الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل6%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 572

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 572 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 287954 / تحميل: 5234
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وهذه النظرية اختارها ابن البطريق (ت ٥٣٣ ـ ٦٠٠ هـ)(١) ، ووافقه عليها غيره .

وإذا ثبت أنّ معنى المولى هو الأولى بالشيء ، يكون ذلك هو المراد من آية الولاية ؛ لأنّه المعنى الوحداني والأصل للفظ الولي ، وتختلف الموارد بحسبها ، فيكون مفاد آية الولاية مفاد قوله تعالى :( النّبِيّ أَوْلَى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) (٢) ، الأولى بالتصرّف ، ويشهد لذلك ما نقله ابن منظور في لسان العرب ، عن ابن الأثر قوله : ( وكأن الولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل ، وما لم يجتمع ذلك فيها لم ينطلق عليه اسم الوالي )(٣) ، وقريب من هذا المعنى ما ذكره بعض اللغويين في معاجمهم اللغوية .

الاستدلال على المستوى القرآني :

إنّ الآية المباركة :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا ) تضمّنت دلالات وافرة لإثبات المطلوب ، ومراعاة للاختصار نكتفي بالإشارة المفهمة لبعض منها :

١ – إنّ صيغة التعبير في الآية الشريفة جعلت الولاية بمعنى واحد ، حيث قال :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ و ) فلو كانت ولاية الله تعالى تختلف عن ولاية( الّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) لكان الأنسب في التعبير أن تفرد بالذكر ولاية أخرى للمؤمنين ؛ لكي تحول

ـــــــــــــ

(١) عمدة عيون الأخبار ، ابن البطريق : ص ١١٤ ـ ١١٥ .

(٢) الأحزاب : ٦ .

(٣) لسان العرب : ابن منظور : ج ١٥ ص ٤٠٧ ؛ النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير : ج ٥ ص ٢٢٧ .

٦١

دون وقوع الالتباس ، نظير قوله تعالى :( قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (١) ، فكرّر لفظ الإيمان في الموضعين ؛ بسبب تكرّر معنى الإيمان وتغايره فيهما .

إذن لابد أن تكون الولاية في الآية المباركة بمعنى واحد في جميع الموارد التي ذكرت فيها ، وهي الأصالة لله تعالى ، وبالتبع لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وللذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون .

وولاية الله تعالى في الآية المباركة ولاية عامّة وشاملة لولاية التصرف ، والتدبير ، والنصرة وغيرها ، قال تعالى حكاية عن نبيّه يوسفعليه‌السلام :( أنت وليّي في الدّنيا والآخرة ) (٢) ، وقال عزّ وجلّ :( فَمَا لَهُ مِن وَلِيّ مِن بَعْدِهِ ) (٣) ، وغيرها من الآيات الدالة على ذلك .

٢ ـ إنّ الولاية التي هي بالأصل لله عزّ وجلّ جعلها لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتبع ، فلرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الولاية العامّة على الأمة ، من الحكم فيهم ، والقضاء في جميع شؤونهم ، وعلى الأمة التسليم والطاعة المطلقة بلا ضيق أو حرج ، كما في قوله تعالى :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ ) (٤) ، وقوله تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (٥) .

خصوصاً وإنّنا لا نجد القرآن يعدّ النبي ناصراً للمؤمنين ولا في آية واحدة .

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٦١ .

(٢) يوسف : ١٠١ .

(٣) الشورى : ٤٤ .

(٤) النساء : ٥٩ .

(٥) الأحزاب : ٣٦ .

٦٢

وهذا المعنى من الولاية الثابتة لله تعالى ورسوله ، عُطفت عليه ولاية :( الذين آمنوا ) ، وهذا يعني أنّ الولاية في الجميع واحدة ؛ لوحدة السياق وهي ثابتة لله عزّ وجلّ بالأصالة ، ولرسوله وللذين آمنوا بالتبع والتفضّل والامتنان .

إذن الولاية الثابتة في الآية لعليعليه‌السلام هي ولاية التصرّف ، وإنّ معنى الولي في الآية تعني الأولى بالتصرّف ، وممّا يؤكّد ذلك مجيء لفظ ( وليّكم ) مفرداً ونسب إلى الجميع بمعنى واحد ، والوجه الذي ذكره المفسّرون لذلك هو أنّ الولاية ذات معنى واحد ، لله تعالى أصالة ولغيره بالتبع .

الاستدلال على المستوى الروائي :

هناك عدّة من القرائن والشواهد الروائية لإثبات المطلوب :

أوّلاً : لو كانت الولاية الثابتة لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام بمعنى النصرة ، لما وجد فيها مزيد عناية ومزيّة ومدح لعليعليه‌السلام ؛ لأنّها موجودة بين جميع المؤمنين :( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضَهُمْ أَولِياءُ بَعْضٍ ) (١) ، وعليعليه‌السلام كان متصفاً بهذه المحبّة والنصرة للمؤمنين منذ أن رضع ثدي الإيمان مع صنوه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولكن لو أمعنّا النظر في الروايات الواردة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقيب

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٧١ .

٦٣

نزول آية الولاية ، لوجدنا أنها تثبت مويّة ومنقبة عظيمة لعليعليه‌السلام ، ففي الرواية أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال بعد نزول الآية :( الحمد لله الذي أتمّ لعلي نعمه ، وهيّأ لعلي بفضل الله إيّاه ) (١) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزول الآية أيضاً :( مَن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ) (٢) ، إذاً في الآية الكريمة مزيد عناية تفترق عن تولّي المؤمنين بعضهم لبعض ، وليس تلك المزيّة العظيمة إلاّ ولاية التصرّف والإمرة .

ثانياً : إنّ الولاية التي خصّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام يوم غدير خم ، هي ولاية تدبير وتصرّف ؛ لأنّها نفس ولاية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا ما نلمسه من كيفية إعلان الولاية من قِبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث قال :( ألست أولى بكم من أنفسكم ) ، وهذه الولاية ـ التي هي ولاية تصرّف ـ هي نفسها الولاية التي تثبتها الآية الشريفة :( إنّما وليّكم ... ) لعليعليه‌السلام .

من هنا نجد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقّب ـ بعد نزول آية الولاية في حقّ عليعليه‌السلام ـ بقوله :( مَن كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ) ،

ـــــــــــــ

(١) الدر المنثور ، السيوطي : ج ٣ ص ١٠٦ .

(٢) مسند أحمد : ج ١ ص ٨٤ ، ص ١١٨ ، ص ١١٩ ، ص ١٥٢ ، ص ٣٣١ ، ج ٤ ص ٢٨١ ، ص ٣٧٠ ، ص ٣٧٢ ، ج ٥ ص ٣٤٧ ، ص ٣٦٦ ، ص ٣٧٠ ، سنن ابن ماجه : ج ١ ، ص ٤٣ ح ١١٦ ؛ الترمذي : ج ٥ ص ٢٩٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٠٩ ـ ١١٦ ، ص ١٣٤ ، ص ٣٧١ ، ص ٥٣٣ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٧ ص ١٧ ، ج ٩ ص ١٠٤ ـ ص ١٠٨ ص ١٦٤ ؛ وقال فيه : ( عن سعيد بن وهب رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ) ؛ فتح الباري : ج ٧ ص ٦١؛ وقال فيه : ( فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداً ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ) ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٥ ص ٣٧٦ وما بعد ، وغير ذلك من المصادر الكثيرة جداً ؛ فراجع .

٦٤

وهذا يكشف عن كون الولاية ولاية تصرّف ، لا سيّما إذا أخذنا بنظر الاعتبار ذلك الحشد المتنوع من الروايات الذي يؤكّد على علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ويقرن طاعته بطاعة الله ورسوله ، كل ذلك يكشف عن أن ولايتهعليه‌السلام هي ولاية التصرّف ، وأنّه الأولى بالتصرّف ؛ لذا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق عليعليه‌السلام :( مَن أطاعني فقد أطاع الله ، ومَن عصاني فقد عصى الله ، ومَن أطاعك فقد أطاعني ، ومَن عصاك فقد عصاني ) ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( مَن يريد أن يحيا حياتي ويموت موتي ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ؛ فليتولّ علي بن أبي طالب فإنّه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة ) ، قال الحاكم أيضاً : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٢) .

وعن عبد الرحمان بن عثمان قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب ، وهو يقول : (هذا أمير البررة ، قاتل الفجرة ، منصور مَن نصره مخذول مَن خذله ، ثم مدّ بها صوته ) ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٣) .

وغيرها الكثير من الروايات التي تشاركها بالمضمون ذاته .

ثالثاً : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب من الله تعالى أن يشدّ عضده بأخيه

ـــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج٣ ص ١٢٨ ، تاريخ مدينة دمشق : ابن عساكر : ٤٢ : ص ٣٠٧ .

(٢) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٢٨ ـ ١٢٩ .

(٣) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٢٩ .

