الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل13%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 572

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 572 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 287701 / تحميل: 5229
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

هل كان صعباً تطبيق قواعد الإسلام في الحياة اليومية؟

كنت أتقصّد التفريق بين الممارسات الإسلامية والثقافة الإسلامية وذلك ما كان يختلط على الناس. «كوني أوروبية، اعتناقي الإسلام لا يعني بالضرورة ارتدائي العباءة في لندن» فالعباءة هي زي ثقافي ولكن اللباس الفضفاض هو المطلوب في الإسلام وليس الأمر محصوراً بارتداء العباءة. فأنا أصلّي، أدفع الصدقات والخمس، أمتنع كلياً عن شرب الكحول والمحرّمات ولكن ليس المطلوب مني أن ألبس العباءة مع أنني أمتلك واحدة أستمتع بارتدائها في المنزل. ولكن بطبيعة الحال، أثناء تواجدي في أوروبا - أرتدي الزي الأوروبي مع مراعاة الحجاب.

فأنا أرى الكثير من الممارسات والقيم الإسلامية في أوروبا كاحترام حقوق الإنسان والحفاظ على النظافة والبيئة وهذه القيم الإسلامية وللأسف مفقودة اليوم عند أغلبية المجتمعات الإسلامية. وهذا بالذات ما عناه المستشرق محمد أسد عندما قال: «تستطيع أن ترى الكثير من الإسلام في أوروبا والقليل من المسلمين، والكثير من المسلمين في الشرق ولكن القليل من الإسلام الحقيقي».

ما هي التحديات التي يفرضها تخلي المرء عن ديانته الأولى واعتناقه لديانة أخرى؟

إنّ التحول إلى الإسلام له تحدياته، خصوصاً على صعيد وجود بيئة مماثلة للتعايش معها. فمثلاً من الصعوبات التي تطرح: وجود زوج لائق لامرأة اعتنقت الإسلام، حيث تصبح الواحدة منا عالقة بين عالمين. فأنا شخصياً امرأة مطلَّقة وأعاني أحياناً من لسعة الوحدة.كذلك المسلمون يتحمسون كثيراً لاعتناق الآخرين لديانتهم ولكنني دائماً أقول، ماذا عن البيئة الحاضنة فيما بعد؟ حيث يبدأ العمل الحقيقي عندها. فهم يشجعون الناس على اعتناق الإسلام ومن ثم يتركونهم وحدهم لمصيرهم. أنا محظوظة ربما بإنشاء شبكة من الصداقات. ولكن كم مرّ علي من الأعياد لم أستطع الإحتفال بها كوني كنت وحيدة. فالعيد كان بالنسبة إليّ أداء الصلاة ومن ثم متابعة اليوم بشكل عادي للأسف.

ولكنني أجد إيجابية في ذلك أحياناً، عندما ينتهي بي الأمر في الأعياد بالعشاء مع أحد الذين اعتنقوا الإسلام كذلك ولا يجد من يعيّد معه.

٣٠١

فالعزلة هي ما يترتب علينا عند اعتناقنا مذهباً ما وتخلينا عن مذهب آخر، ففي عيد الميلاد، لا أكون فرداً مرحّباً به في عائلتي كوني اخترت سلوك طريق آخر. وفي شهر رمضان أجد نفسي وحيدة حيث لا يوجد من يتسحّر معي أو يتناول معي الإفطار إلا إن دعاني أحدهم. ولكنّ العزاء دائماً أنّ الله بصحبتي وهو خير صاحب.

وإن كان الإيمان بالله هو الذي يجعلني أقاوم تلك التحديات ولكنني سمعت عن كثيرين اعتنقوا الإسلام حديثاً قد عادوا وانكفؤوا عن ذلك بسبب عدم وجود الدعم المعنوي الكافي من المجتمع الإسلامي المحيط. ومنذ فترة التقيت بامرأة كانت قد اعتنقت الإسلام لفترة عشر سنوات ولكنها عادت لتصبح اليوم وزيرة مسيحية مجدداً.

أخيراً ما الرسالة التي وجهتها إلى الناس من خلال كتابك؟

لقد وجهت رسالة من خلال كتابي إلى الناس الذين يتعلقون اليوم بالمظاهر المادية للحياة. الكثير من الشبان يحلمون بما كنت أمتلكه في الـ «أم تي ڤي» من تسلية ومعارف وشهرة وثقافة.. كنت أمتلك كل ذلك ويمكنني القول بأنّني لم أكن أشعر بالسعادة ولا أفكّر أبداً باسترجاع حياتي السابقة. ذلك الفراغ الذي كنت أحسّ به قبل اعتناقي للإسلام امتلأ اليوم من خلال وجود هدف لحياتي وعلاقة مميزة مع الله وحلم بالجنة.

وتختم بايكر بالقول: أكثر ما يقلقني اليوم هو أنّ غالبية سكان بريطانيا يبنون معارفهم عن الإسلام من خلال ما تمليه عليهم وسائل الإعلام. فالناس هنا لا يذهبون إلى المكتبات ويشترون الكتب ليتعرفوا على الإسلام، بل يكتفون بقراءة الدايلي مايل أو مشاهدة التلفاز لتكوين رأيهم عن الإسلام. كل ما ينقصنا هو التعليم والتثقيف. ولذلك أنا دائماً جاهزة لإجراء المقابلات، لكي أتكلم وأشرح أكثر عن الإسلام. فمثلاً عندما تتصل صحيفة الصن بأحدهم لإجراء حوار، يمتنع عن القبول، ولكنني أفعل لأنّ إلقاء قطرة واحدة من الحقيقة في ذلك المحيط الشاسع يمكن أن يكون له أثر».

٣٠٢

بايكر اليوم تبقي نفسها منشغلة بتحسين صورة الإسلام في بريطانيا. وكانت واحدة من الذين نظموا حملة «ألهمني الرسول محمد (ص)» في لندن التي هدفت إلى تقديم صورة مشرقة عن الإسلام من خلال ملصقات يتم وضعها في مواقف الحافلات وعلى سيارات الأجرة وكانت صورتها ظهرت على إحدى الملصقات وقد كتب تحتها «أؤمن بحماية البيئة وكذلك الرسول محمد (ص)». وقد تلقّت وسائل الإعلام تلك الحملة بالقبول. وفي الآونة الأخيرة أجرت معها شبكة البي بي سي لقاءً حول الفيلم المسيء للإسلام «براءة المسلمين».

الأخ يحيى

انطباعات من مسلم جديد

القرآن: الوحي الأخير

استدركت ضرورة وحتمية بعث نبي جديد بعد النبي عيسى (ع) نتيجة الابتكارات المنسوبة إلى الوحي الإلهي فكانت الحاجة لنبي آخر بعد عيسى (ع) مع وحي آخر بعد الإنجيل. لهذا بعث الله محمداً (ص) مع آخر رسالة، (أي القرآن)، لإعادة كل البشرية إلى الإيمان وعبادة إله واحد هو الله، دون شركاء أو وسطاء. وفقاً للمسلمين، القرآن الكريم، مصدر دائم لهداية الناس، وقد قدم توضيحاً عقلانياً للدور التاريخي الرائع للنبي عيسى (ع)، فقد ورد اسم (عيسى) خمساً وعشرين مرة في القرآن الكريم الذي يتضمن سورة اسمها مريم تيمناً باسم والدة نبي الله عيسى: السيدة مريم بنت عمران (عليها السلام).

فالحتمية الإلهية لنزول وحي جديد، وجدتها في الآيات القرآنية التالية التي أقنعتني جدا:) وَمَا کَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ یُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَتَفْصِیلَ الْکِتَابِ لا رَیْبَ فِیهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِینَ ﴿37﴾﴾ [يونس: 37]، و﴿ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْیَقِینِ ﴿51﴾ ﴾ [الحاقة: 51]. تزامناً، كنت أشعر بالقلق خوفاً من حصول تحريف في القرآن الكريم لأنها كانت مشكلة كبيرة مع الكتب السماوية السابقة. فقرأت بأن القرآن لن يتغير أو لن يتم إلغاؤه:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿9﴾ ﴾ [الحجر: 9].

٣٠٣

وعرفت لاحقاً أن بعض الظواهر العلمية مذكورة في القرآن، وهذا ما يؤكد مصداقية الاعتقاد بأن القرآن هو كلام الله. فهناك آيات تصف تكوين الجنين داخل رحم أمه، وتكوين الجبال، وأصل الكون، والمخ، والبحار، والأمواج والسحب. إنه فوق استيعاب أي شخص أن يتصور أنّ هذه الحقائق كانت مكتشفة منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، ذلك أنه تم الكشف عن هذه الحقائق وتم تأكيدها في الآونة الأخيرة بواسطة علميات أُجريت بآليات متطورة.

الإسلام: جوهر وذروة الأديان السماوية

يعتقد المسلمون أن الغرض الأساسي لخلق الجنس البشري هو عبادة الله. كما قال في القرآن الكريم،﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ﴿56﴾ ﴾ [الذاريات: 56] وبحسب عالم إسلامي معروف في الغرب فإن «النظام الأكثر اكتمالا من العبادة المتاحة للإنسان اليوم هو النظام الموجود في دين الإسلام، وكلمة «الإسلام» تعني «التسليم والخضوع لإرادة الله (عزّ وجل)»، على الرغم من أنه يشارالى الإسلام عادة باسم ثالث الديانات التوحيدية الثلاث، فإنه ليس ديناً جديداً على الإطلاق. إنه دين جاء به جميع أنبياء الله للبشرية. فالإسلام هو دين آدم وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام).

ويضيف العالم «بما أن الله واحد، والبشر هو نوع واحد، فبالنتيجة الدين الذي سيبعثه الله للناس هو دين موحد، فالحاجات الروحية والاجتماعية البشرية هي ذاتها والطبيعة البشرية لم تتغير منذ تم إنشاء أول رجل وامرأة

وبما أن رسالة الله كانت دائما هي نفسها، أدركت أنه من واجب جميع البشر البحث عن الحقيقة في التدين وليس مجرد القبول والاتباع الأعمى للدين الذي يتولاه مجتمعهم أو الوالدين، وفقاً للقرآن،﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّیْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُکْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِیَّاهُ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿40﴾ ﴾ [يوسف: 40].

٣٠٤

وفيما يتعلق بالفطرة، قال النبي محمد (ص)، ما معناه كل مولود يولد على الفطرة لكن والديه يحولانه إلى اليهودية أو المسيحية أو المجوسية. وعلاوة على ذلك، قال الله تعالى:﴿ فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿30﴾ ﴾ [الروم: 30].

كذلك، تعلمت أنه لا يوجد دين آخر مقبول عند الله الى جانب الإسلام، كما قال بوضوح في القرآن الكريم:﴿ وَمَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الإسْلامِ دِینًا فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِی الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِینَ ﴿85﴾ ﴾ [آل عمران: 85].

