الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 572

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 572 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 287793 / تحميل: 5230
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

في ذمته أو كان له مال تجدد له بعد الحجر ـ ولو بالاستدانة أو قبول الهدية مثلاً ـ أو أذن له الغرماء بدفع الثمن من ماله المحجور عليه.

مسألة 333 : تثبت الشفعة للشريك وإن كان سفيهاً أو صبياً أو مجنوناً فيأخذ لهم الولي بها ، بل إذا أخذ السفيه بها بإذن الولي صح. نعم إذا كان الولي هو الوصي أو الحاكم ليس له ذلك إلا مع رعاية الغبطة والمصلحة بخلاف الأب والجد فإنه تكفي فيهما رعاية عدم المفسدة كما هو الحال في سائر التصرفات.

مسألة 334 : إذا أسقط الولي عن الصبي أو المجنون أو السفيه حق الشفعة ـ مع رعاية ما تقدم ـ لم يكن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والعقل والرشد ، وكذا إذا لم يكن الأخذ بها مصلحة فلم يطالب. أما إذا ترك المطالبة بها مساهلة منه في حقهم فالظاهر أن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والعقل والرشد.

مسألة 335 : إذا كان المبيع مشتركاً بين الولي والمولى عليه فباع الولي سهم المولىّ عليه جاز له أن يأخذ بالشفعة لنفسه على الأقوى.

مسألة 336 : إذا باع الولي سهم نفسه جاز له أن يأخذ بالشفعة للمولى عليه ، وكذا الحكم في الوكيل إذا كان شريكاً مع الموكل.

١٠١

فصل

في الأخذ بالشفعة

مسألة 337 : الأخذ بالشفعة من الإنشائيات المعتبر فيها الإيقاع ويتحقق ذلك بالقول مثل أن يقول : أخذت المبيع الكذائي بثمنه ، وبالفعل مثل أن يدفع الثمن إلى المشتري ويستقل بالمبيع.

مسألة 338 : لا يجوز للشفيع أخذ بعض المبيع وترك بعضه الآخر بل إما أن يأخذ الجميع أو يدع الجميع.

مسألة 339 : الشفيع يتملك المبيع بإعطاء قدر الثمن إلى المشتري لا بأكثر منه ولا بأقل سواء أكانت قيمة المبيع السوقية مساوية للثمن أم زائدة أم ناقصة ، ولا يلزم أن يعطي عين الثمن في فرض التمكن منها بل له أن يعطي مثله إن كان مثلياً.

مسألة 340 : إذا كان الثمن قيمياً ففي ثبوت الشفعة للشريك بأن يأخذ المبيع بقيمة الثمن حين البيع إشكال ، فالأحوط له عدم الأخذ بالشفعة إلا برضى المشتري كما أن الأحوط للمشتري إجابته إذا أخذ بها.

مسألة 341 : إذا غرم المشتري شيئاً من أجرة الدلال أو غيرها أو تبرع بشيء للبائع من خلعة ونحوها لم يلزم الشفيع تداركه.

مسألة 342 : إذا حط البائع شيئاً من الثمن للمشتري بعد البيع لم يكن للشفيع تنقيصه.

مسألة 343 : الأقوى لزوم المبادرة إلى الأخذ بالشفعة فيسقط مع المماطلة والتأخير بلا عذر ولا يسقط إذا كان التأخير عن عذر ـ ولو كان عرفياً ـ كجهله بالبيع أو جهله باستحقاق الشفعة ، أو توهمه كثرة الثمن فبان قليلا ،

١٠٢

أو كون المشتري زيداً فبان عمراً ، أو أنه اشتراه لنفسه فبان لغيره أو العكس ، أو أنه واحد فبان اثنين أو العكس ، أوإن المبيع النصف بمائة فتبين أنه الربع بخمسين ، أو كون الثمن ذهباً فبان فضة ، أو لكونه محبوساً ظلماً أو بحق يعجز عن أدائه ، وكذا أمثال ذلك من الأعذار.

مسألة 344 : المبادرة اللازمة في استحقاق الأخذ بالشفعة يراد منها المبادرة على النحو المتعارف الذي جرت به العادة ، فإذا كان مشغولاً بعبادة واجبة أو مندوبة لم يجب عليه قطعها.

مسألة 345 : إذا كان مشغولاً بأكل أو شرب لم يجب قطعه ولا يجب عليه الإسراع في المشي.

مسألة 346 : يجوز له إن كان غائباً انتظار الرفقة إذا كان الطريق مخوفاً ، أو انتظار زوال الحر أو البرد إذا جرت العادة بانتظاره لمثله ، وقضاء وطره من الحمام إذا علم بالبيع وهو في الحمام وأمثال ذلك مما جرت العادة بفعله لمثله ، نعم يشكل مثل عيادة المريض وتشييع المؤمن ونحو ذلك إذا لم يكن تركه موجباً للطعن فيه وكذا الاشتغال بالنوافل ابتداءً ، والأظهر السقوط في كل مورد صدقت فيه المماطلة عرفاً.

مسألة 347 : إذا كان غائباً عن بلد البيع وعلم بوقوعه وكان يتمكن من الأخذ بالشفعة ولو بالتوكيل فلم يبادر إليه سقطت الشفعة.

مسألة 348 : لا ينتقل المبيع إلى الشفيع بمجرد قوله : ( أخذت بالشفعة ) مثلاً ، بل لابد من تعقبه بدفع الثمن إلا أن يرضى المشتري بالتأخير ، فإذا قال ذلك وهرب أو ماطل أو عجز عن دفع الثمن بقي المبيع على ملك المشتري لا أنه ينتقل بالقول إلى ملك الشفيع وبالعجز أو الهرب أو المماطلة يرجع إلى ملك المشتري.

مسألة 349 : إذا باع المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة لم تسقط بل

١٠٣

جاز للشفيع الأخذ من المشتري الأول بالثمن الأول فيبطل الثاني وتجزي الإجازة منه في صحته له ، وله الأخذ من المشتري الثاني بثمنه فيصح البيع الأول.

مسألة 350 : إذا زادت العقود على اثنين فإن أخذ بالأول بطل ما بعده ويصح مع إجازته ، وإن أخذ بالأخير صح ما قبله ، وإن أخذ بالمتوسط صح ما قبله وبطل ما بعده ويصح مع إجازته.

مسألة 351 : إذا تصرف المشتري في المبيع بوقف أو هبة غير معوضة أو بجعله صداقاً أو غير ذلك مما لا شفعة فيه كان للشفيع الأخذ بالشفعة بالنسبة إلى البيع فتبطل التصرفات اللاحقة له.

مسألة 352 : الشفعة من الحقوق فتسقط بالإسقاط ، ويجوز أخذ المال بإزاء إسقاطها وبإزاء عدم الأخذ بها ، لكن على الأول لا يسقط إلا بالإسقاط فإذا لم يسقطه وأخذ بالشفعة صح ولم يستحق المال المبذول ، بل الظاهر صحة الأخذ بالشفعة على الثاني أيضاً. ويصح الصلح على سقوطها فيسقط بذلك.

مسألة 353 : الظاهر أنه لا إشكال في أن حق الشفعة لا يقبل الانتقال إلى غير الشفيع.

مسألة 354 : إذا باع الشريك نصيبه قبل الأخذ بالشفعة فالظاهر سقوطها خصوصاً إذا كان بيعه بعد علمه بالشفعة.

مسألة 355 : المشهور اعتبار العلم بالثمن في جواز الأخذ بالشفعة ، فإذا أخذ بها وكان جاهلاً به لم يصح لكن الصحة لا تخلو من وجه.

مسألة 356 : إذا تلف تمام المبيع قبل الأخذ بالشفعة سقطت.

مسألة 357 : إذا تلف بعضه دون بعض لم تسقط وجاز له أخذ الباقي بتمام الثمن من دون ضمان على المشتري.

١٠٤

مسألة 358 : إذا كان التلف بعد الأخذ بالشفعة فإن كان التلف بفعل المشتري ضمنه.

مسألة 359 : إذا كان التلف بغير فعل المشتري ضمنه المشتري أيضاً فيما إذا كان التلف بعد المطالبة ومسامحة المشتري في الإقباض.

مسألة 360 : في انتقال الشفعة إلى الوراث إشكال وعلى تقدير الانتقال ليس لبعض الورثة الأخذ بها ما لم يوافقه الباقون.

مسألة 361 : إذا أسقط الشفيع حقه قبل البيع لم يسقط ، وكذا إذا شهد على البيع أو بارك للمشتري إلا أن تقوم القرينة على إرادة الإسقاط بالمباركة بعد البيع.

