الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل13%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 572

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 572 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 287702 / تحميل: 5229
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الآيات

( قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (٨٣) )

التّفسير

عاقبة الجماعة الظّالمة :

وأخيرا حين شاهد الملائكة رسل الله الأضياف ما عليه لوط من العذاب النفس كشفوا «ستارا» عن اسرار عملهم و( قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ ) .

الطريف هنا انّ ملائكة الله لم يقولوا : لن يصلنا سوء وضرر ، بل قالوا : لن يصلوا إليك يا لوط فيؤذوك ويسيئوا إليك!

وهذا التعبير امّا لانّهم كانوا يحسبون انّهم غير منفصلين عن لوط لانّهم

٢١

أضيافه على كل حال ، وهتك حرمتهم هتك لحرمة لوط. او لانّهم أرادوا ان يفهموا لوطا بأنّهم رسل الله ، وانّ عدم وصول قومه إليهم بالاساءة امر مسلّم به ، بل حتى لوط نفسه الذي هو رجل من جنس أولئك لن يصلوا اليه بسوء ، وذلك بلطف الله وفضله.

نقرا في الآية (٣٧) من سورة القمر( وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ ) وهذه الآية تدل على ان هؤلاء الجماعة الذين أرادوا السوء بأضياف لوط ، فقدوا بصرهم بإذن الله ، فلم يستطيعوا الهجوم عليهم. ونقرا في بعض الرّوايات ـ ايضا ـ انّ احد الملائكة غشّى وجوههم بحفنة من التراب فعموا جميعا.

وعلى كل حال ، فاطلاع لوطعليه‌السلام على حال أضيافه ومأموريتهم نزل كالماء البارد على قلبه المحترق واحسّ بلحظة واحدة ان ثقلا كبيرا من الغمّ والحيرة قد ازيل عن قلبه ، وأشرقت عيناه بالسرور والبهجة ، وعلم انّ مرحلة الغم والحيرة أشرفت على الانتهاء ، ودنا زمن السرور والنجاة من مخالب هؤلاء القوم المنحرفين المتوحشين.

ثمّ امر الأضياف لوطا ـ مباشرة ـ ان يرحل هو واهله من هذه البلدة وقالوا :( فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ ) (١) .

ولكن كونوا على حذر( وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ ) الى الوراء( إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ ) لتخلّفها عن امر الله وعصيانهم مع العصاة الظلمة.

وفي قوله تعالى :( لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ ) عند المفسّرين احتمالات عديدة.

الاوّل : لا ينظر احد الى ورائه مديرا وجهه الى الخلف.

الثّاني : لا تفكروا بما تركتم خلفكم من الأموال ووسائل المعاش ، انّما عليكم

__________________

(١) «أسر» مشتق من «الاسراء» وهو المسير ليلا ، وذكر الليل في الآية من باب توكيد الموضوع ، والقطع معناه ظلمة الليل ، اشارة الى ان يتحرك والناس نيام او مشغولون عنه بالشراب وحلك الليل ليخرج وهم في غفلة عنه.

٢٢

ان تنجوا أنفسكم من الهلاك.

الثّالث : لا يتخلف منكم احد عن هذه القافلة الصغيرة.

الرّابع : انّ الأرض ستضطرب حال خروجكم وستبدأ مقدمات العذاب فاهربوا بسرعة ولا تلتفتوا الى الوراء ولكن لا مانع من الجمع بين هذه الاحتمالات كلها في الآية(١) .

وخلاصة الأمر فإنّ آخر ما قاله رسل الله ـ اي الملائكة ـ للوطعليه‌السلام : انّ العذاب سينزل قومه صباحا. ومع اوّل شعاع للشمس سيحين غروب حياة هؤلاء :( إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ) .

ونقرا في بعض الرّوايات انّ الملائكة حين وعدوا لوطا بنزول العذاب صباحا ، سأل لوط الملائكة لشدة ما لقيه من قومه ممّا ساءه ، وجرح قلبه وملأه همّا وغمّا ان يعجلوا عليهم بالعذاب في الحال فإنّ الأفضل الاسراع ، ولكن الملائكة طمأنوه وسرّوا عنه بقولهم :( أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ) .

وأخيرا دنت لحظة العذاب وتصرّمت ساعات انتظار لوط النّبيعليه‌السلام ، وكما يقول القرآن الكريم( فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ) .

وكلمة «سجّيل» فارسية الأصل ، وهي مركبة من «سنگ» ومعناها الحجارة و «گل» ومعناها الطين ، فعلى هذا هي شيء صلبا كالحجارة ولا رخوا كالزهرة ،

__________________

(١) في قوله( إِلَّا امْرَأَتَكَ ) هذا الاستثناء من اي جملة هو؟ للمفسّرين احتمالان : «الاوّل» انّه يعدّ استثناء من( لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ ) ومفهومها انّ لوطا واهله بما فيهم امرأته تحركوا للخروج من المدينة ولم يلتفت منهم احد كما أمرهم الرسل ، الا امراة لوط فإنّها بحكم علاقتها بقوم لوط وتأثرها على مصيرهم ، وقفت لحظة ونظرت الى الوراء ، وطبقا لبعض الرّوايات أصابها حجر من الأحجار التي كانت تهوي على المدينة فقتلت به. «الثاني» انّه استثناء من جملة( فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ ) فيكون معناها انّ جميع اهله ذهبوا معه ولكن امرأته بقيت في المدينة ولم يأخذها لوط معه ، ولكن الاحتمال الاوّل انسب.

٢٣

وانّما هي برزخ «وسط» بينهما.

و «المنضود» من مادة «نضد» ومعناه كون الشيء مصفوفا وموضوعا بشكل متتابع ومتراكم ، اي انّ هذا المطر كان متتابعا سريعا الى درجة حتى كأنّ هذه الأحجار تتراكب بعضها فوق بعض فتكون «منضودة».

ولكن هذه الأحجار ليست أحجارا عادية ، بل هي أحجار فيها علامات عند الله( مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ ) .

ولا تتصوروا انّ هذه الأحجار مخصوصة بقوم لوط ، بل( وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ) .

هؤلاء القوم المنحرفون ظلموا أنفسهم وظلموا مجتمعهم ، لعبوا بمصير أمتهم كما هزئوا بالايمان والأخلاق الانسانيّة ، وكلّما نصحهم نبيّهم بإخلاص وحرقة قلب لم يسمعوا له وسخروا منه ، وبلغت صلافتهم وعدم حيائهم حدّا انّهم أرادوا الاعتداء على ضيوف زعيمهم ويهتكوا حرمتهم.

هؤلاء الذين كانوا قد قلبوا كل شيء يجب ان تنقلب مدينتهم عليهم ، ولا يكفي ان يغدو عليها سافلها ، بل ليمطروا بوابل من الأحجار تدمّر كل شيء من «معالم الحياة» هناك ولا يبقى منهم سوى صحراء موحشة وقبور مظلمة تحت ركام الأحجار الصغيرة.

وهل انّ الذين ينبغي معاقبتهم هم قوم لوط فحسب؟ قطعا لا. فكل جماعة منحرفة وامّة ظالمة ينتظرها مثل هذا المصير ، فتارة تكون تحت وابل الأحجار ، وأخرى تحت ضربات القنابل المحرقة ، وحينا تحت ضغط الاختلافات الاجتماعية القاتلة ، وأخيرا فإنّ لكلّ شكلا من العذاب وصورة معينة.

* * *

٢٤

ملاحظات

١ ـ لم كان العذاب صباحا؟

ملاحظة الآيات المتقدمة تثير في ذهن القارئ هذا السؤال ، وهو ايّ اثر للصبح في هذا الأمر ، ولم لم ينزل العذاب في قلب الليل البهيم؟!

ترى هل كان ذلك لانّ الجماعة الذين هجموا على دار لوط فعموا وعادوا الى قومهم وحدثوهم بما جرى لهم ، فحينئذ فكر أولئك بما حدث! وانّ الله امهلهم الى الصباح لعلهم ينتبهون ويتوبون؟

او انّ الله لم يرد الاغارة عليهم في الليل ، ولذلك فقد امر الملائكة ان ينتظروا حتى يحين الصباح؟!

لم يرد في كتب التّفسير شيء من هذا ، ولكنّ ما ذكرناه آنفا احتمالات تستحق المطالعة.

٢ ـ لم قلب الله عاليها سافلها؟

قلنا : انّ العذاب ينبغي ان يتناسب مع الإثم ، وحيث انّ هؤلاء القوم قلبوا كل شيء عن طريق الانحراف الجنسي فإنّ الله جعل مدنهم عاليها سافلها ايضا ، وحيث كانوا دائما يتقاذفون بالكلمات البذيئة فيما بينهم ، فإنّ الله امطرهم بحجارة لتتهاوى على رؤوسهم ايضا.

٣ ـ لماذا الوابل من الأحجار؟!

وهل كان امطارهم بالأحجار الصغيرة قبل انقلاب المدن ، او كان مقترنا ومتزامنا معها ، او بعدها؟!

هناك اقوال بين المفسّرين ، والآيات القرآنية لم تصرّح بشيء في هذا الشأن ايضا ، لانّ الجملة عطفت بالواو ، وهي لمطلق العطف ولا يستفاد منها الترتيب.

٢٥

ولكن بعض المفسّرين ـ كصاحب المنار ـ يعتقد انّ مطر الأحجار امّا ان يكون قبل ان يقلب عاليها سافلها ، او مقترن مع القلب ، وذلك لينال بعض الافراد الذين التجأوا الى زاوية او معزل ولم يدفنوا تحت الانقاض جزاءهم العادل ولا تبقى لهم فرصة للهروب.

والرّواية التي تقول : انّ امراة لوط حين سمعت الصوت والتفتت لترى ما حدث أصابها حجر في الحال فقتلها ، هذه الرّواية تدل على انّ الأمرين «القلب ووابل المطر» حدثا مقترنين.

ولكن لو تجاوزنا عن ذلك فما يمنع ان يكون وابل الأحجار ـ لتشديد العذاب ـ بعد قلب المدن عاليها سافلها ، لتتوارى أرضهم وتنمحى آثارها تماما.

٤ ـ لماذا العلامة المتميّزة؟!

قلنا : انّ جملة( مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ ) تفهمنا هذه المسألة الدقيقة ، وهي انّ هذه الأحجار كانت ذوات علائم خاصّة ومميّزة عند الله سبحانه ولكن كيف كانت علاماتها؟ هناك اقوال بين المفسّرين فقال بعضهم : كان في هذه الأحجار علامات تدل على انّها ليست كسائر الأحجار «العادية» بل هي خاصّة لنزول العذاب الالهي لئلا تختلط مع سقوط الأحجار الاخرى ، ولذا قال آخرون : انّ هذه الأحجار لم يكن لها شبه مع أحجار الأرض بل تدل مشاهدة وضعها على انّها أحجار سماويّة نزلت الى الكرة الارضية من خارجها.