فاستنتجت أن الانسان قد يهمل هدى الله ويقيم لنفسه معايير خاصة للمعيشة. ولكن في نهاية المطاف، سوف يكتشف أنه لم يكن يتبع إلا سراباً.

عابر

واصلت قراءة القرآن والتعرف على أقوال وأفعال النبي محمد (ص)، فلاحظت أن الإسلام يرى الإنسان (العبد) كرجل عابر لهذه الحياة، والآخرة هي الدار المقر.

فنحن هنا لفترة قصيرة، ولا يمكن أن نأخذ أي شيء معنا من هذه الحياة إلا إيماننا بالله وأفعالنا الحسنة. وبالتالي، ينبغي أن نكون مثل المسافر الذي يمر عبر الأراضي فقط ولا يأخذ أي شيء منها.يجب علينا أن نفهم أن معنى أن نكون على قيد الحياة هو أن نكون تحت اختبارات متواصلة. فهناك المعاناة والفرح والألم والغبطة. هذه الاختبارات من الخير والشر هدفها بلورة الصفات الروحية العليا فينا. نحن غير قادرين على الاستفادة من هذه التجارب إلا إذا بذلنا قصارى جهدنا، بحيث يكون لدينا ثقة كاملة بالله وتقبل ما يقدر الله لنا بصبر.

٣٠٥

الطريق إلى الجنة

كان لا بد من معرفة المزيد عن الجنة إذ إنها بالتأكيد الهدف النهائي الذي يسعى إليه كل فرد، يقول الله،﴿إِنَّمَا یُؤْمِنُ بِآیَاتِنَا الَّذِینَ إِذَا ذُکِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ ﴿15﴾ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ ﴿16﴾ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِیَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْیُنٍ جَزَاءً بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ ﴿17﴾ ﴾ [السجدة: 17] فصرت على بينة أن سروري غداً هو أبعد من كل خيال، إذ سأعيش هذا الفرح العارم في ظل الخالق.

كنت أتساءل أي النفوس تستحق هذه المكافأة؟ هذا الثواب أعظم من أن يكون له ثمن. قيل لي أن الثمن هو الايمان الحقيقي بالله والطاعة له ولنبيه محمد (ص) وآل بيته (عليهم السلام).

أدركت أن البشرية يجب أن تعبد الله لتحقيق البر والوضع الروحي اللازم لدخول الجنة.هذا يعني أنه على البشر الفهم أن العبادة لا غنى عنها كما الأكل والتنفس وليست مجرد معروف يقومون به تجاه الله.لذلك نحن بحاجة لقراءة القرآن لمعرفة أي نوع من الناس يريدنا الله أن نكون ونحاول أن نصبح على هذا النحو. إذاً هذا هو الطريق إلى الجنة.

التغلب على عقبة:

في هذه المرحلة، شعرت بأنني 80٪ أريد أن أصبح مسلماً، ولكن ما كان يدفعني إلى الخلف أنني كنت قلقاً من ردّة فعل عائلتي وأصدقائي لو علموا بأنني أصبحت مسلماً.

فأعربت عن قلقي لأخ مسلم فقال لي أنه في يوم القيامة، لا أحد سيكون قادراً على مساعدتك، لا والدك، ولا والدتك أو أي من أصدقائك. لذلك، إذا كنت تعتقد أن الإسلام هو الدين الحق، يجب أن تتقبله وتعيش حياتك لإرضاء واحد أحد هو الذي خلقك، وهو الله.

وهكذا، أصبح جلياً بالنسبة لي أننا جميعا في قارب واحد؛ وأن كل نفس ذائقة الموت ثم سنكون جميعاً مسؤولين عن معتقداتنا وعن أفعالنا أمام الله.

٣٠٦

شريط فيديو ذو مغزى:

في هذه المرحلة من بحثي عن الحقيقة، كنت على وشك اعتناق الاسلام. شاهدت محاضرة إسلامية على شريط فيديو حول الغرض من الحياة. وكان الموضوع الرئيسي لهذه المحاضرة أن الغرض من الحياة يمكن تلخيصه في كلمة واحدة، هي الإسلام (التسليم لإرادة الله).

على عكس الأديان أو المعتقدات الأخرى، فإن مصطلح «الإسلام» لا يرتبط بأي شخص أو مكان معين. قد أسمى الله الدين في الآية القرآنية التالية:﴿ إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ ﴾ [آل عمران: 19] فأي شخص يعتنق الإسلام يسمى مسلماً بغض النظر عن عرق ذلك الشخص أو جنسه أو جنسيته. هذا هو واحد من الأسباب التي تجعل الإسلام دينآً عالمياً.

قبل بحثي عن الحقيقة، لم أنظر بجدية إلى الإسلام كخيار بسبب الصورة السلبية المستمرة عن المسلمين في وسائل الإعلام. وقد أظهر مقطع من شريط الفيديو كيف أن المسلمين وعلى الرغم من تميز الإسلام بالمعاييرالأخلاقية العالية، ليسوا جميعاً متمسكين بهذه المعايير.و يمكن قول الشيء نفسه عن أتباع الديانات الأخرى.

فهمت أخيراً أننا لا نستطيع أن نحكم على الديانات من خلال تصرفات أتباعها وحدها، كما فعلت، لأن عامة البشر غير معصومين. على هذا الحساب، لا ينبغي لنا أن نحكم على الإسلام من تصرفات أنصاره، ولكن عن طريق الوحي (القرآن الكريم) وسنة النبي محمد (ص) وأهل بيته (عليهم السلام).

النقطة الأخيرة التي التقطتها هي أهمية الامتنان لله. فالله يذكر في القرآن أنه ينبغي لنا أن نكون ممتنين لحقيقة أنه خلقنا:﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَکُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِکُمْ لا تَعْلَمُونَ شَیْئًا وَجَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ ﴿78﴾ ﴾ [النحل: 78].

٣٠٧

الحقيقة تكشف عن نفسها:

بمجرد انتهاء العرض،اختبرت كشف النقاب عن روحي، شعرت أنّ عبئاً كبيراً من الخطايا زال عن كتفي. وعلاوة على ذلك، شعرت بنفسي كأنني أرتفع عن الأرض وأحلّق، رافضاً المسرات المؤقتة في هذا العالم من أجل الأفراح الأبدية في الآخرة.

هذه التجربة، إلى جانب عملية طويلة من التفكير، حلت أحجية «الغرض من الحياة». وكشفت أن الإسلام هو الحقيقة، وبالتالي كان علي تحديد هدفي من الحياة، ومعتقدي، اتجاهي وأفعالي.

فدخلت بوابة الإسلام بالإعلان عن نية الإيمان بالقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

أُبلغت بأن هذه الشهادة تؤكد الاعتقاد بجميع الأنبياء والمرسلين من الله، جنباً إلى جنب وبالتالي فإن كل رسول ونبي هو تحديث واستكمال لدين واحد حتى وصلنا إلى آخر الأنبياء محمد (ص) وإلى الوحي النهائي من الله [القرآن].

انطباعات من مسلم جديد:

أثناء بحثي عن الحقيقة، الدرس الذي تخطى جميع الدروس، هو أن كل المعبودات الأخرى ما عدا الله هي مجرد أوهام.

فالإذعان لإرادة الله أشعرني بالسلام مع الخالق، مع الآخرين، وأخيراً، مع نفسي. ونتيجة لذلك، بت أشعر بالامتنان جداً، وهذا من رحمة الله، الذي أنقذني من أعماق الجهل وصعد بي إلى نور الحقيقة.

الإسلام، الدين الحق في جميع الأوقات والأماكن ولكل الشعوب، هو رمز كامل للحياة إذ يوجّه الإنسان لتحقيق الغرض من وجوده على الأرض، ويعد له اليوم الذي سيعود فيه الى خالقه.

اتباع هذا المسار بطريقة ورعة تمكن الواحد منا من اكتساب رضوان الله فنكون أقرب إليه وسط المسرات التي لا نهاية لها من الجنة والخلاص من عذاب جهنم. مكافأة إضافية بأن تكون حياتنا الحالية أسعد بكثير عندما نتخذ مثل هذا الخيار.

٣٠٨

التمتع بالضلالة:

وقد أعطى اعتناق الاسلام لي أكثر من نظرة ثاقبة في الطبيعة الوهمية لهذه الحياة. على سبيل المثال، إحدى الركائز الأساسية للإسلام هي تحرير الإنسان. فعندما يطلق مسلم على نفسه اسم «عبد الله»، ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على التحرر من العبودية لجميع الأشكال الأخرى، وعلى الرغم من أن الإنسان المعاصر قد يظن أنه متحرر، وهو في الحقيقة عبد لرغباته. مخدوع ومضلل من هذه الحياة الدنيوية. يقول الله تعالى:﴿ أَرَ‌أَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴿43﴾ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَ‌هُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 43، 44].

لذلك يجب علينا ألا ندع حماسنا للاستمتاع بمتع هذه الحياة الزائلة يعرِّض فرصة الاستمتاع بملذات الجنة للخطر. كما يقول الله في القرآن:﴿ زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِینَ وَالْقَنَاطِیرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَیْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِکَ مَتَاعُ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴿14﴾ قُلْ أَؤُنَبِّئُکُمْ بِخَیْرٍ مِنْ ذَلِکُمْ لِلَّذِینَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِیرٌ بِالْعِبَادِ ﴿15﴾ ﴾ [آل عمران: 14، 15].

ولذلك، فإن المنافسة الحقيقية في هذه الحياة ليست على تراكم الثروة أو الرغبة في الشهرة، بل بالقيام بالاعمال الصالحة لإرضاء الله، مع الاحتفاظ بالجزء القانوني من التمتع في هذه الحياة.

الطريق الصحيح إلى الله:

هناك العديد من البدائل الدينية المتاحة للإنسان، والأمر متروك له لاختيار أي ديانة يرغب في اتباعها. إنَّه أشبه بالتاجر مع العديد من السلع أمامه، وهو الذي يختار أي سلعة ليتاجر بها. من الواضح أنّه سوف يختار ما يعتقد أنّه الأكثر ربحاً. ومع ذلك، فإن التاجر يبقى غير متأكد وغير ضامن للربح؛ حيث يمكن أن يكسب اليوم ويمكن أن يخسر غداً كل شيء.

في المقابل، فإن المؤمن في وحدانية تسليمه لله، يكون متأكداً تماماً أنّه إذا كان يتبع طريق الهداية [القرآن وسنة النبي محمد (ص)، وآل بيته (عليهم السلام)] سيكون بلا شك مصيره النجاح والثواب في نهاية هذا الطريق، ولحسن الحظ، يبدأ هذا النجاح أيضاً في بداية اختيار هذا المسار.