٦٥

عليعليه‌السلام ، كما شدّ الله تعالى عضد موسىعليه‌السلام بأخيه هارونعليه‌السلام ، فنزلت الآية :( إنّما وليّكم ) بشرى لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بجعل عليعليه‌السلام وليّاً وخليفة من بعده ، وهذا يدلل على أنّ الولاية لعليعليه‌السلام لم تكن مجرّد نصرة ومحبّة ، بل كانت ولاية أولوية بالأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما هو الحال في هارونعليه‌السلام ، باعتبار أولويته بالأمر والإمرة بعد موسىعليه‌السلام ، عندما خلّفه في قومه .

رابعاً : احتجاج أمير المؤمنينعليه‌السلام على أولويته بالأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بآية الولاية ، حيث قالعليه‌السلام مخاطباً لجمع من الصحابة في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أنشدكم الله : أتعلمون حيث نزلت : ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، وحيث نزلت : ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، وحيث نزلت : ( وَلَمْ يَتّخِذُوا مِن دُونِ اللهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) ، قال الناس : يا رسول الله : أخاصّة في بعض المؤمنين ، أم عامة لجميعهم ؟ فأمر الله عزّ وجل نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعلمهم ولاة أمرهم ، وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم ، وزكاتهم ، وحجّهم ، فنصبني للناس بغدير خم ) (١) وهذا يكشف عن كون المراد بالآية هو الأولى .

وبذلك يتحصّل أنّ معنى الولي هو الأولى بالتصرّف ، وأنّ الآية بصدد جعل الولاية لعليعليه‌السلام بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ـــــــــــــ

(١) المناقب ، ابن المغازلي الشافعي : ص ٢٢٢ ، فرائد السمطين : ج ١ ص ٣١٢ ، ينابيع المودّة للقندوزي : ج ١ ص ٣٤٦ ، شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ٢ ص ٢٩٥ ، فرائد السمطين : ج ١ ص ٣١٢ .

٦٦

كيف تستدلّ الشيعة بشأن النزول ؟

الشبهة :

الشيعة يستدلّون بشأن نزول آية الولاية على الإمامة ؟

الجواب :

بعد أن أطبقت الأمّة وأجمع المحدّثون والمفسّرون على نزول الآية المباركة في الإمام عليعليه‌السلام مع صراحة الآية في إثبات الولاية ، ومباركة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام عليعليه‌السلام بقوله :( الحمد لله الذي أتمّ لعلي النعمة ) ، لا يبقى أي مجال لمثل هذه التشكيكات والشبهات ، سواء كان الاستدلال بالآية استدلالاً مباشراً ، أم كان عن طريق شأن النزول ، الذي هو عبارة عن الأحاديث المتواترة والصحيحة والصريحة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي أمرنا الله تعالى بالتمسّك بها بقوله :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) ، وعليه فلا ينبغي التهاون والتقليل من شأن هذه الأحاديث القطعيّة ، كما يظهر ذلك من كلام صاحب الشبهة .

ويمكن أن نحقق استيعاباً جيداً لمسألة ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؛ وذلك من خلال الآيات القرآنية والنصوص النبوية التي تعرّضت لبيان هذا المعنى ، فضلاً عمّا أشاعته آية الولاية من مناخ سائد حيال هذه المسألة ، من تقديم التهاني والتبريكات من قِبل الصحابة إلى عليعليه‌السلام الصحابة وإنشاد الشعر والمديح بهذه المناسبة العظيمة ، وهذا يكفي لسدّ كل منافذ الريب والتشكيك ، ومعالجة ما يطرأ على الأذهان من التباسات .

ـــــــــــــ

(١) الحشر : ٧ .

٦٧

الخلاصة

لا مجال لمثل هذه التشكيكات ، بعد أن أجمعت الأمة على نزول الآية في شأن عليعليه‌السلام ، وسواء كان الاستدلال بالآية ذاتها أم من طريق شأن النزول الثابت قطعاً كونه بخصوص عليعليه‌السلام فهو يثبت المطلوب ، ولا معنى للإصغاء لمثل هذه الأوهام .

المعروف أنّ عليّاً فقير فكيف يتصدّق ؟

الشبهة :

إنّ علياً كان فقيراً فكيف يتصدّق بالخاتم إيتاءً للزكاة ؟

الجواب :

ما أكثر المدّعيات التي تُرفع من دون أي دليل ولا برهان يدعمها ، ومن أغرب المدّعيات التي تُثار للتشكيك في صحّة نزول آية الولاية في الإمام عليعليه‌السلام هذا الإشكال الآنف الذكر ، إلا أنّنا توخّياً لدرء مثل هذه التشكيكات التي تطرأ على بعض الأذهان نقول :

أوّلاً : إنّ لفظ الزكاة لغةً شامل لكل إنفاق لوجه الله تعالى ، ونلمس هذا المعنى في عدّة من الآيات المباركة ، وكقوله تعالى:( وَأَوْصَانِي بِالصّلاَةِ وَالزّكَاةِ مَادُمْتُ حَيّاً ) (١) ، وكذا ما قاله القرآن بحق إبراهيم وإسحاق ويعقوبعليهم‌السلام :( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزّكَاةِ ) (٢) ، وغيرها من الآيات التي تشاركها في المضمون ، ومن المعلوم أنّه ليس في شرائعهمعليهم‌السلام الزكاة المالية المصطلحة في الإسلام .

ـــــــــــــ

(١) مريم : ٣١ .

(٢) الأنبياء : ٧٣ .

٦٨

ومن هنا فقد استعمل القرآن لفظ الزكاة في الآية الشريفة بمعناها اللغوي الشامل لكل إنفاق لوجه الله تعالى أي الزكاة المستحبّة ( زكاة تطوّع ) ؛ ولذا نرى أنّ الجصاص ـ في أحكام القرآن ـ فهم أنّ المراد بالزكاة في الآية ، هي زكاة التطوّع ، حيث قال : ( قوله تعالى :( وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، يدلّ على أنّ صدقة التطوّع تسمّى زكاة ؛ لأنّ عليّاً تصدّق بخاتمه تطوّعاً ، وهو نظير قوله تعالى :( وَما آتَيْتُم مِن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ) (١) .

ثانياً : لو فرضنا أنّ المراد من الزكاة في الآية هي الزكاة الواجبة ، فليس من الغريب أن يمتلك الإمام عليعليه‌السلام أوّل نصاب من مال الزكاة وهو مقدار (٢٠٠ درهم) ، ومَن ملك ذلك لا يعدّ غنيّاً ، ولا يُطلق عليه اسم الغني شرعاً .

ثالثاً : بعد أن ثبت نزول الآية في الإمام عليعليه‌السلام بإجماع الأمة واتفاق المفسّرين والمحدّثين ، ولم ينكر أحد على الإمام عليعليه‌السلام تصدّقه بالخاتم ، وإنّما الكل فهم المزيّة والكرامة لهعليه‌السلام لا يبقى أي مجال للإنكار والتشكيك .

ومن هنا نلاحظ أنّ الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بادر المباركة للإمام عليعليه‌السلام عقيب نزول الآية الكريمة ، وقام الشعراء بإنشاء القصائد الطافحة بالمديح والثناء على الإمام عليعليه‌السلام ، كل ذلك نتيجة طبيعية للمناخ الذي أشاعته الآية في أوساط المسلمين ، من إثبات الولاية للإمام عليعليه‌السلام ، فإذا ثبت نزول الآية في الإمام عليعليه‌السلام بالدلائل والبيّنات القاطعة لا معنى للاستنكار والتشكيك ، خصوصاً وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمد الله على هذه النعمة التي اتمّها لعليعليه‌السلام ، وبارك الصحابة بأقوالهم وأشعارهم للإمام عليعليه‌السلام تلك المنقبة .

ـــــــــــــ

(١) أحكام القرآن ، الجصاص : ج ٢ ص ٥٥٨ .

٦٩

الخلاصة

١ – إنّ لفظ الزكاة شامل لكلّ إنفاق لوجه الله تعالى واستعملها القرآن بذلك .

٢ ـ لو سلّمنا أنّ لفظ الزكاة في الآية استعمل في الزكاة الواجبة التي هي أقلّ نصابها ٢٠٠ درهم ، فإنّ مَن يملك هذا المبلغ لا يُعدّ غنيّاً شرعاً .

٣ – قام الإجماع على نزول آية الولاية في حق الإمام عليعليه‌السلام ، ولم ينكر أحد آنذاك ما استنكره صاحب الشبهة ، بل أنشد الشعر والمديح والثناء على الإمام عليعليه‌السلام ، مع مباركة الصحابة .

آية البلاغ تدلّ على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبلّغ سابقاً

الشبهة :

إنّ استدلال الشيعة بآية البلاغ على الإمامة يبطل كل الاستدلالات السابقة التي يستدلّون بها ؛ لأنّ آية البلاغ مدنية ، فتدل على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبلّغ سابقاً .

