الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 572

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 572 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 287971 / تحميل: 5235
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

من ذلك تكفينا تعب البحوث المطوّلة.

وفي مناظرة للإمام الصادقعليه‌السلام مع احد الزنادقة حول قوله تعالى :( كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ ) قال : فما بال الغير؟

أجابه الامام : «ويحك هي هي وهي غيرها!» قال : فمثّل لي ذلك شيئا من امر الدنيا! قال : «نعم ، أرأيت لو انّ رجلا أخذ لبنة فكسرها ثمّ ردّها في ملبنها ، فهي هي وهي غيرها»(١) .

ولا بدّ هنا من ملاحظة هذه اللفظة وهي انّ المثال وما له من تأثير كبير ودور فعّال يجب ان يكون مطابقا وموافقا للمقصود ، والّا يكون ضالا ومنحرفا.

ولهذا السبب يستفيد المنافقون من هذه الامثلة المنحرفة ليضلّوا بها الناس البسطاء ، فهم يستعينون بشعاع المثال ليصدق الناس اكاذيبهم ، فيجب ان نحذر من هذه الامثلة المنحرفة ونلاحظها بدقّة.

* * *

__________________

(١) الاحتجاج ، ص ٣٥٤.

٣٨١

الآية

( لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٨) )

التّفسير

الذين استجابوا لدعوة الحقّ :

بعد ما كشفت الآيات السابقة عن وجهي الحقّ والباطل من خلال مثال واضح وبلي ، اشارت هذه الآية الى مصير الذين استجابوا لربّهم والذين لم يستجيبوا لهذه الدعوة واتّجهوا صوب الباطل. تقول اوّلا :( لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى ) .

«الحسنى» في معناها الواسع تشمل كلّ خير وسعادة ، بدءا من الخصال الحسنة والفضائل الاخلاقية الى الحياة الاجتماعية الطاهرة والنصر على الأعداء وجنّة الخلد.

ثمّ تضيف الآية( وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً

٣٨٢

وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ ) .

لا توجد صيغة أوضح من هذه الآية في بيان شدّة عذابهم وعقابهم ، يمتلك الإنسان كلّ ما في الأرض وضعفه ايضا ويفتدي به للنجاة ولا يحصل النجاة.

تشير هذه الجملة في الواقع الى آخر امنية والتي لا يمكن ان يتصوّر اكثر منها ، وهي ان يمتلك الإنسان كلّ ما في الأرض ، ولكن شدّة العذاب للظالمين ومخالفي الحقّ تصل بهم الى درجة ان يفتدوا بكلّ هذه الامنية او أكثر منها لنجاتهم. ولنفرض انّها قبلت منهم فتكون نجاتهم من العذاب فقط ، ولكن الثواب العظيم يكون من نصيب الذين استجابوا لدعوة الحقّ.

ومن هنا يتّضح انّ العبارة( وَمِثْلَهُ مَعَهُ ) ليس المقصود منها ان يكون لهم ضعف ما في الأرض ، بل انّهم مهما ملكوا اكثر من ذلك فانّهم مستعدّون للتنازل عنه مقابل نجاتهم من العذاب. ودليله واضح ، لانّ الإنسان يطلب كلّ شيء لمنفعته ، ولكن عند ما يجد نفسه غارقا في العذاب فما فائدة تملكه للدنيا كلّها؟

وعلى اثر هذا الشقاء (عدم قبول ما في الأرض مقابل نجاتهم) يشير القرآن الكريم الى شقاء آخر( أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ ) . فما هو المقصود من سوء الحساب؟

للمفسّرين آراء مختلفة حيث يعتقد البعض انّه الحساب الدقيق بدون اي عفو او مسامحة ، فسوء الحساب ليس بمفهوم الظلم ، لانّ الله سبحانه وتعالى هو العدل المطلق ، ويؤيّد هذا المعنى الحديث الوارد

عن الامام الصادقعليه‌السلام انّه قال لرجل : «يا فلان مالك ولأخيك؟» قال : جعلت فداك كان لي عليه حقّ فأستقصيت منه حقّي الى آخره ، وعنده سماع الامام لهذا الجواب غضب وجلس ثمّ قال : «كأنّك إذا استقصيت حقّك لم تسيء اليه! أرأيت ما حكى اللهعزوجل ( وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ ) أتراهم يخافون الله ان يجور عليهم؟! لا والله ما خافوا الّا الاستقصاء

٣٨٣

فسمّاه اللهعزوجل سوء الحساب ، فمن استقصى فقد أساءه»(١) .

وقال البعض : المقصود من سوء الحساب ، انّه يلازم حسابهم التوبيخ والملامة وغيرها ، فبالاضافة الى خوفهم من العذاب يؤلمهم التوبيخ.

ويقول البعض الآخر : المقصود هو الجزاء الذي يسوؤهم ، كما نقول : انّ فلان حسابه نقي ، او لآخر : حسابه مظلم ، وهذا يعني نتيجة حسابهم جيدة او سيّئة ، او تقول : (ضع حسابه في يده) يعني حاسبه طبقا لعمله.

هذه التفاسير الثلاثة غير متضادّة فيما بينها ، ويمكن ان يستفاد منها في تفسير الآية ، وهذا يعني انّ هؤلاء الافراد يحاسبون حسابا دقيقا ، وأثناء حسابهم يوبّخون ويلامون ومن ثمّ يستقصى منهم.

وفي نهاية الآية اشارة الى الجزاء الثّالث او النتيجة النهائية لجزائهم( وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ ) .

«المهاد» جمع مهد ، بمعنى التهيؤ ، ويستفاد منها معنى السرير الذي يستخدم لراحة الإنسان ، هذا السرير يهيّأ للاستراحة ، وقد ذكر القرآن الكريم هذه الكلمة للاشارة الى انّ هؤلاء الطغاة بدلا من ان يستريحوا في مهادهم يجب ان يحرقوا بلهيب النار.

* * *

بحث

يستفاد من الآيات القرآنية انّ الناس في يوم القيامة ينقسمون الى مجموعتين ، فمجموعة يحاسبهم الله بيسر وسهولة وبغير تدقيق( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً ) .(٢)

__________________

(١) تفسير البرهان ، المجلّد الثّاني ، صفحة ٢٨٨.

(٢) الانشقاق ، ٨.

٣٨٤

وعلى العكس من ذلك هناك مجموعة يحاسبون بشدّة حتّى الذرّة والمثقال من الأعمال يحاسبون عليه ، كما حدث لبعض البلاد التي كان أهلها من العاصين ،( فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً ) (١) .

انّ هذا الحساب الشديد هو نتيجة لما كان يقوم به هؤلاء في حياتهم من استقصاء الآخرين حتّى الدينار الأخير ، وإذا ما حدث خطأ من احد فإنّهم يعاقبون بأشدّ ما يمكن ، ولم يسامحوا أحدا حتّى أبناءهم وإخوانهم وأصدقائهم ، وبما انّ الآخرة انعكاس لحياة الدنيا فإنّ الله سبحانه وتعالى يحاسبهم حسابا شديدا على اي عمل عملوه بدون ادنى سماح ، وعلى العكس فهناك اشخاص سهلون ومسامحون ومن اهل العفو ، خصوصا في مقابل أصدقائهم واقربائهم وذوي الحقوق عليهم او الضعفاء ، ويغضّون النظر عنهم وعن كثير من زلّاتهم الشخصيّة ، وفي مقابل ذلك فإنّ الله سبحانه وتعالى يشملهم بعفوه ورحمته الواسعة ويحاسبهم حسابا يسيرا.

وهذا درس كبير لكلّ الناس وخصوصا أولئك الذين يتصدّرون الأمور.

* * *

__________________

(١) الطلاق ، ٨.

٣٨٥

الآيات

( أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٩) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (٢٠) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (٢١) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤) )

التّفسير

الأبواب الثّمانية للجنّة وصفات اولي الألباب :

تتحدّث هذه الآيات عن سيرة اولي الألباب وصفاتهم الحسنة ، وفيها تكميل

٣٨٦

للبحث السابق.

في الآية الاولى من هذه المجموعة استفهام انكاري :( أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى ) .

وهذا وصف رائع ، فهو لم يقل : أفمن يعلم انّ هذا القرآن على الحقّ كمن لا يعلم؟ بل قال : كمن هو أعمى؟ وهذه اشارة لطيفة الى انّه من المحال ان لا يعلم احد بهذه الحقيقة الّا ان يكون أعمى القلب ، فكيف يمكن لإنسان يمتلك عينا سليمة ولا يرى نور الشمس ، وهذا القرآن كالشمس. ولذلك يجيء في نهاية الآية قوله تعالى :( إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ ) .

«الألباب» جمع لبّ بمعنى جوهر الشيء ، ويقابل اولي الألباب اولوا الجهل والعمى.

انّ هذه الآية ـ وكما يذهب اليه بعض المفسّرين ـ تحثّ الناس على طلب العلم ومحاربة الجهل ، لانّها تعدّ الفرد الفاقد للعلم كمن هو أعمى. ثمّ بيّن سيرة اولي الألباب من خلال ذكر صفاتهم الحميدة ، واوّل ما أشار القرآن اليه وفاؤهم بالعهد وعدم نقضهم له و( الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ ) .

انّ «عهد الله» له معنى واسع ، ويشمل العهود الفطرية التي عاهدوا بها ربّهم كالفطرة على التوحيد وحبّ الحقّ والعدالة ، والمواثيق العقليّة التي يدركها الإنسان من خلال التفكير والتعقّل لعالم الوجود ، والمبدإ والمعاد ، وتشمل كذلك العهود الشرعيّة ، وهي ما عاهدوا الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليه من الطاعة للأوامر الالهيّة وترك المعاصي والذنوب.

وتشمل هذه المجموعة كذلك الوفاء بالعهد بين الافراد ، لانّ الله سبحانه وتعالى اوصى بها ، بل تدخل ضمن الوفاء الشرعي والميثاق العقلي.

