الماء باليد ، ويقول الشاعر :

فأصبحت فيما كان بيني وبينها

من الودّ مثل القابض الماء باليد

ولكنّنا نعتقد انّ التّفسير الاوّل أوضح!

وللتأكيد على هذا الحديث يأتي في نهاية الآية قوله تعالى :( وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ ) وايّ ضلال اكبر من ان يسعى الإنسان ويجتهد في السبيل الضالّ ولكنّه لا يصل الى مقاصده. ولا يحصل على شيء نتيجة تعبه وجهده.

الآية الأخيرة من هذه المجموعة ، ولكي تبرهن كيف انّ المشركين ضلّوا الطريق تقول :( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ) .

* * *

بحوث

١ ـ ما هو المقصود من سجود الكائنات؟

السجدة في هذه الموارد تعني الخضوع والتسليم ، فإنّ جميع الملائكة

٣٦٣

والناس ذوي العقول والأفكار متواضعين لله وخاضعين لأوامره ، وهناك نوعان من السجود ، سجود تكويني وهو انّ الكلّ خاضعون ومسلّمون للقوانين الطبيعيّة مثل الحياة والممات والمرض و و ، والبعض منهم له سجود تشريعي بالاضافة الى السجود التكويني ، فهم بميلهم وإرادتهم يسجدون لله.

٢ ـ ما هو معنى( طَوْعاً وَكَرْهاً ) ؟

عبارة( طَوْعاً وَكَرْهاً ) يمكن ان تكون اشارة الى انّ المؤمنين خاضعون لله بميلهم وإرادتهم ، وامّا غير المؤمنين فهم خاضعون كذلك للقوانين الطبيعيّة التي تسير بأمر الله ان شاؤوا وان أبوا.

و (الكره) بضمّ الكاف تعني الكراهية في داخل الإنسان ، و (كره) بفتح الكاف ما حمل عليه الإنسان من خارج نفسه ، وبما انّ الأشخاص غير المؤمنين مقهورون للعوامل الخارجية وللقوانين الطبيعيّة ، استعمل القرآن (كره) بفتح الكاف.

ويحتمل في تفسير( طَوْعاً وَكَرْهاً ) انّ المقصود من «طوعا» هو التوافق والميل الفطري والطبيعي بين الإنسان والأسباب الطبيعيّة (مثل حبّ اي انسان للحياة) والمقصود من «كرها» هو ما فرض على الإنسان من الخارج مثل موت أحد الأشخاص بسبب المرض او اي عامل طبيعي آخر.

٣ ـ ما هو معنى كلمة الظلال؟

«الظّلال» جمع «ظل» واستعمال هذه الكلمة في الآية يشير الى انّ المقصود في السجود ليس فقط السجود التشريعي ، فظلال الكائنات ليست خاضعة لارادتهم واختيارهم ، بل هو تسليم لقانون الضوء ، وعلى هذا يكون سجودهم تكويني ، يعني التسليم لقوانين الطبيعيّة.

٣٦٤

وطبيعي ليس المقصود من «الظلال» انّ جميع ما في السّماوات والأرض لها وجود مادّي كي يكون لها ظلال ، ولكن الآية تشير الى تلك الأشياء التي لها ظلال ، فمثلا يقال : انّ جمعا من العلماء وأبنائهم شاركوا في المجلس الكذائي ، وليس المقصود هنا انّ لكلّ العلماء أبناء «فتدبّر».

وعلى ايّة حال فإنّ الظلّ امر عدمي ، وهو ليس اكثر من فقدان النّور ، ولكن له آثارا ووجودا بسبب النّور المحيط به ، ولعلّ الآية تشير الى هذه النقطة ، وهي انّه حتّى الظلال خاضعة لله.

٤ ـ ما هو معنى كلوة( الْآصالِ ) ؟

«الآصال» جمع «اصل» وهي جمع «اصيل» ومعناه آخر وقت من النهار ، ولذلك يعتبر اوّل الليل ، والغدو جمع غداة بمعنى اوّل النهار.

