الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 572

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 572 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 287831 / تحميل: 5231
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وعنده حقة، أخذت منه، وأعطي معها شاتين أو عشرين درهما. فإن وجبت عليه حقة، وعنده جذعة، أخذت منه، وردّ عليه شاتان أو عشرون درهما.

فأمّا زكاة البقر، فليس في شي‌ء منها زكاة، الى أن تبلغ ثلاثين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها تبيع حولي. ثمَّ ليس فيما زاد عليها شي‌ء، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها مسنّة. وكلّ ما زاد على ذلك، كان هذا حكمه: في كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنّة.

وأمّا الغنم، فليس فيها زكاة، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها شاة. ثمَّ ليس فيها شي‌ء، الى أن تبلغ مائة وعشرين. فإذا بلغت ذلك، وزادت واحدة، كان فيها شاتان الى أن تبلغ مائتين. فإذا بلغت وزادت واحدة، كان فيها ثلاث شياه الى أن تبلغ ثلاثمائة. فإذا بلغت ذلك، وزادت واحدة، كان فيها أربع شياه. ثمَّ تترك هذه العبرة فيما زاد عليه، وأخذ من كلّ مائة شاة.

وأمّا الخيل إذا كانت عتاقا كان على كلّ واحدة منها في في كلّ سنة ديناران. وإن كانت براذين كان على كلّ واحدة منها دينار واحد. ومن حصل عنده من كلّ جنس تجب فيه الزّكاة أقلّ من النّصاب الذي فيه الزّكاة، وإن كان لو جمع لكان أكثر من النّصاب والنّصابين، لم يكن عليه شي‌ء، حتى

١٨١

يبلغ كلّ جنس منه، الحدّ الذي تجب فيه الزّكاة. ولو أنّ إنسانا ملك من المواشي ما تجب فيه الزّكاة، وإن كانت في مواضع متفرّقة، وجب عليه فيها الزّكاة. وإن وجد في موضع واحد من المواشي ما تجب فيه الزكاة لملّاك جماعة لم يكن عليهم فيها شي‌ء على حال. ولا بأس أن يخرج الإنسان ما يجب عليه من الزّكاة من غير الجنس الذي يجب عليه فيه بقيمته. وإن أخرج من الجنس، كان أفضل.

باب الوقت الذي تجب فيه الزكاة

لا زكاة في الذّهب والفضّة حتّى يحول عليهما الحول بعد حصولهما في الملك. فان كان مع إنسان مال أقلّ ممّا تجب فيه الزّكاة، ثمَّ أصاب تمام النّصاب في وسط السّنة، فليس عليه فيه الزّكاة حتّى يحول الحول على القدر الذي تجب فيه الزّكاة. وإذا استهلّ هلال الشّهر الثّاني عشر، فقد حال على المال الحول، ووجبت فيه الزّكاة. فإن أخرج الإنسان المال عن ملكه قبل استهلال الثّاني عشر، سقط عنه فرض الزّكاة. وإن أخرجه من ملكه بعد دخول الشّهر الثّاني عشر، وجبت عليه الزّكاة، وكانت في ذمّته الى أن يخرج منه.

وأمّا الحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب، فوقت الزّكاة فيها حين حصولها بعد الحصاد والجذاذ والصّرام، ثمَّ ليس فيها

١٨٢

بعد ذلك شي‌ء، وإن حال عليها حول، إلّا أن تباع بذهب أو فضّة، وحال عليهما الحول، فتجب حينئذ فيه الزّكاة.

وأمّا الإبل والبقر والغنم، فليس في شي‌ء منها زكاة، حتّى يحول عليها الحول من يوم يملكها. وكلّ ما لم يحل عليه الحول من صغار الإبل والبقر والغنم، لا تجب فيه الزّكاة. ولا يجوز تقديم الزّكاة قبل حلول وقتها. فإن حضر مستحقّ لها قبل وجوب الزّكاة، جاز أن يعطى شيئا ويجعل قرضا عليه. فإذا جاء الوقت، وهو على تلك الصّفة من استحقاقه لها، احتسب له من الزّكاة. وإن كان قد استغنى، أو تغيّرت صفته التي يستحقّ بها الزّكاة، لم يجزئ ذلك عن الزّكاة، وكان على صاحب المال أن يخرجها من الرأس.

وإذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور ولا يؤخّره. فإن عدم المستحقّ له، عزله عن ماله، وانتظر به المستحق. فإن حضرته الوفاة، وصى به أن يخرج عنه. وإذا عزل ما يجب عليه من الزّكاة، فلا بأس أن يفرّقه ما بينه وبين شهر وشهرين، ولا يجعل ذلك أكثر منه. وما روي عنهمعليهم‌السلام ، من الأخبار في جواز تقديم الزّكاة وتأخيرها، فالوجه فيه ما قدّمناه في أنّ ما يقدّم منه يجعل قرضا، ويعتبر فيه ما ذكرناه، وما يؤخّر منه إنّما يؤخّر انتظار المستحق، فأمّا مع وجوده، فالأفضل إخراجه إليه على البدار حسب ما قدّمناه.

١٨٣

باب مستحق الزكاة وأقل ما يعطى وأكثر

الذي يستحق الزّكاة هم الثّمانية أصناف الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن: وهم الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، و( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ ) ، والغارمون،( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وابن السّبيل.

فأمّا الفقير فهو الذي له بلغة من العيش. والمسكين الذي لا شي‌ء معه. وأمّا العاملون عليها فهم الذين يسعون في جباية الصّدقات.

وأمّا المؤلّفة فهم الذين يتألّفون ويستمالون إلى الجهاد.

(وَفِي الرِّقابِ ) وهم المكاتبون والمماليك الذين يكونون تحت الشّدة العظيمة. وقد روي أنّ من وجبت عليه كفّارة عتق رقبة في ظهار أو قتل خطإ وغير ذلك، ولا يكون عنده، يشترى عنه ويعتق.

والغارمون هم الذين ركبتهم الدّيون في غير معصية ولا فساد.

( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) وهو الجهاد.

وابن السّبيل وهو المنقطع به. وقيل أيضا: إنّه الضّيف الذي ينزل بالإنسان ويكون محتاجا في الحال، وإن كان له يسار في بلده وموطنه.

١٨٤

فإذا كان الإمام ظاهرا، أو من نصبه الإمام حاصلا، فتحمل الزّكاة إليه، ليفرّقها على هذه الثّمانية الأصناف. ويقسم بينهم على حسب ما يراه. ولا يلزمه أن يجعل لكل صنف جزءا من ثمانية، بل يجوز أن يفضّل بعضهم على بعض، إذا كثرت طائفة منهم وقلّت آخرون.

وإذا لم يكن الإمام ظاهرا، ولا من نصبه الإمام حاصلا، فرّقت الزّكاة في خمسة أصناف من الذين ذكرناهم، وهم الفقراء والمساكين( وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ ) وابن السّبيل. ويسقط سهم( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) وسهم السّعاة وسهم الجهاد، لأنّ هؤلاء لا يوجدون إلّا مع ظهور الإمام. لأن الْمُؤَلَّفَةَ( قُلُوبُهُمْ ) إنّما يتألّفهم الإمام ليجاهدوا معه، والسّعاة أيضا إنّما يكونون من قبله في جميع الزّكوات، والجهاد أيضا إنّما يكون به أو بمن نصبه. فإذا لم يكن هو ظاهرا ولا من نصبه، فرّق فيمن عداهم.

والذين يفرّق فيهم الزّكاة ينبغي أن يحصل لهم مع الصّفات التي ذكرناها أن يكونوا عارفين بالحقّ معتقدين له. فإن لم يكونوا كذلك، فلا يجوز أن يعطوا الزّكاة. فمن أعطى زكاته لمن لا يعرف الحق، لم يجزئه، وكان عليه الإعادة. ولو أنّ مخالفا أخرج زكاته الى أهل نحلته، ثمَّ استبصر، كان عليه إعادة الزّكاة. ولا يجوز أن يعطى الزّكاة من أهل المعرفة إلّا أهل السّتر والصّلاح. فأمّا الفسّاق وشرّاب

١٨٥

الخمور فلا يجوز أن يعطوا منها شيئا. ولا بأس أن تعطي الزّكاة أطفال المؤمنين. ولا تعطى أطفال المشركين.