مسألة 362 : إذا كانت العين مشتركة بين حاضر وغائب وكانت حصة الغائب بيد ثالث فعرضها للبيع بدعوى الوكالة عن الغائب جاز الشراء منه والتصرف فيه ما لم يعلم كذبه في دعواه ، وهل يجوز للشريك الحاضر الأخذ بالشفعة بعد إطلاعه على البيع؟ إشكال ، وإن كان الجواز أقرب فإذا حضر الغائب وصدق فهو ، وإن أنكر كان القول قوله بيمينه ما لم يكن مخالفاً للظاهر فإذا حلف انتزع الحصة من يد الشفيع وكان له عليه الأجرة إن كانت ذات منفعة مستوفاة أو غيرها على تفصيل تقدم في المسألة (78) ، فإن دفعها إلى المالك رجع بها على مدعي الوكالة.

مسألة 363 : إذا كان الثمن مؤجلاً جاز للشفيع الأخذ بالشفعة بالثمن المؤجل ، والظاهر جواز إلزامه بالكفيل ، ويجوز أيضاً الأخذ بالثمن حالاً إن رضي المشتري به أو كان شرط التأجيل للمشتري على البائع.

مسألة 364 : إذا تقايل المتبايعان قبل أخذ الشريك بالشفعة فالمشهور عدم سقوطها بالإقالة ، بل لو أخذ الشفيع بها كشف ذلك عن بطلان الإقالة فيكون نماء المبيع بعدها للمشتري ونماء الثمن للبائع كما كان الحال قبلها

١٠٥

كذلك ، ولكن لا يبعد سقوطها حينئذ ، وأما لو كان التقايل بعد أخذ الشريك بالشفعة لم يمنع ذلك عن صحة الإقالة فيرجع البائع بعوض المبيع إلى المشتري.

مسألة 365 : إذا كان للبائع خيار رد العين فالظاهر أن الشفعة لا تسقط به لكن البائع إذا فسخ قبل أخذ الشريك بالشفعة يرجع المبيع إليه ولا شفعة وإن فسخ بعده رجع بالمثل أو القيمة ، وهكذا الحكم في سائر الخيارات الثابتة للبائع أو المشتري غير ما يسقط بخروج العين عن ملك المشتري كخيار العيب.

مسألة 366 : إذا كانت العين معيبة فإن علمه المشتري فلا خيار له ولا أرش ، فإذا أخذ الشفيع بالشفعة فإن كان عالماً به فلا شيء له وإن كان جاهلاً كان له الخيار في الرد وليس له اختيار الأرش ، وأذا كان المشتري جاهلاً كان له الرد فإن لم يمكن ـ ولو لأخذ الشريك بالشفعة قبل ذلك ـ كان له الأرش ، وأما الشفيع الجاهل بالعيب حين أخذه بالشفعة فيتخير بين الرد إلى المشتري وبين مطالبته بالأرش حتى وإن كان قد أسقطه عن البائع على الأقرب.

مسألة 367 : إذا اتفق اطلاع المشتري على العيب بعد أخذ الشفيع فالظاهر أن له أخذ الأرش وعليه دفعه إلى الشفيع ، وأذا اطلع الشفيع عليه دون المشتري فليس له مطالبة البائع بالأرش بل له إعلام المشتري بالحال ويتخير بين رد العين المعيبة إليه وبين مطالبته بالأرش.

١٠٦

كتاب الإجارة

١٠٧
١٠٨

وهي المعاوضة على المنفعة عملاً كانت أو غيره ، فالأول مثل إجارة الخياط للخياطة ، والثاني مثل إجارة الدار.

وفيه فصول :

فصل في شروطها

مسألة 368 : لابد فيها من الإيجاب والقبول ، فالإيجاب مثل قول الخياط : آجرتك نفسي ، وقول صاحب الدار : آجرتك داري ، والقبول مثل قول المستأجر : قبلت ، ويجوز وقوع الإيجاب من المستأجر ، مثل : استأجرتك لتخيط ثوبي وأستأجرت دارك ، فيقول المؤجر : قبلت ، ويكفي في الأخرس الإشارة المفهمة للإيجار أو الاستئجار.

مسألة 369 : تجري المعاطاة في الإجارة ـ كما تجري في البيع ـ فلو سلّم المؤجر ماله للمستأجر بقصد الإيجار وقبضه المستأجر بقصد الاستئجار صحت الإجارة.

مسألة 370 : يشترط في صحة الإجارة أمور بعضها في المتعاقدين ، وبعضها في العين المستأجرة ، وبعضها في المنفعة المقصودة بالإجارة ، وبعضها في الأجرة.

١٠٩

( شرائط المتعاقدين )

يشترط في المؤجر والمستأجر أن يكون كل منهما بالغاً عاقلا مختارا ، كما يشترط في المؤجر أن يكون مالكا للمنفعة المقصودة بالإيجار وفي المستأجر أن يكون مالكاً للأجرة ، ويشترط فيهما أن لا يكونا محجورين لسفه أو تفليس ، فلا تصح إجارة الصبي والمجنون والمكره ـ إلا أن يكون الإكراه بحق ـ كما لا تصح إجارة الفضولي ، ولا إجارة السفيه أمواله مطلقاً ، ولا إجارة المفلس أمواله التي حجر عليها.

مسألة 371 : إذا أجر السفيه نفسه لعمل فالأظهر بطلان الإجارة ـ ما لم تتعقب بإجازة الولي ـ وأما إذا آجر المفلس نفسه فالأظهر صحتها.

مسألة 372 : إذا لم يكن المؤجر مالكاً للمنفعة ـ ولم يكن ولياً ولا وكيلاً ـ توقفت صحة الإجارة على إجازة المالك ، وأذا كان محجوراً عليه لسفه توقفت صحتها على إجازة الولي ، وإن كان محجوراً عليه لفلس توقفت صحتها على إجازة الغرماء ، وإن كان مكرهاً توقفت صحتها على الرضا لا بداعي الإكراه.

( شرائط العين المستأجرة )

وهي أمور :

1 ـ التعيين ، فلا يصح إجارة المبهم كما لو قال : ( آجرتك إحدى دوري ) نعم يصح إجارة الكلي في المعين كسيارة من عدة سيارات متماثلة.

2 ـ المعلومية ، فإن كانت عيناً معينة فإما بالمشاهدة وأما بذكر الأوصاف التي تختلف بها الرغبات في إجارتها لو كانت غائبة ، وكذا لو كانت كلية.

١١٠

3 ـ التمكن من التسليم ، فلا تصح الإجارة من دونه حتى مع الضميمة على الأحوط ، نعم يكفي تمكن المستأجر من الاستيلاء على العين المستأجرة فتصح إجارة الدابة الشاردة مثلاً إذا كان المستأجر قادراً على أخذها.

4 ـ إمكان الانتفاع بها مع بقاء عينها ، فلا تصح إجارة الخبز ونحوه من المأكولات للأكل.

5 ـ قابليتها للانتفاع المقصود من الإجارة ، فلا تصح إجارة الأرض للزراعة إذا لم يكن المطر وافياً ولم يمكن سقيها من النهر أو غيره.

( شرائط المنفعة المقصودة بالإجارة )

وهي أمور :

1 ـ أن تكون محللة ، فلو انحصرت منافع المال في الحرام أو اشترط الانتفاع بخصوص المحرم منها ، أو أوقع العقد مبنياً على ذلك بطلت الإجارة ، كما لو آجر الدكان بشرط أن يباع أو يحفظ فيه الخمر ، أو آجر الحيوان بشرط أن يحمل الخمر عليه.

2 ـ أن تكون لها مالية يبذل المال بإزائها عند العقلاء على الأحوط.

3 ـ تعيين نوع المنفعة إذا كانت للعين منافع متعددة ، فلو أجر حيواناً قابلاً للركوب ولحمل الأثقال وجب تعيين حق المستأجر من الركوب أو الحمل أو كليهما.

4 ـ معلومية المنفعة ، وهي أما بتعيين المدة مثل سكنى الدار سنة أو شهراً ، وأما بتعيين المسافة مثل ركوب السيارة فرسخاً أو فرسخين ، وأما بتعيين العمل كخياطة الثوب المعين على كيفية معينة أو سياقة السيارة إلى مكة أو غيرها من البلاد المعروفة من طريق معين.

١١١

ولابد في الأولين من تعيين الزمان ، فإذا استأجر الدار للسكنى سنة ، والسيارة للركوب فرسخا من دون تعيين الزمان ، بطلت الإجارة ، إلا أن تكون قرينة على التعيين كالإطلاق الذي هو قرينة على التعجيل.

مسألة 373 : لا يعتبر تعيين الزمان في الإجارة على الخياطة ونحوها من الأعمال ، فيجب الإتيان به متى طالب المستأجر ، هذا إذا لم تختلف الأغراض باختلاف الأزمنة التي يقع فيها العمل ، والا فلابد من تعيين الزمان فيه أيضاً.

( شرائط الأجرة )

يعتبر في الأجرة معلوميتها ، فإذا كانت من المكيل أو الموزون أو المعدود لابد من معرفتها بالكيل أو الوزن أو العد ، وما يعرف منها بالمشاهدة لابد من مشاهدته أو وصفه على نحو ترتفع الجهالة.