وقال آخرون : هي علامات في علم الله ، انّ كل حجر منها يصيب شخصا بعلامته او يستهدف نقطة معينة ، وهي اشارة الى دقة الحساب في عقاب الله وجزائه بحيث يعلم ايّ شخص يصيبه اي حجر! وليس المسألة اعتباطيّة.

٢٦

٥ ـ تحريم الانحراف الجنسي

يعدّ الميل الجنسي الى المماثل «سواء وقع ذلك بين الرجال او بين النساء» من الذنوب الكبيرة في الإسلام ، وقد جعل الإسلام لكل من الحالتين حدا شرعيا.

فالحدّ الشرعي في «اللواط» هو القتل فاعلا كان الرجل ام مفعولا. وهناك طرق مبيّنة لهذا القتل في الفقه الاسلامي ، ويجب ان يعوّل على طرق معتبرة وقطعية لاثبات هذا الذنب وردت في الفقه الاسلامي وروايات المعصومين في هذا المجال. فلا يكفي لاقامة الحد الشرعي ـ وهو القتل هنا ـ حتى اقرار المذنب على نفسه ثلاث مرات ، بل يجب ان يقرّ على نفسه اربع مرات على الأقل.

وامّا الحدّ على المراة في عملية المساحقة فيكون بعد الإقرار بالذنب على نفسها اربع مرات ، او شهادة اربعة شهود «وبالشرائط المذكورة في الفقه» مائة جلدة ، وقال بعض الفقهاء ، إذا كانت المراة التي تقوم بهذا العمل الشنيع ذات بعل فحدّها القتل.

واقامة هذه الحدود لها شرائط دقيقة ذكرت في كتب الفقه الاسلامي.

والرّوايات التي تذم الميل الجنسي الى المماثل والمنقولة عن قادة الإسلام كثيرة ومذهلة والمطالع لهذه الرّوايات يحسّ انّ قبح هذا الذنب ليس له مثيل بين الذنوب.

نقرا مثلا من هذه الرّوايات رواية عن الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : «لمّا عمل قوم لوط ما عملوا بكت الأرض الى ربّها حتى بلغت دموعها السّماء ، وبكت السّماء حتى بلغت دموعها العرش ، فأوحى الله الى السّماء ان احصبيهم واوحى الى الأرض ان اخسفي بهم»(١) .

ونقرا في حديث للإمام الصادق انّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من جامع غلاما جاء

__________________

(١) تفسير البرهان ، ج ٢ ، ص ٢٣١.

٢٧

يوم القيامة جنبا لا ينقّيه ماء الدنيا ، وغضب الله عليه ولعنه واعدّ له جهنم وساءت مصيرا. ثمّ قال : ان الذكر يركب الذكر فيهتز العرش لذلك»(١) .

ونقرا في حديث للإمام الصادقعليه‌السلام «... والعامل على هذا من الرجال إذا بلغ أربعين سنة لم يتركه ، وهم بقية سدوم. امّا اني لست اعني بهم انّهم بقيتهم انّهم ولدهم ، ولكنّهم من طينتهم ، قال : قلت : سدوم التي قلبت ، قال : هي اربع مدائن «سدوم وصريم والدما وغميرا» او [ولدنا وعموّرا] إلخ(٢) .

ونقرا في رواية اخرى عن الامام امير المؤمنينعليه‌السلام انّه قال : «سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال»(٣) .

فلسفة تحريم الميول الجنسية لامثالها

بالرغم من انّ العالم الغربي مليء بالانحرافات الجنسية ، وانّ هذه الأعمال السيئة قد باتت متعارفة بحيث سمع انّ بعض الدول كبريطانيا وطبقا لقانون صدر بكل وقاحة من المجلس النيابي «البرلمان» فيها يجوز هذا الموضوع «اللواط او السحاق» ولكن شيوع هذه المنكرات لا يخفف من قبحها ومن مفاسدها الاخلاقية والاجتماعية والنفسية.

بعض اتباع المذاهب المادّية الذين تلوّثوا بمثل هذه المنكرات يقولون : نحن لا نجد محذورا طبيّا في هذا الأمر.

ولكنّهم لم يلتفتوا لي انّ كل انحراف جنسي له اثره السلبي في روحية الإنسان وبنائه النفسي يفقده توازنه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٤٩.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٥٣.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٥٥.

٢٨

توضيح ذلك ، انّ الإنسان الطبيعي والسليم يميل الى المخالف من جنسه ، اي انّ الرجل يميل الى المراة ، والمراة تميل الى الرجل ، وهذا الميل من اشدّ الغرائز المتجذرة فيه ، والضامن لبقاء نسله ، فأيّ عمل يؤدّي الى تحوير هذا الميل الطبيعي عن مساره فسيوجد نوعا من المرض والانحراف النفسي في الإنسان.

فالرجل الذي يميل الى نظيره من جنسه ، ليس رجلا كاملا ، وقد عدّ هذا الانحراف في كتب الأمور الجنسية «هموسكو اليسيم» اي الميل الجنسي للمماثل من أهم الانحرافات.

والاستمرار على هذا العمل وادامته يميت في الفرد الميل الجنسي الى المخالف. والشخص الذي يسلّم نفسه لممارسة هذا العمل معه يشعر شيئا فشيئا «باحساسات المراة» ويورث هذا العمل الطرفين «الفاعل والمفعول» ضعفا مفرطا في الجنس حتى انّه لا يستطيع بعد مدّة على المعاشرة الطبيعية مع جنسه المخالف.

ومع ملاحظة انّ الإحساسات الجنسيّه [بالنسبة للرجل والمراة] لها تأثيرها في أعضاء بدن كل منهما ، كما انّ لها تأثيرها على روحية كلّ منهما وأخلاقه.

تتّضح انّ فقدان الإحساسات الطبيعية الى اي درجة سيؤثر على روح الإنسان وجسمه حتى انه من الممكن ان يبتلى الافراد هؤلاء بالضعف الجنسي الذي يؤدّي الى عدم القدرة على الانجاب والتوليد.

وهؤلاء الأشخاص ـ غالبا ـ ليسوا أصحاء من الناحية النفسيّة ، ويحسون في داخلهم انّهم غرباء عن أنفسهم وغرباء عن مجتمعهم ويفقدون بالتدريج القدرة على الارادة التي هي أساس لكم نجاح وشرط من شروطه ، ويتكرس في روحهم نوع من الاضطراب والقلق.

وإذا لم يصمموا على إصلاح أنفسهم فورا ، ولم يستعينوا عند الضرورة والحاجة بالطبيب النفسي او الطبيب الجسمي فسيغدو هذا العمل عندهم عادة

٢٩

يصعب تركها ، فمن وعلى كلّ حال ، فإنّ اي وقت لترك هذا العمل القبيح لا يعدّ خارجا عن أوانه ، بل لا بدّ من التصميم الجاد.

ولا ريب انّ الحيرة والاضطراب النفسي قد يجرّ هؤلاء الى استعمال المواد المخدرة والمشروبات الكحولية ، كما يجرّهم الى انحرافات أخلاقية اخرى ، وهذا بنفسه شقاء عظيم.

الطريف انّنا نقرا في الرّوايات الاسلامية عبارة موجزة وذات معنى كبير تشير الى هذه المفاسد ، ومن هذه الرّوايات ما نقل عن الامام الصادقعليه‌السلام انّ رجلا سأله : لم حرّم الله اللواط؟ فقال سلام الله عليه : «من اجل انّه لو كان إتيان الغلام حلالا لاستغنى الرجال عن النساء وكان فيه قطع النسل وتعطيل الفروج وكان في اجازة ذلك فساد كبير»(١) .

وما يجدر ذكره انّ احد العقوبات الشرعية لهذا العمل انّ الإسلام حرم الزواج من اخت المفعول وامّه وبنته على الفاعل ، اي إذا تحقق اللواط قبل الزواج فعندئذ يحرم الزواج منهنّ حرمة مؤبدة.

وآخر ما ينبغي التذكير به هنا من المسائل الدقيقة ، ان جرّ الافراد الى مثل هذا الانحراف الجنسي له اسباب وعلل مختلفة ، حتى من ضمنها أحيانا طريقة التعامل والمعاشرة من قبل الوالدين مع ابنائهما ، او الغفلة عنهم وعدم مراقبة من معهم من بني جنسهم ، وطريقة معاشرتهم ومنامهم معا في بيت واحد ، كل ذلك له اثره الفاعل في هذا التلوّث والانحراف.

نحن نقرا في احوال قوم لوط انّ سبب انحرافهم وتلوثهم بهذا الذنب انّهم كانوا قوما بخلاء ، ولمّا كانت مدنهم على قارعة الطريق التي تمرّ بها قوافل الشام ولم يكونوا ليرغبوا في استضافة العابرين من المسافرين ، كانوا يوحون إليهم بداية الأمر انّهم يريدون ان يعتدوا عليهم جنسيا ليفرّ منهم الضيوف والمسافرون ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ١٤ ، ص ٢٥٢.

٣٠

ولكنّ هذا العمل أصبح بالتدريج مألوفا عندهم ونما عندهم الانحراف الجنسي وبلغ عملهم حدّا انّهم تلوّثوا بالآثام من قرنهم الى قدمهم(١) .

وربّما جرّ المزاح غير المناسب بين الذكور او بين الإناث الى هذا الانحراف ، فعلى كل حال ، ينبغي ملاحظة هذه المسائل بدقة انقاذ المنحرفين والملوّثين بهذا الذنب بسرعة ، ويطلب من الله التوفيق في هذا السبيل.

أخلاق قوم لوط :

ونقرا في الرّوايات والتواريخ الاسلامية اعمالا سيئة كانت عند قوم لوط سوى الانحراف الجنسي المشار اليه ، ومن هذه الأعمال ما ورد في «سفينة البحار» حيث نقرا ما يلي : قبل كانت مجالسهم ، تشتمل على انواع المناكير مثل الشتم والسخف والصفع والقمار وضرب المخراق وخذف الأحجار على من مرّ بهم ، وضرب المعازف والمزامير وكشف العورات(٢) .

وواضح انّ الانحراف في مثل هذه البيئة واعمال السوء تأخذ ابعادا جديدة كل يوم ، وبغض النظر عن قبح الأعمال السيئة ـ أساسا ـ تبلغ الحال درجة لا يرى عندها اي عمل في نظر تلك البيئة سيّئا او منكرا.

ويوجد في عصر تقدم العلوم من هم أشقى من قوم لوط حيث يسلكون نفس ذلك السبيل وقد تصل اعمال هؤلاء المخزية الى درجة ننسى عندها اعمال قوم لوط

* * *

__________________

(١) البحار ، ج ١٢ ، ص ١٤٧.

(٢) سفينة البحار ، ص ٥١٧.