ولا يجوز أن يعطي الإنسان زكاته لمن تلزمه النّفقة عليه مثل الوالدين والولد والجدّ والجدة والزّوجة والمملوك. ولا بأس أن يعطي من عدا هؤلاء من الأهل والقرابات من الأخ والأخت وأولادهما والعمّ والخال والعمّة والخالة وأولادهم.

والأفضل أن لا يعدل بالزّكاة عن القريب مع حاجتهم الى ذلك الى البعيد. فإن جعل للقريب قسط، وللبعيد قسط، كان أفضل.

ومتى لم يجد من تجب عليه الزّكاة مستحقّا لها، عزلها من ماله، وانتظر بها مستحقّها، فإن لم يكن في بلده من يستحقّها فلا بأس أن يبعث بها إلى بلد آخر. فإن أصيبت الزّكاة في الطّريق أو هلكت، فقد أجزأ عنه. وإن كان قد وجد في بلده لها مستحقا، فلم يعطه، وآثر من يكون في بلد آخر، كان ضامنا لها، إن هلكت، ووجب عليه إعادتها.

ومن وصّي بإخراج زكاة، أو أعطي شيئا منها ليفرّقه على مستحقيه، فوجده، ولم يعطه. بل أخّره، ثمَّ هلك، كان ضامنا للمال.

ولا تحلّ الصّدقة الواجبة في الأموال لبني هاشم قاطبة. وهم الذين ينتسبون إلى أمير المؤمنين،عليه‌السلام ، وجعفر

١٨٦

ابن أبي طالب، وعقيل بن أبي طالب، وعبّاس بن عبد المطّلب. فامّا ما عدا صدقة الأموال، فلا بأس أن يعطوا إيّاها. ولا بأس أن تعطي صدقة الأموال مواليهم. ولا بأس أن يعطي بعضهم بعضا صدقة الأموال. وإنّما يحرم عليهم صدقة من ليس من نسبهم.

وهذا كلّه إنّما يكون في حال توسّعهم ووصولهم إلى مستحقّهم من الأخماس. فإذا كانوا ممنوعين من ذلك ومحتاجين إلى ما يستعينون به على أحوالهم، فلا بأس أن يعطوا زكاة الأموال رخصة لهم في ذلك عند الاضطرار.

ولا يجوز أن تعطى الزّكاة لمحترف يقدر على اكتساب ما يقوم بأوده وأود عياله. فإن كانت حرفته لا تقوم به، جاز له أن يأخذ ما يتّسع به على أهله. ومن ملك خمسين درهما يقدر أن يتعيّش بها بقدر ما يحتاج إليه في نفقته، لم يجز له أن يأخذ الزكاة. وإن كان معه سبعمائة درهم، وهو لا يحسن أن يتعيّش بها، جاز له أن يقبل الزّكاة، ويخرج هو ما يجب عليه فيما يملكه من الزّكاة، فيتّسع به على عياله. ومن ملك دارا يسكنها وخادما يخدمه، جاز له أن يقبل الزّكاة. فإن كانت داره دار غلّة تكفيه ولعياله، لم يجز له أن يقبل الزّكاة فإن لم يكن له في غلّتها كفاية، جاز له أن يقبل الزّكاة.

وينبغي أن تعطي زكاة الذّهب والفضّة للفقراء والمساكين

١٨٧

المعروفين بذلك، وتعطي زكاة الإبل والبقر والغنم أهل التّجمّل.

فإن عرفت من يستحقّ الزّكاة، وهو يستحيي من التعرّض لذلك، ولا يؤثر إن تعرفه، جاز لك أن تعطيه الزّكاة وإن لم تعرفه أنّه منها، وقد أجزأت عنك.

وإذا كان على إنسان دين، ولا يقدر على قضائه، وهو مستحقّ لها، جاز لك أن تقاصّه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدّين على ميّت، جاز لك أن تقاصّه منها. وإن كان على أخيك المؤمن دين، وقد مات، جاز لك أن تقضي عنه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدين على والدك أو والدتك أو ولدك، جاز لك أن تقضيه عنهم من الزّكاة.

فإذا لم تجد مستحقا للزّكاة، ووجدت مملوكا يباع، جاز لك أن تشتريه من الزّكاة وتعتقه. فإن أصاب بعد ذلك مالا، ولا وارث له، كان ميراثه لأرباب الزّكاة. وكذلك لا بأس مع وجود المستحقّ أن يشتري مملوكا ويعتقه، إذا كان مؤمنا، وكان في ضرّ وشدّة. فإن كان بخلاف ذلك، لم يجز ذلك على حال.

ومن أعطى غيره زكاة الأموال ليفرقها على مستحقها، وكان مستحقّا للزّكاة، جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يعطي غيره. اللهمّ إلّا أن يعيّن له على أقوام بأعيانهم. فإنّه لا يجوز

١٨٨

له حينئذ أن يأخذ منها شيئا، ولا أن يعدل عنهم الى غيرهم.

وأقلّ ما يعطي الفقير من الزّكاة خمسة دراهم أو نصف دينار. وهو أوّل ما يجب في النّصاب الأوّل. فأمّا ما زاد على ذلك، فلا بأس أن يعطى كلّ واحد ما يجب في نصاب نصاب، وهو درهم إن كان من الدراهم، أو عشر دينار إن كان من الدّنانير، وليس لأكثره حد. ولا بأس أن يعطي الرّجل زكاته لواحد يغنيه بذلك.

باب وجوب زكاة الفطرة ومن تجب عليه

الفطرة واجبة على كلّ حر بالغ مالك لما تجب عليه فيه زكاة المال. ويلزمه أن يخرج عنه وعن جميع من يعوله من ولد ووالد وزوجة ومملوك ومملوكة، مسلما كان أو ذمّيّا، صغيرا كان أو كبيرا. فإن كان لزوجته مملوك في عياله، أو يكون عنده ضيف يفطر معه في شهر رمضان، وجب عليه أيضا أن يخرج عنهما الفطرة. وإن رزق ولدا في شهر رمضان، وجب عليه أيضا أن يخرج عنه. فإن ولد المولود ليلة الفطر أو يوم العيد قبل صلاة العيد، لم يجب عليه إخراج الفطرة عنه فرضا واجبا. ويستحبّ له أن يخرج ندبا واستحبابا.

وكذلك من أسلم ليلة الفطر قبل الصّلاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة، وليس ذلك بفرض. فإن كان إسلامه

١٨٩

قبل ذلك، وجب عليه إخراج الفطرة. ومن لا يملك ما يجب عليه فيه الزّكاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة أيضا عن نفسه وعن جميع من يعوله. فإن كان ممّن يحلّ له أخذ الفطرة أخذها ثمَّ أخرجها عن نفسه وعن عياله. فإن كان به إليها حاجة، فليدر ذلك على من يعوله. حتّى ينتهي إلى آخرهم، ثمَّ يخرج رأسا واحدا إلى غيرهم، وقد أجزأ عنهم كلّهم.

باب ما يجوز إخراجه في الفطرة ومقدار ما يجب منه

أفضل ما يخرجه الإنسان في زكاة الفطرة التّمر ثمَّ الزّبيب. ويجوز إخراج الحنطة والشّعير والأرزّ والأقط واللّبن. والأصل في ذلك أن يخرج كلّ أحد ممّا يغلب على قوته في أكثر الأحوال.

فأمّا أهل مكّة والمدينة وأطراف الشّام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والأهواز وكرمان، فينبغي لهم أن يخرجوا التّمر. وعلى أوساط الشّام ومرو من خراسان والريّ، أن يخرجوا الزّبيب. وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلّها وخراسان، أن يخرجوا الحنطة والشّعير، وعلى أهل طبرستان الأرز، وعلى أهل مصر البرّ. ومن سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط، فإذا عدموه، كان عليهم اللّبن.

١٩٠

ومن عدم أحد هذه الأصناف التي ذكرناها، أو أراد أن يخرج ثمنها بقيمة الوقت ذهبا أو فضة، لم يكن به بأس. وقد روي رواية أنّه يجوز أن يخرج عن كلّ رأس درهما. وقد روي أيضا أربعة دوانيق. والأحوط ما قدّمناه من أنّه يخرج قيمته بسعر الوقت.