ويجوز أن تكون الأجرة عيناً خارجية أو كلياً في الذمة ، أو عملاً أو منفعة أو حقاً قابلاً للنقل والانتقال كحق التحجير.

مسألة 374 : إذا استأجر سيارة للحمل فلابد من تعيين الحمل ، وأذا استأجر دراجة للركوب فلابد من تعيين الراكب ، وأذا استأجر ماكنة لحرث جريب من الأرض فلابد من تعيين الأرض. نعم إذا كان اختلاف الراكب أو الحمل أو الأرض لا يوجب اختلافاً في الأغراض النوعية لم يجب التعيين.

مسألة 375 : إذا قال آجرتك الدار شهراً أو شهرين أو قال آجرتك كل شهر بدرهم مهما أقمت فيها بطلت الإجارة ، وأذا قال : آجرتك شهراً بدرهم فإن زدت فبحسابه صح في الشهر الأول وبطل في غيره ، هذا إذا كان بعنوان الإجارة ، أما إذا كان بعنوان الجعالة بأن يجعل المنفعة لمن يعطيه درهماً أو كان من قبيل الإباحة بالعوض بأن يبيح المنفعة لمن يعطيه درهما فلا

١١٢

بأس.

مسألة 376 : إذا قال : إن خطت هذا الثوب بدرز فلك درهم وإن خطته بدرزين فلك درهمان ، فإن قصد الجعالة كما هو الظاهر صح وإن قصد الإجارة بطل ، وكذا إن قال : إن خطته هذا اليوم فلك درهم وإن خطته غداً فلك نصف درهم. والفرق بين الإجارة والجعالة أن في الإجارة تشتغل ذمة العامل بالعمل للمستأجر حين العقد وكذا تشتغل ذمة المستأجر بالعوض ولأجل ذلك صارت عقداً وليس ذلك في الجعالة فإن اشتغال ذمة المالك بالعوض يكون بعد عمل العامل من دون اشتغال لذمة العامل بالعمل أبداً ، ولأجل ذلك صارت إيقاعا.

مسألة 377 : إذا استأجره على عمل مقيد بقيد خاص من زمان أو مكان أو آلة أو وصف فجاء به على خلاف القيد لم يستحق شيئاً على عمله ، فإن لم يمكن العمل ثانياً تخير المستأجر بين فسخ الإجارة وبين مطالبة الأجير بأجرة المثل للعمل المستأجر عليه فإن طالبه بها لزمه إعطاؤه أجرة المثل ، وإن أمكن العمل ثانياً وجب الإتيان به على النهج الذي وقعت عليه الإجارة.

مسألة 378 : إذا استأجره على عمل بشرط ، بأن كان إنشاء الشرط في ضمن عقد الإجارة أو وقع العقد مبنياً عليه فلم يتحقق الشرط ، كما إذا استأجره ليوصله إلى مكان معين وشرط عليه أن يوصله في وقت محدد فأوصله ولكن في غير ذلك الوقت أو استأجره على خياطة ثوبه وأشترط عليه قراءة سورة من القرآن فخاط الثوب ولم يقرأ السورة ـ كان له فسخ الإجارة وعليه حينئذ أجرة المثل وله إمضاؤها ودفع الأجرة المسماة ، والفرق بين القيد والشرط أن متعلق الإجارة في موارد التقييد حصة خاصة مغايرة لسائر الحصص وأما في موارد الاشتراط فمتعلق الإجارة هو طبيعي العمل ولكن العقد معلق على التزام الطرف بتحقق أمر كالإيصال في الوقت المحدد أو القراءة في المثالين ، ولازم

١١٣

ذلك أن يكون التزامه بالعقد مشروطاً بنفس تحقق الملتزم به ، ومعنى ذلك جعل الخيار لنفسه على تقدير عدم تحققه.

مسألة 379 : إذا استأجر سيارة إلى «كربلاء» مثلاً بدرهم وأشترط له على نفسه أنه إن أوصله المؤجر نهاراً أعطاه درهمين صح.

مسألة 380 : لو استأجر سيارة مثلاً إلى مسافة بدرهمين وأشترط على المؤجر أن يعطيه درهماً واحداً إن لم يوصله نهاراً صح ذلك.

مسألة 381 : إذا استأجر سيارة على أن يوصله المؤجر نهاراً بدرهمين أو ليلاً بدرهم بحيث تكون الإجارة على أحد الأمرين مردداً بينهما فالإجارة باطلة.

مسألة 382 : إذا استأجره على أن يوصله إلى «كربلاء» وكان من نيته زيارة ليلة النصف من شعبان ولكن لم يذكر ذلك في العقد ولم تكن قرينة على التعيين استحق الأجرة وإن لم يوصله ليلة النصف من شعبان.

١١٤

فصل

في مسائل تتعلق بلزوم الإجارة

مسألة 383 : الإجارة من العقود اللازمة لا تنفسخ إلا بالتراضي بين الطرفين أو يكون للفاسخ الخيار ، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الإجارة منشأة باللفظ أو بالمعاطاة.

مسألة 384 : إذا باع المالك العين المستأجرة قبل تمام مدة الإجارة لم تنفسخ الإجارة بل تنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدة الإجارة وإذا كان المشتري جاهلاً بالإجارة أو معتقداً قلة المدة فتبين زيادتها كان له فسخ البيع وليس له المطالبة بالأرش ، وإذا فسخت الإجارة رجعت المنفعة إلى البائع.

مسألة 385 : لا فرق فيما ذكرناه من عدم انفساخ الإجارة بالبيع بين أن يكون البيع على المستأجر وغيره ، فلو استأجر داراً ثم اشتراها بقيت الإجارة على حالها ويكون ملكه للمنفعة في بقية المدة بسبب الإجارة لا من جهة تبعية العين فلو انفسخت الإجارة رجعت المنفعة في بقية المدة إلى البائع ، ولو فسخ البيع بأحد أسبابه بقي ملك المشتري المستأجر للمنفعة على حاله.

مسألة 386 : إذا باع المالك العين على شخص وأجرها وكيله مدة معينة على شخص آخر واقترن البيع والإجارة زماناً صحا جميعاً فيكون المبيع للمشتري مسلوب المنفعة مدة الإجارة ويثبت الخيار له حينئذ.

مسألة 387 : لا تبطل الإجارة بموت المؤجر ولا بموت المستأجر حتى فيما إذا استأجر داراً على أن يسكنها بنفسه فمات ، فإنه لا تبطل الإجارة بموته

١١٥

ولكن يثبت للمؤجر مع التخلف خيار الفسخ ، نعم إذا اعتبر سكناه على وجه القيدية تبطل بموته.

مسألة 388 : إذا أجر نفسه للعمل بنفسه فمات قبل إنجازه بطلت الإجارة ، نعم إذا تعمد ترك الإتيان به قبل موته لم تبطل الإجارة بل يتخير المستأجر بين الفسخ وبين المطالبة بأجرة مثل العمل.

مسألة 389 : إذا لم يكن المؤجر مالكا للعين المستأجرة بل مالكا لمنفعتها ما دام حياً ـ بوصية مثلاً ـ فمات أثناء مدة الأجارة بطلت حينئذ بالنسبة إلى المدة الباقية ، نعم لما كانت المنفعة في بقية المدة لورثة الموصي فلهم أن يجيزوها بالنسبة إلى تلك المدة فتقع لهم الإجارة وتكون لهم الأجرة.

مسألة 390 : إذا أجر البطن السابق من الموقوف عليهم العين الموقوفة فانقرضوا قبل انتهاء مدة الإجارة بطلت بالنسبة إلى بقية المدة إذا لم تجزها الطبقة المتأخرة ، وفي صورة أخذ الطبقة الأولى للأجرة كلها يكون للمستأجر استرجاع مقدار إجارة المدة الباقية منها من أموال الطبقة الأولى ، وأما إذا أجرها المتولي ـ سواء أكان هو البطن السابق أم غيره ـ ملاحظاً بذلك مصلحة الوقف لم تبطل بموته ، وكذا إذا أجرها لمصلحة البطون اللاحقة إذا كانت له ولاية على ذلك فأنها تصح ويكون للبطون اللاحقة حصتهم من الأجرة.

مسألة 391 : إذا أجر نفسه للعمل أما بالإتيان به مباشرة أو تسبيباً فمات قبل ذلك بطلت الإجارة على تفصيل تقدم في المسألة (388) ، وأما إذا تقبل العمل الكلي في ذمته من دون التقييد بذلك فمات قبل تحقيقه لم تبطل المعاملة بل يجب أداء العمل من تركته كسائر الديون.

