الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٨

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل12%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 496

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 231146 / تحميل: 7115
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٨

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وجعلنا أرضهم وأرض قوم لوط ـ المتقدمة قصّتهم ـ على طريقكم( وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ ) فانظروا إليها وإلى عاقبة أمرهم ، واعتبروا يا أولي الألباب.

من هم أصحاب الأيكة؟

قال جمع من المفسّرين ، بالإضافة إلى أرباب اللغة : «الأيكة» : هي الأشجار المتشابكة مع بعضها ، و «أصحاب الأيكة» : هم قوم «شعيب» الذين عاشوا في بلدة مليئة بالماء والأشجار بين الحجاز والشام وكانت حياتهم مرفهة ثرية فأصيبوا بالغرور والغفلة ، فأدى ذلك إلى الاحتكار والفساد في الأرض.

وقد دعاهم شعيبعليه‌السلام إلى التوحيد ونهج طريق الحق ، مع تحذيره المكرر لهم من عاقبة أعمالهم السيئة فيما لو استمروا على الحال التي هي عليها.

ومن خلال ما بيّنته الآيات في سورة هود ، فإنّهم لم ينصاعوا للحق ولم ينصتوا لداعيه حتى جاءهم عذاب الله المهلك.

فبعد أن يئس من إصلاحهم أصابهم حرّ شديد استمر لعدّة أيّام متصلة ، وفي اليوم الأخير ظهرت سحابة في السماء اجتمعوا في ظلها ، ليتفيئوا من حر ذلك اليوم ، فنزلت عليهم صاعقة مهلكة فقطعت دابرهم عن آخرهم.

ولعل استعمال القرآن لعبارة «أصحاب الأيكة» في تسميتهم ، إشارة إلى النعم التي أعطاها الله لهم ، ولكنّهم استبدلوا الشكر بالكفر ، فأقاموا صرح الظلم والاستبداد ، فحقّت عليهم كلمة الله فأهلكوا بالصاعقة هم وأشجارهم.

وورد ذكرهم مفصلا ـ مع التصريح باسم شعيب ـ في الآيات (١٧٦) حتى (١٩٠) من سورة الشعراء.

وينبغي الالتفات إلى أنّ عبارة( فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ ) يمكن أن تشمل قوم لوط وأصحاب الأيكة معا ، بدليل ما يأتي بعدها مباشرة( وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ ) .

والمشهور عند المفسّرين أنّ الآية تشير إلى مدينة قوم لوط ومدينة أصحاب

١٠١

الأيكة.

وكلمة «إمام» بمعنى طريق وجادة ، لأنّها من مادة. «أمّ» ، بمعنى القصد ، حيث أنّ الإنسان حينما يسير في طريق ما إنّما يسير لأجل الوصول إلى غاية معينة أو قصد معين.

واحتمل البعض أنّ الإمام المبين هو اللوح المحفوظ ، بدلالة الآية (١٢) من سورة يس.

ولكن هذا الاحتمال مستبعد ، لأنّ القرآن هنا في صدد إعطاء درس العبرة للاعتبار ، ووجود اسم هذين البلدين في اللوح المحفوظ سيكون بعيدا عن التأثير في اعتبار الناس وتذكيرهم ، في حين أن وجود هذين البلدين على طريق القوافل والمارة يمكن أن يكون له الأثر البالغ فيهم.

فعند وقوف الناس قرب تلك الآثار وتذكر خبر أهلها وما جرى لهم من سوء العاقبة ، ربّما سيهمل دموع العابرين عند أرض قوم لوط مرّة ، وعند أرض أصحاب الأيكة مرّة أخرى فتكون تلك اللحظات لحظات اعتبار ، بعد ما عرفوا أو استذكروا ما حل بالقومين من دمار وهلاك نتيجة ظلمهم وظلالهم.

* * *

أمّا «أصحاب الحجر» فهم قوم عصاة عاشوا مرفهين في بلدة تدعى «الحجر» وقد بعث الله إليهم نبيّه صالحعليه‌السلام لهدايتهم.

ويقول القرآن عنهم :( وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ ) !

ولكن أين تقع هذه البلدة؟

يذكر بعض المفسّرين والمؤرخين : أنّها كانت على طريق القوافل بين المدينة والشام في منزل يسمى (وادي القرى) في جنوب (تيماء) ولا أثر لها اليوم ـ تقريبا.

١٠٢

ويذكرون أنّها كانت إحدى المدن التجارية في الجزيرة العربية ، ولها من الأهمية بحيث ذكرها (بطليموس) في مذكراتها لكنها إحدى المدن التجارية.

وكذلك ذكرها العالم الجغرافي (بلين) باسم (حجري).

ونستشف من بعض الرّوايات أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ما قاد جيشا لدفع جيش الروم في السنة التاسعة للهجرة ، أراد الجنود أن يتوقفوا في هذا المكان ، فمنعهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : هنا نزل عذاب الله على قوم ثمود(١) .

ومن الجدير ذكره أنّ القرآن الكريم ذكر مسألة تكذيب الأنبياء في خبر أصحاب الحجر (وكذلك قوم نوح وقوم شعيب وقوم لوط في الآيات (١٠٥ و ١٢٣ و ١٦٠) من سورة الشعراء) بالإضافة إلى أقوام أخر كذبت الأنبياءعليهم‌السلام ، والواضح من خلال ظاهر القصص أن لكل قوم كان نبيّ واحد لا أكثر.

ولعل مجيء هذا التعبير في هذه الآية (المرسلين) ، باعتبار أنّ الأنبياء لهم برنامج واحد وهدف واحد ، وبينهم من درجة من الصلة بحيث أن تكذيب أيّ منهم هو تكذيب للجميع.

واحتمل آخرون وجود أكثر من نبي وسط الأمّة الواحدة ، وذكر اسم أحدهم لأنّه أكثر شهرة.

وكما يبدو فإنّ التّفسير الأوّل أقرب إلى الصواب منه إلى الثّاني.

ويستمر القرآن بالحديث عن «أصحاب الحجر» :( وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ ) وموقف الأعراض المشار إليه ـ كما يبدو ـ هو عدم استعدادهم لسماع الآيات والتفكر بها.

وتشير الآية إلى أنّهم كانوا من الجد والدقّة في أمور معاشهم وحياتهم الدنيوية حتى أنّهم( وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ ) .

__________________

(١) أعلام القرآن ، الخزائلي ، الصفحة ٢٩٢.

