الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 572

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 572 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 287903 / تحميل: 5234
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ثمّ يضيف :( وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ) ،( وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ ) .(١)

في الحقيقة أنّ هذه الأقسام الثلاثة مرتبطة بعضها بالآخر ومكملة للآخر ، وكذلك لأنّنا كما نعلم أنّ القمر يتجلى في الليل ، ويختفي نوره في النهار لتأثير الشمس عليه ، والليل وإن كان باعثا على الهدوء والظلام وعنده سرّ عشاق الليل ، ولكن الليل المظلم يكون جميلا عند ما يدبر ويتجه العالم نحو الصبح المضيء وآخر السحر ، وطلوع الصبح المنهي الليل المظلم أصفى وأجمل من كل شيء حيث يثير في الإنسان إلى النشاط ويجعله غارقا في النور الصفاء.

هذه الأقسام الثلاثة تتناسب ضمنيا مع نور الهداية (القرآن) واستدبار الظلمات (الشرك) وعبادة (الأصنام) وطلوع بياض الصباح (التوحيد) ، ثمّ ينتهي إلى تبيان ما أقسم من أجله فيقول تعالى :( إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ ) .(٢)

إنّ الضمير في (إنّها) إمّا يرجع إلى «سقر» ، وإمّا يرجع إلى الجنود ، أو إلى مجموعة الحوادث في يوم القيامة ، وأيّا كانت فإنّ عظمتها واضحة.

ثمّ يضيف تعالى :( نَذِيراً لِلْبَشَرِ ) .(٣)

لينذر الجميع ويحذرهم من العذاب الموحش الذي ينتظر الكفّار والمذنبين وأعداء الحق.

وفي النهاية يؤكّد مضيفا أنّ هذا العذاب لا يخص جماعة دون جماعة ، بل :( لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ) فهنيئا لمن يتقدم ، وتعسا وترحا لمن يتأخر.

واحتمل البعض كون التقدم إلى الجحيم والتأخر عنه ، وقيل هو تقدم النفس

__________________

(١) «أسفر» من مادة (سفر) على وزن (قفر) ويعني انجلاء الملابس وانكشاف الحجاب ، ولذا يقال للنساء المتبرجات (سافرات) وهذا التعبير يشمل تشبيها جميلا لطلوع الشمس.

(٢) «كبر» : جمع كبرى وهي كبيرة ، وقيل المراد بكون سقر إحدى الطبقات الكبيرة لجهنّم ، هذا المعنى لا يتفق مع ما أشرنا إليه من قبل وكذا مع الآيات.

(٣) «نذيرا» : حال للضمير في «أنّها» الذي يرجع إلى سقر ، وقيل هو تمييز ، ولكنه يصح فيما لو كان النذير مصدرا يأتي بمعنى (الإنذار) ، والمعنى الأوّل أوجه.

١٨١

الإنسانية وتكاملها أو تأخرها وانحطاطها ، والمعنى الأوّل والثّالث هما المناسبان ، دون الثّاني.

* * *

١٨٢

الآيات

( كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) )

التّفسير

لم صرتم من أصحاب الجحيم؟

إكمالا للبحث الذي ورد حول النّار وأهلها في الآيات السابقة ، يضيف تعالى في هذه الآيات :( كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) .

«رهينة» : من مادة (رهن) وهي وثيقة تعطى عادة مقابل القرض ، وكأن نفس الإنسان محبوسة حتى تؤدي وظائفها وتكاليفها ، فإن أدت ما عليها فكت وأطلقت ، وإلّا فهي باقية رهينة ومحبوسة دائما ، ونقل عن أهل اللغة أنّ أحد

١٨٣

معانيها الملازمة والمصاحبة(١) ، فيكون المعنى : الكلّ مقترنون بمعية أعمالهم سواء الصالحون أم المسيئون.

لذا يضيف مباشرة :( إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ ) .

إنّهم حطموا أغلال وسلاسل الحبس بشعاع الإيمان والعمل الصالح ويدخلون الجنّة بدون حساب.(٢)

وهناك أقوال كثيرة حول المقصود من أصحاب اليمين :

فقيل هم الذين يحملون كتبهم بيمينهم ، وقيل هم المؤمنون الذين لم يرتكبوا ذنبا أبدا ، وقيل هم الملائكة ، وقيل غير ذلك والمعنى الأوّل يطابق ظاهر الآيات القرآنية المختلفة ، وما له شواهد قرآنية ، فهم ذو وإيمان وعمل صالح ، وإذا كانت لهم ذنوب صغيرة فإنّها تمحى بالحسنات وذلك بحكم( إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ) (٣) .

فحينئذ تغطّي حسناتهم سيئاتهم أو يدخلون الجنّة بلا حساب ، وإذا وقفوا للحساب فسيخفف عليهم ذلك ويسهل ، كما جاء في سورة الإنشقاق آية (٧) :( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً ) .

ونقل المفسّر المشهور «القرطبي» وهو من أهل السنة تفسير هذه الآية عن الإمام الباقرعليه‌السلام فقال : «نحن وشيعتنا أصحاب اليمين وكل من أبغضنا أهل البيت فهم مرتهنون».(٤)

وأورد هذا الحديث مفسّرون آخرون منهم صاحب مجمع البيان ونور

__________________

(١) لسان العرب مادة : رهن.

(٢) قال الشّيخ الطوسي في التبيان أن الاستثناء هنا هو منقطع وقال آخرون كصاحب (روح البيان) أنّه متصل ، وهذا الاختلاف يرتبط كما ذكرنا بالتفسيرات المختلفة لمعنى الرهينة ، وما يطابق ما اخترناه من التّفسير هو أن الاستثناء هنا منقطع وعلى التفسير الثّاني يكون متصلا.

(٣) سورة هود ، الآية ١١٤.

(٤) تفسير القرطبي ، ج ١٠ ، ص ٦٨٧٨.

١٨٤

الثقلين والبعض الآخر أورده تذييلا لهذه الآيات.

ثمّ يضيف مبيّنا جانبا من أصحاب اليمين والجماعة المقابلة لهم :

( فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ ) (١) ( عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ) .

يستفاد من هذه الآيات أن الرابطة غير منقطعة بين أهل الجنان وأهل النّار ، فيمكنهم مشاهدة أحوال أهل النّار والتحدث معهم ، ولكن ماذا سيجيب المجرمون عن سؤال أصحاب اليمين؟ إنّهم يعترفون بأربع خطايا كبيرة كانوا قد ارتكبوها :

الاولى :( قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ) .

لو كنّا مصلّين لذكّرتنا الصلاة بالله تعالى ، ونهتنا عن الفحشاء والمنكر ودعتنا إلى صراط الله المستقيم.

والأخرى :( وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ) .

وهذه الجملة وإن كانت تعطي معنى إطعام المحتاجين ، ولكن الظاهر أنه يراد بها المساعدة والإعانة الضرورية للمحتاجين عموما بما ترتفع بها حوائجهم كالمأكل والملبس والمسكن وغير ذلك.

وصرّح المفسّرون أنّ المراد بها الزكاة المفروضة ، لأنّ ترك الإنفاق المستحب لا يكون سببا في دخول النّار ، وهذه الآية تؤكّد مرّة أخرى على أنّ الزّكاة كانت قد فرضت بمكّة بصورة إجمالية ، وإن كان التشريع بجزئياتها وتعيين خصوصياتها وتمركزها في بيت المال كان في المدينة.

والثّالثة :( وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ ) .

كنّا نؤيد ما يصدر ضدّ الحقّ في مجالس الباطل. نقوم بالترويج لها ، وكنّا معهم

__________________

(١) «يتساءلون» : وهو وإن كان من باب (تفاعل) الذي يأتي عادة في الأعمال المشتركة بين اثنين أو أكثر ، ولكنه فقد هذا المعنى هنا كما في بعض الموارد الأخرى ، ولمعنى يسألون ، وتنكير الجنات هو لتبيان عظمتها و (في جنات) خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هو في جنات.

