الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل13%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 572

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 572 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 287941 / تحميل: 5234
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

أو عنه من اصل التركة.

(السادسة): من جعل دابته أو جاريته هديا لبيت الله بيع ذلك وصرف ثمنه في معونة الحاج والزائرين.

(السابعة): روى اسحاق بن عمار عن أبي ابراهيمعليه‌السلام في رجل كانت عليه حجة الاسلام فأراد أن يحج، فقيل له: تزوج ثم حج، قال: (إن تزوجت قبل أن أحج فغلامي حر، فبدأ بالنكاح، فقال: تحرر الغلام) وفيه اشكال إلا أن يكون نذرا.

(الثامنة): روى رفاعة عن أبي عبداللهعليه‌السلام في رجل نذر الحج ولم يكن له مال فحج عن غيره أيجزي عن نذره؟ قال: (نعم) وفيه اشكال إلا أن يقصد ذلك بالنذر.

(التاسعة): قيل من نذر ألا يبيع خادما أبدا لزمه الوفاء وإن احتاج إلى ثمنه، وهو استنادا إلى رواية مرسلة.

(العاشرة): العهد كاليمين يلزم حيث تلزم.

ولو تعلق بما الاعود(١) مخالفته دينا أو دنيا خالف إن شاء، ولا إثم ولا كفارة.

كتاب الصيد والذبائح

يؤكل من الصيد ما قتله السيف والرمح والسهم والمعراض اذا خرق، ولو اصاب السهم معترضا حل إن كان فيه حديدة، ولو خلا منها لم يؤكل الا أن يكون حادا فيخترق وكذا ما يقتله الكلب المعلم دون غيره من الجوارح.

ولا يؤكل ما قتله الفهد وغيره من جوارح البهائم.

ولا ما قتله العقاب وغيره من جوارح

____________________ ___

(١) الاكثر فائدة ونفعا.

(*)

٢٤١

الطير إلا أن يذكى.

وإدراك ذكاته بأن يجده ورجله تركض أو عينه تطرف.

وضابطه حركة الحيوان.

ويشترط في الكلب أن يكون معلما يسترسل إذا أغري وينزجر إذا زجر وألا يعتاد أكل صيده، ولا عبرة بالندرة.

ويعتبر في المرسل أن يكون مسلما أو بحكمه قاصدا بارساله الصيد مسميا عند الارسال.

فلو ترك التسمية عامدا لم يؤكل صيده، ويؤكل لو نسي اذا اعتقد الوجوب.

ولو ارسل وسمى غيره لم يؤكل صيده الا أن يذكيه، ويعتبر ألا (يغيب) عنه، فلو غاب وحياته مستقرة ثم وجده مقتولا أو ميتا لم يؤكل.

وكذا السهم ما لم يعلم أنه القاتل ويجوز الاصطياد بالشرك والحبالة وغيرهما من الآلة و بالجوارح لكن لا يحل منه إلا ما ذكي.

والصيد ما كان ممتنعا، ولو قتل بالسهم فرخاأوقتل الكلب طفلا(١) غير ممتنع لم يحل ولو رمى طائرا فقتله وفرخا لم يطر حل الطائر دون فرخه.

مسائل: من أحكام الصيد: (الاولى): اذا تقاطعته الكلاب قبل إدراكه حل.

(الثانية): لو رماه بسهم فتردى من جبل أو وقع في ماء فمات لم يحل وينبغي هنا اشتراط استقرار الحياة(٢) .

____________________ ___

(١) الطفل: المولود، وولد كل وحشية أيضا طفل.

اه‍ مختار الصحاح.

(٢) هذا استدراك على الحكم السابق، لانه يفيد عدم حله سواء أكان قبل موته مستقر الحياة ام لا.

مع ان عدم الحل انما هو حكم خاص بمستقر الحياة قبل التردي وبعد الاصابة والسهم.

ويدل على ذلك عبارته فيس شرائع الاسلام وهذا نصها: (ولو رمى صيدا فتردى من جبل او وقع في ماء فمات، لم يحل لاحتمال ان يكون موته من السقطة نعم لو صير حياته غير مستقرة، حل لانه يجري مجرى المذبوح).

(*)

٢٤٢

(الثالثة): لو قطعه السيف اثنين فلم يتحركا حلا، ولو تحرك أحدهما فهو الحلال ان كانت حياته مستقرة لكن بعد التذكية.

ولو لم تكن مستقرة حلا.

وفي رواية يؤكل الاكبر دون الاصغر وهي شاذة.

ولو اخذت الحبالة منه قطعة فهي ميتة.

(الرابعة): اذا أدرك الصيد وفيه حياة مستقرة ولا آلة ليذكيه لم يحل حتى يذكى.

وفي رواية جميل: يدع الكلب حتى يقتله.

(الخامسة): لو ارسل كلبه فأرسل كافر كلبه فقتلا صيدا، أو مسلم لم يسم او لم يقصد الصيد، لم يحل.

(السادسة): لو رمى صيدا فأصاب غيره حل.

ولو رمى لا للصيد فقتل صيدا لم يحل.

(السابعة): اذا كان الطير مالكا جناحه فهو لصائده الا أن يعرف مالكه فيرده اليه.

ولو كان مقصوصا لم يؤخذ لان له مالكا.

ويكره أن يرمي الصيد بما هو اكبر منه ولو اتفق قيل يحرم والاشبه الكراهية.

وكذا يكره أخذ الفراخ من اعشاشها.

والصيد بكلب علمه مجوسي.

وصيد السمك يوم الجمعة قبل الصلاة.

وصيد الوحش والطير بالليل.

والذبائح: تستدعي بيان فصول: (الاول): الذابح: ويشترط فيه الاسلام أو حكمه ولو كان انثى.

وفي الكتابي روايتان، أشهرهما: المنع.

وفي رواية ثالثة: اذا سمعت تسميته فكل والافضل أن يليه المؤمن.

نعم لا تحل ذبيحة المعادي لاهل البيتعليهم‌السلام .

(الثاني): الآلة ولا تصح الا بالحديد مع القدرة، ويجوز بغيره مما يغري الاوداج عند الضرورة، ولو مروة او ليطة أو زجاجة.

وفي الظفر والسن مع الضرورة تردد.

(الثالث): الكيفية: وهي قطع الاعضاء الاربعة: المرئ، والودجان،

٢٤٣

والحلقوم، وفي الرواية: إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس.

ويكفي في النحر الطعن في الثغرة: ويشترط استقبال القبلة بالذبيحة مع الامكان، والتسمية، فلو أخل بأحدهما عمدا لم يحل، ولو كان نسيانا حل، ويشترط نحر الابل وذبح ما عداها.

فلو نحر المذبوح أو ذبح المنحور لم يحل.

ولا يحل حتى يتحرك بعد التذكية حركة الحي، وأدناه أن يتحرك الذنب أو تطرف العين ويخرج الدم المعتدل، وقيل: يكفي الحركة، وقيل: يكفى أحدهما، وهو أشبه.

وفي ابانة الرأس بالذبح قولان، المروي: أنها تحرم ولو سبقت السكين فأبانته لم تحرم الذبيحة.

ويستحب في الغنم ربط يدي المذبوح واحدى رجليه وامساك صوفه أو شعره حتى يبرد.

وفي البقر عقد يديه ورجليه واطلاق ذنبه.

وفي الابل ربط أخفافه إلى ابطيه.

وفي الطير ارساله.

ويكره الذباحة ليلا، ونخع الذبيحة(١) وقلب السكين في الذبح، وأن يذبح حيوانا وآخر ينظر اليه، وأن يذبح بيده ما رباه من النعم.

ويحرم سلخ الذبيحة قبل بردها.

وقيل يكره، وهو أشبه.

ويلحق به أحكام: (الاول): ما يباع في أسواق المسلمين يجوز ابتياعه من غير تفحص.

(الثاني): ما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان كالمستعصي والمتردي في بئر يجوز عقره بالسيف وغيره مما يخرج اذا خشي تلفه.

(الثالث): ذكاة السمك: اخراجه من الماء حيا.

ولا يعتبر في المخرج الاسلام ولا التسمية، ولو وثب او نضب عنه الماء فأخذ حيا حل.

وقيل:

____________________ ___

(١) نخعت الشاة نخعا من باب نخع: جاوزت بالسكين منتهى الذبح إلى النخاع اه‍. مصباح.

(*)

٢٤٤

يكفي ادراكه يضطرب، ولو صيد وأعيد في الماء فمات لم يحل وان كان في الآلة.

وكذا الجراد ذكاته أخذه حيا.

ولا يشترط اسلام الآخذ ولا التسمية ولا يحل ما يموت قبل اخذه.

وكذا لو أحرقه قبل اخذه.

ولا يحل منه ما لم يستقل بالطيران.

(الرابع): ذكاة الجنين ذكاة أمه إذا تمت خلقته.

وقيل: يشترط مع إشعاره ألا تلجه الروح وفيه بعد.

ولو خرج حيا لم يحل إلا بالتذكية.

كتاب الاطعمة والاشربة

والنظر فيه يستدعي أقساما: (الاول): في حيوان البحر: ولا يؤكل منه إلا سمك له فلس ولو زال عنه كالكنعت.

ويؤكل الربيثا والاربيان والطمر والطبراني والايلامي.

ولا يؤكل السلحفاة، ولا الضفادع ولا السرطان.

وفي الجري روايتان، أشهرها التحريم.

وفي الزمار والمارماهي والرهو، روايتان.

والوجه: الكراهية.