٣٠٩

أنا مسلمة جديدة...

رقية وارث مقصود

ليس من أمر أسهل من اعتناق الإِسلام - لحظة يدرك الإنسان أن الله حق وأن الله موجود حقاً ويقر بأن النبي العربي محمد (ص) هو حقاً خاتم رسل الله ضمن سلسلة الأنبياء الآخرين المذكورين في الإنجيل يكون قد خطى فعلياً الخطوة الأولى.

تسمى لحظة الإشراق هذه التقوى والإحسان. فجأة تدرك أن الله يراك ويعرفك وإن كنت لا تعرفه ولا تراه.

الخطوة الثانية في مسيرة اعتناق الإِسلام هي التعبير وبوضوح عن لحظة الإيمان هذه - أي نطق الشهادة: «أشهد» لتتوالى الخطوات طوال حياتك.

كيف أعيش كمسلمة:

أن تصبح جزءاً من الجالية المسلمة المحلية وتلج في نمط الحياة هذا أمر يختلف تماماً عن مجرد أن تصبح مسلماً على مستوى العقل.

فهذا يتطلب من الكثيرات من معتنقات الإِسلام درجة عالية من العزم والثقة. فأنتِ لن تواجهي عائلتك وأصدقائك الذين يعتقدون أنك قد أصبت بالجنون فقط، ولكن كامرأة عليك أيضاً أن تستجمعي قواك للدخول إلى عالم المسجد حيث الرجال العابسو الوجوه ذوو اللحى الطويلة لن يكلموك.

فإن كنت واحدة من معتنقات الإِسلام في بعض نواحي إنكلترا الشمالية حيث يغلب على المساجد الطابع الآسيوي، يجدر بك أن تعلمي الكثير عن الثقافات الآسيوية بالإضافة إلى تعلّم الإِسلام.

تنجلي تلك العبسات عن حياء ورقة وتقوى وصداقة صادقة وضيافة وكرم؛ ولكن يعتبر من الفظاظة أن يبدو الرجل وكأنه متحمس للتحدث مع النساء أو للنظر إليهن أكثر من نظرة واحدة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الكثير من المساجد لا تحوي بعد على مصلّى للنساء.

٣١٠

اكتساب الثقة:

لكننا نحن الذين نعتنق الإِسلام نكتسب الثقة شيئاً فشيئاً، فلم نعد نشعر بأنه علينا أن نتظاهر بأننا عرب أو باكستانيون لنشعر بالانتماء.

فنحن نعلم الآن أن المسلمين متواجدون في كل مكان حول العالم من الأسكيمو إلى أستراليا.

يمكننا أن نختار أسماء عربية، كما يمكننا أن نبقى على أسمائنا القديمة فهذا الأمر ليس ذا قيمة حقاً.

على النساء اختيار ملابس معينة كالبنطال الفضفاض والسترة الطويلة أو التنورة الطويلة. وإن كنا لا نشعر بالانسجام في المساجد المحلية لأننا لا نتقن اللغة العربية، فنحن بدأنا بتنظيم مساجد داخل البيوت ونشكل جماعات فيما بيننا وندعو الآسيويين أيضاً ليكونوا ضيوفنا.

أطياف متعددة من المسلمين.... عائلة واحدة:

بدأنا نحن - معتنقو الإِسلام الجدد - بالقراءة بما فيه الكفاية وبتحصيل العلم بما يمكِّننا من التعبير عن آرائنا حول الأمور من حولنا. فنحن عندنا النضج الكافي لندرك أن ليس كل المسلمين قديسين. فالبشر بشر وجلّنا بعيد عن الكمال.

هكذا نتغلب على الشعور بالخيبة عندما نكتشف أن ليس كل مسلم يحيا كما ينبغي على المسلم أن يحيا للوصول إلى الكمال وبالتالي لا نستسلم أو نتهمهم بالنفاق؛ بل على العكس نبذل أقصى جهدنا لنحيا حياتنا بأفضل طريقة ممكنة.

شيئاً فشيئاً يدرك كافة معتنقي الإِسلام وجود الكثير من أنواع المسلمين.

بعض المسلمين روحانيون في حين أن آخرين يهتمون بظاهر العبادات.

لكن شعورنا يزداد بأنه بإمكاننا أن نجد مكاناً لأنفسنا إلى جانب الآخرين في هذه الأمة الواسعة والعائلة الممتدة، وطالما أننا نقوم بأقصى جهدنا فإن الله سيثيبنا على نوايانا الحسنة.

٣١١

جيمي بور

من عارضة أزياء إلى امرأة مسلمة

السلام عليكم، إسمي جيمي

وُلدت وترعرعت على المسيحية الحديثة غير الطائفية ولم أجد فيها أجوبة لما كنت أبحث عنه، ولمدة 31 عاماً كمسيحية، لم أشعر يوماً بالله. حاولت وبكل ما بوسعي ولكني لم أشعر به على الإطلاق. كنت عارضة لبلادي ولمدة خمس سنوات، تعاطيتُ الكثير من المخدرات خلال تلك الفترة كنت أستخدمها كمساعد لفقدان الوزن وكنت أستخدمها لمرة واحدة لأُبعد نفسي عن الإكثار من تناول الطعام. كنت أعتقد بأنني قوية لأتجنب الإدمان على المخدرات التي تحوّل كل من يستخدمها إلى مدمن. بدأتُ أفكر بأني سآخذها لأسبوعين إلّا أنني أصبحتُ مدمنة ليل نهار. أخذتني المخدرات إلى الحضيض والدمار الكامل، فقد كان زوجي يتعاطى المخدرات كذلك. ما دفعه ليكون عنيفاً معي، حتى أني كنت خائفة على حياتي.

قررت أن أتوقف عن تعاطيها، فليس هذا ما أريده لحياتي. فقلت له أنني سأتوقف عنها، ضحك وقال: «لن تستطيعي التوقف». فقلت: «سأتوقف عنها». وتوقفت عن تناولها ذلك اليوم ولم أنظر إلى الخلف مرة أخرى، ولم يكن لديَّ أي برنامج لإعادة التأهيل أو أي مساعدة خارجية أو نظام دعم. كان زوجي يضحك، محاولاً أن يثنيني عن عزمي حتى أعود لتناولها من جديد، وبعد ذلك رُزقت بولدي الصغير. تغيّرت نظرتي إلى الحياة بأكملها. فقد أحببتُ ذلك الطفل الصغير الرائع والذي يحتاج إلى أم صالحة، أحببته كثيراً. فأردت تغيير كل شيء كنت قد ركزت عليه سابقاً، لأجله.

كنت في السابق قادرة على فعل أي شيء أريد أن أقوم به، فقد كنت جزءاً من مشاهد هوليوود التي يرغب الجميع بأن يكون جزءاً منها. لم أكن شخصاً جيداً، كنت في السابق، أشرب الكحول وأتعاطى المخدرات. ولكنني لم أعد أريد القيام بهذه الأمور بعد الآن.

٣١٢

قمتُ بالبحث عن الإِسلام لفترة قبل أن أصبح مسلمة، أردتُ أن أعرف وبشكلٍ أساسي سبب كراهية العالم للمسلمين بهذا القدر، لأنني رأيت ما رأيتُ في نشرات الأخبار، ورأيتُ الظلم والعنف وهذا ما دفعني للبحث عن الحقيقة ولمعرفة ما إذا كان الإِسلام كذلك. بدأتُ البحث عن الموضوع، وكلما بحثت أكثر كلما غصت أعمق في الموضوع. فوجدتُ الحقيقة.

تفاجأ الكثير من الناس عندما تخليتُ عن كل الملذات السابقة لأجل أن أكون مسلمة. والغريب هو أنني عندما نطقت الشهادتين أسست بتلاشي الرغبات للقيام بتلك الأمور وبشكل كامل. إنه لشيء رائع أن أستمتع وأشعر بالسلام في قلبي كوني مسلمة.

أعتقد أن الشيء الأساسي الذي أثار إعجابي بالإِسلام هو احترام المرأة. فهناك الكثير من الاحترام للمرأة والأمور التي تقوم بها النساء، حياتنا نحن النساء ليست سهلة، فلدينا الكثير لنفكر فيه ونقلق بشأنه، كعائلاتنا وأزواجنا وأطفالنا. فتربية الأطفال هو أمر صعب جداً، بالإضافة إلى الأعمال المنزلية والطبخ والاعتناء بأزواجنا.. إنها وظيفة صعبة.

وفي الواقع فإن الإِسلام يحترم المرأة لتلك الأسباب. كان سبباً لفصلنا عن الرجال في المساجد حتى لا يتشتت الرجال. يفهم الإِسلام القوة الكامنة في جاذبيتنا ومظهرنا وهو ما يتأثر به الرجال، والإِسلام يحترم هذا الأمر. ما إن أدركتُ هذا حتى تمكنت الفكرة مني وأردتُ أن أصبح مسلمة. اعتناقي للإِسلام أشعرني بالاختلاف فقد جعلني أشعر بالسلام المطلق. كنت في السابق أشعر بعدم الاستقرار، فالكثير من الأشياء كانت في حالة عدم استقرار، والسبب في هذا هو عدم اتخاذ قرار بشأنها. لم يكن لديَّ أيَّ هدف في ذهني ولم يكن هناك سبب لوجودي، لكن اعتناقي للإِسلام أعطاني السلام والأمان والتوازن وهو ما احتجت إليه في حياتي، إسلامي جعل من الأشياء حقيقة، وتستحق أن أكون هنا من أجلها، فأخيراً صار هناك هدف لحياتي وأنا أفهم الآن ما هو الغرض منها. لا نملك الفرصة دوماً للالتقاء بالناس الذين نحتاجهم بصورة جوهرية لنفهمهم. هذا ما جعلني أتردد على المسجد لأتقرب إلى الناس وأفهمهم. وكلما زاد ترددي إلى المسجد، كلما ازداد عدد النساء اللواتي أحطن بي واعتنين بي ومنحنني العطف الموجود في الإِسلام.

٣١٣

لم أفكر أبداً ولو لمرة واحدة في حياتي بأني سأصبح مسلمة على الإطلاق. فقناعاتي تجاه المسلمين كانت مغلوطة للغاية فأنا لم أحبهم، فقد كنت أعتقد بأنهم سيئون ولم أكن لأفكر ولو لمرة بأني سأكون واحدة منهم. ولكن اليوم أنا فخورة وسعيدة جداً، وأريد أن أرتدي الحجاب ليعرف الناس أني مسلمة، حتى لو كرهوني فأنا لا أهتم. أنا أريد أن أبيِّن لهم أن الله موجود في أي شخص وليس فقط في الشرق أوسطيين.