فأمّا القدر الذي يجب إخراجه عن كلّ رأس، فصاع من أحد الأشياء التي قدّمنا ذكرها. وقدره تسعة أرطال بالعراقيّ وستّة أرطال بالمدني. وهو أربعة أمداد. والمدّ مائتان واثنان وتسعون درهما ونصف. والدرهم ستّة دوانيق. والدّانق ثماني حبّات من أوسط حبّات الشّعير. فأمّا اللّبن فمن يريد إخراجه، أجزأه أربعة أرطال بالمدنيّ أو ستّة بالعراقي.

باب الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة ومن يستحقها

الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة يوم الفطر قبل صلاة العيد. ولو أن إنسانا أخرجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين أو من أوّل الشّهر الى آخره، لم يكن به بأس، غير أن الأفضل ما قدّمناه.

فإذا كان يوم الفطر، فليخرجها، ويسلّمها الى مستحقّيها فإن لم يجد لها مستحقّا، عزلها من ماله، ثمَّ يسلّمها بعد الصّلاة أو من غد يومه الى مستحقّيها. فإن وجد لها أهلا، وأخّرها،

١٩١

كان ضامنا لها، الى أن يسلّمها إلى أربابها. وإن لم يجد لها أهلا، وأخرجها من ماله، لم يكن عليه ضمان.

وينبغي أن تحمل الفطرة الى الإمام ليضعها حيث يراه. فإن لم يكن هناك إمام، حملت الى فقهاء شيعته ليفرقوها في في مواضعها. وإذا أراد الإنسان أن يتولّى ذلك بنفسه، جاز له له ذلك، غير أنّه لا يعطيها إلا لمستحقّيها.

والمستحقّ لها، هو كلّ من كان بالصّفة التي تحلّ له معها الزّكاة. وتحرم على كلّ من تحرم عليه زكاة الأموال.

ولا يجوز حمل الفطرة من بلد الى بلد. وان لم يوجد لها مستحقّ من أهل المعرفة، جاز أن تعطى المستضعفين من غيرهم.

ولا يجوز إعطاؤها لمن لا معرفة له، إلّا عند التقية أو عدم مستحقّيها من أهل المعرفة. والأفضل أن يعطي الإنسان من يخافه من غير الفطرة، ويضع الفطرة في مواضعها.

ولا يجوز أن يعطي أقلّ من زكاة رأس واحد لواحد مع الاختيار. فإن حضر جماعة محتاجون وليس هناك من الأصواع بقدر ما يصيب كلّ واحد منهم صاع، جاز أن يفرّق عليهم. ولا بأس أن يعطي الواحد صاعين أو أصواعا.

والأفضل أن لا يعدل الإنسان بالفطرة إلى الأباعد مع وجود القرابات ولا الى الأقاصي مع وجود الجيران. فإن فعل خلاف ذلك، كان تاركا فضلا، ولم يكن عليه بأس.

١٩٢

باب الجزية وأحكامها

الجزية واجبة على أهل الكتاب ممّن أبى منهم الإسلام وأذعن بها، وهم اليهود والنّصارى. والمجوس حكمهم حكم اليهود والنّصارى. وهي واجبة على جميع الأصناف المذكورة إذا كانوا بشرائط المكلّفين وتسقط عن الصّبيان والمجانين والبله والنّساء منهم. فأمّا ما عدا الأصناف المذكورة من الكفّار، فليس يجوز أن يقبل منهم إلّا الإسلام أو القتل. ومن وجبت عليه الجزية وحلّ الوقت، فأسلم قبل أن يعطيها، سقطت عنه، ولم يلزمه أداؤها.

وكلّ من وجبت عليه الجزية، فالإمام مخيّر بين أن يضعها على رءوسهم أو على أرضيهم. فإن وضعها على رءوسهم، فليس له أن يأخذ من أرضيهم شيئا. وإن وضعها على أرضيهم، فليس له أن يأخذ من رءوسهم شيئا.

وليس للجزية حدّ محدود ولا قدر موقّت. بل يأخذ الإمام منهم على قدر ما يراه من أحوالهم من الغنى والفقر بقدر ما يكونون به صاغرين.

وكان المستحقّ للجزية في عهد رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، المهاجرين دون غيرهم. وهي اليوم لمن قام مقامهم في نصرة الإسلام والذبّ من سائر المسلمين.

١٩٣

ولا بأس أن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب ممّا أخذوه من ثمن الخمور والخنازير والأشياء التي لا يحلّ للمسلمين بيعها والتّصرف فيها.

باب أحكام الأرضين وما يصح التصرف فيه منها بالبيع والشرى والتملك وما لا يصح

الأرضون على أربعة أقسام:

ضرب منها يسلم أهلها عليها طوعا من قبل نفوسهم من غير قتال، فتترك في أيديهم، ويؤخذ منهم العشر أو نصف العشر، وكانت ملكا لهم، يصحّ لهم التّصرّف فيها بالبيع والشّرى والوقف وسائر أنواع التّصرف.

وهذا حكم أرضيهم إذا عمروها وقاموا بعمارتها. فإن تركوا عمارتها، وتركوها خرابا، كانت للمسلمين قاطبة. وعلى الإمام أن يقبّلها ممّن يعمّرها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع. وكان على المتقبّل بعد إخراج حقّ القبالة ومئونة الأرض، العشر أو نصف العشر فيما يبقى في حصّته، إذا بلغ الى الحدّ الذي يجب فيه ذلك. وهو خمسة أوسق فصاعدا حسب ما قدّمناه.

والضّرب الآخر من الأرضين، ما أخذ عنوة بالسّيف، فإنّها تكون للمسلمين بأجمعهم. وكان على الإمام أن يقبّلها

١٩٤

لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع. وكان على المتقبّل إخراج ما قد قبل به من حقّ الرّقبة، وفيما يبقى في يده وخاصّه العشر أو نصف العشر.

وهذا الضّرب من الأرضين لا يصحّ التّصرف فيه بالبيع والشرى والتملّك والوقف والصّدقات. وللإمام أن ينقله من متقبّل إلى غيره عند انقضاء مدّة ضمانه، وله التّصرّف فيه بحسب ما يراه من مصلحة المسلمين. وهذه الأرضون للمسلمين قاطبة، وارتفاعها يقسم فيهم كلّهم: المقاتلة، وغيرهم. فإن المقاتلة ليس لهم على جهة الخصوص إلّا ما تحويه العسكر من الغنائم.

والضّرب الثّالث كلّ أرض صالح أهلها عليها، وهي أرض الجزية، يلزمهم ما يصالحهم الإمام عليه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع، وليس عليهم غير ذلك.

فإذا أسلم أربابها، كان حكم أرضيهم حكم أرض من أسلم طوعا ابتداء، ويسقط عنهم الصّلح، لأنه جزية بدل من جزية رءوسهم وأموالهم، وقد سقطت عنهم بالإسلام. وهذا الضّرب من الأرضين يصحّ التّصرّف فيه بالبيع والشّرى والهبة وغير ذلك من أنواع التّصرف، وكان للإمام أن يزيد وينقض ما صالحهم عليه بعد انقضاء مدّة الصّلح حسب ما يراه من زيادة الجزية ونقصانها

١٩٥

والضّرب الرّابع، كلّ أرض انجلى أهلها عنها، أو كانت مواتا فأحييت، أو كانت آجاما وغيرها ممّا لا يزرع فيها، فاستحدثت مزارع.

فإن هذه الأرضين كلّها للإمام خاصة، ليس لأحد معه فيها نصيب، وكان له التّصرّف فيها بالقبض والهبة والبيع والشّرى حسب ما يراه، وكان له أن يقبّلها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع، وجاز له أيضا بعد انقضاء مدّة القبالة نزعها من يد من قبّله إيّاها وتقبيلها لغيره، إلّا الأرضين التي أحييت بعد مواتها، فإن الذي أحياها أولى بالتّصرف فيها ما دام يقبلها بما يقبلها غيره. فإن أبى ذلك، كان للإمام أيضا نزعها من يده وتقبيلها لمن يراه. وعلى المتقبّل بعد إخراجه مال القبالة والمؤن فيما يحصل في حصتّه، العشر أو نصف العشر.