ولو وجد في جوف سمكة سمكة أخرى حلت ان كانت مما يؤكل.

ولو قذفت الحية تضطرب، فهي حلال ان لم تنسلخ فلوسها.

ولا يؤكل الطافي وهو الذي يموت في الماء وان كان في شبكة او حظيرة.

ولو اختلط الحي فيهما بالميت حل والاجتناب أحوط.

ولا يؤكل جلال السمك حتى يطعم علفا طاهرا يوما وليلة.

وبيض السمك المحرم مثله. ولو اشتبه أكل منه الخشن لا الاملس.

(الثاني): في البهائم: ويؤكل من الانسية: النعم، ويكره الخيل والحمر وكراهية البغل أشد.

ويحرم الجلال منها على الاصح وهو ما يأكل عذرة

٢٤٥

الانسان محضا.

ويحل مع الاستبراء بأن يربط ويطعم العلف.

وفي كميته اختلاف، محصله: استبراء الناقة بأربعين يوما والبقرة بعشرين، والشاة بعشرة.

ويؤكل من الوحشية البقر، والكباش الجبلية، والحمر، والغزلان، واليحامير.

ويحرم كل ما له ناب، وضابطه: ما يفترس كالاسد.

والثعلب، ويحرم الارنب، والضب، واليربوع، والحشار: كالفأرة، والقنفذ، والحية، والخنافس، والصراصر، وبنات الوردان، والقمل.

(القسم الثالث): في الطير: ويحرم منه ما كان سبعا كالبازي والرخمة.

وفي الغراب روايتان، والوجه: الكراهية.

ويتأكد في الابقع.

ويحرم من الطير ما كان صفيفه أكثر من دفيفه، وما ليس له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية.

ويحرم الخفاش والطاووس.

وفي الخطاف تردد.

والكراهية أشبه.

ويكره الفاختة والقبرة.

وأغلظ من ذلك كراهية الهدهد، والصرد، والصوام، والشقراق.

ولو كان أحد المحللة جلالا حرم حتى يستبرأ، فالبطة وما أشبهها بخمسة أيام.

والدجاجة ثلاثة أيام، ويحرم الزنابير، والذباب، والبق والبرغوث، وبيض ما لا يؤكل لحمه.

ولو اشتبه اكل منه ما اختلف طرفاه وترك ما اتفق.

مسألتان: (الاولى): اذا شرب المحلل لبن الخنزيرة كره.

ولو اشتد به عظمه حرم لحمه ولحم نسله.

(الثانية): لو شرب خمرا لم يحرم بل يغسل، ولا يؤكل ما في جوفه.

ولو شرب بولا لم يحرم وغسل ما في جوفه.

(القسم الرابع): في الجامد وهو خمسة: (الاول): الميتات: والانتفاع بها محرم.

ويحل منها ما لا تحله الحياة إذا

٢٤٦

كان الحيوان طاهرا في حال الحياة وهو عشرة: الصوف، والشعر، والوبر، والريش، والقرن، والعظم، والسن، والظلف، والبيض اذا اكتسى القشر الاعلى، والانفحة.

وفي اللبن روايتان، والاشبه التحريم.

(الثاني): ما يحرم من الذبيحة وهو خمسة: القضيب، والانثيان، والطحال، والفرث، والدم.

وفي المثانة والمرارة تردد، أشبهه: التحريم للاستخباث.

وفي الفرج، والعلباء، والنخاع، وذات الاشاجع، والغدد، وخرزة الدماغ، والحدق خلاف، أشبهه: الكراهية.

وتكره الكلى، والقلب والعروق.

واذا شوى الطحال مثقوبا فما تحته حرام وإلا فهو حلال(١) .

(الثالث): الاعيان النجسة: كالعذرات وما أبين من حي، والعجين اذا عجن بالماء النجس، وفيه رواية بالجواز بعد خبزه، لان النار قد طهرته.

(الرابع): الطين: وهو حرام إلا طين قبر الحسينعليه‌السلام للاستشفاء ولا يتجاوز قدر الحمصة.

(الخامس): السموم القاتلة، قليلها وكثيرها، وما يقتل كثيره فالمحرم ما بلغ ذلك الحد.

(القسم الخامس): في المائعات.

والمحرم خمسة: (الاول): الخمر، وكل مسكر، والعصير اذا غلا.

(الثاني): الدم.

وكذا العلقة ولو في البيضة، وفي نجاستها تردد، أشبه: النجاسة.

ولو وقع قليل دم في قدر وهي تغلي، لم يحرق المرق، ولا ما فيها اذا ذهب بالغليان.

ومن الاصحاب من منع من المائع وأوجب غسل التوابل وهو

____________________ ___

(١) ولو شوى الطحال مع اللحم، ولم يكن مثقوبا لم يحرم اللحم، وكذا لو كان اللحم فوقه، أما لو كان مصقوبا. وكان اللحم تحته حرم (*)

٢٤٧

حسن، كما لو وقع غيره من النجاسة.

(الثالث): كل مانع لاقته نجاسة فقد نجس، كالخمر، والدم، والميتة، والكافر الحربي.

وفي الذمي روايتان، أشهرهما: النجاسة.

وفي رواية: اذا اضطر إلى مؤاكلته أمره بغسل يده وهي متروكة.

ولو كان ما وقعت فيه النجاسة جامدا ألقي ما يكتنف النجاسة وحل ما عداه.

ولو كان المائع دهنا جاز بيعه للاستصباح به تحت السماء خاصة لا تحت الاظلة.

ولا يحل ما يقطع من أليات الغنم، ولا يستصبح بما يذاب منها، وما يموت فيه ما له نفس سائلة من المائع نجس دون ما لا نفس له.

(الرابع): ابوال ما لا يؤكل لحمه.

وهل يحرم بول ما يؤكل لحمه؟ قيل: نعم، إلا بول الابل، والتحليل أشبه.

(الخامس): ألبان الحيوان المحرم كاللبوة، والذئبة، والهرة، ويكره ما كان لحمه مكروها كالاتن حليبه وجامده.

(القسم السادس): في اللواحق، وهي سبع: (الاولى): شعر الخنزير نجس سواء أخذ من حي او ميت على الاظهر.

فان اضطر استعمل ما دسم فيه وغسل يده.

ويجوز الاستقاء بجلود الميتة ولا يصلى بمائها.

(الثانية): اذا وجد لحم فاشتبه ألقي في النار فان انقبض فهو ذكي وان انبسط فهو ميتة.

ولو اختلط الذكي بالميتة اجتنبا.

وفي رواية الحلبي: يباع ممن يستحل الميتة.

على الاصح.

(الثالثة): لا يأكل الانسان من مال غيره إلا باذنه.

وقد رخص مع عدم الاذن في الاكل من بيوت من تضمنته الآية اذا لم يعلم الكراهية.

وكذا ما يمر الانسان به من ثمرة النخل.

وفي ثمرة الزرع والشجر تردد.

ولا يقصد ولا يحمل.

٢٤٨

(الرابعة): من شرب خمرا او شيئا نجسا، فبصاقه طاهر ما لم يكن متغيرا بالنجاسة.

(الخامسة): اذا باع ذمي خمرا ثم أسلم فله قبض ثمنها.

(السادسة): الخمر تحل إذا انقلبت خلا، ولو كان بعلاج، ولا تحل لو ألقي فيها خل استهلكها.

وقيل: لو ألقي في الخل خمر من اناء فيه خمر لم يحل حتى يصير ذلك الخمر خلا وهو متروك.

(السابعة): لا يحرم الربوبات والاشربة وان شم منها رائحة المسكر.

ويكره الاسلاف في العصير.

وأن يستأمن على طبخه من يستحله قبل أن يذهب ثلثاه، والاستشفاء بمياه الجبال الحارة التي يشم منها رائحة الكبريت.

كتاب الغصب

والنظر في امور: (الاول): الغصب هو الاستقلال باثبات اليد على مال الغير عدوانا.

ولا يضمن لو منع المالك من امساك الدابة المرسلة.

وكذا لو منعه من القعود على بساطه ويصح(١) غصب العقار كالمنقول ويضمن بالاستقلال به.

ولو سكن الدار قهرا مع صاحبها ففي الضمان قولان، ولو قلنا بالضمان ضمن النصف.

ويضمن حمل الدابة لو غصبها.

وكذا الامة.

ولو تعاقبت الايدي على المغصوب فالضمان على الكل.

ويتخير المالك.

والحر لا يضمن ولو كان صغيرا لكن لو أصابه تلف بسبب الغاصب ضمنه.

ولو كان لا بسببه كالموت ولدغ الحية فقولان.

ولو حبس

____________________ ___

(١) أي: يتحقق ويتصور. اه‍ من الشرح الكبير.

(*)

٢٤٩

صانعا لم يضمن اجرته.

ولو انتفع به ضمن اجرة الانتفاع.

ولا يضمن الخمر لو غصبت من مسلم ويضمنها لو غصبها من ذمي، وكذا الخنزير.

ولو فتح بابا على مال ضمن السارق دونه.

ولو أزال القيد عن فرس فشرد او عن عبد مجنون فأبق ضمن.

ولا يضمن لو أزاله عن عاقل.

(الثاني): في الاحكام: يجب رد المغصوب وإن تعسر كالخشبة في البناء واللوح في السفينة.

ولو عاب(١) ضمن الارش.

ولو تلف او تعذر العود ضمن مثله إن كان متساوي الاجزاء.

وقيمته يوم الغصب إن كان مختلفا. وقيل: أعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف، وفيه وجه آخر. ومع رده لا يرد زيادة القيمة السوقية. وترد الزيادة لزيادة في العين او الصفة. ولو كان المغصوب دابة فعابت، ردها مع الارش.