٣١٤

راكيل: مسلمة أميركية...

ضابطة شرطة سابقة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إسمي راكيل، وقد اعتنقت الإسلام.

لقد كنت ضابطة شرطة في مدينة ديترويت وعملت هناك منذ عام 1996 وحتى عام 2004 وقد أُطلق علَيّ النار عام 2002، وكان ذلك أثناء تأدية وظيفتي وكدت أفارق الحياة.

لم أكن أذهب إلى الكنيسة في واقع الأمر، لقد نشأت في منزل مسيحي، فأبواي قسين مسيحيين، وقرأت الكثير عن الكاثوليكية.

لقد لاحظت أن الإسلام منطقي من الناحية الفكرية، أنا لم أحلل الأديان الأخرى وأدرسها، إلّا أنها تبدو وكأنها تحمل الكثير من صنع الإنسان، وأفكاره بدلاً من شريعة الله الأصلية، وهذا كان يزعجني كثيراً. ثم وجدت الإسلام، أكثر دقة تاريخياً ومن حيث أصالة النصوص، ولم يتم تشويهه من خلال الكثير من الترجمات المختلفة.

أعتقد أنه في عام 2002، تم إنقاذ حياتي لسبب، وأعتقد أن هذا السبب هو أن أتمكن من اعتناق الإسلام وأن أصبح مسلمة. لم أكن أعرف كيف أعبد الله، لم أعرف ما هو الدين الذي ينبغي أن أؤمن به، حتى التقيت ببعض الأصدقاء المسلمين، وقد حدثوني باستفاضة، وفسَّروا لي الكثير. لقد كنت أشعر بالقلق حيال إعلان الشهادة لأنني لا أعرف الكثير من الكلمات الإسلامية حتى الآن، فساندتني إحدى الأخوات التي كانت ترعاني في المسجد، وساعدتني حتى أعلن شهادتي وكان الأمر رائعاً فعلاً. لقد استمتعت بمجرد الإعلان أني أشهد أن لا لا إله إلّا الله أمام كل من في المسجد وكان ذلك أبرز الأحداث بالنسبة لي. لم أعد أخاف الموت فيجب أن لا نخشى إلّا الله، ونتحلى بالإيمان، لأنَّ الله واحد وأنا أعرف ذلك لأنني كنت على شفير الموت ولو كنت قد توفيت ذلك اليوم، لا أعرف إن كنت في هذه الحالة سيكون مصيري إلى نار جهنم أم لا، أما الآن فتملأني الثقة والطمأنينة والسعادة لأنني أعرف مصيري إن حدث لي شيء اليوم.

٣١٥

كان سيصيبني الجنون إن تابعت عملي كضابطة شرطة، لأن الناس يهاجمون المسلمين في ديترويت دون سبب على الإطلاق، لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، كان الأمر فظيعاً وقد أزعجني، وكنت أردّ بأن كونهم مسلمين لا يعني أنهم متطرفون حيث أزعجني ما رأيت - كضابطة شرطة - في الشوارع والأسلوب الذي كانت تتم به معاملتهم فقد كان في ذلك انعدام للضمير.

أعرف أن تعلُّم لغة جديدة قد يكون محبطاً للبعض، فهي في الأساس ثقافة جديدة، وليست ديناً فحسب، بل أسلوب حياة. وبالنسبة لي لم يكن ذلك محبطاً، كل ما في الأمر هو رغبتي في تعلمها بسرعة أكبر، وأريد أن أتقنها بمفردي، لكن هذا ليس سهلاً وعلَيَّ أن أتعلم كل شيء تقريباً عبر الإنترنت حتى كيفية ارتداء الحجاب، إنها تجربة مذهلة. بدأت أمتنع عن الكثير من المحرمات كشرب الكحول ولم أعد أتناول لحم الخنزير، وبالطبع أشتري الآن لحماً حلالاً. أصبحت في الأربعين وكنت أعرف أنني أرغب في إدخال هذه التغييرات إلى حياتي، وآن الأوان لأنعم بالسلام والهدوء في حياتي وأتقرب إلى الله، وكنت مستعدة تماماً لهذا التغيير وكنت أعرف أن هذا ما تفتقده حياتي. عندما أصلي، أشعر أنَّ الصلاة مؤثرة جداً وأشعر بقدر هائل من الحماية.

أقرأ القرآن الكريم كل يوم، وأجد فيه آداب الإسلام وأتعلم شيئاً جديداً، والناس يقدمون الكثير من المساعدة، فبالرغم من اختلاف العرق، لا يصدر الناس عليك أحكاماً إذا دخلت وأنت أمريكي. بل يقدمون الكثير من الدعم، فالكل يعاملك بكل لطف ويساعد في تعليمك وتوجيهك.

أكثر ما يعجبني في الإسلام هو الحجاب، فأنا أستمتع به، لأكون صادقة تماماً، لا سيما هنا في لاس فيغاس حيث ينظر الرجال إلى النساء بشكل غريب وهذا يثير الخوف. وهكذا أشعر بمزيد من الراحة والأمان. أما في ما يتعلق بإخبار أصدقائي عن اعتناقي الإسلام، لست متأكدة من ردود أفعالهم فمثلاً أفضل صديقاتي من الطفولة تعمل في الواقع في الكنيسة الكاثوليكية، وأعرف أن رد فعلها لهذا سيكون سيئاً، وقد لا نكون أصدقاء بعد الآن. والبعض أظهروا لي الكثير من الدعم أو طرحوا أسئلة مثيرة للاهتمام كذلك، فكان من اللطيف أن أتمكن من أن أنقل أفكاري لهم. من أبرز الأسئلة التي طرحها أصدقائي بصفة خاصة، سواء من الرجال أو النساء، لماذا تغطين رأسك؟ ولماذا تغطين ذراعيك؟

٣١٦

لا سيما عندنا في لاس فيغاس، لأن المجتمع هنا مختلف للغاية مقارنة حتى بالمجتمعات الأمريكية العادية، الناس هنا يرتدون ألبسة مكشوفة خاصة النساء، فقلت بكل بساطة، الأمر يتعلق بالاحتشام، وقد لاحظت أن الناس ينظرون إليّ بشكل مختلف، حتى أن بعض أصدقائي ذكروا أن بعض الناس ينظرون إليّ بمزيد من الإحترام لأنّ الرجال لا ينظرون إليّ كشيء، بل ينظرون إلى وجهي. في ما يتعلق بأفراد أسرتي فهو سيف ذو حدين، إنني أفتقدهم كأشخاص، لكنني لا أفتقد دينهم على الإطلاق. وقد كانوا في غاية القسوة معي، فقد كانت لديّ تجارب رهيبة ومخيفة للغاية، كان والداي يصطحبانني منذ صغري لحضور ممارسات طرد الأرواح الشريرة. فكان لذلك أثر عاطفي هائل على نفسي طوال الوقت. والداي لا يعرفان أنني اعتنقت الإسلام، لم يكن أمامي سوى خيار واحد في رأيهما، وكان إما اختيار أن أكون مسيحية ذات شخصية جذابة مثلهما أو لا يحترمانني مطلقاً وقد أقصياني من العائلة وكان ذلك قبل أن أعتنق الإسلام.

أفضِّل أن تكون لي أسرة مسلمة وأن يكون الله في حياتي، الله الحق، وليس مجموعة من القواعد والقوانين التي أرساها البشر، لقد تسبب دينهما بالكثير من الألم لي، لكن هذا الدين ليس كذلك.

أنا أريد أن أنشر هذا الدين، وأنشر الحب وأنشر السعادة وأنشر السلام، وأوضح للناس أنه يلزم القضاء على كل هذه النماذج النمطية، وأن الإسلام ليس إرهاباً، وأنه رائع للغاية وهذا ما أرغب أنا شخصياً في أن أوضحه للناس.

٣١٧

أسلم بعد جنازة صديقه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وُلِدتُ وترعرعت في مدينة هاليفاكس في نوفا سكوتيا، أبي رجل أبيض من منطقة برنس إدوارد في كندا وأمي امرأة سوداء من مجتمع يُدعى لوكاس فيل في نوفا سكوتيا.

أمي كانت مسيحية ولقد اعتدت الذهاب معها إلى الكنيسة، وحتى عندما توقفت هي كنت أنا الوحيد من أفراد عائلتي الذي يذهب إلى هناك، عندما كبرت وأصبحت في مرحلة آخر المراهقة، توقفت عن الذهاب إلى الكنيسة، فلم أكن مهتمّاً بمفهوم الدين.

لا زلت أؤمن بالله والعديد من المعتقدات الدينية المسيحية لكنني لم أؤمن بهذا التنظيم الديني.

لقد كنت أعيش في منطقة دارتموت، هي تقع على ميناء مدينة هاليفاكس، ترعرعت هناك حيث كان يوجد عائلة باكستانية كبيرة مسلمة، كنت صديقاً لهم وتعلّمت منهم عن الإسلام بعض الأشياء، فقد كان أحد أفرادها متديّناً، فقد كنت أراه دائماً يذهب إلى المسجد ويصلّي، كان عمري 16 سنة تقريباً عندما أصبحتُ مهتمّاً بالدين الإسلامي وبدأت بالاستفسار عنه، من أصدقائي. وحين بلغت السابعة عشرة - وفي الصيف الذي ما بين الأول الثانوي والثاني الثانوي - انتقلت مع أبي وزوجته من دارتموت للعيش في هاليفاكس، حيث كان هناك العديد من العرب المسلمين، وكانت هذه النقلة بمثابة الصدمة الثقافية بالنسبة لي، لأنني كنت أعيش في كول هاربور، حيث المسلمون قلّة لا تراهم في كل مكان، وبالتالي لا ترى الحجاب أو أيّ شيء من هذا القبيل، بينما في بدفورد يوجد العديد من المسلمين العرب الذين يمكنك معرفتهم بسيماهم. بعد فترة من وصولي إلى هناك، عرف أحد الإخوة العراقيين أنني مهتم بالإسلام فجاء وقال لي بأنهم يقيمون صلاة الجمعة كل أسبوع في المدرسة الثانوية التي كنت أرتادها في وقت استراحة الغداء، فدعاني.

ذهبنا إلى هناك يوم الجمعة والحمد لله كانت تجربة جيدة جداً. كان الخطيب شاباً يافعاً مرحِّباً ومضيافاً وصلّيت معهم على الرغم من أنني لم أعِ ما أفعل، فلقد كنت أقلّدهم. بعد الصلاة تحدّثت إلى الخطيب ورجل آخر كان يأتي للصلاة كل جمعة.