الجواب :

أوّلاً : لابد أن نفهم كيفية تعاطي الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع المفاهيم والمبادئ الإسلامية المهمّة التي تمثّل الأساس في منظومة الدين الإسلامي ، والتي ينبغي التأكيد عليها من قِبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من غيرها ، ومن جملة المفاهيم الأساسية هي الإمامة ، حيث نلمس غاية الانسجام ومنتهى الملائمة بين جميع البيانات السابقة لإثبات الإمامة والتنصيص عليها ، فكل تلك المواقف والبيانات كانت تتناسب مع خطورة وأهميّة مبدأ كمبدأ الإمامة والولاية بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلابد من تأسيسه وتشييد أركانه وجعله وعياً إسلامياً عاماً ، وآية البلاغ جاءت ضمن ذلك السياق وتلك الخلفية ، فهي نزلت في ذلك الظرف لتحمل في طيّاتها العديد من الأمور المهمّة التي تتعلّق بحقيقة الإمامة ، منها :

٧٠

١ ـ أنّها جاءت لتصرّح بقضية مهمة جداً ، وهي أنّ ترك تنصيب علي بن أبي طالبعليه‌السلام للولاية مساوق لترك تبليغ الرسالة بأكملها ، وهذا ما يتجلّى واضحاً عند التأمّل في الآية :( وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) (١) ، وعلى ضوء ذلك تعرف السر في نزول هذه الآية المباركة في أواخر حياة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث تكشف عن أهمية الإمامة والولاية في المنظومة الدينية ، ومن هذا المنطلق يظهر لك سبب ذلك الحشد المتنوّع من النصوص القرآنية والروائية التي تؤكّد على ضرورة وأهمية موقع الإمامة في الإسلام بأجمعه ؛ ذلك لكي ينطلق الإسلام في قيادة جديدة تكون في جميع مجالاتها وآفاقها امتداداً للقيادة النبوية ، لتبقى المسيرة مستمرة والرسالة محفوظة .

وممّا يؤكّد أهمية الإمامة والولاية هو ما نجده واضحاً في أقوال الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد تبليغ مقام الولاية وتعيين الولي للناس ، حيث قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( فليبلّغ الشاهد الغائب ) (٢) ، فإنّ اهتمامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشديد في إيصال خطابه الشريف إلى جميع المسلمين يكشف عن خطورة الأمر ، وأنّه ممّا تتوقّف عليه ديمومة الإسلام .

بالإضافة إلى ما يكتنف الآية المباركة من القرائن الحالية الكثيرة والواضحة الدالة على أهمية هذا الأمر ، وتأثيره المباشر على مسيرة الإسلام ، كنزولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حرّ الهجير والسماء صافية ، والمسلمون واقفون على الحصباء والرمضاء التي كادت تتوقّد من حرارة الشمس ، حتى أنّه نقل الرواة من حفّاظ الحديث وأئمّة التاريخ أنّه لشدّة الحر وضع بعض الناس ثوبه على رأسه ، وبعضهم استظلّ بمركبه ، وبعضهم استظلّ بالصخور ، ونحو ذلك .

ـــــــــــــ

(١) المائدة : ٦٧ .

(٢) كما جاء ذلك في أكثر المصادر الروائية والتفسيرية التي نقلت حديث الغدير ، وقد ذكر ابن حجر أنها (قد بلغت التواتر) ، لسان الميزان ، ابن حجر العسقلاني : ج ١ ص ٣ .

٧١

وكذلك أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برجوع مَن تقدّم ، وتقدّم مَن تأخّر .

مضافاً إلى حضور ذلك الجمع الغفير من الصحابة والمسلمين الذين حضروا لأداء مناسك الحج من سائر أطراف البلاد الإسلامية ، وغير ذلك من الأمور التي تدل على خطورة الأمر وأهميته .

٢ ـ إنّ آية البلاغ التي بلّغها الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أواخر حياته ، جاءت تحمل في طيّاتها الإشارة إلى قضية مهمة جداً في الدين الإسلامي ، وهي تحديد معالم أطروحة الإمامة في الإسلام ، مؤكّدة على أنّ الإمامة شاملة لكل الأبعاد القيادية السياسية منها والحكومية والمرجعية وغيرها ، وأنّ منصب الخلافة والحكومة يمثّل أحد أبعاد الإمامة ، وهذا هو موضع النزاع مع أتباع مدرسة الخلفاء ، حيث إنّهم يختزلون دور الإمام في الحاكمية فقط ، فإذا لم يستلم الحكومة لا يكون إماماً ، على خلاف معتقد الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، التي تعتقد أنّ منصب الحاكمية يمثّل أحد أبعاد الإمامة لا جميعها .

٣ ـ إنّ آية البلاغ جاء تبليغها بصيغة الإعلان الرسمي للولاية والإمامة والتتويج العام للإمام عليعليه‌السلام أمام المسلمين ، ويشهد لذلك كيفية التبليغ ، حيث جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس وأمر أن يردّ مَن تقدم منهم ومَن تأخّر عنهم في ذلك المكان ، وجمعت لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقتاب الإبل وارتقاها آخذاً بيد أخيه عليعليه‌السلام معمّماً له أمام الملأ صادعاً بإبلاغ الولاية ، ثم إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب بنفسه البيعة من الناس لعليعليه‌السلام ، وبادر الناس لبيعتهعليه‌السلام وسلّموا عليه بإمرة

٧٢

المؤمنين ، وهنّأوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّاًعليه‌السلام ، وأوّل مَن تقدّم بالتهنئة والبخبخة ، أبو بكر ثم عمر بن الخطاب وعثمان و...(١) ، وقد روى الطبري في كتابه الولاية بإسناده عن زيد بن أرقم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( قولوا أعطيناك على ذلك عهداً من أنفسنا ، وميثاقاً بألسنتنا ، وصفقة بأيدينا ، نؤدّيه إلى أولادنا وأهلنا لا نبتغي بذلك بدلا ) (٢) .

ثم استئذان حسان بن ثابت من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لنظم أبيات في الواقعة تدل على أنّه لم يفهم من الحديث غير معنى الخلافة والولاية .

وكذلك يؤكّد كل ما قلناه احتجاج أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بحديث الغدير في مواضع عديدة ، حيث كان يحتج على أولئك الذين تركوا وصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقولهعليه‌السلام : (أنشدكم بالله أمنكم مَن نصّبه رسول الله يوم غدير خُم للولاية غيري ؟ قالوا : اللهم ، لا ) ، وفي موضع آخر ( قال :أنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مَن كنت مولاه ، فعلي مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ، وانصر مَن نصره ، ليبلغ الشاهد الغائب ، غيري ؟ قالوا : اللّهمّ ، لا )(٣) .

ـــــــــــــ

(١) مسند أحمد : ج ٤ ص ٢٨١ ؛ المعيار والموازنة ، الإسكافي : ص ٢١٢ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٥ ص ٢٠٣ ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير : ج ٦ ص ٢٨٢ ح ١٢٠ ؛ تذكرة الخواص ، ابن الجوزي : ص ٣٦ ؛ نظم درر السمطين : ص ١٠٩ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١٣ ص ١٣٤ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٥ ص ٨ ؛ المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : ج ٧ ص ٥٠٣ ؛ شواهد التنزيل : الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٢٠٠ ؛ ثمار القلوب : ص ٦٣٧ ؛ وغيرها .

(٢) كتاب الولاية : محمد بن جرير الطبري : ص ٢١٤ ـ ٢١٦ .

(٣) انظر : مسند أحمد : ج ١ ص ٨٤ ؛ ج ٤ ص ٣٧٠ ؛ ج ٥ ص ٣٧٠ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٠٤ ، ص ١٠٧ ؛ المصنف ، أبي شيبة الكوفي : ج ٧ ص ٤٩٩ ؛ كتاب السنّة : عمرو بن أبي عاصم : ص ٥٩١ ، ص ٥٩٣ ؛ خصائص أمير المؤمنين ، النسائي : ص ٩٦ ؛ مسند أبي يعلى : ج ١ ص ٤٢٨ ـ ٤٢٩ ح ٥٦٧ ؛ ج ١١ ص ٣٠٧ ح ٦٤٢٣ ؛ المعجم الصغير : الطبراني : ج ١ ص ٦٤ ـ ٦٥ ؛ المعجم الأوسط : ج ٢ ص ٣٢٤ ؛ المعجم الكبير : ج ٥ ص ١٧١ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١١ ص ٣٣٢ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ١٩٥ ؛ وغيرها .

٧٣

٤ ـ لم يكتف الله تبارك وتعالى بكل البيانات السابقة من النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أنزل في ولاية عليعليه‌السلام تلك الآيات الكريمة تتلى على مرّ الأجيال بكرةً وعشيّاً ؛ ليكون المسلمون على ذكر من هذه القضية في كل حين ، وليعرفوا رشدهم والمرجع الذي يجب عليهم أن يأخذوا عنه معالم دينهم ويتبعوه في قيادته .

٥ ـ لو اقتصر في تبليغ الإمامة على تلك البيانات الخاصة للرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمقتصرة على حضور بعض الصحابة ؛ لضاعت وأصبحت روايات ضعافاً ، ولما وصلت إلينا بشكل واضح ومتواتر كما جاءتنا آيات وروايات البلاغ ؛ وذلك بسبب منع تدوين حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عهد الخلفاء ، ولتولّي بني أمية وأعداء أهل البيتعليه‌السلام تدوين الحديث فيما بعد .

