الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 572

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 572 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 287630 / تحميل: 5226
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

وبعد أشهر من القراءة والبحث عن الحقيقة والحوارات الطويلة حدث أمر أعتبره العامل المفصلي في اعتناقي للإسلام. كنت واقفة في غرفة ابني أحاول أن أصلي. وكان أمامي كتاب عن الإسلام مفتوح على فصل «كيفية الصلاة». وقفت هناك أصارع نفسي. لم أكن قد اعتدت الصلاة مباشرة؟. طيلة حياتي علموني أن أصلي ليسوع وهو سيوصل صلاتي إلى الله... لذا خشيت أنني أقوم بأمر خطأ، ولم أشأ أن يغضب يسوع عليّ! وفي تلك اللحظة، خطرت لي فكرة كموجة عاتية. هل يعقل أن الله سيغضب إذا أردت أن أكون أكثر قرباً منه؟ وهل يعقل أن يسوع سيستاء مني إذا حاولت أن أكون أكثر قرباً من الله..؟ أليس ذلك ما يريدني أن أفعله؟ إن الله.. أعلم بنيتي. حتى هذا اليوم، لا زلت أعتقد أن الله.... كان يتحدث إليّ - بهذه القوة كان الشعور والصوت الذي شعرت به في داخلي. ممَّ كنت أخشى؟ كيف يمكنني أن لا أعتنق الإسلام؟ في تلك اللحظة بكيت طويلاً.

كان ذلك ما احتجت سماعه. وعلمت حينها أنه يجب أن أدخل في الإسلام. شعرت بأن ذلك هو الأمر الصائب وما خلا ذلك أمور غير مهمة.

وبعد أن نطقت بالشهادتين أمام المدرسة كلها أصبحت إنسانة أخرى. لم يعد لديَّ ذلك الشعور بعدم الانتماء وبماذا أؤمن، فقد تحرّرت من القلق الذي كان لديَّ من قبل وولىَّ إلى غير رجعة. وعلمت أنني قد اتخذت القرار الصائب.

لم أكن قط على هذا القدر من القرب من الله.. كما أصبحت بعد أن اعتنقت الإسلام. الحمد لله.. أنا إنسانة محظوظة. وأشكركم على السماح لي بمشاطرتكم تجربتي.

٢٢١

بعد رحلة طويلة من البحث والإبحار في عالم الأفكار والأديان:

سفينة المسلم الهندي نيرڤان تحطّ بأمان على شاطئ الإِسلام

· قصة أخرى مشوّقة من قصص المهتدين للإِسلام، ذات دلالات وإيحاءات غنية بالتجارب الإنسانية والمشاعر الإيمانية الفياضة، يسردها بإيجاز للقرّاء المعتنق الجديد للإِسلام، الأخ الهندي نيرفان، بعدما غمرته أنوار الهداية الإلهية وأنقذته من مهاوي التيه والشك والضلال.

متى وكيف بدأت القصة كلها؟ وهل بدأت فعلاً أم كانت مجرد يقظة روحية؟ إنه إدراك للحقيقة التي طالما كانت كامنة في داخلي؟

إسمي نيرڤان، من التابعية الهندية. لقد وُلدت لعائلة مختلطة، فأبي هندوسي وأمي مسلمة. منذ طفولتي أذكر بوضوح أنني لم أتلقَّ أي تربية دينية من أي نوع كانت. فأبي لم يكن هندوسياً متديناً، فيما تخلت أمي عن الإِسلام، لذا فقد تربيتُ في ما يمكن وصفه بالـ «خواء» الديني والروحي، بيد أنني سأظل ممتناً لأبويَّ لزرعهما فيّ القيم الأخلاقية التي ستظل ترشدني طيلة حياتي. فمع أن عائلتي لم تكن متدينة، إلا أنها ربتني على مبادئ أخلاقية جيّدة تتمثّل في طاعة الأبوين، والصدق، والامتناع عن السرقة، وخدمة الناس كان حجر الزاوية لحياتنا اليومية.

أدركت مؤخراً خلال فترة المراهقة أنه كانت تجول في خلدي ألغاز الوجود: ما هي الغاية من الحياة على الأرض؟ هل الموت هو نهاية كل شيء؟ هل هناك إله؟ وقد تحرك شيء ما في أعماقي موجِّهاً عقلي نحو سعي دؤوب طلباً للحقيقة. كنت بحاجة إلى أجوبة منطقية واضحة وشاملة عن كل تلك الأسئلة التي أرّقت حياتي وحيّرت لُبّي. وعزمتُ على خوض المغامرة، مع أنها متاهة معقدة حول اللاهوت، وطقوس الغابرين، والفلسفة.

٢٢٢

إنطلاقاً من الإلحاد، شققت طريقي إلى البوذية، والمسيحية، والهندوسية، إلا أنني لم أجد أي طمأنينة في أي منها. تملّكني شعور بأن الحقيقة موجودة في مكان ما، ربما أمام عينيّ، إلا أنها لا تزال تراوغني. وفي مرحلة معينة، تخليت عن البحث وتملّكني اليأس. فَلُذت بنيتشه، وسارتر، وكانط، وهاديجر، وماركس، وفرويد، وأندريه جيد، وكريشنامورتي... ولَكَم بدا الإلحاد أكثر إغراءً لي! أقوال مثل «الله قد مات»، «الدين أفيون الجماهير»، «الأديان تنبع من الخوف الفطري من الأب في المجتمعات البدائية». كنت أحيا وأموت بكتب نيتشه وموسيقى مارلين مانسون. حتى أنني أخذتُ أقرأ «الكتاب الشيطاني المقدس» وأصبحتُ مهتماً بالويكا أو الوثنية. وقد قادني هذا الأمر إلى اكتشاف الميثولوجيا الإسكندناڤية، وآلهة الرومان والإغريق... بَيْدَ أن ظمأي للروحانية والحقيقة النهائية لم يتوقف.

عندئذٍ حصلت المعجزة! فذات يوم جمعة، قرّرت أن أذهب مع صديق مسلم إلى صلاة الجمعة لمجرد التسلية. لم يكن في نيتي أن أصلّي هناك، فقد كنت مجرد فضولي فيما يتعلق بالممارسات الدينية في الإِسلام. الدين الوحيد الذي لم أبحث فيه - لقد استمعنا إلى خطبة الإمام وأديتُ حركات الصلاة من خلال تقليدي لصديقي (القيام، والركوع والسجود). عند هذه النقطة، عشتُ تجربة سماوية روحية غريبة. لم أسمع أي صوت، ولم أرَ أي نور... شعرتُ فقط بعاطفة سماوية وكأنها تجذبني. وكلما لامست جبهتي الأرض، كنت أشعر وكأنها لا تريد أن تفارقها. لقد أرسل الله هدايته إليّ. ولن أعود لحالي السابق بعد الآن أبداً.

وبعد الصلاة، سألني صديقي عن شعوري، فلم أجبه، لأن لغة البشر لا يمكن أن تعبّر عن تلك العاطفة بشكلٍ كافٍ. ذلك الإحساس بالحبور تملّك عقلي لأيام، وكان يشير إلى اتجاه واضح جداً: «الإِسلام»، فتساءلت «هل أنخرط في البحث من جديد؟» كانت قوة خفية ما تدفعني إلى الأمام وترشدني للقيام بذلك. وبعد فترة قصيرة، ألفيت نفسي غارقاً في مطالعة الكتب الإِسلامية ومعجباً بأركان الإيمان الخمسة، والعقائد، والمعجزات العلمية في القرآن، والكمال الرياضي. وشرعتُ في الصلاة بحماسة والدراسة الجادة للقرآن، ولكن القصة لم تنته هنا.

٢٢٣

لقد سقطتُ مرات عديدة في بحور الشك، والشيطان يطاردني بإغراءاته. أمضيت ليالٍ طويلة أرقاً متسائلاً إذا ما كنت على الصراط المستقيم، وهل كنت أتصرف بتهور أم لا؟ حتى أنني بلغتُ حافة الارتداد وتملّكتني رغبة بالتخلي عن كل شيء. وتزامن ذلك مع مشاكل واجهتها في المنزل لكون عائلتي غير مسلمة، مما جعل ترك الإِسلام يروق لي، فتركتُ الصلاة، المعراج الشريف، وأصبحتُ أناظر المسلمين حول معتقداتهم وأساعد المواقع المعادية للإِسلام على شبكة الإنترنت. إلا أن شيئاً ما في قلبي ما كان ليتركني أتخلى عن الله. وأدركت أن تلك الأوقات العصيبة كانت فترة ابتلاء لي، فهل أنجح أم أفشل؟ أخذت أصلّي ليل نهار، وأتوسل إلى الله طالباً العون. شعرت بالخجل لأنني شككت في كلمة الله وتركتُ نفسي تتأثر بالحملات المعادية للإِسلام. شعرتُ بالغثيان لأنني كنت ضحية الشك في كل مرة، وتوسلت إلى الله طالباً الغفران. ولكن في النهاية غمرني النور.

شيئاً فشيئاً، قوّى الله تعالى إيماني وجعلني أصمد. واجهتُ النقد والقسوة من الآخرين بالصبر والسكينة، فلم أجادل أو أغتاظ قط. وإذا ما غمرتني الكآبة، توجهت إلى الله للهداية والعون. لقد عدت إلى دين الفطرة، فماذا هناك لأخافه، وأدركت أن المغامرة لم تنته... بل هي قد بدأت. رحلة فاتنة في أرجاء معجزات وأطايب الإِسلام.

لم أبلغ نهاية الطريق بعد، ولكنني الآن في حالة سلام مع نفسي ومع الله تعالى.

٢٢٤

الهداية إلى الصراط المستقيم

بقلم الأخت زهراء (جويس سلوتر) سابقاً

· الأخت الأميركية جويس سلوتر (زهراء) لاح لها شعاع الإِسلام في مراحل عديدة مرّت بها خلال حياتها وتجاربها الدينية السابقة، وظل يلاحقها حتى عمّها أخيراً سنا بريقه الساطع. فاهتدت إلى الصراط المستقيم، كما تقول في قصَّتها التالية التي بعثت بها إلى المجلة، وهي تعمل حالياً على إرساء دعائم الإِسلام ونشره في منطقتها في ولاية ميشغان إلى جانب أخواتها في منظمة المسلمات الأميركيات.