الصفة الثّانية من صفات اولي الألباب هي( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ) .

٣٨٧

لا نجد صيغة أوسع من هذه في هذا المجال ، فالإنسان له صلات وروابط كثيرة ، صلة مع ربّه ، ومع الأنبياء والقادة ، وروابطه مع الأصدقاء والجيران والأقرباء ومع كلّ الناس ، والآية تأمر ان تحترم هذه الصلات ، وتنهى عن اي عمل يؤدّي الى قطع هذه الصلات والروابط.

والإنسان في الحقيقة ليس منزويا او منفكّا من عالم الوجود ، بل تحكم كلّ وجوده الصلات والروابط ، ومن جملة هذه الصلات :

١ ـ صلته بالله سبحانه وتعالى ، والتي إذا ما قطعها الإنسان تؤدّي الى هلاكه كما في انطفاء نور المصباح في حالة قطع التيار الكهربائي عنه ، وعلى هذا فإنّ هذه الصلة التكوينيّة بين الإنسان وربّه يجب ان تتبعها صلة بأوامره واحكامه من حيث الطاعة والعبودية.

٢ ـ صلته بالأنبياء والائمّةعليهم‌السلام على أساس انّهم قادة للبشرية وقطعها يؤدّي بالإنسان الى الضلال والانحراف.

٣ ـ صلته بالمجتمع كافّة وخصوصا بذوي الحقوق عليه أمثال الأب والامّ والأقرباء.

٤ ـ صلته بنفسه ، من حيث انّه مأمور بحفظها وإصلاحها وتكاملها.

انّ اقامة اي صلة من هذه الصلات ، هي في الواقع مصداق للآية( يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ) وقطعها قطع لما امر الله به ان يوصل ، لانّ الله سبحانه وتعالى امر بأن توصل ولا تقطع.

وبالاضافة الى ما قلناه ، فهناك أحاديث واردة بخصوص هذه الآية يتّضح منها انّ المراد القرابة مرّة ، ومرّة الامامة او آل الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومرّة اخرى كلّ المؤمنين! فقد جاء عن الامام الصادقعليه‌السلام في تفسير الآية قال : «قرابتك» وعنه ايضاعليه‌السلام قال : «نزلت في رحم آل محمّد وقد يكون في قرابتك»(١) ومن الطريف

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٢ ، صفحة ٤٩٤.

٣٨٨

انّهعليه‌السلام يقول في نهاية الحديث : «فلا تكونن ممّن يقول للشيء انّه في شيء واحد» وهذه الجملة اشارة واضحة الى المعاني الواسعة للقرآن الكريم.

وعن الامام الصادقعليه‌السلام في حديث ثالث يقول : «هو صلة الامام في كلّ سنة (اي بالمال) بما قلّ او اكثر ، ثمّ قال : وما أريد بذلك الّا تزكيتكم»(١) .

الصفة الثّالثة والرّابعة من سيرة اولي الألباب هي قوله تعالى :( وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ ) .

لمعرفة الفرق بين «الخشية» و «الخوف» المتقاربان في المعنى يقول البعض : «الخشية» هي حالة الخوف مع احترام الطرف المقابل ومع العلم واليقين ، ولذلك عدّها القرآن الكريم من خصوصيات العلماء حيث يقول :( إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) .

ولكن بالنظر الى استخدام القرآن الكريم لكلمة الخشية مرّات كثيرة يتّضح لنا انّها تأتي بمعنى الخوف وتستعمل معها بشكل مترادف.

هنا يطرح هذا السؤال : إذا كان الخوف من الخالق هو نفس الخوف من حسابه ، فما هو الفرق بين( يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ) و( يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ ) ؟

الجواب : انّ الخوف من الله سبحانه وتعالى ليس ملزما دائما ان يكون خوفا من حسابه وعقابه ، بل انّ العظمة الالهيّة والاحساس بالعبوديّة له توجد حالة من الخوف في قلوب المؤمنين (بغضّ النظر عن الجزاء والعقاب) ، والآية (٢٨) من سورة فاطر قد تشير الى هذا المعنى.

وهناك سؤال آخر يتعلّق بسوء الحساب ، وهو : هل من الصحيح انّ هناك ظلم في محاسبة الافراد؟

وقد تقدّم الجواب على هذا السؤال قبل عدّة آيات من هذه الآية وقلنا انّ المراد هو التدقيق الشديد في الحساب من دون عفو او تسامح وذكرنا ايضا

__________________

(١) المصدر السابق ، صفحة ٤٩٥.

٣٨٩

حديثا في هذا الصدد.

الصّفة الخامسة من صفات اولي الألباب الاستقامة في مقابل جميع المشاكل التي يواجهها الإنسان في مسيرة الطاعة وترك المعصية ، وجهاد الأعداء ومحاربة الظلم والفساد(١) ، والصبر في مرضاة الخالق ، ولذلك يقول تعالى :( وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ ) لقد أشرنا مرارا الى مفهوم الاستقامة التي هي المعنى الواسع للصبر.

امّا معنى العبارة( وَجْهِ رَبِّهِمْ ) فقد تشير الى احد معنيين :

اوّلا : كلمة الوجه في هذه الموارد تعني العظمة ، كما نقول للرأي الصائب والمهمّ «هذا وجه الراي» باعتبار انّ الوجه يمثّل الشكل الظاهر والمهمّ للشيء ، كما في وجه الإنسان الذي يعتبر اهمّ جزء من جسده ، وفيه يقع السمع والبصر والنطق.

ثانيا : الوجه هنا بمعنى رضا الخالق ، فهم يصبرون على المحن والمشاكل لجلب مرضاة الله ، فاستعمال الوجه بهذا المعنى بسبب انّ الإنسان عند ما يريد ان يجلب رضا شخص يمعن النظر في وجهه (وعلى ذلك فهو يستعمل للكناية عن الشيء). وعلى ايّة حال فإنّ هذه الجملة تبيّن انّ كلّ صبر وعمل خير تكون له قيمة عند ما يصبح لوجه الله ، وايّ عمل آخر يقع تحت تأثير الرياء والغرور لا قيمة له مطلقا.

يقول بعض المفسّرين : انّ الإنسان يصبر مرّة لكي يقول عنه الناس : انّ هذا كثير الاستقامة. واخرى لخشيته ان يقولوا عنه انّه قليل الصبر ، او يصبر حتّى لا يشمت به الأعداء ، او يعلم ان لا فائدة من الجزع كلّ هذه الأمور والنيّات لا تدخل ضمن الكمال الانساني الّا إذا كانت خالصة لوجه الله. فهو يصبر ويستقيم لانّه يعلم انّ ايّ فاجعة او مصيبة لها حكمة ودليل ، ولا يقول ما يسخط الربّ ،

__________________

(١) ليس الصبر على الطاعة والمعصية والمصيبة فقط بل الصبر على النعم كذلك حتّى لا يصيب الإنسان الغرور.

٣٩٠

فهذا الصبر هو المعني بقوله تعالى :( ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ ) .

الصفة السّادسة من صفاتهم هي( وَأَقامُوا الصَّلاةَ ) . رغم انّ اقامة الصلاة هي مصداق للوفاء بعهد الله وكذلك المصداق البارز لحفظ ما امر الله به ان يوصل ، ومصداق للصبر والاستقامة ، ولكن هناك بعض مصاديق تلك المفاهيم الكلّية اكثر اهميّة في مصير الإنسان ، فهذه الجملة والجمل التي ما بعدها تشير الى ذلك.

اي شيء اهمّ من هذا؟! انّ الإنسان يجدّد عهده وصلته بالله سبحانه وتعالى صباحا ومساء ، ويتفكّر بعظمة الخالق ويدعوه ، ويطهّر نفسه من الذنوب ، ويرتبط بالحقّ المطلق ، نعم فإنّ الصلاة لها كلّ هذه الآثار والبركات.

ثمّ يبيّن الصفة السّابعة لدعاة الحقّ حيث يقول تعالى :( وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً ) .

وهذه الآية ليست الوحيدة التي تشير الى مسألة الإنفاق او الزكاة بعد ذكر الصلاة ، فكثير من الآيات تشير الى هذا الترادف ، فواحدة تحكم الصلة بين العبد وربّه والثّانية بين العباد.

والجملة( مِمَّا رَزَقْناهُمْ ) تشمل كلّ العطايا من الأموال والعلوم والقوّة والجاه ، والإنفاق كذلك يشمل جميع هذه الابعاد. والعبارة( سِرًّا وَعَلانِيَةً ) اشارة اخرى الى هذه الحقيقة وهي انّ إنفاقهم يتمّ بشكل مدروس ، فتارة يكون سرّا ويترتّب عليه اثر كبير ، وذلك في الحالات التي توجب ان يحفظ فيها ماء الوجه للطرف الآخر او تصون الطرف المنفق من الرياء ، ومرّة يكون الإنفاق العلني اكثر تأثيرا وذلك في الحالات التي تدعو الآخرين لكي يتأسّوا بهذا العمل الخيّر ويقتدوا به ، فيكون سببا لكثير من اعمال الخير.

ومن هنا يتّضح انّ القرآن الكريم يدقّق في اعمال الخير بشكل كبير ، ليس فقط في اصل العمل ، بل حتّى في كيفيّة تنفيذه.

الصفة الثّامنة والاخيرة هي قوله تعالى :( وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ) .

٣٩١

ومعنى هذه العبارة انّهم لم يكتفوا بالتوبة والاستغفار فقط عند ارتكابهم الذنوب ، بل يدفعونها كذلك بالحسنات على مقدار تلك الذنوب ، حتّى يطهّروا أنفسهم والمجتمع بماء الحسنات.

«يدرءون» مضارع «درأ» على وزن «زرع» بمعنى دفع.

ويحتمل في تفسير الآية انّهم لا يقابلون السيء بالسيء ، بل يسعون من خلال إحسانهم للمسيئين ان يجعلوهم يعيدون النظر في مواقفهم ، كما نقرا في الآية (٣٤) من سورة فصلت قوله تعالى :( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) .