الخلاصة

أوّلاً : إنّ تعاطي القرآن الكريم والرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع المفاهيم الأساسية في الإسلام ـ كالإمامة ـ يختلف عن غيرها من المفاهيم الأخرى ؛ ولذا نجد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكّد عليها مراراً وشيّد أركانها ، مستثمراً كل مناسبة يمكن استثمارها في ذلك ، ومن هنا نلتمس أسباب كثرة البيانات والتصريحات المتكرّرة من الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ وذلك لكي يكون الاهتمام والتبليغ متناسباً مع أهمية ذلك الأمر ؛ ولذا نرى الانسجام والملائمة بين التبليغات النبوية ، والآيات القرآنية الواردة في هذا الصدد ، وبالخصوص آية البلاغ التي جاءت ضمن الاهتمامات القرآنية بمسألة الإمامة ، وقد حملت آية البلاغ العديد من المعطيات المهمة في مسألة الإمامة ، منها:

١ ـ إنّ الآية المباركة جاءت لتبيّن أنّ ترك تنصيب الإمام عليعليه‌السلام للولاية مساوق لترك تبليغ الرسالة بأجمعها ، كما هو واضح من قوله تعالى :( وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ ... ) وممّا يؤكّد أهمية هذا التبليغ للإمامة ملاحظة الظروف التي رافقت عملية التبليغ من شدّة الحرّ ، وأمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برجوع المتقدّم ولحوق المتأخّر ، والجمع الغفير الذي حضرها ، كل ذلك يدل على أهمية الأمر وخطورته .

٧٤

٢ ـ إنّ تبليغ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للآية في أواخر حياته جاء مؤكّداً على بيان أطروحة الإمامة في الإسلام ، وأنّها شاملة لكل الأبعاد القيادية السياسية والدينية والحقوقية والقضائية ، وأنّ منصب الخلافة والحكومة يمثّل أحد أبعاد الإمامة ، وهذا هو محل النزاع بين السنّة والشيعة ، حيث إنّ السنّة يختزلون دور الإمام في الحاكمية فقط .

٣ ـ إنّ آية البلاغ جاءت بصيغة الإعلان الرسمي لولاية الإمام عليعليه‌السلام كما هو واضح من خلال عملية التنصيب وطريقته ومباركة الصحابة له بالولاية وإنشاء الشعر ونحوها ، وكذلك احتجاجهعليه‌السلام بحديث الغدير في مناسبات عديدة على أحقّيّتهعليه‌السلام في الخلافة .

ثانياً : إنّ الله تعالى لم يقتصر على أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتبليغ لولاية الإمام عليعليه‌السلام ، بل هنالك عدّة من الآيات جاءت مؤكّدة لتلك الولاية لتتلى بكرةً وعشياً على مرّ الأجيال ، وتكون شاهدة وحجّة عليهم .

ثالثاً : لو اقتصر في تبليغ الولاية على البيانات الخاصة المقتصرة على حضور بعض الصحابة ، سوف يُعرّضها ذلك للضياع ، لا سيّما مع ملاحظة منع تدوين السنّة ، أو تكون من الأخبار الضعاف ، ولذا كان تبليغها في واقعة الغدير كفيلاً بأن يجعلها تصل إلى حدّ التواتر وإجماع المسلمين ، الذي لا يمكن تجاوزه .

لا وجود لاسم علي في القرآن

الشبهة :

إنّ القرآن الكريم لم ينص على إمامة عليعليهم‌السلام وإلاّ لذكر اسمه فيه .

٧٥

تمهيد:

لكي تكون الإجابة واضحة لابد من الالتفات إلى نقطتين أساسيتين ، هما :

الأُولى : القرآن تبيان لكل شيء

لا ريب أن القرآن هو الكتاب المنزل لهداية الناس فيه تبيان كل شيء ، والسنّة النبوية مفصّلة ومبيّنة له ، قال تعالى :( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ ) (١) ، فأحدهما مكمّل للآخر ، والإسلام كلّه ، من عقائد وأحكام وسائر علومه وأُصوله موجود في القرآن الكريم ، أمّا شرحه وتفسيره وتجسيده ، فنجده في سنّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خلال حديثه وسيرته المباركة ؛ ولذا نجد أنّ الله تعالى قرن طاعته بطاعة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما في قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٢) ، وقوله عزّ وجلّ :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ) (٣) ، وكذلك قرن معصية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعصيته تعالى ، حيث

ـــــــــــــ

(١) النحل : ٤٤ .

(٢) النساء : ٥٩ .

(٣) الأنفال : ٢٠ .

٧٦

قال :( وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنّ لَهُ نَارَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فَيهَا أَبَداً ) (١) ، وقوله تعالى :( فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنّي بَرِي‏ءٌ مّمّا تَعْمَلُونَ ) (٢) ، وقال تعالى أيضاً :( فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّى‏ يُحَكّمُوكَ فِيَما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُوا تَسْلِيماً ) (٣) ، وغيرها من الآيات الكريمة .

الثانية : يجب اتباع ما أمر به الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

إنّ الله تعالى لم يجعل الخيرة للمؤمنين فيما يقضي الله ورسوله به ، كما في قوله تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً ) (٤) ، وبيّن الله تعالى أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجّة على الخلق في قوله وفعله ، وأنّ الله جعله إماماً يقتدى به ، فقال تعالى :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٥) ، وقال أيضاً :( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (٦) ، وهذه مفردة مهمة جداً يجب الالتفات إليها جيداً .

وهناك روايات كثيرة متضافرة تؤكّد وتحث على الأخذ بسنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتنهى عن الإعراض عن سنّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاكتفاء بالقرآن وحده ، وكان ذلك رائجاً ومعرفاً في أقوال الصحابة وتعاملهم ، من ذلك ما ورد في صحيح البخاري عن علقمة ، عن عبد الله قال : ( لعن الله الواشمات

ـــــــــــــ

(١) الجن : ٢٣ .

(٢) الشعراء : ٢١٦ .

(٣) النساء : ٦٥ .

(٤) الأحزاب : ٣٦ .

(٥) الحشر : ٧ .

(٦) النجم : ٣ ـ ٤ .

٧٧

الموتشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن ، المغيّرات خلق الله ، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها : أم يعقوب ، فجاءت فقالت : إنّه بلغني أنّك لعنت كيت وكيت ، فقال : ومالي لا ألعن مَن لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومَن هو في كتاب الله ، فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول ، قال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ، أما قرأت :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) ؟ قالت : بلى ، قال : فإنّه قد نهى عنه )(٢) ، وكذا وردت هذه الرواية بنصها في صحيح مسلم(٣) .

ومن الروايات التي وردت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا المجال ، ما جاء في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه ، ومسند أحمد عن أبي عبد الله بن أبي رافع عن أبيه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري ممّا أمرت به أو نهيت عنه فيقول : لا ندري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ) (٤) ، وفي مسند أحمد بلفظ( ما أجد هذا في كتاب الله ) (٥) .

ومنها ما ورد في مسند أحمد أيضاً ، عن أبي هريرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا أعرفنّ أحداً منكم أتاه عنّي حديث وهو متكئ في أريكته ،

ـــــــــــــ

(١) الحشر : ٧ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٣ ص ٢٨٤ ح ٤٨٨٦ .

(٣) صحيح مسلم : ج ٣ ص ١٦٧٨ ح ٢١٢٥ باب تحريم فعال الواصلة والمستوصلة .

(٤) انظر : سنن أبي داود السجستاني ، باب لزوم السنّة : ج ٤ ص ٢٠٥ ح ٤٦٠٥ ؛ سنن الترمذي : ج ٤ ص ١٤٤ ح ٢٨٠١ ، كتاب العلم ؛ باب ما نهى عنه ؛ سنن ابن ماجه ، المقدّمة : ج ١ ص ٦ ـ ٧ ، باب تعظيم حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتغليظ على مَن عارضه .

(٥) مسند أحمد : ج ٦ ص ٨ .

٧٨

فيقول : أتلوا عليّ به قرآناً ) (١) ، وقال حسان بن ثابت ، كما في مقدّمة الدارمي : ( كان جبريل ينزل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسنّة كما ينزل عليه بالقرآن )(٢) ، إلى غير ذلك من الروايات والأقوال ، وإنّما هذه نبذة عمّا ورد في الحثّ على الأخذ بسنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنهي عن مخالفته والتشديد على مَن يهمل السنّة بحجة الاكتفاء بكتاب الله .

وعلى هذا الأساس يتضح أنّ جميع أحكام الإسلام موجودة في القرآن الكريم ، إلاّ أنّه لا يمكن معرفة تفاصيلها والوقوف على حقائقها من دون الرجوع إلى سنّة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّنا في إقامة الصلاة ـ مثلاً ـ لا نعرف كيف نصلّي من دون أن نأخذ من حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيفيّتها وشروطها وعدد ركعاتها وسجداتها وأذكارها ومبطلاتها ، وكذلك في الحج ، حيث لا يمكن أداء مناسكه من دون الرجوع إلى سنّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستيضاح شروطه وواجباته ومواقيته وأشواط الطواف وصلاته ، وتفاصيل السعي والتقصير وسائر مناسك الحج الأخرى .