لقد وُلدت في تشرين الثاني/نوڤمبر 1947م من أبوين أميركيين، وقد رباني أهلي تربية كاثوليكية وكانت أمي قد اعتنقت الكاثوليكية قبل زواجها بأبي. وهي تنحدر من سلالة من البروتستانت المحافظين جداً وقد درس العديد من أفراد عائلتها في معهد مودي للكتاب المقدس، كما كان بعض أفراد عائلتها من اليهود، وقد شرحت لي أمي بعض الشرائع اليهودية.

ولطالما كنت مهتمة منذ الصغر بثقافات الآخرين. حيث كنت شغوفة بدراسة المعتقدات والممارسات الدينية المختلفة.

وقد أقنعتني عناصر التشابه في العديد من الممارسات والمعتقدات الدينية بأن هناك معتقداً أصلياً تم نسيانه وتغييره عبر الزمن.

لقد تعلمتُ في مدرسة كاثوليكية حتى المرحلة الثانوية. وقد فكرتُ بدايةً في أن أصبح ملتزمة دينياً، غير أنني لم أوفق لذلك مع أنني كنت أواظب على حضور الصلاة في الكنيسة بقلب مؤمن وأتلقى التعاليم الكنسية في الوقت المحدد.

في ذلك الوقت، تعرّفت لأول مرة على الإِسلام، حيث كنت قد بدأتُ بدراسة اللغة الإسبانية في المدرسة الثانوية. وكما هو معلوم فإن شبه الجزيرة الإيبيرية تأثرت إلى حد بعيد بالثقافة الإِسلامية منذ التواجد الإِسلامي في الأندلس.

وللأسف فإنني لدى شروعي في دراستي الجامعية تركتُ ممارساتي الدينية. حتى خلال العديد من المشاكل أثناء زواجي الأول، لم أذهب للصلاة في الكنيسة. كنت أتلو صلاتي بمفردي وأقرأ في الوقت عينه عن الأديان المختلفة.

٢٢٥

وبعدما مررتُ بمرحلة مليئة بالقلق. بدأتُ بالذهاب مجدداً إلى الكنيسة ومررتُ بتجربة «الولادة الجديدة». وهذه هي مرحلة قرب خاص من الله تعالى.

بَيْدَ أن الله تعالى كان قد رسم لي خطة أخرى ليقرّبني منه أكثر، أو هكذا يبدو الأمر لي عندما أعود بالذاكرة. لقد تصادقت ابنتي مع فتاة إيرانية في المدرسة. وقد التقيتُ بأهل تلك الفتاة وتعرفتُ على ثقافتهم. عندها اشتريتُ لأول مرة ترجمة للقرآن الكريم. وبعد حوالى عام انتقلنا إلى سكن آخر، حيث التقيت بإحدى صديقاتي التي كانت متزوجة من إيراني. ومجدداً تعرّفت أكثر على الثقافة الإيرانية وكيفية طهو بعض الأطباق الإيرانية. ومع أن صديقتي لم تكن مسلمة، إلا أنها حدثتني عن الإِسلام، ومجدداً شدّ ذلك اهتمامي. في العام 1997م بدأ يساورني شعور بأن الله تعالى يريدني أن أقوم بأمر ما، شيء أكثر من مجرد إطاعة تعاليم الكنيسة وقوانين البلاد. شعرتُ بأن عليّ أن أبدأ بتعلم قيادة سيارتي بمفردي إلى أماكن بعيدة، لذا كنت أذهب إلى أوماها في نبراسكا للعمل هناك طيلة أسبوع. وذهبتُ للاعتراف في فترة عيد الميلاد وأخبرتُ الكاهن بشعوري بأن لديَّ مهمة خاصة. أعتقد أنه ظن أنني إنسانة «غريبة الأطوار». ثم في كانون الثاني/يناير 1998م، توفي زوجي الثاني إثر ذبحة قلبية. كان عمره 46 عاماً فقط. وعندئذٍ أصبحت قريبة جداً من الله تعالى وقد منحني ذلك قدراً كبيراً من الراحة.

أمضيتُ قسماً كبيراً من وقتي باحثة عما عليّ القيام به لنفسي في ذلك الحين. أصبحتُ نشطة جداً في الكنيسة كالمساعدة في جمع التبرعات لبناء مدرسة، وقد تم انتخابي عضواً في مجلس الرعية. وعبر كنيستي التقيتُ أشخاصاً من سائر أنحاء العالم. وقد تمكنتُ من السفر إلى الهند وإسبانيا.

وفي الهند رأيتُ الناس من جميع الأديان يعيشون معاً منسجمين.

٢٢٦

وفي أيار/مايو 2001م قررت أخيراً الإصغاء لنداء الله وركزت على الصلاة من أجل السلام في العالم. وقد شعرتُ على امتداد السنوات أن لديَّ حافزاً قوياً للعمل من أجل السلام في العالم. وقد بدت تلك مهمة مستحيلة.

في الأعوام القليلة التالية واصلت حياتي كما في السابق، كنت أقرأ عن الأديان الأخرى واستمريت في الأنشطة التطوعية. في العام 2003م بدأتُ بحضور سلسلة من المحاضرات عن الإِسلام في مسجد في بلومنغتون. وبعد أن انتهت السلسلة بدأتُ بحضور جلسات في منزل إحدى الأخوات إلا أنني انتقلت بعد ذلك، لذا توقفتُ عن حضورها. عرفت بأنني سأصبح مسلمة إلا أنني لم أرد أن أستسلم وأتغير. لقد اشتريتُ نسخة من القرآن الكريم ترجمها يوسف علي وقرأتها كلها. وقد قرأتُ سيرة النبي محمد (ص) وكتباً عن الإِسلام. وعندما نفق كلبي، لم أحضر كلباً آخر بل قطة لأنني عرفتُ أن معظم المسلمين يعتقدون أن الكلاب نجسة.

حلّ العام 2006م وتلقيتُ المزيد من الإشارات من الله تعالى ذات مرة كنت وصديقة لي نتحدّث عن المشاكل في العالم الإِسلامي، فقالت لي إننا من غير المسلمين ولا يمكن لنا أن نكون ممن يحمل السلام للعالم الإِسلامي. واتفقنا أن ذلك يحدث فقط من خلال المسلمين أنفسهم. وأدركتُ أنني إذا ما أردت العمل من أجل السلام في العالم فإنه عليّ أن أصبح مسلمة، إلا أن نفسي الضعيفة لم ترغب بالتغيير. وقد تجاهلتُ المزيد من الإلهامات الإلهية التي وصلت إليّ عبر أشخاص في مجموعة دراسة الكتاب المقدس التي كنت أنتمي إليها. إحدى السيدات كانت تقول للجميع باستمرار إن علينا أن نستسلم لمشيئة الله أليس ذلك ما يتضمنه الإِسلام؟ سيدة أخرى قالت اختاروا طريقاً والتزموا به. أليس الإِسلام هو الصراط المستقيم؟ لقد حاولت خلال أعوام أن أحصل على شيء يربطني أكثر بالكنيسة الكاثوليكية، وتقدمت بطلبات لعدة وظائف في أبرشيتنا، إلا أنهم لم يجدوني ملائمة للوظيفة. أعرف أن الله تعالى بمشيئته قد حال دون توظيفي كي أكون حرة أكثر من أجل الإِسلام. ومع ذلك، لم أكن أخال نفسي عنيدة إلا أنني كنت كذلك فعلاً، لم أشأ التخلّي في هذا الوقت عن شرب الكحول وأكل لحم الخنزير ومن ثَمَّ المواظبة على الصلاة اليومية، والالتزام باللباس الشرعي الإِسلامي.

٢٢٧

أخيراً، وخلال حضوري دروساً جامعية، قررت التوقف عن شرب الكحول. وعندما تمكّنتُ من القيام بذلك، عرفتُ أنني قادرة على القيام بأي شيءٍ آخر. ورغم ذلك استمر خوفي من تلك الخطوة. إلى أن دعوت الله تعالى أن يهيء لي معلماً إذا أرادني أن أعتنق الإِسلام. وبما أنني كنت أدرس في جامعة كاثوليكية كنت متأكدة أن معلماً كهذا لن يظهر أبداً.

ولكن الله تعالى يقول في (سورة يس آية 82):﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیْئًا أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ ﴿82﴾ ﴾ . فقد جاءني المعلم المسلم إلى صف اللاهوت المسيحي الذي كنت أتابع فيه، عندها، أدركتُ أنه لا مكان للتردد بعد الآن، فأدّيت الشهادة لله ولرسوله بعد فترة قصيرة. أعرف الآن أن عليّ الاستمرار في كفاحي كي أكون مسلمة صالحة عاملة ولكني أعرف أني بعون الله وبمساعدة إخواني وأخواتي المسلمين سأظل على الصراط المستقيم.

٢٢٨

(سيريل سفراك)

الشاب الفرنسي المهتدي للإِسلام

هكذا استنار قلبي بنور الإِسلام المتجلّي بالنبي الأكرم (ص) والمتجسّد بنهج أهل البيت (عليهم السلام)

«سيريل سفراك» شاب أخلص قلبه لله منذ طفولته، فأكرمه تعالى بنعمة الإِسلام في شبابه، وبرحمته أصبح شاباً مسلماً فخوراً بانتمائه الجديد رغم انتقادات الكثيرين من حوله لكونه فرنسياً اعتنق الإِسلام.

لكن قلب «سيريل» مطمئن بالإيمان مستنير بكلمة الحق التي تجلت في دين محمد (ص) وتجسدت في نهج آل البيت (عليهم السلام) ، وهو هنا يروي عبر مجلة (نور الإِسلام) قصة هذا التحول نحو الإِسلام الذي يراه: الحب الخالص لله.

يقول «سيريل»: وُلدت عام 1975م في أُسرة لا يؤمن أفرادها حقاً بوجوده تعالى. لم يلق تناولي للقربانة الأولى التي تمثل دخولي إلى الديانة المسيحية أي اعتراض بينهم ولا أي تشجيع. التحقتُ صغيراً بصفوف التعليم الديني. كنت متحمساً جداً فرحاً بما أتلقاه من تعاليم؛ خاصة عندما يتعلق الموضوع بالمسيح (ع) ، كانت معلومات سطحية بعض الشيء، لكنها كانت كافية لتغذي حلم كاهن صغير لا زال في سن الثانية عشر... صرتُ أقرأ التوراة والإنجيل بارتياح كبير حتى تعمّقتُ في قراءتهما، فبدا لي وقتذاك شرخاً كبيراً بين تعاليم الكتب المقدسة والدروس الكنسية، وبدأتُ أطرح على نفسي أسئلة جمة كتحريم زواج رجل الدين، مع أن الزواج خطوة مباركة يحثُّ عليها الدين، أو انتشار الأيقونات والمنحوتات كرموز دينية. حتى في الكنائس. مع أن ذلك لا يتناسب مع ما نص عليه الكتاب المقدس... كثرة الأسئلة، وكثرة التناقضات، دفعت بي إلى التمسك بإيماني (بديني) في حين أسقطت من اهتماماتي تعاليم الكنيسة، فكانت علاقتي بالله مباشرة لا تمر عبر كنيسة ولا تحدها سلطة دينية، هذا الخط الذي رسمته في سن الخامسة عشر، أخلصت له سنين طويلة.