وفي نفس الوقت ليس هناك مانع من انّ الآية تشير الى هذين المعنيين ، كما اشارت إليها الأحاديث الاسلامية. ففي الحديث عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لمعاذ بن جبل : «إذا عملت سيّئة فاعمل بجنبها حسنة تمحها»(١) .

وعن الامام عليعليه‌السلام قال «عاتب أخاك بالإحسان اليه واردد شرّه بالانعام عليه»(٢) .

ولا بدّ هنا من الالتفات الى هذه النقطة ، وهي انّ هذه الأحكام أخلاقية تخصّ الحالات التي يحصل فيها تأثير على الآخرين ، وهناك قوانين واحكام جزائية واردة في التشريع الاسلامي لمعاقبة المسيئين.

وبعد ما ذكر القرآن الكريم الصفات الثمانية لاولي الألباب ، أشار في نهاية الآية الى عاقبة أمرهم حيث يقول تعالى :( أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ) (٣) .

الآية الاخرى توضّح هذه العاقبة( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ) .

__________________

(١) مجمع البيان ذيل الآية أعلاه.

(٢) الكلمات القصار في نهج البلاغة ، الكلمة ١٥٨.

(٣) «العقبى» بمعنى العاقبة او نهاية العمل خيرا كان او شرّا ، ولكن بالنظر الى قرينة الحال في الآية أعلاه تشير الى العاقبة الحسنة.

٣٩٢

والشيء الذي يكمل هذه النعم الكبيرة واللامتناهية( وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) فهذه السلامة جاءت بعد ما صبرتم على الشدائد وتحمّلتم المسؤوليات الجسام والمصائب ، ولكم هنا كامل الطمأنينة والامان ، فلا حرب ولا نزاع ، وكلّ شيء يبتسم لكم ، والراحة الخالية من المتاعب ـ هنا ـ معدّة لكم.

* * *

بحوث

١ ـ لماذا ذكر الصبر فقط؟

جملة( سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ ) تشير الى مسألة الصبر فقط ، في الوقت الذي نرى فيه الآيات السابقة اشارت الى ثمانية صفات لاولي الألباب ، فما هو السرّ في ذلك؟

للاجابة على هذا الاستفهام نورد ما جاء عن الامام عليعليه‌السلام في حديث قيّم وذي مغزى كبير ، حيث قال : «انّ الصبر من الايمان كالرأس من الجسد ، ولا خير في جسد لا راس معه ، ولا في ايمان لا صبر معه».

في الحقيقة انّ كلّ الأفعال الحيّة والصفات الحميدة للافراد والمجتمعات تستند الى الصبر والاستقامة ، وبدونها لا يمكن ان نحصل على اي شيء من هذه الصفات ، لانّ في مسيرة عمل الخير عقبات وموانع لا يمكن ان ننتصر عليها الّا بالاستقامة ، فلا الوفاء بالعهد يمكن تنفيذه بدون الصبر والاستقامة ولا الصلات الالهيّة ، ولا الخوف من الله ، ولا اقامة الصلاة ولا الإنفاق يمكن بلوغها بغير الصبر والاستقامة.

٣٩٣

٢ ـ أبواب الجنّة

يستفاد من آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة انّ للجنّة عدّة أبواب ، ولكن هذا التعدّد للأبواب ليس لكثرة الداخلين الى الجنّة فيضيق عليهم الباب الواحد ، وليس كذلك للتفاوت الطبقي حتّى تدخل كلّ مجموعة من باب ، ولا لبعد المسافة او قربها ، ولا لجمال الأبواب وكثرتها ، فأبواب الجنّة ليست كأبواب القصور والبساتين في الدنيا ، بل تعدّدت هذه الأبواب بسبب الأعمال المختلفة للافراد. ولذا نقرا في بعض الاخبار انّ للأبواب اسماء مختلفة ، فهناك باب يسمّى باب المجاهدين ، والمجاهدون يدخلون بسلاحهم من ذلك الباب الى الجنّة ، والملائكة تحييهم(١) !

وروي عن الامام الباقرعليه‌السلام «واعلموا انّ للجنّة ثمانية أبواب ، عرض كلّ باب مسيرة أربعين سنة»(٢) .

ومن الظريف انّ القرآن الكريم يذكر لجهنّم سبعة أبواب( لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ ) (٣) وطبقا للرّوايات فإنّ للجنّة ثمانية أبواب ، وهذه اشارة واضحة الى انّ طرق الوصول الى السعادة وجنّة الخلد اكثر من طرق الوصول الى الشقاء والجحيم. ورحمة الله سبقت غضبه «يا من سبقت رحمته غضبه».

ومن الطف ما في الأمر انّ الآيات السابقة اشارت الى ثمان صفات من صفات اولي الألباب ، وكلّ واحدة منها ـ في الواقع ـ هي باب من أبواب الجنّة وطريق للوصول الى السعادة الابدية.

__________________

(١) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة ، المجلّد الثّالث ، ص ٩٩٥.

(٢) الخصال للصدوق ، الباب الثاني.

(٣) الحجر ، ٤٤.

٣٩٤

٣ ـ يلحق بأهل الجنّة اقرباؤهم

الآية أعلاه وآيات اخرى من القرآن الكريم تصرّح انّ من بين اهل الجنّة آباؤهم وأزواجهم وأبناؤهم الصالحون ، وهذا انّما هو لإتمام النعمة عليهم ، وكي لا يشعروا بفراق احبّائهم ، وبما انّ تلك الدار متكاملة وكلّ شيء يتجدّد فيها ، فإنّ أصحابها يدخلون فيها بوجوه جديدة واكثر محبّة والفة. المحبّة التي تضاعف من نعم الجنّة لهم.

لا شكّ انّ الآية أعلاه اشارت الى الآباء والأزواج والأبناء ، ولكن في الواقع كلّ الأقرباء سيجتمعون هناك ، لانّه من غير الممكن وجود الأبناء والآباء بدون إخوانهم وأخواتهم وحتّى جميع اقربائهم ، فالأب الصالح يلحق به ابناؤه واخوته ، وعلى هذا الأساس يكون حضور الأقرباء معهم بشكل طبيعي.

٤ ـ ما هي جنّات عدن؟

«العدن» الاستقرار ، وهنا جاءت الكلمة بمعنى الخلود ، ومنه المعدن لمستقرّ العناصر الفلزية. ويستفاد من مختلف آيات القرآن انّ الجنّة دار خلود لأهلها ، ولكن ـ كما قلنا في ذيل الآية (٧٢) من سورة التوبة ـ جنّات عدن هي محلّ خاص في الجنّة ، ولها صفات ومنازل عالية ، ولا يدخلها الّا ثلاثة : الأنبياء والصدّيقون والشهداء(١) .

٥ ـ التطهير من آثار الذنوب

ممّا لا شكّ فيه انّ الحسنات والسيئات لها اثر متقابل في النفس ونحن نرى في حياتنا اليوميّة كثيرا من النماذج بخصوص هذا الموضوع ، فمرّة يتحمّل الإنسان مشاق سنين كثيرة ويسعى للحصول على الثروة ، ولكن يفقدها بعمل

__________________

(١) للتوضيح اكثر راجع ما ذكر ذيل الآية (٧٢) من سورة التوبة.

٣٩٥

بسيط ناتج عن اللامبالاة ، او ليس هذا احباطا للحسنات المادية. ومرّة اخرى على العكس حيث يرتكب الإنسان كثيرا من الاخطاء في حياته ويتحمّل الخسارة الكبيرة ، ولكن يسترجعها من خلال عمل شجاع ومحسوب.

والآية( وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ) اشارة الى هذا الموضوع ، لانّ الإنسان غير معصوم ، وهو معرّض للخطأ والمعصية ، فعليه ان يفكّر بإصلاح ما فسد ، فأعمال الخير لا تمحو الآثار الاجتماعية للذنوب ، بل كذلك تمحو من قلبه الظلمة وتعيده الى النّور والصفاء الفطري. وهذه الحالة تسمّى في القرآن الكريم بـ «التكفير» (كما تقدّم في ذيل الآية ٢١٧ من تفسير سورة البقرة إشارات كثيرة في هذا المجال).

ولكن كما قلنا ـ في تفسير الآية أعلاه ـ يمكن ان تكون اشارة الى الفضيلة الاخلاقية لاولي الألباب ، وذلك انّهم لا يواجهون السيّئة بالسيّئة ، بل العكس يقابلون الانتقام بالإحسان والسيّئة بالحسنة.

* * *

٣٩٦

الآيتان

( وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٢٥) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ (٢٦) )

التّفسير

المفسدون في الأرض!

بعد ما ذكرت الآيات السابقة صفات اولي الألباب ودعاة الحقّ ، اشارت هذه الآيات الى قسم من الصفات الاصليّة للمفسدين الذين فقدوا حظّهم من العلم والمعرفة حيث يقول جلّ وعلا :( وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) .

في الحقيقة يتلخّص فساد عقيدتهم في الجمل الثلاث الآتية :

٣٩٧

١ ـ نقض العهود الالهيّة : وتشمل المواثيق الفطرية والعقليّة والتشريعيّة.

٢ ـ قطع الصلات : وتشمل الصلة مع الله والرسل والناس ومع أنفسهم.

٣ ـ الإفساد في الأرض : وهو نتيجة حتمية لنقض العهود وقطع الصلات.

او ليس المفسد هو الذي ينقض عهد الله ويقطع الصلات؟!

فهذا السعي من قبل هذه المجموعة من الافراد بهدف الوصول الى الأغراض المادّية ، وعوضا ان تصل بهم هذه الجهود المبذولة الى الاهداف النّبيلة تبعدهم عنها ، لانّ اللعن هو عبارة عن الابتعاد من رحمة الله(١) .

ومن الظريف انّ الدار هنا وفي الآية السابقة جاءت بصيغة مطلقة ، وهذه اشارة الى انّ الدار الحقيقيّة هي الدار الآخرة ، واي دار ما عداها فانية وزائلة.