باب الخمس والغنائم

الخمس واجب في جميع ما يغنمه الإنسان.

والغنائم كلّ ما أخذ بالسّيف من أهل الحرب الذين أمر الله تعالى بقتالهم من الأموال والسّلاح والكراع والثّياب والمماليك وغيرها ممّا يحويه العسكر وممّا لم يحوه.

ويجب الخمس أيضا في جميع ما يغنمه الإنسان من أرباح

١٩٦

التّجارات والزّراعات وغير ذلك بعد إخراج مئونته ومئونة عياله.

ويجب الخمس أيضا في جميع المعادن من الذّهب والفضّة والحديد والصّفر والملح والرّصاص والنّفط والكبريت وسائر ما يتناوله اسم المعدن على اختلافها.

ويجب أيضا الخمس من الكنوز المذخورة على من وجدها، وفي العنبر وفي الغوص.

وإذا حصل مع الإنسان مال قد اختلط الحلال بالحرام، ولا يتميّز له، وأراد تطهيره، أخرج منه الخمس، وحلّ له التّصرف في الباقي. وإن تميّز له الحرام، وجب عليه إخراجه وردّه الى أربابه. ومن ورث مالا ممّن يعلم أنّه كان يجمعه من وجوه محظورة مثل الرّبا والغضب وما يجري مجراهما، ولم يتميّز له المغصوب منه ولا الرّبا، أخرج منه الخمس، واستعمل الباقي، وحلّ له التّصرف فيه.

والذمّي إذا اشترى من مسلم أرضا، وجب عليه فيها الخمس.

وجميع ما قدّمناه ذكره من الأنواع، يجب فيه الخمس قليلا كان أو كثيرا، إلّا الكنوز ومعادن الذّهب والفضّة، فإنّه لا يجب فيها الخمس إلّا إذا بلغت إلى القدر الذي يجب فيه الزّكاة.

١٩٧

والغوص لا يجب فيه الخمس إلّا إذا بلغ قيمته دينارا.

وأمّا الغلّات والأرباح فإنّه يجب فيها الخمس بعد إخراج حق السّلطان ومئونة الرّجل ومئونة عياله بقدر ما يحتاج اليه على الاقتصاد.

والكنوز إذا كانت دراهم أو دنانير، يجب فيها الخمس فيما وجد منها، إذا بلغ إلى الحدّ الّذي قدّمناه ذكره. وإن كان ممّا يحتاج الى المؤنة والنّفقة عليه، يجب فيه الخمس بعد إخراج المؤنة منه.

باب قسمة الغنائم والأخماس

كلّ ما يغنمه المسلمون من دار الحرب من جميع الأصناف التي قدّمناه ذكرها، ممّا حواه العسكر يخرج منه الخمس. وأربعة أخماس ما يبقى يقسم بين المقاتلة. وما لم يحوه العسكر من الأرضين والعقارات وغيرها من أنواع الغنائم يخرج منه الخمس، والباقي تكون للمسلمين قاطبة: مقاتليهم وغير مقاتليهم، يقسمه الامام بينهم على قدر ما يراه من مئونتهم.

والخمس يأخذه الإمام فيقسمه ستّة أقسام:

قسما لله، وقسما لرسوله، وقسما لذي القربى. فقسم الله وقسم الرّسول وقسم ذي القربى للإمام خاصّة، يصرفه في أمور نفسه وما يلزمه من مئونة غيره.

١٩٨

وسهم ليتامى آل محمّد، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم. وليس لغيرهم شي‌ء من الأخماس. وعلى الإمام أن يقسم سهامهم فيهم على قدر كفايتهم ومئونتهم في السّنة على الاقتصاد. فإن فضل من ذلك شي‌ء، كان له خاصّة. وإن نقص كان عليه أن يتمّ من خاصّته.

وهؤلاء الذين يستحقّون الخمس، هم الذين قدّمنا ذكرهم ممّن تحرم عليهم الزّكاة، ذكرا كان أو أنثى. فإن كان هناك من أمّه من غير أولاد المذكورين، وكان أبوه منهم، حلّ له الخمس، ولم تحلّ له الزّكاة. وإن كان ممّن أبوه من غير أولادهم، وأمّه منهم، لم يحلّ له الخمس، وحلّت له الزّكاة.

باب الأنفال

الأنفال كانت لرسول الله خاصّة في حياته، وهي لمن قام مقامه بعده في أمور المسلمين. وهي كلّ أرض خربة قد باد أهلها عنها. وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب أو يسلّمونها هم بغير قتال، ورءوس الجبال وبطون الأودية والآجام والأرضون الموات التي لا أرباب لها، وصوافي الملوك وقطائعهم ممّا كان في أيديهم من غير وجه الغصب، وميراث من لا وارث له.

وله أيضا من الغنائم قبل أن تقسم: الجارية الحسناء،

١٩٩

والفرس الفاره، والثّوب المرتفع، وما أشبه ذلك ممّا لا نظير له من رقيق أو متاع.

وإذا قاتل قوم أهل حرب من غير أمر الإمام، فغنموا، كانت غنيمتهم للإمام خاصّة دون غيره.

وليس لأحد أن يتصرف فيما يستحقّه الإمام من الأنفال والأخماس إلّا بإذنه. فمن تصرّف في شي‌ء من ذلك بغير إذنه، كان عاصيا، وارتفاع ما يتصرّف فيه مردود على الإمام. وإذا تصرّف فيه بأمر الإمام، كان عليه أن يؤدي ما يصالحه الإمام عليه من نصف أو ثلث أو ربع.

هذا في حال ظهور الإمام. فأمّا في حال الغيبة، فقد رخّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم ممّا يتعلّق بالأخماس وغيرها فيما لا بدّ لهم منه من المناكح والمتاجر والمساكن. فأمّا ما عدا ذلك، فلا يجوز له التصرّف فيه على حال.

وما يستحقّونه من الأخماس في الكنوز وغيرها في حال الغيبة فقد اختلف قول أصحابنا فيه، وليس فيه نصّ معيّن إلا أنّ كلّ واحد منهم قال قولا يقتضيه الاحتياط.

فقال بعضهم: إنّه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر.

وقال قوم: إنّه يجب حفظه ما دام الإنسان حيا. فإذا حضرته الوفاة، وصّى به الى من يثق به من إخوانه المؤمنين

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

بحوث

١ ـ ماذا يعني مقام الربّ؟

قرانا في الآيات أعلاه انّ النصر على الظالمين واسكان الأرض للذين يخافون مقام ربّهم ، فما هو المقصود من «المقام»؟ هناك عدّة احتمالات :

الف : ـ المقصود هو مقام الربّ عند الحساب ، كما ذكرت بعض الآيات الاخرى( وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى ) ،(١) ( وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ) (٢) .

باء : ـ المقام بمعنى القيام اي المراقبة ، ومعناه الشخص الذي يخاف من مراقبة الله له ، ويحسّ بالمسؤولية.

ج : ـ والمقام بمعنى «القيام لإجراء العدالة واحقاق الحقّ».

وعلى ايّة حال ، فلا مانع ان تكون الآية الشريفة متضمّنة لكلّ هذه المفاهيم ، فالذين يرون مراقبة الله لهم ، يخافون من حسابه واجراء عدالته ، خوفا بنّاء يجعلهم يحسّون بمسؤولياتهم في كلّ عمل يقومون به ، ويبعدهم عن الظلم والذنوب ، فالغلبة وحكومة الأرض من نصيبهم.

٢ ـ هناك جدل بين المفسّرين حول جملة «واستفتحوا» حيث اعتقد البعض بأنّها بمعنى طلب الفتح والنصر ، كما ذكرناه سابقا ، وشاهدهم الآية (١٩) من سورة الأنفال( إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ ) .

وقال بعض آخر : انّها بمعنى القضاء والحكومة ، يعني انّ الأنبياء طلبوا من الله ان يحكم بينهم وبين الكفّار ، وشاهدهم الآية (٨٩) من سورة الأعراف( رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ ) .

٣ ـ جاء في التأريخ والتّفسير انّ الوليد بن يزيد بن عبد الملك الحاكم الاموي

__________________

(١) النازعات ، ٤٠.