ورغم انّ السجود والخضوع للأشياء الكونية في مقابل الأوامر الالهيّة دائمة ومستمرّة في كلّ وقت ، ولكن ذكرها هنا في موقعين (الصبح والعشاء) امّا انّه كناية عن دوام الوقت ، فمثلا تقول : انّ فلانا يطلب العلم صباحا ومساء ، فالمقصود وهو انّه في كلّ وقت يطلب العلم ، وامّا ان يكون المقصود من الآية ما جاء في الكلام عن الظلال والتي تكون واضحة اكثر في اوّل النهار وآخره.

* * *

٣٦٥

الآية

( قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (١٦) )

التّفسير

لماذا عبادة الأصنام؟

كان البيان في الآيات السابقة عن معرفة الله واثبات وجوده ، وهذه الآية تبحث عن ضلال المشركين والوثنيين وتتناوله من عدّة جهات ، حيث تخاطب ـ اوّلا ـ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث تقول :( قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) ثمّ تأمر النّبي ان يجيب على السؤال قبل ان ينتظر جوابهم( قُلِ اللهُ ) ثمّ انّه يلومهم ويوبّخهم بهذه الجملة( قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا ) .

لقد بيّن ـ اوّلا ـ عن طريق ربوبيته انّه المدبّر والمالك لهذا العالم ، ولكلّ خير

٣٦٦

ونفع من جانبه ، وقادر على دفع اي شرّ وضرّ ، وهذا يعني انّكم بقبولكم لربوبيته يجب ان تطلبوا كلّ شيء من عنده لا من الأصنام العاجزة عن حلّ ايّة مشكلة لكم. ثمّ يذهب الى ابعد من ذلك حيث يقول : انّ هذه الأصنام لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرّا فكيف يمكنها ان تنفعكم او تضرّكم؟ وهم والحال هذه لا يحلّون اي عقدة لكم حتّى لو قمتم بعبادتهم ، فهؤلاء لا يستطيعون تدبير أنفسهم فما ذا ينتظر منهم؟

ثمّ يذكر مثالين واضحين وصريحين يحدّد فيها وضع الافراد الموحّدين والمشركين ، فيقول اوّلا :( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ ) فكما لا يستوي الأعمى والبصير لا يستوي المؤمن والكافر ، ولا يصحّ قياس الأصنام على الخالق جلّ وعلا.

ويقول ثانيا :( أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ ) كيف يمكن ان نساوي بين الظلام الذي يعتبر قاعدة الانحراف والضلال ، وبين النّور المرشد والباعث للحياة ، وكيف يمكن ان نجعل الأصنام التي هي الظّلمات المحضة الى جنب الله الذي هو النّور المطلق ، وما المناسبة بين الايمان والتوحيد اللذان هما نور القلب والروح ، وبين الشرك اصل الظلام؟!

ثمّ يدلل على بطلان عقيدة المشركين عن طريق آخر فيقول :( أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ) والحال ليس كذلك ، فإنّ المشركين أنفسهم لا يعتقدون بها ، فهم يعلمون انّ الله خالق كلّ شيء ، وعالم الوجود مرتبط به ، ولذلك تقول الآية :( قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) .