٣١٨

وفي أحد الأيام وبعد انتهائنا من الصلاة سألني ذلك الرجل: «ما رأيك بالإسلام؟» فقلت له: «أنا أؤمن بالدين الإسلامي وأعتقد أنه الدين الصحيح والطريقة المُثلى للحياة» فأجابني: «إذاً يجب أن تصبح مسلماً!» تفاجأت حينها لأنني كنت صغيراً ولا زال أمامي الكثير لأتعلّمه. قال لي: «يجب أن تُسلم لأنك لا تعلم متى ستموت» عندها ضحكت لأنني كنت أبلغ من العمر السابعة عشرة فقط وما زلت صغيراً على الموت، سأموت عندما أصبح جَدَّاً في الثمانينات ويمتلئ شعري شيباً وأحفادي من حولي، فلم أكترث لما كان يقوله.

ذهبت إلى هناك 4 أو 5 مرات بعدها، إلى أن جاءت إجازة الصيف فلم أعد أذهب إلى المدرسة. لكن في يوم من أيام الإجازة الصيفية، كنت أعمل في مطعم، حيث تلقّينا اتصالاً مفاجئاً في وقت الإغلاق من المديرة، التي أخبرتنا فيما بعد أنَّ خالد توفي في حادث اصطدام سيارة. من هو خالد؟ خالد هو أحد الإخوة الفلسطينيين كان يعمل معنا في المطعم لمدة قصيرة وكان صديقي أيضاً فلقد كنا نرتاد نفس المدرسة وتخرجّنا منها معاً. عندما سمعت الخبر لم أصدّقه لأوّل وهلة. هاتفتُ المديرة التي نقلت إلينا الخبر وعندما سمعت صوتها تبكي عرفت حينها بأنه قد مات فعلاً.

لم أستوعب ما الذي يحدث في ذلك الوقت، لكنني في طريقي إلى البيت ماشياً، انهرت باكياً. كانت المرة الأولى التي عرفت فيها أنَّ أحداً توفي في نفس عمري، فكلانا كنا نبلغ الثامنة عشرة من العمر، فقد صدمتني هذه الفاجعة في الصميم..

يوم دفن الجثّة، تعلّمت كيفية الوضوء حيث هاتفت صديقي وعلّمني كيف أتوضأ. وذهبنا أنا وصديقي إلى المسجد في دارتموت لصلاة الجنازة ثم بعد ذلك توجهنا إلى مقبرة المسلمين.

كان الجو مفعماً بالحزن فإخوته وأبوه كانوا هناك والجميع منخرط في البكاء.

عندما وضعوا التراب فوق جثمانه بدأت أنا بالبكاء الشديد، أثناء ذلك شاهدت الشيخ الذي قال لي يجب أن تسلم لأنك لا تعلم متى ستموت. كان هذا بمثابة إشارة لي من عند الله أني قد أموت قريباً وأنَّ كلام الشيخ كان صحيحاً وأنني يجب أن أسلم.

٣١٩

ذهبت إليه مباشرة وأخبرته أنني أريد أن أسلم فقال لي: «أهلاً أليكس، كيف حالك؟ من الرائع رؤيتك مرة أخرى، أتمنى أنك ما زلت مهتمّاً بالإسلام». وسبحان الله في تلك اللحظة، وفي ذلك المكان عند المسجد بجانب المقبرة قلت: «أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله».

بعد ذلك مباشرةً حان وقت صلاة المغرب، وسألني أحد الإخوة إذا كنت أعرف كيفية الوضوء، فقلت نعم. ثم ذهبت إلى دورة المياه لأتوضأ لكنني نسيت مراحل الوضوء فمكثت هناك وقتاً طويلاً محاولاً التذكر. وعندما فرغت من الوضوء كانوا قد انتهوا من صلاة المغرب لكن الشيخ لم يصلِّ بعد وكان بانتظاري ثم صلّينا معاً والحمد لله نشأت بيننا صداقة طيبة من بعد ذلك، فقد استمريت في مقابلته يومياً بعد ذلك لمدة أسبوع حيث علمني سورة الفاتحة وأركان الإسلام.

قبل الإسلام لم أكن أعرف ما الذي يجب أن أفعله وما الذي أريده وما الطريقة المُثلى للعيش.

كنت أعيش وفقاً لفلسفتي الخاصة منجرفاً إلى العديد من العادات السيئة ولكن الحمد لله هداني ربي إلى الطريق الصحيح قبل الوقوع في الطريق السيء.

الكثير قد يجادل بأنَّ السبب وراء اعتناقي الدين الإسلامي هو عاطفتي. ولكن لم تكن الأسباب كذلك، لأنني كنت مقتنعاً أصلاً بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الحق لكنني كنت بحاجة إلى دفعة في الاتجاه الصحيح. فهذه الحادثة جعلتني أعي أنني قد أموت في أي دقيقة وكانت الحادثة إشارة لي بما أنني كنت مقتنعاً بالإسلام فلماذا أنتظر حتى أبلغ العشرين أو الثلاثين أو الأربعين من عمري؟ ولهذا أسلمت وبذلت جهداً في تعلّم الإسلام وأركانه ومبادئه.

أتوق إلى شهر رمضان هذا العام، وأستمتع باختباره مجدداً. نؤدي الشعائر الدينية بشكل أفضل كقراءة الأدعية والذهاب إلى المسجد دوماً وتلاوة القرآن الكريم.

أنا الآن أكثر اقتناعاً من قبل بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الصحيح لأنني رأيت براهين القرآن الكريم ومعجزاته.

حياتي بعد الإسلام تحسّنت كثيراً، فالإسلام هداني إلى الاتجاه الصحيح للحياة وهو أن أعيش حياة مستقيمة ومتديّنة بعد أن كنت متخبطاً قبل ذلك.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

جيل الشباب هذه المسالك المهلكة وفقد سلاح الايمان ومقدرته الجسدية ، فيجب ان يعلم عبوديته للأجانب حتمية.

٣ ـ الحرية من أفضل النعم

من الطريف انّ الآية أعلاه بعد ان ذكرت «ايّام الله» اشارت بصراحة الى يوم واحد منها ، وهو يوم نجاة بني إسرائيل من قبضة الفراعنة( إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ) انّ تاريخ بني إسرائيل مليء بالايّام العظيمة التي وهبهم الله فيها النعم الكبيرة تحت ظلّ هداية موسى ، ولكن ذكر (يوم النجاة) في الآية أعلاه دليل على اهميّة الحرية والاستقلال في مصير الأمم.

نعم لا تستطيع اي امّة ان تظهر نبوغها واستعدادها الّا من خلال قطع التبعية للاجنبي والتحرّر من قبضة الاستعمار واسره. ولا يمكن ان ترفع قدما في سبيل الله الّا من خلال محاربة الشرك والظلم.

ولهذا السبب كان العمل الاوّل للقادة الإلهيين هو تحرير الشعوب من التبعيّة الفكرية والثقافية والسياسيّة والاقتصادية ، ثمّ العمل في إيجاد البرامج التوحيديّة والانسانيّة لهم.

٤ ـ الشكر سبب لزيادة النعم والكفر سبب للفناء

ممّا لا شكّ فيه انّ الله سبحانه وتعالى ليس بحاجة الى شكرنا في مقابل نعمه علينا ، وإذا أمرنا بالشكر فذاك لنستوجب نعمة اخرى وهي واحدة من المبادئ السامية في التربية.

المهمّ ان نعرف ما هي حقيقة الشكر؟ لكي يتّضح علاقته في زيادة النعمة من اين؟ وكيف تستطيع ان تكون عاملا مهمّا للتربية؟

انّ حقيقة الشكر ليس فقط ما يقوله الإنسان (الحمد لله) او الشكر اللفظي ، بل

٤٦١

هناك ثلاث مراحل للشكر :

الاولى : يجب ان نعلم من هو الواهب للنعم؟ هذا العلم والايمان الركن الاوّل للشكر.

والثّانية : الشكر باللسان.

والثّالثة : وهي الاهمّ الشكر العملي ، اي ان نعلم الهدف من منحنا للنعمة ، وفي ايّ مورد نصرفها ، والّا كفرنا بها ، كما قال العظماء : (الشكر صرف العبد جميع ما أنعمه الله تعالى فيما خلق لأجله).

لماذا أعطانا الله تعالى العين؟ ولماذا وهبنا السمع والنطق؟ فهل كان السبب غير ان نرى عظمته في هذا العالم ، ونتعرّف على الحياة؟

وبهذه الوسائل نخطو الى التكامل ، ندرك الحقّ وندافع عنه ونحارب الباطل ، فإذا صرفنا النعم الالهيّة في هذا المسير كان ذلك هو الشكر العملي له ، وإذا أصبحت هذه الأدوات وسيلة للطغيان والغرور والغفلة والابتعاد عن الله فهذا هو عين الكفران!

يروى عن الامام الصادقعليه‌السلام انّه قال : «ادنى الشكر رؤية النعمة من الله من غير علّة يتعلّق القلب بها دون الله ، والرضا بما أعطاه ، وانّ لا تعصيه بنعمة وتخالفه بشيء من امره ونهيه بسبب من نعمته»(١) .

وهنا يتّضح انّ شكر العلم والمعرفة والفكر والمال والسلامة ، كلّ واحد منها من اي طريق يتمّ؟ وكيف يكون كفرانها؟

الحديث الوارد عن الامام الصادقعليه‌السلام دليل واضح على هذه التّفسيرات حيث يقول : «شكر النعمة اجتناب المحارم»(٢) .

وتتّضح ايضا هذه العلاقة بين الشكر وزيادة النعمة ، لانّ الناس لو صرفوا

__________________

(١) سفينة البحار ، المجلّد الاوّل ، ٧١٠.

(٢) نور الثقلين ، ج ٢ ، ٥٢٩.

٤٦٢

النعم الالهيّة في هدفها الحقيقي ، فسوف يثبتون عمليّا استحقاقهم لها وتكون سببا في زيادة الفيوضات الالهيّة عليهم.

من الثابت انّ هناك نوعين من الشكر ، (شكر تكويني) و (شكر تشريعي).

«الشكر التكويني» هو ان يستفيد الكائن الحي من مواهبه في نموّه ورشده ، فمثلا يرى المزارع انّ القسم الفلاني من مزرعته تنمو فيه الأشجار بشكل جيد ، وكلّما يخدمها اكثر تنتج اكثر ، فهذا الأمر سوف يؤدّي الى ان يقوم المزارع على خدمة وتربية ذلك القسم بشكل اكبر ، ويوصي مساعديه بها ، لانّ الأشجار تناديه بلسان حالها : ايّها المزارع ، نحن لائقون مناسبون ، افض علينا من النعم ، وهو يجيبهم بالاثبات.

امّا إذا راى في قسم آخر أشجارا ذابلة ويابسة وليس لها ثمر ، فكفران النعمة من قبلها بهذه الصورة يسبّب عدم اعتناء المزارع بها ، وإذا استمرّ الوضع بهذا الحال سوف يقوم بقلعها.