قوله تعالى :( اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ ) وهذه اشارة لأولئك الذين يسعون للحصول على دخل اكثر فهم يفسدون في الأرض وينقضون عهد الله ويقطعون ما امر الله به ان يوصل لكي يزيدوا من دخلهم المادّي ، وهم غافلون عن هذه الحقيقة وهي انّ الرزق ـ في زيادته ونقصه ـ بيد الله سبحانه وتعالى.

وبالاضافة الى ذلك يمكن ان تكون هذه الجملة جوابا على سؤال مقدّر ، وهو : كيف انّ الله سبحانه وتعالى يرزق كلّ هؤلاء الناس الصالح منهم والطالح من فيض كرمه.

والآية تجيب على هذا السؤال وتقول :( اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ ) ومع ذلك فهو متاع قليل وزائل ، وما ينبغي السعي اليه هو الآخرة والسعادة الابديّة.

وعلى ايّة حال فإنّ المشيئة الالهيّة في مجال الرزق هي انّ الله سبحانه وتعالى لا يبسط الرزق لأحد بدون الاستفادة من الأسباب الطبيعيّة له «ابى الله ان يجري الأمور الّا بأسبابه».

__________________

(١) يقول الراغب في مفرداته : اللعن بمعنى الطرد مع الغضب ، واللعن في الآخرة تشير الى العقوبة وفي الدنيا الابتعاد من رحمة الله ، وإذا كان من قبل الناس فمعناه دعاء السوء.

٣٩٨

ثمّ تضيف الآية( وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ ) .

وقد ذكر «متاع» بصيغة النكرة لبيان تفاهة الدنيا بالمقارنة مع الآخرة.

* * *

بحثان

١ ـ من هو المفسد في الأرض؟

الفساد يقابله الإصلاح ، ويطلق على كلّ عمل تخريبي ، ويقول الراغب في مفرداته : «الفساد خروج الشيء عن الاعتدال قليلا كان او كثيرا ، ويضادّه الصلاح ، ويستعمل ذلك في النفس والبدن والأشياء الخارجة عن الاستقامة» وعلى ذلك فكلّ عمل فيه نقص ، وكلّ افراط وتفريط في المسائل الفردية والاجتماعية هو مصداق للفساد!

وفي كثير من موارد القرآن الكريم ذكر الفساد في مقابل الإصلاح( الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ) (١) ، وقوله تعالى :( وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ) ،(٢) وقوله تعالى :( وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) (٣) .

كما ذكر الايمان والعمل الصالح في مقابل الفساد ، وحيث يقول جلّ وعلا( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ ) .(٤)

ومن جانب آخر ذكر الفساد ، مع كلمة «في الأرض» في كثير من آيات القرآن الكريم نحو عشرين آية ونيّف ، وهي توضّح الجوانب الاجتماعية للمسألة.

__________________

(١) الشعراء ، ١٥٢.

(٢) البقرة ، ٢٢٠.

(٣) الأعراف ، ١٤٢.

(٤) سورة ص ، ٢٨.

٣٩٩

ومن جانب ثالث ذكر الفساد والإفساد مع ذنوب اخرى ، ويحتمل ان يكون مصداقا لها ، وبعض هذه الذنوب كبيرة وبعضها الآخر أصغر فمثلا قوله تعالى :( إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً ) ،(١) وقوله تعالى( وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ ) (٢) ( النَّسْلَ ) ، وقوله تعالى :( الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ) ،(٣) وقوله تعالى :( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً ) .(٤)

ومرّة يعتبر فرعون من المفسدين ، وأثناء توبته عند غرقه في النيل يقول :( آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) .(٥)

وقد استعمل «الفساد في الأرض» تعبيرا عن السرقة كما في قصّة يوسفعليه‌السلام ( تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ ) .(٦)

ومرّة اخرى كناية عن قلّة البيع ، كما في قصّة شعيب حيث نقرا قوله تعالى :( وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) .(٧)

وأخيرا استخدم القرآن الكريم الفساد في التعبير عن اضطراب النظام الكوني( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ) .(٨)

نستفيد من مجموع هذه الآيات انّ الفساد ـ بشكل عام ـ او الفساد في الأرض ، له معنى واسع جدّا ، بحيث يشمل اكبر الجرائم مثل جرائم فرعون وسائر

__________________

(١) المائدة ، ٣٣.

(٢) البقرة ، ٢٠٥.

(٣) البقرة ، ٢٧.

(٤) القصص ، ٨٣.

(٥) يونس ، ٩١.

(٦) يوسف ، ٧٣.

(٧) هود ، ٨٥.

(٨) الأنبياء ، ٢٢.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

امرأته ، فلما صار في النوم وضعت رأسه على الأرض و قامت ، فانتبه المأمون و غضب لذلك فقالت : إنّ أبي أدّبني بأن لا أقعد عند نائم و لا أنام عند قاعد .

قول المصنف ( و هذه من الاستعارات العجيبة ، كأنّه شبّه السّه بالوعاء و العين بالوكاء ، فإذا اطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء ، و هذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ) فروى أبو داود في سننه في آخر باب الوضوء من النوم عن حيوة بن شريح الحمصي ، في آخرين عن بقية عن الوضين بن عطا عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ عن عليعليه‌السلام قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وكاء السّه العينان فمن نام فليتوضأ(١) .

( و قد رواه قوم لأمير المؤمنينعليه‌السلام و ذكر ذلك المبرد محمد بن يزيد ) قال الحموي : لقب محمد بن يزيد بالمبرد لأنّه لمّا صنّف المازني كتاب الألف و اللام سأله عن دقيقه و عويصه ، فأجابه بأحسن جواب ، فقال له المازني : قم فأنت المبرّد بكسر الراء أي : المثبت للحق ، فحرفه الكوفيون و فتحوا الراء ، و كان متّهما بالوضع في اللغة و أرادوا امتحانه ، فسألوه عن القبعض فقال هو القطن و أنشد

« كأنّ سنامها حشي القبعضا »

فقالوا : إن كان صحيحا فهو عجيب و إن كان مختلقا فهو أعجب(٢) .

( في كتاب المقتضب في باب اللفظ بالحروف ) في كشف الظنون المقتضب في الخطب للمبرد شرحه الرماني و علق على مشكلات أوائله الفارقي .

( و قد تكلمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم بمجازات الآثار النبوية ) قال ثمة كأنّهعليه‌السلام شبّه السته بالوعاء و العين بالوكاء ، فإذا نامت العين

____________________

( ١ ) سنن أبي داود ١ : ٥٢ ح ٢٣ اسند إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام .

( ٢ ) معجم الأدباء للحموي ١٠ : ١١٢ ١١٣ .

٥٠١

انحلّ صرار السته كما أنّه إذا زال الوكاء وسع بما فيه الوعاء ، الا أن حفظ العين للسته على خلاف حفظ الوكاء للوعاء ، فان العين إذا أشرجت لم تحفظ سيتها و الأوكية إذا حللت لم تضبط أوعيتها(١) .

٣٦ الخطبة ( ٧٩ ) و قالعليه‌السلام :

أَيُّهَا اَلنَّاسُ اَلزَّهَادَةُ قِصَرُ اَلْأَمَلِ وَ اَلشُّكْرُ عِنْدَ اَلنِّعَمِ وَ اَلوَرَعُ عِنْدَ اَلْمَحَارِمِ فَإِنْ عَزَبَ ذَلِكَ عَنْكُمْ فَلاَ يَغْلِبِ اَلْحَرَامُ صَبْرَكُمْ وَ لاَ تَنْسَوْا عِنْدَ اَلنِّعَمِ شُكْرَكُمْ فَقَدْ أَعْذَرَ اَللَّهُ إِلَيْكُمْ بِحُجَجٍ مُسْفِرَةٍ ظَاهِرَةٍ وَ كُتُبٍ بَارِزَةِ اَلْعُذْرِ وَاضِحَةٍ « أيها الناس إلى عند المحارم » جعلعليه‌السلام الزهد عبارة عن ثلاثة أمور :

قصر الأمل ، و شكر النعم ، و الورع عند المحارم .

أمّا الأول فقالوا : جمع اللَّه تعالى الزهد في كلمتين(٢) :( لكيلا تأسوا على ما فاتَكم و لا تَفرَحوا بِمآ آتاكم ) (٣) و لا يحصل الحالان إلاّ بقصر الأمل .

و أما الثاني : فلأن من زهد في الدّنيا هان عليه الإنفاق ممّا أنعم اللَّه عليه من المال شكرا .

و قال الصادقعليه‌السلام إنّ اللَّه أنعم على قوم بالمواهب فلم يشكروا فصارت عليهم وبالا ، و ابتلى قوما بالمصائب فصبروا فصارت عليهم نعمة(٤) .

و اما الثالث فسئل الصادقعليه‌السلام عن الزاهد في الدنيا فقال : الذي يترك

____________________

( ١ ) المجازات النبوية : ١٧٨ .

( ٢ ) من حديث للإمام الصادقعليه‌السلام ، بحار الأنوار ٧٨ : ٧٠ بتصرف .

( ٣ ) الحديد : ٢٣ .

( ٤ ) تحف العقول : ٢٦٧ .

٥٠٢

حلالها مخافة حسابه و يترك حرامها مخافة عقابه(١) .

« فإن عزب » أي : بعد و غاب .

« ذلك » الذي ذكر من الأمور الثلاثة .

« عنكم » فلا بدّ لكم من رعاية الثاني ، و الثالث شكر النعم و الورع عن المحارم ، و أشار إلى الورع بقوله .

« فلا يغلب الحرام صبركم » لأنّه ورد أنّه يؤتى يوم القيامة بأعمال قوم كالجبال فتصير هباء منثورا لغلبة الحرام على صبرهم .

و أشار إلى الشكر بقوله :

« و لا تنسوا عند النعم شكركم » فإنّ شكر المنعم واجب عقلي و قال تعالى :

( و لئن كفرتم إنّ عذابي لشديد ) (٢) .