مسألة 392 : إذا أجر الولي مال الطفل مدة ، وبلغ الطفل أثناءها كانت صحة الإجارة بالنسبة إلى ما بعد بلوغه موقوفة على إجازته حتى فيما إذا كان

١١٦

عدم جعل ما بعد البلوغ جزءاً من مدة الإيجار على خلاف مصلحة الطفل ، وهكذا الحكم فيما إذا أجر الولي الطفل نفسه إلى مدة فبلغ أثناءها ، نعم إذا كان امتداد مدة الإيجار إلى ما بعد البلوغ هو مقتضى مصلحة ملزمة شرعاً بحيث يعلم عدم رضا الشارع بتركها صح الإيجار كذلك بإذن الحاكم الشرعي ولم يكن للطفل أن يفسخه بعد بلوغه.

مسألة 393 : إذا أجرت المرأة نفسها للخدمة مدة معينة فتزوجت في أثنائها لم تبطل الإجارة وإن كانت الخدمة منافية لحق الزوج.

مسألة 394 : إذا أجرت نفسها بعد التزويج توقفت صحة الإجارة على إجازة الزوج فيما ينافي حقه ونفذت الإجارة فيما لا ينافي حقه.

مسألة 395 : إذا وجد المستأجر في العين المستأجرة عيباً فإن كان عالما به حين العقد فلا أثر له وإن كان جاهلاً به فإن كان موجباً لفوات بعض المنفعة كخراب بعض بيوت الدار قسطت الأجرة ورجع على المالك بما يقابل المنفعة الفائتة وله فسخ العقد من أصله ، هذا إذا لم يكن الخراب قابلاً للانتفاع أصلاً ولو بغير السكنى وإلا لم يكن له إلا خيار العيب. وإن كان العيب موجباً لنقص في المنفعة كبطء سير السيارة كان له الخيار في الفسخ وليس له مطالبة الأرش ، وإن لم يوجب العيب شيئا من ذلك لكن يوجب نقص الأجرة ككون السيارة مخسوفة البدنة كان له الخيار أيضاً ، وإن لم يوجب ذلك أيضاً فلا خيار. هذا إذا كانت العين شخصية أما إذا كانت كلية وكان المقبوض معيباً كان له المطالبة بالصحيح ولا خيار في الفسخ ، وإذا تعذر الصحيح كان له الخيار في أصل العقد.

مسألة 396 : إذا وجد المؤجر عيباً في الأجرة وكان جاهلاً به كان له الفسخ وليس له المطالبة بالأرش وإذا كانت الأجرة كلية فقبض فرداً معيباً منها فليس له فسخ العقد بل له المطالبة بالصحيح فإن تعذر كان له الفسخ.

١١٧

مسألة 397 : يجري في الإجارة خيار الغبن ـ على تفصيل تقدم نظيره في البيع ـ كما يجري فيها خيار العيب وخيار الشرط ـ حتى للأجنبي ـ ومنه خيار شرط رد العوض نظير شرط رد الثمن ، وكذا خيار تخلف الشرط الصريح أو الارتكازي ومنه خيار تبعض الصفقة وتعذر التسليم والتفليس والتدليس والشركة ، ولا يجري فيها خيار المجلس ولا خيار الحيوان ولا خيار التأخير على النحو المتقدم في البيع ، نعم مع التأخير في تسليم أحد العوضين عن الحد المتعارف يثبت الخيار للطرف.

مسألة 398 : إذا حصل الفسخ في عقد الإيجار ابتداء المدة فلا إشكال وإذا حصل أثناء المدة فإن لم يكن الخيار مجعولاً للفاسخ على نحو يقتضي التبعيض وبطلان الإجارة بالنسبة إلى ما بقي خاصة ـ كما هو الحال في شرط الخيار غالباً ـ فالأقوى كونه موجباً لانفساخ العقد في جميع المدة فيرجع المستأجر بتمام المسمى ويكون للمؤجر أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى.

١١٨

فصل

في أحكام التسليم في الإجارة

مسألة 399 : إذا وقع عقد الإجارة ملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان والعمل في الإجارة على الأعمال بنفس العقد وكذا المؤجر والأجير يملكان الأجرة بنفس العقد ، لكن ليس للمستأجر المطالبة بالمنفعة والعمل مع تأجيل الأجرة وعدم تسليمها إلا إذا كان قد شرط ذلك صريحاً أو كانت العادة جارية عليه ، كما أنه ليس للأجير والمؤجر المطالبة بالأجرة مع عدم تسليم العمل والمنفعة إلا إذا كانا قد اشترطا تقديم الأجرة وإن كان لأجل جريان العادة.

مسألة 400 : يجب على كل منهما تسليم ما عليه تسليمه في الزمان الذي يقتضيه العقد ، ولكن وجوب التسليم على كل منهما مشروط بعدم امتناع الآخر ، ولو امتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة مع بذل المستأجر الأجرة جاز للمستأجر إجباره على تسليم العين كما جاز له الفسخ وأخذ الأجرة إذا كان قد دفعها وله إبقاء الإجارة والمطالبة بقيمة المنفعة الفائتة ، وكذا إذا دفع المؤجر العين ثم أخذها من المستأجر بلا فصل أو في أثناء المدة ، ومع الفسخ في الأثناء يرجع بتمام الأجرة وعليه أجرة المثل لما مضى ، وكذا الحكم فيما إذا امتنع المستأجر من تسليم الأجرة مع بذل المؤجر للعين المستأجرة.

مسألة 401 : تسليم المنفعة يكون بتسليم العين ، وتسليم العمل فيما لا يتعلق بعين للمستأجر في يد الأجير يكون بإتمامه ، وفيما يتعلق بعين له في يد الأجير يكون بإتمام العمل فيها مع تسليمها ـ على تقدير عدم تلفها ـ

١١٩

إلى المستأجر.

مسألة 402 : إذا كان العمل المستأجر عليه في العين التي هي بيد الأجير فتلفت العين بعد تمام العمل قبل دفعها إلى المستأجر من غير تفريط استحق الأجير المطالبة بالأجرة ، فإذا كان أجيراً على خياطة ثوب فتلف بعد الخياطة وقبل دفعه إلى المستأجر استحق مطالبة الأجرة فإذا كان الثوب مضموناً على الأجير استحق عليه المالك قيمة الثوب مخيطاً وإلا لم يستحق عليه شيئا.

مسألة 403 : يجوز للأجير بعد إتمام العمل حبس العين إلى أن يستوفي الأجرة ، وإذا حبسها لذلك فتلفت من غير تفريط لم يضمن.

مسألة 404 : تبطل الإجارة بسقوط العين المستأجرة عن قابلية الانتفاع منها بالمنفعة الخاصة المملوكة ، فإذا استأجر داراً سنة ـ مثلاً ـ فانهدمت قبل دخول السنة أو بعد دخولها بلا فصل بطلت الإجارة ، وإذا انهدمت أثناء السنة تبطل الإجارة بالنسبة إلى المدة الباقية وكان للمستأجر الخيار في فسخ الإيجار ، فإن فسخ رجع على المؤجر بتمام الأجرة المسماة وعليه له أجرة المثل بالنسبة إلى المدة الماضية ، وإن لم يفسخ قسطت الأجرة بالنسبة وكان للمالك حصة من الأجرة بنسبة المدة الماضية.

مسألة 405 : إذا استأجر داراً فانهدم قسم منها ، فإن كانت بحيث لو أعيد بناء القسم المهدوم على الوجه المتعارف لعدت بعد التعمير مغايرة لما قبله في النظر العرفي كان حكمه ما تقدم في المسألة السابقة ، وإن لم تعد كذلك فإن أقدم المؤجر على تعميرها فوراً على وجه لا يتلف شيء من منفعتها عرفاً لم تبطل الإجارة ولم يكن للمستأجر حق الفسخ ، وإن لم يقدم على ذلك وكان قادراً عليه فللمستأجر الزامه به ـ فإن لم يفعل كان له مطالبته بأجرة مثل المنفعة الفائتة كما إن له الخيار في فسخ الإجارة رأساً ـ ولو مع

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

مقرّها في عنان السّماء ، وهذه الاغصان والفروع تشقّ الهواء وتصعد فيه عاليا( وَفَرْعُها فِي السَّماءِ ) .

ومن الواضح انّ الاغصان كلّما كانت عالية وسامقة تكون بعيدة عن التلوّث والغبار وتصبح ثمارها نظيفة ، وتستفيد اكثر من نور الشمس والهواء الطلق ، فتكون ثمارها طيّبة جدّا(١) .

٦ ـ هذه الشجرة كثيرة الثمر لا كالأشجار الذابلة العديمة الثمر ، ولذلك فهي كثيرة العطاء( تُؤْتِي أُكُلَها ) .

٧ ـ وثمارها ليست فصلية ، بل في كلّ فصل وزمان ، فإذا أردنا ان نمدّ يدنا الى أغصانها في اي وقت لم نرجع خائبين( كُلَّ حِينٍ ) .

٨ ـ انّ إنتاجها من الثمار يكون وفق قوانين الخلقة والسنن الالهيّة وليس بدون حساب( بِإِذْنِ رَبِّها ) .