(٢) الرحمان ، ٤٦.

٤٨١

الجبّار تفألّ بالقرآن يوما لكي يرى حظّه في المستقبل ، فظهرت قوله تعالى( وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) في بداية الصفحة ، فاستوحش وأخذته العصبية بحيث مزّق القرآن الكريم ثمّ انشد :

اتوعد كلّ جبّار عنيد؟

فها انا ذاك جبّار عنيد؟

إذا ما جئت ربّك يوم حشر

فقل يا ربّ مزّقني الوليد

ولكن لم يمض وقت طويل حتّى قتل اسوا قتلة من قبل أعدائه ، وقطعوا رأسه وعلّقوه فوق سطح قصره ، ومن ثمّ نقلوه الى باب المدينة(١) .

* * *

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ص ٣٥٧٩.

٤٨٢

الآية

( مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨) )

التّفسير

رماد اشتدّت به الريح :

ضربت هذه الآية مثالا واضحا وبليغا لاعمال الكفّار ، وبذلك تكمل بحث الآيات السابقة في مجال عاقبة أمرهم.

يقول تعالى :( مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ ) فيتناثر الرماد في الريح العاصف بحيث لا يستطيع احد جمعه ، كذلك منكرو الحقّ ليست باستطاعتهم ان يجمعوا ما كسبوا( لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ ) .

* * *

٤٨٣

بحوث

١ ـ لماذا شبّهت اعمالهم كرماد اشتدّت به الريح؟

الجواب :

١ ـ التشبيه بالرماد (مع إمكان الاستفادة من التراب والغبار في ذلك) لانّه عبارة عن بقايا الاحتراق ، والآية توضّح انّ اعمالهم ظاهرية فقط وليس لها اي محتوى ، فيمكن ان تنمو وردة جميلة في حفنة من التراب ، ولكن لا يمكن ان ينمو في الرماد حتّى العلف الرّديء.

٢ ـ ان ذرّات الرماد غير متلاصقة ، وحتّى بمساعدة الماء لا يمكن ترابطها فالذرّات تنفصل عن بعضها البعض بسرعة ، وكأنّ ذلك يشير الى انّ اعمال الكفّار غير منسجمة ولا موحّدة ، على العكس من اعمال المؤمنين حيث نراها منسجمة وموحّدة ومترابطة وكلّ عمل يكمل العمل الآخر ، فروح التوحيد والوحدة لا تقتصر على توحيد الجماعة المؤمنة في ما بينهم بل تنعكس حتّى في اعمال الفرد المسلم.

٣ ـ بالرغم من تناثر الرماد في اشتداد الريح ، الّا انّه يؤكّده في يوم عاصف ، لانّ الرياح إذا كانت محدودة وآنيّة فمن الممكن ان ينتقل الرماد من مكان الى مكان ليس بالبعيد ، ولكن إذا كان يوم عاصف فمن البديهي ان يتناثر الرماد بشكل واسع ، وتنتشر ذرّاته ولا يمكن لايّة قدرة جمعها.

٤ ـ إذا كانت العاصفة تهبّ على التبن وأوراق الشجر وتنتثرها في أماكن بعيدة الّا انّه يمكن تشخيصها ، ولكن ذرّات الرماد من الصغر بحيث لو انتثرت لا يبقى لها اي اثر وكأنّ ليس لها وجود سابق.

٥ ـ انّ الرياح وحتّى العواصف لها فوائد جمّة في الطبيعة بغضّ النظر عن آثارها المدمّرة في بعض الأحيان ، وفوائدها هي :

الف : ـ تقوم بنشر بذور النباتات في كلّ مكان من الكرة الارضيّة ، كالمزارع

٤٨٤

والفلاح.

ب : ـ تلقّح الأشجار بنقل حبوب اللقاح من الذكور الى الإناث.

ج : ـ تقوم بتحريك السحاب من المحيطات الى الاراضي اليابسة.

د : ـ تحكّ الجبال العالية وتحوّلها الى تراب ناعم ومفيد.

ه : ـ تنقل الهواء من المناطق القطبية الى المناطق الاستوائية وبالعكس ، حيث تقوم بدور فعّال في تعديل درجات الحرارة.

و: ـ انّ حركة الرياح تثير البحار فتجعلها متلاطمة وموّاجة كي يدخل فيها الهواء ، لانّها إذا ركدت سوف تتعفّن ، وهكذا نجد انّ كلّ ما في الوجود من الأشجار والكائنات الحيّة قد استفاد من هبوب الرياح كلّ على قدره.

ولكن «الرماد» الخفيف الوزن والتافه وعديم الفائدة والذي لا يمكن لاي موجود ان يعيش فيه ، هذا الرماد المتناثر يتلاشى بسرعة حينما تهبّ الريح عليه ، ويزول حتّى ظاهره غير المفيد.

٢ ـ لماذا فرغت اعمالهم من المحتوى؟

يجب ان نرى لماذا كانت اعمال الكفّار غير ذات قيمة وغير ثابتة؟ ولماذا لا يستطيع الكفّار الاستفادة من نتائج اعمالهم؟

ويتّضح الجواب على هذا السؤال لو درسنا المسألة من ناحية النظرة التوحيديّة للعالم ، لانّ النيّة والهدف والمنهجية هي التي تعطي للعمل شكله ومضمونه ، فإذا كانت الخطّة والنيّة والغاية سالمة وجديرة بالاهتمام فسوف يكون العمل كذلك ، ولكن لو قمنا بأحسن الأعمال بنيّة غير صادقة وخطّة سقيمة وهدف شيطاني ، فإنّ ذلك العمل يكون ممسوخا ويفقد محتواه ويزول كليّا كالرماد إذا اشتدّت به الريح!

ولا بأس هنا ان نذكر مثالا حيّا لذلك ، نشاهد الآن برامجا تحت عنوان

٤٨٥

حقوق الإنسان في العالم الغربي ومن قبل القوى المستكبرة ، هذه البرامج نفسها كانت تجري من قبل الأنبياء ايضا ، ولكن حصيلة الاثنين متفاوتة كما بين الأرض والسّماء. فالقوى الاستكبارية عند ما تنادي بحقوق الإنسان فمن المسلّم انّ اهدافها غير انسانية وغير أخلاقية ، بل التغطية على جرائمهم واستعمارهم بشكل اكثر ، لذلك وعلى سبيل المثال لو اعتقل احد جواسيسهم في مكان ما ، فسوف يملا عويلهم وصراخهم الدنيا بالدفاع ، عن حقوق الإنسان ، ولكن عند ما تلطّخت أيديهم بدماء آلاف الناس في فيتنام ، وارتكبوا الفجائع في الدول الاسلامية ، ونسيت فيه حقوق الإنسان ، بل انّهم استغلّوا حقوق الإنسان لمساعدة الانظمة الجائرة والعميلة!

ولكن الأنبياءعليهم‌السلام او أوصياءهم ينادون بحقوق البشر لتحرير الإنسان من القيود والأغلال والظلم ، وعند ما يرون إنسانا مظلوما نراهم يهبون للدفاع عنه بالقول والعمل.

وبهذا النحو يكون الاوّل رماد اشتدّت به الريح ، والثّاني ارض مباركة طيّبة لنمو النباتات والثمار والأوراد.

ويتّضح من هنا ما دار بين المفسّرين من المقصود من العمل في الآية أعلاه ، وهو انّ مراد الآية جميع اعمال الكفّار حتّى اعمالهم الحسنة في الظاهر ، الّا انّها مبطّنة بالشرك والإلحاد.

٣ ـ مسألة الإحباط

هناك جدل كبير بين علماء المسلمين في مسألة «حبط الأعمال» فهل معناه ذهاب عمل الخير بسبب عمل الشرّ ، او بسبب الكفر وعدم الايمان ، ولكن الحقّ ما قلناه في ذيل الآية (٢١٧) من سورة البقرة ، من انّ الإصرار على الكفر والعناد وايضا بعض الأعمال الاخرى كالحسد والغيبة وقتل النفس لها آثار سيّئة كبيرة

٤٨٦

بحيث تذهب بأعمال الخير والحسنات.

والآية أعلاه دليل آخر في إمكان حبط الأعمال(١) .