إذن لابدّ من الرجوع إلى القرآن والسنّة النبوية معاً لأخذ تعاليم الإسلام منهما ، أمّا مَن أراد الاكتفاء بالقرآن وحده دون السنّة ، فأدنى ما نقول بحقّه : إنّه جاهل بما ورد في القرآن نفسه ، الذي يدعو لإطاعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٣) ، وقد قال الألباني في هذا المجال : ( فحذار أيّها المسلم أن تحاول فهم القرآن مستقلاً

ـــــــــــــ

(١) مسند أحمد : ج ٢ ص ٣٦٧ ؛ سنن ابن ماجه ، المقدمة : ج ١ ص ٩ ـ ١٠ ح ٢١ ، باب تعظيم حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتغليظ على مَن عارضه .

(٢) سنن الدارمي ، المقدّمة : ج ١ ص ١٤٥ ، باب السنّة قاضية على كتاب الله .

(٣) الحشر : ٧ .

٧٩

عن السنّة ، فإنّك لن تستطيع ذلك ولو كنت في اللغة سيبويه زمانك )(١) ، فمقولة حسبنا كتاب الله مقولة مخالفة لصريح القرآن الكريم .

الجواب :

بعد تلك الإطلالة السريعة نقول لصاحب الشبهة بأنّ عدم ذكر اسم عليعليه‌السلام صريحاً في القرآن يرجع إلى الأسباب التالية :

أوّلاً : عدم ذكر الاسم لحكمة إلهيّة

إنّ عدم ذكر اسم علي في القرآن لعلّه لحكمة إلهية خفيت علينا ، إذ ما قيمة عقولنا كي تحيط بكل جوانب الحكم والمصالح الإلهية ، فكم من الأمور التي قد خفيت أو أُخفيت علينا مصالحها ، قال تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (٢) ، والاعتراض على حكم الله تعالى خلاف التسليم والخضوع لأمره عزّ وجلّ .

ثانياً : الرسول الأكرم نصّ على إمامة عليعليه‌السلام

إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد نصّ على إمامة علي أمير المؤمنينعليه‌السلام باسمه الصريح كما في حديث الغدير المتواتر ، وحديث الدار ، وحديث المنزلة ، وغيرها في مواطن كثيرة جداً ، فإذا ثبت هذا بشكل قاطع عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو القرآن الناطق الذي لا ينطق عن الهوى ، وقد أقام الحجّة علينا بأنّ الإمام بعده عليعليه‌السلام تثبت إمامته بلا ريب ، وإذا لم يذكر القرآن اسم عليّ

ـــــــــــــ

(١) صفة صلاة النبي ، الألباني : ص ١٧١ .

(٢) المائدة : ١٠١ .

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

انْتَثَرَتْ وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ) .

يستفاد من مجموع هذه الآيات والآيات الاخرى التي تتحدّث عن بعث الناس من القبور ، انّ النظام الحالي للعالم لا يبقى بهذه الصورة التي هو عليها ، ولا يفنى فناء تامّا ، بل تتغيّر صورة العالم وتعود الأرض مسطّحة مستوية ويبعث الناس في ارض جديدة (بالطبع تكون الأرض اكثر كمالا لانّ الآخرة كلّ ما فيها أوسع وأكمل).

ومن الطبيعي انّ عالمنا اليوم ليس له الاستعداد لتقبّل مشاهد الآخرة ، وهو محدود المجال بالنسبة لحياتنا الاخروية وكما قلنا مرارا : انّ نسبة عالم الآخرة الى عالم الدنيا كنسبة عالم الجنين في الرحم الى الدنيا.

والآيات التي تقول :( يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) دليل واضح على هذه الحقيقة.

من الطبيعي انّنا لا نستطيع ان نصوّر الآخرة وخصائصها بشكل دقيق ـ كما هو حال الجنين في بطن امّه لو افترضنا انّ له عقلا كاملا ، فإنّه لا يستطيع ان يتصوّر عالم الدنيا ـ الّا انّنا نعلم انّه سوف يحدث تغيير عظيم لهذا العالم ، حيث يتمّ تدميره وتبديله بعالم جديد ، ومن الطريف ما ورد في الرّوايات من انّ الأرض تبدّل بخبزة نقيّة بيضاء يأكل الناس منها حتّى يفرغ من الحساب.

وقد وردت هذه الرّوايات بطرق مختلفة في تفسير نور الثقلين ، وأشار إليها القرطبي في تفسيره كذلك.

وليس من المستبعد ان يكون المقصود من هذه الرّوايات انّ الأرض سوف تغطّيها مادّة غذائية يمكن للإنسان ان يستعملها بسهولة ، ووصفها بالخبز لانّه الأكثر احتواء لهذه المادّة الغذائية.

٥٤١

٢ ـ بداية وختام سورة ابراهيم

وكما رأينا فإنّ سورة ابراهيم ابتدأت في بيان دور القرآن الكريم في إخراج الناس من الظّلمات الى نور العلم والتوحيد ، وانتهت في بيان دور القرآن في إنذار الناس وتعليمهم التوحيد.

انّ هذه البداية والنهاية تبيّن هذه الحقيقة ، وهو انّ كلّ ما نحتاجه موجود في هذا القرآن ، حيث

يقول الامام عليعليه‌السلام : «فيه ربيع القلوب وينابيع العلم ، فاستشفوه من أدوائكم»

وهذا البيان دليل على خلاف ما يراه بعض المسلمين من انّ القرآن الكريم كتاب مقدّس يقتصر وجوده في ترتّب الثواب لقارئه. بل هو كتاب شامل لجميع مراحل الحياة الانسانية.

كتاب رشد وهداية ودستور للعمل ، فهو يذكّر العالم ويستلهم منه عموم الناس.

انّ مثل هذا الكتاب يجب ان يأخذ موقعه في قلوب المسلمين ، ويشكّل قانونا ونظاما اساسيا في حياتهم ، ويجب عليهم ان يطالعوه ويبحثوا مضامينه بدقّة في تطبيقاتهم العمليّة.

انّ هجران القرآن الكريم واتّخاذ المبادئ المنحرفة الشرقيّة منها والغربية ، احد العوامل المهمّة في تأخّر المسلمين.

وما أروع ما قاله الامام عليعليه‌السلام «واعلموا انّه ليس على احد بعد القرآن من فاقة ، ولا لأحد قبل القرآن من غنى».(١)

وما اشدّ مصيبتنا في غربتنا عن القرآن ، ومعرفة الغرباء به!

ومن المؤلم ان تكون وسيلة السعادة في دارنا ونحن نبحث عنها في دور الناس!

وما أعظم المصاب حين نكون الى جانب نبع ماء الحياة ، عطاشى ، ظمأى ،

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ١٧٦.

٥٤٢

او نهرول في الصحاري حفاة وراء السراب!

اللهمّ ارزقنا العقل والهداية والايمان حتّى لا نفقد وسيلة السعادة هذه ، التي هي من ثمار دماء الشهداء في سبيلك!

والطف علينا بالجدّ حتّى نعلم ضالّتنا في هذا الكتاب العظيم ولا نمدّ أيدينا الى الآخرين.

٣ ـ التوحيد هو البداية والنهاية

الفائدة الاخرى التي علّمتنا ايّاها الآية أعلاه ، هي التأكيد على التوحيد بعنوان الحديث الأخير ، وعلى اولي الألباب بعنوان التذكّر الأخير.

نعم ، فالتوحيد اعمق اصل اسلامي حيث تنتهي اليه جميع خطوط التربية والتعليم في الإسلام ، ويجب ان نبتدئ به وننتهي اليه لانّه العمود الفقري للإسلام. وليس توحيد الله في العبادة فقط ، بل التوحيد في الهدف ، والتوحيد في صفوف القتال ، والتوحيد في البرامج العملية والتنفيذيّة ، فكلّها توضّح الأركان الاصليّة للدين ، وسبب وجود المشاكل الكثيرة في مجتمعاتنا الاسلامية هو حذف التوحيد من واقعنا العملي.

ومع الأسف الشديد نلاحظ انّ الدول العربية والتي هي مهد الإسلام قد اقترنت برامجها واهدافها بالشرك والقومية وتكالبت خلف أمجاد العروبة وعظمة العرب وأمثال ذلك من الاهداف والغايات الوهميّة ، واتّخذت الدول الاخرى لها أصناما من هذا القبيل ، وبذلك قطعوا أواصر التوحيد الاسلامي التي كانت تربط في ما مضى شرق العالم وغربه ، وتغرّبوا عن مبادئهم السّماوية الى درجة انّ الحرب والاقتتال فيما بينهم اكثر واشدّ من حربهم مع أعدائهم!!