٣١

الآيات

( وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٨٥) بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (٨٦) )

التّفسير

مدين بلدة شعيب

مع انتهاء قصّة قوم لوط تصل النوبة الى قوم شعيب واهل مدين ، أولئك الذين حادوا عن طريق التوحيد وهاموا على وجوههم في شركهم وعبادة الأصنام ، ولم يعبدوا الأصنام فحسب ، بل الدّرهم والدينار والثروة والمال ، ومن اجل ذلك فإنّهم لوثوا تجارتهم الرابحة وكسبهم الوفير بالغش والبخس والفساد.

في بداية القصّة تقول الآيات( وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً ) وكلمة «أخاهم» كما أشرنا إليها سابقا تستعمل في مثل هذا التعبير لبيان منتهى المحبّة من قبل

٣٢

الأنبياء لقومهم ، لا لانّهم افراد قبيلته وقومه فحسب ، بل اضافة الى ذلك فإنّه يريد الخير لهم. ويتحرق قلبه عليهم ، فمثله مثل الأخ الودود.

و «مدين» على وزن «مريم» اسم لمدينة شعيب وقبيلته ، وتقع المدينة شرق خليج العقبة ، وأهلها من أبناء إسماعيل ، وكانوا يتاجرون مع اهل مصر ولبنان وفلسطين.

ويطلق اليوم على مدينة «مدين» اسم «معّان» ولكن بعض الجغرافيين أطلقوا اسم مدين على الساكنين بين خليج العقبة وجبل سيناء.

وورد في التوراة ايضا اسم «مديان» ولكن تسمية لبعض القبائل ، وطبيعي انّ اطلاق الاسم على المدينة وأهلها امر رائج(١) .

هذا النّبي وهذا الأخ الودود المشفق على قومه ـ كأي نبيّ في أسلوبه وطريقته في بداية الدعوة ـ دعاهم اوّلا الى ما هو الأساس والعماد والمعتقد وهو «التوحيد» وقال :( يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ) .

لانّ الدعوة الى التوحيد دعوة الى هزيمة جميع «الطواغيت» والسنن الجاهلية ولا يتيسر ايّ إصلاح اجتماعي او اخلاقي بدونه.

ثمّ أشار الى احد المفاسد الاقتصادية التي هي من افرازات عبادة الأصنام والشرك ، وكانت رائجة عند اهل مدين يومئذ جدّا ، وقال :( وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ ) اي حال البيع والشراء.

و «المكيال» و «الميزان» من أدوات الوزن يعرف بهما وزن المبيع ومقداره ، ونقصانه يعني عدم إيفاء حقوق الناس والبخس في البيع.

ورواج هذين الأمرين بينهم يدل على عدم النظم والحساب والميزان في اعمالهم ونموذجا للظلم والجور والإجحاف في ذلك المجتمع الثري.

ويشير هذا النّبي العظيم بعد هذا الأمر الى علّتين :

__________________

(١) أعلام القرآن ، ص ٥٧٣.

٣٣

العلّة الاولى : هي قوله( إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ ) .

يقول اوّلا : انّ قبول نصحي يكون سببا لتفتح أبواب الخير عليكم وتقديم التجارة وهبوط سطح القيمة واستقرار المجتمع.

ويحتمل ايضا في تفسير هذه الجملة( إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ ) انّ شعيبا يقول لهم : انّي أراكم منعمين وفي خير كثير ، فعلى هذا لا مدعاة لعبادة الأصنام واضاعة حقوق الناس والكفر بدلا من الشكر على نعم الله سبحانه.

وثانيا :( وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ) بسبب إصراركم على الشرك والتطفيف في الوزن وكفران النعمة إلخ.

وكلمة «محيط» جاءت صفة ليوم ، اي يوم شامل ذو احاطة ، وشمول اليوم يعني شمول العذاب والعقاب في ذلك اليوم ، وهذا التعبير فيه اشارة الى عذاب الآخرة كما يشير الى عقاب الدنيا الشامل.

فعلى هذا لا أنتم بحاجة الى مثل هذه الأعمال ، ولا ربّكم غافل عنكم ، فينبغي إصلاح أنفسكم عاجلا.

والآية الاخرى تؤكّد على نظامهم الاقتصادي ، فإذا كان شعيب قد نهى قومه عن قلّة البيع والبخس في المكيال ، فهنا يدعوهم الى إيفاء الحقوق والعدل والقسط حيث يقول :( وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ ) .

ويجب ان يحكم هذا الأصل «وهو اقامة القسط والعدل ، وإعطاء كل ذي حقّ حقه» على مجتمعكم بأسره.

ثمّ يخطو خطوة أوسع ويقول :( وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ ) و «البخس» ومعناه في اللغة التقليل ، وجاء هنا بمعنى الظلم ايضا. ويطلق على الاراضي المزروعة دون سقي «انّها بخس» لانّ ماءها قليل ، حيث تعتمد على ماء المطر فحسب ، او انّ هذه الاراضي قليلة الانتاج بالنسبة الى الاراضي الزراعية الاخرى.

٣٤

وإذا توسعنا في معنى هذه الكلمة ومفهوم الجملة وجدناها دعوة الى رعاية جميع الحقوق الفردية والاجتماعية ولجميع الملل والنحل ، ويظهر «بخس الحق» في كل محيط وعصر وزمان بشكل معين حتى بالمساعدة دون عوض أحيانا ، والتعاون وإعطاء قرض معين (كما هي طريقة المستعمرين في عصرنا).

ونجد في نهاية الآية انّ شعيبا يخطو خطوة اخرى أوسع ويقول لقومه :( وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) .

فالفساد يقع عن طريق البيع ويقع عن طريق غصب حقوق الناس والاعتداء على حقوق الآخرين ، والفساد ايضا يقع في الإخلال بالموازين والمقاييس الاجتماعيّة ، ويقع ايضا ببخس الناس أشياءهم وأموالهم ، وأخيرا يقع الفساد على الحيثيات بالاعتداء على حرمتها وعلى النواميس وأرواح الناس.

وجملة «لا تعثوا» معناها «لا تفسدوا» بدلالة ذكر مفسدين بعدها لمزيد التوكيد على هذا الموضوع.

انّ الآيتين المتقدمتين تعكسان هذه الواقعية بجلاء ، وهي انّه بعد الاعتقاد بالتوحيد والنظر الفكري الصحيح ، ينظر الى الاقتصاد السليم بأهمية خاصّة ، كما تدلّان على انّ الإخلال بالنظام الاقتصادي سيكون أساسا للفساد الوسيع في المجتمع.

ثمّ يخبرهم انّ زيادة الثروة ـ التي تصل الى أيديكم عن طريق الظلم واستثمار الآخرين ـ ليست هي السبب في غناكم ، بل ما يغنيكم هو( بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) .

التعبير بـ «بَقِيَّتُ اللهِ » امّا لانّ الربح الحلال القليل المترشح عن امر الله فهو «بَقِيَّتُ اللهِ » وامّا لانّ الحصول على الرزق الحلال باعث على دوام نعم الله وبقاء البركات وامّا لانّه يشير الى الجزاء والثواب المعنوي الذي يبقى الى الأبد. فإنّ الدنيا فانية وما فيها لا محاله فان ، وتشير الآية (٤٦) من سورة الكهف :( وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ) الى هذا المضمون ايضا. والتعبير

٣٥

بقوله :( إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) اشارة الى انّ هذه الواقعية لا يعرفها الّا المؤمنون بالله وحكمته وفلسفة أوامره.

ونقرا في روايات متعددة في تفسير( بَقِيَّتُ اللهِ ) انّ المراد بها وجود المهدي عجّل الله فرجه الشريف ، او بعض الائمّة الآخرين ، ومن هذه الرّوايات ما نقل عن الامام الباقرعليه‌السلام في كتاب إكمال الدين : «اوّل ما ينطق به القائمعليه‌السلام حين يخرج هذه الآية( بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) ثمّ يقول : انا بقية الله وحجّته وخليفته عليكم ، فلا يسلّم عليه مسلم الّا قال : السّلام عليك يا بقية الله في ارضه»(١) .

وقد قلنا مرارا انّ آيات القرآن بالرغم من نزولها في موارد خاصّة ، الّا انّها تحمل مفاهيم جامعة وكلية ، بحيث يمكن ان تكون اثر مصداقا في العصور والقرون التالية وتنطبق على مجال أوسع ايضا.

صحيح انّ المخاطبين في الآية المتقدمة هم قوم شعيب ، والمراد من( بَقِيَّتُ اللهِ ) هو الربح وراس المال الحلال او الثواب الالهي ، الّا انّ كل موجود نافع باق من قبل الله للبشرية ، ويكون أساس سعادتها وخيرها يعدّ «بَقِيَّتُ اللهِ » ايضا.

فجميع أنبياء الله ورسله المكرمين هم «بَقِيَّتُ اللهِ » وجميع القادة الحقّ الذين يبقون بعد الجهاد المرير في وجه الأعداء فوجودهم في الامّة يعدّ «بَقِيَّتُ اللهِ » وكذلك الجنود المقاتلون إذا عادوا الى ذويهم من ميدان القتال بعد انتصاهم على الأعداء فهم «بَقِيَّتُ اللهِ » ومن هنا فإنّ «المهدي الموعود»عليه‌السلام آخر امام وأعظم قائد ثوري بعد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من اجلى مصاديق «بَقِيَّتُ اللهِ » وهو أجدر من سواه بهذا اللقب ، خاصّة انّه الوحيد الذي بقي بعد الأنبياء والائمّةعليهم‌السلام .

وفي نهاية الآية ـ محل البحث ـ نقرا على لسان شعيب( وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ) إذ وظيفته هي البلاغ وليس مسئولا على «إجبار» احد ابدا.

* * *

__________________

(١) نقلا عن تفسير الصافي ، في شرح المتقدمة.

٣٦

الآيات

( قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨) وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠) )

التّفسير

المنطق الواهي :

والآن فلنر ما كان ردّ القوم اللجوجين إزاء نداء هذا المصلح السّماوي «شعيب».

٣٧

فبما انّهم كانوا يتصورون انّ عبادة الأصنام من آثار سلفهم الصالح ، ودلالة على اصالة ثقافتهم ، وكانوا لا يرفعون اليد عن الغش في المعاملة وتحقيق الربح الوفير عن هذا الطريق( قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا ) ونترك حريتنا في التصرف بأموالنا فلا نستطيع الاستفادة منها( أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا ) ان هذا بعيد منك( إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ) ؟!

وهنا ينقدح هذا السؤال وهم لم سألوه عن الصلاة وأظهروا اهتمامهم بها؟! قال بعض المفسّرين : كان ذلك لانّ شعيبا كان يكثر من صلاته ويقول للناس : انّ الصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكرات.