١٨٥

أين ما كانوا ، وكيف ما كانوا ، وكنّا نصدق أقوالهم ، ونضفي الصحة على ما ينكرون ويكذبون ونلتذ باستهزائهم الحقّ.

«نخوض» : من مادة (خوض) على وزن (حوض) ، وتعني في الأصل الغور والحركة في الماء ، ويطلق على الدخول والتلوث بالأمور ، والقرآن غالبا ما يستعمل هذه اللفظة في الإشتغال بالباطل والغور فيه.

(الخوض في الباطل) له معان واسعة فهو يشمل الدخول في المجالس التي تتعرض فيها آيات الله للاستهزاء أو ما تروج فيها البدع ، أو المزاح الواقح ، أو التحدث عن المحارم المرتكبة بعنوان الافتخار والتلذذ بذكرها ، وكذلك المشاركة في مجالس الغيبة والاتهام واللهو واللعب وأمثال ذلك ، ولكن المعنى الذي انصرفت إليه الآية هو الخوض في مجالس الاستهزاء بالدين والمقدسات وتضعيفها وترويج الكفر والشرك.

وأخيرا يضيف :( وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ ) .

من الواضح أنّ إنكار المعاد ويوم الحساب والجزاء يزلزل جميع القيم الإلهية والأخلاقية ، ويشجع الإنسان على ارتكاب المحارم ، ويرفع كلّ مانع هذا الطريق ، خصوصا إذا استمر إلى آخر العمر ، على كل حال فإنّ ما يستفاد من هذه الآيات أنّ الكفار هم مكلّفون بفروع الدين ، كما هم مكلّفون بالأصول ، وكذلك تشير إلى أن الأركان الاربعة ، أي الصلاة والزّكاة وترك مجالس أهل الباطل ، والإيمان بالقيامة لها الأثر البالغ في تربية وهداية الإنسان ، وبهذا لا يمكن أن يكون الجحيم مكانا للمصلين الواقعيين ، والمؤتين الزّكاة ، والتاركين الباطل والمؤمنين بالقيامة.

بالطبع فإنّ الصلاة هي عبادة الله ، ولكنّها لا تنفع إذا لم يمتلك الإنسان الإيمان به تعالى ، ولهذا فإنّ أداءها رمز للإيمان والإعتقاد بالله والتسليم لأوامره ، ويمكن القول إنّ هذه الأمور الأربعة تبدأ بالتوحيد ينتهي بالمعاد ، وتحقق العلاقة والرابطة بين الإنسان والخالق ، وكذا بين المخلوقين أنفسهم.

١٨٦

والمشهور بين المفسّرين أنّ المراد من (اليقين) هنا هو الموت ، لأنّه يعتبر أمر يقيني للمؤمن والكافر ، وإذا شك الإنسان في شيء ما فلا يستطيع أن يشك بالموت ونقرأ أيضا في الآية (٩٩) من سورة الحجر :( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) .

ولكن ذهب البعض إلى أنّ اليقين هنا يعني المعرفة الحاصلة بعد موت الإنسان وهي التي تختص بمسائل البرزخ والقيامة ، وهذا ما يتفق نوعا ما مع التّفسير الأوّل.

وفي الآية الأخيرة محل البحث إشارة إلى العاقبة السيئة لهذه الجماعة فيقول تعالى :( فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ ) .

فلا تنفعهم شفاعة الأنبياء ورسل الله والائمّة ، ولا الملائكة والصديقين والشهداء والصالحين ، ولأنّها تحتاج إلى عوامل مساعدة وهؤلاء أبادوا كل هذه العوامل ، فالشفاعة كالماء الزلال الذي تسقى به النبتة الفتية ، وبديهي إذا ماتت النبتة الفتية ، لا يكن للماء الزلال أن يحييها ، وبعبارة أخرى كما قلنا في بحث الشفاعة ، فإنّ الشفاعة من (الشفع) وتعني ضم الشيء إلى آخر ، ومعنى هذا الحديث هو أنّ المشفّع له يكون قد قطع قسطا من الطريق وهو متأخر عن الركب في مآزق المسير ، فتضم إليه شفاعة الشافع لتعينه على قطع بقية الطريق(١) .

وهذه الآية تؤكّد مرّة أخرى مسألة الشفاعة وتنوع وتعدد الشفعاء عند الله ، وهي جواب قاطع لمن ينكر الشفاعة ، وكذلك توكّد على أنّ للشفاعة شروطا وأنّها لا تعني إعطاء الضوء الأخضر لارتكاب الذنوب ، بل هي عامل مساعد لتربية الإنسان وإيصاله على الأقل إلى مرحلة تكون له القابلية على التشفع ، بحيث لا تنقطع وشائج العلاقة بينه وبين الله تعالى والأولياء.

* * *

__________________

(١) التّفسير الأمثل ، المجلد الأوّل ، ذيل الآية (٤٨) من سورة البقرة.

١٨٧

ملاحظة :

شفعاء يوم القيامة :

نستفيد من هذه الآيات والآيات القرآنية الأخرى أنّ الشفعاء كثيرون في يوم القيامة (مع اختلاف دائرة شفاعتهم) ويستفاد من مجموع الرّوايات الكثيرة والمنقولة من الخاصّة والعامّة أنّ الشفعاء يشفعون للمذنبين لمن فيه مؤهلات الشفاعة :

١ ـ الشفيع الأوّل هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كما نقرأ في حديث حيث قال : «أنا أوّل شافع في الجنّة»(١) .

٢ ـ الأنبياء من شفعاء يوم القيامة ، كما ورد في حديث آخر عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : «يشفع الأنبياء في كلّ من يشهد أن لا إله إلّا الله مخلصا فيخرجونهم منها»(٢) .

٣ ـ الملائكة من شفعاء يوم المحشر ، كما نقل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : «يؤذن للملائكة والنّبيين والشّهداء أن يشفعوا»(٣) .

٤ ، ٥ ـ الأئمّة المعصومين وشيعتهم كما قال في ذلك أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث قال : «لنا شفاعة ولأهل مودتنا شفاعة»(٤)

٦ ، ٧ ـ العلماء والشّهداء كما ورد في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : «يشفع يوم القيامة الأنبياء ثمّ العلماء ثمّ الشّهداء»(٥) .

وورد في حديث آخر عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «يشفع الشّهيد في سبعين إنسانا

__________________

(١) صحيح مسلم ، ج ٢ ، ص ١٣٠.

(٢) مسند أحمد ، ج ٣ ، ص ١٢.

(٣) مسند أحمد ، ج ٥ ، ص ٤٣.

(٤) الخصال للصدوقرحمه‌الله ، ص ٦٢٤.

(٥) سنن ابن ماجة ، ج ٢ ، ص ١٤٤٣.

١٨٨

من أهل بيته»(١) .

وفي حديث آخر نقله المجلسي في بحار الأنوار : «إنّ شفاعتهم تقبل في سبعين ألف نفر»(٢) .

ولا منافاة بين الرّوايتين إذ أنّ عدد السبعين والسبعين ألف هي من أعداد الكثرة.

٨ ـ القرآن كذلك من الشفعاء في يوم القيامة كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «واعلموا أنّه (القرآن) شافع مشفع»(٣) .

٩ ـ من مات على الإسلام فقد ورد عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا بلغ الرجل التسعين غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر وشفّع في أهله»(٤) .

١٠ ـ العبادة : كما جاء في حديث عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الصّيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة»(٥) .