٢٢٩

أذكر أني حين تعرفتُ إلى أصدقاء من «شهود يهوه» كنت أحاججهم بإيماني بالإنجيل، كانت أسئلتهم تحثني على البحث لاستخلاص الأجوبة، ولكن ما تعلمته من خصمي أن العقل هو السبيل لمعرفة الله «وهذا لا زال منهجاً في حياتي الدينية».

خلال أعوام دراستي الجامعية (كنت قد اخترت دراسة علم النفس) تعرفت على صديق سرعان ما صار بمثابة أخ لي، كان يجمعنا، عدا السكن الجامعي، سهرات قضيناها معاً تبادلنا فيها الآراء وأخرى ناقشنا فيها أفكاراً فلسفية لا حدود لها.

كان صديقي مسلماً، يصوم شهر رمضان لا أكثر، لكن إيمانه الداخلي كان يحاكي قناعاتي التي كونتها عن الله، ولما كنت أفتقر إلى كثير من المعلومات حول ديانته (الإِسلام) قدم لي مرة كتاب «القرآن» وعلمني كيفية الوضوء شارحاً لي ضرورة القيام به عند قراءة القرآن. ظل الكتاب على طاولتي شهوراً لم أفتحه، كنت أشعر أني لست جديراً بفتحه، وغاب صديقي عني فجأة.. واختفى! صدفة أخرى جمعتني بسيدة مغربية دعتني لحضور حلقات دينية كانت تعقد في شهر رمضان، بدا لي الحديث عن الإِسلام جلياً، فبادرتُ أطرح أسئلتي وأتعرف أكثر فأكثر على الإِسلام، ولا أنسى أني سمعتُ لأول مرة في حياتي عن الصهيونية العالمية وكان عمري قد تجاوز السابعة والعشرين.... وبدأتُ رحلة البحث عن الحقيقة: صرتُ أنهل من هذا العلم الواسع لأجد الأجوبة الشافية لأسئلتي، وأستغرقُ في البحث والتفكير فتمضي ليالٍ تلو أخرى والتساؤلات تكبر في داخلي، فأرويها بالمعرفة والتزود، ويقيني بوجود دين يجيب على أسئلتي (تطلعاتي وأفكاري) يتأكد يوماً بعد يوم، فعرفت أن الدين الإِسلامي هو آخر الديانات السماوية، وأن الله هو الرب الأوحد لكل هذه الديانات، فاعتقدتُ بذلك، وصرتُ أرى الإِسلام مُكمّلاً لها. ذات يوم تجرأت وفتحت القرآن، ومن قراءتي لأول آياته، تعلقت بكتابي، وصرت أقرأ وأزداد تعلقاً وأتمنى أن أصل إلى آخر صفحاته. فهمتُ أن المسلم يؤمن بوجود المسيح كرسول كريم وهذه الحقيقة لعيسى (ع) لاقت صورة رسمتها سابقاً في داخلي للمسيح الذي آمنت بوجوده على طريقتي (على فطرتي)، وتوضحت أكثر. اعتقدت ببعثة محمد (ص) خاتماً للرسل، صرتُ أراني مسلماً بشكلٍ عفوي وتلقائي؛ فكيف أتعبد؟ تودّدتُ لجار لي، سوري علوي، كنا نتحاور وحين يصعب سؤالي عليه، كان يتصل بأستاذه في سوريا ويجيبني، حدثني كثيراً عن الإمام علي (ع) ، شخصية جذبتني بعفوية، لكن مبالغات جاري وصديقي لم تخفَ عليّ.

٢٣٠

نهج أهل البيت(عليهم السلام) :

واصلت البحث وتعمقت أكثر، وكان طريق أهل البيت بالنسبة لي هو المنهج السليم والنيّر، فخيانة يهوذا في الدين المسيحي حادثة تعيد نفسها بعد وفاة النبي (ص) وانقلاب بعض الأصحاب عليه، وهذه الخيانات يحذرنا منها القرآن الكريم في مواضع عدة، والنبي محمد (ص) الذي تأذى أكثر من كل الأنبياء في حياته، لم يرحمه أتباعه من بعده، فالتيار جرف كثيراً من المسلمين وقلة منهم تمسك بوصاياه. هنا، يرشدنا العقل إلى السبيل القويم، إلى نهج آل محمد (ص) ، ولمَ كان أتباعه الخلّص قلة تفانوا لأجله وما زالوا.

أصداء:

كان لاعتناقي الإِسلام صدى كبيراً لدى مَن حولي: أصدقائي وزملائي في الجامعة على وجه الخصوص. أحدهم (والذي جمعتني به صلة قرابة لاحقاً: صار أخ زوجتي) كان يأتي إليّ يحدثني عن الإِسلام، ونصلي معاً، ويصحح لي ما تعلمته، ويوضح لي الأحكام الشرعية، فصرت أتبع المدرسة الجعفرية. (مدرسة الإمام الصادق (ع) ):

وصارت تعقد في غرفتي حلقات الحوار والنقاشات الفلسفية والتي غالباً ما جمعت الكثير من الشبان والشابات، فكانت فرصتي للتعرف على زوجتي التي كانت وما زالت بالنسبة لي لطفاً إلهياً مباركاً أنار دربي؛ إذ كان لها الفضل أولاً في تعليمي حفظ بعض السور، وكذلك أداء الصلاة باللغة العربية. وفجأة ظهر صديقي وأخي الذي افتقدته طويلاً، أطل هذه المرة بحلة جديدة، فقد التزم دينياً واصطحبني إلى المسجد لأول مرة وشرح لي أحكام صلاة الجماعة، وتزوج هو أيضاً، وكلانا رزق بطفلة، فكبرت عائلتانا في نور الإِسلام.

إلهي وسيدي الذي أدعوه كلما شئت لحاجتي، وأخلو به حيث شئت لسري... الحمد لك والشكر لك على ما خلقتني وسوّيتني، وربّيتني وأعطيتني حمداً دائماً لا ينقطع أبداً.. اللّهمّ املأ قلبي حباً لك وخشية منك وتصديقاً لك وإيماناً بك.

٢٣١

قصة إسلام الشاب الأرجنتيني

«محمد عيسى غارسيا»

من آثار السمعة الحسنة التي حققها مسلمو الأرجنتين هي ظاهرة إسلام العديد من المواطنين من أصل أرجنتيني نظراً للقِيَم النبيلة التي لمسوها في الدين الإِسلامي والطابع الأخلاقي السليم لسلوك المهاجرين المسلمين.

في هذا الإطار تلقينا من الأخ الكاتب مجاهد شرارة المقيم في الأرجنتين قصة شيقة عن (محمد عيسى غارسيا) وهو شاب أرجنتيني وجد سعادته كما يقول في الإِسلام بعد بحث طويل عن الحقيقة مقتفياً آثار الصحابي الجليل سلمان الفارسي (رض)

حكاية محمد عيسى أنه ولد لأبوين نصرانيين وقد أمضى طفولته في التردد على الكنيسة، ولمّا بلغ العاشرة من عمره أنهضته نفسه البريئة إلى بداية رحلة جديدة للتأمل في الكون الذي حوله، ورغم صغر سنّه وقصور ذهنه على الاستدلال إلّا أن فطرته لم تكن لتتقبّل عقيدة التثليث فقد كان يميل ببراءته إلى أن عيسى بن مريم (ع) شخصية عظيمة وليس إلهاً، وهذه المسألة هي التي فتحت باب المناقشات والتساؤلات بينه وبين أهله في البيت ومع قساوسة الكنيسة التي يتردد إليها.

لم يجد محمد عيسى غارسيا وهو الطفل البريء جواباً شافياً على تساؤلاته المبكّرة وما يجيش في نفسه، وازدادت حيرته وقلقه عندما لم يعر أهله والكنيسة اهتماماً بسؤاله نظراً لصغر سنّه.

مرّت الأعوام بمحمد عيسى حتى بلغ الخامسة عشر وهو يحمل في نفسه تلك الأسئلة، ودخل الثانوية العامة، وتلقى في أثناء دراسته كلاماً سطحياً عن الإِسلام ومغلوطاً في الكثير من الأحيان، فالكتاب المدرسي يذكر أن المسلمين يعبدون الحجر الأسود ويسجدون للكعبة مصحوباً بصور للمسلمين وهم يصلون ويسجدون ويطوفون حول الكعبة.

٢٣٢

كبر محمد عيسى وكبرت معه حيرته فهو الآن شاب بإمكانه أن يحلّل ويستدل فقد قوِيَ تمسّكه وولعه بالبحث عن الحقيقة. وفي ليلة من ليالي شهر أكتوبر عام 1989 ضاقت به نفسه فالسؤال ما زال يتردد داخله، من هو خالق الكون؟! ووقف في جنح الليل ينظر إلى السماء هاتفاً: «يا أنت الذي خلقتني اهدني للحق وإلّا خذ روحي فإني أعيش حياة ضالة» وانهمرت من عينيه دموع الحيرة ثم استسلم للنوم. وفي الصباح استيقظ على طرق الباب فوجد محمد رجلاً مشرق الوجه يطلب منه أن يحدِّثه لبعض الوقت، وبدأ حديثه بقوله: أنا «ماشوركا»، مسلم جئت لأحدثك عن الإِسلام. وأخذ ماشوركا يحدّثه عن الله ووحدانيته وعظمته وكيف أنه يستحق العبادة ومنزّه عن كل نقص.