٤ ـ هل للمخترعين والمكتشفين ثواب الهي؟

بالنظر للبحوث الآنفة الذكر يرد سؤال مهمّ ، وهو انّنا من خلال مطالعتنا في تأريخ العلوم والاختراعات والاكتشافات نرى انّ هناك مجموعة من العلماء استطاعوا ان يقدّموا خدمات جليلة للبشرية وتحمّلوا في سبيل خدمة البشرية منتهى الشدّة والصعوبة ليقدّموا اختراعاتهم واكتشافاتهم للناس ، فعلى سبيل المثال مخترع الكهرباء «اديسون» تحمّل الصعاب ويقال فقد حياته في هذا الطريق لكنّه أضاء العالم ، وحرّك المعامل ، وببركة اختراعه وجدت الآبار العميقة حيث اخضّرت الأرض وتغيّرت الدنيا. و «باستور» الذي اكتشف المكروب ، وأنقذ ملايين الناس من الموت المحتوم فهؤلاء وعشرات مثلهم كيف يجعلهم الله في جهنّم لكونهم غير مؤمنين؟ مع انّ هناك افرادا لم يقدّموا ايّة خدمة للانسانية طول حياتهم ، ويدخلون الجنّة!

الجواب : انّ العمل في حدّ ذاته ليس كافيا من وجهة نظر العقيدة الاسلامية ، بل قيمته في النيّة والقوى المحرّكة له ، فكثيرا ما نشاهد من اعمال الخير كبناء مدرسة او مستشفى او اي عمل آخر وهدف صاحبه في الظاهر هو خدمة المجتمع الانساني ، الّا انّه تحت هذا الغطاء شيء آخر وذاك هو حفظ جاهه او ماله او جلب انظار الناس اليه ، وتحكيم منافعه المادية ، او حتّى ستر خيانته بعيدا عن انظار الآخرين!

وعلى العكس ، فمن الممكن ان يعمل شخص عملا صغيرا ، الّا انّه مخلص في نيّته صادق ، والآن يجب ان نحقّق في ملفات هؤلاء الرجال العظام من وجهة

__________________

(١) للاطلاع اكثر راجع تفسير الآية (٢١٧) من سورة البقرة من تفسيرنا هذا.

٤٨٧

نظر عملهم وكذلك الأسباب والدوافع ، وهي لا تخرج من احد امور :

الف : ـ يكون الهدف من الاختراع أحيانا عملا تخريبيّا (كما في اكتشاف الطاقة النووية حيث كان الهدف الاوّل منها صناعة القنابل النووية) ويمكن الاستفادة منها لخدمة الإنسان ، الّا انّه لم يكن الهدف الاصلي من اختراعها ، فقيمة عمل هذه المجموعة من المخترعين واضح تماما.

ب : ـ وقد يكون هدف المخترع او المكتشف الربح المادّي او الشهرة ، فحكمه ـ في الحقيقة ـ حكم التاجر الذي يقوم بتأسيس الخدمات العامّة لكي يحصل على أرباح اكثر ، ويقوم بتشغيل العمّال وانتاج المحاصيل الزراعية للبلد ، فالهدف من كلّ ذلك هو الحصول على اكبر وارد ممكن ، ولو كان هناك عمل اكثر ربحا لركض وراءه.

بالطبع فإنّ هذه التجارة لو كانت طبقا للموازين الشرعيّة ، فإنّها ليست حراما ، الّا انّها لا تحتسب عملا مقدّسا ومهمّا.

ومثل هؤلاء المخترعين والمكتشفين ليسوا قليلين على طول التاريخ ، فطريقة تفكيرهم ان يقدّموا العمل الأكثر ربحا ـ حتّى لو كان مضرّا بالمجتمع ـ (فمثلا صناعة الادوية لها من الفوائد ٢٠ خ بينما في صناعة الهيروئين ٥٠ خ فهم يرجّحون الثّاني على الاوّل) فحكم هذه المجموعة واضح ايضا ، حيث لم يطلبوا من الله ولا من الناس اي شيء وجزاؤهم الربح والشهرة فقط.

ج : ـ هناك مجموعة ثالثة لا شكّ في انّ دوافعها انسانية ، او الهيّة إذا كانت الجماعة مؤمنة ، وأحيانا يمضون سنين طويلة في زوايا المختبرات بكامل الفاقة والحرمان على امل ان يقدّموا خدمة لبني جنسهم ، او هديّة للعالم ، ليحلّوا أغلال المتعبين ، ويمسحوا التراب من وجوب المعذّبين. فإذا كان هؤلاء الافراد مؤمنين ودوافعهم الهيّة فمصيرهم واضح.

وامّا إذا كانوا غير مؤمنين ودوافعهم انسانيّة ، فسوف يحصلون على الجزاء

٤٨٨

المناسب من الله بلا ادنى شكّ ، هذا الجزاء يمكن ان يكون في الدنيا او الآخرة ، فاللهعزوجل عالم وعادل لا يحرمهم من ذلك ، ولكن كيف؟ تفاصيله غير واضحة لنا ، ويمكن ان نقول : (انّ الله لا يضيع اجر هؤلاء المحسنين فيما إذا كانوا غير مقصّرين لعدم ايمانهم).

وليس عندنا اي دليل من انّ الآية( إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) لا تشمل هؤلاء الافراد ، فإطلاق المحسنين في القرآن ليس خاصّا بالمؤمنين فقط ، ولذلك نرى انّ اخوة يوسف لما حضروا عنده وهم لا يعرفوه ويظنّون انّه عزيز مصر قالوا :( إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) .(١)

وكذلك الآية( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) تشمل هؤلاء الافراد.

عن علي بن يقطين عن الامام الكاظمعليه‌السلام قال : «كان في بني إسرائيل رجل مؤمن وجاره كافر ، وكان هذا الجار الكافر يحسن الى جاره المؤمن ، فعند ما ارتحل من الدنيا بنى له الله بيتا يمنعه من نار جهنّم. وقيل له : انّ هذا بسبب حسن سيرتك مع جارك المؤمن»(٢) .

وعن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «انّ ابن جدعان اقلّ اهل جهنّم عذابا» قالوا : لماذا يا رسول الله؟ قال «انّه كان يطعم الطعام» وعبد الله بن جدعان احد مشركي مكّة المعروفين ومن زعماء قريش(٣) .

وعن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعدي بن حاتم الطائي «رفع عن أبيك العذاب الشديد بسخاء نفسه»(٤) .

وعن الامام الصادقعليه‌السلام قال : «أتى رسول الله وفد من اليمن وكان فيهم رجل

__________________

(١) يوسف ، ٩٠.

(٢) البحار ، ج ٣ ، مطبعة كمباني ص ٣٧٧.

(٣) المصدر السابق ، ص ٣٨٢.

(٤) البحار ، ج ٢ ، ص ٦٠٧.

٤٨٩

أعظمهم كلاما واشدّهم في محاجة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فغضب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى التوى عرق الغضب بين عينيه ، وتغيّر وجهه واطرق الى الأرض فأتاه جبرئيل فقال : ربّك يقرئك السّلام ويقول لك : هذا رجل سخي يطعم الطعام ، فسكن عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الغضب ورفع رأسه وقال : لولا انّ جبرئيل اخبرني عن اللهعزوجل انّك سخي تطعم الطعام ، لشدوت بك وجعلتك حديثا لمن خلفك ، فقال له الرجل : وانّ ربّك ليحبّ السخاء؟ فقال : نعم ، قال : انّي اشهد ان لا اله الّا الله وانّك رسول الله والذي بعثك بالحقّ لا رددت عن مالي أحدا»(١) .

وهنا يأتي هذا السؤال والذي يمكن ان نستفيده من بعض الآيات وكثير من الرّوايات ، وهو : هل انّ الايمان والولاية شرط لقبول الأعمال والدخول الى الجنّة؟ فإذا كان كذلك فإنّ أفضل اعمال الكفّار ليس مقبولا عند الله.