والآن يجب ان نفتّش ، اين نجد هذه الخصائص والبركات؟ نجدها بالتأكيد في كلمة التوحيد ومحتواها ، وفي الإنسان الموحّد ذي المعرفة ، وفي البرامج الحيّة النظيفة ، وجميعها نامية ومتحرّكة ولها اصول ثابتة ومحكمة وفروع كثيرة وعالية بعيدة عن التلوّث بالادران الجسديّة والدنيوية ، وكلّها مثمرة وفيّاضة.

وما من احد يأتي إليها ويمدّ يده الى فروعها الّا ويستفيد من ثمارها اللذيذة العطرة ، وتتحقّق فيه الخصال المذكورة ، فعواصف الاحداث الصعبة والمشاكل الكبيرة لا تزحزحه من مكانه ، ولا يتحدد ، وافق تفكيره في هذه الدنيا الصغيرة ، بل يشقّ حجب الزمان والمكان ويسير نحو المطلق اللامتناهي.

سلوكهم وبرامجهم ليست تابعة للهوى والهوس ، بل طبقا للأوامر الالهيّة

__________________

(١) ويظهر هذا الأمر بشكل واضح في ثمار الأشجار ، فثمار الاغصان العالية تكون انضج وأطيب طعما من ثمار الاغصان الواطئة.

٥٠١

وبإذن ربّهم ، وهذا هو مصدر الحركة والنمو في حركتهم.

الرجال العظام من المؤمنين هم كلمة الله الطيّبة ، وحياتهم اصل البركة ، دعوتهم توجب الحركة ، آثارهم وكلماتهم وأقوالهم وكتبهم وتلاميذهم وتاريخهم وحتّى قبورهم جميعها ملهمة وحيّة ومربّية.

نعم( وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) .

وهناك سؤال مطروح بين المفسّرين وهو : هل لوجود هذه الشجرة وصفاتها واقع خارجي؟

يعتقد البعض بوجودها وهي النخلة ، ولذلك اضطروا الى ان يفسّروا( كُلَّ حِينٍ ) بستّة أشهر.

ولكن لا حاجة الى الإصرار في وجود مثل هذه الشجرة ، بل هناك تشبيهات كثيرة وليس لها وجود خارجي أصلا.

وعلى ايّة حال ، فالهدف من التشبيه هو تجسيم الحقائق والمسائل العقليّة وصبّها في قالب الحواس ، وهذه الأمثال ليس فيها اي إبهام ، بل هي مقبولة ومؤثّرة وجذّابة.

وفي عين الحال هناك أشجارا في هذه الدنيا ثمارها لا تنقطع على طول السنة ، وقد رأينا بعض الأشجار في المناطق الحارّة وكانت مثمرة وفي نفس الوقت لها ازهار جديدة للثمار المقبلة!

وبما انّ احد أفضل الطرق لتوضيح المسائل هو الاستفادة من طريق المقابلة والمقايسة ، فقد جعلت النقطة المقابلة للشجرة الطيّبة ، الشجرة الخبيثة( وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ ) .

والكلمة «الخبيثة» هي كلمة الكفر والشرك ، وهي القول السيء والرديء ، وهي البرنامج الضالّ والمنحرف ، والناس الخبثاء ، والخلاصة : هي كلّ خبيث ونجس.

٥٠٢

ومن البديهي انّ مثل هذه الشجرة ليس لها اصل ، ولا نمو ولا تكامل ولا ثمار ولا ظلّ ولا ثبات ولا استقرار ، بل هي قطعة خشبيّة لا تصلح الّا للاشتعال بل اكثر من ذلك هي قاطعة للطريق وتزاحم السائرين وأحيانا تؤذي الناس!

ومن الطريف انّ القرآن الكريم فصل الحديث في وصف الشجرة الطيّبة بينما اكتفى في وصف الشجرة الخبيثة بجملة قصيرة واحدة( اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ ) ، وهذا نوع من لطافة البيان ان يتابع الإنسان جميع خصوصيات ذكر «المحبوب» بينما يمرّ بسرعة في جملة واحدة بذكر «المبغوض»!

ومرّة اخرى نجد المفسّرين اختلفوا في تفسير الشجرة الخبيثة ، وهل لها واقع خارجي؟

قال البعض : انّها شجرة «الحنظل» والتي لها ثمار مرّة ورديئة.

واعتقد آخرون انّها «الكشوت» وهي نوع من الاعشاب المعقّدة التي تنبت في الصحراء ولها اشواك قصيرة تلتفّ حولها وليس لها جذر ولا أوراق.

وكما قلنا في تفسير الشجرة الطيّبة ، ليس من اللازم ان يكون للشجرة الخبيثة وجود خارجي في جميع صفاتها ، بل الهدف هو تجسيم الوجه الحقيقي لكلمة الشرك والبرامج المنحرفة والناس الخبثاء ، وهؤلاء كالشجرة الخبيثة ليس لها ثمار ولا فائدة الّا المتاعب والمشاكل. مضافا الى انّ الأشجار والنّباتات الخبيثة التي قلعتها الأعاصير ليست قليلة.

وبما انّ الآيات السابقة جسّدت حال الايمان والكفر ، الطيّب والخبيث من خلال مثالين صريحين ، فإنّ الآية الاخيرة تبحث نتيجة عملهم ومصيرهم النهائي ، يقول تعالى :( يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ ) لانّ ايمانهم لم يكن ايمانا سطحيا وشخصيتهم لم تكن كاذبة ومتلوّنة ، بل كانت شجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السّماء ، وبما انّ ليس هناك من لا يحتاج الى اللطف الالهي ، وبعبارة اخرى : كلّ المواهب تعود لذاته المقدّسة ، فالمؤمنون

٥٠٣

المخلصون الثابتون بالاستناد الى اللطف الالهي يستقيمون كالجبال في مقابل ايّة حادثة. والله تعالى يحفظهم من الزلّات التي تعتريهم في حياتهم. ومن الشياطين الذين يوسوسون لهم زخرف الحياة ليزلّوهم عن الطريق.

وكذلك فالله تعالى يثبّتهم امام القوى الجهنّمية للظالمين القساة ، الذين يسعون لاخضاعهم بأنواع التهديد والوعيد.

ومن الطريف انّ هذا الحفظ والتثبّت الإلهيين يستوعبان كلّ حياتهم في هذه الدنيا وفي الآخرة ، فهنا يثبّتون بالايمان ويبرؤون من الذنوب ، وهناك يخلدون في النعيم المقيم.

ثمّ يشير الى النقطة المقابلة لهم( وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ ) .

قلنا مرارا : انّ الهداية والضلال التي تنسب الى اللهعزوجل لا تتحقّقان الّا بأن يرفع الإنسان القدم الاوّل لها ، فاللهعزوجل عند ما يسلب المواهب والنعم من العبد او يمنحها له يكون ذلك بسبب استحقاقه او عدم استحقاقه.

ووصف «الظالمين» بعد جملة «يُضِلُّ اللهُ » أفضل قرينة لهذا الموضوع ، يعني ما دام الإنسان غير ملوّث بالظلم لا تسلب الهداية منه ، امّا إذا تلوّث بالظلم وعمّت وجوده الذنوب ، فسوف يخرج من قلبه نور الهداية الالهيّة ، وهذه عين الارادة الحرّة. وبالطبع إذا غيّر مسيره بسرعة فطريق النجاة مفتوح له ، ولكن إذا استحكم الذنب فإنّ طريق العودة يكون صعبا جدّا.

* * *

بحوث

١ ـ هل القصد من الآخرة في الآية هو القبر؟

نقرا في روايات متعدّدة انّ الله يثبت الإنسان على خطّ الايمان عند ما يواجه اسئلة الملائكة في القبر ، وهذا معنى الآية( يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ

٥٠٤

فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ ) .

ولقد وردت كلمة «القبر» بصراحة في بعض هذه الرّوايات(١) .

ولكن هناك رواية شريفة عن الامام الصادقعليه‌السلام قال : «انّ الشيطان ليأتي الرجل من أوليائنا عند موته عن يمينه وعن شماله ليضلّه عمّا هو عليه ، فيأبى اللهعزوجل له ذلك ، وهو قول اللهعزوجل :( يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ ) (٢) .

واكثر المفسّرين يميلون الى هذا التّفسير ، طبقا لما نقله المفسّر الكبير العلّامة الطبرسي في مجمع البيان ولعلّ ذلك يعود الى انّ الآخرة ليست محلا للأعمال ولا للانحراف ، بل هي محلّ الحصول على النتائج فحسب ولكن عند وقوع الموت وحتّى في البرزخ (الذي هو عالم بين الدنيا والآخرة) قد تحصل بعض الهفوات ، فهنا يكون اللطف الالهي عاملا في حفظ وثبات الإنسان.

٢ ـ دور الثبات والاستقامة

من بين جميع الصفات التي ذكرتها الآيات أعلاه للشجرة الطيّبة والخبيثة ، وردت مسألة الثبات وعدم الثبات بشكل اكثر ، وحتّى في بيان ثمار هذه الشجرة يقول تعالى :( يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ) وبهذا الترتيب تتّضح لنا اهميّة الثبات ودوره في حياة الإنسان.