١١ ـ ورد في بعض الرّوايات أنّ العمل الصالح كأداء الأمانة يكون شافعا في يوم القيامة.(٦)

١٢ ـ والطريف هو ما يستفاد من بعض الرّوايات من أنّ الله تعالى أيضا يكون شافعا للمذنبين في يوم القيامة ، كما ورد في الحديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يشفع النّبيون والملائكة والمؤمنون فيقول الجبار بقيت شفاعتي»(٧) .

والرّوايات كثيرة في هذه الباب وما ذكرناه هو جانب منها.(٨)

__________________

(١) سنن أبي داود ، ج ٢ ، ص ١٥.

(٢) بحار الأنوار ، ج ١٠٠ ، ص ١٤.

(٣) نهج البلاغة الخطبة ، ١٧٦.

(٤) مسند أحمد ، ج ٢ ، ص ٨٩.

(٥) مسند أحمد ، ج ٢ ، ص ١٧٤.

(٦) مناقب ابن شهر آشوب ، ج ٢ ، ص ١٤.

(٧) صحيح البخاري ، ج ٩ ، ص ١٤٩.

(٨) للاستيضاح يمكن مراجعة كتاب مفاهيم القرآن ، ج ٤ ، ص ٢٨٨ ـ ٣١١.

١٨٩

ونكرر أنّ للشفاعة شروطا لا يمكن بدونها التشفع وهذا ما جاء في الآيات التي بحثناها والتي تشير بصراحة الى عدم تأثير شفاعة الشفعاء في المجرمين ، فالمهم أن تكون هناك قابلية للتشفع ، لأنّ فاعلية الفاعل لوحدها ليست كافية (أوردنا شرحا مفصلا في هذا الباب في المجلد الأوّل في بحث الشفاعة)

* * *

١٩٠

الآيات

( فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢) كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣)كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٦) )

التّفسير

يفرّون من الحق كما تفرّ الحمر من الأسد :

تتابع هذه الآيات ما ورد في الآيات السابقة من البحث حول مصير المجرمين وأهل النّار ، وتعكس أوضح تصوير في خوف هذه الجماعة المعاندة ورعبها من سماع حديث الحقّ والحقيقة.

فيقول الله تعالى أوّلا :( فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ) (١) لم يفرّون من دواء

__________________

(١) «ما» مبتدأ و (لهم) خبر و (معرضين) حال الضمير لهم (وعن التذكرة) جار ومجرور ومتعلق بالمعرضين ، وقيل تقديم (عن التذكرة) على (معرضين) دلالة على الحصر أي أنّهم أعرضوا عن التذكرة المفيدة فقط ، على كل حال فإنّ المراد من التذكرة هنا كلّ ما هو نافع ومفيد وعلى رأسها القرآن المجيد.

١٩١

القرآن الشافي؟ لم يطعنون في صدر الطبيب الحريص عليهم؟ حقّا إنّه مثير( كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ) .

«حمر» : جمع (حمار) والمراد هنا الحمار الوحشي ، بقرينة فرارهم من قبضة الأسد والصياد ، وبعبارة أخرى أنّ هذه الكلمة ذات مفهوم عام يشمل الحمار الوحشي والأهلي.

«قسورة» : من مادة (قسر) أي القهر والغلبة ، وهي أحد أسماء الأسد ، وقيل هو السهم ، وقيل الصيد ، ولكن المعنى الأوّل أنسب.

والمشهور أنّ الحمار الوحشي يخاف جدّا من الأسد ، حتى أنّه عند ما يسمع صوته يستولي عليه الرعب فيركض إلى كلّ الجهات كالمجنون ، خصوصا إذا ما حمل الأسد على فصيل منها ، فإنّها تتفرق في كل الجهات بحيث يعجب الناظر من رؤيتها.

وهذا الحيوان وحشي ويخاف من كل شيء ، فكيف به إذا رأى الأسد المفترس؟!

على كل حال فإنّ هذه الآية تعبير بالغ عن خوف المشركين وفرارهم من الآيات القرآنية المربية للروح ، فشبههم بالحمار الوحشي لأنّهم عديمو العقل والشعور ، وكذلك لتوحشّهم من كل شيء ، في حين أنّه ليس مقابلهم سوى التذكرة.

( بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً ) (١) ، وذلك لتكبّرهم وغرورهم الفارغ بحيث يتوقعون من الله تعالى أن ينزل على كلّ واحد منهم كتابا.

وهذا نظير ما جاء في الآية (٩٣) من سورة الإسراء :( وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى

__________________

(١) «صحف» : جمع صحيفة ، وهي الورقة التي لها وجهان ، وتطلق كذلك على الرسالة والكتاب.

١٩٢

تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ ) .

وكذا في الآية (١٢٤) من سورة الأنعام حيث يقول :( قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ ) .

وعلى هذا فإنّ كلّا منهم يتنظر أن يكون نبيّا من اولي العزم! وينزل عليه كتابا خاصّا من الله بأسمائهم ، ومع كل هذا فليس هناك من ضمان في أن يؤمنوا بعد كل ذلك.

وجاء في بعض الرّوايات أنّ أبا جهل وجماعة من قريش قالوا للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا نؤمن بك حتى تأتينا بصحف من السماء عليها فلان ابن فلان من ربّ العالمين ، ويأتي الأمر علنا باتباعك والإيمان بك.(١)

ولذا يضيف في الآية الأخرى :( كَلَّا ) ليس كما يقولون ويزعمون ، فإنّ طلب نزول مثل لهذا الكتاب وغيره هي من الحجج الواهية ، والحقيقة( بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ ) .

إذا كانوا يخافون الآخرة فما كانوا يتذرعون بكل هذه الذرائع ، ما كانوا ليكذبوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما كانوا ليستهزئوا بآيات الله تعالى ، ولا بعدد ملائكته ، ومن هنا يتّضح أثر الإيمان بالمعاد في التقوى والطهارة من المعاصي والذنوب الكبيرة ، والحقّ يقال إن الإيمان بعالم البعث والجزاء وعذاب القيامة يهب للإنسان شخصية جديدة يمكنه أن يغير إنسانا متكبرا ومغرورا وظالما إلى إنسان مؤمن متواضع ومتق عادل.

ثمّ يؤكّد القرآن على أنّ ما يفكرون به فيما يخصّ القرآن هو تفكّر خاطئ :( كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ) .

إنّ القرآن الكريم قد أوضح الطريق ، ودعانا إلى التبصر فيه ، وأنار لنا السبيل

__________________

(١) تفسير القرطبي ، والمراغي ، وتفاسير اخرى.

١٩٣

ليرى الإنسان موضع أقدامه ، وفي الوقت نفسه لا يمكن ذلك إلّا بتوفيق من الله وبمشيئته تعالى ، وما يذكرون إلّا ما يشاء الله.

ولهذا الآية عدّة تفاسير :

إحداها : كما ذكرناه سابقا ، وهو أن الإنسان لا يمكنه الحصول على طريق الهداية إلّا بالتوسل بالله تعالى وطلب الموفقية منه.

وطبيعي أن هذا الإمداد والتوفيق الإلهي لا يتمّ إلّا بوجود أرضية مساعدة لنزوله.

والتّفسير الآخر : ما جاء في الآية السابقة :( فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ) يمكن أن يوجد وهما وأنّ كل شيء مرتبط بإرادة الإنسان نفسه ، وأنّ إرادته مستقلة في كل الأحوال ، وتقول هذه الآية رافعة بذلك هذا الاشتباه ، إنّ الإنسان مرتبط بالمشيئة الإلهية ، وإن هذه الآية مختارا حرّا وهذه المشيئة هي الحاكمة على كل هذا العالم الموجود ، وبعبارة اخرى : إنّ هذا الاختبار والحرية والمعطاة للإنسان في بمشيئته تعالى وإرادته ، ويمكن سلبها أنّى شاء.