« فقد أعذر اللَّه عليكم بحجج مسفرة » أي : مشرقة مضيئة( لئلاّ يكون لِلنَّاس على اللَّهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُل ) (٣) .

« و كتب بارزة العذر واضحة » إلى نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله و إلى أنبياء قبله .

٣٧ الحكمة ( ٤٢ ) و قالعليه‌السلام : لبعض أصحابه :

جَعَلَ اَللَّهُ مَا كَانَ مِنْ شَكْوَاكَ حَطّاً لِسَيِّئَاتِكَ فَإِنَّ اَلْمَرَضَ لاَ أَجْرَ فِيهِ وَ لَكِنَّهُ يَحُطُّ اَلسَّيِّئَاتِ وَ يَحُتُّهَا حَتَّ اَلْأَوْرَاقِ وَ إِنَّمَا اَلْأَجْرُ فِي اَلْقَوْلِ بِاللِّسَانِ وَ اَلْعَمَلِ بِالْأَيْدِي وَ اَلْأَقْدَامِ وَ إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ

____________________

( ١ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٠ : ٣١١ .

( ٢ ) إبراهيم : ٧ .

( ٣ ) النساء : ١٦٥ .

٥٠٣

اَلنِّيَّةِ وَ اَلسَّرِيرَةِ اَلصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ اَلْجَنَّةَ قول المصنّف : ( و قالعليه‌السلام لبعض أصحابه ) :

هو صالح بن سليم بن سلامان بن طي ( في علة اعتلها ) فلم يشهد معه صفّين لمرضه ، فقالعليه‌السلام ما نقل(١) المصنف له لمّا رجع من صفّين في طريقه .

ففي ( صفّين نصر بن مزاحم ) : قال عبد الرحمن بن جندب : لمّا أقبل عليّعليه‌السلام من صفّين أقبلنا معه إلى أن قال حتى جزنا النخيلة و رأينا بيوت الكوفة ، فإذا نحن بشيخ جالس في ظلّ بيت على وجهه أثر المرض ، فأقبل إليه عليّعليه‌السلام و نحن معه ، فقال له : مالي أرى وجهك منكفتا ؟ أمن مرض ؟ قال : نعم .

قال : فلعلك كرهته فقال : ما أحبّ أن يعتري قال : أليس احتساب بالخير في ما أصابك منه ؟ قال : بلى قال : أبشر برحمة ربّك و غفران ذنبك ، من أنت يا عبد اللَّه ؟ قال : أنا صالح بن سليم قال : ممّن ؟ قال : أمّا الأصل فمن سلامان بن طي ، و أمّا الجوار و الدعوة فمن بني سليم بن منصور قال : سبحان اللَّه ما أحسن اسمك و اسم أبيك و اسم من اعتزيت إليه ، هل شهدت معنا غزاتنا هذه ؟ قال : لا و اللَّه ما شهدتها و لقد أردتها و لكن ما ترى بي من لحب الحمّى خذلني عنها .

قالعليه‌السلام : ليسَ على الضُعَفاءِ و لاَ عَلى المَرضَى و لا على الذين لا يَجدُونَ ما يُنفقُون حرجٌ( إِذا نَصَحوا للَّه و رسوله ما على المحسنين من سبيلٍ و اللَّه غفورٌ رحيم ) (٢) أخبرني ما يقول الناس فيما كان بيننا و بين أهل الشام ؟ قال : منهم المسرور فيما كان بينك و بينهم و اولئك أغبياء الناس ، و منهم المكبوت الأسف لمّا كان من ذلك و اولئك نصحاء الناس لك ، و ذهب لينصرف فقالعليه‌السلام له : صدقت جعل اللَّه ما كان من شكواك حطّا لسيّئاتك ، فإنّ المرض لا أجر فيه

____________________

( ١ ) النهج ، الحكمة : ٤٢ .

( ٢ ) التوبة : ٩١ .

٥٠٤

و لكن لا يدع للعبد ذنبا إلاّ حطّه ، إنّما الأجر في القول باللّسان و العمل باليد و الرجل ، و إنّ اللَّه عز و جل يدخل بصدق النيّة و السريرة الصالحة من عباده الجنّة(١) .

« جعل اللَّه ما كان من شكواك حطّا لسيّئاتك » في الخبر عاد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سلمان في علته فقال : إنّ لك فيها ثلاث خصال : أنت من اللَّه تعالى بذكر ، و دعاؤك فيه مستجاب ، و لا تدع العلّة عليك ذنبا إلاّ حطّته(٢) .

و في الخبر : حمّى ليلة كفّارة سنة لأنّه يبقى أثرها إلى سنة(٣) .

و في ( الطرائف ) : برى‏ء الفضل بن سهل من علّة فقال : إنّ في المرض لنعما لا ينبغي للعقلاء أن يجحدوها ، منها تمحيص للذنوب و تعرّض للثواب و الصبر و إيقاظ من الغفلة و ادكار للنعمة الموجودة في الصحة و رضا بما قدر اللَّه و قضائه و استدعاء للتوبة و حضّ على الصدقة(٤) .

« فإنّ المرض لا أجر فيه و لكنه يحط السيئات و يحتها حت الأوراق » يقال : حت الدم عن الثوب و حت الورق عن الشجر .

و في ( أدب كاتب الصولي ) لبعضهم تشبيها بمقط القلم لاصلاحه :

فإن تكن الحطوب فرين مني

أديما لم يكن قدما يعط

فإنّ كرائم الأقلام تحفى

فيصلح من تشعثها المقط(٥)

هذا ، و في ( تاريخ بغداد ) اعتل الحسن بن وهب من حمّى نافض و صالب و طاولته فكتب إليه أبو تمّام :

____________________

( ١ ) صفّين لنصر بن مزاحم : ٥٢٨ ، و نقله المجلسي في بحار الأنوار ٣٢ : ٥٥١ .

( ٢ ) ذكره الصدوق في الخصال : ١٧١ ( ١٩٥ ) و المجلسي في البحار ٧٧ : ٦٢ رواية ٣ و ٨١ : ١٨٥ رواية ٣٧ .

( ٣ ) نسبه الطوسي في أماليه إلى الرسول الأكرم صلّى اللَّه عليه و آله ، الأمالي : ٦٤١ ح ١ .

( ٤ ) الظرائف للمقدّسي : ١٤٣ .

( ٥ ) أدب الكتاب للصولي : ١١ .

٥٠٥

ليت حمّاك فيّ و كان لك الأجر

فلا تشتكي و كنت المريضا(١)

( و فيه ) : إعتل الفضل بن سهل ذو الرياستين بخراسان ثم برى‏ء فجلس للناس فهنّأوه بالعافية و تصرّفوا في الكلام ، فلمّا فرغوا أقبل على الناس فقال :

إنّ في العلل لنعما ينبغي للعقلاء أن يعلموها : تمحيص للذنوب ، و تعرّض لثواب الصبر ، و إيقاظ من الغفلة ، و ادكار للنعمة في حال الصحة ، و استدعاء للتوبة ، و حضّ على الصدقة ، و في قضاء اللَّه و قدره بعدم الخيار فنسي الناس ما تكلّموا به و انصرفوا بكلام الفضل(٢) .

« و إنّما الأجر في القول باللّسان و العمل بالأيدي و الأقدام » و المرض ليس منهما فليس فيه أجر ، و أمّا قوله( ذلك بأنّهم لا يصيبُهم ظمأ و لاَ نَصبُ و لا مخمصة في سبيل اللَّه و لا يطَؤُنَ موطئا يغيظ الكفّار و لا ينالُونَ من عَدُوّ نيلاً إِلاّ كُتب لهُم به عمل صالح إِن اللَّه لا يُضيعُ أجرَ المُحسِنينَ و لا يُنفِقونَ نَفَقَةً صغيرةً و لا كبيرةً و لا يقطَعُون وادياً إِلاّ كتب لَهُم ليَجزِيَهُمُ اللَّهُ أَحسَن ما كانوا يَعمَلُون ) (٣) في جعل إصابتهم الجوع و العطش و التعب و هي ليست من أعمال الجوارح مثل وطى‏ء الأقدام في غيظ الكفار و النيل منهم و الإنفاق و قطع الوادي في الجهاد و نحوها ممّا هو العمل بالأيدي و الأقدام ، فلا ينافي كلامهعليه‌السلام لأنّ ما ذكر أوّلا مسبّب عن أعمال الجوارح ، فإنّ الجوع و العطش و التعب كانت بواسطة الجهاد .

« و ان اللَّه سبحانه يدخل بصدق النيّة و السريرة الصالحة من يشاء من عباده الجنّة » الظاهر كون الكلام استدراكا من قولهعليه‌السلام السابق « و انما الأجر . » ،

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ٨ : ٢٥٢ ، لم نعثر على البيت الشعري في ديوان أبي تمام .

( ٢ ) تاريخ بغداد ١٢ : ٣٤٢ .

( ٣ ) التوبة : ١٢٠ ١٢١ .

٥٠٦

بمعنى أن النيّة و إن لم تكن عمل الجوارح إلاّ أنّها لمّا كانت سببا لأعمال الجوارح كانت أيضا موجبا للأجر إن كانت صالحة ، و للوزر إن كانت فاسدة .

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « نيّة المؤمن خير من عمله و نيّة الكافر شرّ من عمله »(١) ، و قال تعالى .( إِن السَمعَ و البَصَرَ و الفؤاد كُل اُولئكَ كان عنه مسؤولاً ) (٢) .

و قال الصادقعليه‌السلام : إنّما خلّد أهل النّار في النّار لأنّ نياتهم في الدّنيا ان لو خلّدوا فيها أن يعصوا اللَّه أبدا ، و إنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة لأنّ نيّاتهم أن لو بقوا في الدّنيا أن يطيعوا اللَّه أبدا ، فبالنيّات خلّد هؤلاء و هؤلاء ثم تلا قوله تعالى قُل كُلٌ يعمَلُ على شاكِلَتِه(٣) .