فكثير من الأشخاص من ذوي القابليات المتوسطة ، الّا انّهم ينالون انتصارات كبيرة في حياتهم ، ثمّ إذا حقّقنا في الأمر لم نجد دليلا الّا الثبات والاستقامة لديهم.

ومن جهة اجتماعية لا يتحقّق اي تقدّم في البرامج الّا في ظلّ الثبات ، ولهذا السبب نجد المخرّبين يسعون في تدمير الاستقامة ، ولا نعرف المؤمنين الصادقين

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٢ ، صفحة ٥٤٠ ـ ٥٤١.

(٢) المصدر السابق.

٥٠٥

الّا من خلال استقامتهم وثباتهم في مقابل الحوادث الصعبة.

٣ ـ الشجرة الطيّبة والخبيثة في الرّوايات الاسلامية

كما قلنا أعلاه فإنّ كلمة «الطيّبة» و «الخبيثة» التي شبّهت الشجرتان بها ، لها مفهوم واسع بحيث تشمل كلّ شخص وبرنامج ومبدا وفكر وعلم وقول وعمل ، ولكن وردت في بعض الرّوايات في موارد خاصّة ولكن لا تنحصر بها.

ومن جملتها ما ورد في الكافي عن الامام الصادقعليه‌السلام في تفسير الآية( كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ ) قال : «رسول الله أصلها وامير المؤمنين فرعها ، والائمّة من ذرّيتهما أغصانها ، وعلم الائمّة ثمرها ، وشيعتهم المؤمنون ورقها ، هل فيها فضل؟» (اي هل يبقى شيء) قال قلت : لا والله ، قال : «والله انّ المؤمن ليولد فتورق ورقة فيها ، وانّ المؤمن ليموت فتسقط ورقة منها»(١) .

وعنه ايضاعليه‌السلام حينما سأله سائل عن معنى الآية( تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها ) قال : «ذاك علم الائمّة يأتيكم كلّ عام من كلّ المناطق»(٢) .

وفي رواية اخرى : «الشجرة الطيّبة رسول الله وعلي وفاطمة وبنوها ، والشجرة الخبيثة بنو اميّة»(٣) .

وفي بعضها الآخر فسّرت الشجرة الطيّبة بالنخل والخبيثة بالحنظلة.

وعلى ايّة حال ليس هناك من تضادّ بين هذه التفاسير ، بل بينها وبين ما قلناه أعلاه ترابط وتنسبق ، لانّها مصاديقها.

* * *

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٥٣٥.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق.

٥٠٦

الآيات

( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (٣٠) )

التّفسير

نهاية كفران النعم :

الخطاب في هذه الآيات موجّه للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في الحقيقة عرض لواحد من موارد «الشجرة الخبيثة».

يقول تعالى اوّلا :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا ) الى نهاية الآية. هؤلاء هم جذور الشّجرة الخبيثة وقادة الكفر والانحراف ، لديهم أفضل نعمة وهو رسول الله ، وباستطاعتهم ان يستفيدوا منه في الطريق الى السعادة ، الّا انّ تعصّبهم الأعمى وعنادهم وحقدهم صارت سببا في تركهم هذه النعمة الكبيرة ، ولم يقتصروا على تركها فحسب. بل اضلّوا قومهم ايضا ممّا جعلهم يسلكون هذا السلوك.

مع انّ بعض المفسّرين الكبار عند متابعتهم للروايات الاسلامية فسّروا ـ

٥٠٧

أحيانا ـ هذه النعمة بوجود النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأحيانا أخرى بالأئمةعليهم‌السلام ، وفسّروا الكافرين بهذه النعمة «بني اميّة» و «بني المغيرة» مرّة ، ومرّة اخرى جميع الكفّار الذين عاصروا عهد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن من المسلّم به انّ للآية مفهوما أوسع من هذا ، وليس مختصّا بمجموعة معيّنة ، بل تشمل جميع الافراد الذين يكفرون بالنعم الالهيّة.

وتثبّت الآية ضمنا هذه الحقيقة ، وهي انّ الاستفادة من وجود القادة العظام تعود لنفس الإنسان ، كما انّ الكفر بهذه النعمة العظيمة يؤدّي الى الهلاك والبوار.

ثمّ انّ القرآن الكريم يفسّر دار البوار بقوله تعالى :( جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ ) (١) .

ثمّ يشير في الآية الاخرى الى واحدة من أسوإ انواع كفران النعم( وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ ) لكي يستفيدوا عدّة ايّام من حياتهم الماديّة ومن رئاستهم وحكومتهم في ظلّ الشرك والكفر لإضلال الناس عن طريق الحقّ.

ايّها النّبي( قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ) .

فحياتكم هذه شقاء ورئاستكم فاسدة ، ومع ذلك فانّها تعدّ حياة لذيذة وسعيدة بالنسبة للنهاية التي تنتظرهم ، كما نقرا في آية اخرى( قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ ) .(٢) .

* * *

بحوث

١ ـ يقال في العبارات الدارجة : انّ الشخص الفلاني كفر بنعمة الله ، ولكن الآية أعلاه تقول :( الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً ) انّ هذا التعبير الخاص يدلّ على

__________________

(١) «يصلون» من «الصلي» بمعنى الاشتعال والاحتراق بالنار.

(٢) الزمر ، ٨.

٥٠٨

احد أمرين :

الف : المراد من تبديل «النعمة» الى «كفران» هو عدم شكرهم لهذه النعم ، فبدّلوا الشكر بالكفران (في الحقيقة كلمة الشكر مقدّرة ، ففي التقدير : الذين بدّلوا شكر نعمة الله كفرا).

ب : ـ انّ المقصود هو تبديلهم نفس «النعمة» «كفرا» ، وفي الحقيقة فإنّ النعم الالهيّة وسائل ، وطريقة استعمالها مرتبطة بإرادة الإنسان ، فمثلما يمكن ان نستفيد منها في طريق السعادة والايمان والعمل الصالح ، يمكن ان نستعملها كذلك في مسير الكفر والظلم والفساد ، فهي كالمواد الاوّلية التي يمكن بمساعدتها الحصول على انواع مختلفة من الانتاج ، الّا انّها خلقت في الأصل للخير والسعادة.

٢ ـ ليس «كفران النعم» عدم الشكر اللساني فقط ، بل كلّ استفادة غير صحيحة ومنحرفة للنعم ، تلك هي حقيقة الكفران ، وامّا عدم الشكر باللسان ففي الدرجة الثانية ، وكما قلنا سابقا فإنّ شكر النعمة تعني صرفها في الهدف الذي خلقت من اجله ، والشكر عليها باللسان يأتي في الدرجة الثانية ، فإذا قلنا آلاف المرّات : الحمد لله ، ولكنّنا اسأنا عمليّا الاستفادة من النعم ، فذلك كفران للنعم.

وفي عصرنا الحاضر أفضل نموذج لتبديل النعم بالكفران هو استخدام الإنسان لمواهب الطبيعة بفكره ومهارته التي منحها الله للإنسان لخدمة منافعه الخاصّة. فالاكتشافات العلميّة والخبرات الصناعية غيّرت وجه العالم ورفعت عن كاهل الإنسان عبئا ثقيلا ووضعته على عجلات المعامل. فالمواهب والنعم الالهيّة اكثر من اي زمن آخر ، ووسائل نشر المعارف وانتشار العلوم ومعرفة جميع اخبار العالم متوفّرة في ايدي الجميع ، فيجب على الناس في هذا العصر ان يكونوا سعداء من الناحية الماديّة والمعنوية.

ولكن بسبب تبديل النعم الالهيّة الكبيرة الى كفران ، وصرف القوى الطبيعيّة

٥٠٩

في طريق الظلم والطغيان واستخدام الاختراعات والاكتشافات في طريق الاهداف المخربة بحيث انّ كلّ تطور صناعي يستخدم اوّلا في عمليات التدمير.

وخلاصة القول : انّ عدم الشكر هذا والذي هو بعيد عن التعاليم الصالحة للأنبياء ادّى الى ان يجرّوا قومهم ومجتمعهم الى دار البوار.

ودار البوار هذه هي مجموعة من الحروب الاقليميّة والعالميّة بكلّ آثارها التخريبيّة ، وكذلك عدم الأمن والظلم والفساد والاستعمار حيث يبتلي بها في النهاية المؤسّسون لها ايضا ، كما رأينا في السابق ونراه اليوم.

وما الطف تصوير القرآن حيث جعل مصير كلّ الأقوام والأمم التي كفرت بأنعم الله الى دار البوار.

٣ ـ «أنداد» جمع «ندّ» بمعنى «المثل» ولكن الراغب في مفرداته والزبيدي في تاج العروس قالا : انّ «الندّ» يقال للشيء الذي يشابه الشيء الآخر جوهريا ، و «المثل» يطلق على كلّ شيء شبيه لشيء ، ولذلك فالندّ له معنى اعمق وادقّ من المثل.