١٠٣

وهو ما يبيّن لنا أنّ منطقتهم كانت جبلية ، بالإضافة إلى ما توصلوا إليه من مدنية متقدمة ، حيث أصبحوا يبنون بيوتهم داخل الجبال ليأمنوا من السيول والعواصف والزلازل.

والعجيب من أمر الإنسان ، أنّه يحزم أمره لتجهيز وتحصين مستلزمات حياته الفانية ، ولا يعير أيّ اهتمام لحياته الباقية ، حتى يصل به المال لأن لا يكلف نفسه بسماع آيات الله والتفكر بها!!.

وأيّ عاقبة ينتظرون بعد عنادهم وكفرهم غير أن يطبق عليهم القانون الإلهي الموعدين به (البقاء للإصلاح) وعدم إعطاء حق إدامة الحياة لأقوام فاسدين ومفسدين فليس لهؤلاء سوى البلاء المهلك ، ولهذا يقول القرآن :( فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ ) .

وكانت «الصيحة» عبارة عن صوت صاعق مدمر نزل على دورهم وكان من القّوة والرهبة بحيث جعل أجسادهم تتناثر على الأرض.

والشاهد على ما قلناه ما تحدثنا به الآية الثّالثة عشر من سورة فصلت :( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ ) .

فالعذاب الإلهي لا تقف أمامه الجبال الشاهقة ، ولا البيوت المحصنة ، ولا الأبدان القوية أو الأموال الوافرة ، ولهذا يأتي في نهاية قصتهم( فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ ) .

وجاءت الآيات (١٤١ إلى ١٥٨) من سورة الشعراء بتفصيل أكثر ، وهو ما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى.

* * *

١٠٤

الآيات

( وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨٦) وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١) )

التّفسير

يعود القرآن بعد طرح قصص الأقوام السالفة ـ كقوم لوط وقوم شعيب وصالح ـ إلى مسألة التوحيد والمعاد ، لأنّ سبب ضلال الإنسان يعود إلى عدم اعتناقه عقيدة صحيحة ، ولعدم ارتباطه بمسألة المبدأ والمعاد ، فيشير إليهما معا في آية واحدة( وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ ) .

فنظامها محسوب ومحكم وهو حق ، وكذا هدف خلقها حقّ.

فيكون هذا النظام البديع والخلق الدقيق المنظم دليلا واضحا على الخالق

١٠٥

العالم القادر جلّ وعلا ، وهو حق أيضا ، بل هو حقيقة الحق ، وكل حق بما هو متصل بوجوده المطلق فهو حق ، وكل شيء لا يرتبط به سبحانه فهو باطل وهذا ما يخصّ التوحيد أمّا في المعاد فيقول :( وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ ) وإن تأخرت فإنّها آتية بالنتيجة.

ولا يبعد أن تكون الفقرة الأولى بمنزلة الدال على الفقرة الثّانية ، لأنّ هذا العالم إنّما يكون حقا عند ما يكون لهذه الأيّام الدنيوية المليئة بالآلام والمتاعب هدف عال يبرر خلق هذا الوجود الكبير ـ فليست الدنيا لنحياها وتنتهي ـ ولهذا فمسألة خلق السماوات والأرض وما بينهما حقّ يدل على وجود يوم القيامة والحساب ، وإلّا لكان الخلق عبثا وليس حقّا ـ فتأمل.

وبعد ذلك يأمر الله تعالى نبيّه الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقابل عناد قومه وجهلهم وتعصبهم وعداءهم بالمحبّة والعفو وغض النظر عن الذنوب ، والصفح عنهم بالصفح الجميل، أي غير مصحوب بملامة( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) .

لأنّك تملك الدليل الواضح على ما أمرت بالدعوة إليه ، فلا تحتاج وإيّاهم إلى الخشونة لتثبيت عقيدة المبدأ والمعاد في قلوب الناس ، فالعقل والمنطق السليم معك.

بالإضافة إلى أنّ الخشونة مع الجهلة غالبا ما تؤدي بهم إلى الرد بالمثل ، بل وبأشد من ذلك.

الصفح : هو وجه كل شيء ، كوجه الصورة(١) ، ولهذا فقد جاءت كلمة «فاصف» بمعنى أدر وجهك وغض النظر عنهم.

وبما أنّ إدارة الوجه وصرفه عن الشيء قد تعطي معنى عدم الاهتمام والنفرة وما شابه ذلك بالإضافة لمعنى العفو والصفح ، فقد ذكرت الآية المتقدمة كلمة

__________________

(١) يقول الفيروزآبادي ، في القاموس ، ج ١ ، ص ٢٤٢ : الصفح : الجانب ، ومن الجبل مضطجعه ، ومنك جنبك ، ومن الوجه والسيف عرضه.

١٠٦

«الجميل» بعد «الصفح» لكي تحدد المعنى الثّاني.

وفي رواية عن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام في تفسير هذه الآية أنّه قال : العفو من غير عتاب(١) .

وروي مثل ذلك عن الإمام زين العابدينعليه‌السلام (٢) .

الآية التالية ـ كما يقول جمع من المفسّرين ـ بمنزلة الدليل على وجوب العفو والصفح الجميل ، حيث يقول :( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ) .

فالله يعلم بأنّ الناس ليسوا سواسية من جهة الطبائع والمستويات الفكرية والعاطفية وهو سبحانه مطلع على ما تخفيه صدورهم ، وينبغي معاملتهم بروحية العفو والمسامحة ليهتدوا إلى طريق الحق بأسلوب الإصلاح المرحلي أو التدريجي.

ولا يرمز ذلك إلى الجبر في أعمال الناس وسلوكهم ، بقدر ما هو إشارة إلى أمر تربوي يأخذ بنظر الاعتبار اختلاف الناس في القابليات.

وممّا يجدر ذكره تصور البعض أنّ الأمر الإلهي مختص بفترة حياة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة قبل الهجرة ، وعند ما هاجرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة أصبح للمسلمين القدرة والقوّة فنسخ هذا الأمر وجاء الجهاد بدله.

ولكننا نجد ورود هذا الأمر في السور المدنية أيضا (كسورة البقرة وسورة النّور والتغابن والمائدة) ، فبعض منها يأمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالعفو والصفح ، والبعض الآخر يأمر المؤمنين بذلك.

فيتّضح لنا أنّ أمر الصفح عام ودائم ، وهو لا يعارض أمر الجهاد أبدا ، فلكلّ محله الخاص به.