وأمّا التّفسير الثّالث فإنّه يقول : إنّهم لا يمكنهم الإيمان إلّا أن يشاء الله ذلك ويجبرهم ، ونعلم أنّ الله لا يجبر أحدا على الإيمان أو الكفر ، والتّفسير الأوّل والثّاني أنسب وأفضل.

وفي النهاية يقول :( هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ) .

فهو أهل لأن يخافوا من عقابه وأن يتقوا في اتّخاذهم شريكا له تعالى شأنه ، وأن يأملوا مغفرته ، وفي الحقيقة ، أنّ هذه الآية إشارة إلى الخوف والرجاء والعذاب والمغفرة الإلهية ، وهي تعليل لما جاء في الآية السابقة ، لذا نقرأ

في حديث ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام في تفسير هذه الآية أنّه قال : «قال الله : أنا أهل

١٩٤

أن اتقى ولا يشرك بي عبدي شيئا وأنا أهل إن لم يشرك بي شيئا أن ادخله الجنّة»(١) .

وبالرغم من أنّ المفسّرين ـ كما رأينا ـ قد أخذوا التقوى هنا بمعناها المفعولي ، وقالوا إنّ الله تعالى أهل لأن يتّقى من الشرك والمعصية ، ولكن هناك احتمالا آخر ، وهو أنّ تؤخذ بمعناها الفاعلي ، أي أن الله أهل للتقوى من كلّ أنواع الظلم والقبح ومن كل ما يخاف الحكمة ، وما عند العباد من التقوى هو قبس ضعيف من ما عند الله ، وإنّ كان التعبير بالتقوى بمعناه الفاعلي والذي يقصد به الله تعالى قليل الاستعمال ، على كل حال فإنّ الآية قد بدأت بالإنذار والتكليف ، وانتهت بالدعوة إلى التقوى والوعد بالمغفرة.

ونتعرض هنا بالدعاء إليه خاضعين متضرعين تعالى :

ربّنا! اجعلنا من أهل التقوى والمغفرة.

اللهم! إن لم تشملنا ألطافك فإنّنا لا نصل إلى مرادنا ، فامنن علينا بعنايتك.

اللهم! أعنّا على طريق مليء بالمنعطفات والهموم والمصائد الشيطانية الصعبة ، وأعنا على الشيطان المتهيئ لإغوائنا ، فبغير عونك لا يمكننا المسير في هذا الطريق.

آمين يا ربّ العالمين.

نهاية سورة المدّثّر

* * *

__________________

(١) تفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٠٥.

١٩٥
١٩٦

سورة

القيامة

مكيّة

وعدد آياتها أربعون آية

١٩٧
١٩٨

«سورة القيامة»

محتوى السورة :

كما هو واضح من اسم السورة فإنّ مباحثها تدور حول مسائل ترتبط بالمعاد ويوم القيامة إلّا بعض الآيات التي تتحدث حول القرآن والمكذبين ، وأمّا الآيات المرتبطة بيوم القيامة فإنّها تجتمع في أربعة محاور :

١ ـ المسائل المرتبطة بأشراط الساعة.

٢ ـ المسائل المتعلقة بأحوال الصالحين والطالحين في ذلك اليوم.

٣ ـ المسائل المتعلقة باللحظات العسيرة للموت والانتقال إلى العالم الآخر.

٤ ـ الأبحاث المتعلقة بالهدف من خلق الإنسان ورابطة ذلك بمسألة المعاد.

فضيلة السورة :

في حديث روي عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ سورة القيامة شهدت أنا وجبرائيل له يوم القيامة أنّه كا مؤمنا بيوم القيامة ، وجاء ووجهه مسفر على وجوه الخلائق يوم القيامة»(١) .

ونقرأ في حديث ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام قال : «من أدمن قراءة( لا أُقْسِمُ ) وكان يعمل بها ، بعثها الله يوم القيامة معه في قبره ، في أحسن صورة

__________________

(١) مجمع البيان ، ١٠ ـ ، ص ٣٩٣.

١٩٩

تبشّره وتضحك في وجهه ، حتى يجوز الصراط والميزان»(١) .

والجدير بالملاحظة أنّ ما كنّا نستفيد منه في القرائن التي في فضائل تلاوة السور القرآنية قد صرّح بها الإمام هنا في هذه الرّواية حيث يقول : «من أدمن قراءة لا اقسم وكان يعمل بها» ولذا فإنّ كل ذلك هو مقدمة لتطبيق المضمون.

* * *

__________________

(١) المصدر السّابق.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

يكون ضيفي ولا اعلم به وأنت تعلم بذلك؟!

ثالثا : حتّى أنتم في الواقع لا تؤمنون بذلك في قرارة أنفسكم ، بل( أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ ) .

ولهذا السبب نرى المشركين عند ما تضيق بهم المشاكل الحياتية يلوذون بالله ، لانّهم يعلمون في قلوبهم انّ الأصنام لا يمكن ان تعمل لهم شيئا ، كما بيّن القرآن الكريم حالهم في الآية (٦٥) من سورة العنكبوت حيث يقول تعالى :( فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ ) .

رابعا : انّ المشركين ليس لهم ادراك صحيح ، وبما انّهم تابعين لاهوائهم وتقليدهم الأعمى ، فإنّهم غير قادرين على ان يقضوا بالحقّ وبشكل صحيح ، ولهذا السبب ضلّوا الطريق ، يقول تعالى :( بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ) .

وقد قلنا مرارا : انّ هذا الضلال ليس جبرا ، ولا هو اعتباطا وبدون حساب ، بل الإضلال الالهي انعكاس لما يقوم به الإنسان من الأعمال السيّئة التي تجرّه الى الضياع ، وبما انّ هذه الخاصيّة قد جعلها الله سبحانه وتعالى لمثل هذه الأعمال فلذلك نسب هذا العمل اليه.

ويشير القرآن الكريم في الآية الاخيرة من هذه المجموعة الى العقاب الأليم الذي يشملهم في الدنيا والآخرة ، الشقاء والهزيمة والحرمان وغيرها ، حيث تقول :( لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ ) لانّها دائمة ومستمرة ، جسدية وروحية ، وفيها انواع الآلام.

وإذا اعتقدوا بأنّ لهم طريقا للفرار او سبيلا للدفاع في مقابل ذلك ، فإنّهم في اشتباه كبير ، لان( وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ ) .

* * *

٤٢١

الآية

( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (٣٥) )

التّفسير

بالنظر الى تناوب آيات هذه السورة في بيان التوحيد والمعاد وسائر المعارف الاسلامية الاخرى ، تحدّثت هذه الآية مرّة اخرى حول المعاد وخصوصا نعم الجنّة وعذاب الجحيم. يقول تعالى اوّلا :( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ) (١) .

قد يكون التعبير بـ «مثل» اشارة الى هذه النكتة ، وهي انّ الجنّة وسائر النعم الاخروية غير قابلة للوصف بالنسبة الى الساكنين في هذا العالم المحدود الذي هو في مقابل عالم بعد الموت يعتبر صغيرا جدّا ، ولذلك نستطيع ان نضرب لهم مثلا او صورة عن ذلك ، كما انّ الجنين في بطن امّه لو كان يعقل لا يمكن ان نصوّر له كلّ نعم الدنيا ، الّا من خلال أمثال ناقصة وشاحبة!

__________________

(١) هناك نقاش بين المفسّرين حول تركيب هذه الجملة فقال البعض : انّ «مثل» مبتدا و «تجري» خبرها ، وقال بعض آخر : انّ «مثل» مبتدا وخبره محذوف تقديره «فيما نقص عليكم مثل الجنّة».

٤٢٢

الوصف الثّاني للجنّة هو( أُكُلُها دائِمٌ ) .