ويتساوى بهيمة القاضي والشوكي، ولو كان عبدا وكان الغاصب هو الجاني رده ودية الجناية ان كانت مقدرة. وفيه قول آخر. ولو مزج الزيت بمثله رد العين. وكذا لو كان بأجود منه، ولو كان بأدون ضمن المثل. ولو زادت قيمة المغصوب فهو لمالكه، أما لو كانت الزيادة لانضياف عين كالصبغ والآلة في الابنية أخذ العين الزائدة ورد الاصل، ويضمن الارش ان نقص.

(الثالث): في اللواحق، وهي ستة.

(الاولى): فوائد المغصوب للمالك منفصلة كانت كالولد أو متصلة كالصوف والسمن، او منفعة كأجرة السكنى وركوب الدابة.

ولا يضمن من الزيادة المتصلة ما لم تزد به القيمة كما لو سمن المغصوب وقيمته واحدة.

(الثانية): لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد او يضمنه وما يحدث من منافعه وما يزاد في قيمته لزيادة صفة فيه.

(الثالثة): اذا اشتراه عالما بالغصب فهو كالغاصب ولا يرجع المشتري بالثمن البائع بما يضمن، ولو كان جاهلا دفع العين إلى مالكها ويرجع بالثمن على البائع

____________________ ___

(١) عاب المتاع: صار ذا عبث.

٢٥٠

وبجميع ما عرمه مما لم يحصل له في مقابلته عوض كقيمة الولد.

وفي الرجوع بما يضمن من المنافع كعوض الثمرة وأجرة السكنى تردد.

(الرابعة): اذا غصب حبا فزرعه، او بيضة فأفرخت، او خمرا فخللها، فالكل للمغصوب منه.

(الخامسة): اذا غصب أرضا فزرعها فالزرع لصاحبه وعليه أجرة الارض ولصاحبها ازالة الغرس والزامه طم الحفرة والارش ان نقصت.

ولو بذل صاحب الارض قيمة الغرس لم تجب اجابته.

(السادسة): لو تلف المغصوب واختلفا في القيمة فالقول قول الغاصب.

وقيل: قول المغصوب منه.

كتاب الشفعة

وهي: استحقاق في حصة الشريك لانتقالها بالبيع.

والنظر فيه يستدعي امورا: (الاول): ما تثبت فيه: وتثبت في الارضين والمساكن إجماعا.

وهل ثثبت فيما ينقل كالثياب والامتعة؟ فيه قولان، والاشبه: الاقتصار على موضع الاجماع.

وتثبت في النخل والشجر والابنية تبعا للارض، وفي ثبوتها في الحيوان قولان، المروي: انها لا تثبت.

ومن فقهائنا من أثبتها في العبد دون غيره.

ولا تثبت فيما لا ينقسم كالعضايد والحمامات والنهر والطريق الضيق على الاشبه.

ويشترط انتقاله بالبيع فلا تثبت لو انتقل بهبة او صلح او صداق او صدقة او اقرار.

ولو كان الوقف مشاعا مع طلق فباع صاحب الطلق لم تثبت للموقوف عليه.

وقال المرتضى: تثبت، وهو أشبه.

(الثاني): في الشفيع، وهو كل شريك بحصة مشاعة قادر على الثمن(١) .

____________________ ___

(١) في شرائع الاسلام: ويشترط فيه الاسلام اذا كان المشتري مسلما.

(*)

٢٥١

فلا تثبت للذمي على مسلم.

ولا بالجوار.

ولا لعاجز عن الثمن.

ولا فيما قسم وميز إلا بالشركة في الطريق او النهر اذا بيع أحدهما او هما مع الشقص.

وتثبت بين شريكن. ولا تثبت لما زاد على أشهر الروايتين.

ولو ادعى غيبة الثمن أجل ثلاثة أيام، فان لم يحضره بطلت.

ولو قال انه في بلد آخر، أجل بقدر وصوله وثلاثة أيام ما لم يتضرر المشتري.

وتثبت للغائب والسفيه والمجنون والصبي ويأخذ لهم الولي مع الغبطة، ولو ترك الولي فبلغ الصبي او افاق المجنون فله الاخذ.

(الثالث): في كيفية الاخذ: ويأخذ بمثل الثمن الذي وقع عليه العقد، ولو لم يكن الثمن مثليا كالرقيق والجواهر اخذه بقيمته.

وقيل: تسقط الشفعة استنادا إلى رواية فيها احتمال.

وللشفيع المطالبة في الحال. ولو أخر لا لعذر بطلت شفعته.

وفيه قول آخر. ولو كان لعذر لم يبطل. وكذا لو توهم زيادة ثمن أو جنسا من الثمن فبان غيره. ويأخذ الشفيع من المشتري ودركه عليه.

ولو انهدم المسكن او عاب بغير فعل المشتري أخذ الشفيع بالثمن او ترك.

وان كان بفعل المشتري أخذ بحصته من الثمن.

ولو اشترى بثمن مؤجل قيل: هو بالخيار بين الاخذ عاجلا، والتأخير، وأخذه بالثمن في محله.

وفي النهاية يأخذ الشقص ويكون الثمن مؤجلا ويلزم كفيلا إن لم يكن مليئا وهو أشبه.

ولو دفع الشفيع الثمن قبل حلوله لم يلزم البائع أخذ ولو ترك الشفيع قبل البيع لم تبطل.

أما لو شهد على البائع او بارك للمشتري او للبائع او أذن في البيع ففيه التردد.

والسقوط أشبه. ومن اللواحق مسألتان: (الولى): قال الشيخ: الشفعة لا تورث.

وقال المفيد، وعلم الهدى: تورث، وهو أشبه.

ولو عفا أحد الورثة عن نصيبه أخذه الباقون ولم تسقط.

(الثانية): لو اختلف المشتري والشفيع في الثمن فالقول قول المشتري مع يمينه لانه ينتزع الشئ من يده.

٢٥٢

كتاب احياء الموات

والعامر ملك لاربابه لا يجوز التصرف فيه إلا باذنهم.

وكذا ما به صلاح العامر كالطريق والشرب والمراح.

والموات ما لا ينتفع به لعطلته مما لم يجر عليه ملك او ملك وباد اهله، فهو للامام لا يجوز احياؤه إلا باذنه، ومع اذنه يملك بالاحياء.

ولو كان الامام غائبا فمن سبق إلى إحيائه كان أحق به، ومع وجوده له رفع يده.

ويشترط في التملك بالاحياء: ألا يكون في يد مسلم.

ولا حريما لعامر.

ولا مشعرا للعبادة كعرفة ومنى.

ولا مقطعا(١) ولا محجرا، والتحجير يفيد أولوية لا ملكا مثل أن ينصب عليها مرزابا.

واما الاحياء فلا تقدير للشرع فيه ويرجع في كيفيته إلى العادة.

ويلحق بهذا مسائل: (الاولى): الطريق المبتكر في المباح إذا تشاح أهله فحده: خمسة أذرع، وفي رواية سبعة أذرع.

(الثانية): حريم بئر المعطن: أربعون ذراعا.

والناضح ستون ذراعا.

والعين الف ذراع.

وفي الصلبة خمسمائة.

(الثالثة): من باع نخلا واستثنى واحدة كان له المدخل اليها والمخرج ومدى جرائدها.

(الرابعة): اذا تشاح أهل الوادي في مائه حبسه الاعلى للنخل إلى الكعب.

وللزرع إلى الشراك.

ثم يسرحه إلى الذي يليه.

____________________ ___

(١) كما أقطع النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله الدار وارضا بحضرموت.

(*)

٢٥٣

(الخامسة): يجوز للانسان أن يحمي المرعى في ملكه خاصة.

وللامام مطلقا.

(السادسة): لو كان له رحا على نهر لغيره لم يجز له أن يعدل بالماء عنها الا برضاء صاحبها.

(السابعة): من اشترى دارا فيها زيادة من الطريق ففي رواية: ان كان ذلك فيما اشترى فلا بأس.

وفي النهاية إن لم يتميز لم يكن له عليه شئ.

وان تميز رده ورجع على البائع بالدرك، والرواية ضعيفة، وتفصيل النهاية في موضع المنع، والوجه: البطلان.

وعلى تقدير الامتياز يفسخ إن شاء ما لم يعلم.

(الثامنة): من له نصيب في قناة او نهر جاز له بيعه بما شاء.

(التاسعة): روى اسحاق بن عمار عن العبد الصالح(١) في رجل لم يزل في يده ويد آبائه دار، وقد علم أنها ليست لهم ولا يظن مجئ صاحبها.

قال: ما أحب أن يبيع ما ليس له، ويجوز أن يبيع سكناه.

والرواية مرسلة، وفي طريقها: الحسن بن سماعة، وهو واقفي، وفي النهاية يبيع تصرفه فيها، ولا يبيع أصلها، ويمكن تنزيلها على أرض عاطلة أحياها غير المالك باذنه فللمحيي التصرف والاصل للمالك.

____________________ ___

(١) هو الامام أبوابراهيم موسى بن جعفر الكاظم (ع).

(*)

٢٥٤

كتاب اللقطة

وأقسامها ثلاثة: (الاول): في اللقيط: وهو كل صبي او مجنون ضائع لا كافل له.

ويشترط في الملتقط التكليف.

وفي اشتراط الاسلام تردد.

ولا يلتقط المملوك إلا باذن مولاه.