فإذا كان الموقف يستدعي العفو والتسامح ، فلم لا يؤخذ به! وإذا كان مدعاة

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٢٧.

(٢) المصدر السّابق.

١٠٧

للتجرؤ والجسارة من قبل الأعداء ولا ينفع معهم إلّا الشدة ، فلا مناص حينئذ من الأخذ بأمر الجهاد.

ثمّ يواسي الله تعالى نبيّه الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا تقلق من وحشية الأعداء وكثرتهم وما يملكون من إمكانات مادية واسعة ، لأنّ الله أعطاك ما لا يقف أمامه شيء( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) .

وكما هو معلوم ، فإنّ «السبع» هم العدد سبعة ، و «المثاني» هو العدد اثنان ، ولهذا اعتبر أكثر المفسّرون أنّ «سبعا من المثاني» كناية عن سورة الحمد ، والرّوايات كذلك تشير لهذا المعنى.

والداعي لذلك كونها تتألف من سبع آيات ، لأهميتها وعظمة محتواها فقد نزلت مرتين على النّبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو لأنّها تتكون من قسمين (فنصفها حمد وثناء للهعزوجل والنصف الآخر دعاء عبادة) ، أو لأنّها تقرأ مرّتين في كل صلاة(١) .

واحتمل بعض المفسّرين أن «السبع» إشارة إلى السور السبع الطول التي ابتدأ بها القرآن ، و «المثاني» كناية عن نفس القرآن ، لأنّه نزل مرتين على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّة بصورة كاملة ، وأخرى نزل نزولا تدريجيا حسب الاحتياج إليه في أزمنة مختلفة.

وعلى هذا يكون معنى( سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي ) سبع سور مهمات من القرآن.

ودليلهم في ذلك الآية الثّالثة والعشرون من سورة الزمر ، حيث يقول تعالى :( اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ ) ، أي مرتين على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولكنّ التّفسير الأوّل يبدو أكثر صوابا ، خصوصا وأنّ روايات أهل البيتعليهم‌السلام تشير إلى أنّ «السبع المثاني» هي سورة الحمد.

واعتبر الراغب في مفرداته أنّ كلمة «المثاني» أطلقت على القرآن لما يتكرر

__________________

(١) وفي حديث عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله عزوجل قال : قسّمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، نصفها لي ونصفها لعبدي» مجمع البيان ، ج ١ ، ص ١٧ ، وراجع كذلك تفسير نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٢٨ و ٢٩.

١٠٨

من قراءة آياته ، وهذا التكرار هو الذي يحفظه من التلاعب والتحريف (إضافة إلى أنّ حقائق القرآن تتجلى في كل زمان بشكل جديد ينبغي له أن يوصف بالمثاني).

وعلى أية حال ، فذكر عبارة «القرآن العظيم» بعد ذكر سورة الحمد ، بالرغم من أنّها جزء منه ، دليل آخر على شرف وأهمية هذه السورة المباركة ، وكثيرا ما يذكر الجزء مقابل الكل لأهميته ، وهو كثير الاستعمال في الأدب العربي وغيره.

وخلاصة المطاف أنّ الله تعالى قد صرّح لنبيّه الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّك قد ملكت سندا عظيما (القرآن) ، ولا تستطيع أي قوة في عالم الوجود أن تصرعه.

سندا كلّه نور ، بركة ، دروس تربوية ، برامج عملية ، هداية وتسديد ، وبالذات سورة الفاتحة منه التي لها من المحتوى والأثر بحيث لو ارتبط العبد بربّه ولو للحظة واحدة لحلّقت روحه لساحة قدس الربّ ، وهي تعيش حال التعظيم والتسليم والمناجاة والدّعاء.

وبعد هذه الهبة العظيمة بأمر الله تعالى نبيّه الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأربعة أوامر فيقول له أوّلا :( لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ ) (١) .

فمتع الحياة الدنيا ليست دائمة ولا خالية من التبعات ، والحفاظ عليها أمر صعب في أحسن الحالات.

ولهذا ، لا تستحق الاهتمام بها مقابل ما أعطاك اللهعزوجل من العطاء المعنوي الجزيل (أي القرآن).

ثمّ يقول في الأمر الثّاني :( وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ) لما عندهم من أموال ونعم مادية.

فالأمر الأوّل في الحقيقة يتعلق بعدم الاهتمام والتوجه نحو النعم المادية ، والأمر الثّاني يتعلق بعدم التأثر لفقدانها.

__________________

(١) أزواجا : مفعول (متعنا). ومنهم : جار ومجرور متعلق بفعل مقدر. فيكون المعنى إجمالا : مجموعات مختلفة من الكفار.

١٠٩

وقد جاء ما يشبه هذا المضمون في الآية (١٣١) من سورة طه حيث يقول جل وعلا بتفصيل أكثر :( وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى ) .

والأمر الثّالث : جاء بخصوص ضرورة اللين والتواضع مع المؤمنين حيث يقول :( وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ) .

إنّ هذا التعبير ، كناية جميلة عن التواضع والمحبّة والملاطفة ، فالطيور حينما تريد إظهار حنانها لفراخها تجعلها تحت أجنحتها بعد خفظها ، فتجسّم بذلك أعلى صور العاطفة والحنان وتحفظهم من الحوادث والأعداء ، وتحميهم من التشتت.

والتعبير المذكور عبارة عن كناية مختصرة بليغة ذات مغزى ومعان كثيرة جدّا.

ويمكن أن يحمل ذكر هذه الجملة بعد الأوامر الثلاثة المتقدمة إشارة تحذير بعدم إظهار التواضع والانكسار أمام الكفار المتنعمين بزهو الحياة الدنيا ، بل لا بدّ للتواضع والحب والعاطفة الفياضة لمن آمن وإن كان محروما من مال الدنيا.

ونصل إلى الأمر الرّابع : وقل لهؤلاء الكفرة المنعمين بكل حزم( إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ ) .

قل : أنذركم من أمر الله بنزول عذابه عليكم( كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) (١) ، أي الذين قسّموا الآيات القرآنية أصنافا ، فما كان ينفعهم أخذوه ، وما لا ينسجم ومشتهياتهم تركوه.

فبدل أن يتخذوا كتاب الله هاديا وقائدا لهم ، جعلوه كآلة بأيديهم ووسيلة للوصول لأهدافهم الشريرة ، فلو وجدوا فيه كلمة واحدة تنفعهم لتمسكوا بها ، ولو وجدوا ألف كلمة لا تنسجم مع منافعهم الدنيوية لتركوها بأجمعها!!