ولكن هؤلاء الأغبياء الذين لم يعرفوا السرّ والعلاقة بين الصلاة وترك المنكرات ، كانوا يسخرون من شعيب وكانوا يقولون له : أهذه الاذكار والأوراد والحركات التي تقوم بها تأمرك ان نترك ما يعبد آباؤنا ونهمل سنّة السلف وثقافتنا التقليدية او ان نسلب اختيارنا من التصرف بأموالنا كيف شئنا؟!

واحتمل البعض انّ «الصلاة» اشارة الى العقيدة والدين ، لانّها عبارة عن المظهر البارز للدين.

وعلى كل حال لو كان أولئك يفكرون جيدا لادركوا هذا الأمر الواقعي وهو انّ الصلاة توقظ في الإنسان الاحساس بالمسؤولية والتقوى ومخافة الله ومعرفة الحقوق ، وتذكره بالله وبمحكمة عدل الله ، وتنفض عن قلبه غبار حبّ الذات وعبادة الذات! وتصرفه عن هذه الدنيا المحدودة والملوّثة الى عالم ما وراء الطبيعة ، الى عالم الصالحات وتزكية النفس ، ولذلك فهي تخلّصه من الشرك وعبادة الأصنام والتقليد الأعمى للسلف الجاهل وبخس الناس أشياءهم ، وعن انواع الغش والخداع إلخ.

كما ينقدح هنا سؤال آخر ، وهو : انّ قولهم لشعيب( إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ

٣٨

الرَّشِيدُ ) هل كان كلاما واقعيا من منطلق الايمان به ، ام هو على سبيل الاستهزاء والسخرية؟!

احتمل المفسّرون الوجهين ولكن مع ملاحظة أسلوب سؤالهم( أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ ) الذي يستبطن الاستهزاء ، يظهر انّ هذه الجملة على نحو الاستهزاء ، وهي اشارة الى انّ الإنسان الحليم الرشيد هو من لم يتعجل القول او الراي في امر دون ان يسبر غوره ويعرف كنهه ، والإنسان العاقل الرشيد هو من لم يسحق سنن قومه تحت رجليه ويسلب حريتهم في التصرف بأموالهم ، فيظهر انّك لم تسبر غور الأمور وليس لديك عقل حصيف وفكر عميق ، لانّ الفكر العميق والعقل يوجبان على الإنسان الّا يرفع يده عن طريقة السلف ، ولا يسلب من الآخرين الاختيار وحرية العمل.

ولكن شعيبا ردّ على من اتّهمه بالسفه وقلّة العقل بكلام متين و( قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً ) (١) .

انّه يريد ان يفهم قومه انّ في عمله هذا هدفا معنويا وانسانيا وتربويا ، وانّه يعرف حقائق لا يعرفها قومه ، والإنسان دائما عدوّ ما جهل.

ومن الطريف انّه في هذه الآيات يكرر عبارة( يا قَوْمِ ) وذلك ليعبّئ عواطفهم لقبول الحق وليشعرهم بأنّهم منه وانّه منهم ، سواء أكان المقصود بالقوم القبيلة او الطائفة او الجماعة او الاسرة ، ام كان المقصود الجماعة التي كان يعيش وسطهم ويعدّ جزءا منهم.

ثمّ يضيف هذا النّبي العظيم قائلا :( وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ ) فلا تتصوروا انني أقول لكم لا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تنقصوا المكيال ، وانا ابخس الناس او انقص المكيال ، او أقول لكم لا تعبدوا الأوثان وانا افعل

__________________

(١) ينبغي الالتفات الى انّ جزاء الجملة الشرطية محذوف هنا وتقديره هكذا ، أفأعدل مع ذلك عمّا انا عليه من عبادته وتبليغ دينه.

٣٩

ذلك كلّه ، كلا فإنّني لا افعل شيئا من ذلك ابدا.

ويستفاد من هذه الجملة انّهم كانوا يتهمون شعيبا بأنّه كان يريد الربح لنفسه ، ولهذا فهو ينفي هذا الموضوع صراحة ويقول تعقيبا على ما سبق( إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ) .

وهذا هو هدف الأنبياء جميعا ، حيث كانوا يسعون الى إصلاح العقيدة ، وإصلاح الأخلاق ، وإصلاح العمل ، وإصلاح العلائق والروابط الاجتماعية وانظمتها( وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ ) للوصول الى هذا الهدف.

وعلى هذا فإنني ، ولأجل أداء رسالتي والوصول الى هذا الهدف الكبير( عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) .

وأسعى للاستعانة به على حل المشاكل ، وأتوكل عليه في تحمّل الشدائد في هذا الطريق ، وأعود اليه ايضا.

ثمّ ينبههم الى مسألة أخلاقية ، وهي انّه كثيرا ما يحدث للإنسان انّه لا يعرف مصالحه وينسى مصيره ، وذلك بسبب بغضه وعدائه بالنسبة لشخص آخر او التعصب الأعمى واللجاجة في شيء ما ، فيقول لهم( وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي ) فتبتلوا بما ابتلى به غيركم و( أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ ) وما حدث لقوم لوط من البلاء العظيم حيث امطرهم الله بحجارة من سجيل منضود وقلب مدنهم فجعل عاليها سافلها( وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ ) فلا زمانهم بعيد عنكم كثيرا ، ولا مكان حياتهم ، كما انّ اعمالكم وذنوبكم لا تقل عن اعمالهم وذنوبهم ايضا.

و «مدين» التي كانت موطن شعيب لم تكن بعيدة عن موطن قوم لوط ، لانّ الموطنين كلاهما كانا من مناطق «الشامات» وإذا كان بينهما فاصل زمني ، فلم يكن الفاصل بالمقدار الذي يستدعي نسيان تأريخه ، وامّا من الناحية العملية فالفرق كبير بين الانحراف الجنسي الذي كان عليه قوم لوط والانحراف

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

هل كان صعباً تطبيق قواعد الإسلام في الحياة اليومية؟

كنت أتقصّد التفريق بين الممارسات الإسلامية والثقافة الإسلامية وذلك ما كان يختلط على الناس. «كوني أوروبية، اعتناقي الإسلام لا يعني بالضرورة ارتدائي العباءة في لندن» فالعباءة هي زي ثقافي ولكن اللباس الفضفاض هو المطلوب في الإسلام وليس الأمر محصوراً بارتداء العباءة. فأنا أصلّي، أدفع الصدقات والخمس، أمتنع كلياً عن شرب الكحول والمحرّمات ولكن ليس المطلوب مني أن ألبس العباءة مع أنني أمتلك واحدة أستمتع بارتدائها في المنزل. ولكن بطبيعة الحال، أثناء تواجدي في أوروبا - أرتدي الزي الأوروبي مع مراعاة الحجاب.

فأنا أرى الكثير من الممارسات والقيم الإسلامية في أوروبا كاحترام حقوق الإنسان والحفاظ على النظافة والبيئة وهذه القيم الإسلامية وللأسف مفقودة اليوم عند أغلبية المجتمعات الإسلامية. وهذا بالذات ما عناه المستشرق محمد أسد عندما قال: «تستطيع أن ترى الكثير من الإسلام في أوروبا والقليل من المسلمين، والكثير من المسلمين في الشرق ولكن القليل من الإسلام الحقيقي».

ما هي التحديات التي يفرضها تخلي المرء عن ديانته الأولى واعتناقه لديانة أخرى؟

إنّ التحول إلى الإسلام له تحدياته، خصوصاً على صعيد وجود بيئة مماثلة للتعايش معها. فمثلاً من الصعوبات التي تطرح: وجود زوج لائق لامرأة اعتنقت الإسلام، حيث تصبح الواحدة منا عالقة بين عالمين. فأنا شخصياً امرأة مطلَّقة وأعاني أحياناً من لسعة الوحدة.كذلك المسلمون يتحمسون كثيراً لاعتناق الآخرين لديانتهم ولكنني دائماً أقول، ماذا عن البيئة الحاضنة فيما بعد؟ حيث يبدأ العمل الحقيقي عندها. فهم يشجعون الناس على اعتناق الإسلام ومن ثم يتركونهم وحدهم لمصيرهم. أنا محظوظة ربما بإنشاء شبكة من الصداقات. ولكن كم مرّ علي من الأعياد لم أستطع الإحتفال بها كوني كنت وحيدة. فالعيد كان بالنسبة إليّ أداء الصلاة ومن ثم متابعة اليوم بشكل عادي للأسف.

ولكنني أجد إيجابية في ذلك أحياناً، عندما ينتهي بي الأمر في الأعياد بالعشاء مع أحد الذين اعتنقوا الإسلام كذلك ولا يجد من يعيّد معه.

٣٠١

فالعزلة هي ما يترتب علينا عند اعتناقنا مذهباً ما وتخلينا عن مذهب آخر، ففي عيد الميلاد، لا أكون فرداً مرحّباً به في عائلتي كوني اخترت سلوك طريق آخر. وفي شهر رمضان أجد نفسي وحيدة حيث لا يوجد من يتسحّر معي أو يتناول معي الإفطار إلا إن دعاني أحدهم. ولكنّ العزاء دائماً أنّ الله بصحبتي وهو خير صاحب.

وإن كان الإيمان بالله هو الذي يجعلني أقاوم تلك التحديات ولكنني سمعت عن كثيرين اعتنقوا الإسلام حديثاً قد عادوا وانكفؤوا عن ذلك بسبب عدم وجود الدعم المعنوي الكافي من المجتمع الإسلامي المحيط. ومنذ فترة التقيت بامرأة كانت قد اعتنقت الإسلام لفترة عشر سنوات ولكنها عادت لتصبح اليوم وزيرة مسيحية مجدداً.

أخيراً ما الرسالة التي وجهتها إلى الناس من خلال كتابك؟

لقد وجهت رسالة من خلال كتابي إلى الناس الذين يتعلقون اليوم بالمظاهر المادية للحياة. الكثير من الشبان يحلمون بما كنت أمتلكه في الـ «أم تي ڤي» من تسلية ومعارف وشهرة وثقافة.. كنت أمتلك كل ذلك ويمكنني القول بأنّني لم أكن أشعر بالسعادة ولا أفكّر أبداً باسترجاع حياتي السابقة. ذلك الفراغ الذي كنت أحسّ به قبل اعتناقي للإسلام امتلأ اليوم من خلال وجود هدف لحياتي وعلاقة مميزة مع الله وحلم بالجنة.

وتختم بايكر بالقول: أكثر ما يقلقني اليوم هو أنّ غالبية سكان بريطانيا يبنون معارفهم عن الإسلام من خلال ما تمليه عليهم وسائل الإعلام. فالناس هنا لا يذهبون إلى المكتبات ويشترون الكتب ليتعرفوا على الإسلام، بل يكتفون بقراءة الدايلي مايل أو مشاهدة التلفاز لتكوين رأيهم عن الإسلام. كل ما ينقصنا هو التعليم والتثقيف. ولذلك أنا دائماً جاهزة لإجراء المقابلات، لكي أتكلم وأشرح أكثر عن الإسلام. فمثلاً عندما تتصل صحيفة الصن بأحدهم لإجراء حوار، يمتنع عن القبول، ولكنني أفعل لأنّ إلقاء قطرة واحدة من الحقيقة في ذلك المحيط الشاسع يمكن أن يكون له أثر».