انشرح قلب محمد عيسى غارسيا لهذه الكلمات، ونظر إلى السماء متذكراً ما دعا به في الليلة الماضية، وشعر برحمة الله تحفه ونفحات الإيمان تتدافع في قلبه. دام حديث ماشوركا معه ثلاث ساعات بعدها استأذن لصلاة الجمعة. وقبل أن ينصرف طلب غارسيا أن يرافقه إلى المسجد، فقد وجد ضالته ولن يتركها تضيع من بين يديه، واستمع للخطبة التي تحدثت عن الإِسلام. وما إن فرغ المصلّون من الصلاة حتى توجه محمد غارسيا إلى ماشوركا مخاطباً: أريد أن أسلم، ماذا أفعل؟ فقال له: عليك بنطق الشهادتين ثم الاغتسال. ففعل محمد غارسيا ما طلب منه فكبّر المصلّون فرحاً بإسلامه.

طريق الأهل الشائك والهجرة إلى الحقيقة:

تعلّم محمد عيسى غارسيا في المدرسة والبيت الحرية في أن يعتقد ما يريد دون أن يؤثر ذلك في حياة الأسرة، لكن ما حدث بعد إسلامه كان خلاف ذلك، فقد واجهته المصاعب من جميع الجهات؛ فوالدته غضبت منه غضباً شديداً وتوعدته رغم حبها الجمّ له، وقام والده بطرده من المنزل وهو ما زال طالباً لم يتعدَّ 18 عاماً، فخرج حزيناً من بيته مصدوماً من أهله الذين طالما تغنوا بالحرية في المعتقد والسلوك.

٢٣٣

ليس لمحمد عيسى غارسيا أحد يلجأ إليه سوى «ماشوركا» الذي احتضنه ووفر له عملاً بسيطاً في شركة لتصنيع البلاستيك، ومأوى في بيته كي يعيش فيه. ظل محمد عيسى يعمل ويتردد إلى المسجد كي يتعلم العربية وتعاليم الإِسلام، كان جلّ همّه أن يستزيد من المعرفة وينهل من نهج نبي الإِسلام (ص)

رغب محمد عيسى أن يتعلم سيرة النبي (ص) فأقبل على كتاب السيرة النبوية «لمارتن لينكس»، وكلما قرأ عن الاضطهاد الذي تعرض له النبي وكيف صبر عليه، ازداد صلابة في مواجهة الحياة الصعبة التي يعيشها، وبعد فترة اجتهد محمد عيسى في حفظ القرآن والأحاديث النبوية حتى حفظ جزء «عم» و«الأربعون النووية».

ظلّت نفس محمد عيسى تهفو لزيارة البيت الحرام والوقوف أمام مقام الرسول (ص) حتى أتت فرصة الحج عام 1993 ووقف أمام الكعبة يصلّي معلناً أنه لا يسجد لها ولا يعبد الحجر الأسود بل يسجد ويعبد الله وحده.

بعد الحج عزم محمد عيسى على التخصص في علم الحديث بعدما تعلّم اللغة العربية، وكانت ترافقه أمنية في أن يهدي الله أُمه للإِسلام فأخذ يراسلها ويكتب إليها ويتصل بها بين الحين والحين، وفي إحدى المرات فاجأته أُمه بقولها: «لقد أسلمتُ يا محمد» حينها طار قلب محمد فرحاً لإِسلام أُمه.

عاد محمد عيسى عام 2004 إلى الأرجنتين بعد رحلة استغرقت إحدى عشر عاماً، حفظ خلالها عشرة أجزاء من القرآن الكريم وأتقن اللغة العربية، آنذاك حمل محمد عيسى لواء الدعو إلى الله وتبصير الناس بالله وبالإِسلام لكنه واجه ظروفاً صعبة، ولكن من براثن الظلام يتولد الضوء، فكثير من الأرجنتينيين بدأوا يسألونه عن الإِسلام وهو يشرح لهم حقيقة الافتراءات التي ألصقت بهذا الدين الحنيف، حتى أسلم على يديه 70 رجلاً وامرأة خصصوا لهم مكاناً للصلاة في حيّهم، ويقوم محمد عيسى بتدريس العربية للمسلمين الجدد وتعليمهم قراءة القرآن وتعاليم الإِسلام.

٢٣٤

أصبحت الدعوة إلى الإِسلام هي الشغل الشاغل لمحمد عيسى وتطورت أساليبه في التبليغ، فنظراً إلى أنه يجيد اللغة العربية والإسبانية اتجه إلى الترجمة عندما وجد ندرة في الكتب الإِسلامية باللغة الإسبانية، فعمل مديراً لقسم اللغة الإسبانية في الدار العالمية للكتاب الإِسلامي، وقد ترجم حتى الآن أكثر من سبعين كتاباً إسلامياً من العربية إلى الإسبانية، ويناشد محمد عيسى الجميع الحكومات والمؤسسات الإسلامية أن يدعموا الدعوة والتبليغ في الأرجنتين وأمريكا اللاتينية، وأن تزيد حركة الترجمة وتتسع حتى تشمل جميع الكتب التي تحتضن العلوم الشرعية.

وليس غريباً أن يلوم المسلم الأرجنتيني محمد عيسى المسلمين على تقصيرهم في تبليغ رسالة الإِسلام في أمريكا اللاتينية، بعدما اطلع على عظمة الإِسلام ونجاعته في سعادة الإنسان في هذا العصر، فالمسلمون بنظره لا يقدّرون إسلامهم حق قدره. ويضيف محمد عيسى غارسياً قائلاً: «كثير من الدعاة يسافرون إلى أماكن أخرى من العالم مقابل عدد قليل جداً يأتي إلينا للدعوة إلى الله، وهذا يحزنني كثيراً، فالناس هنا في الأرجنتين، متقبلون للإِسلام ولكنهم يحتاجون إلى من يرشدهم إليه».

نداء إلى المسلمين:

وفي نهاية حديثه معنا قال: «60% من الأرجنتينيين الذين أسلموا تعرفوا على الإِسلام من خلال مواقع الإنترنت، وهناك مواقع إسبانية عن الإِسلام وكذلك منتديات للحوار باللغة الإسبانية، لذلك أناشد الشباب المسلم العربي أن يتعلم اللغة الإسبانية يدخل إلى هذه المواقع ليدعوا إلى الله، أرجو أن تهتموا بأمور المسلمين الجدد في أمريكا اللاتينية ونحن نرحب بكم جميعاً ونود أن نستقبلكم في بيوتنا».

٢٣٥

قصّة قسيس روسي

اعتنق الإسلام بعد صراع ضد الإلحاد :

من هو القسيس المسيحي الروسي الذي اعتنق الإسلام وما هي قصة الشيخ الذي دخل عليه إلى قلب الكنيسة وكان كلامه بمثابة دعوة للهدى، وماذا يفعل بولوسين ورفاقه لنصرة الإسلام في روسيا؟

قال الدكتور في الفلسفة والعلوم السياسية علي فيتشسلاف بولوسين: «لقد تربيت في عائلة غير مؤمنة ولكنني كنت أدرك بإحساسي وجود الله الذي أتوجه إليه في كل ضائقة وسرعان ما تنفرج».

وأضاف بولوسين الذي وضع عدداً من المؤلفات حول علوم الدنيا والآخرة أبرزها كتابه «الخرافات والدين والدولة» الذي صدر في موسكو في عام 9991م إنه التحق بكلية الفلسفة في جامعة موسكو من أجل الوصول إلى معرفة حقيقة الله (سبحانه وتعالى) حيث تخرَّج بعد أن أمعن في دراسة المسيحية الأرثوذكسية وقال «اكتشفت الكثير من التناقضات فيها».

وإبان العهد السوفياتي حيث كانت الشيوعية تمثل الإيديولوجية الرسمية للدولة وكانت الكنيسة الأرثوذكسية تمثل البديل الوحيد الموجود التحق بولوسين بمدرسة الرهبان وأصبح قسيساً في عام 3891م. وأقر بولوسين بأن وضعه كراهب كان يشكِّل رمزاً للصراع ضد الإلحاد وفي الوقت نفسه فإن مقامه كراهب كان يفرض عليه ممارسة طقوس تلبية لاحتياجات الناس المؤمنين التي يقول إنه «لم يقتنع بها مما خلق لديه ازدواجية بين الإيمان الشخصي والواجب الديني الاجتماعي ويعتقد بولوسين أن شكوكه ومواقفه التي لم يكن قادراً على إخفائها كانت السبب وراء إبعاده إلى آسيا الوسطى للخدمة في إحدى الكنائس في طاجكستان «حيث تعرفت لأول مرة وبصورة مباشرة على المسلمين والإسلام الذي بدأت أشعر بانشداد إليه».

وروى بولوسين أن شيخاً وقوراً دخل عليه إلى قلب الكنيسة التي كان يرعى أمورها وبدون أن يقدِّم نفسه «سألني عدة أسئلة أجبته عليها وبعدها قال لي إنك تنظر إلى الأمور بعيون مسلم وستكون إن شاء الله من المسلمين».

٢٣٦

وقال بولوسين: «بدا هذا الأمر عجيباً وغريباً إذ دخل الشيخ إلى قلب الكنيسة بكل احترام ولكنه غير آبه بأي مكروه قد يتعرض إليه ليدعو راعي الكنيسة إلى الإسلام، والعجيب في الأمر أن هذه الدعوة دخلت إلى روحي ولم تلقَ مني أي مقاومة».

وأضاف: إن الأمر الأكثر عجباً أنني لم أرَ هذا الشيخ قبل هذه الحادثة ولا بعدها وبعد وقت أدركت أن مجيئه إليّ كان مثابة «دعوة للهدى».

وبعد آسيا الوسطى تولى بولوسين رعاية كنيسة مهجورة أعيد ترميمها في مدينة كالوغا حيث يعترف بأنه بدأ فيها ممارسة قناعته بالإيمان بعيداً عن الطقوس التي لم يكن يؤمن بها.

وبفضل العلاقة الطيبة التي ارتسمت بينه وبين رواد الكنيسة سارع الناس في سنوات الانفتاح والانعتاق الديني التي دشنتها البيرسترويكا إلى ترشيحه لعضوية البرلمان الروسي في عام 0991م حيث أصبح نائباً في البرلمان وترأس لجنة برلمانية لحرية العقيدة وتفرغ للعمل النيابي بعد أن تقدم بطلب رسمي إلى الكنيسة حرره من التزاماته الشكلية الدينية.

وأضاف أن فترة عمله في البرلمان تُوِّجت بإقرار قانون حول الأديان منح الكثير من التسهيلات للمسلمين وظل العمل به مستمراً حتى عام 7991م.