* * *

__________________

(١) عضين : (جمع عضة) أي التفريق ، ويقال لكل جزء ممّا قسم عضين أيضا.

١١٠

بحوث

١ ـ القرآن عطاء إلهي عظيم

يخبر الله تعالى في الآيات المذكورة نبيّه الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعنوان تنبيه لجميع مسلمي العالم ، أن هذا القرآن جعل في اختياركم ، وفيه من العطاء ما لا يعد ، وليكن رأس مالكم الذي تتعاملون فيه في حياتكم ، ولو عملتم به لجعلتم دنياكم كلها سعادة ورفاه وأمن وصلاح.

وهذه حقيقة يعترف بها حتى غير المسلمين ، فهم يعتقدون بأنّ المسلمين إذا أخذوا القرآن وجعلوه أساس حياتهم ، وعملوا بأحكامه وهديه ، فسيكونون من القوّة والتقدم بحيث لا يسبقهم في ذلك أحد.

فنرى مثلا ، سورة الحمد «سبعا من المثاني» والتي تسمّى «خاتمة الكتاب» لوحدها تمثل مدرسة كاملة للحياة :

فأوّلها يشير إلى خالق الوجود الذي يربي جميع أهل العالم في مسيرة تكاملية شاملة، هذا الخالق الذي وسعت رحمته «خاصّة» وعامّة كل شيء ثمّ تشير إلى محكمة العدل الإلهية التي يكفل الإيمان بها خلق رقابة دقيقة على جميع سلوكيات الإنسان ونواياه.

ثمّ الإشارة إلى عدم الاتكال على غير الله ، وعدم الخضوع والتسليم لغيره لتتهيأ الأرضية الصالحة للسير على صراطه المستقيم الذي لا عوج فيه ولا ميل له إلى شرق ولا إلى غرب ، كما أنّه ليس فيه إفراط ولا تفريط ، وكذلك ليس فيه ضلال ولا غضب من اللهعزوجل .

إنّها جملة أمور ، لو تمثلها الإنسان وبنى عليها كيانه ، لكانت كفيلة بأن تجعل له شخصية سامية متكاملة.

وللأسف الشديد فقد وقع هذا العطاء الإلهي بأيدي أناس لم يعرفوا جلالة قدره ، ولم يغور والعمق معناه ، بل إنّهم من الجهل بمكان حتى وصل بهم الأمر أن

١١١

تركوا تلك الآيات الرّبانية المنجية من التيه والضلال والجهل ، وركضوا لاهثين وراء من ملكته شهواته ومن لم يصل إلى أدنى درجات النضج الفكري ، ليستجدوا منهم القوانين والبرامج التربوية التي صنعها جهلهم المتلبس بلباس العلم والتقدم! فهؤلاء المساكين يبيعون أغلى ما عندهم بثمن بخس ، ويشترون به ما يبعدهم عن بناء أخراهم!

ولا يعني هذا بأنّا ضد التقدم التقني ، بل علينا أن لا نحصر كل أنفسنا في هذا الجانب من الحياة الإنسانية ففي الوقت الذي نجد في القرآن تلك العيون الفياضة بالمعنويات ، نراه كذلك صاحب برامج حيوية في مجالات التقدم والرفاه الماديين ، وهذا ما أوضحناه في الآيات المتقدمة وما سنزيد فيه في الآيات القادمة إن شاء الله تعالى.

٢ ـ الطمع بما عند الغير مصدر الانحطاط

هناك الكثير من أصحاب العيون الضيقة الذين يلاحظون هذا وذاك باستمرار بعيون ملؤها الطمع والجشع!

لقد دأب هؤلاء على قياس حالهم وحال الآخرين ويغتمون غما شديدا فيما لو وجدوا أن شيئا من الحاجات المادية الحياتية ناقصا عندهم ، فيبذلون كل شيء في سبيل الحصول عليها حتى وإن كلفهم ذلك خسارة القيم الإنسانية وبيع كرامتهم!

هذا نمط من التفكير ينم عن حالة التخلف ، ويكشف عن الشعور بعقدة الحقارة ونقص الهمة. وهو من العوامل الفاعلة في تخلف الإنسان في حياته ، وعلى كافّة الأصعدة.

والشخص المستقل لا يتعامل مع مجريات الحياة بذلك النمط من التفكير المتخلف ، وإنّما يستعمل قواه الفكرية والجسمانية في طريق رشده وتكامله ، فهو

١١٢

كمن يحدث نفسه قائلا : بما أنّه لا ينقصني عن الآخرين شيء ، ولا يوجد دليل على عدم استطاعتي التقدم أكثر منهم أو الوصول لمصافهم فلما ذا أمد عيني لما متع به الآخرين من مال وجاه وما شاكل

فصاحب الشخصية المستقلة لا يربط هدفه ومقصده من الحياة بالجوانب المادية البحتة فقط ، بل يطلبها لإشباع ما يحتاجه روحيا وتربويا ، ويطلبها لكي يحفظ بها استقلاله وحريته ، ولكي لا يكون عالة على الآخرين ، فهو لا يطلبها بحرص ، ولا يطلبها بكل ما يملك ، لأنّ ذلك ليس بيع الأحرار ، ولا هو بيع عباد الله الصالحين.

ونختم الحديث بالحديث النّبوي الشريف : «من رمى ببصره ما في يد غيره كثر همّه ولم يشف غيظه»(١) .

٣ ـ تواضع القائد

لقد أوصي النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرارا من خلال القرآن أن يكون مع المؤمنين متواضعا ، محبّا، سهلا ورحيما ، والوصايا ليست منحصرة بخصوص نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل هي عامّة لكل قائد وموجّه ، سواء كانت دائرة قيادته واسعة أم محدودة ، فعليه أن يأخذ بهذا الأصل الأساسي في الإدارة والقيادة الصحيحة.

إنّ حبّ وتعلق الأفراد بقائدهم من الأسس الفاعلية لنجاح القائد ، وهذا ما لا يتحقق من دون تواضعه وطلاقه وجهه وحبّه لخير أفراده.

أمّا خشونة وقساوة القائد فلا تؤدي إلّا إلى فصم رابطة الالتحام بينه وبين الأفراد ممّا يؤدي إلى تفرق وتشتت الناس عن قائدهم.

قال أمير المؤمنين عليعليه‌السلام في رسالته إلى محمّد بن أبي بكر : «فاخفض لهم

__________________

(١) تفسير الصافي ، في تفسير الآيات مورد البحث.