٥٤٣

حياة النّبي ابراهيمعليه‌السلام

مع انّ سورة ابراهيم هي السورة الوحيدة في القرآن سمّيت بهذا الاسم ، رأينا من المناسب ان نفهرس حياة هذا الرجل العظيم ومحطّم الأصنام في نهايتها ـ مع العلم انّها لا تذكر حالات ابراهيم الاخرى التي وردت في آيات اخرى من القرآن ـ لكي يكون القارئ العزيز على علم كاف بحياة هذا الرجل العظيم التي تذكرها الآيات الاخرى ان شاء تعالى.

ونستطيع ان نقسّم مراحل حياته الشريفة الى ثلاث فترات :

١ ـ فترة ما قبل النبوّة.

٢ ـ فترة نبوّته ومحاربته للأصنام في بابل.

٣ ـ فترة الهجرة من بابل وتجواله في ارض مصر وفلسطين ومكّة.

ولادته وطفولته

ولد ابراهيمعليه‌السلام في ارض «بابل» التي كانت من بلدان العالم المهمّة ، وتحكّمها حكومة قويّة وجائرة ، وفتح عينيه على العالم في الوقت الذي كان نمرود بن كنعان الملك الجبّار الظالم يحكم ارض بابل ويعتبر نفسه الربّ الأعلى(١) .

بالطبع لم يكن للناس في ذلك الوقت هذا الصنم فقط ، بل كانت لهم أصنام مختلفة يعبدونها ويتقرّبون إليها. والدولة في ذلك الوقت كانت تدافع بقوّة عن الأصنام ، لانّها الوسيلة المؤثّرة في تخدير وتسخيف المجتمع ، بحيث لو صدرت اي اهانة من احد تجاهها يعتبرونها خيانة عظمى.

__________________

(١) ذكر بعض المؤرّخين انّ ولادتهعليه‌السلام ـ في مدينة (اور) التابعة لدولة بابل.

٥٤٤

وقد نقل المؤرّخون قصّة عجيبة حول ولادة ابراهيمعليه‌السلام وخلاصتها هي : توقّع المنجّمون انّه سوف يولد شخص ويحارب نمرود بكلّ قوّة ، ولذلك فقد سعى جاهدا لان يوقف ولادة هذا الشخص او ان يقتله حين ولادته ، الّا انّه لم يتمكّن من ذلك وولد المولود.

واستطاعت امّه ان تحفظه عبر تربيته في زوايا الغار القريب من مولده ، بالشكل الذي امضى ثلاثة عشر عاما هناك.

وفي النهاية وبعد ان ترعرع في مخفاه بعيدا عن انظار شرطة نمرود ، ووصل الى سنّ الشباب ، صمّم على الخروج منه والنّزول الى المجتمع ليشرح لهم دروس التوحيد التي استلهمها من دخيلة نفسه وتأمّلاته الفكرية.

محاربته للمجاميع المختلفة من الوثنيين

وفي هذه الأثناء التي كان يعبد فيها شعب بابل ـ بالاضافة الى الأصنام ـ الموجودات السّماوية كالشمس والقمر والنّجوم ، صمّم ابراهيمعليه‌السلام على ان يوقظ وجدانهم عن طريق المنطق والادلّة الواضحة ، ويزيل عن فطرتهم النقيّة ستار الظّلمات حتّى يشعّ في نفوسهم نور الفطرة ويسلكوا في طريق التوحيد.

وكان يتفكّر في خلق السّماوات والأرض حتّى شعّ نور اليقين في قلبه [٧٥ ـ الانعام].

الجهاد المنطقي مع الوثنيين

واجه ابراهيم اوّلا عبّاد النّجوم ووقف مع مجموعة ممّن يعبدون الزهرة ، التي تظهر بعد غروب الشمس مباشرة ، حيث كانوا منشغلين في عبادتها ، نادى ابراهيم ـ امّا من باب الاستفهام الانكاري ، او من باب التنسيق مع الطرف المقابل بعنوان المقدّمة ، لاثبات اشتباههم ـ (هذا رَبِّي) وحينما أقل قال( إنّي لا أُحِبُ

٥٤٥

الْآفِلِينَ ) .

( فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً ) وبدا عبدة القمر مراسم دعائهم( قالَ هذا رَبِّي ) ؟( فَلَمَّا أَفَلَ قالَ : لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ) .

( فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً ) وقد نشرت اشعّتها الذهبية على السهول الخضراء ، وبدا عبّاد الشمس تضرّعهم وعبادتهم لها قال ابراهيم( هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ) (١) . انّ هذه الآلهة دائمة الأفول والغروب ، فلا اختيار لها إطلاقا ، بل هي اسيرة القوانين الطبيعية فكيف تكون خالقه للكون؟

وانهىعليه‌السلام هذه الفترة مع الوثنيين على أفضل صورة واستطاع ان يوقظ جماعة منهم ويجعل مجموعة اخرى تشكّ في عقيدتها.

ولم يمض وقت طويل حتّى شاع صيته هذا الشاب الذي أنار قلوب الناس بمنطقه وبيانه البليغين!

الحديث مع آزر

وفي مرحلة اخرى بدا حديثه مع عمّه آزر بعبارات محكمة جدّا وواضحة مقترنة بالمحبّة ، وأحيانا يوبّخه وينذره من مغبّة عبادة الأصنام ويقول له : لماذا تعبد شيئا لا يسمع ولا يرى ولا يغني عنك شيئا؟

( فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا ) ،( إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا ) الّا انّ عمّه لم يستجب له وهدّده بالرجم إذا لم يرجع عن مساره هذا ، لكن ابراهيم بقلبه الواسع قال :( سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ) ٤٧ ـ مريم.

__________________

(١) الانعام ، ٩٧٥ ـ ٧.

٥٤٦

نبوّة ابراهيمعليه‌السلام

ليس عندنا دليل واضح على عمر ابراهيمعليه‌السلام حينما تقلّد مقام النبوّة ، ولكن نستفيد من الآيات في سورة مريم ، انّه أثناء محاورته لعمّه كان من الأنبياء ، حيث يقول تعالى :( وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً ) .

ونعلم انّ هذه الحادثة كانت قبل القائه في النار ، وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار ما قاله بعض المؤرّخين من انّ عمره أثناء القائه في النّار كان ١٦ عاما سوف يثبت لدينا انّه تحمّل اعباء الرسالة منذ صباه.

الجهاد العملي مع الوثنيين

على أي حال ازداد صدامه مع الوثنيين يوما بعد يوم حتّى انتهى إلى قيامه بكسر الأصنام في معبد بابل (الّا كبيرهم) بالاستفادة من الفرصة الملائمة!

الحديث مع الحاكم المتجبّر!

لقد وصلت هذه الاحداث الى اسماع نمرود فأمر بإحضاره ليطفئ هذا النّور من خلال النصيحة والتهديد. وكان ماهرا في الدجل ، فسأل ابراهيم : إذا كنت لا تعبد الأصنام ، فمن هو إلهك؟

قال : ربّي الذي يحيي ويميت.

قال : انا احيي وأميت ، الا ترى انّي اطلق سراح المحكوم بالاعدام ، واعدم من أريد اعدامه؟

فأجابه ابراهيمعليه‌السلام بكلام حاسم وقاطع :( فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ) .(١)

__________________

(١) البقرة ، ٢٥٨.

٥٤٧

وممّا لا شكّ فيه انّ ابراهيم كان يعلم انّ نمرود لا يستطيع ان يحيي الموتى ، ولكن مهارته في الدجل جعلت ابراهيم يأتيه بسؤال لا قدرة له على جوابه.

هجرة ابراهيم

لقد احسّت حكومة نمرود الجبّارة بخطر هذا الشاب على دولته وانّ من الممكن ان يسبّب يقظة الشعب الرازح تحت ظلمه ، وان يحطّم القيود الاستعمارية المتسلّطة على رقاب الشعب ، فصمّم على الإيقاع بإبراهيم من خلال إحراقه بالنّار التي اجّجها جهل الناس وإرهاب النظام الحاكم.

وحينما أصبحت النّار بردا وسلاما بأمر من الله تعالى وخرج ابراهيم سالما منها ، أصابت نمرود وحكومته الدهشة ، وفقدوا معنوياتهم لانّهم كانوا يصوّرون ابراهيم على انّه شاب مغامر يريد تفرقة الناس ، لكنّه ظهر قائدا الهيّا وبطلا شجاعا يستطيع ان يقارع الجبّارين لوحده.

ولهذا السبب صمّم نمرود وأعوانه ـ الذين كانوا يمتصّون قوّتهم من دماء الناس البؤساء ـ على ان يقفوا بوجه ابراهيم بكلّ قواهم.

ومن جهة اخرى فإنّ ابراهيم قد ادّى دوره في هذا المجتمع ، حيث جعل القلوب المستعدّة تميل اليه وتؤمن بدعوته ، ولذلك راى من الأفضل ان يترك ارض بابل هو والتابعون له ، ولأجل نشر دعوته سافر الى بلاد الشام وفلسطين ومصر ، واستطاع هناك ان يدعو كثيرا من الناس الى التوحيد وعبادة الواحد القهّار.