وأخذ اللقيط مستحب واللقيط في دار الاسلام حر، وفي دار الشرك رق.

واذا لم يتول أحدا فعاقلته ووارثه: الامام اذا لم يكن له وارث ويقبل اقراره على نفسه بالرقية مع بلوغه ورشده.

واذا وجد الملتقط سلطانا استعان به على نفقته فان لم يجد استعان بالمسلمين.

فان تعذر الامر أنفق الملتقط ورجع عليه اذا نوى الرجوع.

ولو تبرع لم يرجع.

القسم الثاني - في الضوال: وهي كل حيوان مملوك ضائع.

وأخذه في صورة الجواز مكروه.

ومع تحقق التلف مستحب.

فالبعير لا يؤخذ ولو أخذ ضمنه الآخذ وكذا حكم الدابة والبقرة.

ويؤخذ لو تركه صاحبه من جهد في غير كلا ولا ماء، ويملكه الآخذ.

والشاة إن وجدت في الفلاة أخذها الواجد لانها لا تمنع من ضرر السباع ويضمنها وفي رواية ضعيفة: يحبسها عنده ثلاثة أيام فان جاء صاحبها والا تصدق بثمنها.

وينفق الواجد على الضالة ان لم يتفق سلطان ينفق من بيت المال.

وهل يرجع على المالك؟ الاشبه: نعم، ولو كان للضالة نفع كالظهر او اللبن قال الشيخ في النهاية: كان بازاء ما انفق، والوجه التقاص.

القسم الثالث - وفيه ثلاث فصول: (الاول): اللقطة: كل مال ضائع أخذ ولا يد عليه فما دون الدرهم ينتفع به بغير تعريف.

وفي قدر الدرهم روايتان، وما كان ازيد، فان وجده في الحرم كره أخذه وقيل يحرم ولا يحل أخذه إلا مع نية التعريف، ويعرف حولا فان جاء صاحبه

٢٥٥

والا تصدق به عنه او استبقاه أمانة، ولا يملك.

ولو تصدق به بعد الحول فكره المالك لم يضمن الملتقط على الاشهر.

وان وجده في غير الحرم يعرف حولا.

ثم الملتقط بالخيار بين التملك والصدقة و ابقائها أمانة.

ولو تصدق بها فكره المالك ضمن الملتقط ولو كانت مما لا يبقى كالطعام قومها عند الوجدان وضمنها وانتفع بها وان شاء دفعها إلى الحاكم، ولا ضمان.

ويكره أخذ الادواة، والمخصرة، والنعلين.

والشظاظ، والعصا، والوتد، والحبل، والعقال، وأشباهها.

مسائل: (الاولى): ما يوجد في خربة او فلاة او تحت الارض فهو لواجده.

ولو وجده في ارض لها او بائع ولو كان مدفونا، عرفه المالك او البائع فان عرفه فهو أحق به إلا كان للواجد.

وكذا ما يجده في دابته.

ولو وجد في جوف سمكة قال الشيخ: أخذه بلا تعريف.

(الثانية): ما وجده في صندوقه او داره فهو له، ولو شاركه في التصرف كان كاللقطة اذا أنكره.

(الثالثة): لا تملك اللقطة بحول الحول وان عرفها ما لم ينو التملك.

وقيل: تملك بمضي الحول.

(الثاني): الملتقط من له أهلية الاكتساب.

فلو التقط الصبي او المجنون جاز ويتولى الولي التعريف.

وفي المملوك تردد، أشبهه: الجواز.

وكذا المكاتب، والمدبر، وام الولد.

(الثالث): في الاحكام وهي ثلاثة: (الاول): لا يدفع اللقطة الا بالبينة.

ولا يكفي الوصف، وقيل: يكفي في الاموال الباطنة كالذهب والفضة، وهو حسن.

(الثاني) لا بأس بجعل الآبق فان عينه لزم بالرد، وان لم يعينه ففي رد العبد من المصر: دينار، ومن خارج البلد: أربعة دنانير، على رواية ضعيفة يؤيدها

٢٥٦

الشهرة وألحق الشيخان: البعير، وفيما عداهما أجرة المثل.

(الثالث): لا يضمن الملتقط في الحول لقطة ولا لقيطا ولا ضالة ما لم يفرط.

كتابب المواريث والنظر في المقدمات، والمقاصد، واللواحق والمقدمات ثلاث: (الاولى): في موجبات الارث، وهي: نسب، وسبب.

فالنسب ثلاث مراتب: ١ - الابوان، والولد وإن نزل.

٢ - والاجداد وإن علوا، الاخوة وأولادهم وإن نزلوا.

٣ - والاعمام والاخوال.

والسبب قسمان: زوجية وولاء.

والولاء ثلاث مراتب: ولاء العتق، ثم ولاء تضمن الجريرة(١) ثم ولاء الامامة.

(الثانية): في موانع الارث، وهى ثلاثة: الكفر، والرق، والقتل.

أما الكفر فانه يمنع في طرف الوارث.

فلا يرث الكافر مسلما، حربيا كان الكافر او ذميا او مرتدا ويرث الكافر أصليا ومرتدا فميراث المسلم لوارثه المسلم انفرد بالنسب او شاركه الكافر او كان أقرب حتى لو كان ضامن جريرة مع ولد كافر فالميراث للضامن.

ولو لم يكن وارث مسلم فميراثه للامام.

والكافر يرثه المسلم ان اتفق ولا يرثه الكافر إلا اذا لم يكن وارث مسلم.

ولو كان وارث مسلم كان أحق بالارث وان بعد وقرب الكافر، واذا أسلم الكافر، على ميراث قبل قسمته شارك إن كان مساويا في النسب وحاز الميراث إن كان أولى سواء كان الموروث مسلما او كافرا.

____________________ ___

(١) هو المعروف عند فقهاء السنة بولاء الموالاة.

(*)

٢٥٧

ولو كان الوارث المسلم واحدا لم يزاحمه الكافر وان أسلم لانه لا تتحقق هنا قسمة.

مسائل: (الاولي): الزوج المسلم أحق بميراث زوجته من ذوي قرابتها الكفار، كافرة كانت أو مسلمة، له النصف بالزوجية والباقي بالرد وللزوجة المسلمة الربع مع الورثة الكفار والباقي للامام.

ولو أسلموا او أسلم أحدهم، قال الشيخ: يزد عليهم ما فضل عن سهم الزوجية، وفيه تردد.

(الثانية): روى مالك بن أعين عن أبي جعفرعليه‌السلام في نصراني مات وله ابن أخ وابن أخت مسلمان وأولاد صغار: لابن الاخ الثلثان، ولابن الاخت الثلث، وينفقان على الاولاد بالنسبة فان أسلم الصغار دفع المال إلى الامام فان بلغوا على الاسلام دفعة الامام اليهم.

فان لم يبقوا دفع إلى ابن الاخ الثلثين والى ابن الاخت الثلث.

(الثالث): اذا كان أحد أبوي الصغير مسلما الحق به فلو بلغ أجبر على الاسلام.

ولو أبى كان كالمرتد.

(الرابعة) المسلمون يتوارثون وان اختلفت آراؤهم، وكذا الكفار وان اختلفت مللهم.

(الخامسة): المرتد عن فطرة(١) يقتل ولا يستتاب، وتعتد امرأته عدة الوفاة.

وتقسم أمواله.

ومن ليس عن فطرة يستتاب.

فان تاب والا يقتل وتعتد زوجته عدة الطلاق مع الحياة وعدة الوفاة لامعها.

والمرأة لا تقتل بل تحبس وتضرب أوقات الصلاة حتى تتوب ولو كانت عن فطرة.

(السادسة): لو مات المرتد كان ميراثه لوارثه المسلم.

ولو لم يكن وارث الا كافرا كان ميراثه للامام على الاظهر.

وأما القتل فيمنع الوارث من الارث اذا كان عمدا ظلما ولا يمنع لو كان خطأ.

____________________ ___

(١) هو من كان أبواه مسلمين عند بدء الحمل به.

(*)

٢٥٨

وقال الشيخان: يمنع من الدية حسب.

ولو اجتمع القاتل وغيره فالميراث لغير القاتل وان بعد، سواء تقرب بالقاتل او بغيره.

ولو لم يكن وارث سوى القاتل فالارث للامام.

وهنا مسائل: (الاولى): الدية كأموال الميت تقضي منها ديونه وتنفذ وصاياه وان قتل عمدا إذا أخذت الدية(١) .

وهل للديان منع الوارث من القصاص؟ الوجه: لا، وفي رواية لهم المنع حتى يضمن الوارث الدين.

(الثانية): يرث الدية من يتقرب بالاب ذكرانا أو اناثا، الزوج والزوجة ولا يرث من يتقرب بالام، وقيل: يرثها من يرث المال.

(الثالثة): اذا لم يكن للمقتول عمدا وارث سوى الامام فله القود أو الدية مع التراضي وليس له العفو، وقيل: له العفو.

أما الرق، فيمنع في الوارث والموروث.

ولو اجتمع مع الحر فالميراث للحر دونه ولو بعد وقرب المملوك، ولو أعتق على ميراث قبل القسمة شارك ان كان مساويا وحاز الارث ان كان أولى ولو كان الوارث واحدا فأعتق الرق لم يرث وان كان أقرب لانه لا قسمة، ولو لم يكن وارث سوى المملوك أجبر مولاه على أخذ قيمته وينعتق ليحوز الارث.

ولو قصر المال عن قيمته لم يفك.

وقيل: يفك ويسعى في باقيه ويفك الابوان والاولاد دون غيرهما وقيل: يفك ذو القرابة.