١١٣

جناحك وأن لهم جانبك وابسط لهم وجهك وآس بينهم في اللحظة والنظرة»(١) .

٤ ـ من هم المقتسمون؟

إنّ التوجيهات الإلهية بلا شك تراعى فيها المصلحة العامّة ومصلحة الأفراد بصورة عامة ، ولكن البعض منها قد يوافق مصالحنا الشخصية بحسب الظاهر والبعض الآخر على خلافها. ومن خلال قبول أو رفض ما يدعونا إليه الله يمحص المؤمن الخالص من المدعي للإيمان ، فالذي يقبل كل شيء نازل من الله ويسلم له ، حتى وإنّ ظاهرة لا يتوافق مع مصلحته ، ويقول «كل من عند ربّنا» ولا يجرأ على تجزئه أو تقسيم أو تبعيض الأحكام الإلهية فذلك هو المؤمن حقّا.

أمّا الذين استفحل المرض في قلوبهم فيحاولون تسخير دين الله وأحكامه لخدمة مصالحهم الشخصية ، فيقبلون ما يدعم منافعهم ويتركون غيره ، فتراهم يجزؤون الآيات القرآنية ، بل وتراهم في بعض الأحيان يجزؤون الآية الواحدة ، فما يوافق ميولهم احتذوا به ويتركون القسم الباقي من الآية! ولكن من القبح أن نردد ما قاله بعض الأقوام السابقة( نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ ) فهذا شأن عبيد الدنيا.

أمّا معيار تشخيص أتباع الحق من أتباع الباطل فمن خلال التسليم للأوامر والتوجيهات الإلهية التي لا تنسجم مع الميول والأهواء والمنافع الدنيوية ، فمن هنا يعرف الصادق من الكذاب والمؤمن من المنافق.

وتجدر الإشارة هنا إلى وجود تفاسير أخرى لمعنى المقتسمين (غير ما ذكرناه) ، حتى أنّ القرطبي قد ذكر في تفسيره سبعة آراء في معنى هذه الكلمة ، إلّا أنّ أكثرها خال من القرينة ، والبعض الآخر لا يخلو من مناسبة وهو ما سنذكره

__________________

(١) نهج البلاغة ، قسم الرسائل ، الرسالة ٢٧.

١١٤

أدناه :

فمنها أنّ جمعا من رؤوس المشركين كانوا يقفون في أيّام الحج على رؤوس طرق وأزقة مكّة ، ويشرع كل واحد منهم بالسخرية والاستهزاء بالنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقرآن لينفروا الناس عنه.

فبعض يقول : إنّه «مجنون» فإنّ ما يقوله ليس بموزون

وبعض يقول : إنّه «ساحر» وقرآنه نوع من السحر

وبعض يقول : إنّه «شاعر» والنغمة البلاغية للآيات السماوية هي شعر

وبعض يقول : إنّه «كاهن» وإنّ أخبار القرآن الغيبية هي نوع من الكهانة.

وقد سمي هؤلاء بالمقتسمين لتقسيمهم شوارع وأزقة مكّة ومعابرها بينهم ضمن خطة دقيقة ومحسوبة.

ولا مانع من دخول هذا التّفسير وما ذكرناه معا ضمن مفهوم الآية المبحوثة.

* * *

١١٥

الآيات

( فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣) فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩) )

التّفسير

إصدع بما تؤمر!

يبيّن القرآن في أواخر سورة الحجر مصير المقتسمين الذين ذكروا في الآيات السابقة فيقول :( فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ ) .

إنّ عالم السر والعلن ومن لا يخفى عليه ذرة ما في السماوات والأرضين لا يسأل لكشف أمر خفي عليه (سبحانه وتعالى عن ذلك) ، وإنّما السؤال لتفهيم المسؤول قبح فعله ، أو كون السؤال نوعا من العقاب الروحي ، لأنّ الجواب سيكون عن أمور قبيحة ومصحوبا باللوم والتوبيخ ، وذلك ما يكون له بالغ الأثر في ذلك المقام ، حيث أنّ الإنسان عندها أقرب ما يكون إلى الحقائق وإدراكها.

١١٦

وعلى هذا الأساس فالسؤال قسم من العقاب الروحي.

وعموم قوله تعالى :( عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ ) يرشدنا إلى أنّ السؤال سيكون عن جميع أفعال الإنسان بلا استثناء ، وهو درس بليغ كي لا نغفل عن أفعالنا.

أمّا ما اعتبره بعض المفسّرين من اختصاص السؤال عن التوحيد والإيمان بالأنبياء ، أو هو مرتبط بما يعبد المشركون فهو كلام بلا دليل ، ومفهوم الآية عام.

وقد يشكل البعض من كون الآية المتقدمة تؤكّد على أنّ الله تعالى سيسأل عباده ، في حين نقرأ في الآية التاسعة والثلاثين من سورة الرحمن( فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ ) .

وقد أجبنا عن ذلك سابقا ، وخلاصته : في القيامة مراحل ، يسأل في بعضها ولا يسأل في البعض الآخر حيث تكون الأمور من الوضوح بحيث لا تستوجب السؤال ، أو أن لا يكون السؤال باللسان ، وهذا ما نستنتجه من الآية الخامسة والستين من سورة يس حيث تشير إلى غلق الأفواه وبدأ أعضاء البدن ـ حتى الجلد ـ بالسؤال.(١)

ثمّ يأمر الله تعالى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ ) ، أي لا تخف من ضوضاء المشركين والمجرمين ، ولا تضعف أو تتردد أو تسكت ، بل أدعهم إلى رسالتك جهارا.

( وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) ، ولا تعتن بهم.

«فاصدع» ، من مادة (صدع) وهي لغة بمعنى «الشق» بشكل مطلق ، أو شق الأجسام المحكمة بما يكشف عمّا في داخلها ، ويقال أيضا لألم الرأس الشديد (صداع) وكأنّه من شدته يريد أن يشق الرأس!

وهي هنا بمعنى : الإظهار والإعلان والإفشاء.

__________________

(١) لمزيد من الإيضاح ، راجع ذيل تفسير الآية (٧) من سورة الأعراف.

١١٧

وعلى أية حال فالإعراض عن المشركين هنا بمعنى الإهمال ، أو ترك مجاهدتهم وحربهم ، لأنّ المسلمين في ذلك الوقت لم تصل قدرتهم ـ بعد ـ لمستوى المواجهة مع الأعداء وحربهم.