ويعترف بولوسين أنه انكب في بداية التسعينيات على دراسة المصادر التاريخية القديمة للمسيحية في محاولة للوقوف على تفسيرات للشكوك التي انطوت عليها نفسه ولكن هذه الدراسة المتعمقة زادت شكوكه وعمقتها «حسب قوله».

واستطرد بأن عام 5991م كان عام التحول في قناعاته الدينية حيث توقف تماماً عن ممارسة عمله في الكنيسة وانتقل لدراسة الإسلام وقال: «لكن قراءة القرآن بالترجمة الروسية التي أعدها أغناتي كراتشكوفسكي شوهت المعاني السامية للقرآن التي لم تتضح بأبعادها العظيمة إلّا بعد مراجعة ترجمة عصرية للمعاني القرآنية والمؤلفات الإسلامية حول المسيح واستماعي إلى سلسلة محاضرات حول الدين الإسلامي حيث لم يبقَ لديّ أي شك في اعتناق الإسلام.

٢٣٧

وقال بولوسين «أعلنت إسلامي سراً ولم يكن يعلم به أحد سوى شخصين، وانطوى هذا القرار على خطر يتهدد حياتي وحياة زوجتي التي سبقتني إلى الإسلام وظللت على هذا الحال حتى العام الماضي حيث نطقت علناً بالشهادتين في حديث أدليت به لصحيفة «المسلمون» واتخذت لنفسي اسم علي وزوجتي علية».

ورداً على النظريات الغربية التي ترى أن الصراع بين الأديان والحضارات يبدو حتمياً أعرب بولوسين عن قناعته بأن روسيا تشكل نموذجاً يحتذى للتعايش السلمي بين الإسلام والمسيحية بالرغم من بعض الفترات التاريخية التي ألحقت فيها الدولة أذى بالمسلمين كما حدث في العهد القيصري إبان حكم إيفان الرهيب وغيرها.

وحذر بولوسين من وجود أطراف خارجية تسعى لإثارة النعرات الدينية في روسيا من أجل تقويض الوحدة الوطنية وإضعاف الدولة الروسية.

ويتهم بولوسين الصهيونية بأنها صاحبة المصلحة الأولى في الإيقاع بين المسلمين والمسيحيين في روسيا.

ودحض بولوسين بقوة محاولة إضفاء صفة الإرهاب على الإسلام قائلاً إن الأصولية اليهودية تشكل قمة التطرف لأنها تندرج في الإطار الإيديولوجي للصهيونية وتقوم على الخرافات التي كانت قائمة قبل ثلاثة آلاف عام.

وتساءل «كيف يتحدثون عن الأصولية الإسلامية وكلنا نعرف إن الأصولية اليهودية هي التي أقامت دولة على حساب شعب آخر استناداً إلى روايات خرافية وما زالت تسعى لإقامة دولة إسرائيل الكبرى على حساب الأمة العربية جمعاء».

وعن المهام الملحَّة التي يقوم بها بولوسين لنصرة الإسلام في روسيا قال إن المهمة الملحة تتمثل في «تقديم صورة صحيحة عن الإسلام للمواطنين الروس على جميع الأصعدة بما في ذلك أجهزة الدولة الأمنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية».

وأضاف أننا نقوم بنشر صورة الإسلام المشرقة بصفته ديناً قائماً على المحبة والتعايش السلمي وسط المثقفين الروس وبدأنا بإصدار نشرة الصراط المستقيم التي تتضمن مقالات تطرح نظرة عصرية وحديثة للإسلام في روسيا وموقف المسلمين إزاء معضلات ومشكلات المجتمع الروسي.

٢٣٨

وذكر بولوسين الذي يعمل في الوقت الحاضر مستشاراً لدى رئيس الإدارة الدينية لمسلمي الجزء الأوروبي من روسيا أنه يعمل مع فريق من المسلمين الروس على وضع أسس لبرنامج اجتماعي للمسلمين الروس من أجل طرحه في الأوساط الروسية الرسمية والاجتماعية.

٢٣٩

الأخ الإسباني يوسف فرنانديز

يقول:

· أدركت أن الإسلام هو ما كنت أنتظره منذ فترة طويلة، فهو نهج حياة واضح لا يكتنفه غموض أو أسرار.

· قبل الإسلام كنت شخصاً عصبياً متشائماً لا يرى معنى لوجوده.. وقد أصبحت بعده إنساناً هادئاً وحيوياً وإيجابياً.

· في إسبانيا آفاق الدعوة إلى الإسلام جيّدة على الرغم من أن العمل في هذا المجال ليس كافياً.

يوسف فرنانديز.. أخ مسلم غربي آخر يروي قصّة تحوّله المشوّقة إلى جمال أنوار الإسلام، بعد رحلة طالت مع العقائد والأفكار السائدة في عالم الغرب، التي لم تشفِ غليله، ولم توفّر له قناعة بسلامتها وطمأنينة بصلاحيتها.. وقد تفضّل مشكوراً بالكتابة عن قصّة اعتناقه للإسلام، ليطّلع عليها قرّاء المجلة وكل من هو متيقِّن بعظمة هذا الدين الحنيف.

لقد وُلدت في العام 5691 في أستورياس، وهي منطقة في شمال إسبانيا زُعم أنها مهد الكاثوليكية الوطنية، أي العقيدة السياسية والدينية التي سادت في إسبانيا طيلة خمسة قرون. تقول أساطير الفكر الرسمي القديم إن المسلمين الذين جاؤوا في العام 711 ميلادي إلى إسبانيا عن طريق مضيق جبل طارق واستولوا على معظم أنحاء شبه الجزيرة الأيبيرية في سبع سنوات فقط، قد هُزموا من قبل الملك بيلايو وبعض أتباع المسيحية في كوفادونغا، وهي معقل جبلي في أستورياس. وقد قيل إن ذلك آذن ببدء الـatsiuqnoceR (الاسترداد) أي الحرب المسيحية المقدسة التي استمرت ثمانية قرون لفتح شبه الجزيرة بأكملها والقضاء على الدول الإسلامية فيها. وفي الثاني من كانون الثاني/يناير 2941، سقطت غرناطة؛ وقد مثل هذا التاريخ نهاية العصر الإسلامي المشرق في الأندلس.

بعد ذلك، أصبحت إسبانيا دولة كاثوليكية رسمية وذلك حتى وفاة الدكتاتور فرانشيسكو فرانكو في العام 5791. وفي عام 8791، تمت المصادقة على أول دستور ديمقراطي، وبعد ذلك بعامين صدر أول قانون للحرية الدينية.

نظراً لهذه الحقائق التاريخية، كان من المفترض أن تكون أستورياس مكاناً من الصعب أن يكتشف المرء الإسلام فيه، لا سيما وأن الهويتين الأستورية والإسبانية قد تم ربطهما بالكاثوليكية الوطنية لفترة طويلة.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

التّفسير

دعاء ابراهيمعليه‌السلام :

لمّا كان الحديث في الآيات السابقة عن المؤمنين الصادقين والشاكرين لأنعم الله ، عقّبت هذه الآيات في بحث بعض ادعية وطلبات العبد المجاهد والشاكر لله ابراهيمعليه‌السلام ليكون هذا البحث تكملة للبحث السابق ونموذجا حيّا للذين يريدون ان يستفيدوا من النعم الالهيّة أفضل استفادة.

يقول تعالى :( وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ) لانّهعليه‌السلام كان يعلم حجم البلاء الكبير الكامن في عبادة الأصنام ، ويعلم كثرة الذين ذهبوا ضحيّة في هذا الطريق( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ ) فأيّ ضلال اكبر من هذا الضلال الذي يفقد الإنسان فيه حتّى عقله وحكمته.

الهي انّني ادعو الى توحيدك ، وادعو الجميع الى عبادتك( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

في الحقيقة انّ ابراهيمعليه‌السلام أراد بهذه العبارة ان يقول لله تعالى : انّه حتّى لو انحرف ابنائي عن مسيرة التوحيد واتّجهوا الى عبادة الأصنام فإنّهم ليسوا منّي ، ولو كان غيرهم في مسيرة التوحيد فهم ابنائي وإخواني.

انّ تعبير ابراهيم المؤدّب والعطوف جدير بالملاحظة ، فهو لم يقل : ومن عصاني فإنّه ليس منّي وسأعاقبه عقابا شديدا ، بل يقول :( وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

ثمّ يستمر بدعائه ومناجاته( رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ ) .

وكان ذلك عند ما رزقه الله إسماعيل من جاريته «هاجر» فأثار ذلك حسد زوجته الاولى «سارة» ولم تستطع تحمّل وجود هاجر وابنها ، فطلبت من

٥٢١

ابراهيم ان يذهب بهما الى مكان آخر ، فاستجاب لها ابراهيم طبقا للأوامر الالهيّة ، وجاء بإسماعيل وامّه الى صحراء مكّة القاحلة ، ثمّ ودّعهم وذهب.

ولم يمض قليل من الوقت حتّى عطشت الامّ وابنها في تلك الشمس المحرقة ، وسعت هاجر كثيرا في انقاذ ابنها ، ولكنّ الله تعالى أراد ان تكون تلك الأرض قاعدة عظيمة للعبادة فأظهر عين زمزم ، ولم يمض وقت حتّى علمت قبيلة «جرهم» البدوية التي كانت قريبة منهم بالأمر ، فرحلوا وأقاموا عندهم ، فأخذت مكّة بالتحضّر شيئا فشيئا.

ثمّ يتابع ابراهيمعليه‌السلام دعاءه : الهي ، انّ اهلي قد سكنوا في هذه الصحراء المحرقة احتراما لبيتك المحرّم :( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) .

ومن هنا لمّا كان الإنسان الموحّد والعارف يعلم بمحدودية علمه في مقابل علم الله ، وانّه يعلم مصلحته الّا الله تعالى ، فما اكثر ما يطلب شيئا من الله وليس فيه صلاحه ، او لا يطلبه وفيه صلاحه ، وأحيانا لا يستطيع ان يقوله بلسانه فيضمره في اعماق قلبه ، ولذلك يعقّب على ما مضى من دعائه ويقول :( رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ ) .

فان كنت مغتمّا لفراق ابني وزوجتي فأنت تعلم بذلك وترى دموع عيني المنهملة. وان كان قلبي قد ملأه همّ الفراق ، وامتزج بفرح العمل بالتكليف والطاعة لاوامرك فأنت اعلم بذلك وعند ما فارقت زوجتي وقالت لي : «الى من تكلني» فأنت أدرى بها وبمستقبلها ومستقبل هذه الأرض.