و في ( الكافي ) : و إن المؤمن الفقير يقول : ربّ ارزقني حتى أفعل كذا و كذا من البرّ ، فإذا علم تعالى ذلك منه بصدق نيّة كتب له من الأجر مثل ما لو عمله ، إنّ اللَّه واسع كريم(٤) .

هذا ، و قالعليه‌السلام بصدق النيّة ، لأنّه ليست كلّ نيّة صادقة ، فقد قال تعالى( و منهم من عاهدَ اللَّه لئن آتانا من فَضلِهِ لنَصَّدَّقَنَّ و لنكُوننَّ من الصالحين فَلما آتاهُم من فَضلِهِ بَخِلُوا بهِ و تَولَّوا و هُم مُعرِضون فأَعقَبَهُم نفاقاً في قلوبهم إِلى يوم يلقونه بما أخلفوا اللَّه ما و عدُوه و بما كانوا يكذِبُونَ ) (٥) .

و قال الصادقعليه‌السلام في صدق النية : عند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر ، تصفية العمل أشدّ من العمل ، تخليص النيّة من الفساد أشد على العالمين

____________________

( ١ ) علل الشرائع للصدوق ٢ : ٤٠٣ حديث ٤ .

( ٢ ) الاسراء : ٣٦ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٨٥ ح ٥ ، و ذكره الصدوق في علل الشرائع ٢ : ٥٢٣ ح ١ ، و الآية ٨٤ من سورة الاسراء .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٨٥ ح ٣ ، و ذكره البرقي في المحاسن : ٢٦١ .

( ٥ ) التوبة : ٧٥ ٧٧ .

٥٠٧

من طول الجهاد(١) .

( قال الرضي : و أقول : صدقعليه‌السلام ، إنّ المرض لا أجر فيه لأنّه ليس من قبيل ما يستحق عليه العوض ، لأن العوض يستحق على ما كان في مقابلة فعل اللَّه تعالى بالعبد من الآلام و الأمراض و ما يجري مجرى ذلك ، و الأجر و الثواب يستحقان على ما كان في مقابلة فعل العبد ، فبينهما فرق قد بيّنه كما يقتضيه علمه الثاقب و رأيه الصائب ) و قد قالعليه‌السلام في المرض يصيب الصبي : إنّه كفارة لوالديه ، و ورد أنّ النّوم الموحش كفّارة(٢) .

٣٨ الحكمة ( ٤٧ ) و قالعليه‌السلام :

قَدْرُ اَلرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِهِ وَ صِدْقُهُ عَلَى قَدْرِ مُرُوءَتِهِ وَ شَجَاعَتُهُ عَلَى قَدْرِ أَنَفَتِهِ وَ عِفَّتُهُ عَلَى قَدْرِ غَيْرَتِهِ « قدر الرجل على قدر همّته » في ( تاريخ بغداد ) غلب عبد اللَّه بن طاهر على الشام و وهب له المأمون ما وصل إليه من الأموال هنا لك ، ففرّقه على القوّاد ثم وقف على باب مصر فقال : أخزى اللَّه فرعون ما كان أخسّه و أدنى همّته ، ملك هذه القرية فقال( أنا ربُّكم الأعلى ) (٣) و اللَّه لا دخلتها(٤) .

و في ( المعجم ) قال الصاحب بن عباد :

و قائلة : لم عرتك الهموم

و أمرك ممتثل في الامم

____________________

( ١ ) الروضة من الكافي للكليني : ٢ ح ١ .

( ٢ ) بحار الأنوار عن الإمام عليعليه‌السلام ٥ : ٣١٧ و عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ٨١ : ١٩٧ رواية ٥٤ .

( ٣ ) النازعات : ٢٤ .

( ٤ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٩ : ٤٨٣ ، ترجمة عبد اللَّه بن طاهر ( ٥٠١٤ ) .

٥٠٨

فقلت دعيني و ما قد عرى(١)

فإنّ الهموم بقدر الهمم(٢)

و في ( الكامل ) : سافر كعب بن مامة الأيادي مع رجل من بني النمر بن قاسط ، فقلّ الماء فتصافناه و التصافن أن يطرح حجر في الاناء ثم يصبّ فيه من الماء ما يغمره لئلا يتغابنوا ، فجعل النمري يشرب نصيبه فإذا أخذ كعب نصيبه قال : اسق أخاك النمري فيؤثره ، حتى جهد كعب و رفعت له أعلام الماء ، فقيل له رد كعب و لا ورود به فمات عطشا .

و وفد أوس بن حارثة بن لام الطائي و حاتم الطائي على عمرو بن هند ملك الحيرة ، فدعا أوسا فقال له : أنت أفضل أم حاتم ؟ فقال له : أبيت اللعن ، لو ملكني حاتم و ولدي و لحمتي لوهبنا في غداة واحدة ، ثم دعا حاتما فقال له :

أنت أفضل أم أوس ؟ فقال : أبيت اللعن إنّما ذكّرت بأوس ، و لأحد ولده أفضل منّي .

و كان النعمان بن المنذر دعا بحلة و عنده وفود العرب من كلّ حي فقال :

احضروني في غد فانّي ملبس هذه الحلة أكرمكم ، فحضر القوم جميعا إلاّ أوسا ، فقيل له لم تخلفت ؟ فقال : إن كان المراد غيري فأجمل الأشياء بي ألاّ أكون حاضرا ، و إن كنت أنا المراد فسأطلب و يعرف مكاني ، فلما جلس النعمان لم ير أوسا فقال : إذهبوا إلى أوس فقولوا له : إحضر آمنا ممّا خفت ، فحضر فلبس الحلة فحسده قوم من أهله فقالوا للحطيئة : اهجه و لك ثلاثمائة ناقة فقال : كيف أهجو رجلا لا أرى في بيتي أثاثا و لا مالا إلاّ من عنده ، ثم قال :

كيف الهجاء و ما تنفكّ صالحة

من آل لأم(٣) بظهر الغيب تأتيني(٤)

____________________

( ١ ) ورد في الديوان بلفظ : « فقلت ذريني على غصتي »

( ٢ ) ديوان الصاحب بن عباد : ٢٨٠ .

( ٣ ) نسخة التحقيق « إذا ذكرت » .

( ٤ ) ديوان الحطيئة : ١٧٤ .

٥٠٩

فقال لهم بشر بن أبي خازم الأسدي : أنا أهجوه لكم ، فأخذ الابل و فعل ، فأغار أوس على الابل فاكتسحها و جعل بشر لا يستجير حيّا إلاّ قالوا قد أجرناك إلاّ من أوس و كان في هجائه إيّاه ذكر امّه فأتى به فدخل على امه فقال : قد أتينا ببشر الهاجي لك و لي فما ترين فيه ؟ قالت : أرى أن ترد عليه ماله و تعفو عنه و تحبوه و أفعل مثل ذلك ، فانّه لا يغسل هجاه إلاّ مدحه ، فخرج إليه و قال له : إنّ امّي سعدى التي كنت تهجوها أمرت لك بكذا و كذا فقال : لا جرم ، لا و اللَّه لا مدحت أحدا حتى أموت غيرك(١) .

« و صدقه على قدر مروّته » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل و سجوده ، فإنّ ذلك شي‏ء اعتاده فلو تركه استوحش لذلك ، و لكن انظروا إلى صدق حديثه و أداء أمانته(٢) .

و عنهعليه‌السلام : إنّما سمّي اسماعيل صادق الوعد لأنّه وعد رجلا في مكان فانتظره في ذلك المكان سنة فأتاه بعد سنة فقال له إسماعيل : مازلت منتظرا لك(٣) .

و في ( الخصال ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ست من المروّة ، ثلاث منها في الحضر ، و ثلاث منها في السفر : فأمّا الّتي في الحضر ، فتلاوة كتاب اللَّه عز و جل و عمارة مساجد اللَّه و اتخاذ الإخوان في اللَّه عز و جل ، و أمّا الّتي في السفر ، فبذل الزاد و حسن الخلق و المزاح في غير معاصي اللَّه(٤) .

« و شجاعته على قدر أنفته » في ( وزراء الجهشياري ) : بلغ موسى بن المهدي و هو الهادي حال بنت لعمارة بن حمزة مولاهم و هي جميلة

____________________

( ١ ) الكامل في الأدب للمبرّد ١ : ١٩٧ ١٩٩ ، طبعة مصر .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ١٠٥ ح ١٢ .

( ٣ ) ورد في البحار قريب منه عن الإمام الرضاعليه‌السلام ٣ : ٣٨٨ رواية ١ .

( ٤ ) الخصال للصدوق ١ : ٣٢٤ ح ١١ .

٥١٠

فراسلها فقالت لأبيها ذلك ، فقال : إبعثي إليه في المصير إليك و أعلميه أنّك تقدرين على إيصاله إليك في موضع يخفى أثره ، فأرسلت إليه بذلك و حمل موسى على المصير نفسه ، فأدخلته حجرة قد فرشت و اعدّت له ، فلما صار إليها دخل عليه عمارة فقال : السّلام عليك أيها الأمير ماذا تصنع هاهنا ؟

إتّخذناك وليّ عهد فينا أو فحلا في نسائنا ؟ ثم أمر به فبطح في موضعه فضربه عشرين درة خفيفة و ردّه إلى منزله ، فحقد عليه فلما ولي الخلافة دسّ إليه رجلا يدّعي عليه أنّه غصبه الضيعة المعروفة بالبيضاء بالكوفة و كانت قيمتها ألف ألف درهم فبينا الهادي ذات يوم جالس للمظالم و عمارة بحضرته ، و ثب الرجل فتظلم منه ، فقال الهادي لعمارة : ما تقول ؟ قال : ان كانت الضيعة لي فهي له و ان كانت له فهي له و وثب فانصرف عن المجلس(١) .