ثمّ يطمئن الله تعالى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تقوية لقلبه :( إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) .

أنّ مجيء الفعل بصيغة الماضي في هذه الآية مع أنّ المراد المستقبل يشير إلى حتمية الحماية الرّبانية ، أيّ : سندفع عنك شهر المستهزئين ، حتما مقضيا.

وقد ذكر المفسّرون رواية تتحدث عن ست جماعات (أو أقل) كان منهم يمارس نوعا من الاستهزاء تجاه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فكلما صدع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالدعوة قاموا بالاستهزاء تفريقا للناس من حولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلا أنّ الله تعالى ابتلى كلا منهم بنوع من البلاء ، حتى شغلهم عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، (وقد ورد تفصيل تلك الابتلاءات في بعض التفاسير).

ثمّ يصف المستهزئين :( الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) .

كأن القرآن يريد أن يقول : إنّ أفكار وأعمال هؤلاء بنفسها عبث سخف حيث يعبدون ما ينحتونه بأيديهم من حجر وخشب ، ودفعهم جهلهم لأن يجعلوا مع الله ما صنعوا بأيديهم آلهة! ومع ذلك يستهزءون بك!

ولمزيد من التأكيد على اطمئنان قلب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يضيف تعالى قائلا :( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ ) . فروحك اللطيفة وقلبك الطيب الرقيق لا يتحملان تلك الأقوال السيئة وأحاديث الكفر والشرك ، ولذلك يضيق صدرك.

ولكن لا تحزن من قبح أقوالهم( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ) .

لأنّ تسبيح الله يذهب أثر أقوالهم القبيحة من قلوب أحباء الله ، هذا أوّلا

وثانيا ، يعطيك قدرة وقوّة ونورا وصفاء ، ويخلق فيك تجليا وانفتاحا ، ويقوي ارتباطك مع الله ، ويقوي إرادتك ويثبت فيك قدرة أكبر للتحمل والثبات والمجاهدة في قبال أعداء الله.

١١٨

ولهذا نقرأ في رواية نقلا عن ابن عبّاس أنّه قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أحزنه أمر فزع إلى الصلاة.

ثمّ يعطي الله نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخر أمر في هذا الشأن :( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) .

المعروف والمشهور بين المفسّرين أنّ المقصود من «اليقين» هنا الموت ، وسمّي باليقين لحتميته ، فربما يشك الإنسان في كل شيء ، إلّا الموت فلا يشك فيه أحد قط.

أو لأنّ الحجب تزال عن عين الإنسان عند الموت فتتّضح الحقائق أمامه ويحصل له اليقين.

وفي الآيتين السادسة والأربعين والسابعة والأربعين من سورة المدّثر نقرأ عن لسان أهل جهنم :( وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ ) أي الموت.

ومن هنا يتّضح خطأ ما نقل عن بعض الصوفية من أنّ الآية أعلاه دليل على ترك العبادة. فقالوا : أعبد الله حتى تحصل على درجة اليقين ، فإذا حصلت عليها فلا حاجة للعبادة بعدها!

ونقول :

أوّلا : اليقين هنا بمعنى الموت بشهادة الآيات القرآنية المشار إليها ، وهو ما يحصل للمؤمن والكافر سواء.

ثانيا : المخاطب بهذه الاية هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومقام اليقين للنّبي من المسلمات ، وهل يجرأ أحد أن يدّعي أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يصل لدرجة اليقين ، حتى يخاطب بالآية المذكورة؟!!

ثانيا : المقطوع به أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يترك العبادة حتى آخر لحظات عمره الشريف ، وكذا الحال بالنسبة لأمير المؤمنين عليعليه‌السلام وهو المستشهد في المحراب ، وهو ما سار عليه بقية الأئمّةعليهم‌السلام .

* * *

١١٩

بحوث

١ ـ بداية الدعوة العلنية للإسلام

المستفاد من بعض الرّوايات أنّ الآيتين :( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) نزلتا في مكّة بعد أن قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاث سنوات في الدعوة السرية لرسالته ، ولم يؤمن به إلّا القليل من المقربين إليه ، وأول من آمن من النساء خديجةعليها‌السلام ومن الرجال عليعليه‌السلام .

من البديهي ، أنّ الدعوة إلى التوحيد الخالص المصاحبة لتحطيم نظام الشرك وعبادة الأصنام في تلك البيئة وفترتها كانت في الواقع عملا عجيبا ومخيفا ، واستهزاء المشركين وسخريتهم كان معلوما عند الله من قبل أن يمارس ، ولهذا أراد الله تعالى تقوية قلب نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كي لا يخشى المستهزئين ، ويعلن رسالته بكل قوّة على الملأ ويشرع بجهاد منطقي معهم(١) .

٢ ـ الأثر الرّوحي لذكر الله

إنّ حياة الإنسان (كانت وما زالت) زاخرة بالمشاكل بحسب ما تقتضيه طبيعة الحياة الدنيا ، وكلما علا الإنسان درجة كثرت مشاكله وتعددت ، ومن هنا نفهم شدة ما واجهه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مشاكل وصعاب في طريق دعوته الكبيرة.

ويكون العلاج الرّباني لتجاوز العقبات عبارة عن محاولة تحصيل القوة من مصدرها الحق مع التحلي بسعة الصدر ، فيأمر نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتسبيح والذكر والدعاء والسجود ، لما للعبادة من أثر عميق في تقوية روح الإنسان وإيمانه وإرادته.

ونستفيد من روايات مختلفة أنّ الأئمّةعليهم‌السلام إذا واجهتهم المصاعب الشداد والبلاء ، لجؤوا إلى الله وشرعوا بالعبادة والدعاء ، كي يستمدوا القوة من معينها الأصيل.