٣٠٢

بايكر اليوم تبقي نفسها منشغلة بتحسين صورة الإسلام في بريطانيا. وكانت واحدة من الذين نظموا حملة «ألهمني الرسول محمد (ص)» في لندن التي هدفت إلى تقديم صورة مشرقة عن الإسلام من خلال ملصقات يتم وضعها في مواقف الحافلات وعلى سيارات الأجرة وكانت صورتها ظهرت على إحدى الملصقات وقد كتب تحتها «أؤمن بحماية البيئة وكذلك الرسول محمد (ص)». وقد تلقّت وسائل الإعلام تلك الحملة بالقبول. وفي الآونة الأخيرة أجرت معها شبكة البي بي سي لقاءً حول الفيلم المسيء للإسلام «براءة المسلمين».

الأخ يحيى

انطباعات من مسلم جديد

القرآن: الوحي الأخير

استدركت ضرورة وحتمية بعث نبي جديد بعد النبي عيسى (ع) نتيجة الابتكارات المنسوبة إلى الوحي الإلهي فكانت الحاجة لنبي آخر بعد عيسى (ع) مع وحي آخر بعد الإنجيل. لهذا بعث الله محمداً (ص) مع آخر رسالة، (أي القرآن)، لإعادة كل البشرية إلى الإيمان وعبادة إله واحد هو الله، دون شركاء أو وسطاء. وفقاً للمسلمين، القرآن الكريم، مصدر دائم لهداية الناس، وقد قدم توضيحاً عقلانياً للدور التاريخي الرائع للنبي عيسى (ع)، فقد ورد اسم (عيسى) خمساً وعشرين مرة في القرآن الكريم الذي يتضمن سورة اسمها مريم تيمناً باسم والدة نبي الله عيسى: السيدة مريم بنت عمران (عليها السلام).

فالحتمية الإلهية لنزول وحي جديد، وجدتها في الآيات القرآنية التالية التي أقنعتني جدا:) وَمَا کَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ یُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَتَفْصِیلَ الْکِتَابِ لا رَیْبَ فِیهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِینَ ﴿37﴾﴾ [يونس: 37]، و﴿ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْیَقِینِ ﴿51﴾ ﴾ [الحاقة: 51]. تزامناً، كنت أشعر بالقلق خوفاً من حصول تحريف في القرآن الكريم لأنها كانت مشكلة كبيرة مع الكتب السماوية السابقة. فقرأت بأن القرآن لن يتغير أو لن يتم إلغاؤه:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿9﴾ ﴾ [الحجر: 9].

٣٠٣

وعرفت لاحقاً أن بعض الظواهر العلمية مذكورة في القرآن، وهذا ما يؤكد مصداقية الاعتقاد بأن القرآن هو كلام الله. فهناك آيات تصف تكوين الجنين داخل رحم أمه، وتكوين الجبال، وأصل الكون، والمخ، والبحار، والأمواج والسحب. إنه فوق استيعاب أي شخص أن يتصور أنّ هذه الحقائق كانت مكتشفة منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، ذلك أنه تم الكشف عن هذه الحقائق وتم تأكيدها في الآونة الأخيرة بواسطة علميات أُجريت بآليات متطورة.

الإسلام: جوهر وذروة الأديان السماوية

يعتقد المسلمون أن الغرض الأساسي لخلق الجنس البشري هو عبادة الله. كما قال في القرآن الكريم،﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ﴿56﴾ ﴾ [الذاريات: 56] وبحسب عالم إسلامي معروف في الغرب فإن «النظام الأكثر اكتمالا من العبادة المتاحة للإنسان اليوم هو النظام الموجود في دين الإسلام، وكلمة «الإسلام» تعني «التسليم والخضوع لإرادة الله (عزّ وجل)»، على الرغم من أنه يشارالى الإسلام عادة باسم ثالث الديانات التوحيدية الثلاث، فإنه ليس ديناً جديداً على الإطلاق. إنه دين جاء به جميع أنبياء الله للبشرية. فالإسلام هو دين آدم وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام).

ويضيف العالم «بما أن الله واحد، والبشر هو نوع واحد، فبالنتيجة الدين الذي سيبعثه الله للناس هو دين موحد، فالحاجات الروحية والاجتماعية البشرية هي ذاتها والطبيعة البشرية لم تتغير منذ تم إنشاء أول رجل وامرأة

وبما أن رسالة الله كانت دائما هي نفسها، أدركت أنه من واجب جميع البشر البحث عن الحقيقة في التدين وليس مجرد القبول والاتباع الأعمى للدين الذي يتولاه مجتمعهم أو الوالدين، وفقاً للقرآن،﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّیْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُکْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِیَّاهُ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿40﴾ ﴾ [يوسف: 40].

٣٠٤

وفيما يتعلق بالفطرة، قال النبي محمد (ص)، ما معناه كل مولود يولد على الفطرة لكن والديه يحولانه إلى اليهودية أو المسيحية أو المجوسية. وعلاوة على ذلك، قال الله تعالى:﴿ فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿30﴾ ﴾ [الروم: 30].

كذلك، تعلمت أنه لا يوجد دين آخر مقبول عند الله الى جانب الإسلام، كما قال بوضوح في القرآن الكريم:﴿ وَمَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الإسْلامِ دِینًا فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِی الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِینَ ﴿85﴾ ﴾ [آل عمران: 85].

فاستنتجت أن الانسان قد يهمل هدى الله ويقيم لنفسه معايير خاصة للمعيشة. ولكن في نهاية المطاف، سوف يكتشف أنه لم يكن يتبع إلا سراباً.

عابر

واصلت قراءة القرآن والتعرف على أقوال وأفعال النبي محمد (ص)، فلاحظت أن الإسلام يرى الإنسان (العبد) كرجل عابر لهذه الحياة، والآخرة هي الدار المقر.

فنحن هنا لفترة قصيرة، ولا يمكن أن نأخذ أي شيء معنا من هذه الحياة إلا إيماننا بالله وأفعالنا الحسنة. وبالتالي، ينبغي أن نكون مثل المسافر الذي يمر عبر الأراضي فقط ولا يأخذ أي شيء منها.يجب علينا أن نفهم أن معنى أن نكون على قيد الحياة هو أن نكون تحت اختبارات متواصلة. فهناك المعاناة والفرح والألم والغبطة. هذه الاختبارات من الخير والشر هدفها بلورة الصفات الروحية العليا فينا. نحن غير قادرين على الاستفادة من هذه التجارب إلا إذا بذلنا قصارى جهدنا، بحيث يكون لدينا ثقة كاملة بالله وتقبل ما يقدر الله لنا بصبر.

٣٠٥

الطريق إلى الجنة

كان لا بد من معرفة المزيد عن الجنة إذ إنها بالتأكيد الهدف النهائي الذي يسعى إليه كل فرد، يقول الله،﴿إِنَّمَا یُؤْمِنُ بِآیَاتِنَا الَّذِینَ إِذَا ذُکِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ ﴿15﴾ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ ﴿16﴾ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِیَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْیُنٍ جَزَاءً بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ ﴿17﴾ ﴾ [السجدة: 17] فصرت على بينة أن سروري غداً هو أبعد من كل خيال، إذ سأعيش هذا الفرح العارم في ظل الخالق.

كنت أتساءل أي النفوس تستحق هذه المكافأة؟ هذا الثواب أعظم من أن يكون له ثمن. قيل لي أن الثمن هو الايمان الحقيقي بالله والطاعة له ولنبيه محمد (ص) وآل بيته (عليهم السلام).

أدركت أن البشرية يجب أن تعبد الله لتحقيق البر والوضع الروحي اللازم لدخول الجنة.هذا يعني أنه على البشر الفهم أن العبادة لا غنى عنها كما الأكل والتنفس وليست مجرد معروف يقومون به تجاه الله.لذلك نحن بحاجة لقراءة القرآن لمعرفة أي نوع من الناس يريدنا الله أن نكون ونحاول أن نصبح على هذا النحو. إذاً هذا هو الطريق إلى الجنة.

التغلب على عقبة:

في هذه المرحلة، شعرت بأنني 80٪ أريد أن أصبح مسلماً، ولكن ما كان يدفعني إلى الخلف أنني كنت قلقاً من ردّة فعل عائلتي وأصدقائي لو علموا بأنني أصبحت مسلماً.

فأعربت عن قلقي لأخ مسلم فقال لي أنه في يوم القيامة، لا أحد سيكون قادراً على مساعدتك، لا والدك، ولا والدتك أو أي من أصدقائك. لذلك، إذا كنت تعتقد أن الإسلام هو الدين الحق، يجب أن تتقبله وتعيش حياتك لإرضاء واحد أحد هو الذي خلقك، وهو الله.

وهكذا، أصبح جلياً بالنسبة لي أننا جميعا في قارب واحد؛ وأن كل نفس ذائقة الموت ثم سنكون جميعاً مسؤولين عن معتقداتنا وعن أفعالنا أمام الله.

٣٠٦

شريط فيديو ذو مغزى:

في هذه المرحلة من بحثي عن الحقيقة، كنت على وشك اعتناق الاسلام. شاهدت محاضرة إسلامية على شريط فيديو حول الغرض من الحياة. وكان الموضوع الرئيسي لهذه المحاضرة أن الغرض من الحياة يمكن تلخيصه في كلمة واحدة، هي الإسلام (التسليم لإرادة الله).

على عكس الأديان أو المعتقدات الأخرى، فإن مصطلح «الإسلام» لا يرتبط بأي شخص أو مكان معين. قد أسمى الله الدين في الآية القرآنية التالية:﴿ إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ ﴾ [آل عمران: 19] فأي شخص يعتنق الإسلام يسمى مسلماً بغض النظر عن عرق ذلك الشخص أو جنسه أو جنسيته. هذا هو واحد من الأسباب التي تجعل الإسلام دينآً عالمياً.

قبل بحثي عن الحقيقة، لم أنظر بجدية إلى الإسلام كخيار بسبب الصورة السلبية المستمرة عن المسلمين في وسائل الإعلام. وقد أظهر مقطع من شريط الفيديو كيف أن المسلمين وعلى الرغم من تميز الإسلام بالمعاييرالأخلاقية العالية، ليسوا جميعاً متمسكين بهذه المعايير.و يمكن قول الشيء نفسه عن أتباع الديانات الأخرى.