ثمّ يشير القرآن الى شكر ابراهيمعليه‌السلام لنعمه تعالى والتي هي من اهمّ ما امتاز بهعليه‌السلام شكره على منحه ولدين بارّين إسماعيل وإسحاق وذلك في سنّ

٥٢٢

الشيخوخة( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ ) (١) نعم( إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ ) .

ثمّ يستمرّ بدعائه ومناجاته ايضا فيقول :( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ ) .

ثمّ يختم دعاءه هنا فيقول :( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ ) .

* * *

بحوث

١ ـ هل كانت مكّة في ذلك الوقت مدينة؟

رأينا في الآيات السابقة انّ ابراهيم قال :( رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ) وهذه اشارة الى اوّل دخوله ارض مكّة والتي كانت غير مزروعة ولا معمورة ولا ساكن فيها سوى اسّس بيت الله الحرام ، ومجموعة من الجبال الجرداء.

ولكنّنا نعلم انّها لم تكن رحلته الوحيدة الى مكّة ، بل وطأت قدمه عدّة مرّات تلك الأرض ، وفي الوقت نفسه كانت مكّة تأخذ طابع المدينة ، وسكنتها قبيلة «جرهم» وبظهور عين زمزم أصبحت صالحة للسكن.

والمعتقد انّ ادعية ابراهيم هذه كانت في احدى رحلاته ، ولذلك عبّر عنها بالبلد ، اي المدينة فقال :( رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ) .

وامّا قوله :( بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ) فقد تكون اشارة الى رحلته الاولى او اشارة

__________________

(١) هناك اختلاف بين المفسّرين في سنّ ابراهيم عند ولادة إسماعيل وإسحاق ، فمنهم من قال : كان عمره عند ولادة إسماعيل ٩٩ عاما وعند ولادة إسحاق ١١٢ عام ، ومنهم من يقول اكثر من ذلك واقل ، ولكن القدر المسلّم به انّ عمره كان في سن يصعب ان يولد منه الأبناء.

٥٢٣

الى ارض مكّة بعد ان أخذت طابع المدينة ، فإنّها لا زالت غير صالحة للزراعة ، لانّها من الناحية الجغرافية تقع بين جبال يابسة وقليلة المياه.

٢ ـ أمان ارض مكّة

من الطريف انّ اوّل ما سأل ابراهيم من ربّه في هذه الأرض هو الامان ، وهذا يوضّح انّ نعمة الأمن هي من الشروط الاولى لحياة الإنسان وسكنه في منطقة ما ، فالمكان غير الآمن لا يمكن السكن فيه ، حتّى لو اجتمعت كلّ النعم الدنيويّة فيه ، وفي الحقيقة اي مدينة او بلد فاقد لنعمة الأمن سوف يفقد جميع النعم!

ولا بدّ هنا من الالتفات الى هذه النقطة ، وهي انّ استجابة الله لدعاء ابراهيم بخصوص امن مكّة له جهتان : فمن جهة منحها امنا تكوينيّا ، ولذلك لم تشهد في تاريخها الّا النزر القليل من إخلال الأمن ، ومن جهة ثانية منحها الأمن التشريعي ، اي انّ الله اقرّ ان يأمن جميع الناس ـ وحتّى الحيوانات ـ في هذه الأرض. ومنع صيد الحيوانات ، وعدم متابعة المجرمين الذين يلجأون الى حرم الكعبة ، ونستطيع ـ فقط ـ ان نمنع عليهم الغذاء لكي يخرجوا ، ومن ثمّ تطبيق العدالة في حقّهم.

٣ ـ دعاء ابراهيم لاجتناب عبادة الأصنام؟

ممّا لا شكّ فيه انّ ابراهيمعليه‌السلام كان نبيّا معصوما ، وكذلك ابناه إسماعيل وإسحاق كانا نبيّين معصومين ، لانّهما داخلان في كلمة «بنيّ» في الآية قطعا ، ومع ذلك يدعو الله ان يجنّبهم عبادة الأصنام!

وهذا دليل في التأكيد على محاربة عبادة الأصنام بحيث كان يطلب هذا الأمر من الله حتّى للأنبياء المعصومون ومحطّمو الأصنام ، وهذا نظير اهتمام النّبي في وصاياه لعلي ـ او الائمّة الآخرين بالنسبة لاوصيائهم ـ في امر الصلاة ، والتي

٥٢٤

لا يمكن احتمال تركها من قبلهم ابدا ، بل انّ الصلاة أساسا قامت ببركة سعيهم وجهودهم.

وهنا يطرح هذا السؤال : كيف قال ابراهيم( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ ) في حين انّ الأصنام ليست سوى أحجارا وخشبا ولا استطاعة لهنّ في إضلال الناس.

ويمكن الجواب على هذا السؤال من جهتين :

اوّلا : لم تكن الأصنام من الأحجار والخشب دائما ، بل هناك الفراعنة وأمثال نمرود الذين كانوا يدعون الناس لعبادتهم ويسمّون أنفسهم بالربّ الأعلى والمحي والمميت.

ثانيا : وأحيانا يكون القائمون بأمر الأصنام مظهرين تعظيمها وتزيينها بالشكل الذي تكون حقّا مضلّة لعوام الناس.

٤ ـ من هم اتباع ابراهيم؟

قرانا في الآيات انّ ابراهيم قال :( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) فهل انّ اتباع ابراهيم من كان في عصره فقط ، ام الذين كانوا على دينه في العصور اللاحقة ، او يشمل كلّ الموحدين والمؤمنين في العالم ـ باعتبار ابراهيمعليه‌السلام مثالا في التوحيد ومحطّما للأصنام ـ؟

نستفيد من الآيات القرآنية ـ ومن ضمنها الآية ٧٨ من سورة الحج ـ انّ دعاء ابراهيم يشمل جميع الموحدين والمجاهدين في طريق التوحيد. ويؤيّد هذا التّفسير ما ورد عن اهل البيتعليهم‌السلام ايضا : فعن الباقرعليه‌السلام قال «من احبّنا فهو منّا اهل البيت. قلت ، جعلت فداك : منكم؟ قال منّا والله ، اما سمعت قول ابراهيم( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) (١) .

__________________

(١) نور الثقلين ج ٤ ص ٥٤٨.

٥٢٥

ويوضّح هذا الحديث صيرورة الفرد من اهل البيت معنويا ان سار على خطّهم وتابع منهجهم.

وعن الامام عليعليه‌السلام قال : «نحن آل ابراهيم ، أفترغبون عن ملّة ابراهيم! وقد قال الله تعالى :( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) .

٥ ـ واد غير ذي زرع والحرم الآمن

الذين سافروا الى مكّة يعلمون جيدا انّها تقع بين جبال صخرية يابسة لا ماء فيها ولا كلا ، وكأنّ الصخور وضعت في افران حارّة ثمّ صبّت في أماكنها. وفي نفس الوقت فهي اكبر مركز للعبادة واقدم قاعدة للتوحيد على وجه المعمورة ، وكذلك هي حرم الله الآمن.

وهنا قد يرد هذا السؤال في أذهان الكثيرين وهو : لماذا جعل الله هذا المركز المهمّ في مثل هذه الأرض؟

يجيب الامام عليعليه‌السلام على هذا السؤال من خلال أوضح العبارات وأجمل التعابير الفلسفيّة خطبته القاصعة حيث يقول : «وضعه بأوعر بقاع الأرض صخرا واقلّ نتائق الدنيا مدرا بين جبال خشنة ورمال دمثة ولو أراد سبحانه ان يضع بيته الحرام ومشاعره العظام بين جنّات وانهار وسهل وقرار ، جمّ الأشجار ، داني الثمار ، ملتفّ البنا ، متّصل القوى ، بين برّة سمراء وروضة خضراء ، وأرياف محدقة ، وعراص مغدقة ورياض ناظرة وطرق عامرة ، لكان قد صغر قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء ، ولو كان الأساس المحمول عليها والأحجار المرفوع بها بين زمردة خضراء ، وياقوتة حمراء ، ونور وضياء ، لخفّف ذلك مصارعة الشكّ في الصدور ، ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب ، ولنفى معتلج الريب من الناس ، ولكنّ الله يختبر عباده بأنواع الشدائد ، ويتعبّدهم بأنواع المجاهد ، ويبتليهم بضروب المكاره ، إخراجا للتكبّر من قلوبهم ، وإسكانا للتذلّل في نفوسهم وليجعل

٥٢٦

ذلك أبوابا فتحا الى فضله ، وأسبابا ذللا لعفوه»(١) .

٦ ـ الدعوات السبعة لإبراهيم

دعا ابراهيمعليه‌السلام في هذه الآيات سبع دعوات في مجال التوحيد والمناجاة ومحاربة الأصنام وعبادتها ومحاربة الظالمين :

اوّل هذه الدعوات هو أمان مكّة القاعدة العظيمة لمجتمع التوحيد (وما اعمق مغزى هذا الطلب).

الثّاني : دعاؤه في الاجتناب عن عبادة الأصنام والتي هي الأساس والقاعدة لجميع العقائد والبرامج الدينيّة.

الثّالث : دعاؤه في تمايل قلوب المؤمنين وارتباطهم العاطفي بالنسبة لأبنائه والتابعين لدينه.

دعاؤه الرابع : ان يرزقهم الله من انواع الثمرات ، لتكون عنوانا للشكر والالتفات بشكل اعمق لخالق النعم.

الدعاء الخامس : التوفيق لاقامة الصلاة والتي هي أقوى صلة بين الإنسان وربّه ، ودعاؤهعليه‌السلام ليس له فقط ، بل حتّى لأبنائه.

دعاؤه السادس : قبول دعائه ، ونحن نعلم انّ الله يقبل الدعاء من مواقع الإخلاص والقلوب الطاهرة والأرواح السامية ، وفي الواقع انّ هذا الطلب من ابراهيمعليه‌السلام يحتوي ضمنا الحصول على القلب الطاهر والروح السامية.

وآخر دعائهعليه‌السلام : ان يشمله الله بلطفه ورحمته فيما إذا صدر منه ذنب او خطيئة ، وان يرحم امّه وأباه وجميع المؤمنين في يوم القيامة.

وبهذا الترتيب فإن دعواته تبدا بالأمن وتنتهي بالعفو والغفران ، ومن الطريف انّه لم يطلبها لنفسه فقط ، بل للآخرين كذلك ، لانّ عباد الرحمن ليسوا انانيّين!

__________________

(١) نهج البلاغة ، خطبة ١٩٢ (القاصعة).