__________________

(١) راجع تفسير نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٣٢.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

وبعد أشهر من القراءة والبحث عن الحقيقة والحوارات الطويلة حدث أمر أعتبره العامل المفصلي في اعتناقي للإسلام. كنت واقفة في غرفة ابني أحاول أن أصلي. وكان أمامي كتاب عن الإسلام مفتوح على فصل «كيفية الصلاة». وقفت هناك أصارع نفسي. لم أكن قد اعتدت الصلاة مباشرة؟. طيلة حياتي علموني أن أصلي ليسوع وهو سيوصل صلاتي إلى الله... لذا خشيت أنني أقوم بأمر خطأ، ولم أشأ أن يغضب يسوع عليّ! وفي تلك اللحظة، خطرت لي فكرة كموجة عاتية. هل يعقل أن الله سيغضب إذا أردت أن أكون أكثر قرباً منه؟ وهل يعقل أن يسوع سيستاء مني إذا حاولت أن أكون أكثر قرباً من الله..؟ أليس ذلك ما يريدني أن أفعله؟ إن الله.. أعلم بنيتي. حتى هذا اليوم، لا زلت أعتقد أن الله.... كان يتحدث إليّ - بهذه القوة كان الشعور والصوت الذي شعرت به في داخلي. ممَّ كنت أخشى؟ كيف يمكنني أن لا أعتنق الإسلام؟ في تلك اللحظة بكيت طويلاً.

كان ذلك ما احتجت سماعه. وعلمت حينها أنه يجب أن أدخل في الإسلام. شعرت بأن ذلك هو الأمر الصائب وما خلا ذلك أمور غير مهمة.

وبعد أن نطقت بالشهادتين أمام المدرسة كلها أصبحت إنسانة أخرى. لم يعد لديَّ ذلك الشعور بعدم الانتماء وبماذا أؤمن، فقد تحرّرت من القلق الذي كان لديَّ من قبل وولىَّ إلى غير رجعة. وعلمت أنني قد اتخذت القرار الصائب.

لم أكن قط على هذا القدر من القرب من الله.. كما أصبحت بعد أن اعتنقت الإسلام. الحمد لله.. أنا إنسانة محظوظة. وأشكركم على السماح لي بمشاطرتكم تجربتي.

٢٢١

بعد رحلة طويلة من البحث والإبحار في عالم الأفكار والأديان:

سفينة المسلم الهندي نيرڤان تحطّ بأمان على شاطئ الإِسلام

· قصة أخرى مشوّقة من قصص المهتدين للإِسلام، ذات دلالات وإيحاءات غنية بالتجارب الإنسانية والمشاعر الإيمانية الفياضة، يسردها بإيجاز للقرّاء المعتنق الجديد للإِسلام، الأخ الهندي نيرفان، بعدما غمرته أنوار الهداية الإلهية وأنقذته من مهاوي التيه والشك والضلال.

متى وكيف بدأت القصة كلها؟ وهل بدأت فعلاً أم كانت مجرد يقظة روحية؟ إنه إدراك للحقيقة التي طالما كانت كامنة في داخلي؟

إسمي نيرڤان، من التابعية الهندية. لقد وُلدت لعائلة مختلطة، فأبي هندوسي وأمي مسلمة. منذ طفولتي أذكر بوضوح أنني لم أتلقَّ أي تربية دينية من أي نوع كانت. فأبي لم يكن هندوسياً متديناً، فيما تخلت أمي عن الإِسلام، لذا فقد تربيتُ في ما يمكن وصفه بالـ «خواء» الديني والروحي، بيد أنني سأظل ممتناً لأبويَّ لزرعهما فيّ القيم الأخلاقية التي ستظل ترشدني طيلة حياتي. فمع أن عائلتي لم تكن متدينة، إلا أنها ربتني على مبادئ أخلاقية جيّدة تتمثّل في طاعة الأبوين، والصدق، والامتناع عن السرقة، وخدمة الناس كان حجر الزاوية لحياتنا اليومية.

أدركت مؤخراً خلال فترة المراهقة أنه كانت تجول في خلدي ألغاز الوجود: ما هي الغاية من الحياة على الأرض؟ هل الموت هو نهاية كل شيء؟ هل هناك إله؟ وقد تحرك شيء ما في أعماقي موجِّهاً عقلي نحو سعي دؤوب طلباً للحقيقة. كنت بحاجة إلى أجوبة منطقية واضحة وشاملة عن كل تلك الأسئلة التي أرّقت حياتي وحيّرت لُبّي. وعزمتُ على خوض المغامرة، مع أنها متاهة معقدة حول اللاهوت، وطقوس الغابرين، والفلسفة.

٢٢٢

إنطلاقاً من الإلحاد، شققت طريقي إلى البوذية، والمسيحية، والهندوسية، إلا أنني لم أجد أي طمأنينة في أي منها. تملّكني شعور بأن الحقيقة موجودة في مكان ما، ربما أمام عينيّ، إلا أنها لا تزال تراوغني. وفي مرحلة معينة، تخليت عن البحث وتملّكني اليأس. فَلُذت بنيتشه، وسارتر، وكانط، وهاديجر، وماركس، وفرويد، وأندريه جيد، وكريشنامورتي... ولَكَم بدا الإلحاد أكثر إغراءً لي! أقوال مثل «الله قد مات»، «الدين أفيون الجماهير»، «الأديان تنبع من الخوف الفطري من الأب في المجتمعات البدائية». كنت أحيا وأموت بكتب نيتشه وموسيقى مارلين مانسون. حتى أنني أخذتُ أقرأ «الكتاب الشيطاني المقدس» وأصبحتُ مهتماً بالويكا أو الوثنية. وقد قادني هذا الأمر إلى اكتشاف الميثولوجيا الإسكندناڤية، وآلهة الرومان والإغريق... بَيْدَ أن ظمأي للروحانية والحقيقة النهائية لم يتوقف.

عندئذٍ حصلت المعجزة! فذات يوم جمعة، قرّرت أن أذهب مع صديق مسلم إلى صلاة الجمعة لمجرد التسلية. لم يكن في نيتي أن أصلّي هناك، فقد كنت مجرد فضولي فيما يتعلق بالممارسات الدينية في الإِسلام. الدين الوحيد الذي لم أبحث فيه - لقد استمعنا إلى خطبة الإمام وأديتُ حركات الصلاة من خلال تقليدي لصديقي (القيام، والركوع والسجود). عند هذه النقطة، عشتُ تجربة سماوية روحية غريبة. لم أسمع أي صوت، ولم أرَ أي نور... شعرتُ فقط بعاطفة سماوية وكأنها تجذبني. وكلما لامست جبهتي الأرض، كنت أشعر وكأنها لا تريد أن تفارقها. لقد أرسل الله هدايته إليّ. ولن أعود لحالي السابق بعد الآن أبداً.