وفيه رواية ضعيفة.

وفي الزوج والزوجة تردد.

ولا يرث المدبر ولا ام الولد ولا المكاتب المشروط.

ومن تحرر بعضه يرث بما فيه من الحرية ويمنع بما فيه من الرقية.

المقدمة الثالثة: في السهام: وهي ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان

____________________ ___

(١) يريد اذا صولح على القصاص عليهما.

(*)

٢٥٩

والثلث، والسدس.

فالنصف للزوج مع عدم الولد وإن نزل، وللبنت، والاخت للاب والام أو للاب.

والربع للزوج مع الولد وإن نزل وللزوجة مع عدمه.

والثمن للزوجة مع الولد وإن نزل.

والثلثان للبنتين فصاعدا وللاختين فصاعدا للاب والام، أو للاب والثلث للام مع عدم من يحجبها من الولد وان نزل او الاخوة، وللاثنين فصاعدا من ولد الام.

والسدس لكل واحد من الابوين مع الولد وإن نزل.

وللام مع من يحجبها عن الزائد.

وللواحد من كلالة الام ذكرا كان او انثى.

والنصف يجتمع مع مثله، مع الربع، والثمن، ومع الثلث والسدس.

ولا يجتمع الربع مع الثمن.

ويجتمع الربع مع الثلثين والثلث والسدس.

ويجتمع الثمن مع الثلثين والسدس.

ولا يجتمع مع الثلث، ولا الثلث مع السدس.

مسألتان: (الاولى): التعصيب باطل.

وفاضل التركة يرد على ذوي السهام عدا الزوج والزوجة.

والام مع وجود من يحجبها على تفصيل يأتي: (الثانية) لاعول في الفرائض لاستحالة أن يفرض الله سبحانه في مال ما لا يفي بل يدخل النقص على البنت او البنتين، او على الاب او من يتقرب به.

وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وأما المقاصد فثلاثة:

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

الطواغيت ، كما يشمل الأعمال الأقل اجراما منها مثل بخس الناس أشياءهم ، ويشمل كذلك اي خروج عن حالة الاعتدال كما أشرنا اليه سابقا. وبالنظر الى انّ العقوبة يجب ان تكون مطابقة للجريمة يتّضح لنا انّ كلّ مجموعة من هؤلاء المفسدين لها عقوبة معيّنة وجزاء خاص.

ونرى في الآية (٣٣) من سورة المائدة التي ذكرت «الفساد في الأرض مع محاربة الله ورسوله» انّ هناك اربع عقوبات ويجب على الحاكم الشرعي ان يختار العقوبة المناسبة على مقدار الجريمة (القتل ـ الصلب ـ قطع الايدي والأرجل ـ النفي) كما بيّن فقهاؤنا في كتبهم شروط وحدود المفسد في الأرض وعقوباته(١) .

ولأجل ان نجتثّ هذه المفاسد ، يجب ان نستخدم الوسائل الكافية في كلّ مرحلة من مراحلها ، ففي المرحلة الاولى نستخدم أسلوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن طريق النصائح والتذكير ، ولكن إذا ما استوجب الأمر نستعمل الشدّة حتّى لو ادّى ذلك الى القتال.

وبالاضافة الى ما أشرنا اليه ، فإنّ الجملة( وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ) ترشدنا الى هذه الحقيقة في حياة المجتمع الانساني ، وهي انّ الفساد الاجتماعي لا يبقى في مكان معيّن ولا يمكن حصره في منطقة معيّنة ، بل ينتشر بين اوساط المجتمع وفي كافّة بقاع الأرض ويسري من مجموعة الى اخرى.

ويستفاد من الآيات القرآنية انّ واحدة من اهداف بعثة الأنبياء هو إنهاء حالة الفساد في الأرض (في معناه الواسع) كما نقرا في سورة هود الآية (٨٨) قول النّبي شعيبعليه‌السلام ( إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ) .

__________________

(١) ونحن أشرنا اليه بشكل مفصّل في ذيل الآية (٣٣) من سورة المائدة.

٤٠١

٢ ـ الرزق بيد الله سبحانه وتعالى ولكن ...!

لا نستفيد من الآية أعلاه فقط أنّ الرزق في زيادته ونقصانه بيد الله ، بل نستفيد من آيات أخر انّ الله سبحانه وتعالى يبسط الرزق لمن يشاء وينقصه لمن يشاء ، ولكن ليس كما يعتقده بعض الجهلاء من عدم الكسب والجلوس في زاوية البيت حتّى يبعث الله لهم الرزق ، ان هؤلاء الافراد ـ الذين يعتبر تفكيرهم السلبي ذريعة لمن يقول بأنّ الدين افيون الشعوب ـ قد غفلوا عن نقطتين اساسيتين هما :

اوّلا : انّ الارادة والمشيئة الالهيّة التي اشارت إليها الآيات القرآنية ليست مسألة اعتباطية وغير محسوبة ، بل ـ وكما قلنا سابقا ـ انّ المشيئة الالهيّة غير منفصلة عن حكمته جلّ وعلا وتدخل فيها الاستعدادات والتوفيقات.

ثانيا : انّ هذه المسألة لا تعني نفي الأسباب ، لانّ عالم الأسباب هو عالم الوجود ، وهذه العوالم وجدت بإرادة الله وهي غير منفصلة عن المشيئة التشريعيّة.

وبعبارة اخرى : انّ ارادة الله في مجال بسط الرزق نقصه مشروطة بشرائط تتحكّم في حياة الناس ، فالسعي والإخلاص والإيثار ، وبعكس ذلك الكسل والبخل وسوء النيّة ، لها دور فعّال وكبير ، ولهذا السبب نرى القرآن الكريم يشير مرارا الى انّ الإنسان رهين بسعيه وارادته وعمله ، وما يستفيده من حياته انّما هو بمقدار هذا السعي والاجتهاد( لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى ) .

ولهذا فإنّ هناك بابا في السعي لتحصيل الرزق يذكره المحدّثون في موسوعاتهم الحديثة «كوسائل الشيعة» في باب التجارة ، ويوردون أحاديث كثيرة في هذا المجال ، كما انّ هناك أبوابا اخرى تذمّ البطالة والكسل ، ومن جملتها الحديث المرويّ عن الامام عليعليه‌السلام حيث يقول : «انّ الأشياء لمّا ازدوجت ازدوج الكسل والعجز فنتجا بينهما الفقر»(١) .

وعن الامام الصادقعليه‌السلام «لا تكسلوا في طلب معايشكم فإنّ آباءنا كانوا

__________________

(١) وسائل الشيعة ، المجلّد ١٢ ، صفحة ٣٧.

٤٠٢

يركضون فيها ويطلبونها»(١) .

وعن الامام الباقرعليه‌السلام قال : «انّي لابغض الرجل ان يكون كسلانا عن امر دنياه ، ومن كسل عن امر دنياه فهو عن امر آخرته أكسل»(٢) .

وعن الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام «انّ الله تعالى ليبغض العبد النوّام ، انّ الله ليبغض العبد الفارغ»(٣) .

* * *

__________________

(١) وسائل الشيعة المجلّد ١٢ صفحة ٣٧ و ٣٨.

(٢) وسائل الشيعة المجلّد ١٢ صفحة ٣٨.

(٣) وسائل الشيعة المجلّد ١٢ صفحة ٣٧ و ٣٨.

٤٠٣

الآيات

( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (٢٧) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩) )

التّفسير

الا بذكر الله تطمئنّ القلوب :

في سورة الرعد ـ كما أشرنا سابقا ـ بحوث كثيرة حول التوحيد والمعاد والنبوّة ، فالآية الاولى من هذه المجموعة تبحث مرّة اخرى في دعوة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتبيّن واحدا من اعذار المشركين المعاندين حيث يقول تعالى :( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) .

جملة «يقول» فعل مضارع للدلالة على انّ هذا العذر كان يجري على ألسنتهم كثيرا ، رغم ما يرونه من معجزات الرّسول (فعلى كلّ نبي ان يظهر المعجزة كدليل على صدقه) ومع ذلك كانوا يحتجّون عليه ولا يؤمنون بالمعاجز

٤٠٤

السابقة ، ويطلبون منه معاجز جديدة تلائم افكارهم.

وبعبارة اخرى إنّ هؤلاء وجميع المنكرين لدعوة الحقّ كانوا دائما يطلبون «المعاجز الاقتراحية» ، ويتوقّعون من النّبي ان يجلس في زاوية الدار ويظهر لكلّ واحد منهم المعجزة التي يقترحها ، فإن لم تعجبهم لم يؤمنوا بها!.

في الوقت الذي نرى فيه انّ الوظيفة الرئيسيّة للأنبياء هي التبليغ والإرشاد والإنذار وهداية الناس ، وامّا المعجزة فهي امر استثنائي وتكون بأمر من الله لا من الرّسول ، ولكن نحن نقرا في كثير من الآيات القرآنية انّ هذه المجموعة المعاندة لا تأخذ هذه الحقيقة بنظر الاعتبار ، وكانت تؤذي الأنبياء دائما بهذه الطلبات. ويجيبهم القرآن الكريم حيث يقول :( قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ ) .

وهذه اشارة الى انّ العيب ليس من ناحية الاعجاز ، لانّ الأنبياء قد أظهروا كثيرا من المعاجز ، ولكن النقص من داخل أنفسهم. وهو العناد والتعصّب والجهل والذنوب التي تصدّ عن الايمان.