وطبقا لهذا المعنى نستفيد من الآية أعلاه انّ ائمّة الكفر كانوا يسعون لان يجعلوا لله شركاء ويشبهوهم في جوهر ذاتهم باللهعزوجل ، لكي يضلّوا الناس عن عبادة الله ويحصلوا على مقاصدهم الشريرة.

فتارة يقرّبون لهؤلاء الشركاء القرابين ، واخرى يجعلون قسما من النعم الالهيّة (كبعض الانعام) مخصوصة للأصنام ، ويعتقدون أحيانا بعبادتها. واوقح من ذلك كلّه كانوا يقولون أثناء حجّهم في عصر الجاهلية : (لبّيك لا شريك لك ـ الا شريك هو لك ـ تملكه وما ملك)(١) .

* * *

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ذيل الآية أعلاه.

٥١٠

الآيات

( قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (٣١) اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤) )

التّفسير

عظمة الإنسان من وجهة نظر القرآن :

تعقيبا للآيات السابقة في الحديث عن برنامج المشركين والذين كفروا بأنعم الله وكون مصيرهم الى دار البوار ، تتحدّث هذه الآيات عن برنامج عباد الله المخلصين والنعم النازلة عليهم ، يقول تعالى :( قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا

٥١١

الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً ) قبل ان يأتي ذلك اليوم الذي لا يستطيع فيه الإنسان من التخلّص من العذاب بشراء السعادة والنعيم الخالد ، ولا تنفع الصداقة حينئذ( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ ) .

ثمّ تتطرّق الآية الى معرفة الله عن طريق نعمه ، معرفة تؤدّي الى احياء ذكره في القلوب ، وتحثّ الإنسان على تعظيمه في مقابل لطفه وقدرته ، لانّ من الأمور الفطرية ان يشعر الإنسان في قلبه بالحبّ والودّ لمن أعانه واحسن اليه.

ويبيّن هذا الموضوع من خلال عدّة آيات( اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ ) .

ثمّ انّه( وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ ) سواء من جهة موادّها الاوّلية المتوفّرة في الطبيعة ، او من جهة القوّة المحرّكة لها وهي الرياح التي تهب على البحار والمحيطات بصورة منتظمة لتسيير هذه السفن فتنقل الإنسان وما يحتاج اليه من منطقة الى اخرى بيسر وسهولة :( لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ) .

( وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ ) كي تسقوا من مائها زروعكم ، وتشربوا أنتم وانعامكم ، وفي كثير من الأحيان تكون طريقا للسفن والقوارب ، وتستفيدون منها في صيد الأسماك.

وليست موجودات الأرض ـ فقط ـ مسخّرة لكم ، بل( وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ ) (١) .

وليست مخلوقات العالم بذاتها فقط ، بل حتّى الحالات العرضية لها هي في خدمتكم :( وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ ) من احتياجاتكم البدنيّة والاجتماعية وجميع وسائل السعادة والرفاه( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها ) لانّ النعم المادية والمعنوية للخالق شملت جميع وجودكم

__________________

(١) «دائبين» من مادّة «الدؤوب» بمعنى ادامة العمل طبقا للسنّة الثابتة ، وبما انّ الشمس والقمر مستمرّان بشكل ثابت من ملايين السنين ، وما لها من فوائد عظيمة للكائنات ، لا نجد هناك عبارة لهما أفضل من دائبين.

٥١٢

وهي غير قابلة للاحصاء ، وعلاوة على ذلك فإنّ ما تعلمونه من النعم بالنسبة لما تجهلونه كقطرة في مقابل البحر.

وعلى الرغم من كلّ هذه الألطاف والنعم ف( إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) .

فلو كان الإنسان يستفيد من هذه النعم بشكلها الصحيح لاستطاع ان يجعل الدنيا حديقة غنّاء ولنفّذ مشروع المدينة الفاضلة ، ولكن بسبب عدم الاستفادة الصحيحة لها أصبحت حياته مظلمة ، واهدافه غير سامية ، فتراكمت عليه المشاكل والصعاب وقيّدته بالسلاسل والأغلال.

* * *

بحوث

١ ـ الصلة بالخالق والصلة بالخلق

نواجه في هذه الآيات مرّة اخرى وفي تنظيم برنامج المؤمنين الصادقين مسألة «الصلاة» و «الإنفاق» ، وفي البداية قد يطرح هذا السؤال ، وهو : كيف أشار القرآن الكريم لهاتين المسألتين من بين جميع البرامج العمليّة للإسلام؟ العلّة في ذلك انّ للإسلام ابعاد مختلفة يمكن تلخيصها في ثلاث نقاط : علاقة الإنسان بربّه ، وعلاقته بخلق الله ، وعلاقته بنفسه ، وهذا القسم الأخير في الحقيقة نتيجة للقسم الاوّل والثاني ، فالصلاة والإنفاق كلّ واحدة منهما رمز للعلاقة الاولى والثانية.

والصلاة مظهر لصلة الإنسان بربّه وهذه الصلة تظهر في الصلاة بشكل أوضح من اي عمل آخر ، والإنفاق رمز للصلة بين المخلوقين ، فالرزق في مفهومه الواسع يشمل كلّ نعمة مادية ومعنوية.

وبالنظر الى انّ هذه السورة مكّية ، وأثناء نزولها لم يكن حكم الزكاة نازلا بعد ، لا نستطيع القول : انّ هذا الإنفاق مرتبط بالزكاة ، بل له معنى واسع بحيث

٥١٣

يشمل حتّى الزكاة بعد نزولها.

وعلى ايّة حال إذا تأصّل الايمان فسوف يتجلّى بالعمل فيقرب الإنسان الى ربّه من جانب ، الى عباده من جانب آخر.

٢ ـ لماذا السرّ والعلانية؟

نقرا مرارا في آيات القرآن انّ المؤمنين ينفقون او يتصدّقون في السرّ والعلانية ، وبهذا الترتيب فإنّه تعالى مع ذكره للإنفاق يذكر كيفيّة الإنفاق ، لانّه يكون مرّة في السرّ اكثر تأثيرا وكرامة ، ويكون مرّة اخرى في الجهر سببا في تشجيع الآخرين واقتدائهم في اقامة الشعائر الدينيّة.

ولو قامت حرب بين دولة اسلامية واخرى كافرة لرأينا الناس المؤمنين يحملون كلّ يوم مقادير كبيرة من التبرعات الى المناطق المنكوبة لمساعدة المتضرّرين بالحرب ، او الجرحى والمعوّقين او المقاتلين ، ومن المعلوم انّ نشر اخبار هذه التبرّعات مفيد جدّا ولتكون دليلا على مواساتهم ، ودعمهم لمقاتليهم ، وإحياء لروح الانسانيّة في عامّة الناس ، وتشجيعا للذين تخلّفوا عن هذه القافلة لكي يوصلوا أنفسهم بها ، ومن البديهي انّ الإنفاق هنا في العلانية اكثر تأثيرا.

ويقول بعض المفسّرين : انّ الفرق بين الانفاقين هو انّ الإنفاق العلني مرتبط بالواجبات ، فلا يخشى عليه من الرياء ، لان العمل بالواجبات لازم للجميع ولا داعي لاخفائه ، وامّا الإنفاق المستحبّ ـ ولانّه زائد عن الوظيفة الواجبة ـ فمن الممكن ان تتخلّله حالة من التظاهر والرياء ولذلك كان إخفاؤه أفضل.

ولكن الظاهر انّ هذا التّفسير ليس أصلا كلّيا على حدة. بل هو فرع من التّفسير الاوّل.

٥١٤

٣ ـ يوم لا بيع فيه ولا خلال

من المعلوم انّ يوم القيامة هو يوم استلام النتائج ومتابعة جزاء الأعمال ، وبهذا الترتيب لا يستطيع احد هناك ان ينجو من العذاب بفدية ، حتّى لو افترضنا انّه ينفق جميع ما في الأرض فإنّه لا يمكن ان يمحو ذرّة من جزاء اعماله ، لانّ صحيفته في «دار العمل» اي الدنيا مليئة بالاخطاء والذنوب وهناك «دار الحساب».

وكذلك لا تستطيع العلاقة المادية للصداقة مع اي شخص كان ان تنجيه من العذاب ، وبعبارة اخرى : انّ الإنسان غالبا ما يلجأ الى المال او الواسطة (الرشوة ، العلاقات) في نجاته من المصاعب في هذه الدنيا ، فإذا كان تصوّرهم انّ الآخرة كذلك فهذا دليل وهمّهم وجهلهم.

ومن هنا يتّضح انّ نفي وجود الخلّة والصداقة في هذه الآية لا يتنافى مع صداقة المؤمنين بعضهم لبعض في الآخرة والتي اشارت إليها بعض الآيات ، لانّها صداقة مودّة معنوية في ظلّ الايمان.