المرحلة الاخيرة للرسالة

امضى ابراهيمعليه‌السلام عمره في جهاد الوثنيين وخصوصا صنمية الإنسان ، واستطاع ان ينير قلوب المؤمنين بنور التوحيد ، ويبعث فيهم روحا جديدة ،

٥٤٨

ويحرّر مجاميع اخرى من قيود المتسلّطين.

والآن يجب ان يصل الى ذروة عبوديته لله ويبذل كلّ ما عنده في هذا الطريق بإخلا ، ويصل الى مرحلة الامامة بقفزة روحية كبيرة من خلال الامتحانات الالهيّة الكثيرة ، وفي نفس الوقت يقوم ببناء القواعد للكعبة حتّى تكون اكبر قاعدة للعبادة التوحيديّة ، ويدعو جميع المؤمنين لهذا المؤتمر العظيم الى جانب هذا البيت الكريم.

وقد ادّى حسد سارة زوجته الاولى لهاجر التي كانت جارية واختارها زوجة له وولدت له إسماعيل ادّى الى ان يأتي بها من فلسطين بأمر الله الى مكّة ويتركها وابنها بين الصحاري والجبال اليابسة ، بدون مأوى ولا قطرة ماء ، ويعود ثانية الى فلسطين.

انّ ظهور عين زمزم ومجيء قبيلة جرهم والسّماح لها بالسكن كلّ ذلك ادّى لان تعمّر هذه الأرض.( رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) .

ومن الطريف ان يقول بعض المؤرّخين : حينما وضع ابراهيم زوجته هاجر وابنه الرضيع إسماعيل في مكّة وأراد الرجوع ، نادته : يا ابراهيم ، من أمرك ان تضعنا في ارض قاحلة لا نبات فيها ولا ماء ولا انسان؟ فأجابها بجملة قصيرة : ربّي امرني بذلك ، قالت : ما دام كذلك فإنّ الله لا يتركنا.

وقد سافر إبراهيمعليه‌السلام مرارا الى مكّة بقصد زيارة ابنه إسماعيل ، وفي واحدة من هذه السفرات ادّى مراسم الحجّ ، وجاء بإسماعيل الذي كان شابّا قويا ومؤمنا صادقا الى المذبح ليفتدي به بأمر من الله وعند ما لبّى امر ربّه وخرج من هذا الامتحان العظيم بأفضل صورة ، قبل الله سبحانه وتعالى فديته ، وحفظ له إسماعيل ، وبعث له كبشا ليفتدي به.

٥٤٩

وفي النهاية وبعد ان ابلى بلاء حسنا نال كبير درجة من المقامات التي يمكن للإنسان ان يصل إليها حيث يقول القرآن الكريم :( وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) .

منزلتهعليه‌السلام في القرآن

توضّح الآيات القرآنية انّ الله سبحانه وتعالى اعطى لإبراهيم مقاما لم يعطه لأحد من الأنبياء من قبله ، ويمكن ترتيب الآيات كما يلي :

١ ـ انّ الله تعالى ذكره بعنوان انّه «امّة» :( إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (١) .

٢ ـ مقام الخلّة( وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً ) .(٢)

وقد جاء في بعض الرّوايات : (انّما اتّخذ الله ابراهيم خليلا لانّه لم يردّ أحدا ولم يسأل أحدا قطّ غير الله تعالى)(٣) .

٣ ـ وكان من( الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ ) (٤) ، و( لَمِنَ الصَّالِحِينَ ) (٥) ،( وَالْقانِتِينَ ) (٦) ،( وَالصِّدِّيقِينَ ) (٧) ، وكان( لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ) (٨) ، ومن( الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ ) (٩) .

٤ ـ انّ ابراهيم كان محبّا للضيوف ، وقد ورد في بعض الرّوايات انّه كان

__________________

(١) النحل ، ١٢٠.

(٢) النساء ، ١٢٥.

(٣) سفينة البحار ، ج ١ ، ص ٧٤.

(٤) سورة ص ، ٤٧.

(٥) النحل ، ١٢٢.

(٦) النحل ، ١٢٠.

(٧) مريم ، ٤١.

(٨) التوبة ، ١١٤.

(٩) النجم ، ٣٧.

٥٥٠

يلقّب بـ «أبي الأضياف».(١)

٥ ـ وكان من المتوكّلين على الله ، ولا يطلب حاجة الّا منه ، وقد ورد في التاريخ انّه كان معلّقا بين السّماء والأرض أثناء قذفه بالمنجنيق سأله جبرئيل : هل لك حاجة؟ قال : نعم ، ولكن ليست منك بل من الله!(٢) .

٦ ـ وكان شجاعا مقداما حيث وقف وحيدا بوجه التعصّبات الوثنيّة ، ولم يظهر اي خوف في مقابلتهم ، كسّر أصنامهم وجعلها ركاما ، وتحدّث مع نمرود وأعوانه بكلّ شجاعة.

٧ ـ كان لإبراهيمعليه‌السلام منطق قوي واستطاع من خلال عباراته وجمله القصيرة المحكمة ان يبطل اقوال المضلّين. ولم يثنه بأسهم عن مواصلة الطريق ، بل كان يواجه الأمور بالصبر والحلم المعبّرين عن روحه الكبيرة ، كما جاء في محاجته مع نمرود ومع عمّه آزر ومع القضاة أثناء محاكمته حيث قالوا له :( أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ ، قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ ) لقد استطاع من خلال هذه الجملة ان يفحمهم ويسدّ عليهم طريق الردّ عليه ، فإذا قالوا : آلهتنا لا تسمع ولا تنطق. فتبّا لهذه الآلهة! وإذا قالوا : تنطق.

فلما ذا لا يتكلّمون؟!( فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ ) اي قالت لهم أنفسهم : انّكم ظالمون ، وعلى اي حال كان عليهم ان يجيبوا( ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ ) هكذا كان جواب ابراهيم كالصاعقة على رؤوسهم( أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) .

وعند ما رأوا انّهم لا يستطيعون مقاومة هذا المنطق الرصين( قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ ) .

__________________

(١) سفينة البحار ، ج ١ ، ص ٧٤.

(٢) الكامل لابن الأثير ج ١ ـ ص ٩٩.

٥٥١

هذا نموذج من المنطق الواضح المبيّن والذي كان ابراهيم فيه هو الفائز.

٨ ـ لقد عدّ القرآن الكريم الحنيفيّة الابراهيميّة واحدة من مفاخر المسلمين(١) وانه هو الذي( سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ ) (٢) .

٩ ـ وضع مناسك الحجّ بأمر من الله ، ولذلك امتزج اسمه في جميع مراسيم الحجّ ، حيث يتذكّر كلّ مسلم أثناء ادائه للفرائض هذه الشخصيّة العظيمة ويحسّ بعظمة نبوّته في قلبه ، انّ أداء فريضة الحجّ بدون ذكر ابراهيم تصبح خاوية المعنى.

١٠ ـ لقد حاولت كلّ المذاهب ان تنسب ابراهيم لنفسها ، فاليهودية والنصرانية تؤكّدان على صلتهما به بسبب شخصيته الكبيرة ، ولكن القرآن الكريم ينفي هذه الصلة حيث يقول تعالى :( ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (٣)

* * *

آمين ربّ العالمين

نهاية المجلد السّابع

__________________

(١) سورة الأنبياء ، ٧٦٣ ـ ٦ ، وسورة الحجّ ، ٧٨( مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ ) .

(٢) الممتحنة ، ٤.

(٣) آل عمران ، ٦٧.