* * *

٣٦٧

بحوث

١ ـ الخالقية والرّبوبية يتطلّبان العبادة

يمكن ان يستفاد من الآية أعلاه انّ الخالق هو الربّ المدبّر ، لانّ الخلقة امر مستمر ودائمي ، وليس من خلق الكائنات يتركهم وشأنهم ، بل انّه تعالى يفيض بالوجود عليهم باستمرار وكلّ شيء يأخذ وجوده من ذاته المقدّسة ، وعلى هذا فنظام الخلقة وتدبير العالم كلّها بيد الله ، ولهذا السبب يكون هو النافع والضارّ. وغيره لا يملك شيء الّا منه ، فهل يوجد احد غير الله احقّ بالعبادة؟

٢ ـ كيف يسأل ويجيب بنفسه؟

بالنظر الى الآية أعلاه يطرح هذا السؤال : كيف امر الله نبيّه ان يسأل المشركين : من خلق السماوات والأرض؟ وبعدها بدون ان ينتظر منهم الجواب يأمر النّبي ان يجيب هو على السؤال وبدون فاصلة يوبّخ المشركين على عبادتهم الأصنام ، اي طراز هذا في السؤال والجواب؟

ولكن مع الالتفات الى هذه النقطة يتّضح لنا الجواب وهو انّه في بعض الأحيان يكون الجواب للسؤال واضح جدّا ولا يحتاج الى الانتظار. فمثلا نسأل أحدا : هل الوقت الآن ليل ام نهار؟ وبلا فاصلة نجيب نحن على السؤال فنقول : الوقت بالتأكيد ليل. وهذه كناية لطيفة ، حيث انّ الموضوع واضح جدّا ولا يحتاج الى الانتظار للجواب ، بالاضافة الى انّ المشركين يعتقدون بخلق الله للعالم ولم يقولوا ابدا انّ الأصنام خالقة السّماء والأرض ، بل كانوا يعتقدون بشفاعتهم وقدرتهم على نفع الإنسان ودفع الضرر عنه ، ولهذا السبب كانوا يعبدوهم. وبما انّ الخالقية غير منفصلة عن الرّبوبية يمكن ان نخاطب المشركين بهذا الحديث ونقول : أنتم الذين تقولون بأنّ الله خالق ، يجب ان تعرفوا انّ الربوبية لله كذلك ،

٣٦٨

ويختصّ بالعبادة ايضا لذلك.

٣ ـ العين المبصرة ونور الشمس شرطان ضروريان

يشير ظاهر المثالين (الأعمى والبصير) و (الظّلمات والنّور) الى هذه الحقيقة ، وهي انّ النظر يحتاج الى شيئين : العين المبصرة ، وشعاع الشمس ، بحيث لو انتفى واحد منهما فإنّ الرؤية لا تتحقّق ، والآن يجب ان نفكّر : كيف حال الافراد المحرومين من البصر والنّور؟ المشركون المصداق الواقعي لهذا ، فقلوبهم عمي ومحيطهم مليء بالكفر وعبادة الأصنام ، ولهذا السبب فهم في تيه وضياع. وعلى العكس فالمؤمنون بنظرهم الى الحقّ ، واستلهامهم من نور الوحي وارشادات الأنبياء عرفوا مسيرة حياتهم بوضوح.

٤ ـ هل انّ خلق الله لكلّ شيء دليل على الجبر؟

استدلّ جمع من اتباع مدرسة الجبر انّ جملة( اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) في الآية أعلاه لها من السعة بحيث تشمل حتّى عمل الافراد ، فالله خالق اعمالنا ونحن غير مختارين.

يمكن ان نجيب على هذا القول بطريقين :

اوّلا : الجمل الاخرى للآية تنفي هذا الكلام ، لانّها تلوم المشركين بشكل اكيد فإذا كانت اعمالنا غير اختيارية ، فلما ذا هذا التوبيخ؟! وإذا كانت ارادة الله ان نكون مشركين فلما ذا يلومنا؟! ولماذا يسعى بالأدلّة العقليّة لتغيير مسيرتهم من الضلالة الى الهداية؟ كلّ هذا دليل على أنّ الناس أحرار في انتخاب طريقهم.