( و عفته على قدر غيرته ) كانعليه‌السلام يقول لأهل العراق : نبئت أن نساءكم يدافعن الرجال في الطريق ، أما تستحون و لا تغارون ؟

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ان اللَّه تعالى غيور يحب كلّ غيور ، و لغيرته حرّم الفواحش ظاهرها و باطنها ، و إذا لم يغر الرجل فهو منكوس القلب(٢) .

و عنهعليه‌السلام : لمّا أقام العالم الجدار أوحى تعالى إلى موسىعليه‌السلام : إنّي مجازي الأبناء بسعي الآباء ، إن خيرا فخير و إن شرّا فشر ، لا تزنوا فتزني نساؤكم ، و من وطى‏ء فراش امرى‏ء مسلم وطى‏ء فراشه ، كما تدين تدان(٣) .

و عن الصادقعليه‌السلام : كانت في بني اسرائيل بغيّ و كان رجل منهم يكثر

____________________

( ١ ) وزراء الجهشياري تاريخ الوزراء : ١٤٧ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٣٦ ح ٣ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٥٣ رواية ١ ، و كذلك ثواب الأعمال : ١٣ ، و أيضا المجلسي في بحار الأنوار ١٣ : ٢٩٦ رواية ١٣ .

٥١١

الاختلاف إليها ، فلمّا كان في آخر ما أتاها أجرى اللَّه على لسانها : أما إنّك سترجع إلى أهلك فتجد معها رجلا ، فارتفعا إلى موسىعليه‌السلام فنزل جبرئيلعليه‌السلام و قال : يا موسى من يزن يزن به ، فنظر موسى إليهما فقال : عفّوا تعفّ نساؤكم(١) .

٣٩ الحكمة ( ٤٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلظَّفَرُ بِالْحَزْمِ وَ اَلْحَزْمُ بِإِجَالَةِ اَلرَّأْيِ وَ اَلرَّأْيُ بِتَحْصِينِ اَلْأَسْرَارِ هو قياس منتج : ان الظفر بتحصين الأسرار و هو قياس ينحلّ إلى قياسين ، لأنّ القضية الثانية كبرى بالنسبة إلى الاولى و صغرى بالنسبة إلى الثالثة .

أمّا كون الظّفر بالحزم ففي العيون : قيل لرجل من بني عبس : ما أكثر صوابكم فقال : نحن ألف رجل و فينا حازم واحد و نحن نطيعه ، فكأنّا ألف حازم(٢) .

و يقال : روّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم(٣) .

و أمّا كون الحزم بإجالة الرأي فكان عامر بن الظرب حكيم العرب يقول :

دعوا الرأي يغبّ حتى يختمر ، و إيّاكم و الرأي الفطير(٤) .

و لمّا استعجل الحجّاج المهلّب في حرب الأزارقة قال المهلّب : إنّ من

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٥٣ رواية ٣ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٠ ٣٢ ، و كذلك العقد الفريد ١ : ٦٠ .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٤ .

( ٤ ) ابن عبد ربه ١ : ٦٠ ( دار الكتب العلمية ) .

٥١٢

البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره(١) .

و يقال : ليس بين الملك و بين ان يملك رعيته أو تملكه رعيته إلاّ حزم أو توان .

و قيل : من التمس الرخصة من الإخوان عند المشورة و من الأطباء عند المرض و من الفقهاء عند الشبهة أخطأ الرأي و ازداد مرضا و حمل الوزر(٢) .

و أمّا كون الرأي بتحصين الأسرار فيقال : ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك(٣) .

و في ( وزراء الجهشياري ) : كان موسى بن عيسى الهاشمي يتقلّد للرشيد مصر ، و كثر التظلّم منه و اتّصلت السعايات به و قيل إنّه قد استكثر من العبيد و العدّة فقال الرشيد ليحيى البرمكي : اطلب لي رجلا كاتبا عفيفا يكمل لمصر و يستر خبره فلا يعلم موسى بن عيسى حتى يفجأه قال : قد وجدته هو عمر بن مهران و كان كتب للخيزران و لم يكتب لغيرها قط و كان رجلا أحول مشوّه الخلق خسيس اللّباس فأمر بإحضاره قال : فاستدناني الرشيد و نحّى الغلمان و أمرني أن أستر خبري حتى افاجى‏ء موسى بن عيسى فأتسلّم العمل منه ، فأعلمته أنّه لا يقرأ لي ذكرا في كتب أصحاب الأخبار حتى أوافي مصر ، فكتب لي بخطّه إلى موسى ، فخرجت من غد مبكرا على بغلة لي و معي غلام أسود على بغل استأجرته ، معه خرج فيه قميص و مبطنة و طيلسان و شاشية و خف و مفرش صغير ، و اكتريت لثلاثة من أصحابي أثق بهم ثلاثة أبغل ، و أظهرت أنّي وجّهت ناظرا في أمور بعض العمّال ، كلّما وردت

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣١ .

( ٢ ) المصدر نفسه ١ : ٣٠ ، في كتاب للهند .

( ٣ ) المصدر نفسه ١ : ٤٠ .

٥١٣

بلدا توهّم من معي أنّي قصدته و ليس يعرف خبري أحد من أهل البلدان أمرّ بها في نزولي و نفوذي حتى وافيت الفسطاط فنزلت جنابا و خرجت منه وحدي في زيّ متظلم أو تاجر ، فدخلت دار الامارة و ديوان البلد و بيت المال ، و سألت و بحثت عن الأخبار و جلست مع المتظلمين و غيرهم ، فمكثت ثلاثة أيام أفعل ذلك حتى عرفت جميع ما احتجت إليه ، فلمّا نام الناس دعوت أصحابي فقلت للّذي أردت استكتابه على الديوان : قد رأيت مصر و قد استكتبتك على الديوان فبكّر إليه فاجلس فيه ، فإذا سمعت الحركة فاقبض على الكاتب و وكلّ به و بالكتاب و الأعمال ، و لا يخرج من الديوان أحد حتى أوافيك ، و دعوت بآخر فقلّدته بيت المال و أمرته بمثل ذلك ، و قلّدت الآخر عملا من الأعمال بالحضرة ، و أمرتهم أن يبكّروا و لا يظهروا أنفسهم حتى يسمعوا الحركة ، و بكّرت فلبست ثيابي و وضعت الشاشية على رأسي و مضيت إلى دار الامارة ، فأذن موسى للناس إذنا عامّا ، فدخلت فيمن دخل ، فإذا موسى على فرش و القوّاد وقوف عن يمينه و شماله و الناس يدخلون فيسلّمون و يخرجون و أنا جالس بحيث يراني و حاجبه ساعة بساعة يقيمني و يقول لي تكلّم بحاجتك ، فأعتلّ عليه حتى خفّ الناس ، فدنوت منه و أخرجت إليه كتاب الرشيد فقبّله و وضعه على عينه ثم قرأه فامتقع لونه و قال : السمع و الطاعة تقرى‏ء أبا حفص السلام و تقول له : ينبغي لك أن تقيم بموضعك حتى نعدّ لك منزلا يشبهك و يخرج غدا أصحابنا يستقبلونك فتدخل مدخل مثلك .

فقال له : أنا عمر بن مهران قد أمرني الرشيد بإقامتك للناس و انصاف المظلوم منك و أنا فاعل ذلك فقال : أنت عمر بن مهران ؟ قلت : نعم قال :( لعن اللَّه فرعون حيث يقول أليس لي مُلك مِصر ) (١) و اضطرب الصوت في الدار ،

____________________

( ١ ) الزخرف : ٥١ .

٥١٤

فقبض كاتبي على الديوان و صاحبي الآخر على بيت المال و ختما عليه و وردت عليه رقاع أصحاب أخباره بذلك ، فنزل عن فرشه و قال : « لا إله إلاّ اللَّه هكذا تقوم الساعة ما ظننت أنّ أحدا بلغ من الحزم و الحيلة ما بلغت ، فإنّك قد تسلّمت الأعمال و أنت في مجلسي » ثم نهضت إلى الديوان فقطعت أمور المتظلمين منه و انصرفت على بغلتي التي دخلت عليها و معي غلامي الأسود(١) .

و في ( عيون ابن قتيبة ) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إستعينوا على الحوائج بالكتمان ، فإنّ كلّ ذي نعمة محسود(٢) .

و كان عليعليه‌السلام يتمثل بهذين البيتين :

و لا تفش سرّك إلاّ إليك

فإنّ لكلّ نصيح نصيحا

فإنّي رأيت غواة الرجال

لا يتركون أديما صحيحا(٣)

و قال الشاعر :

و لو قدرت على نسيان ما اشتملت

منّي الضلوع من الأسرار و الخبر

لكنت أوّل من ينسى سرائره

إذ كنت من نشرها يوما على خطر(٤)

٤٠ الحكمة ( ٦٣ ) و قالعليه‌السلام :

اَلشَّفِيعُ جَنَاحُ اَلطَّالِبِ

____________________

( ١ ) تاريخ الوزراء للجهشياري : ٢١٧ ٢٢٠ بتصرف .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ، أخرجه عن أحمد بن خليل عن محمد بن الحصيب عن أوس بن عبد اللَّه بن بريدة عن أخيه عن بريدة ١ : ٣٨ و قد مرّ .

( ٣ ) ذكرهما ابن قتيبة في العيون ١ : ٣٩ ، و قد مرّ ذكره .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبه ١ : ٣٩ .

٥١٥

قالوا : الشفاعات مفاتيح الطلبات و قيل في فضل البرمكي :

و من يكن الفضل بن يحيى بن خالد

شفيعا له عند الخليفة ينجح(١)

و في ( تاريخ بغداد ) : إشترى أخ لشعبة من طعام السلطان فخسر هو و شركاؤه ، فحبس بستة آلاف دينار بحصته ، فخرج شعبة إلى المهدي ليكلّمه فيه ، فلمّا دخل عليه قال للمهدي : انشدني قتادة و سماك بن حرب لامية بن أبي الصلت يقوله لعبد اللَّه بن جدعان :

أأذكر حاجتي أم قد كفاني

حياؤك إن شيمتك الحياء

كريم لا يعطّله صباح

عن الخلق الكريم و لا مساء

فارضك أرض مكرمة بنتها

بنو تيم و أنت لهم سماء

فقال : لا ، لا تذكرها قد عرفناها و قضيناها لك ، إرفعوا إليه أخاه لا تلزموه شيئا(٢) .