فهمت أخيراً أننا لا نستطيع أن نحكم على الديانات من خلال تصرفات أتباعها وحدها، كما فعلت، لأن عامة البشر غير معصومين. على هذا الحساب، لا ينبغي لنا أن نحكم على الإسلام من تصرفات أنصاره، ولكن عن طريق الوحي (القرآن الكريم) وسنة النبي محمد (ص) وأهل بيته (عليهم السلام).

النقطة الأخيرة التي التقطتها هي أهمية الامتنان لله. فالله يذكر في القرآن أنه ينبغي لنا أن نكون ممتنين لحقيقة أنه خلقنا:﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَکُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِکُمْ لا تَعْلَمُونَ شَیْئًا وَجَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ ﴿78﴾ ﴾ [النحل: 78].

٣٠٧

الحقيقة تكشف عن نفسها:

بمجرد انتهاء العرض،اختبرت كشف النقاب عن روحي، شعرت أنّ عبئاً كبيراً من الخطايا زال عن كتفي. وعلاوة على ذلك، شعرت بنفسي كأنني أرتفع عن الأرض وأحلّق، رافضاً المسرات المؤقتة في هذا العالم من أجل الأفراح الأبدية في الآخرة.

هذه التجربة، إلى جانب عملية طويلة من التفكير، حلت أحجية «الغرض من الحياة». وكشفت أن الإسلام هو الحقيقة، وبالتالي كان علي تحديد هدفي من الحياة، ومعتقدي، اتجاهي وأفعالي.

فدخلت بوابة الإسلام بالإعلان عن نية الإيمان بالقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

أُبلغت بأن هذه الشهادة تؤكد الاعتقاد بجميع الأنبياء والمرسلين من الله، جنباً إلى جنب وبالتالي فإن كل رسول ونبي هو تحديث واستكمال لدين واحد حتى وصلنا إلى آخر الأنبياء محمد (ص) وإلى الوحي النهائي من الله [القرآن].

انطباعات من مسلم جديد:

أثناء بحثي عن الحقيقة، الدرس الذي تخطى جميع الدروس، هو أن كل المعبودات الأخرى ما عدا الله هي مجرد أوهام.

فالإذعان لإرادة الله أشعرني بالسلام مع الخالق، مع الآخرين، وأخيراً، مع نفسي. ونتيجة لذلك، بت أشعر بالامتنان جداً، وهذا من رحمة الله، الذي أنقذني من أعماق الجهل وصعد بي إلى نور الحقيقة.

الإسلام، الدين الحق في جميع الأوقات والأماكن ولكل الشعوب، هو رمز كامل للحياة إذ يوجّه الإنسان لتحقيق الغرض من وجوده على الأرض، ويعد له اليوم الذي سيعود فيه الى خالقه.

اتباع هذا المسار بطريقة ورعة تمكن الواحد منا من اكتساب رضوان الله فنكون أقرب إليه وسط المسرات التي لا نهاية لها من الجنة والخلاص من عذاب جهنم. مكافأة إضافية بأن تكون حياتنا الحالية أسعد بكثير عندما نتخذ مثل هذا الخيار.

٣٠٨

التمتع بالضلالة:

وقد أعطى اعتناق الاسلام لي أكثر من نظرة ثاقبة في الطبيعة الوهمية لهذه الحياة. على سبيل المثال، إحدى الركائز الأساسية للإسلام هي تحرير الإنسان. فعندما يطلق مسلم على نفسه اسم «عبد الله»، ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على التحرر من العبودية لجميع الأشكال الأخرى، وعلى الرغم من أن الإنسان المعاصر قد يظن أنه متحرر، وهو في الحقيقة عبد لرغباته. مخدوع ومضلل من هذه الحياة الدنيوية. يقول الله تعالى:﴿ أَرَ‌أَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴿43﴾ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَ‌هُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 43، 44].

لذلك يجب علينا ألا ندع حماسنا للاستمتاع بمتع هذه الحياة الزائلة يعرِّض فرصة الاستمتاع بملذات الجنة للخطر. كما يقول الله في القرآن:﴿ زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِینَ وَالْقَنَاطِیرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَیْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِکَ مَتَاعُ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴿14﴾ قُلْ أَؤُنَبِّئُکُمْ بِخَیْرٍ مِنْ ذَلِکُمْ لِلَّذِینَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِیرٌ بِالْعِبَادِ ﴿15﴾ ﴾ [آل عمران: 14، 15].

ولذلك، فإن المنافسة الحقيقية في هذه الحياة ليست على تراكم الثروة أو الرغبة في الشهرة، بل بالقيام بالاعمال الصالحة لإرضاء الله، مع الاحتفاظ بالجزء القانوني من التمتع في هذه الحياة.

الطريق الصحيح إلى الله:

هناك العديد من البدائل الدينية المتاحة للإنسان، والأمر متروك له لاختيار أي ديانة يرغب في اتباعها. إنَّه أشبه بالتاجر مع العديد من السلع أمامه، وهو الذي يختار أي سلعة ليتاجر بها. من الواضح أنّه سوف يختار ما يعتقد أنّه الأكثر ربحاً. ومع ذلك، فإن التاجر يبقى غير متأكد وغير ضامن للربح؛ حيث يمكن أن يكسب اليوم ويمكن أن يخسر غداً كل شيء.

في المقابل، فإن المؤمن في وحدانية تسليمه لله، يكون متأكداً تماماً أنّه إذا كان يتبع طريق الهداية [القرآن وسنة النبي محمد (ص)، وآل بيته (عليهم السلام)] سيكون بلا شك مصيره النجاح والثواب في نهاية هذا الطريق، ولحسن الحظ، يبدأ هذا النجاح أيضاً في بداية اختيار هذا المسار.

٣٠٩

أنا مسلمة جديدة...

رقية وارث مقصود

ليس من أمر أسهل من اعتناق الإِسلام - لحظة يدرك الإنسان أن الله حق وأن الله موجود حقاً ويقر بأن النبي العربي محمد (ص) هو حقاً خاتم رسل الله ضمن سلسلة الأنبياء الآخرين المذكورين في الإنجيل يكون قد خطى فعلياً الخطوة الأولى.

تسمى لحظة الإشراق هذه التقوى والإحسان. فجأة تدرك أن الله يراك ويعرفك وإن كنت لا تعرفه ولا تراه.

الخطوة الثانية في مسيرة اعتناق الإِسلام هي التعبير وبوضوح عن لحظة الإيمان هذه - أي نطق الشهادة: «أشهد» لتتوالى الخطوات طوال حياتك.

كيف أعيش كمسلمة:

أن تصبح جزءاً من الجالية المسلمة المحلية وتلج في نمط الحياة هذا أمر يختلف تماماً عن مجرد أن تصبح مسلماً على مستوى العقل.

فهذا يتطلب من الكثيرات من معتنقات الإِسلام درجة عالية من العزم والثقة. فأنتِ لن تواجهي عائلتك وأصدقائك الذين يعتقدون أنك قد أصبت بالجنون فقط، ولكن كامرأة عليك أيضاً أن تستجمعي قواك للدخول إلى عالم المسجد حيث الرجال العابسو الوجوه ذوو اللحى الطويلة لن يكلموك.

فإن كنت واحدة من معتنقات الإِسلام في بعض نواحي إنكلترا الشمالية حيث يغلب على المساجد الطابع الآسيوي، يجدر بك أن تعلمي الكثير عن الثقافات الآسيوية بالإضافة إلى تعلّم الإِسلام.

تنجلي تلك العبسات عن حياء ورقة وتقوى وصداقة صادقة وضيافة وكرم؛ ولكن يعتبر من الفظاظة أن يبدو الرجل وكأنه متحمس للتحدث مع النساء أو للنظر إليهن أكثر من نظرة واحدة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الكثير من المساجد لا تحوي بعد على مصلّى للنساء.

٣١٠

اكتساب الثقة:

لكننا نحن الذين نعتنق الإِسلام نكتسب الثقة شيئاً فشيئاً، فلم نعد نشعر بأنه علينا أن نتظاهر بأننا عرب أو باكستانيون لنشعر بالانتماء.

فنحن نعلم الآن أن المسلمين متواجدون في كل مكان حول العالم من الأسكيمو إلى أستراليا.

يمكننا أن نختار أسماء عربية، كما يمكننا أن نبقى على أسمائنا القديمة فهذا الأمر ليس ذا قيمة حقاً.

على النساء اختيار ملابس معينة كالبنطال الفضفاض والسترة الطويلة أو التنورة الطويلة. وإن كنا لا نشعر بالانسجام في المساجد المحلية لأننا لا نتقن اللغة العربية، فنحن بدأنا بتنظيم مساجد داخل البيوت ونشكل جماعات فيما بيننا وندعو الآسيويين أيضاً ليكونوا ضيوفنا.

أطياف متعددة من المسلمين.... عائلة واحدة:

بدأنا نحن - معتنقو الإِسلام الجدد - بالقراءة بما فيه الكفاية وبتحصيل العلم بما يمكِّننا من التعبير عن آرائنا حول الأمور من حولنا. فنحن عندنا النضج الكافي لندرك أن ليس كل المسلمين قديسين. فالبشر بشر وجلّنا بعيد عن الكمال.

هكذا نتغلب على الشعور بالخيبة عندما نكتشف أن ليس كل مسلم يحيا كما ينبغي على المسلم أن يحيا للوصول إلى الكمال وبالتالي لا نستسلم أو نتهمهم بالنفاق؛ بل على العكس نبذل أقصى جهدنا لنحيا حياتنا بأفضل طريقة ممكنة.

شيئاً فشيئاً يدرك كافة معتنقي الإِسلام وجود الكثير من أنواع المسلمين.

بعض المسلمين روحانيون في حين أن آخرين يهتمون بظاهر العبادات.

لكن شعورنا يزداد بأنه بإمكاننا أن نجد مكاناً لأنفسنا إلى جانب الآخرين في هذه الأمة الواسعة والعائلة الممتدة، وطالما أننا نقوم بأقصى جهدنا فإن الله سيثيبنا على نوايانا الحسنة.

٣١١

جيمي بور

من عارضة أزياء إلى امرأة مسلمة

السلام عليكم، إسمي جيمي

وُلدت وترعرعت على المسيحية الحديثة غير الطائفية ولم أجد فيها أجوبة لما كنت أبحث عنه، ولمدة 31 عاماً كمسيحية، لم أشعر يوماً بالله. حاولت وبكل ما بوسعي ولكني لم أشعر به على الإطلاق. كنت عارضة لبلادي ولمدة خمس سنوات، تعاطيتُ الكثير من المخدرات خلال تلك الفترة كنت أستخدمها كمساعد لفقدان الوزن وكنت أستخدمها لمرة واحدة لأُبعد نفسي عن الإكثار من تناول الطعام. كنت أعتقد بأنني قوية لأتجنب الإدمان على المخدرات التي تحوّل كل من يستخدمها إلى مدمن. بدأتُ أفكر بأني سآخذها لأسبوعين إلّا أنني أصبحتُ مدمنة ليل نهار. أخذتني المخدرات إلى الحضيض والدمار الكامل، فقد كان زوجي يتعاطى المخدرات كذلك. ما دفعه ليكون عنيفاً معي، حتى أني كنت خائفة على حياتي.