٥٢٧

٧ ـ هل يدعو ابراهيم لأبيه؟

ممّا لا شكّ فيه انّ «آزر» كان يعبد الأصنام ، وكما يشير اليه القرآن فإنّ ابراهيم سعى جاهدا لان يهديه لكن خاب سعيه ، وإذا سلّمنا انّ آزر كان أبا لإبراهيم ، فلما ذا يدعو ابراهيم ان يغفر الله له في الوقت الذي نرى انّ القرآن يقول :( ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ ) .(١)

ومن هنا يتّضح انّ آزر لم يكن أبا لإبراهيم ، وانّ كلمة أب تطلق أحيانا على العمّ ، وكثيرا ما يستعملها العرب كذلك ، بينما (الوالد) خاصّة بالأب الحقيقي والتي جاءت في الآيات أعلاه. امّا كلمة أب والتي وردت بخصوص آزر فمن الممكن انّ المراد بها العمّ.

ونستنتج من الآيات أعلاه وممّا ورد في سورة التوبة من النهي عن الاستغفار للمشركين انّ «آزر» لم يكن أبا لإبراهيم حتما. (وللتوضيح اكثر راجع تفسير الآية ٧٤ من سورة الانعام و ٣٦ من سورة الأعراف في تفسيرنا هذا).

* * *

__________________

(١) التوبة ، ١١٣.

٥٢٨

الآيات

( وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤) وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (٤٥) )

التّفسير

اليوم الذي تشخّص فيه الأبصار!

كان الحديث في الآيات السابقة عن يوم الحساب ، وبهذه المناسبة تجسّم هذه الآيات حال الظالمين والمتجبّرين في ذلك اليوم ، ثمّ تبيّن المسائل المتعلّقة بالمعاد وتكمل الحديث السابق حول التوحيد وتبدا في تهديد الظالمين :( وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) .

٥٢٩

وهذا في الواقع جواب لأولئك الذين يقولون : إذا كان لهذا العالم اله عادل فلما ذا يترك الظالمين وحالهم؟ هل هو غافل عنهم ام لا يستطيع ان يمنعهم وهو يعلم بظلمهم؟

فيجيب القرآن الكريم على ذلك بأنّ الله ليس غافلا عنهم ابدا ، لانّ عدم عقابهم مباشرة هو انّ هذا العالم محلّ الامتحان والاختبار وتربية الناس ، وهذا لا يتمّ الّا في ظلّ الحرية ، وسوف يأتي يوم حسابهم( إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ ) .

«تشخص» من مادّة «الشخوص» بمعنى توقّف العين عن الحركة والنظر الى نقطة بدهشة.

«مهطعين» من مادّة «إهطاع» بمعنى رفع الرقبة ، ويعتقد البعض انّها بمعنى «السرعة» وقال آخرون : تعني «النظر بذلّة وخشوع». ولكن بالنظر الى الجمل الاخرى يكون المعنى الاوّل اقرب الى الصحّة.

«مقنعي» من مادّة «الاقناع» بمعنى رفع الراس عاليا.

ومفهوم جملة( لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ) لا يقدرون على ان يطرفوا من شدّة الهول ، وكأنّ أعينهم كأعين الأموات عاطلة عن العمل!

وجملة( أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ ) بمعنى قلوبهم خالية ومضطربة بحيث ينسون كلّ شيء حتّى أنفسهم وفقدت قلوبهم وأنفسهم كلّ ادراك وعلم ، وفقدوا كلّ قواهم.

انّ بيان هذه الصفات الخمس : تشخص الأبصار ، مهطعين ، مقنعي رؤوسهم ، لا يرتدّ إليهم طرفهم ، افئدتهم هواء ، صورة بليغة لهول وشدّة ذلك اليوم على الظالمين الذين كانوا يستهزئون بكلّ شيء ، وأصبحوا في هذا اليوم لا يستطيعون حتّى تحريك أجفان أعينهم.

ولكي لا يشاهدوا هذه المناظر المفجعة ينظرون الى الأعلى فقط ، فهؤلاء كانوا يعتقدون بكمال عقولهم ويعدّون الآخرين من الحمقى ، فأصبحوا اليوم

٥٣٠

مدهوشين لدرجة انّ نظرهم نظر المجانين. بل الأموات نظر جاف عديم الروح ومليء بالرعب والفزع نعم ، عند ما يريد القرآن الكريم ان يصوّر منظرا او يجسّم موقفا يستخدم اقصر العبارات في أكمل بيان كما في الآية أعلاه.

ولكي لا يعتقد احد انّ هذه المجازات تتعلّق بمجموعة معيّنة ، يقول تعالى لنبيّه الكريم :( وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) حتّى نستفيد من هذه الفرصة ثمّ( نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ) ولكن هيهات انّ ذلك محال( أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ ) فكلّ هذه الدروس لم تؤثّر بكم وأدمتم ظلمكم وجوركم ، والآن وبعد ان وقعتم في يد العدالة تطلبون تمديد المدّة ، اي مدّة؟ لقد انتهى كلّ شيء!

* * *

بحوث

١ ـ لماذا وجّه الخطاب هنا الى الرّسول الأكرم؟

ممّا لا شكّ فيه انّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يتصوّر ابدا انّ الله غافلا عن الظالمين ، ومع ذلك نرى الآيات أعلاه توجّه خطابها الى النّبي وتقول له :( وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) .

انّه ـ في الواقع ـ إيصال الخطاب بشكل غير مباشر الى الآخرين ، والذي هو احد فنون الفصاحة ، كما نقول : ايّاك اعني واسمعي يا جارة.

وبالاضافة الى ذلك فإنّ هذا التعبير كناية عن التهديد ، كما نقول في بعض الأحيان للشخص المقصّر «لا تعتقد انّنا غافلون عن افعالك» يعني سوف نحاسبك على ما فعلت!

٥٣١

وعلى اي حال فأساس الحياة يقوم على إعطاء المهلة الكافية للافراد حتّى ينفقوا ممّا عندهم ، ولكي لا يبقى عذر لأحد تعطى المهلة الكافية قبل ساعة الامتحان ، وإعطاء المهلة الكافية للرجوع والإصلاح للجميع.

٢ ـ ما هو المقصود من( يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ ) ؟

لقد امر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان ينذر الناس بهذا اليوم الذي ينزل عليهم فيه العذاب الالهي ، ولكن اي يوم هذا؟ ذكر المفسّرون له ثلاث احتمالات :

الاوّل : يوم القيامة.

الثّاني : يوم وقوع الموت ، حيث تبدا مقدّمة العذاب الالهي للظالمين.

الثّالث : المقصود هو نزول جزء من العذاب والبلاء الدنيوي ، كعذاب قوم لوط وعاد وثمود وقوم نوح وفرعون ، والذي تمّ من خلال الطوفان او الزلازل والعواطف والريح وغيرها.

ومع انّ كثير من المفسّرين رجّحوا التّفسير الاوّل ، الّا انّ الآيات التي تليها تشير الى قوّة الاحتمال الثّالث ، والتي توضّح انّ المقصود هو العقاب الدنيوي لانّنا نقرا بعد هذه الآية( رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ ) .

فالتعبير «اخّرنا» قرينة واضحة في الطلب لاستمرار الحياة في الدنيا ، لانّه لو كان في الآخرة لقالوا : ربّنا ارجعنا الى الدنيا ، كما نقرا في الآية (٢٧) من سورة الانعام( وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) حيث يردّ عليهم القرآن الكريم ويقول :( وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) .

وقد يسأل سائل : إذا كانت هذه الآية تشير الى عذاب الدنيا ، والآية ما قبلها( وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً ) تشير الى عذاب الآخرة ، فكيف يمكن ان تتوافق هاتان الآيتان ، بالنظر الى انّ كلمة «انّما» دالّة على عقابهم في الآخرة فقط وليس في

٥٣٢

الدنيا.

ويتّضح الجواب بملاحظة انّ العقاب الاخروي الذي يشمل جميع الظالمين ، ليس له اي تبديل وتغيير ، بينما الجزاء الدنيوي ـ بالاضافة الى انّه غير شامل ـ فهو قابل للتبديل.

ولا بدّ من ذكر هذه النقطة ايضا وهو انّ العقاب الدنيوي ـ كعقاب قوم نوح وفرعون وأمثالهم ـ إذا حلّ بهم سوف تغلق أبواب التوبة كليّا وليس لهم طريق للرجوع والتوبة ، لانّ اغلب المذنبين عند ما يرون العذاب يندمون على ما فعلوا ، وهذا الندم اضطراريوليس له اي قيمة ، ولذلك يجب عليهم ان يتوبوا قبل نزول العذاب(١) .

٣ ـ لماذا لا تقبل المهلة؟

نقرا في آيات مختلفة من القرآن الكريم انّ الظالمين والمذنبين في مواقف متعدّدة ، يطلبون الرجوع الى الحياة لتصحيح مسيرتهم ، فبعض هذه المواقف مرتبط بيوم القيامة كما أشرنا في الآية (٢٨) من سورة الانعام ، وبعض آخر مرتبط بساعة الموت كما تشير اليه الآية (٩٩) من سورة المؤمنون( حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ) والبعض الآخر يطلب الرجوع عند نزول العذاب المهلك ـ كما في هذه الآية ـ حيث يقول الظالمون عند رؤيتهم للعذاب( رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ ) ومن الطريف انّ الجواب في جميع هذه المواقف يكون بالنفي.

ودليله واضح ، لانّ اي واحد من هذه الامنيات لا يمثّل حقيقة واقعيّة ولا جديّة ، ورجاؤهم هذا هو حالة اضطرارية تظهر حتّى عند أسوإ الأشخاص ، وليست حالة دالّة على التغيّر الذاتي والتصميم الواقعي الصادق لتصحيح مسيرة

__________________

(١) للمطالعة اكثر راجع ذيل الآية (١٨) من سورة النساء.

٥٣٣

حياتهم ، كالمشركين عند ما يأخذهم الطوفان يسألون الله النجاة ، وعند ما ينجيهم الى الساحل ينكثون عهودهم كأن لم يكن يحدث شيء إطلاقا.

ولذلك يقول القرآن الكريم في بعض آياته ـ كما أشرنا اليه أعلاه ـ( وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ ) .

* * *

٥٣٤

الآيات

( وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦) فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (٤٧) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١) هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٥٢) )

التّفسير

لا فائدة من مكرهم!