فهي ليست كفاكهة الدنيا فصلية وتظهر في وقت معيّن من السنة ، بل في بعض الأحيان وبسبب الآفات الزراعية تنقطع تماما ، لكن ثمار الجنّة ليست فصلية ولا موسمية وغير مصابة بآفة ، بل كإيمان المؤمنين المخلصين دائمة وثابتة.

وكذلك( وَظِلُّها ) ليس كظلّ أشجار الدنيا التي يظهر ظلّها إذا كانت الشمس افقية ويزول او يقل إذا صارت عمودية ، او يظهر في الربيع والصيف عند ما تكون الأشجار مورقة ، ويزول في الخريف والشتاء عند تساقط الأوراق ، (بالطبع هناك أشجار قليلة تعطي ثمارا وازهارا على مدار السنة ، وهذه تكون في المناطق المعتدلة التي ليس فيها شتاء).

الخلاصة : ظلال الجنّة كبقيّة النعم الاخرى خالدة ، ودائمة ، ومن هذا يتّضح ان ليس في الجنّة فصل لتساقط الأوراق ، ونعلم من ذلك ـ ايضا ـ انّ شعاع الشمس موجود في الجنّة ، والّا كان التعبير بالظل هناك بدون شعاع الشمس ليس له اي مفهوم ، وامّا ما جاء في الآية (١٣) من سورة الدهر( لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً ) قد تكون اشارة الى اعتدال الهواء ، فلا الشمس محرقة ولا البرد قارس ، وهذا لا يعني ان لا تكون هناك شمس أصلا.

انّ انطفاء الشمس ليس دليلا على زوالها ابدا ، لانّ القرآن الكريم يقول :( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ ) (١) تكون أوسع وبهيئة جديدة.

وإذا قيل : ان كانت شمس الجنّة غير محرقة ، فعلام الظلّ؟

نقول في جوابهم : انّ الظلّ ليس مانعا لحرارة الشمس فقط ، بل انّ الرطوبة المعتدلة الصادرة من الأوراق باتّحادها مع الاوكسجين تعطي نشاطا ولطافة خاصّة للظلّ ، ولذلك كان ظلّ الأشجار مختلفا عن ظلّ السقوف الجافّة.

__________________

(١) ابراهيم ، ٤٨.

٤٢٣

وبعد بيان هذه الصفات الثلاث قال تعالى في آخر الآية :( تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ ) .

لقد بيّن وفصّل في هذه العبارة نعم الجنّة ، ولكن بالنسبة الى اصحاب النّار ذكر جملة قصيرة وبعنف حيث ذكر انّ عاقبة أمرهم الى النار!

* * *

٤٢٤

الآية

( وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (٣٦) )

التّفسير

المؤمنون والأحزاب!

اشارت هذه الآية الى ردّ الفعل المتفاوت للناس في مقابل نزول الآيات القرآنية ، فالأفراد الذين يبحثون عن الحقيقة يفرحون بما انزل على الرّسول ، بينما المعاندون يخالفون ذلك.

يقول تعالى اوّلا :( وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) .

انّ الوصف ب( آتَيْناهُمُ الْكِتابَ ) اشارة الى اليهود والنصارى وأمثالهم ممّن لهم كتاب سماوي وقد ذكرهم القرآن في مواطن كثيرة ، فكان الأشخاص الطالبون للحقّ من اليهود والنصارى وأمثالهم يفرحون عند نزول الآيات على الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لانّهم كانوا من جهة يرونها مطابقة لما في أيديهم من العلامات ، ومن جهة اخرى كان سببا لحريتهم ونجاتهم من شرّ الخرافات ومن علماء اليهود

٤٢٥

والمسيحيّة الذين كانوا يستعبدونهم ، وكانوا محرومين من حرية الفكر والتكامل الانساني.

وامّا ما قاله بعض المفسّرين الكبار من انّ المقصود من( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ ) هم اصحاب النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبعيد جدّا ، لانّ هذا الوصف ليس معهودا بالنسبة للمسلمين ، بالاضافة الى ذلك فإنّها غير موافقة مع جملة( بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) (١) .

وبما انّ سورة الرّعد مكية فهي غير منافية لما قلناه آنفا ، مع انّ المركز الاصلي لليهود في الجزيرة العربية كان المدينة وخيبر ، والمركز الاصلي للمسيحيين هو نجران وأمثالها ، ولكنّهم كانوا يتردّدون على مكّة ويعكسون افكارهم ومعتقداتهم فيها ، ولهذا السبب كان اهل مكّة يعرفون علامات آخر نبي مرسل وكانوا ينتظرونه (قصّة ورقة بن نوفل وأمثالها معروفة).

وهناك شواهد لهذا الموضوع في آيات اخرى من القرآن الكريم والتي كان يفرح المؤمنين من اهل الكتاب عند نزول الآيات على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمثلا الآية (٥٢) من سورة القصص تقول :( الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ) .

ثمّ تضيف الآية( وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ ) المقصود من هذه المجموعة هي نفس جماعة اليهود والنصارى الذين غلبهم التعصّب الطائفي وأمثاله ، ولذلك لم يعبّر القرآن الكريم عنهم بأهل الكتاب ، لانّهم لم يتّبعوا كتبهم السّماوية. بل كانوا في الحقيقة أحزابا وكتلا تابعين لخطّهم الحزبي ، وهذه المجموعة كانت تنكر كلّ ما خالف ميلهم ولم يطابق أهواءهم.

ويحتمل ايضا انّ كلمة «الأحزاب» اشارة الى المشركين ، لانّ سورة

__________________

(١) لانّه يلازم هذا الحديث ان يكون ما انزل إليك هو نفس «الكتاب» فالاثنان يشيران الى القرآن ، في الوقت الذي نرى فيه من قرينة المقابلة انّ المقصود من «الكتاب» غير ما انزل إليك.

٤٢٦

الأحزاب ذكرتهم بهذا التعبير ، وهؤلاء في الحقيقة ليس لهم دين ولا مذهب بل كانوا على شكل احزاب وكتل متفرّقة اتّحدوا في مخالفتهم للقرآن والإسلام.

ونقل العلّامة الطبرسي وبعض آخر من المفسّرين الكبار عن ابن عبّاس ، انّ هذه الآية اشارة الى المشركين الذين كانوا يخالفون وصف الله بالرحمن ، واهل الكتاب ـ خصوصا اليهود ـ يفرحون بهذا الوصف «الرحمان» في الآيات القرآنية ، ومشركي مكّة كانوا يسخرون منه بسبب عدم معرفتهم به.

وفي آخر الآية يأمر الله النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لا يعتني بهذا وذلك من المخالفين ، بل يدعوه الى الثبات على الخطّ الأصيل والصراط المستقيم حيث يقول تعالى :( قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ ) وتلك دعوة للموحّدين الصادقين والمؤمنين الرّساليين ان يسلّموا امام الأوامر الالهيّة ، فالرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان خاضعا لكلّ ما انزل عليه ، فلا يأخذ ما كان يوافق ميله ويترك غيره.

* * *

بحث

الايمان والائتلاف الحزبي :

رأينا في الآية كيف انّ الله سبحانه وتعالى عبّر عن المؤمنين من اليهود والنصارى بأهل الكتاب ، وعبّر عن أولئك التابعين للعصبية والأهواء بالأحزاب ، وهذا غير منحصر في تاريخ صدر الإسلام ، بل انّ هذا التفاوت موجود دائما بين المؤمنين الحقيقيين والذين يدّعون الايمان ، فالمؤمنون الحقيقيون يقولون بالتسليم المطلق لكلّ الأوامر الالهية ، ولا يقولون بالتبعيض ، ويجعلون ميلهم تحت ذاك الشعاع ، فهم اهل لان يسمّيهم القرآن اهل الكتاب والايمان.