ولأجل ذلك يجب ان ترجعوا الى الله وتنيبوا اليه وترفعوا عن عيونكم وافكاركم ستار الجهل والغرور كي يتّضح لكم نور الحقّ المبين.

تشير الآية الثانية بشكل رائع الى تفسير( مَنْ أَنابَ ) حيث يقول تعالى :( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ ) . ثمّ يذكر القاعدة العامّة والأصل الثابت حيث يقول تعالى :( أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) .

وتبحث الآية الاخيرة مصير الذين آمنوا حيث تقول :( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ) .

كثير من المفسّرين قالوا : انّ كلمة «طوبى» مؤنّث «أطيب» ، وبما انّ المتعلّق محذوف فإنّ للكلمة مفهوما واسعا وغير محدود ، ونتيجة طوبى لهم هو ان تكون لهم أفضل الأشياء : أفضل الحياة والمعيشة ، وأفضل النعم والراحة ، وأفضل

٤٠٥

الألطاف الالهيّة ، وكلّ ذلك نتيجة الايمان والعمل الصالح لأولئك الراسخين في عقيدتهم والمخلصين في عملهم.

وما ذكره جمع من المفسّرين في معنى هذه الكلمة وأوصلها صاحب مجمع البيان الى عشرة معاني ، فانّها في الحقيقة تصبّ كلّها في هذا المعنى الواسع والشامل الذي ذكرناه.

ونقرا في روايات متعدّدة انّ «طوبى» شجرة أصلها في بيت النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم او الامام عليعليه‌السلام في الجنّة ، وتنتشر أغصانها على رؤوس جميع المؤمنين وعلى دورهم ، ولعلّ هذا تجسيما لقيادتهم وإمامتهم والصلات القويّة التي تربط بين هؤلاء القادة وأصحابهم ، وتكون ثمرتها كلّ هذه النعم المختلفة.

(وإذا ما رأينا انّ طوبى جاءت مؤنثّة لاطيب الذي هو مذكّر ، فإنّ ذلك بسبب انّها صفة للحياة والمعيشة او النعمة وكلّ هذه مؤنثة).

* * *

بحوث

١ ـ كيف يطمئن القلب بذكر الله؟

انّ الاضطراب والقلق من اكبر المصاعب في حياة الناس ، والنتائج الحاصلة منهما في حياة الفرد والمجتمع واضحة للعيان ، والاطمئنان واحد من اهمّ اهتمامات البشر ، وإذا حاولنا ان نجمع سعي وجهاد الانسانية على طول التاريخ في بحثهم للحصول على الاطمئنان بالطرق الصحيحة غير الصحيحة ، فسوف تتكوّن لدينا كتب كثيرة ومختلفة تعرض تلك الجهود.

يقول بعض العلماء : عند ظهور بعض الأمراض المعدية ـ كالطاعون ـ فإنّ من بين العشرة الافراد الذين يموتون بسبب المرض ـ ظاهرا ـ أكثرهم يموت بسبب القلق والخوف ، وعدّة قليلة منهم تموت بسبب المرض حقيقة. وبشكل

٤٠٦

عام «الاطمئنان» و «الاضطراب» لهما دور مهمّ في سلامة ومرض الفرد والمجتمع وسعادة وشقاء الانسانية ، وهذه مسألة لا يمكن التغافل عنها ، ولهذا السبب الّفت كتب كثيرة في موضوع القلق وطرق التخلّص منه ، وكيفيّة الحصول على الراحة ، والتاريخ الانساني مليء بالمواقف مؤسفة لتحصيل الراحة ، وكيف انّ الإنسان يتشبّث بكلّ وسيلة غير مشروعة كأنواع الاعتياد على المواد المخدّرة لنيل الاطمئنان النفسي.

ولكن القرآن الكريم يبيّن اقصر الطرق من خلال جملة قصيرة ولكنّها كبيرة المعنى حيث يقول :( أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) !

ولتوضيح هذا المعنى ومعرفة عوامل القلق والاضطراب لا بدّ من ملاحظة ما يلي :

اوّلا : يحدث الاضطراب مرّة بسبب ما يجول في فكر الإنسان عن المستقبل المظلم ، فيحتمل زوال النعمة ، او الأسر على يد الأعداء ، او الضعف والمرض ، فكلّ هذه تؤلم الإنسان ، لكن الايمان بالله القادر المتعال الرحمن الرحيم ، الله الذي تكفّل برحمة عباده هذا الايمان يستطيع ان يمحو آثار القلق والاضطراب ويمنحه الاطمئنان في مقابل هذه الاحداث ويؤكّد له انّك لست وحيدا ، بل لك ربّ قادر رحيم.

ثانيا : ومرّة يشغل فكر الإنسان ماضيه الأسود فيمسي قلقا بسبب الذنوب التي ارتكبها وبسبب التقصير والزلّات ، ولكن بالنظر الى انّ الله غفّار الذنوب وقابل التوبة وغفور رحيم ، فإنّ هذه الصفات تمنح الإنسان الثقة وتجعله اكثر اطمئنانا وتقول له : اعتذر الى الله من سوالف أعمالك السيّئة واتّجه اليه بالنيّة الصادقة.

ثالثا : ضعف الإنسان في مقابل العوامل الطبيعيّة ، او مقابل كثرة الأعداء يؤكّد في نفسه حالة القلق وانّه كيف يمكن مواجهة هؤلاء القوم في ساحة الجهاد او في

٤٠٧

الميادين الاخرى؟

ولكنّه إذا تذكّر الله ، واستند الى قدرته ورحمته هذه القدرة المطلقة التي لا يمكن ان تقف امامها ايّة قدرة اخرى ، سوف يطمئنّ قلبه ، ويقول في نفسه : نعم انّني لست وحيدا ، بل في ظلّ القدرة الالهيّة المطلقة!

فالمواقف البطولية للمجاهدين في ساحات القتال ، في الماضي او الحاضر ، وشجاعتهم النادرة حتّى في المنازلة الفردية لهم ، كلّها تبيّن حالة الاطمئنان التي تنشأ في ظلّ الايمان.

نحن نشاهد او نسمع انّ احد الضبّاط المؤمنين فقد بصره مثلا او اصابته جراحات كثيرة بعد قتال شديد مع اعداء الإسلام ولكن عند ما يتحدّث كأنّه لم يكن به شيء ، وهذه نتيجة الاستقرار والطمأنينة في ظلّ الايمان بالله.

رابعا : ومن جانب آخر يمكن ان يكون اصل المشقّة هي التي تؤذي الإنسان ، كالاحساس بتفاهة الحياة او اللاهدفية في الحياة ، ولكن المؤمن بالله الذي يعتقد انّ الهدف من الحياة هو السير نحو التكامل المعنوي والمادّي ، ويرى انّ كلّ الحوادث تصبّ في هذا الإطار ، سوف لا يحسّ باللاهدفيّة ولا يضطرب في المسيرة.

خامسا : ومن العوامل الاخرى انّ الإنسان مرّة يتحمّل كثيرا من المتاعب للوصول الى الهدف ، ولكن لا يرى من يقيّم اعماله ويشكر له هذا السعي ، وهذه العملية تؤلمه كثيرا فيعيش حالة من الاضطراب والقلق ، وامّا إذا علم انّ هناك من يعلم بهذا السعي ويشكره عليه ويثيبه ، فليس للاضطراب والقلق هنا محل من الاعراب.

سادسا : سوء الظنّ عامل آخر من عوامل الاضطراب والذي يصبّ كثيرا من الناس في حياتهم ويبعث فيهم الألم والهمّ ، ولكنّ الايمان بالله ولطفه المطلق وحسن الظنّ به التي هي من وظائف الفرد المؤمن سوف تزيل عنه حالة العذاب

٤٠٨

والقلق وتحلّ محلّها حالة الاطمئنان والاستقرار.

سابعا : الهوى وحبّ الدنيا من اهمّ عوامل القلق والاضطراب ، وقد تصل الحالة في عدم الحصول على لون خاص في الملبس ، او اي شيء آخر من مظاهر الحياة البرّاقة ان يعيش الإنسان حالة من القلق قد تستمر ايّاما وشهورا.

ولكن الايمان بالله والتزام المؤمن بالزهد والاقتصاد وعدم الاستئسار في مخالب الحياة المادية ومظاهرها البرّاقة ينهي حالة الاضطراب هذه ، وكما قال الامام عليعليه‌السلام : «دنياكم هذه أهون عندي من ورقة في فمّ جرادة تقضمها» فمن كانت له مثل هذه الرؤية كيف يمكن ان تحدث عنده حالة الخوف والقلق نتيجة لعدم الحصول على شيء من وسائل الحياة الماديّة او فقدانها؟!

ثامنا : من العوامل المهمّة الاخرى الخوف من الموت ، وبما انّ الموت لا يحصل فقط في السنّ المتأخّرة ، بل في كافّة السنين وخصوصا أثناء المرض والحروب ، والعوامل الاخرى فالقلق يستوعب كافّة الافراد. ولكن إذا اعتقدنا انّ الموت يعني الفناء ونهاية كلّ شيء (كما يعتقده المادّيون) فإنّ الاضطراب والقلق في محلّه ، ولا بدّ ان يخاف الإنسان من هذا الموت الذي ينهي عنده كلّ الآمال والاماني والطموحات. ولكن الايمان بالله يمنحنا الثقة بأنّ الموت هو باب لحياة أوسع وأفضل من هذه الحياة ، وبرزخ يمرّ منه الإنسان الى دار فضاؤها رحب ، فلا معنى للقلق حينئذ ، بل انّ مثل هذا الموت ـ إذا ما كان في سبيل الله يكون محبوبا ومطلوبا.