ويمكن ان نجيب على هذا السؤال بأنّ مسألة «قبول الأعمال» شيء ، و «الجزاء المناسب» شيء آخر ، فمثلا المشهور بين علماء المسلمين انّ الصلاة بدون حضور القلب او مع ارتكاب بعض الذنوب كالغيبة غير مقبولة عند الله ، ونحن نعلم انّ مثل هذه الصلوات صحيحة شرعا ، وتحتسب طاعة لاوامر الله وتفرغ بها ذمّة المصلّي والطاعة لا تكون بدون اجر. ولذلك فقبول العمل هو الدرجة العالية للعمل ، ونحن نقول هذا ايضا : إذا كانت الخدمات الانسانية مصاحبة للايمان فلها أعلى المضامين ، ولكن في غير هذه الصورة لا تكون بدون مضمون وجزاء ، وجزاء العمل لا ينحصر بدخول الجنّة. (هذه عصارة الفكرة بما يتناسب وهذا التّفسير ، وتفصيل ذلك في الأبحاث الفقهيّة).

* * *

__________________

(١) البحار ، ج ٢.

٤٩٠

الآيتان

( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (٢٠) )

التّفسير

الخلق على أساس الحقّ :

بعد ما بحثنا عن الباطل وانّه كالرماد المتناثر إذا اشتدّت به الريح ، نبحث في هذه الآية عن الحقّ واستقراره. يقول الله تعالى مخاطبا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باعتباره الاسوة لكلّ دعاة الحقّ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ ) .

«الحقّ» كما يقول الراغب في مفرداته «المطابقة والتنسيق» وله استعمالات اخرى : فتارة يستعمل الحقّ في العمل الصادر وفقا للحكمة والنظام كما في قوله تعالى :( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ ) .(١)

وتارة يطلق على الشخص الذي قام بهذا العمل المحكم ، كما نطلقها على الله

__________________

(١) يونس ، ٥.

٤٩١

عزوجل ( فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُ ) .(١)

وتارة اخرى يطلق على الاعتقاد الذي يطابق الواقع كما في قوله تعالى :( فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِ ) .(٢)

ومرّة يقال للقول والعمل الذي يتحقّق في الوقت المناسب كما في قوله تعالى :( حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ ) .(٣)

وعلى ايّة الحال فمقابل «الحقّ» الباطل والضلال واللعب وأمثالهما.

لكنّ الآية التي نحن بصددها تشير الى المعنى الاوّل ، وهو إنشاء عالم الخلق. حيث توضّح السّماء والأرض انّ في الهدف من خلقها الحكمة والنظام والحساب. فالله تعالى ليس محتاجا في خلقها ولا ناقصا لكي يسدّ نقصه بها ، بل هو الغني عن كلّ شيء ، وهذا العالم الواسع دار لنمو المخلوقات وتكاملها.

ثمّ يضيف : انّ الدليل في عدم الحاجة إليكم ولا الى ايمانكم هو :( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ) .

وهذا العمل ليس صعبا عند الله( وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ ) .

والشاهد على هذا القول في سورة النساء( وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيداً إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً ) .(٤) وهذا التّفسير بخصوص الآية أعلاه منقول عن ابن عبّاس.

وهناك احتمال آخر ، وهو انّ الجملة أعلاه تشير الى مسألة المعاد وانّ الله قادرا على ان يفني جميع الناس ويأت بخلق آخر ، فهل تشكّون في مسألة المعاد وبعثكم من جديد؟

* * *

__________________

(١) يونس ، ٣٢.

(٢) البقرة ، ٢١٣.

(٣) السجدة ، ١٣.

(٤) النساء ، ١٣١ الى ١٣٣.

٤٩٢

الآيات

( وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (٢١) وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٢) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣) )

التّفسير

المحادثة الصريحة بين الشيطان واتباعه :

اشارت الآيات السابقة الى العقاب الشديد للمخالفين والمعاندين

٤٩٣

والكافرين ، وهذه الآيات تكمل ذاك البحث.

يقول تعالى اوّلا :( وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً ) (١) .

وفي هذه الأثناء يقول الضعفاء الذين تاهوا في وادي الضلالة للمستكبرين الذين كانوا سبب ضلالهم( فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ ) فيجيبونهم بدون توقّف( قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ ) .

ولكن للأسف فالمسألة منتهية( سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ ) .

* * *

ملاحظات

١ ـ ما هو المراد من( وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً ) ؟

أوّل سؤال يطرح بخصوص هذه الآية هو : هل أنّ الناس في هذه الدنيا غير ظاهرين في علم الله لكي تقول الآية :( وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً ) ؟

في الجواب على هذا السؤال قال كثير من المفسّرين : انّ المقصود عدم احساس الناس بهذا الظهور والبروز امام الله في هذه الدنيا ، فيكون احساسهم ظاهرا لهم في الآخرة.

وقال بعض ايضا : المقصود هو البروز والظهور من القبور في ساحة العدل الالهي للحساب.

هذان التّفسيران جيدان وليس هناك مانع من ان تجمعا في مفهوم الآية.

__________________

(١) يجب الانتباه الى انّ «برزوا» فعل ماضي ، الّا انّه جاء هنا بصيغة المستقبل ، لانّ المسائل المتعلّقة بالقيامة قطعيّة وغير قابلة للنقاش ، ولذلك وردت في كثير من الآيات بصيغة الماضي.

٤٩٤

٢ ـ ما هو المقصود من جملة( لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ ) ؟

يعتقد كثير من المفسّرين انّ المقصود الهداية عن طريق النجاة من العقاب الالهي في ذلك العالم ، لانّ هذا الحديث قاله المستكبرون لاتباعهم حينما طلبوا منهم ان يغنوا عنهم قسما من العذاب ، فالسؤال والجواب متناسبان ويوحيان انّ المقصود هو هدايتهم للنجاة من العذاب.

وقد استخدم القرآن هذه الكلمة «الهداية» بخصوص الوصول الى نعم الجنّة ، كما يقول اهل الجنّة :( وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ ) .(١)

وهناك احتمال انّ «قادة الضلالة» حينما يرون أنفسهم امام طلب اتباعهم ، ولكي يتنصّلوا من الذنب ويلقوا باللائمة على الغير ، كما هي طريقة كلّ المستكبرين ـ يقولون بكلّ وقاحة : ماذا نعمل؟ فلو كان الله قد هدانا الى الطريق الصحيح لهديناكم اليه! ومعناه انّنا مجبورون على ذلك وليست لنا ارادة حرّة.

وهذا هو منطق الشيطان بعينه ، او ليس هو القائل( فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ) ؟ ولكن يجب ان يعلم المستكبرون انّهم يتحمّلون مسئولية ذنوب اتباعهم شاؤوا ام أبوا ، طبقا لصريح القرآن والرّوايات ، لانّهم المؤسّسون للانحراف والضلال دون ان ينقص اي شيء من عذاب اتباعهم.

٣ ـ أوضح بيان في ذمّ التقليد الأعمى

يتّضح لنا من الآية أعلاه ما يلي :

اوّلا : الأشخاص الذين يضعون زمام أمورهم بيد الآخرين هم ضعفاء الشخصيّة ، وقد عبّر عنهم القرآن الكريم ب( الضُّعَفاءُ ) .

ثانيا : انّ مصيرهم ومصير قادتهم واحد ، وهؤلاء البؤساء لا يستطيعون حتّى في احلك الظروف ان يستفيدوا من حماية قادتهم المضلّين ، او ان يخفّفوا عنهم

__________________

(١) الأعراف ، ٤٣.

٤٩٥

قليلا من العذاب ، بل يسخرون منهم ويقولون لهم : لا تجزعوا ولا تفزعوا فلا طريق للخلاص والنجاة من العذاب!

ثالثا : «برزوا» في الأصل من مادّة «البروز» اي الظهور او الخروج من الصفّ في مقابل الخصم في ساحة القتال ، وتأتي ايضا بمعنى المقاتلة.

«المحيص» من «المحص» بمعنى التخلّص من العيوب او الألم.

ثمّ يشير القرآن الكريم الى موقف آخر من مواقف القيامة والعقاب النفسي للجبّارين والمذنبين واتباعهم الشياطين ، حيث يقول تعالى :( وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ) وبهذا الترتيب فالشيطان وجميع المستكبرين الذين هم قادة طرق الضلال ، أصبحوا يلومون ويوبّخون تابعيهم البؤساء.

ثمّ يضيف( وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ) ويستمرّ في القول( فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ) .

أنتم فعلتم فاللعنة عليكم!!