قررت أن أتوقف عن تعاطيها، فليس هذا ما أريده لحياتي. فقلت له أنني سأتوقف عنها، ضحك وقال: «لن تستطيعي التوقف». فقلت: «سأتوقف عنها». وتوقفت عن تناولها ذلك اليوم ولم أنظر إلى الخلف مرة أخرى، ولم يكن لديَّ أي برنامج لإعادة التأهيل أو أي مساعدة خارجية أو نظام دعم. كان زوجي يضحك، محاولاً أن يثنيني عن عزمي حتى أعود لتناولها من جديد، وبعد ذلك رُزقت بولدي الصغير. تغيّرت نظرتي إلى الحياة بأكملها. فقد أحببتُ ذلك الطفل الصغير الرائع والذي يحتاج إلى أم صالحة، أحببته كثيراً. فأردت تغيير كل شيء كنت قد ركزت عليه سابقاً، لأجله.

كنت في السابق قادرة على فعل أي شيء أريد أن أقوم به، فقد كنت جزءاً من مشاهد هوليوود التي يرغب الجميع بأن يكون جزءاً منها. لم أكن شخصاً جيداً، كنت في السابق، أشرب الكحول وأتعاطى المخدرات. ولكنني لم أعد أريد القيام بهذه الأمور بعد الآن.

٣١٢

قمتُ بالبحث عن الإِسلام لفترة قبل أن أصبح مسلمة، أردتُ أن أعرف وبشكلٍ أساسي سبب كراهية العالم للمسلمين بهذا القدر، لأنني رأيت ما رأيتُ في نشرات الأخبار، ورأيتُ الظلم والعنف وهذا ما دفعني للبحث عن الحقيقة ولمعرفة ما إذا كان الإِسلام كذلك. بدأتُ البحث عن الموضوع، وكلما بحثت أكثر كلما غصت أعمق في الموضوع. فوجدتُ الحقيقة.

تفاجأ الكثير من الناس عندما تخليتُ عن كل الملذات السابقة لأجل أن أكون مسلمة. والغريب هو أنني عندما نطقت الشهادتين أسست بتلاشي الرغبات للقيام بتلك الأمور وبشكل كامل. إنه لشيء رائع أن أستمتع وأشعر بالسلام في قلبي كوني مسلمة.

أعتقد أن الشيء الأساسي الذي أثار إعجابي بالإِسلام هو احترام المرأة. فهناك الكثير من الاحترام للمرأة والأمور التي تقوم بها النساء، حياتنا نحن النساء ليست سهلة، فلدينا الكثير لنفكر فيه ونقلق بشأنه، كعائلاتنا وأزواجنا وأطفالنا. فتربية الأطفال هو أمر صعب جداً، بالإضافة إلى الأعمال المنزلية والطبخ والاعتناء بأزواجنا.. إنها وظيفة صعبة.

وفي الواقع فإن الإِسلام يحترم المرأة لتلك الأسباب. كان سبباً لفصلنا عن الرجال في المساجد حتى لا يتشتت الرجال. يفهم الإِسلام القوة الكامنة في جاذبيتنا ومظهرنا وهو ما يتأثر به الرجال، والإِسلام يحترم هذا الأمر. ما إن أدركتُ هذا حتى تمكنت الفكرة مني وأردتُ أن أصبح مسلمة. اعتناقي للإِسلام أشعرني بالاختلاف فقد جعلني أشعر بالسلام المطلق. كنت في السابق أشعر بعدم الاستقرار، فالكثير من الأشياء كانت في حالة عدم استقرار، والسبب في هذا هو عدم اتخاذ قرار بشأنها. لم يكن لديَّ أيَّ هدف في ذهني ولم يكن هناك سبب لوجودي، لكن اعتناقي للإِسلام أعطاني السلام والأمان والتوازن وهو ما احتجت إليه في حياتي، إسلامي جعل من الأشياء حقيقة، وتستحق أن أكون هنا من أجلها، فأخيراً صار هناك هدف لحياتي وأنا أفهم الآن ما هو الغرض منها. لا نملك الفرصة دوماً للالتقاء بالناس الذين نحتاجهم بصورة جوهرية لنفهمهم. هذا ما جعلني أتردد على المسجد لأتقرب إلى الناس وأفهمهم. وكلما زاد ترددي إلى المسجد، كلما ازداد عدد النساء اللواتي أحطن بي واعتنين بي ومنحنني العطف الموجود في الإِسلام.

٣١٣

لم أفكر أبداً ولو لمرة واحدة في حياتي بأني سأصبح مسلمة على الإطلاق. فقناعاتي تجاه المسلمين كانت مغلوطة للغاية فأنا لم أحبهم، فقد كنت أعتقد بأنهم سيئون ولم أكن لأفكر ولو لمرة بأني سأكون واحدة منهم. ولكن اليوم أنا فخورة وسعيدة جداً، وأريد أن أرتدي الحجاب ليعرف الناس أني مسلمة، حتى لو كرهوني فأنا لا أهتم. أنا أريد أن أبيِّن لهم أن الله موجود في أي شخص وليس فقط في الشرق أوسطيين.

٣١٤

راكيل: مسلمة أميركية...

ضابطة شرطة سابقة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إسمي راكيل، وقد اعتنقت الإسلام.

لقد كنت ضابطة شرطة في مدينة ديترويت وعملت هناك منذ عام 1996 وحتى عام 2004 وقد أُطلق علَيّ النار عام 2002، وكان ذلك أثناء تأدية وظيفتي وكدت أفارق الحياة.

لم أكن أذهب إلى الكنيسة في واقع الأمر، لقد نشأت في منزل مسيحي، فأبواي قسين مسيحيين، وقرأت الكثير عن الكاثوليكية.

لقد لاحظت أن الإسلام منطقي من الناحية الفكرية، أنا لم أحلل الأديان الأخرى وأدرسها، إلّا أنها تبدو وكأنها تحمل الكثير من صنع الإنسان، وأفكاره بدلاً من شريعة الله الأصلية، وهذا كان يزعجني كثيراً. ثم وجدت الإسلام، أكثر دقة تاريخياً ومن حيث أصالة النصوص، ولم يتم تشويهه من خلال الكثير من الترجمات المختلفة.

أعتقد أنه في عام 2002، تم إنقاذ حياتي لسبب، وأعتقد أن هذا السبب هو أن أتمكن من اعتناق الإسلام وأن أصبح مسلمة. لم أكن أعرف كيف أعبد الله، لم أعرف ما هو الدين الذي ينبغي أن أؤمن به، حتى التقيت ببعض الأصدقاء المسلمين، وقد حدثوني باستفاضة، وفسَّروا لي الكثير. لقد كنت أشعر بالقلق حيال إعلان الشهادة لأنني لا أعرف الكثير من الكلمات الإسلامية حتى الآن، فساندتني إحدى الأخوات التي كانت ترعاني في المسجد، وساعدتني حتى أعلن شهادتي وكان الأمر رائعاً فعلاً. لقد استمتعت بمجرد الإعلان أني أشهد أن لا لا إله إلّا الله أمام كل من في المسجد وكان ذلك أبرز الأحداث بالنسبة لي. لم أعد أخاف الموت فيجب أن لا نخشى إلّا الله، ونتحلى بالإيمان، لأنَّ الله واحد وأنا أعرف ذلك لأنني كنت على شفير الموت ولو كنت قد توفيت ذلك اليوم، لا أعرف إن كنت في هذه الحالة سيكون مصيري إلى نار جهنم أم لا، أما الآن فتملأني الثقة والطمأنينة والسعادة لأنني أعرف مصيري إن حدث لي شيء اليوم.

٣١٥

كان سيصيبني الجنون إن تابعت عملي كضابطة شرطة، لأن الناس يهاجمون المسلمين في ديترويت دون سبب على الإطلاق، لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، كان الأمر فظيعاً وقد أزعجني، وكنت أردّ بأن كونهم مسلمين لا يعني أنهم متطرفون حيث أزعجني ما رأيت - كضابطة شرطة - في الشوارع والأسلوب الذي كانت تتم به معاملتهم فقد كان في ذلك انعدام للضمير.

أعرف أن تعلُّم لغة جديدة قد يكون محبطاً للبعض، فهي في الأساس ثقافة جديدة، وليست ديناً فحسب، بل أسلوب حياة. وبالنسبة لي لم يكن ذلك محبطاً، كل ما في الأمر هو رغبتي في تعلمها بسرعة أكبر، وأريد أن أتقنها بمفردي، لكن هذا ليس سهلاً وعلَيَّ أن أتعلم كل شيء تقريباً عبر الإنترنت حتى كيفية ارتداء الحجاب، إنها تجربة مذهلة. بدأت أمتنع عن الكثير من المحرمات كشرب الكحول ولم أعد أتناول لحم الخنزير، وبالطبع أشتري الآن لحماً حلالاً. أصبحت في الأربعين وكنت أعرف أنني أرغب في إدخال هذه التغييرات إلى حياتي، وآن الأوان لأنعم بالسلام والهدوء في حياتي وأتقرب إلى الله، وكنت مستعدة تماماً لهذا التغيير وكنت أعرف أن هذا ما تفتقده حياتي. عندما أصلي، أشعر أنَّ الصلاة مؤثرة جداً وأشعر بقدر هائل من الحماية.

أقرأ القرآن الكريم كل يوم، وأجد فيه آداب الإسلام وأتعلم شيئاً جديداً، والناس يقدمون الكثير من المساعدة، فبالرغم من اختلاف العرق، لا يصدر الناس عليك أحكاماً إذا دخلت وأنت أمريكي. بل يقدمون الكثير من الدعم، فالكل يعاملك بكل لطف ويساعد في تعليمك وتوجيهك.