انّ عوامل الاضطراب لا تنحصر بهذه العوامل ، فهناك عوامل كثيرة اخرى ، ولكن كلّ مصادرها تعود الى ما ذكرناه أعلاه.

وعند ما رأينا انّ كلّ هذه العوامل تذوب وتضمحلّ في مقابل الايمان بالله سوف نصدّق انّه( أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (١) .

__________________

(١) للاستفادة اكثر راجع كتاب (طرق التغلّب على الاضطراب والقلق).

٤٠٩

٢ ـ الطمأنينة والخوف من الله

طرح بعض المفسّرين هنا هذا السؤال ، وخلاصته : نحن قرانا في الآية أعلاه( أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) ومن جانب آخر فإنّ الآية ٢ من سورة الأنفال تقول :( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ) فهل انّ هاتين الآيتين متناقضتين؟

الجواب : انّ الطمأنينة المحمودة هي ما كانت في مقابل العوامل المادية التي تقلق الإنسان ـ كما أشرنا اليه سابقا ـ ولكن المؤمنين لا بدّ وان يكونوا قلقين في مقابل مسئولياتهم ، وبعبارة اخرى : انّ المؤمنين لا يشكون من الاضطراب المدمّر الذي يشكّل غالبية أشكال القلق والاضطرابات ، ولكن القلق البنّاء الذي يحسّ به الإنسان تجاه مسئولياته امام الله فهو المطلوب ولا بدّ منه ، وهذا هو الخوف من الله(١) .

٣ ـ ما هو ذكر الله ، وكيف يتمّ؟

«الذكر» كما يقول الراغب في مفرداته : حفظ المعاني والعلوم ، ويستعمل الحفظ للبدء به ، بينما الذكر للاستمرار فيه ، ويأتي في معنى آخر هو ذكر الشيء باللسان او القلب ، لذلك قالوا : انّ الذكر نوعين «ذكر القلب» و «ذكر اللسان» وكلّ واحد منها على نوعين : بعد النسيان او بدونه.

وعلى ايّة حال ليس المقصود من الذكر ـ في الآية أعلاه ـ هو ذكره باللسان فقط فنقوم بتسبيحه وتهليله وتكبيره ، بل المقصود هو التوجّه القلبي له وادراك علمه وبأنّه الحاضر والناظر ، وهذا التوجّه هو مبدا الحركة والعمل والجهاد والسعي نحو الخير ، وهو سدّ منيع عن الذنوب ، فهذا هو الذكر الذي له كلّ هذه الآثار والبركات كما اشارت اليه عدّة من الرّوايات.

__________________

(١) وقد أشرنا الى هذه المسألة من تفسير الأمثل ذيل الآية (٢) من سورة الأنفال.

٤١٠

فمن وصايا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام عليعليه‌السلام يقول له : «يا علي ، ثلاث لا تطيقها هذه الامّة : المواساة للأخ في ماله ، وانصاف الناس من نفسه ، وذكر الله على كلّ حال ، وليس هو سبحان الله والحمد لله ولا اله الّا الله والله اكبر ، ولكن إذا ورد على ما يحرم عليه خاف اللهعزوجل عنده وتركه»(١) .

وقال الامام عليعليه‌السلام : «الذكر ذكران : ذكر اللهعزوجل عند المصيبة ، وأفضل من ذلك ذكر الله عند ما حرّم الله عليك فيكون حاجزا»(٢) .

ولهذا السبب اعتبرت بعض الرّوايات الذكر وقاية ووسيلة دفاعية ، كما ورد عن الامام الصادقعليه‌السلام قال : «انّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاطب أصحابه يوما فقال لهم : اتّخذوا جننا ، فقالوا يا رسول الله امن عدو وقد أظلنا؟ قال : لا ، ولكن من النار ، قولوا : سبحان الله والحمد لله ولا اله الّا الله والله اكبر»(٣) .

وإذا ما رأينا انّ بعض الرّوايات تتحدّث عن «ذكر الله» انّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذلك لانّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذكّر الناس بالله تعالى ، وقد روي عن الامام الصادقعليه‌السلام في تفسير الآية( أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) قال : «بمحمّد تطمئن القلوب وهو ذكر الله وحجابه».

* * *

__________________

(١) سفينة البحار ، المجلّد الاوّل ، صفحة ٤٨٤.

(٢) المصدر السّابق.

(٣) المصدر السّابق.

٤١١

الآيات

( كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (٣٠) وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٣١) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٣٢) )

اسباب النّزول

قال بعض المفسّرين : انّ الآية الاولى نزلت في صلح الحديبيّة في السنة السادسة للهجرة ، وذلك عند ما أرادوا كتابة معاهدة الصلح ، قال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي

٤١٢

عليه‌السلام : «اكتب : بسم الله الرّحمن الرّحيم ...» قال سهيل بن عمرو ومعه المشركون : نحن لا نعرف الرّحمان! وانّما هناك رحمان واحد في اليمامة «وكان قصدهم مسيلمة الكذّاب» بل اكتب «باسمك اللهم» كما كانوا يكتبونه في الجاهلية ، ثمّ قال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : «اكتب : هذا ما اتّفق عليه محمّد رسول الله ...» فقال المشركون : إذا كنت رسول الله فإنّه لظلم كبير ان نقاتلك ونمنعك من الحجّ ، ولكن اكتب : هذا ما اتّفق عليه محمّد بن عبد الله! وفي هذه الأثناء غضب صحابة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالوا : دعنا نقاتل هؤلاء المشركين ، ولكنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لا ، اكتب كما يشاءون» وفي هذه الأثناء نزلت الآية أعلاه ، وهي توبّخ المشركين على عنادهم ومخالفتهم في اسم الرّحمن الذي هو واحد من صفات الله جلّ وعلا.

هذا السبب في النّزول يمكن ان يكون صحيحا في حالة اعتقادنا بأنّ السورة مدنيّة حتّى توافق حادثة صلح الحديبيّة ، ولكنّ المشهور انّها مكيّة. الّا إذا اعتبرنا انّ سبب النّزول هو ردّ على المشركين كما في الآية (٦٠) من سورة الفرقان( اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ ) .

وعلى ايّة حال ، وبغضّ النظر عن سبب النزول ، فإنّ الآية لها مفهوم واضح سوف نتطرّق اليه في تفسيرنا لها.

وقال بعض المفسّرين في سبب نزول الآية الثّانية : انّها جواب لمجموعة من مشركي مكّة ، حيث كانوا جالسين خلف الكعبة وطلبوا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجاءهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «على امل هدايتهم» قالوا : إذا كنت تحبّ ان نكون من أصحابك فأبعد هذه الجبال قليلا الى الوراء حتّى تتّسع لنا الأرض! وشقّ الأرض لكي تتفجّر العيون والأنهار حتّى نغرس الأشجار ونقوم بالزراعة! الم تعتقد بأنّك لا تقلّ عن داود الذي سخّر الله له الجبال تسبح معه؟ او انّ تسخّر لنا الرّيح حتّى نسافر عليها الى الشام ونحلّ مشاكلنا التجارية وما نحتاج اليه ثمّ نعود في نفس

٤١٣

ذلك اليوم! كما كانت مسخّرة لسليمانعليه‌السلام ، الم تعتقد انّك لا تقلّ عن سليمان ، أو احيي لنا جدّك «قصي» او اي واحد من موتانا كي نسأله هل انّ ما تقوله حقّ ام باطل ، او ليس عيسى كان يحيي الموتى!

وفي هذه الأثناء نزلت الآية الثانية تذكرهم بأنّ كلّ ما يقولونه سببه الخصومة والعناد لا لكي يؤمنوا ، والّا فهناك معاجز كثيرة حصلت لهم.

التّفسير

لا امل في ايمان اهل العناد :

تبحث هذه الآيات مرّة ثانية مسألة النّبوة ، والآيات أعلاه تكشف عن قسم آخر من جدال المشركين في النبوّة وجواب القرآن عليهم فيقول الآية : كما انّنا أرسلنا رسلا الى الأقوام السالفة لهدايتهم :( كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ ) والهدف من ذلك( لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ) . في الوقت الذي( وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ ) يكفرون بالله الذي عمّت رحمته كلّ مكان ، وشمل فيضه المؤمن والكافر.

ثمّ قل لهم : انّ الرّحمن الذي عمّ فضله هو ربّي( قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ ) .

ثمّ يجيب أولئك الذين يتشبّثون دائما بالحجج الواهية فيقول : لو انّ الجبال تحرّكت من مكانها بواسطة القرآن :( وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى ) . فمع ذلك لا يؤمنون به.

ولكنّ كلّ هذه الأفعال بيد الله ويفعل ما يريد متى يشاء( بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً ) . ولكنّكم لا تطلبون الحقّ ، وإذا كنتم تطلبونه فهذا المقدار من المعجزة التي صدرت من الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كاف لايمانكم.

ثمّ يضيف القرآن الكريم( أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى

٤١٤

النَّاسَ جَمِيعاً ) (١) وهذه اشارة الى انّ الله سبحانه وتعالى يستطيع ان يجبر الناس وحتّى المعاندين على ان يؤمنوا ، لانّه القادر على كلّ شيء ، ولكنّه لا يفعل ذلك ابدا ، لانّ هذا الايمان الاجباري لا قيمة له وهو فاقد للمعنى والتكامل الذي يحتاجه الإنسان في حياته.