وهذه الحالة موجودة في عالم الانسانيّة بهذا التفاوت ، وهو انّ الأشجار ليس لها الاختيار ، بل هي خاضعة للقوانين التكوينيّة ، امّا الإنسان فباستفادته في ارادته واختياره وتربيته التشريعيّة يستطيع ان يخطو في هذا المجال خطوات واثقة.

ولذلك فمن يستخدم نعمة القوّة في الظلم ، ينادي بلسان حاله : الهي ، انا غير لائق لهذه النعمة ، ومن يستخدمها لاقامة الحقّ والعدالة يقول بلسان حاله : الهي ، انا مناسب ولائق فزد نعمتك عليّ!

وهناك حقيقة غير قابلة ـ ايضا ـ للترديد ، وهي انّنا في كلّ مرحلة من مراحل الشكر الالهي ـ ان كان باللسان او العمل ـ سوف نحتاج الى شكر جديد لمواهب وعطايا جديدة ، ولذلك فلسنا قادرين ان نؤدّي حقّ الشكر ، كما نقرا في مناجاة الشاكرين للإمام زين العابدين علي بن الحسينعليه‌السلام : «كيف لي بتحصيل

٤٦٣

الشكر وشكري ايّاك يفتقر الى شكر ، فكلّما قلت لك الحمد وجب عليّ لذلك ان أقول لك الحمد»!

ولهذا فإنّ أعلى مراحل الشكر ان يظهر الإنسان عجزه امام شكر نعمائه تعالى ، كما

جاء في الحديث عن الامام الصادقعليه‌السلام قال : «فيما اوحى اللهعزوجل الى موسى : اشكرني حقّ شكري ، فقال : يا ربّ ، وكيف أشكرك حقّ شكرك ، وليس من شكر أشكرك به الّا وأنت أنعمت به عليّ؟ قال : يا موسى ، الآن شكرتني حين علمت انّ ذلك مني»(١) .

هناك عدّة نقاط في مجال شكر النعمة :

١ ـ قال الامام عليعليه‌السلام في احدى حكمه : «إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلّة الشكر»(٢) .

٢ ـ يجب الالتفات الى هذا الموضوع ، وهو انّ الشكر والحمد ليس كافيا في مقابل نعمائه تعالى ، بل يجب ان نشكر ـ كذلك ـ الأشخاص الذين كانوا وسيلة لهذه المواهب ونؤدّي حقوقهم من هذا الطريق ، ونشوّقهم اكثر بالخدمة في هذا السبيل ، كما نقرا في الحديث عن الامام علي بن الحسينعليه‌السلام قال : «وانّ الله يحبّ كلّ قلب حزين ويحبّ كلّ عبد شكور ، يقول الله تبارك وتعالى لعبد من عبيده يوم القيامة : أشكرت فلانا؟ فيقول : بل شكرتك يا ربّ ، فيقول : لم تشكرني إذ لم تشكره ، ثمّ قال : أشكركم لله أشكركم للناس»(٣) .

٣ ـ انّ الوعد في زيادة نعم الشاكرين لا ينحصر في النعم المادية فقط ، بل الشكر نفسه مصحوبا بالتوجّه الخاص لله والحبّ لساحته المقدّسة هو واحد من النعم الالهيّة الروحيّة الكبيرة ، والتي لها تأثير كبير في تربية نفوس الناس ،

__________________

(١) اصول الكافي ، المجلّد الرابع ، صفحة ٨٠ باب الشكر.

(٢) نهج البلاغة الكلمات القصار ، رقم ١٣.

(٣) اصول الكافي ، الجزء الثّاني ـ ص ٩٩ ـ ح ٣٠.

٤٦٤

ودعوتهم لطاعة الأوامر الالهيّة ، بل الشكر ذاته طريق الى معرفة الله ، ولهذا السبب ورد عن علماء العقائد في علم الكلام انّ وجوب شكر المنعم طريق الى اثبات وجوب معرفة الله.

٤ ـ انّ احياء روح الشكر في المجتمع وتقديمه الى مستحقّيه وتقديرهم وحمدهم وثنائهم على خدمتهم في طريق تحقيق الاهداف الاجتماعية بعلمهم ومعرفتهم وإيثارهم واستشهادهم ، هو عامل مهمّ في حركة ورقيّ المجتمع.

ففي المجتمع الفاقد للشكر والتقدير نجد القليل جدّا ممّن يريد الخدمة ، وعلى العكس فالمجتمع الذي يقيّم ويثني على خدمات الأشخاص ، يكون اكثر نشاطا وحيوية.

والالتفات الى هذه الحقيقة ادّى الى ان تقام في عصرنا مراسيم احتفال لتقدير وشكر الأساطين في الذكرى المئوية ، او الذكرى الالفية ، وضمن هذا الشكر لخدماتهم يدعى الناس الى الحركة والسعي بشكل اكبر.

احياء هذه الذكريات يساعد على ترشيد الإيثار والتفاني لدى الآخرين ، فيرتفع المستوى الثقافي والاخلاقي لدى الناس ، وبتعبير القرآن فإنّ شكر هذه النعمة سوف يبعث على الزيادة ، ومن دم شهيد واحد يبعث آلاف المجاهدين ، ويكون مصداقا حيّا ل( لَأَزِيدَنَّكُمْ ) .

* * *

٤٦٥

الآيات

( وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (٨) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩) قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٠) )

التّفسير

أفي الله شكّ؟

الآية الاولى من هذه المجموعة تؤيّد وتكمل البحث السابق في الشكر

٤٦٦

والكفران ، وذلك ضمن الكلام الذي نقل عن لسان موسىعليه‌السلام ( وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ) (١) .

انّ الشكر والايمان بالله ـ في الواقع ـ سبب في زيادة النعم والتكامل الانساني ، والّا فاللهعزوجل ليس بحاجة الى اي شيء ، ولو كفرت جميع الكائنات ولم تحمده لا تمسّ كبرياءه بأدنى ضرر ، لانّه حميد في ذاته.

ولو كان محتاجا لم يكن واجب الوجود ، وعلى هذا فمفهوم الغني هو اشتماله لجميع الكمالات ، وإذا كان كذلك فهو محمود في ذاته ، لانّ «الحميد» من استحقّ الحمد.

ثمّ يشرح مصير الفئات من الأقوام السابقة ضمن عدّة آيات ، الفئات التي كفرت بأنعم الله وخالفت الدعوة الالهيّة ، وهي تأكيد للآية السابقة يقول تعالى :( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) .

يمكن ان تكون هذه الجملة تعقيبا على كلام موسى ، او بيان مستقلّ يخاطب به المسلمين ، لكن النتيجة غير متفاوتة كثيرا ، ثمّ يضيف تعالى :( قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ) فهؤلاء لم يطّلع على اخبارهم الّا الله( لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ ) (٢) .

ممّا لا شكّ فيه انّ قسما من اخبار قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم قد وصلتنا ، ولكن لم يصلنا القسم الأكبر منها ولا يعلمها الّا الله ، فتاريخ الأقوام الماضية مليء بالاسرار والخصوصيّات بحيث لم يصل إلينا منها الّا القليل. ولكي يوضّح القرآن الكريم مصيرهم يقول :( جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ ) اي وضعوا أيديهم على أفواههم من التعجّب والإنكار( وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا

__________________

(١) «إِنْ تَكْفُرُوا » جملة شرطيّة تقديرها محذوف ، وجملة «انّ الله لغني حميد» تدلّ على ذلك وكان التقدير «ان تكفروا لا تضرّوا الله شيئا».

(٢) جملة( لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ ) قد تكون معطوفة على ما قبلها والواو محذوفة ، وقد تكون جملة وصفية للجملة السابقة.

٤٦٧

بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ ) . لماذا؟ بسبب( وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ) . ومعه كيف يمكننا ان نؤمن بما تدعونا اليه؟

ويرد هنا سؤال ، وهو انّهم أظهروا الكفر وعدم الايمان بالرّسول في البداية ، ولكن بعد ذلك أظهروا الشكّ والريب ، فكيف ينطبق الاثنان؟

الجواب : انّ بيان الشكّ والترديد ـ في الحقيقة ـ علّة لعدم الايمان ، لانّ الايمان بحاجة الى اليقين ، والشكّ مانع لذلك.

وبما انّ الآية السابقة بيّنت قول المشركين والكفّار في عدم ايمانهم بسبب شكّهم وترديدهم ، فالآية بعدها تنفي هذا الشكّ من خلال دليل واضح وعبارة قصيرة حيث يقول تعالى :( قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) .

مع انّ «فاطر» من «فطر» وهي في الأصل بمعنى «شقّ» الّا انّه هنا كناية عن «الخلق» فالخالق هو الموجد للأشياء على أساس نظام دقيق ثمّ يحفظها ويحميها ، كأنّ ظلمة العدم شقّت بنور الوجود ، وكما يطلع الفجر من عتمة الليل ، وكما يتشقّق التمر من غلافه.

ولعلّ «فاطر» تشير الى تشقّق المادّة الاوّلية للعالم. كما نقرأ في العلوم الحديثة انّ مجموع مادّة العالم كانت واحدة مترابطة ثمّ انشقّت الى كراة مختلفة.

وعلى ايّة حال ، فالقرآن الكريم هنا ـ كما في اغلب الموارد الاخرى ـ يستند لاثبات وجود الخالق وصفاته الى نظام الوجود وخلق السّماوات والأرض ، ونحن نعلم انّه ليس هناك أوضح من هذا الدليل لمعرفة الله ، لانّ هذا النظام العجيب مليء بالاسرار في كلّ زواياه ، وينادي بلسان حاله : ليس هناك من له القدرة على هذه الهندسة الّا القادر الحكيم والعالم المطلق ، ولهذا السبب فكلّما تقدّمت العلوم ظهرت اسرار تدلّ على الخالق اكثر من السابق وتقرّبنا من الله في كلّ لحظة.

وما اكثر العجائب في القرآن؟ فكلّ بحوث معرفة الله والتوحيد ـ والتي

٤٦٨

وردت بصيغة الاستفهام الانكاري ـ اشارت إليها هذه العبارة :( أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) وهذه العبارة إذا أردنا تجزئتها وتحليلها بشكل موسّع لا تكفيها آلاف الكتب.

انّ مطالعتنا لاسرار الوجود ونظام الخلقة لا تهدينا الى وجود الله فحسب ، بل الى صفاته الكمالية ايضا كعلمه وقدرته وحكمته.

ثمّ يجيب القرآن الكريم على ثاني اعتراض للمخالفين ، وهو اعتراضهم على مسألة الرسالة (لانّ شكّهم كان في الله وفي دعوة الرّسول) ويقول انّ من المسلّم انّ الله القادر والحكيم لا يترك عباده بدون قائد ، بل انّه بإرسال الرسل :( يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ) (١) .