بينما أولئك فهم مصداق الآية( نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ ) ومعناه كلّ ما

٤٢٧

طابق خطّهم الفكري وميلهم الشخصي وأهواءهم يقبلونه ، وكلّ ما خالف منافعهم الشخصيّة ينكرونه ، فهؤلاء ليسوا بمسلمين ولا مؤمنين ، بل احزاب وكتل يبحثون عن مصالحهم في الدين ، ولذلك كانوا يقولون بالتبعيض في التعاليم الاسلامية.

* * *

٤٢٨

الآيات

( وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (٣٧) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (٣٨) يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (٣٩) وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (٤٠) )

التّفسير

الحوادث «الثّابتة» و «المتغيّرة» :

تتابع هذه الآيات المسائل المتعلّقة بالنبوّة ، ففي الآية الاولى يقول تعالى :( وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا ) .

«العربي» كما يقول الرّاغب في مفرداته «الفصيح البيّن من الكلام» ولذلك يقال للمراة العفيفة والشريفة : انّها «امراة عروبة» ثمّ تضيف الآية( حُكْماً عَرَبِيًّا )

٤٢٩

قيل معناه مفصحا يحقّ الحقّ ويبطل الباطل.

ويحتمل في «العربي» انّ معناه «الشريف» لانّها جاءت في اللغة بهذا المعنى. وعلى هذا فوصف القرآن بالعربي لانّ احكامه واضحة وبيّنة. ولذلك وردت في عدّة آيات اخرى بعد «عربيا» مسألة الاستقامة وعدم الاعوجاج او العلم ، منها في الآية (٢٨) من سورة الزمر قوله تعالى( قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ) وفي الآية (٣) من سورة فصلت يقول تعالى :( كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) . وعلى هذا فما قبل هذه الآية وما بعدها يؤيّدان انّ المراد من «عربيا» هو الفصاحة والوضوح في البيان وخلوّه من الاعوجاج والالتواء.

وهذه العبارة وردت في سبع سور من القرآن الكريم ، ولكن ذكرت في عدّة موارد بشكل( لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ) والتي يمكن ان يكون لها نفس المعنى. ويمكن ان يكون هذا الموضع الخاص اشارة الى اللسان العربي ، لانّ الله سبحانه وتعالى بعث كلّ نبي بلسان قومه ، حتّى يهدي قومه اوّلا ، ثمّ تنتشر دعوته في المناطق الاخرى.

ثمّ يخاطب القرآن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلحن التهديد وبشكل قاطع حيث يقول :( وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ ) وبما انّ احتمال الانحراف غير موجود إطلاقا في شخصيّة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما يتميّز به من مقام العصمة والمعرفة ، فهذا التعبير ـ اوّلا ـ يوضّح انّ الله سبحانه وتعالى ليس له ارتباط خاص مع اي احد حتّى لو كان نبيّا ، فمقام الأنبياء الشامخ انّما هو بسبب عبوديتهم وتسليمهم واستقامتهم.

وثانيا : تأكيد وإنذار للآخرين ، لانّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا لم يكن مصونا من العقوبات الالهيّة في حالة انحرافه عن مسيرة الحقّ واتّجاهه صوب الباطل ، فما بال الآخرين؟

ولا بدّ من ذكر هذه النقطة ، وهي انّ «ولي» و «واق» مع انّهما متشابهان في

٤٣٠

المعنى ، ولكن هناك تفاوت بينهما وهو انّ أحدهما يبيّن جانب الإثبات والآخر جانب النفي ، فواحد بمعنى النصرة والدعم ، والآخر بمعنى الدفاع والحفظ.

الآية الاخرى ـ في الواقع ـ جواب لما كان يستشكله اعداء الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ومن جملة هذه الإشكالات :

اوّلا : كان البعض يقول : هل من الممكن ان يكون الرّسول من جنس البشر ، يتزوّج وتكون له ذرّية؟ فالآية تجيبهم وتقول ليس هذا بالأمر الغريب :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً ) (١) .

ويتبيّن من اشكالهم انّهم امّا ان يكونوا غير عالمين بتاريخ الأنبياء ، او انّهم يتجاهلون ذلك والّا لم يوردوا هذا الاشكال.

ثانيا : كان ينتظر هؤلاء من الرّسول ان يجيبهم على كلّ معجزة يقترحونها عليه بما تقتضيه اهواؤهم ، سواء آمنوا او لم يؤمنوا ، ولكن يجب ان يعلم هؤلاء انّ( وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ) .

ثالثا : لماذا جاء نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيّر احكام التوراة والإنجيل ، ا وليست هذه كتب سماوية؟ وهل من الممكن ان ينقض الله أوامره؟ (هذا الاشكال كان يطابق ما يقوله اليهود من عدم نسخ الأحكام).

وتجيب الجملة الاخيرة من الآية فتقول :( لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ ) كيما تبلغ البشرية المرحلة النهائية من الرّشد والتكامل فليس من العجيب ان ينزّل يوما التوراة ، ويوما آخر الإنجيل ، ثمّ القرآن ، لانّ البشرية في تحوّلها وتكاملها بحاجة الى البرامج المتغيّرة والمتفاوتة.

ويحتمل انّ جملة( لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ ) جواب لمن كان يقول : إذا كان الرّسول صادقا ، لماذا لا ينزل الله عذابه وسخطه على المخالفين والمعاندين؟ فيجيبهم

__________________

(١) يقول بعض المفسّرين في سبب نزول هذه الآية : انّها جواب لما كان يورده البعض من تعدّد ازواج الرّسول ، في الوقت الذي نرى انّ سورة الرّعد مكّية وتعدّد الزوجات لم يكن حينذاك.

٤٣١

القرآن بأنّ( لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ ) وليس بدون حساب وكتاب ، وسوف يصل الوقت المعلوم للعقاب(١) .

الآية الاخرى بمنزلة التأكيد والاستدلال لما ورد في ذيل الآية السابقة ، وهو انّ لكلّ حدث وحكم زمن معيّن كما يقال : انّ الأمور مرهونة بأوقاتها ، وإذا رأيت انّ بعض الكتب السّماوية تأخذ مكان البعض الآخر وذلك بسبب( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) فيحذف بعض الأمور بمقتضى حكمته وارادته ويثبت أمورا اخرى ، ولكن الكتاب الأصل عنده.

وفي النّهاية وللتأكيد اكثر بالنسبة للعقوبات التي كان يوعدهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها وكانوا ينتظرونها حتّى انّهم يقولون : لماذا لا تصبح هذه الوعود عملية؟ يقول تعالى( وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ ) (من انتصارك عليهم وهزيمتهم وتحرير اتباعك وأسر اتباعهم في حياتك)( أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ ) .

* * *

نقطتان

يجب الانتباه الى هاتين النقطتين :

١ ـ لوح المحو والإثبات وامّ الكتاب

مع انّ جملة( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ ) نزلت في مجال المعاجز والكتب السّماوية الى الأنبياء ، لكنّها تبيّن قانونا عامّا وشاملا وقد أشير اليه في مختلف المصادر الاسلامية ، وهو انّ تحقّق وصيرورة الحوادث المختلفة للعالم لها مرحلتين : الاولى المرحلة القطعيّة او الثابتة ، ولا سبيل للتغيير فيها (والتي

__________________

(١) ولتطابق هذا المعنى يجب ان يكون هناك تقديم وتأخير في الجملة أعلاه ، ويقال في تقديره لكل كتاب اجل كما قاله بعض المفسّرين.

٤٣٢

اشارت إليها الآية أعلاه بأمّ الكتاب) والاخرى المرحلة المتغيّرة او بعبارة اخرى «المشروطة» والتي يجد التغيير سبيلا إليها ، وقد عبّر عنها بالمحو والإثبات.

وأحيانا يقال عن المرحلتين : «اللوح المحفوظ» و «لوح المحو والإثبات» كأنّ ما كتب في اللوح الاوّل محفوظ لا يتغيّر ، امّا الثّاني فمن الممكن محو ما كتب فيه وتغييره.