وعلى كلّ حال فلا انا أستطيع انقاذكم من العذاب ولا أنتم تستطيعون انقاذي :( ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَ ) والآن أعلمكم بأنّي أتبرّأ من شرككم وإطاعتكم لي( إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ) فقد فهمت الآن انّ الشرك في الطاعة ادّى الى شقائي وشقائكم ، وهذه التعاسة ليس لها طريق للنجاة ، واعلموا( إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) .

* * *

بحوث

١ ـ جواب الشيطان الحاسم لاتباعه

مع انّ كلمة «الشيطان»(١) لها مفهوم واسع وتشمل كلّ الطواغيت ووساوس

__________________

(١) للتوضيح اكثر في معنى الشيطان في القرآن راجع تفسير الآية ٣٦ من سورة البقرة من تفسيرنا هذا.

٤٩٦

الجنّ والانس ، ولكن في قراءتنا لهذه الآية وما قبلها علمنا انّ المقصود هنا هو شخص إبليس الذي يعتبر رئيسا للشياطين ، ولذلك انتخب جميع المفسّرين هذا التّفسير ايضا.

ونستفيد بشكل اكيد من هذه الآية انّ وساوس الشيطان لا تسلب الإنسان اختياره وحرية ارادته ، بل هي مجرّد دعوة ليس اكثر ، فالناس هم الذين يلبّون دعوته بإرادتهم ، وقد تصل الارضيّة السابقة والدوام على الخلاف بالإنسان الى حالة من سلب الاختيار في مقابل وساوسه ، كما نشاهد بعض المدمنين على المخدرات ، ولكن نعلم انّ السبب الاوّل كان هو الاختيار. يقول تعالى في الآية (١٠٠) من سورة النحل :( إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) .

وعلى هذا فالشيطان يجيب بشكل قاطع على الذين يعتبرونه العامل الاوّل في انحرافهم وضلالهم ، وما يقوله بعض الجهلاء لتبرئتهم من ذنوبهم ، فإنّ السلطان الحقيقي على الإنسان هو ارادته وعمله ولا شيء غيره.

٢ ـ كيف استطاع الشيطان ان يلتقي باتّباعه ويلومهم في ذاك الموقف الكبير؟

الجواب : هو انّ الله تعالى يمنحه القدرة على ذلك ، وهذا في الواقع نوع من العقاب النفسي لاتباع الشيطان ، وإنذار لكلّ السائرين في طريقه في هذه الدنيا ، لكي يعلموا من الآن مصيرهم ومصير قادتهم ، وعلى ايّة حال فالله تعالى بطريقة ما يهيئ وسيلة الارتباط بين الشيطان واتباعه.

ومن الطّريف انّ هذه المواجهة غير منحصرة بالشيطان واتباعه ، بل انّ جميع ائمّة الضلالة في هذا العالم لهم نفس البرنامج ايضا ، يأخذون بأيدي اتباعهم (بموافقتهم طبعا) ويذهبون بهم الى أمواج العذاب والبلاء ، وحينما يرون الأوضاع سيّئة يتركونهم وشأنهم حتّى انّهم يلومونهم ويوبّخونهم في خسران

٤٩٧

الدنيا والآخرة.

٣ ـ «المصرخ» من مادّة «اصراخ» وفي الأصل من مادّة «صرخ» ، وهي بمعنى الاغاثة وطلب المساعدة ، ولذلك فالمصرخ بمعنى المغيث ، والمستصرخ طالب الاستغاثة.

٤ ـ القصد من اتّخاذ الكفّار الشيطان شريكا في الآية أعلاه شرك الطاعة وليس شرك العبادة.

٥ ـ في انّ جملة( إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) تابعة لحديث الشيطان ام كلام مستقل من الله تعالى ، هناك آراء مختلفة عند المفسّرين ، لكن التّفسير الأقرب هو انّ الجملة مستقلّة ومن كلام الله حيث قالها في نهاية حديث الشيطان مع اتباعه لتكون درسا تربويّا.

وبعد بيان حال الجبّارين والظالمين ومصيرهم المؤلم ، تتطرّق الآية الاخيرة من هذا البحث الى حال المؤمنين وعاقبتهم حيث يقول تعالى :( وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ) الى آخر الآية.

«التحيّة» في الأصل «الحياة» وتستعمل لسلامة وحياة الافراد ، وتطلق لكلّ تحيّة وسلام ودعاء في بداية اللقاء.

قال بعض المفسّرين : «التحية» هنا من الله للمؤمنين قرينة على نعمهم وسلامتهم من كلّ أذى ونزاع (لذلك فتحيّتهم اضافة لمفعول ، وفاعله الله).

وقال البعض الآخر : انّ القصد هو تحيّة المؤمنين فيما بينهم ، او تحيّة الملائكة لهم ، وعلى ايّة حال فـ «سلام» التي قيلت بشكل مطلق لها من المفهوم الواسع بحيث يشمل كلّ سلامة من اي نوع من انواع العذاب الروحي والجسمي(١) .

* * *

__________________

(١) بحثنا هذا الموضوع «السّلام والتحيّة» في المجلد الثّاني ، ذيل الآية (٨٦) : من سورة النساء من تفسيرنا هذا.

٤٩٨

الآيات

( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (٢٦) يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ (٢٧) )

التّفسير

الشّجرة الطيّبة والشّجرة الخبيثة!

هنا مشهد آخر في تجسيم الحقّ والباطل ، الكفر والايمان ، الطيّب والخبيث ضمن مثال واحد جميل وعميق المعنى يكمل البحوث السابقة في هذا الباب.

يقول تعالى اوّلا :( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ) ثمّ يشير الى خصائص هذه الشجرة الطيّبة في جميع ابعادها ضمن عبارات قصيرة.

ولكن قبل ان نستعرض هذه الخصائص يجب ان نعرف ما المقصود من

٤٩٩

«الكلمة الطيّبة»؟

قال بعض المفسّرين : انّها كلمة التوحيد (لا اله الّا الله).

وقال آخرون : انّها تشير الى الأوامر الالهيّة.

وقال البعض الآخر : انّه الايمان الذي محتواه ومفهومه (لا اله الّا الله).

وقال آخرون في تفسيرها : انّها شخص المؤمن.

وأخيرا قال بعضهم : انّها الطريقة والبرامج العمليّة.

ولكن بالنظر الى سعة مفهوم ومحتوى الكلمة الطيّبة نستطيع ان نقول : انّها تشمل جميع هذه الأقوال ، لانّ «الكلمة» في معناها الواسع تشمل جميع الموجودات ، ولهذا السبب يقال للمخلوقات «كلمة الله».

و «الطيّب» كلّ طاهر ونظيف ، فالنتيجة من هذا المثال انّه يشمل كلّ سنّة ودستور وبرنامج وطريقة ، وكلّ عمل ، وكلّ انسان والخلاصة : كلّ موجود طاهر ونظيف وذي بركة ، وجميعها كشجرة طيّبة فيها الخصائص التالية :

١ ـ كائن يمتلك الحركة والنمو ، وليس جامدا ولا خاملا ، بل ثابت وفاعل ومبدع للآخرين ولنفسه (التعبير بـ «الشجرة» بيان لهذه الحقيقة).

٢ ـ هذه الشجرة طيّبة ، ولكن من ايّة جهة؟ بما انّه لم يذكر لها قسم خاص بها ، فإنّها طيّبة من كلّ جهة منظرها ، ثمارها ، ازهارها ، ظلالها ، ونسيمها جميعها طيب وطاهر.

٣ ـ لهذه الشجرة نظام دقيق ، لها جذور وأغصان ، وكلّ واحد له وظيفته الخاصّة ، فوجود الأصل والفرع فيها دليل على سيادة النظام الدقيق عليها.

٤ ـ أصلها ثابت محكم بشكل لا يمكن ان يقلعها الطوفان ولا العواصف.

وباستطاعتها ان تحفظ أغصانها العالية في الفضاء وتحت نور الشمس ، لانّ الغصن كلّما كان عاليا يحتاج الى جذور قوّية( أَصْلُها ثابِتٌ ) .

٥ ـ انّ أغصان هذه الشجرة الطيّبة ليست في محيط ضيّق ولا رديء ، بل

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572