وزيادة على ذلك فإنّه( وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) كيما تسلكوا سبيل التكامل وتستفيدوا من موهبة الحياة بأقصى ما يمكنكم.

انّ غاية دعوة الأنبياء أمران : أحدهما غفران الذنوب ، بمعنى تطهير الروح والجسم والمحيط الانساني ، والثّاني استمرار الحياة الى الوقت المعلوم ، والاثنان علّة ومعلول ، فالمجتمع الذي يستمرّ في وجوده هو المجتمع النقي من الظلم والذنوب.

ففي طول التاريخ أبيدت مجتمعات كثيرة بسبب الظلم والذنوب واتّباع الهوى ، وبتعبير القرآن لم يصلوا( إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) .

روي في حديث جامع عن الامام الصادقعليه‌السلام قال : «من يموت بالذّنوب اكثر ممّن يموت بالآجال ، ومن يعيش بالإحسان اكثر ممّن يعيش بالأعمال»(٢) .

__________________

(١) هناك جدل بين المفسّرين في معنى «من» ، فقال بعضهم بالتبعيض ، اي يغفر قسما من ذنوبكم ، وهذا الاحتمال ضعيف لانّ الايمان يؤدّي الى غفران الذنوب كلّها (الإسلام يجب ما قبله) واحتمل البعض الآخر انّ «من» بدل ، فيكون معنى الجملة يدعوكم ليغفر ذنوبكم بدل الايمان ، وقال آخرون : انّ «من» هنا زائدة للتأكيد ، ومعناه : انّ الله تعالى يدعوكم للايمان ليغفر لكم ذنوبكم ، وهذا التّفسير نراه اقرب الى الصحّة.

(٢) سفينة البحار ، المجلّد الاوّل ، ص ٤٨٨.

٤٦٩

وعن الامام الصادق ايضا : «انّ الرجل يذنب فيحرم صلاة الليل ، وانّ العمل السيء اسرع في صاحبه من السكّين في اللحم»(١) .

ونستفيد من هذه الآية ـ ضمنيا ـ انّ الايمان بدعوة الأنبياء والعمل بأحكامها يأخذ طابع الأجل المعلّق ، وتستمرّ حياة الإنسان الى «اجل مسمّى» (لانّنا نعلم انّ للإنسان نوعين من الآجال ، اجل محتوم ويكون بانتهاء الحياة في جسم الإنسان ، وأجل معلّق ويكون بفناء الإنسان على اثر عوامل وموانع في وسط العمر ، وهذا غالبا ما يكون بسبب اللامبالاة وارتكاب الذنوب ، وقد بحثنا هذا الموضوع في ذيل الآية (٢) من سورة الانعام).

ومع كلّ ذلك لم يقبل الكفّار المعاندون دعوة الحقّ المصحوبة بوضوح منطق التوحيد ، ومن خلال بيانهم المشوب بالعناد وعدم التسليم كانوا يجيبون الأنبياء بهذا القول :( قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا ) علاوة على ذلك( تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا ) واكثر من ذلك( فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ ) .

وقد ذكرنا مرارا (كما صرّح القرآن بذلك) انّ كون الأنبياء بشرا ليس مانعا لنبوّتهم ، بل هو مكمّل لها ، ولكن أولئك الأقوام يوردون هذه الحجّة دليلا لانكار الرسالة ، والهدف ـ غالبا ـ هو التبرير والعناد.

وكذلك الحال في الاستنان بسنّة الأجداد ، فإنّها وبالنظر الى هذه الحقيقة وهي انّ معرفة الأجيال القادمة اكثر من الماضين ، لا تعدو سوى خرافة وجهل.

ويتّضح من هنا انّ طلبهم لم يكن لاقامة البرهان الواضح ، بل لهروبهم من الحقيقة ، لانّ القرآن الكريم ـ كما قرانا مرارا ـ انّ هؤلاء المعاندين أنكروا الآيات الواضحة والدلائل البيّنة ، وكانوا يقترحون في كلّ مرّة معجزة ودليلا للتهرّب من الأمر الواقع.

وعلى كلّ حال نقرا في الآيات القادمة كيف أجابهم الأنبياء.

* * *

__________________

(١) سفينة البحار ، المجلّد الاوّل ، ص ٤٨٨.

٤٧٠

الآيتان

( قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢) )

التّفسير

التوكّل على الله وحده :

نقرا في هاتين الآيتين جواب الرسل على حجج المخالفين المعاندين ، واعتراضهم على بشرية الرسل ، فكان جوابهم :( قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ) يعني لو افترضنا انّ الله تعالى أرسل لكم ملائكة بدل البشر ، فهي لا تمتلك شيئا لذاتها ، فكلّ المواهب ومن جملتها موهبة الرسالة والقيادة هي من عند الله ، فالذي يستطيع ان يهب الملائكة هذا المقام قادر ان يعطيها للإنسان.

وبديهي انّ هذه المنح من قبل الله ليست بدون حساب ، وقد قلنا مرارا : انّ

٤٧١

المشيئة الالهيّة تساير حكمته تعالى ، فعند ما نسمع قول القائل : «انّ الله إذا أراد بعبد خيرا ...» يكون المراد العبد المستعدّ لهذه الموهبة. ومن المعلوم انّ مقام الرسالة موهبة الهيّة ، ونحن نرى انّ الأنبياء بالاضافة الى الرسالة الالهيّة لهم استعداد واهلية لتحمّلها.

ثمّ يجيب على السؤال الثّالث دون ان يجيب على الثاني ، وكأنّ الاعتراض الثّاني الذي هو الاستنان بسنّة الأجداد ليس له اي اهميّة وفارغ من المحتوى بحيث انّ ايّ انسان عاقل ـ بأقلّ تأمّل ـ يفهم جوابه ، بالاضافة الى انّ القرآن الكريم قد أجاب عنه في آيات أخر.

وجواب السؤال الثّالث هو انّ عملنا ليس الإتيان بالمعاجز ، فنحن لا نجلس في مكان ونلبّي لكم المعاجز الاقتراحية وكلّ ما سوّلت لكم أنفسكم ، بل( ما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ) .

ومع ذلك فإنّ كلّ نبي كان يظهر لقومه المعاجز بمقدار كاف بدون ان يطلبها الناس منه ، وذلك لكي يثبت الأنبياء احقّيتهم ولتكون المعاجز سندا لصدقهم ، مع انّ مطالعة دعوتهم وحدها اكبر اعجاز لهم ، ولكن المعترضين غالبا لم يصغوا لذلك ، وهم يقترحون كلّ يوم شيئا جديدا ، فإن لم يستجب لهم الرّسول ، يقيموا الدنيا ويقعدوها. ولكي يردّ الرسل على تهديداتهم المختلفة يقولون :( وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) .

وبعد ذلك استدلّ الأنبياء على مسألة التوكّل حيث قالوا :( وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا ) فالذي منحنا أفضل المواهب ، يعني موهبة الهداية الى طرق السعادة ، سوف يقوم بحمايتنا في مقابل اي هجوم او مشكلة تعترضنا.

ثمّ أضافوا : انّ ملاذنا هو الله ، ملاذ لا يقهر وهو فوق كلّ شيء :( وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا ) وأخيرا انهوا كلامهم بهذه الجملة :( وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) .

* * *

٤٧٢

ملاحظات

١ ـ ما هو معنى التوكّل؟

قرانا في الآية الاولى( فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) وفي الآية الثانية( فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) وكأنّ الجملة الثانية تشير الى مرحلة أوسع واعمّ من الجملة الاولى ، يعني انّ توكّل المؤمنون ممّا لا شكّ فيه ـ لانّ الايمان بالله غير منفصل عن الايمان بقدرته وحمايته والتوكّل عليه ـ بل حتّى غير المؤمنين ملجأهم الى الله ولا يجدون سبيلا غيره ، لانّ غيره فاقد للأشياء ، وكلّ ما في الوجود ملك لذاته المقدّسة ، ولذلك يجب ان يجعلوه وليّا لهم ، ويطلبوا منه ان يهديهم توكّلهم هذا للايمان بالله.

٢ ـ المعاجز بيد الله تعالى

أجابت الآيات أعلاه ـ بشكل واضح ـ الأشخاص الذين كانوا ينكرون اعجاز الرسل. او ينكرون معاجز رسول الإسلام غير القرآن ، وتعلّمنا هذه الآيات انّ الرسل لم يقولوا ابدا : نحن لا نأتي بالمعاجز ، بل انّ الأوامر الالهيّة كانت تمنعهم من ذلك ، لانّ الاعجاز بيده وفي اختياره ، وكلّ ما يراه مصلحة يأمرنا به.

٣ ـ ما هي حقيقة وفلسفة التوكّل؟

«التوكّل» في الأصل من «الوكالة» وكما قال الراغب : التوكيل ان تعتمد على غيرك وتجعله نائبا عنك. ونحن نعلم انّ الوكيل الصالح له اربع خصال رئيسيّة : العلم الكافي ، والامانة ، والقدرة ، والمبالغة في رعاية مصلحة موكّله. فانتخاب الوكيل المحامي يتمّ في الأعمال التي لا يستطيع الإنسان نفسه ان يدافع عنها ، فيستفيد من مساعدة قوّة الآخرين في حلّ مشاكله.

وعلى ذلك فالتوكّل على الله يتمّ في حالة عدم استطاعة الإنسان من حلّ

٤٧٣

المشاكل الحياتية وفي مقابل الأعداء وإصرار المخالفين ، وأحيانا في الطرق المسدودة التي تواجهه في مسيرة اهدافه. ولذلك فهو يستند الى الله جلّ وعلا ويستمر في سعيه ، بل حتّى لو كان مستطيعا في أداء اعماله ، فيجب ان يعلم انّ الله هو المؤثّر الاصلي ، لانّ الله تعالى في نظر المؤمن هو منبع لكلّ القدرات.

والنقطة التي تقابل التوكّل على الله هي التوكّل على غيره ، يعني الاتّكالية في الحياة والتبعية للآخرين ، وعدم الاستقلاليّة ، يقول علماء الأخلاق : التوكّل الثمرة المباشرة لتوحيد افعال الله ، لانّه ـ وكما قلنا ـ من وجهة نظر المؤمن يرتبط كلّ ما في الكون بالنهاية بذات الله المقدّسة ، ولذلك فالموحّد يرى انّ جميع اسباب القدرة والنصر من عند الله.

فلسفة التوكّل

نستفيد ممّا ذكرناه انّه :

اوّلا : انّ الإنسان سوف تزداد مقاومته للمشاكل الصعبة لتوكّله على الله الذي هو منبع جميع القدرات والاستطاعات.