أكثر ما يعجبني في الإسلام هو الحجاب، فأنا أستمتع به، لأكون صادقة تماماً، لا سيما هنا في لاس فيغاس حيث ينظر الرجال إلى النساء بشكل غريب وهذا يثير الخوف. وهكذا أشعر بمزيد من الراحة والأمان. أما في ما يتعلق بإخبار أصدقائي عن اعتناقي الإسلام، لست متأكدة من ردود أفعالهم فمثلاً أفضل صديقاتي من الطفولة تعمل في الواقع في الكنيسة الكاثوليكية، وأعرف أن رد فعلها لهذا سيكون سيئاً، وقد لا نكون أصدقاء بعد الآن. والبعض أظهروا لي الكثير من الدعم أو طرحوا أسئلة مثيرة للاهتمام كذلك، فكان من اللطيف أن أتمكن من أن أنقل أفكاري لهم. من أبرز الأسئلة التي طرحها أصدقائي بصفة خاصة، سواء من الرجال أو النساء، لماذا تغطين رأسك؟ ولماذا تغطين ذراعيك؟

٣١٦

لا سيما عندنا في لاس فيغاس، لأن المجتمع هنا مختلف للغاية مقارنة حتى بالمجتمعات الأمريكية العادية، الناس هنا يرتدون ألبسة مكشوفة خاصة النساء، فقلت بكل بساطة، الأمر يتعلق بالاحتشام، وقد لاحظت أن الناس ينظرون إليّ بشكل مختلف، حتى أن بعض أصدقائي ذكروا أن بعض الناس ينظرون إليّ بمزيد من الإحترام لأنّ الرجال لا ينظرون إليّ كشيء، بل ينظرون إلى وجهي. في ما يتعلق بأفراد أسرتي فهو سيف ذو حدين، إنني أفتقدهم كأشخاص، لكنني لا أفتقد دينهم على الإطلاق. وقد كانوا في غاية القسوة معي، فقد كانت لديّ تجارب رهيبة ومخيفة للغاية، كان والداي يصطحبانني منذ صغري لحضور ممارسات طرد الأرواح الشريرة. فكان لذلك أثر عاطفي هائل على نفسي طوال الوقت. والداي لا يعرفان أنني اعتنقت الإسلام، لم يكن أمامي سوى خيار واحد في رأيهما، وكان إما اختيار أن أكون مسيحية ذات شخصية جذابة مثلهما أو لا يحترمانني مطلقاً وقد أقصياني من العائلة وكان ذلك قبل أن أعتنق الإسلام.

أفضِّل أن تكون لي أسرة مسلمة وأن يكون الله في حياتي، الله الحق، وليس مجموعة من القواعد والقوانين التي أرساها البشر، لقد تسبب دينهما بالكثير من الألم لي، لكن هذا الدين ليس كذلك.

أنا أريد أن أنشر هذا الدين، وأنشر الحب وأنشر السعادة وأنشر السلام، وأوضح للناس أنه يلزم القضاء على كل هذه النماذج النمطية، وأن الإسلام ليس إرهاباً، وأنه رائع للغاية وهذا ما أرغب أنا شخصياً في أن أوضحه للناس.

٣١٧

أسلم بعد جنازة صديقه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وُلِدتُ وترعرعت في مدينة هاليفاكس في نوفا سكوتيا، أبي رجل أبيض من منطقة برنس إدوارد في كندا وأمي امرأة سوداء من مجتمع يُدعى لوكاس فيل في نوفا سكوتيا.

أمي كانت مسيحية ولقد اعتدت الذهاب معها إلى الكنيسة، وحتى عندما توقفت هي كنت أنا الوحيد من أفراد عائلتي الذي يذهب إلى هناك، عندما كبرت وأصبحت في مرحلة آخر المراهقة، توقفت عن الذهاب إلى الكنيسة، فلم أكن مهتمّاً بمفهوم الدين.

لا زلت أؤمن بالله والعديد من المعتقدات الدينية المسيحية لكنني لم أؤمن بهذا التنظيم الديني.

لقد كنت أعيش في منطقة دارتموت، هي تقع على ميناء مدينة هاليفاكس، ترعرعت هناك حيث كان يوجد عائلة باكستانية كبيرة مسلمة، كنت صديقاً لهم وتعلّمت منهم عن الإسلام بعض الأشياء، فقد كان أحد أفرادها متديّناً، فقد كنت أراه دائماً يذهب إلى المسجد ويصلّي، كان عمري 16 سنة تقريباً عندما أصبحتُ مهتمّاً بالدين الإسلامي وبدأت بالاستفسار عنه، من أصدقائي. وحين بلغت السابعة عشرة - وفي الصيف الذي ما بين الأول الثانوي والثاني الثانوي - انتقلت مع أبي وزوجته من دارتموت للعيش في هاليفاكس، حيث كان هناك العديد من العرب المسلمين، وكانت هذه النقلة بمثابة الصدمة الثقافية بالنسبة لي، لأنني كنت أعيش في كول هاربور، حيث المسلمون قلّة لا تراهم في كل مكان، وبالتالي لا ترى الحجاب أو أيّ شيء من هذا القبيل، بينما في بدفورد يوجد العديد من المسلمين العرب الذين يمكنك معرفتهم بسيماهم. بعد فترة من وصولي إلى هناك، عرف أحد الإخوة العراقيين أنني مهتم بالإسلام فجاء وقال لي بأنهم يقيمون صلاة الجمعة كل أسبوع في المدرسة الثانوية التي كنت أرتادها في وقت استراحة الغداء، فدعاني.

ذهبنا إلى هناك يوم الجمعة والحمد لله كانت تجربة جيدة جداً. كان الخطيب شاباً يافعاً مرحِّباً ومضيافاً وصلّيت معهم على الرغم من أنني لم أعِ ما أفعل، فلقد كنت أقلّدهم. بعد الصلاة تحدّثت إلى الخطيب ورجل آخر كان يأتي للصلاة كل جمعة.

٣١٨

وفي أحد الأيام وبعد انتهائنا من الصلاة سألني ذلك الرجل: «ما رأيك بالإسلام؟» فقلت له: «أنا أؤمن بالدين الإسلامي وأعتقد أنه الدين الصحيح والطريقة المُثلى للحياة» فأجابني: «إذاً يجب أن تصبح مسلماً!» تفاجأت حينها لأنني كنت صغيراً ولا زال أمامي الكثير لأتعلّمه. قال لي: «يجب أن تُسلم لأنك لا تعلم متى ستموت» عندها ضحكت لأنني كنت أبلغ من العمر السابعة عشرة فقط وما زلت صغيراً على الموت، سأموت عندما أصبح جَدَّاً في الثمانينات ويمتلئ شعري شيباً وأحفادي من حولي، فلم أكترث لما كان يقوله.

ذهبت إلى هناك 4 أو 5 مرات بعدها، إلى أن جاءت إجازة الصيف فلم أعد أذهب إلى المدرسة. لكن في يوم من أيام الإجازة الصيفية، كنت أعمل في مطعم، حيث تلقّينا اتصالاً مفاجئاً في وقت الإغلاق من المديرة، التي أخبرتنا فيما بعد أنَّ خالد توفي في حادث اصطدام سيارة. من هو خالد؟ خالد هو أحد الإخوة الفلسطينيين كان يعمل معنا في المطعم لمدة قصيرة وكان صديقي أيضاً فلقد كنا نرتاد نفس المدرسة وتخرجّنا منها معاً. عندما سمعت الخبر لم أصدّقه لأوّل وهلة. هاتفتُ المديرة التي نقلت إلينا الخبر وعندما سمعت صوتها تبكي عرفت حينها بأنه قد مات فعلاً.

لم أستوعب ما الذي يحدث في ذلك الوقت، لكنني في طريقي إلى البيت ماشياً، انهرت باكياً. كانت المرة الأولى التي عرفت فيها أنَّ أحداً توفي في نفس عمري، فكلانا كنا نبلغ الثامنة عشرة من العمر، فقد صدمتني هذه الفاجعة في الصميم..

يوم دفن الجثّة، تعلّمت كيفية الوضوء حيث هاتفت صديقي وعلّمني كيف أتوضأ. وذهبنا أنا وصديقي إلى المسجد في دارتموت لصلاة الجنازة ثم بعد ذلك توجهنا إلى مقبرة المسلمين.

كان الجو مفعماً بالحزن فإخوته وأبوه كانوا هناك والجميع منخرط في البكاء.

عندما وضعوا التراب فوق جثمانه بدأت أنا بالبكاء الشديد، أثناء ذلك شاهدت الشيخ الذي قال لي يجب أن تسلم لأنك لا تعلم متى ستموت. كان هذا بمثابة إشارة لي من عند الله أني قد أموت قريباً وأنَّ كلام الشيخ كان صحيحاً وأنني يجب أن أسلم.

٣١٩

ذهبت إليه مباشرة وأخبرته أنني أريد أن أسلم فقال لي: «أهلاً أليكس، كيف حالك؟ من الرائع رؤيتك مرة أخرى، أتمنى أنك ما زلت مهتمّاً بالإسلام». وسبحان الله في تلك اللحظة، وفي ذلك المكان عند المسجد بجانب المقبرة قلت: «أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله».

بعد ذلك مباشرةً حان وقت صلاة المغرب، وسألني أحد الإخوة إذا كنت أعرف كيفية الوضوء، فقلت نعم. ثم ذهبت إلى دورة المياه لأتوضأ لكنني نسيت مراحل الوضوء فمكثت هناك وقتاً طويلاً محاولاً التذكر. وعندما فرغت من الوضوء كانوا قد انتهوا من صلاة المغرب لكن الشيخ لم يصلِّ بعد وكان بانتظاري ثم صلّينا معاً والحمد لله نشأت بيننا صداقة طيبة من بعد ذلك، فقد استمريت في مقابلته يومياً بعد ذلك لمدة أسبوع حيث علمني سورة الفاتحة وأركان الإسلام.

قبل الإسلام لم أكن أعرف ما الذي يجب أن أفعله وما الذي أريده وما الطريقة المُثلى للعيش.

كنت أعيش وفقاً لفلسفتي الخاصة منجرفاً إلى العديد من العادات السيئة ولكن الحمد لله هداني ربي إلى الطريق الصحيح قبل الوقوع في الطريق السيء.

الكثير قد يجادل بأنَّ السبب وراء اعتناقي الدين الإسلامي هو عاطفتي. ولكن لم تكن الأسباب كذلك، لأنني كنت مقتنعاً أصلاً بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الحق لكنني كنت بحاجة إلى دفعة في الاتجاه الصحيح. فهذه الحادثة جعلتني أعي أنني قد أموت في أي دقيقة وكانت الحادثة إشارة لي بما أنني كنت مقتنعاً بالإسلام فلماذا أنتظر حتى أبلغ العشرين أو الثلاثين أو الأربعين من عمري؟ ولهذا أسلمت وبذلت جهداً في تعلّم الإسلام وأركانه ومبادئه.

أتوق إلى شهر رمضان هذا العام، وأستمتع باختباره مجدداً. نؤدي الشعائر الدينية بشكل أفضل كقراءة الأدعية والذهاب إلى المسجد دوماً وتلاوة القرآن الكريم.

أنا الآن أكثر اقتناعاً من قبل بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الصحيح لأنني رأيت براهين القرآن الكريم ومعجزاته.

حياتي بعد الإسلام تحسّنت كثيراً، فالإسلام هداني إلى الاتجاه الصحيح للحياة وهو أن أعيش حياة مستقيمة ومتديّنة بعد أن كنت متخبطاً قبل ذلك.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572