ثانيا : انّ الخالقية بالذات من مختصّات الله تعالى. ولا يتنافى مع اختيارنا في الأفعال ، لانّ ما نمتلكه من القدرة والعقل والشعور ، وحتّى الاختيار والحرية ، كلّها

٣٦٩

من عند الله ، وعلى هذا فمن جهة هو الخالق (بالنسبة لكلّ شيء وحتّى أفعالنا) ومن جهة اخرى نحن نفعل باختيارنا ، فهما في طول واحد وليس في عرض وأفق واحد ، فهو الخالق لكلّ وسائل الأفعال ، ونحن نستفيد منها في طريق الخير او الشرّ.

فمثلا الذي يؤسّس معملا لتوليد الكهرباء او لإنتاج أنابيب المياه ، يصنعها ويضعها تحت تصرّفنا ، فلا يمكن ان نستفيد من هذه الأشياء الّا بمساعدته ، ولكن بالنتيجة يكون التصميم النهائي لنا ، فيمكن ان نستفيد من الكهرباء لامداد غرفة عمليات جراحية وانقاذ مريض مشرف على الموت ، او نستخدمها في مجالس اللهو والفساد ، ويمكن ان نروي بالماء عطش انسان ونسقي وردا جميلا ، او نستخدم الماء في إغراق دور الناس وتخريبها.

* * *

٣٧٠

الآية

( أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ (١٧) )

التّفسير

وصف دقيق لمنظر الحقّ والباطل :

يستند القرآن الكريم ـ الذي يعتبر كتاب هداية وتربية ـ في طريقته الى الوقائع العينيّة لتقريب المفاهيم الصعبة الى أذهان الناس من خلال ضرب الأمثال الحسّية الرائعة من حياة الناس ، وهنا ـ ايضا ـ لأجل ان يجسّم حقائق الآيات السابقة التي كانت تدور حول التوحيد والشرك ، الايمان والكفر ، الحقّ والباطل ، يضرب مثلا واضحا جدّا لذلك

يقول اوّلا :( أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً ) الماء عماد الحياة واصل النمو والحركة ،

٣٧١

( فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها ) تتقارب السواقي الصغيرة فيما بينها ، وتتكوّن الأنهار وتتّصل مع بعضها البعض ، فتسيل المياه من سفوح الجبال العظيمة والوديان وتجرف كلّ ما يقف امامها ، وفي هذه الأثناء يظهر الزّبد وهو ما يرى على وجه الماء كرغوة الصابون من بين أمواج الماء حيث يقول القرآن الكريم :( فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً ) .

«الرابي» من «الربو» بمعنى العالي او الطافي ، والربا بمعنى الفائدة مأخوذ من نفس هذا الأصل.

وليس ظهور الزبد منحصرا بهطول الأمطار ، بل( وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ ) (١) اي الفلزات المذابة بالنّار لصناعة أدوات الزينة منها او صناعة الوسائل اللازمة في الحياة.

بعد بيان هذا المثال بشكله الواسع لظهور الزبد ليس فقط في الماء بل حتّى للفلزات وللمتاع ، يستنتج القرآن الكريم( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ ) ثمّ يتطرّق الى شرحه فيقول :( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ) .

فأمّا الزبد الذي لا فائدة فيه فيذهب جفاء ويصير باطلا متلاشيا ، وامّا الماء الصافي النقي المفيد فيمكث في الأرض او ينفذ الى الاعماق وتتكوّن منه العيون والآبار تروي العطاش ، وتروي الأشجار لتثمر ، والازهار لتتفتّح ، وتمنح لكلّ شيء الحياة.

وفي آخر الآية ـ للمزيد من التأكيد في مطالعة هذه الأمثال ـ يقول تعالى :( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ ) .

* * *

__________________

(١) تشير هذه الآية الى الافران التي تستعمل لصهر الفلزان ، فهذه الافران تتميّز بوجود النّار من تحتها ومن فوقها يعني نار تحت الفلز ونار فوقه ، وهذه من أفضل انواع الافران حيث تحيط بها النّار من كلّ جانب.