ولهذا السبب فعند ما انهزم المسلمون في «احد» يقول تعالى :( الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) .(١)

وهناك نماذج اخرى للمقاومة والثبات في ظلّ التوكّل ، ومن جملتها الآية ١٢٢ من آل عمران يقول تعالى :( إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) .

وفي الآية (١٢) من سورة ابراهيم يقول تعالى :( وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا ) .

__________________

(١) آل عمران ، ١٧٣.

٤٧٤

وفي الآية (١٥٩) آل عمران( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) .

وكذلك يقول القرآن الكريم :( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) .(١)

نستفيد من مجموع هذه الآيات انّ القصد من التوكّل ان لا يحسّ الإنسان بالضعف في مقابل المشكلات العظيمة ، بل بتوكّله على قدرة الله المطلقة يرى نفسه فاتحا ومنتصرا ، وبهذا الترتيب فالتوكّل عامل من عوامل القوّة واستمداد الطاقة وسبب في زيادة المقاومة والثبات. وإذا كان التوكّل يعني الجلوس في زاوية ووضع احدى اليدين على الاخرى ، فلا معنى لأن يذكره القرآن بالنسبة للمجاهدين وأمثالهم.

وإذا اعتقد البعض انّ التوكّل لا ينسجم مع التوجه الى العلل والأسباب والعوامل الطبيعيّة ، فهو في خطأ كبير ، لانّ فصل العوامل الطبيعيّة عن الارادة الالهيّة يعتبر شركا بالله ، او ليست هذه العوامل تسير بأوامر ومشيئة الله؟

نعم إذا اعتقدنا انّ العوامل مستقلّة عن ارادته فهي لا تتناسب مع روح التوكّل. فهل من الصحيح ان نفسّر التوكّل بهذا التّفسير ، مع انّ الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو راس المتوكّلين لم يغفل من استخدام الخطط الصحيحة والاستفادة من الفرص المتاحة وانواع الوسائل والأسباب الظاهرية لتحقيق اهدافه ، انّ هذا يثبت انّ التوكّل ليس له مفهوم سلبي.

ثانيا : انّ التوكّل ينجّي الإنسان من التبعية التي هي اصل الذلّ والعبودية ، ويمنحه الحرية والاعتماد على النفس.

«التوكّل» و «القناعة» لهما جذور مشتركة ، وفلسفتهما متشابهة ، وفي نفس الوقت متفاوتة ، ولا بأس هنا ان نذكر عدّة روايات في مجال التوكّل وأصله

__________________

(١) النحل ، ٩٩.

٤٧٥

وجذوره : عن الامام الصادقعليه‌السلام قال : «انّ الغنا والعزّ يجولان ، فإذا ظفرا بموضع التوكّل أوطنا»(١) وقد عرّف الامام التوكّل بأنّه موطن العزّة وعدم الحاجة للآخرين.

وعن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : سألت جبرئيل : ما هو التوكّل؟ قال : (العلم بأنّ المخلوق لا يضرّ ولا ينفع ، ولا يعطي ولا يمنع ، واستعمال اليأس من الخلق فإذا كان العبد كذلك لم يعمل لأحد سوى الله ولم يطمع في احد سوى الله فهذا هو التوكّل)(٢) .

وسئل الامام الرضاعليه‌السلام : ما حدّ التوكّل؟ فقال : «ان لا تخاف مع الله أحدا»(٣) .

* * *

__________________

(١) اصول الكافي ، المجلّد الثّاني ، باب التفويض الى الله والتوكّل عليه حديث ـ ٣.

(٢) بحار الأنوار ، ج ١٥ القسم الثّاني في الأخلاق ، ص ١٤ الطبعة القديمة.

(٣) سفينة البحار ، المجلد الثّاني ، ص ٦٨٢.

٤٧٦

الآيات

( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (١٤) وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (١٧) )

التّفسير

خطط الجبّارين المعاندين ومصيرهم!

عند ما يعلم الظالمون بضعف منطقهم وعقيدتهم ، يتركون الاستدلال ، ويلجأون الى القوّة والعنف ، ونقرا هنا انّ الأقوام الكافرة العنيدة عند ما سمعوا منطق الأنبياء المتين والواضح قالوا لرسلهم :( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا ) وكأنّ هؤلاء القوم يعتبرون جميع ما

٤٧٧

في الأرض ملكهم ، حتّى انّهم لم يمنحوا لرسلهم حقوق المواطنة ، ولذلك يقولون «أرضنا». وفي الحقيقة فإنّ الله سبحانه وتعالى خلق الأرض وكلّ مواهبها للصالحين ، وهؤلاء الجبابرة في الواقع ليس لهم اي حقّ فيها.

وقد يتوهّم البعض انّ جملة( لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا ) اشارة الى انّ الأنبياء السابقين كانوا من أنصار عبادة الأصنام ، مع انّ الحقيقة ليست كذلك ، لانّهم ـ وبصرف النظر عن كونهم معصومين حتّى قبل نبوّتهم ـ فعقلهم ودرايتهم كان اكبر من ان يفعلوا هذا العمل غير الحكيم ، فيسجدوا امام الأحجار والأخشاب.

ويمكن ان يكون هذا التعبير بسبب انّ الأنبياء قبل بعثهم لم يؤمروا بالتبليغ ، فسكوتهم أوجد هذا الوهم بأنّهم من المشركين.

بالاضافة الى انّ الخطاب وان كان موجّها للرسل ، الّا انّه في الواقع يشمل حتّى الاصحاب ، ونعلم انّهم كانوا مع المشركين من قبل ، فنظر المشركين كان منصرفا الى الاصحاب فقط ، وتعبير «لتعودنّ» من باب التغليب (يعني حكم الاكثرية يسري على العموم).

وهناك جواب آخر لهذا الوهم وهو انّ «عود» إذا عدّيت بـ «الى» يكون معناها الرجوع ، وإذا عديت بـ «في» فتفيد تغيير الحال لذلك فمعنى الآية( لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا ) يكون مفهومها ان تغيّروا من حالكم وتدخلوا في ملّتنا ، وقد اختار هذا المعنى العلّامة الطباطبائي في الميزان ، ولكن عند مراجعتنا لبعض الآيات ومنها( كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها ) تبيّن ان «عود» حتّى لو عدّيت بـ «في» فمعناها الرجوع ايضا (فتدبّر).

ثمّ يضيف القرآن الكريم لتسلية قلوب الأنبياء( فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ) فلا تخافوا من وعيدهم ، ولا تظهروا الضعف في ارادتكم.

وبما انّ الظالمين كانوا يهدّدون الأنبياء بالتبعيد عن أرضهم ، فإنّ الله في مقابل ذلك كان يعد الأنبياء( وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ) ولكن هذا النصر

٤٧٨

والتوفيق لا يناله الّا( ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ ) فلطفه ومنّه ليس بدون حساب ودليل ، ولا يناله الّا من احسّ بمسؤوليته في مقابل العدل الالهي ، لا الظالمين والمعاندين لطريق الحقّ.

وحين انقطعت الأسباب بالأنبياء من كلّ جانب ، وادّوا جميع وظائفهم في قومهم ، فآمن منهم من آمن ، وبقي على الكفر من بقي ، وبلغ ظلم الظالمين مداه ، في هذه الأثناء طلبوا النصر من الله تعالى( وَاسْتَفْتَحُوا ) وقد استجاب اللهعزوجل دعاء المجاهدين المخلصين( وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) .

«خاب» من الخيبة بمعنى فقدان المطلوب.

و «جبّار» بمعنى المتكبّر هنا ، ورد في الحديث انّ امراة جاءت النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمرها بشيء ، فلم تطعه فقال النّبي : دعوها فإنّها جبّارة(١) .

وتطلق هذه الكلمة أحيانا على الله جلّ وعلا فتعطي معنى آخر ، وهو (جبر وإصلاح من هو بحاجة الى الإصلاح) او بمعنى (المتسلّط على كلّ شيء)(٢) .

و «العنيد» في الأصل من «العند» على وزن (رند) بمعنى الاتّجاه ، وجاءت هنا بمعنى الانحراف عن طريق الحقّ.

ولذلك نقرا في رواية عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «كلّ جبّار عنيد من ابى ان يقول لا اله الّا الله».(٣)

وعن الامام الباقرعليه‌السلام قال : «العنيد المعرض عن الحقّ».(٤)

ومن الطريف انّ «جبّار» تشير الى صفة نفسانية بمعنى روح العصيان ، و «عنيد» تشير الى آثار تلك الصفة في افعال الإنسان حيث تصرفه عن طريق الحقّ. ثمّ يبيّن نتيجة عمل الجبّارين في الآخرة ضمن آيتين في خمسة مواضع :

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ذيل الآية.

(٢) للتوضيح اكثر راجع تفسير الآية (٤٣) من سورة المائدة من تفسيرنا هذا.

(٣) نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٥٣٢.

(٤) المصدر السابق.

٤٧٩

١ ـ على اثر هذه الخيبة ، او انّ مثل هذا الشخص :( مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ ) .

مع انّ كلمة «وراء» بمعنى «الخلف» في مقابل امام ، الّا انّها في هذه الموارد تعني نتيجة وعاقبة العمل.

٢ ـ امّا في جهنّم فإنّه( وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ ) .

«الصديد» القيح المتجمّع بين اللحم والجلد ، وهو بيان للماء المتعفّن الكريه الذي يسقونه.

٣ ـ فهذا المجرم المذنب عند ما يرى نفسه في مقابل هذا الشراب( يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ ) يسيغه : من اساغة ، وهي وضع الشراب في الحلق.

٤ ـ ووسائل التعذيب كثيرة بحيث( وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ ) . حتّى يذوق وبال عمله وسيّئاته.

٥ ـ وقد يتصوّر ان ليس هناك عقابا اكثر من ذلك ، ولكن( وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ ) .

وبهذا الترتيب فإنّ كلّ ما يخطر في ذهن الإنسان وما لا يخطر من شدّة العقاب هو في انتظار هؤلاء الظالمين والجبّارين والمذنبين ، أسوؤها الشراب المتعفّن الكريه ، والعقوبات المختلفة من كلّ طرف ، وفي نفس الوقت عدم الموت ، بل الاستمرار في الحياة وادامة العذاب.

ولكن لا يتصوّر انّ هذا العقاب غير عادل ، لانّه ـ وكما قلنا مرارا ـ النتيجة الطبيعيّة لعمل الإنسان ، بل تجسيم أفعالهم في الآخرة ، فكلّ عمل يجسّم بشكل مناسب ، وإذا ما شاهدنا جنايات بعض المجرمين في عصرنا او في التاريخ القديم لقلنا : حتّى هذه العقوبات قليلة.

* * *

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572