هذا ، و في المعجم قال أبو العيناء : كان لي صديق فجاءني يوما و قال :

أريد الخروج إلى فلان العامل و أحببت أن يكون معي إليه وسيلة و قد سألت عن صديقه فقيل لي الجاحظ و هو صديقك فاحبّ أن تأخذ لي كتابه إليه بالعناية ، فصرت إلى الجاحظ فقلت له جئتك مسلّما و قاضيا للحق و لبعض أصدقائي حاجة و هي كذا و كذا فقال : لا تشغلنا الساعة عن المحادثة و إذا كان في غد وجّهت إليك بالكتاب ، فلمّا كان في غد ، وجّه إليّ بالكتاب ، فقلت لابني :

وجّه هذا الكتاب إلى فلان ففيه حاجته فقال لي : إن الجاحظ بعيد الغور فينبغي أن نفضّه و ننظر ما فيه ، ففعل فإذا في الكتاب :

« هذا الكتاب مع من لا أعرفه و قد كلّمني فيه من لا أوجب حقّه ، فان

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٠٨ .

( ٢ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٩ : ٢٥٦ في ترجمة شعبة بن الحجاج .

٥١٦

قضيت حاجته لم أحمدك ، و ان رددته لم أذممك » .

فلمّا قرأت الكتاب مضيت من فوري إلى الجاحظ فقال : قد علمت انّك أنكرت ما في الكتاب ، فقلت أو ليس موضع نكرة ، فقال لا هذه علامة بيني و بين الرجل في من أعتني به ، فقلت : لا إله إلاّ اللَّه ما رأيت أحدا أعلم بطبعك و ما جبلت عليه من هذا الرجل ، انّه لمّا قرأ هذا الكتاب قال : أم الجاحظ عشرة آلاف في عشرة آلاف قحبة و ام من يسأله حاجة فقلت له : يا هذا تشتم صديقنا فقال :

هذه علامة في من أشكره فضحك الجاحظ(١) .

٤١ الخطبة (( الحكمة )) ( ٦٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْعَفَافُ زِينَةُ اَلْفَقْرِ وَ اَلشُّكْرُ زِينَةُ اَلْغِنَى أقول : كرّره المصنف في ( ٣٤٠ ) سهوا ، لكن نقله عنه هنا ابن ميثم بدون الفقرة الأخيرة(٢) و انما نقله عنه معها ابن أبي الحديد(٣) .

« العفاف زينة الفقر » و قد وصف اللَّه تعالى الفقراء المتزيّنين بالعفاف في قوله( يَحسَبُهُم الجاهِلُ أَغنياءَ مِنَ التَّعفُّف تَعرفُهم بسيماهم لا يَسألونَ الناس إِلحافاً ) (٤) .

« و الشكر زينة الغنى » قال سليمانعليه‌السلام ( ربِّ أَوزعني أن أَشكُر نعمتك الّتي أَنعمتَ عليَّ وَ على والديَّ ) (٥) و قال أيضا لمّا رأى عرش ملكة سبأ مستقرا

____________________

( ١ ) معجم الادباء للحموي ١٦ : ٨٣ ، في ترجمة عمرو بن بحر ، الجاحظ .

( ٢ ) نقل شرح ابن ميثم « العفاف زينة الفقر » ٥ : ٢٧٣ رقم ٦٠ .

( ٣ ) راجع شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢١٣ رقم ٦٦ .

( ٤ ) البقرة : ٢٧٣ .

( ٥ ) النمل : ١٩ .

٥١٧

عنده في أقل من طرفة عين( هذا من فضل رَبّي ليبلوَني ءأشكُر أَم أكفُر و مَن شَكَرَ فإنّما يَشكُرُ لِنَفسِهِ ) ( و مَن كَفَر فإن ربِّي غَنيٌ كريم ) (١) .

٤٢ الحكمة ( ٦٩ ) و قالعليه‌السلام :

إِذَا لَمْ يَكُنْ مَا تُرِيدُ فَلاَ تُبَلْ مَا كُنْتَ أقول : هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) ، و الصواب ما في ابن أبي الحديد(٣) و ابن ميثم(٤) و النسخة الخطية(٥) « فلا تبل كيف كنت » و « تبل » بضم التاء و الأصل فيه تبال ، حذفوا الألف تخفيفا لكثرة الاستعمال كما حذفوا الياء من قولهم « لا أدر » قال زهير :

لقد باليت مظعن امّ أوفى

و لكن ام أوفى لا تبالي(٦)

قالوا : كان لامرأة ابن واحد ، فمات فقالت أردت أن لا يموت هذا ، فمن شاء بعده عاش و من شاء مات .

٤٣ الحكمة ( ٨٧ ) و قالعليه‌السلام :

عَجِبْتُ لِمَنْ يَقْنَطُ وَ مَعَهُ اَلاِسْتِغْفَارُ

____________________

( ١ ) النمل : ٤٠ .

( ٢ ) راجع النسخة المصرية شرح محمّد عبده : ٦٧١ رقم ٦٦ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢١٥ .

( ٤ ) في شرح ابن ميثم ٥ : ٢٧٣ كما ما ذكره ( محمّد عبده ) في النسخة المصرية المنقحة .

( ٥ ) راجع النسخة الخطية ( المرعشي ) : ٣١٢ .

( ٦ ) ديوان زهير بن أبي سلمى : ٥٧ .

٥١٨

أقول : روي عنهعليه‌السلام هذا المعنى بلفظ آخر ، فعنهعليه‌السلام قال « العجب لمن يهلك و النجاة معه » قيل : ما هي ؟ قالعليه‌السلام : الاستغفار(١) .

و ورد أنّ الزهري لمّا حصل له القنوط من عقوبته رجلا فمات قال له عليّ بن الحسينعليه‌السلام : أخاف عليك من قنوطك ما لا أخاف عليك من ذنبك .

و أمره ببعث ديته ثم الاستغفار ، فقال له فرّجت عني يا سيدي اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته(٢) .

و في ( الكافي ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : الاستغفار و قول لا إله إلاّ اللَّه خير العبادة ، قال تعالى( فَاعلَم أَنّه لا إله إلاّ اللَّه و استَغفر لِذَنبك ) .(٣) و قد قال تعالى .( وَ ما كانَ اللَّه مُعذِّبَهُم وَ هُم يَستَغفِرُون ) (٤) .

٤٤ الحكمة ( ٨٩ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَللَّهِ أَصْلَحَ اَللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَلنَّاسِ وَ مَنْ أَصْلَحَ أَمْرَ آخِرَتِهِ أَصْلَحَ اَللَّهُ لَهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَ مَنْ كَانَ لَهُ فِي نَفْسِهِ وَاعِظٌ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ اَللَّهِ حَافِظٌ الحكمة ( ٤٢٣ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اَللَّهُ عَلاَنِيَتَهُ وَ مَنْ عَمِلَ لِدِينِهِ كَفَاهُ اَللَّهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَ مَنْ أَحْسَنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَللَّهِ أَحْسَنَ اَللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَلنَّاسِ

____________________

( ١ ) ذكره الطبرسي في مكارم الأخلاق : ١٦٦ .

( ٢ ) تنقيح المقال للمامقاني ٣ : ١٨٧ .

( ٣ ) محمد : ١٩ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٥٠٥ ح ٦ عن حسين بن زيد ، و الآية ١٩ من سورة محمد .

٥١٩

أقول : روى ( روضة الكافي ) في حديثه ( ٤٧٧ ) عن الصادقعليه‌السلام : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : كانت الفقهاء و العلماء إذا كتب بعضهم إلى بعض كتبوا بثلاثة ليس معهنّ رابعة : من كانت همّته آخرته كفاه اللَّه همّه من الدنيا ، و من أصلح سريرته أصلح اللَّه علانيته ، و من أصلح فيما بينه و بينه تعالى أصلح اللَّه فيما بينه و بين الناس(١) .

قولهعليه‌السلام في الأول : « من أصلح ما بينه و بين اللَّه تعالى أصلح اللَّه ما بينه و بين الناس » و في الثاني : « و من أحسن في ما بينه و بين اللَّه أحسن اللَّه ما بينه و بين الناس » على ما في ( الطبعة المصرية(٢) و ابن أبي الحديد )(٣) ، و لكن في ( ابن ميثم(٤) و النسخة الخطية ) : « كفاه اللَّه ما بينه و بين الناس »(٥) .

قال الصادقعليه‌السلام : ما نقل اللَّه عبدا من ذلّ المعاصي إلى عزّ التقوى إلاّ أغناه من غير مال و أعزّه من غير عشيرة و آنسه من غير بشر(٦) .

و في الأول « و من أصلح أمر آخرته أصلح اللَّه له أمر دنياه » و في الثاني « و من عمل لدينه كفاه اللَّه أمر دنياه » قال تعالى : و من يَتّق اللَّه يَجعَل لهُ مخرجا .

( و يَرزُقُه من حيثُ لا يَحتَسبُ ) (٧) .

و عن عيسىعليه‌السلام : أوحى اللَّه تعالى إلى الدّنيا : من خدمني فاخدميه ، و من خدمك فاستخدميه(٨) .

____________________

( ١ ) الكافي الروضة للكليني : ٣٠٧ .

( ٢ ) راجع النسخة المصرية المنقحة : ٧٥٥ رقم ٤٠٩ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٦٨ رقم ٤٢٩ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٤٤٧ رقم ٤٩٨ .

( ٥ ) النسخة الخطية : ٣٢٧ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٢ : ٧٦ ح ٨ .

( ٧ ) الطلاق : ٢ ٣ .

( ٨ ) ورد ما يشابهه في بحار الأنوار ٧٧ : ٥٤ .

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572