ثمّ تضيف الآية( وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ ) وهذه مصائب تنزل عليهم بشكل ابتلاءات مختلفة او على شكل هجوم المسلمين عليهم. وهذه المصائب انّ لم تنزل في دارهم فهي( أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ ) لكي يعتبروا بها ويرجعوا الى الله جلّ وعلا.

وهذا الإنذار مستمر( حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ ) .

وهذا الوعد الأخير قد يشير الى الموت ، او الى يوم القيامة ، او على قول البعض الى فتح مكّة التي سحقت آخر معقل للعدو.

وعلى ايّة حال فالوعد الالهي اكيد :( إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ ) .

الآية الاخيرة من هذه المجموعة تخاطب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتقول له : لست الوحيد من بين الأنبياء تعرّض لطلب المعاجز الاقتراحية والاستهزاء من الكفّار ، بل( وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ ) . ولكن لم نعاقب هؤلاء الكفّار فورا ، بل( فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ) لكي يستيقظوا ويعودوا الى طريق الحقّ ، او نلقي عليهم الحجّة الكافية على الأقل. لانّ هؤلاء إذا كانوا مذنبين فإنّ لطف الله وكرمه وحكمته لا تتأثّر بأفعال هؤلاء.

__________________

(١) «ييأس» مأخوذة من مادّة اليأس ، ولكن يقول جمهور من المفسّرين : انّها جاءت هنا بمعنى العلم ، وامّا ما يقوله البعض [طبقا لما نقله الفخر الرّازي] ان «يئست» لا تأتي بمعنى «علمت» إطلاقا ، ويرى الرّاغب في مفرداته انّ اليأس هنا هو نفس معناه ، ولكن يحتاج لتحقّقه الى العلم بعدم تحقّق الموضوع ، وعلى هذا يكون ثبوت يأسهم يتوقّف على علمهم وتكون نتيجته انّ اليأس هنا ليس العلم بالوجود ، بل العلم بالعدم ، وهو مخالف لمفهوم الآية ، وعلى ذلك فالحقّ ما قاله جمهور المفسّرين ، وما ذكروه من شواهد في قول العرب على ذلك ، وقد ذكر الفخر الرّازي في تفسيره امثلة من هذه الشواهد [دقّقوا النظر].

٤١٥

وعلى ايّة حال فهذا التأخير ليس بمعنى نسيان العقاب ، بل( ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ ) وهذا المصير ينتظر قومك المعاندين ايضا.

* * *

بحوث

١ ـ لماذا التركيز على كلمة «الرّحمان»؟

توضّح الآية أعلاه ، وما ذكرناه في اسباب النّزول ، انّ كفّار قريش لم يوافقوا على وصف الله بالرحمن ، وبما انّ ذلك لم يكن سائدا لديهم ، فانّهم كانوا يستهزئون به ، في الوقت الذي نرى فيه الآيات السابقة تصرّ وتؤكّد على ذلك ، لانّ في هذه الكلمة لطفا خاصّا ، ونحن نعلم انّ صفة الرّحمانية تعمّ وتشمل المؤمن والكافر ، الصديق والعدو ، في الوقت نفسه فانّ صفة الرّحيم خاصّة بعباده المؤمنين.

فكيف لا تؤمنون بالله الذي هو اصل اللطف والكرم حتّى شمل أعداءه بلطفه ورحمته ، فهذا منتهى الجهل.

٢ ـ لماذا لم يستجب النّبي لمطاليبهم

ومرّة اخرى نواجه هنا ما يقوله البعض من انّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تكن لديه معجزة غير القرآن الكريم ، ويستندون في ذلك الى الآية أعلاه وأمثالها ، لانّ ظاهر هذه الآيات انّ النّبي لم يستجب الى طلبهم في اظهار المعاجز المختلفة من قبيل تسيير الجبال او شقّ الأرض واظهار العيون واحياء الموتى والتكلّم معهم.

ولكن ـ كما قلنا مرارا ـ الاعجاز يتمّ لإظهار الحقيقة فقط ، ولأولئك الذين يطلبون الحقّ ، فليس النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل سحر حتّى ينفّذ لهم كلّ ما يطلبونه منه او

٤١٦

يقترحونه عليه ثمّ بعد ذلك لا يقبلون منه.

إنّ مثل هذا الطلب للمعاجز (المعاجز الاقتراحية) كان يصدر ـ فقط ـ من الافراد المعاندين والجاهليين الذين لم يستجيبوا لايّ حقّ. والآيات أعلاه تشير الى ذلك بوضوح ، ففي الآية الاخيرة تتحدّث عن استهزائهم بالنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا يعني انّهم لم يطلبوا المعجزة من اجل الحقّ ، بل كان طلبهم استهزاء بالرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وبالاضافة الى ما ذكرناه من اسباب النّزول في بداية التّفسير لهذه الآيات ، يمكن ان نستفيد من خلال طلبهم من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم احياء واحد من أجدادهم لكي يسألوه : هل انّ ما تقوله حقّ ام باطل؟

فلو استجاب لهم النّبي هذا الطلب فما معنى سؤالهم انّ النّبي على حقّ ام باطل؟ وهذا يوضّح انّ هؤلاء هم افراد متعصّبون ومعاندون وهدفهم ليس البحث عن الحقيقة ، (ولنا توضيح آخر من هذا الموضوع في ذيل الآية ٩٠ من سورة الاسراء).

٣ ـ ما هي القارعة؟

«القارعة» مأخوذة من مادّة «قرع» بمعنى طرق ، وعلى ذلك تكون القارعة بمعنى الطارقة ، وتشير هنا الى الاحداث التي تقرع الإنسان وتنذره وإذا كان مستعدّا للنهوض أيقظته.

وفي الحقيقة انّ للقارعة معنى واسعا ، فهي تشمل كلّ مصيبة ومشكلة وحادثة تحيط بالإنسان.

ولذلك يعتقد بعض المفسّرين انّها تعني الحروب والجفاف والقتل والأسر ، ويرى آخرون انّها تشير الى الحروب التي كانت تقع في صدر الإسلام تحت

٤١٧

عنوان «السرية» التي لم يكن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشترك فيها ، بل كان يأمر أصحابه بها ، ولكن معنى القارعة يشمل جميع هذه الاحداث.

ومن الطريف انّ الآيات أعلاه تشير الى انّ الحوادث هذه امّا ان تنزّل عليهم او تقع قريبا من دارهم ، وهذا يعني : إذا لم تصيبهم هذه الحوادث في دارهم ، فانّها سوف تقع قريبة منهم ، فهل لا تكفي هذه الحوادث لايقاظهم؟

* * *

٤١٨

الآيتان

( أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ (٣٤) )

التّفسير

كيف تجعلون الأصنام شركاء مع الله؟!

نعود مرّة اخرى في هذه الآيات الى البحث حول التوحيد والشرك ، وهي تخاطب الناس من خلال دليل واضح حيث يقول تعالى :( أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ ) (١) وهذه الجملة تريد ان تقول بوضوح انّ الله سبحانه وتعالى وكأنّه واقف على راس كلّ شخص ويعلم بما يفعلونه ويجازي عليه وبيده تدبير الأمور ، ولذلك فإنّ كلمة «قائم» لها معنى واسع يشمل كلّ هذه الأمور ، مع انّ

__________________

(١) الجملة أعلاه مبتدا لخبر محذوف تقديره( أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ ) كمن ليس كذلك.

٤١٩

مجموعة من المفسّرين يرى لها ابعادا خاصّة.

ولإتمام البحث السابق ، ومقدّمة للبحث الآتي ، يقول تعالى :( وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ ) .

ثمّ يجيبهم بلا فاصلة وبعدّة طرق : يقول اوّلا :( قُلْ سَمُّوهُمْ ) .

والمقصود من تسميتهم هو امّا ان يكونوا ليست لهم ايّة قيمة بحيث لا تستطيعون تسميتهم ، فكيف تجعلون هذه الموجودات التي لا تستحق حتّى الأسماء والتي لا قيمة لها ، في عداد الخالق القادر المتعال؟

او يكون المقصود : بيّنوا صفاتهم لكي نرى هل يستحقّون العبادة ، فنحن نقول في صفات الله جلّ وعلا بأنّه الخالق ، والرازق ، والمحيي والعالم والقادر ، فهل تستطيعون ان تمنحوا هذه الصفات للأصنام؟! او بالعكس إذا أردنا تسميتها نقول بأنّها أحجار وأخشاب ساكنة وفاقدة للعقل والشعور ، ومحتاجة لمن يعبدها ، وخلاصة القول انّها فاقدة لكلّ شيء! فكيف نجعلها سواء مع الله؟ أفلا تعقلون؟!

او يكون المقصود : عدّوا لنا اعمالهم ، فهل كشفوا الضرّ لأحد او منحوا الخير لأحد؟ وهل حلّوا العقد والمشاكل؟! ومع هذا الوضع فأي عقل يجيز لكم ان تجعلوهم قرناء مع الله جلّ وعلا وهو مصدر الخير والبركة والنافع والضارّ والمثيب والمعاقب!.

طبعا لا مانع من ان تجتمع كلّ هذه المعاني في جملة( سَمُّوهُمْ ) !

ويقول ثانيا :( أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ ) .

وهذا التعبير في الحقيقة أفضل أسلوب للجواب على حديثهم الواهي ، وكمثال على ذلك يقول لك احد الأشخاص : انّ فلانا كان ضيفا عندكم البارحة ، فتقول له : هل تخبرني عن ضيف لا علم لي به؟! يعني هل من الممكن ان أحدا

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572