٣٧٢

بحوث

هذا المثال البليغ الذي عبّر عنه القرآن الكريم بألفاظ موزونة وعبارات منظّمة. وصوّر فيها الحقّ والباطل بأروع صورة ، فيه حقائق مخفيّة كثيرة ونشير هنا الى قسم منها :

١ ـ ما هي علائم معرفة الحقّ والباطل؟

يحتاج الإنسان في بعض الأحيان لمعرفة الحقّ والباطل ـ إذا أشكل عليه الأمر ـ الى علائم وأمثال حتّى يتعرّف من خلالها على الحقائق والأوهام. وقد بيّن القرآن الكريم هذه العلامات من خلال المثال أعلاه :

الف : ـ الحقّ مفيد ونافع دائما ، كالماء الصافي الذي هو اصل الحياة. امّا الباطل فلا فائدة فيه ولا نفع ، فلا الزبد الطافي على الماء يروي ظمآنا أو يسقي أشجارا ، ولا الزبد الظاهر من صهر الفلزات يمكن ان يستفاد منه للزينة او للاستعمالات الحياتية الاخرى ، وإذا استخدمت لغرض فيكون استخدامها رديئا ولا يؤخذ بنظر الاعتبار كما نستخدم نشارة الخشب للإحراق.

باء : ـ الباطل هو المستكبر والمرفّه كثير الصوت ، كثير الأقوال لكنّه فارغ من المحتوى ، امّا الحقّ فمتواضع قليل الصوت ، وكبير المعنى ، وثقيل الوزن(١) .

جيم ـ الحقّ يعتمد على ذاته دائما ، امّا الباطل فيستمدّ اعتباره من الحقّ ويسعى للتلبّس به ، كما انّ (الكذب يتلبّس بضياء الصدق) ولو فقد الكلام الصادق من العالم لما كان هناك من يصدق الكذب. ولو فقدت البضاعة السليمة من العالم لما وجد من يخدع ببضاعة مغشوشة. وعلى هذا فوجود الباطل راجع الى شعاعه الخاطف واعتباره المؤقّت الذي سرقه من الحقّ ، امّا الحقّ فهو مستند الى نفسه واعتباره منه.

__________________

(١) يقول الامام عليعليه‌السلام في وصفه أصحابه يوم الجمل «وقد ارعدوا وابرقوا ومع هذين الأمرين الفشل ، ولسنا نرعد حتّى نوقع ولا نسيل حتّى نمطر».

٣٧٣

٢ ـ ما هو الزّبد؟

«الزبد» بمعنى الرغوة التي تطفوا على السائل ، والماء الصافي اقلّ رغوة ، لانّ الزبد يتكوّن بسبب اختلاط الأجسام الخارجية مع الماء ، ومن هنا يتّضح انّ الحقّ لو بقي على صفائه ونقائه لم يظهر فيه الخبث ابدا ، ولكن لامتزاجه بالمحيط الخارجي الملوّث فإنّه يكتسب منه شيئا ، فتختلط الحقيقة مع الخرافة ، والحقّ بالباطل ، والصافي بالخابط. فيظهر الزبد الباطل الى جانب الحقّ.

وهذا هو الذي يؤكّده الامام عليعليه‌السلام حيث يقول : لو انّ الباطل خلص من مزاج الحقّ لم يخف على المرتادين ، ولو انّ الحقّ خلص من لبس الباطل انقطعت عنه السن المعاندين».(١) .

يقول بعض المفسّرين انّ للآية أعلاه ثلاث امثلة : «نزول آيات القرآن» تشبيه بنزول قطرات المطر للخير ، «قلوب الناس» شبيهة بالأرض والوديان وبقدر وسعها يستفاد منها ، «وساوس الشيطان» شبيهة بالزبد الطافي على الماء ، فهذا الزبد ليس من الماء ، بل نشأ من اختلاط الماء بمواد الأرض الاخرى ، ولهذا السبب فوساوس النفس والشيطان ليست من التعاليم الالهية ، بل من تلوّث قلب الإنسان ، وعلى ايّة حال فهذه الوساوس تزول عن قلوب المؤمنين ويبقى صفاء الوحي الموجب للهداية والإرشاد.