٥٥٢

فهرس الموضوعات

تفسير الآيات : ٦٩ ـ ٧٣ ٥

جانب من حياة محطم الأصنام ٥

تفسير الآيات : ٧٤ ـ ٧٦ ١١

تفسير الآيات : ٧٧ ـ ٨٠ ١٤

قوم لوط وحياة الخزي ١٤

ملاحظات

تفسير الآية : ٨١ ـ ٨٣ ٢١

عاقبة الجماعة الظّالمة ٢١

ملاحظات

١ ـ لِمَ كان العذاب صباحاً ٢٥

٢ ـ لَمِ قلب الله عاليها سافلها ٢٥

٣ ـ لماذا الوابل من الأحجار ٢٥

٤ ـ لماذا العلامة المتميّزة ٢٦

٥ ـ تحريم الإنحراف الجنسي ٢٧

فلسفة تحريم الميول الجنسية لأمثالها ٢٨

أخلاق قوم لوط ٣١

٥٥٣

تفسير الآيات : ٨٤ ـ ٨٦ ٣٢

مدين بل دة شعيب ٣٢

تفسير الآيات : ٨٧ ـ ٩٠ ٣٧

المن طق الواهي ٣٧

تفسير الآيات : ٩١ ـ ٩٣ ٤٢

الت ّهديدات المتبادلة بين شعيب وقومه ٤٢

تفسير الآيتا : ٩٤ ـ ٩٥ ٤٥

عاقب ة المفسدين في مدين ٤٥

دروس تربوية في قصّة شعيب ٤٦

١ ـ أهمية المسائل الإقتصادية ٤٧

٢ ـ لاينبغي التّضحية بالأصالة من أجل التعصب ٤٧

٣ ـ الصلاة تدعوالى التوحيد والتطهير ٤٧

٤ ـ النظرة الذاتيّة (الأنانيّة) رمزللجمود ٤٨

٥ ـ تلازم الإيمان والعمل ٤٨

٦ ـ الملكية غيرالمحدودة أساس الفساد ٤٩

٧ ـ هدف الأنبياء هوالإًصلاح ٥٠

تفسير الآيات : ٩٦ ـ ٩٩ ٥١

الب طل المبارز لفرعون ٥١

تفسير الآيات : ١٠٠ ـ ١٠٤ ٥٥

تفسير الآيات : ١٠٥ ـ ١٠٨ ٥٩

الس ّعادة الشّقاوة ٥٩

ملاحظات

١ ـ هل أنّ السعادة والشقاوة ذاتيان ٦٢

٢ ـ واقع الانسان بين السعادة والشقاوة ٦٤

٥٥٤

٣ ـ مسألة الخلود في القر آن ٦٥

س ؤال مهم ٦٥

الأجوبة غيرالمقنعة ٦٦

الحلّ النهائي للإشكال ٦٧

٤ ـ مفهوم الخلود في هذه ال آيات ٧٠

٥ ـ ما معن ى الإستثناء في ال آي ة ٧١

أسباب السعادة والشقاء ٧٣

تفسير الآيات : ١٠٩ ـ ١١٢ ٧٧

الاستقامة والثّبات ٧٧

المسؤولية الكبيرة ٨٠

تفسير الآية : ١١٣ ٨٢

الرّكون إلى الظالمين ٨٢

ملاحظات

١ ـ ما هو مفهوم الرّكون ٨٢

٢ ـ في أيّ الأمور لا ينبغي الرّكون الى الظالمين ٨٣

٣ ـ فلسفة تحريم الركون إلى الظالمين ٨٣

٤ ـ من المقصود ب«الذين ظلموا» ٨٤

٥ ـ إشكال ٨٥

تفسير ال آيتان : ١١٤ ـ ١١٥ ٨٧

الصلا ة والصبر ٨٧

الأهمية القصوى للصلاة ٨٩

أرجى آية في القر آن ٩١

تفسير الآيتان : ١١٦ ـ ١١٧ ٩٤

عامل ال إنحراف والفساد في المجتمعات ٩٤

٥٥٥

من هم (أولوا بقيّة) ٩٦

تفسير الآيتان : ١١٨ ـ ١١٩ ٩٩

ملاحظات

تفسير الآيات : ١٢٠ ـ ١٢٣ ١٠٣

أربع معطيات لقصص الماضين ١٠٣

ملاحظات

١ ـ علم الغيب خاص بالله ١٠٦

٢ ـ العبادة لله وحده ١٠٧

سورة يوسف

«بداية سورة يوسف» ١١١

٤ ـ قصّة يوسف قبل الإسلام وبعده ١١٣

٥ ـ لِمَ ذكرت قصّة يوسف في مكان واحد على خلاف قصص سائرالأنبياء ١١٤

٦ ـ فضيلة سورة يوسف ١١٥

تفسير الأيات : ١ ـ ٣ ١١٧

أحسن القصص بين يديك ١١٧

أثر القصّة في حياة الناس ١٢١

تفسير الآيات : ٤ ـ ٦ ١٢٥

بارق ة الأمل وبداية المشاكل ١٢٥

ملاحظات

١ ـ الرّؤيا والحُلم ١٢٨

١ ـ التّفسير المادي ١٢٩

٥٥٦

٢ ـ التفسير المعنوي ١٣٠

تفسير الآيات : ٧ ـ ١٠ ١٣٦

الم ؤامرة ١٣٦

ملاحظات

٥ ـ أثرالحسد المدمّرفي حياة الناس ١٤٠

تفسير الآيات : ١١ ـ ١٤ ١٤٤

الم ؤامرة المشؤومة ١٤٤

بحوث

١ ـ مؤامرة الأعداء في ثياب الأصدقا ١٤٧

٢ ـ حاجة الإنسان الفطرية والطبيعة الى التنزّه والإرتياح ١٤٨

٣ ـ الولدفي ظلّ الوالد ١٥٠

٤ ـ لاقصاص ولا اتهام قبل الجناية ١٥٢

٥ ـ تلقين العدوّ ١٥٢

تفسير الآيات : ١٥ ـ ١٨ ١٥٤

الکذب المفضوح ١٥٤

ملاحظات

١ ـ حول الترك «الأ ول ى» ١٥٨

٢ ـ دعاء يوسف البليغ الجذّاب ١٦٠

٤ ـ تسويل النفس ١٦١

٥ ـ الكذاب عديم الحافظة ١٦٢

٦ ـ ما هو الصبرالجميل ١٦٢

تفسير الآيات : ١٩ ـ ٢٠ ١٦٤

٥٥٧

نحو أرض مصر ١٦٤

تفسير الآيتان : ٢١ ـ ٢٢ ١٦٧

في قصر عزيز مصر ١٦٧

ملاحظات

١ ـ ما هواسم «عزيز» مصر ١٧٠

٢ ـ يوسف عليه السلام وتعبيرالأحلام ١٧١

٣ ـ المراد من قوله تعالى :( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) ١٧٢

تفسير الآيتان : ٢٣ ـ ٢٤ ١٧٥

العشق الملتهب ١٧٥

المراد من كلمة «ربّي» ١٨٢

ما المراد من برهان ربّه ١٨٢

ملاحظات

١ ـ جهاد النفس ١٨٣

٢ ـ ثواب الإخلاص ١٨٥

٣ ـ العفّة والمتانة في البيان ١٨٦

تفسير الآيات : ٢٥ ـ ٢٩ ١٨٩

فضيح ة امرأة العزيز ١٨٩

ملاحظات

١ ـ من كان الشاهد ١٩٢

٢ ـ الموقف الضعيف لعزيزمصر ١٩٤

٣ حماية الله في الأزمات ١٩٤

٤ ـ خطّة أمراة العزيز ١٩٥

٥٥٨

تفسير الآيات : ٣٠ ـ ٣٤ ١٩٦

م ؤامرة أُخرى ١٩٦

ملاحظات

تفسير الآيات : ٣٥ ـ ٣٨ ٢٠٤

الس ّجن بسبب البراءة ٢٠٤

تفسير الآيات : ٣٩ ـ ٤٢ ٢١٠

الس ّجن أو مركز التّربية ٢١٠

ملاحظات

١ ـ السّجن مركزللإرشاد أو بؤرة للفساد ٢١٤

٢ ـ حين يُصلبُ المصلحون ٢١٥

٣ ـ أكبردروس الحريّة ٢١٥

٤ ـ إستغلال شعاربنّاء بشكل سييء ٢١٦

٥ ـ التوجّة لغيرالله ٢١٧

تفسير الآيات : ٤٣ ـ ٤٩ ٢١٩

ر ؤيا مل ك مصر وما جرى له ٢٢٠

ملاحظات

تفسير الآية : ٥٠ ـ ٥٣ ٢٢٦

تبرئة يوسف من كلّ إتّهام ٢٢٦

ملاحظات

١ ـ هذه عاقبة التقوى ٢٣٠

٢ ـ الهزائم التي تكون سبباً للتيقّظ ٢٣١

٥٥٩

٣ ـ الحفاظ على الشرف خير من الحرية الظاهرية ٢٣٢

٤ ـ النفس الأمّارة «المتمردّة» ٢٣٢

تفسير الآية : ٥٤ ـ ٥٧ ٢٣٥

يوسف أميناً على خزائن مصر ٢٣٥

بحوث

١ ـ كيف إستجاب يوسف لطلب طاغوت زمانه ٢٣٨

٢ ـ أهميّة المسائل الإقتصادية والإدارية ٢٤٠

٣ ـ الرقابة على الإستهلاك ٢٤٢

٤ ـ مدح النفس ٢٤٤

٥ ـ أفضليّة الجزاء المعنوي على سواه ٢٤٥

٦ ـ الدفاع عن المسجونين ٢٤٥

تفسير الآيات : ٥٨ ـ ٦٢ ٢٤٧

إقتراح جديد من يوسف لاُخوته ٢٤٧

بحوث

١ ـ لماذا يظهر يوسف حقيقته لإخوته ٢٥١

٢ ـ لماذا أرجع يوسف الأموال إلى إخوته ٢٥١

٣ ـ كيف وهب يوسف إلى إخوته أموال بيت المال ٢٥٢

تفسير الآيات : ٦٣ ـ ٦٦ ٢٥٤

موافق ة يعقوب ٢٥٤

بحوث

تفسير الآيتان : ٦٧ ـ ٦٩ ٢٥٩

تفسير الآيات : ٦٩ ـ ٧٦ ٢٦٣

يوسف يخ طّط للإحتفاظ بأخيه ٢٦٣

٥٦٠

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572