وامّا حقيقة الأمر فإنّنا ـ أحيانا ـ ننظر الى الحوادث بأسباب وعلل ناقصة ، فمثلا إذا أخذنا بنظر الاعتبار السّمّ الذي بمقتضى طبعه يؤدّي الى قتل الإنسان وكلّ من يتناوله سوف يموت ، بدون علم مسبق انّ لهذا السّمّ ترياق آخر ضدّه لو شربناه بعده سوف يبطل مفعول الاوّل (وقد نكون على علم به لكن لا نريد ان نتحدّث لسبب او لآخر عن الترياق) لاحظوا هنا انّ هذه الحادثة (الموت بسبب استعمال السّمّ) ليس لها جانب قطعي ، وببيان آخر انّ مكانها في (لوح المحو والإثبات) ويجد التغيير سبيلا اليه بالنظر الى الأسباب الاخرى المرتبطة به.

ولكن لو نظرنا الى الحادثة من خلال العلّة التامّة لها ، يعني توفّر الشروط اللازمة وازالة الموانع (استعمال السّمّ بدون استعمال الترياق) تكون الحادثة هنا قطعيّة وببيان آخر : انّ مكانها في [اللوح المحفوظ وامّ الكتاب] ولا سبيل للتغيير فيها.

ويمكن ان نوضّح هذا الحديث بشكل آخر ، وهو : انّ للعلم الالهي مرحلتين (علم بالمقتضيات والعلل الناقصّة) و (علم بالعلل التامّة) فما ارتبط بالمرحلة الثانية نعبّر عنها ب (امّ الكتاب واللوح المحفوظ) وما ارتبط بالمرحلة الاولى نعبّر عنها ب (لوح المحو والإثبات) والّا فليس اللوح موضوعا في زاوية من السّماء حتى يكتبوا او يمحوا فيه شيئا ويثبتوا بدله شيئا آخر.

ومن هنا تتضح الاجابة على كثير من الاسئلة في ضوء ما ورد في المصادر الاصليّة في الإسلام ، لانّنا نقرا مرّة في الرّوايات او بعض الآيات القرآنية ، انّ

٤٣٣

العمل الفلاني له الأثر الكذائي ، لكنّنا في بعض الأحيان لا نرى هذه النتيجة ، وذلك بسبب انّ تحقّق تلك النتيجة يعتمد على شرائط او موانع لم تتحقّق.

وهناك روايات كثيرة في باب (اللوح المحفوظ) و (لوح المحو والإثبات) وعلم الأنبياء والائمّةعليهم‌السلام ، وعلى سبيل المثال نذكر قسما منها :

١ ـ اخرج ابن مردويه وابن عساكر عن عليعليه‌السلام انّه سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن هذه الآية فقال له : «لاقرنّ عينيك بتفسيرها ولاقرّنّ عين امّتي بعدي بتفسيرها ، الصدقة على وجهها ، وبرّ الوالدين ، واصطناع المعروف ، يحول الشقاء سعادة ويزيد فيالعمر ويقي مصارع السّوء»(١) .

وهذه اشارة الى انّ الشقاء والسّعادة ليست أمورا حتمية ، حتّى إذا ارتكب الإنسان إثما وعدّ من الأشقياء فإنّ باستطاعته ان يغيّر من سلوكه ويتّجه صوب الخير ، وخصوصا مساعدة وخدمة عباد الله ، لانّ هذه الأمور مكانها في (لوح المحو والإثبات) لا (امّ الكتاب).

ويجب الالتفات الى انّ ما جاء في هذا الحديث يبيّن قسما من مفهوم الآية.

٢ ـ عن الفضيل بن يسار قال : سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول : «من الأمور امور محتومة كائنة لا محالة ، ومن الأمور امور موقوفة عند الله يقدّم فيها ما يشاء ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء(٢) .

وعن الامام علي بن الحسينعليه‌السلام قال : «لولا آية في كتاب الله لحدّثتكم بما كان وما يكون الى يوم القيامة ، فقلت له : ايّة آية؟ فقال : قال الله( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) (٣) .

وهذا الحديث دليل على انّ اللوح المحفوظ ولوح المحو والإثبات بكلّ

__________________

(١) تفسير الميزان ، المجلّد ١١ ، ص ٤١٩.

(٢) المصدر السّابق.

(٣) نور الثقلين ، ج ٢ ، صفحة ٥١٢.

٤٣٤

خصوصياتها مختصّة بالله جلّ وعلا ، وهناك قسم منها يعلم بها الخواص من عباده إذا اقتضت الضرورة.

ونقرا في ادعية ليالي شهر رمضان المبارك : «وان كنت من الأشقياء فاكتبني عندك من السعداء».

وعلى ايّة حال فالمحو والإثبات بهذا الشكل الذي قلناه له معنى جامع يشمل كلّ تغيير في الحال بسبب تغيير الشروط وحدوث الموانع ، وامّا ما قاله بعض المفسّرين من انّ هذه الجملة اشارة الى مسألة محو الذنوب بسبب التوبة ، او زيادة ونقصان الرزق على اثر تغيير الشروط ، ليس صحيحا ، الّا إذا اعتبروها واحدا من مصاديقها.

٢ ـ ما هو البداء؟

«البداء» احد البحوث العويصة بين الشيعة والسنّة.

يقول الرازي في تفسيره الكبير في ذيل الآية ـ محلّ البحث ـ : «يعتقد الشيعة انّ البداء جائز على الله ، وحقيقة البداء عندهم انّ الشخص يعتقد بشيء ثمّ يظهر له خلاف ذلك الاعتقاد ، ولاثبات ذلك يتمسكون بالآية( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ ) ثمّ يضيف الرازي : انّ هذه العقيدة باطلة ، لانّ علم الله من لوازم ذاته ، ومحال التغيير والتبديل فيه».

وممّا يؤسف له حقّا عدم المعرفة بعقيدة الشيعة في مسألة البداء ادّت الى ان ينسب كثيرون تهما غير صحيحة الى الشيعة الاماميّة.

ولتوضيح ذلك نقول : «البداء» في اللغة بمعنى الظهور والوضوح الكامل ، وله معنى آخر هو الندم ، لانّ الشخص النادم قد ظهرت له ـ حتما ـ امور جديدة.

لا شكّ ، انّ هذا المعنى الأخير بالنسبة الى الله تعالى مستحيل ، ولا يمكن لاي

٤٣٥

عاقل وعارف ان يحتمل انّ هناك أمورا خافية على الله ثمّ تظهر له بمرور الايّام ، فهذا القول هو الكفر بعينه ، ولازمه نسبة الجهل وعدم المعرفة الى ذاته المقدّسة ، وانّ ذاته محلّا للتغيير والحوادث.

وحاشا للشيعة الاماميّة ان يحتملوا ذلك بالنسبة لذات الله المقدّسة! انّ ما يعتقده الشيعة من معنى البداء ويصرّون عليه ، هو طبقا لما جاء في روايات اهل البيتعليهم‌السلام : ما عرف الله حقّ معرفته من لم يعرفه بالبداء.

كثيرا ما يكون ـ وطبقا لظواهر العلل والأسباب ـ ان نشعر انّ حادثة ما سوف تقع او انّ وقوع مثل هذه الحادثة قد اخبر عنه النّبي ، في الوقت الذي نرى انّ هذه الحادثة لم تقع ، فنقول حينها : انّ «البداء» قد حصل ، وهذا يعني انّ الذي كنّا نراه بحسب الظاهر سوف يقع واعتقدنا تحقّقه بشكل قاطع قد ظهر خلافه.