٣ ـ الاستفادة تكون بقدر الاستعداد واللياقة!

يستفاد من هذه الآية ـ ايضا ـ انّ مبدا الفيض الالهي لا يقوم على البخل والحدود الممنوعة ، كما انّ السحاب يسقط امطاره في كلّ مكان بدون قيد او

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٥٠.

٣٧٤

شرط ، وتستفيد الأرض والوديان منها على قدر وسعها ، فالأرض الصغيرة تستفيد اقلّ والأرض الواسعة تستفيد اكثر ، وهكذا قلوب الناس في مقابل الفيض الالهي.

٤ ـ الباطل والأوضاع المضطربة

عند ما يصل الماء الى السهل او الصحراء ويستقرّ فيها ، تبدا المواد المختلطة مع الماء بالترشّح ويذهب الزبد فيظهر الماء النقي مرّة ثانية ، وعلى هذا النحو فالباطل يبحث عن سوق مضطربة حتّى يستفيد منها ، ولكن بعد استقرار السوق وجلوس كلّ تاجر في مكانه المناسب وتحقق الالتزامات والضوابط في المجتمع ، لا يجد الباطل له مكانا فينسحب بسرعة!

٥ ـ الباطل يتشكّل بأشكال مختلفة

انّ واحدة من خصائص الباطل هي انّه يغيّر لباسه من حين لآخر ، حتّى إذا عرفوه بلباسه يستطيع ان يخفي وجهه بلباس آخر ، وفي الآية أعلاه اشارة لطيفة لهذه المسألة ، حيث تقول : لا يظهر الزبد في الماء فقط ، بل يظهر حتّى في الافران المخصوصة لصهر الفلزات بشكل ولباس آخر ، وبعبارة اخرى فإنّ الحقّ والباطل موجودان في كلّ مكان كما يظهر الزبد في السوائل بالشكل المناسب لها. وعلى هذا يجب ان لا نخدع بتنوّع الوجوه وان نعرف أوجه الباطل ونطرحه جانبا.

٦ ـ ارتباط البقاء بالنفع

تقول الآية :( وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ) ليس الماء فقط يبقى ويذهب الزبد الطافي عليه ، بل حتّى الفلزات تلك التي تستعمل للزينة او للمتاع

٣٧٥

يبقى الخالص منها ويذهب خبثه. وعلى هذا النحو فالناس والمدارس والمبادئ لهم حقّ الحياة على قدر منفعتهم ، وإذا ما رأينا بقاء اصحاب المبادئ الباطلة لفترة فإنّ ذلك بسبب وجود ذلك المقدار من الحقّ الذي اختلط فيه ، وبهذا المقدار له حقّ الحياة.

٧ ـ كيف يطرد الحقّ الباطل؟

«الجفاء» بمعنى الإلقاء والإخراج ، ولهذا نكتة لطيفة وهي انّ الباطل يصل الى درجة لا يمكن فيها ان يحفظ نفسه ، وفي هذه اللحظة يلقى خارج المجتمع ، وهذه العملية تتمّ في حالة هيجان الحقّ ، فعند غليان الحقّ يظهر الزبد ويطفو على سطح ماء القدر ويقذف الى الخارج ، وهذا دليل على انّ الحقّ يجب ان يكون في حالة هيجان وغليان دائما حتّى يبعد الباطل عنه.

٨ ـ الباطل مدين للحقّ ببقائه

كما قلنا في تفسير الآية ، فلو لم يكن الماء لما وجد الزبد ، ولا يمكن له ان يستمر ، كما انّه لولا وجود الحقّ فإنّ الباطل لا معنى له ولو لم يكن هناك اشخاص صادقون لما وقع احد تحت تأثير الافراد الخونة ولما صدّق بمكرهم ، فالشعاع الكاذب للباطل مدين في بقائه لنور الحقّ.