اشارت الآيات السابقة الى نوع من عقاب الظالمين ، وفي هذه الآيات ايضا اشارت ـ اوّلا ـ الى جزء من أفعالهم ، ومن ثمّ الى قسم آخر من جزائهم الشديد وعقابهم الأليم.

٥٣٥

تقول الآية الاولى :( وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ ) .

لقد عملوا كلّ ما بوسعهم من اجل طمس حقائق الإسلام ، بدء من الترغيب والتهديد وحتّى الأذى ومحاولات القتل والاغتيال وبثّ الشائعات ، ومع كلّ ذلك فإنّ الله مطّلع على جميع مؤامراتهم وقد احصى اعمالهم :( وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ ) وعلى اي حال فلا تقلق فانّهم لا يستطيعون بمكرهم هذا ان يصيبوك بسوء حتّى( وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ ) .

«المكر» ـ وكما أشرنا اليه سابقا ـ بمعنى الاحتيال ، فمرّة يلازمه الفساد ومرّة اخرى لا يلازمه ، وفي تفسير جملة( وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ ) رأيان : يقول البعض ومن جملتهم العلّامة الطباطبائي في تفسير الميزان : المراد بكون مكرهم عند الله احاطته تعالى به بعلمه وقدرته.

ويقول البعض الآخر ، كالعلّامة الطبرسي في مجمع البيان : انّ المراد هو ثبوت جزاء مكرهم عند الله تعالى (وعلى هذا التّفسير يكون تقدير الآية : عند الله جزاء مكرهم) فكلمة الجزاء محذوفة.

وممّا لا شكّ فيه انّ التّفسير الاوّل اقرب الى الصحّة ، لانّه يوافق ظاهر الآية ولا يحتاج الى الحذف والتقدير ، وتؤيّده جملة( وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ ) اي انّ مكرهم مهما كان قويّا. ومهما كانت لديهم قدرة على المؤامرة ، فإنّ الله اعلم بهم واقدر عليهم وسيدمر كلّ ما مكروا.

ثمّ يتوعّد الله الظالمين والمسيئين مرّة اخرى من خلال مخاطبة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ) لانّ الأخلاف يصدر من الذي ليست له قدرة واستطاعة ، ولكن :( إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ ) .

وهذه الآية ـ في الواقع ـ مكمّلة للآية التي قبلها( وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) .

وتعني انّ المهلة التي أعطيت للظالمين ليست بسبب انّ الله غافل عنهم وعن

٥٣٦

اعمالهم ولا مخلف لوعده ، بل سينتقم منهم في اليوم المعلوم. والانتقام لا يراد به ما كان مصحوبا بالحقد والثأر كما يستخدم عادة في اعمال البشر ، بل هو الجزاء والعقاب واقامة العدالة بحقّ الظالمين ، بل انّها نتيجة عمل الإنسان نفسه ، ولا حاجة الى القول بأنّ الله تعالى لو لم ينتقم من الظالمين لكان ذلك خلافا لعدله وحكمته.

ثمّ يضيف تعالى( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ ) وسوف يتجدّد كلّ شيء بعد الدمار ، ويبعث الإنسان في خلق جديد وعالم جديد يختلف في كلّ شيء عن هذا العالم ، في سعته ، في نعيمه وعقابه وسيظهر الإنسان بكلّ وجوده لله تعالى :( وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ ) .

و «البروز» من مادّة «البراز» على وزن «فراز» بمعنى الفضاء والمحلّ الواسع ، وغالبا ما تأتي بمعنى الظهور ، لانّ وجود الشيء في الفضاء الواسع بمعنى ظهوره ، وهناك آراء مختلفة للمفسّرين في معنى بروز الناس لله تعالى ، الكثير يرى انّها تعني الخروج من القبر.

ويحتمل ان يكون المعنى انكشاف بواطن وظواهر جميع الناس في يوم المحشر ، كما نقرا في الآية (١٦) من سورة غافر( يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ) وكذلك الآية (٩) من سورة الطارق( يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ ) وعلى اي حال فوصفه بالقهّار دليل على تسلطه على كلّ الأشياء وسيطرته على ظاهرها وباطنها.

وهنا يأتي هذا السؤال ، وهو : هل انّ شيئا خفي على الله في هذه الدنيا لكي يظهر في الآخرة؟ ام انّ الله لا يعلم بما في القبور ولا يعلم بأسرار الناس؟

ويتّضح الجواب من الالتفات الى هذه النقطة ، وهي انّ لنا ظاهرا وباطنا في هذه الدنيا ، وقد يشتبه على البعض ـ بسبب علمنا المحدود ـ انّ الله لا يرى باطننا ، ولكن سوف يظهر كلّ شيء في الآخرة ولا وجود للظاهر والباطن هناك ، وبعبارة

٥٣٧

اخرى فالظهور بالقياس الى علمنا وليس الى علم الله المطلق.

وتصوّر الآية التالية كيفيّة بروزهم الى الله فنقول :( وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ ) .

«الأصفاد» جمع «صفد» بمعنى الغلّ ، وقال البعض هو الغلّ والسلاسل التي تجمع اليد الى العنق.

«مقرنين» من مادّة «القرن والاقتران» وهي بنفس المعنى ، لكن لو استخدمت من باب التفعيل يستفاد منها التكثير ، وعلى ذلك فكلمة مقرّنين بمعنى الأشخاص المتقاربين مع بعضهم البعض.

وللمفسّرين ثلاث آراء حول المقصود من هذه الكلمة :

الاوّل : هو تقييد المجرمين بالسلاسل والأغلال بعضهم مع البعض الآخر وظهورهم بهذه الصورة في يوم القيامة ، انّ هذا الغل هو عبارة عن تجسيد للروابط العملية والفكرية بين المجرمين في هذه الدنيا ، حيث كان يساعد بعضهم البعض على الظلم والفساد ، وتتجسّد هذه العلاقة في الآخرة بصورة سلاسل تربطهم فيما بينهم.

الثّاني : انّ المجرمين يقرّنون مع الشياطين بالسلاسل في يوم القيامة بسبب علاقتهم الباطنية معهم في هذه الدنيا.

الثّالث : ان تقيّد أيديهم برقابهم في الآخرة.

ولا مانع هناك من ان تجمع هذه الصفات للمجرمين ، لكن المعنى الاوّل الذي ذكرناه يوافق ظاهر الآية.

ثمّ يتطرّق القرآن الكريم الى لباسهم والذي هو احد افراد المجازاة الشديدة( سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ ) .

«سرابيل» جمع (سربال) على وزن (مثقال) بمعنى القميص من اي قماش كان ، ويقول البعض بأنّه كلّ انواع اللباس ، لكن الاوّل اقرب الى المعنى.

٥٣٨

«قطران» بفتح القاف وسكون الطاء او بكسر القاف وسكون الطاء ، وهي مادّة تؤخذ من شجرة الأبهل ثمّ تغلى فتثخن وتطلى بها الإبل عند اصابتها بمرض الجرب ، وكانوا يعتقدون انّ المرض يزول بسبب وجود الحرقة في هذه المادّة ، وعلى اي حال فهي مادّة سوداء نتنة وقابلة للاشتغال(١) .

فيكون معنى الجملة( سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ ) انّهم يلبسون ثيابا من مادّة سوداء ونتنة وقابلة للاشتعال ، حيث تمثّل اسوا الالبسة لما كانوا يعملونه في هذه الدنيا من ارتكاب الذنوب والفواحش. وسوادها يشير إلى أنّ الذنوب تؤدّي إلى ان يكون الإنسان مسودّ الوجه امام ربّه ، وتعفّنها يشير الى تلوّث المجتمع بهم ومساعدتهم على إشعال نار الفساد ، وكأنّ القطران تجسيد لاعمالهم في الدنيا.

( وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ ) بسبب لباسهم الذي هو من قطران ، لانّه عند اشتعاله لا يحرق جسمهم فقط ، بل يصل لهيبه الى وجوههم. كلّ ذلك لأجل( لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ ) .

ومن الطريف انّه لم يقل انّ الجزاء بما كسبت أنفسهم ، بل يقول : «ما كسبت» ليكون تجسيدا حيّا لاعمالهم ، وهذه الآية بهذا التعبير الخاص دليل آخر على تجسّم الأشياء.

وفي الختام يقول تعالى :( إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ ) وهذا واضح تماما لانّ كلّ انسان حسابه معه!

ونقرا في بعض الرّوايات : انّ الله تعالى يحاسب الخلائق كلّهم في مقدار لمح البصر. ولا ريب انّ الله تعالى لا يحتاج الى وقت لمحاسبة الافراد ، وما جاء في الرّواية أعلاه اشارة الى اقصر الفترات. (للتوضيح اكثر راجع تفسير الآية ٢٠٢ من سورة البقرة من تفسيرنا هذا).

__________________

(١) يقول فريد وجدي في دائرة المعارف في مادّة (القطران) مائع ناتج من تقطير الفحم الحجري ، والقطران النباتي يتمّ الحصول عليه من بعض الأشجار.

٥٣٩

وبما انّ آيات هذه السورة ـ وكذلك جميع الآيات ـ لها جانب الدعوة الى التوحيد وإبلاغ الأحكام الالهيّة الى الناس وإنذارهم ، يقول تعالى في آخر آية من هذه السورة :( هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ ) .

* * *

بحوث

١ ـ تبديل الأرض غير الأرض والسماوات

قرانا في الآيات أعلاه انّ في يوم القيامة تبدّل الأرض غير هذه الأرض وكذلك السّماوات ، فهل التبديل تبديل ذاتي ، اي ان تفنى هذه الأرض وتخلق مكانها ارض اخرى للقيامة؟ ام المقصود هو تبديل الصفات ، يعني دمار ما في الأرض والسّماوات وخلق ارض وسماوات جديدة على انقاضها؟ حيث تكون النسبة بينهما انّ الثانية أكمل من الاولى.

الظاهر في كثير من الآيات القرآنية أنّها تشير الى المعنى الثاني ، ففي الآية (٢١) من سورة الفجر يقول تعالى :( كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ) وفي الآية الاولى من سورة الزلزال يقول تعالى :( إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها ) وفي الآية (١٥) من سورة الحاقة( وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ ) وقوله تعالى :( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً ـ لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً ـ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً ) ،(١) وقوله تعالى :( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ ) وقوله تعالى في سورة الانفطار( إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَواكِبُ

__________________

(١) سورة طه ، ١٠٨١٠٥ ـ.

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572