وامّا مسألة «الشفاعة» فقد قلنا كرارا انّها تخلو من اي مفهوم مادّي ، بل بالنظر الى ما صرّحت به بعض الآيات فإنّها في ظلّ العلاقات المعنوية وصلاحية البعض بسبب اعمال الخير (وقد شرحنا هذا الموضوع في ذيل الآية ٢٥٤ من سورة البقرة).

٤ ـ كلّ الموجودات تحت امرة الإنسان!

نواجه في هذه الآيات مرّة اخرى تسخير مختلف الموجودات في الأرض والسّماء للإنسان ، وقد قسمت الى ستّة اقسام : تسخير الفلك ، والأنهار ، والشمس ، والقمر ، والليل ، والنهار. ونرى انّ قسما من هذه المسخّرات من السّماء ، وقسما آخر من الأرض ، وقسما ثالثا من الظواهر بين الاثنين (الليل

٥١٥

والنهار).

وقلنا سابقا ، ونكرّر هنا للتذكرة : انّ الإنسان من وجهة نظر القرآن له من العظمة بحيث سخّر الله له جميع ما في الوجود ، امّا ان يكون زمام أمورها بيده او تتحرّك ضمن منافعه ، وعلى ايّة حال فهذه العظمة جعلته من اشرف الموجودات.

«فالشمس» : تسطع له بالنّور ، وتعطيه الحرارة ، وتساعد على نمو النباتات له ، وتطهّر محيطه من الأمراض ، وتخلق له البهجة والسرور ، وتعلّمه الحياة.

وامّا «القمر» : فمصباح في ليله المظلم ، ومفكرة طبيعيّة دائمة ، ومن آثاره تتكوّن ظاهرة الجزر والمدّ لتحلّ كثيرا من مشاكله ، فتسقي الأشجار (بسبب ارتفاع منسوب المياه في الأنهار المجاورة للبحار) وتتحرّك مياه البحار الراكدة كي لا تتعفّن ، وليدخل الاوكسجين فيها بسبب الأمواج ليكون تحت تصرّف الكائنات الحيّة.

«الرياح» : تؤدّي الى حركة السفن في المحيطات حيث تشكّل اكبر واسطة نقل وفي أوسع طريق للإنسان ، بحيث تستطيع ـ أحيانا ـ ان تدفع سفينة بحجم مدينة صغيرة بكامل افرادها وتنقلها في المحيطات.

«الأنهار» : تجري في خدمة الإنسان ، تسقي زرعه ، وتروي مواشيه ، وتجعل محيطة ذا طراوة ، وتربّي له الأسماك لتغذيته.

«ظلام الليل» : حيث هو سكن للإنسان ، ويمنحه الطمأنينة والراحة ، ويخفّف من حرارة الجو الملتهبة في النهار.

وأخيرا «ضياء النهار» : يدعوه الى الحركة والسعي ، ويخلق له الدفء والحرارة.

والخلاصة : انّ كلّ ما على الأرض وحولها لنفع الإنسان ، وبيان هذه النعم وشرحها يمنح الإنسان شخصية جديدة ، وتفهمه عظمة مقامه وتبعث فيه الاحساس بالشكر اكثر.

٥١٦

ونستفيد ايضا من هذا البيان انّ للتسخير في لغة القرآن معنيان :

الاوّل : التسخير لخدمة الإنسان وتحقيق منافعه ومصالحه (كتسخير الشمس والقمر).

والثّاني : التسخير الذي يكون زمام أموره بيد الإنسان (كتسخير الفلك والبحار).

وامّا ما اعتقده البعض من انّ هذه الآيات اشارة الى تسخير الإنسان للقمر وغيره في عصرنا الحاضر فإنّنا لا نراه صحيحا ، لانّ هناك بعض الآيات تقول :( وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ) (١) ، فلا يستطيع الإنسان ان يصل الى جميع الكرات السّماوية بتاتا.

نعم هناك بعض الآيات قد تشير الى هذا النوع من التسخير ، وسوف نبحث هذا الموضوع بإذن الله في تفسير سورة الرحمن (وسبق لنا بحث في تسخير الموجودات للإنسان في ذيل الآية (٢) من سورة الرعد).

٥ ـ دائبين

قلنا انّ «دائب» من مادّة «الدؤوب» بمعنى استمرار العمل طبقا للعادة والسنّة ، فالشمس لا تدور حول الأرض ، بل الأرض تدور حول الشمس ، ونحن نظنّ انّ الشمس تدور حولنا ، وهذه الحركة ليست المقصودة في معنى «دائب» بل الاستمرار في انجاز العمل يدخل في مفهوم الدؤوب ، ونحن نعلم انّ الشمس والقمر لهما برنامج في انبعاث النّور وما يتبعه من توقّف الحياة على الأرض عليه بشكل مستمر وفي غاية من الدقّة (وهناك حركات اخرى للشمس كما يقوله العلماء ، منها الحركة حول نفسها ، وحركتها مع المجموعة الشمسية).

__________________

(١) الجاثية ، ١٣.

٥١٧

٦ ـ هل يعطينا الله كلّ ما نطلب منه؟

قرانا في الآيات أعلاه انّ اللهعزوجل لطف بكم وأعطاكم من كلّ ما سألتموه («من» في الآية تبعيضيّة) وذلك بسبب انّ كثيرا ممّا يطلبه الإنسان من ربّه قد يعود عليه بالضرر والهلاك ، ولكنّ الله حكيم وعالم ورحيم فلا يستجيب لمثل هذه الطلبات ، وفي المقابل نرى في اكثر الأحيان انّ الإنسان لا يطلب شيئا بلسانه ، ولكن يتمنّاه بفطرته ووجدانه فيستجيب الله له ، وليس هناك مانع من ان يكون السؤال في جملة( ما سَأَلْتُمُوهُ ) شاملا للسؤال باللسان والسؤال بالفطرة والوجدان.

٧ ـ لماذا لا تحصى نعماؤه؟

نعم الله ـ في الحقيقة ـ تعمّ كلّ وجودنا ، وإذا ما طالعنا الكتب المختلفة في العلوم الطبيعيّة والانسانيّة والنفسيّة وأمثالها فسوف نرى الى اي مدى تتّسع أطراف هذه النعم ، وفي الحقيقة انّ لكلّ نفس يتنفّسه الإنسان نعمتان ، ولكلّ نعمة شكر واجب.

واكثر من ذلك فنحن نعلم بأنّ متوسّط عدد الخلايا الحيّة في جسم الإنسان نحو العشرة ملايين ميليارد ، وكلّ مجموعة تشكّل قسما فعّالا في الجسم ، وهذا العدد كبير جدّا بحيث لو أردنا إحصاءه نحتاج الى مئات السنين!

فهذا قسم من نعمه علينا ، ولذلك ـ حقّا ـ لا نستطيع عدّ نعمه ،( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها ) .

ويوجد في دم الإنسان مجموعتان من الكريّات (وهي خلايا صغيرة سابحة في الدم ولها وظائف حياتية مهمّة) ملايين من «الكريّات الحمراء» وظيفتها إيصال الاوكسجين لأجل الاحتراق وصنع خلايا الجسم ، وملايين من «الكريات البيض» وظيفتها حفظ سلامة الإنسان مقابل هجوم المكروبات ، والعجيب انّ

٥١٨

هذه الكريات في حالة حركة مستمرّة لخدمة الإنسان.

فهل نستطيع في هذه الأحوال ان نحصي نعمه تعالى غير المتناهية؟!

٨ ـ أسفا انّ الإنسان ظلوم وكفّار

توصّلنا في البحوث السابقة الى هذه الحقيقة ، وهي انّ الله سخّر للإنسان جميع الموجودات ، وهيّأ له كلّ هذه النعم بحيث سدّ جميع احتياجاته ، ولكن الإنسان بسبب ابتعاده عن نور الايمان والتربية ، نراه يخطو في طريق الظلم والطغيان ويكفر بالنعم.

ويسعى المحتكرون في احتكار النعم الالهيّة الواسعة والسيطرة على منابعها الحياتية ، مع انّهم لا يستهلكون الّا الشيء القليل ويحرمون الآخرين منها ، ويظهر هذا الظلم بأشكال مختلفة من السيطرة على الشعوب الضعيفة واستعمارها والتجاوز على حقوق الآخرين ، فيعرّض الإنسان حياته الهادئة الى الهلاك ، يخلق الحروب ، ويسفك الدماء ، ويقضي على الأموال والأنفس.

وفي الحقيقة فإنّ القرآن الكريم يناديه : ايّها الإنسان ، كلّ شيء بالقدر الكافي تحت تصرّفك ، بشرط ان لا تكون ظلوما كفّارا ، عليك ان تقنع بحقّك ولا تتجاوز على حقوق الآخرين.

* * *

٥١٩

الآيات

( وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (٤١) )

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572