٩ ـ صراع الحقّ والباطل مستمر

المثال الذي ضربه لنا القرآن الكريم في تجسيم الحقّ والباطل ليس مثالا محدودا في زمان ومكان معينين ، فهذا المنظر يراه الناس في جميع مناطق العالم المختلفة ، وهذا يبيّن انّ عمل الحقّ والباطل ليس مؤقتا وآنيا. وجريان الماء

٣٧٦

العذب والمالح مستمر الى نفخ الصور ، الّا إذا تحوّل المجتمع الى مجتمع مثالي (كمجتمع عصر الظهور وقيام الامام المهديعليه‌السلام ) فعنده ينتهي هذا الصراع ، وينتصر الحقّ ويطوي بساط الباطل ، وتدخل البشرية مرحلة جديدة من تاريخها ، والى ان نصل الى هذه المرحلة فالصراع مستمر بين الحقّ والباطل ، ويجب ان نحدّد موقفنا في هذا الصراع.

١٠ ـ تزامن الحياة مع السعي والجهاد

المثال الرائع أعلاه يوضّح هذا الأساس لحياة الناس ، وهو انّ الحياة بدون جهاد غير ممكنة ، والعزّة بدون سعي غير ممكنة ايضا ، لانّه يقول : يجب ان يذهب الناس الى المناجم لتهيئة مستلزمات حياتهم في المتاع والزينة( ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ ) . وللحصول على هذين الشيئين يجب تنقية المواد الخام من الشوائب بواسطة نيران الافران للحصول على الفلز الخالص الصالح للاستعمال ، وهذا لا يتمّ الّا من خلال السعي والمجاهدة والعناء.

وهذه هي طبيعة الحياة حيث يوجد الى جانب الورد الشوك ، والى جانب النصر توجد المصاعب والمشكلات ، وقالوا في القديم : (الكنوز في الخرائب وفوق كلّ كنز يوجد ثعبان نائم) ، فإنّ هذه الخربة والثعبان تمثّلان المشاكل والصعوبات للحصول على الموفّقية في الحياة.

ويؤكّد القرآن الكريم هذه الحقيقة وهي انّ التوفيق لا يحصل الّا بتحمّل المصاعب والمحن ، يقول جلّ وعلا في الآية (٢١٤) من سورة البقرة :( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ ) .

٣٧٧

الأمثال في القرآن :

انّ دور المثال في توضيح وتفسير الغايات له اهميّة كبيرة غير قابلة للإنكار ، ولهذا السبب لا يوجد اي علم يستغني عن ذكر المثال لاثبات وتوضيح الحقائق وتقريب معناها الى الأذهان ، وتارة ينطبق المثال مع المقصود بشكل يجعل المعاني الصعبة تنزل من السّماء الى الأرض وتكون مفهومة للجميع ، فيمكن ان يقال : انّ المثال له دور مؤثّر في مختلف الأبحاث العلمية والتربوية والاجتماعية والاخلاقية وغيرها ، ومن جملة تأثيراته :

١ ـ المثال يجعل المسائل محسوسة :

من المعلوم أنّ الإنسان يأنس بالمحسوسات أكثر ، أمّا الحقائق العلمية المعقّدة فهي بعيدة المنال. والأمثال تقرّب هذه الفواصل وتجعل الحقائق المعنوية محسوسة ، وإدراكها يسير ولذيذ.

٢ ـ المثال يقرّب المعنى :

تارة يحتاج الإنسان لاثبات مسألة منطقية او عقلية الى ادلّة مختلفة ، ومع كلّ هذه الادلّة تبقى هناك نقاط مبهمة محيطة بها ، ولكن عند ذكر مثال واضح منسّق مع الغاية يقرّب المعنى ويعزّز الادلّة ويقلّل من كثرتها.