والأصل في هذا المعنى هو ما قلناه في بحثنا السابق ، وهو انّ معرفتنا مرّة تكون فقط بالعلل الناقصة ، ولا نرى الشروط والموانع ونقضي طبقا لذلك ، ولكن بعد ان نواجه فقدان الشرط او وجود المانع ويتحقّق خلاف ما كنّا نتوقّعه سوف ننتبه الى هذه المسائل. وكذلك قد يعلم النّبي او الامام بأمور مكتوبة في لوح المحو والإثبات القابل للتغيير طبعا ، فقد لا تتحقّق أحيانا لمواجهتها بالموانع وفقدان الشروط.

ولكي تتّضح هذه الحقيقة لا بدّ من مقايسة بين «النسخ» و «البداء» : نحن نعلم انّ النسخ جائز عند جميع المسلمين ، يعني من الممكن ان ينزل حكم في الشريعة فيتصوّر الناس انّ هذا الحكم دائمي ، لكي بعد مدّة يعلن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن تغيير هذا الحكم وينسخه ، ويحلّ محلّه حكما آخر (كما قرانا في حادثة تغيير القبلة).

انّ هذا في الحقيقة نوع من «البداء» ولكن في القضايا التشريعيّة والقوانين والأحكام يسمّونه بـ «النسخ» وفي الأمور التكوينيّة يسمّى بـ «البداء» ويقال

٤٣٦

أحيانا : (النسخ في الأحكام نوع من البداء ، والبداء في الأمور التكوينيّة نوع من النسخ).

فهل يستطيع احد ان ينكر هذا الأمر المنطقي؟ الّا إذا كان لا يفرّق بين العلّة التامّة والعلل الناقصة ، او كان واقعا تحت تأثير الدعايات المغرضة ضدّ شيعة اهل البيتعليهم‌السلام ، ولا يجيز له تعصّبه الأعمى ان يطالع عقائد الشيعة من نفس كتبهم ، والعجيب انّ الرازي قد ذكر مسألة «البداء» عند الشيعة في ذيل الآية( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ ) بدون ان يلتفت الى انّ البداء ليس اكثر من المحو والإثبات ، وهجم على الشيعة بعصبيته المعروفة واستنكر عليهم قولهم بالبداء.

اسمحوا لنا هنا ان نذكر امثلة مقبولة عند الجميع :

١ ـ نقرا في قصّة «يونس» انّ عدم طاعة قومه ادّت الى ان ينزل العذاب الالهي عليهم ، وقد تركهم النّبي لعدم هدايتهم واستحقاقهم العذاب ، لكن فجأة وقع البداء حيث راى احد علمائهم آثار العذاب ، فجمعهم ودعاهم الى التوبة ، فقبل الجميع ورفع العذاب( فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ ) (١) .

٢ ـ وجاء في التأريخ الاسلامي انّ السيّد المسيحعليه‌السلام اخبر عن عروس انّها سوف تموت في ليلة زفافها ، لكنّها بقيت سالمة! وعند ما سألوه عن الحادثة قال : هل تصدّقتم في هذا اليوم؟ قالوا : نعم. قال : الصدقة تدفع البلاء المبرم(٢) !.

لقد اخبر السيّد المسيحعليه‌السلام عن هذه الحادثة بسبب ارتباطه بلوح المحو والإثبات ، في الوقت الذي كانت هذه الحادثة مشروطة (مشروطة بأن لا يكون هناك مانع مثل الصدقة) وبما انّها واجهت المانع أصبحت النتيجة شيئا آخر.

٣ ـ ونقرا في قصّة ابراهيمعليه‌السلام ـ محطّم الأصنام ـ في القرآن الكريم انّه امر

__________________

(١) يونس ، ٩٨.

(٢) بحار الأنوار الطبعة القديمة المجلّد الثّاني صفحة ١٣١ ـ عن امالي الصدوق.

٤٣٧

بذبح إسماعيل ، وذهب بابنه الى المذبح وتلّه للجبين ، فعند ما اظهر إسماعيل استعداده للذبح ظهر البداء الالهي وظهر انّ هذا الأمر امتحان لكي يرى الله تعالى مستوى الطاعة والتسليم عند ابراهيمعليه‌السلام .

٤ ـ ونقرا في سيرة موسىعليه‌السلام انّه امر ان يترك قومه اوّلا ثلاثين يوما ويذهب الى مكان الوعد الالهي لاستلام احكام التوراة ، لكن المدّة زادت عليها عشرة ايّام اخرى (وذلك امتحانا لبني إسرائيل).

هنا يأتي هذا السؤال : ما هي الفائدة من هذه البداءات؟

الجواب على هذا السؤال ليس صعبا بالنظر الى ما قلناه سابقا ، لانّه تحدث مسائل مهمّة ـ أحيانا ـ مثل امتحان شخص مع قومه ، او تأثير التوبة والرجوع الى الله (كما في قصّة يونس) او تأثير الصدقة ومساعدة المحتاجين وعمل الخير ، كلّ ذلك يؤدّي الى دفع الحوادث المفجعة وأمثالها ، وهذا يعني انّ الحوادث المستقبلية قد نظّمت بشكل خاص ثمّ تغيّرت الشرائط فأصبحت شيئا آخر ، حتّى يعلم الناس انّ مصيرهم بأيديهم ، وهم قادرون ان يغيّروا مصيرهم من خلال تغيير سيرتهم وسلوكهم ، وهذه اكبر فائدة نلمسها من البداء «فتدبّر».

فما ورد من انّ أحدا إذا لم يعرف الله بالبداء لم يعرفه معرفة كاملة ، فهي اشارة لتلك الحقائق.

عن الامام الصادقعليه‌السلام قال : «ما بعث اللهعزوجل نبيّا حتّى يأخذ عليه ثلاث خصال : الإقرار بالعبودية ، وخلع الأنداد ، وانّ الله يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء»(١) .

وفي الحقيقة انّ اوّل عهد مرتبط بالطاعة والتسليم لله. وثاني عهد محاربة الشرك ، والثّالث مرتبط بمسألة البداء ، ونتيجته انّ مصيره بيده ، فيستطيع ان يغيّر الشروط فيشمله اللطف او العذاب الالهي.

الملاحظة الاخيرة في هذا المجال يقول علماء الشيعة : انّنا حينما ننسب

__________________

(١) اصول الكافي ، المجلّد الاوّل ، صفحة ١١٤ ـ سفينة البحار ، المجلّد الاوّل ، صفحة ٦١.

٤٣٨

البداء الى الله جلّ وعلا فإنّه يكون بمعنى «الإبداء» بمعنى اظهار الشيء الذي لم يكن ظاهرا لنا من قبل ولم يكن متوقّعا.

وانّ ما ينسب الى الشيعة بأنّهم يعتقدون انّ الله يندم على عمله أحيانا ، او يخبر عن شيء لم يعلمه سابقا ، فهذه من اكبر التّهم ولا يمكن الصفح عنها ابدا.

لذلك نقل عن الائمّةعليهم‌السلام انّهم قالوا : «من زعم ان اللهعزوجل يبدو له في شيء لم يعلمه أمس فابرءوا منه»(١) .

* * *

__________________

(١) سفينة البحار ، المجلّد الاوّل ، صفحة ٦١.

٤٣٩

الآيات

( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤١) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (٤٣) )

التّفسير

البشرية فانية ووجه الله باق :

بما انّ الآيات السابقة كانت تتحدّث مع منكري رسالة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد تابعت هذه الآيات كذلك نفس البحث. والهدف هو دعوتهم الى التفكّر ، ثمّ الإصلاح عن طريق الإنذار والاستدلال وغيرها.

يقول تعالى اوّلا :( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها ) من الواضح انّ المقصود من الأرض هنا هم اهل الأرض ، يعني انّ هؤلاء لا ينظرون الى هذا الواقع من انّ الأقوام والحضارات والحكومات في حال الزوال والابادة ،

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572