٣ ـ المثال يعمّم المفاهيم

كثير من البحوث العلمية بشكلها الاصلي يفهمها الخواص فقط ، ولا يستفيد منها عامّة الناس ، ولكن عند ما يصحبها المثال تكون قابلة للفهم ، ويستفيد منها الناس على اختلاف مستوياتهم العلمية ، ولهذا فالمثال وسيلة لتعميم الفكر

٣٧٨

والثقافة.

٤ ـ المثال ، يزيد في درجة التصديق :

مهما تكن الكليّات العقلية منطقية ، فإنّها لا تخلق حالة اليقين الكافية في ذهن الإنسان ، لانّ الإنسان يبحث عن اليقين في المحسوسات ، فالمثال يجعل من المسألة الذهنيّة واقعا عينيّا ، ويوضّحها في العالم الخارجي ، ولهذا السبب فإنّ له اثره في زيادة درجة تصديق المسائل وقبولها.

٥ ـ المثال يخرس المعاندين :

كثيرا ما لا تنفع الادلّة العقليّة والمنطقيّة لاسكات الشخص المعاند حيث يبقى مصرّا على عناده ولكن عند ما نصب الحديث في قالب المثال نوصد الطريق عليه بحيث لا يبقى له مجال للتبرير ولا لاختلاق الاعذار. ولا بأس ان نطرح هنا بعض الامثلة حتّى نعرف مدى تأثيرها : نقرا في القرآن الكريم انّ الله سبحانه وتعالى يرد على الذين اشكلوا على ولادة السّيد المسيحعليه‌السلام كيف انّه ولد من امّ بغير أب( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ) .(١)

لاحظوا جيدا ، فنحن مهما حاولنا ان نقول للمعاندين : انّ هذا العمل بالنسبة الى قدرة الله المطلقة لا شيء ، فمن الممكن ان يحتجّوا ايضا ، ولكن عند ما نقول لهم هل تعتقدون انّ آدم خلقه الله من تراب؟ فإنّ الله الذي له هذه القدرة كيف لا يستطيع إيجاد شخص بدون أب؟!

__________________

(١) آل عمران ، ٥٩.

٣٧٩

وبالنسبة الى المنافقين الذين يقضون في ظلّ نفاقهم ايّاما مريحة ظاهرا ، فإنّ القرآن الكريم يضرب مثالا رائعا عن حالهم ، فيشبهّهم بالمسافرين في الصحراء فيقول( يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .(١) .

فهل يوجد أوضح من هذا الوصف للمنافق التائه في الطريق ، ليستفيد من نفاقه وعمله كي يستمرّ في حياته؟

وعند ما تقول للافراد : انّ الإنفاق يضاعفه لكم الله عدّة مرّات قد لا يستطيعون ان يفهموا هذا الحديث ، ولكن يقول القرآن الكريم :( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ) (٢) ، وهذا المثال الواضح اقرب للإدراك.

وغالبا ما نقول : انّ الرياء لا ينفع الإنسان ، فقد يكون هذا الحديث ثقيلا على البعض ، كيف يمكن لهذا العمل ان يكون غير مفيد ، فبناء مستشفى او مدرسة حتّى لو كان بقصد الرياء لماذا ليست له قيمة عند الله؟!

ولكن يضرب الله مثالا رائعا حيث يقول :( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً ) .(٣) ولكي لا نبتعد كثيرا فالآية التي نحن بصدد تفسيرها تبحث في مجال الحقّ والباطل وتجسّم هذه المسألة بشكل دقيق ، المقدّمات والنتائج ، والصفات والخصوصيات والآثار ، وتجعلها قابلة الفهم للجميع وتسكت المعاندين ، واكثر

__________________

(١) البقرة ، ٢٠.

(٢) البقرة ، ٢٦١.

(٣) البقرة ، ٢٦٤.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572