وبعد الصلاة، سألني صديقي عن شعوري، فلم أجبه، لأن لغة البشر لا يمكن أن تعبّر عن تلك العاطفة بشكلٍ كافٍ. ذلك الإحساس بالحبور تملّك عقلي لأيام، وكان يشير إلى اتجاه واضح جداً: «الإِسلام»، فتساءلت «هل أنخرط في البحث من جديد؟» كانت قوة خفية ما تدفعني إلى الأمام وترشدني للقيام بذلك. وبعد فترة قصيرة، ألفيت نفسي غارقاً في مطالعة الكتب الإِسلامية ومعجباً بأركان الإيمان الخمسة، والعقائد، والمعجزات العلمية في القرآن، والكمال الرياضي. وشرعتُ في الصلاة بحماسة والدراسة الجادة للقرآن، ولكن القصة لم تنته هنا.

٢٢٣

لقد سقطتُ مرات عديدة في بحور الشك، والشيطان يطاردني بإغراءاته. أمضيت ليالٍ طويلة أرقاً متسائلاً إذا ما كنت على الصراط المستقيم، وهل كنت أتصرف بتهور أم لا؟ حتى أنني بلغتُ حافة الارتداد وتملّكتني رغبة بالتخلي عن كل شيء. وتزامن ذلك مع مشاكل واجهتها في المنزل لكون عائلتي غير مسلمة، مما جعل ترك الإِسلام يروق لي، فتركتُ الصلاة، المعراج الشريف، وأصبحتُ أناظر المسلمين حول معتقداتهم وأساعد المواقع المعادية للإِسلام على شبكة الإنترنت. إلا أن شيئاً ما في قلبي ما كان ليتركني أتخلى عن الله. وأدركت أن تلك الأوقات العصيبة كانت فترة ابتلاء لي، فهل أنجح أم أفشل؟ أخذت أصلّي ليل نهار، وأتوسل إلى الله طالباً العون. شعرت بالخجل لأنني شككت في كلمة الله وتركتُ نفسي تتأثر بالحملات المعادية للإِسلام. شعرتُ بالغثيان لأنني كنت ضحية الشك في كل مرة، وتوسلت إلى الله طالباً الغفران. ولكن في النهاية غمرني النور.

شيئاً فشيئاً، قوّى الله تعالى إيماني وجعلني أصمد. واجهتُ النقد والقسوة من الآخرين بالصبر والسكينة، فلم أجادل أو أغتاظ قط. وإذا ما غمرتني الكآبة، توجهت إلى الله للهداية والعون. لقد عدت إلى دين الفطرة، فماذا هناك لأخافه، وأدركت أن المغامرة لم تنته... بل هي قد بدأت. رحلة فاتنة في أرجاء معجزات وأطايب الإِسلام.

لم أبلغ نهاية الطريق بعد، ولكنني الآن في حالة سلام مع نفسي ومع الله تعالى.

٢٢٤

الهداية إلى الصراط المستقيم

بقلم الأخت زهراء (جويس سلوتر) سابقاً

· الأخت الأميركية جويس سلوتر (زهراء) لاح لها شعاع الإِسلام في مراحل عديدة مرّت بها خلال حياتها وتجاربها الدينية السابقة، وظل يلاحقها حتى عمّها أخيراً سنا بريقه الساطع. فاهتدت إلى الصراط المستقيم، كما تقول في قصَّتها التالية التي بعثت بها إلى المجلة، وهي تعمل حالياً على إرساء دعائم الإِسلام ونشره في منطقتها في ولاية ميشغان إلى جانب أخواتها في منظمة المسلمات الأميركيات.

لقد وُلدت في تشرين الثاني/نوڤمبر 1947م من أبوين أميركيين، وقد رباني أهلي تربية كاثوليكية وكانت أمي قد اعتنقت الكاثوليكية قبل زواجها بأبي. وهي تنحدر من سلالة من البروتستانت المحافظين جداً وقد درس العديد من أفراد عائلتها في معهد مودي للكتاب المقدس، كما كان بعض أفراد عائلتها من اليهود، وقد شرحت لي أمي بعض الشرائع اليهودية.

ولطالما كنت مهتمة منذ الصغر بثقافات الآخرين. حيث كنت شغوفة بدراسة المعتقدات والممارسات الدينية المختلفة.

وقد أقنعتني عناصر التشابه في العديد من الممارسات والمعتقدات الدينية بأن هناك معتقداً أصلياً تم نسيانه وتغييره عبر الزمن.

لقد تعلمتُ في مدرسة كاثوليكية حتى المرحلة الثانوية. وقد فكرتُ بدايةً في أن أصبح ملتزمة دينياً، غير أنني لم أوفق لذلك مع أنني كنت أواظب على حضور الصلاة في الكنيسة بقلب مؤمن وأتلقى التعاليم الكنسية في الوقت المحدد.

في ذلك الوقت، تعرّفت لأول مرة على الإِسلام، حيث كنت قد بدأتُ بدراسة اللغة الإسبانية في المدرسة الثانوية. وكما هو معلوم فإن شبه الجزيرة الإيبيرية تأثرت إلى حد بعيد بالثقافة الإِسلامية منذ التواجد الإِسلامي في الأندلس.

وللأسف فإنني لدى شروعي في دراستي الجامعية تركتُ ممارساتي الدينية. حتى خلال العديد من المشاكل أثناء زواجي الأول، لم أذهب للصلاة في الكنيسة. كنت أتلو صلاتي بمفردي وأقرأ في الوقت عينه عن الأديان المختلفة.

٢٢٥

وبعدما مررتُ بمرحلة مليئة بالقلق. بدأتُ بالذهاب مجدداً إلى الكنيسة ومررتُ بتجربة «الولادة الجديدة». وهذه هي مرحلة قرب خاص من الله تعالى.

بَيْدَ أن الله تعالى كان قد رسم لي خطة أخرى ليقرّبني منه أكثر، أو هكذا يبدو الأمر لي عندما أعود بالذاكرة. لقد تصادقت ابنتي مع فتاة إيرانية في المدرسة. وقد التقيتُ بأهل تلك الفتاة وتعرفتُ على ثقافتهم. عندها اشتريتُ لأول مرة ترجمة للقرآن الكريم. وبعد حوالى عام انتقلنا إلى سكن آخر، حيث التقيت بإحدى صديقاتي التي كانت متزوجة من إيراني. ومجدداً تعرّفت أكثر على الثقافة الإيرانية وكيفية طهو بعض الأطباق الإيرانية. ومع أن صديقتي لم تكن مسلمة، إلا أنها حدثتني عن الإِسلام، ومجدداً شدّ ذلك اهتمامي. في العام 1997م بدأ يساورني شعور بأن الله تعالى يريدني أن أقوم بأمر ما، شيء أكثر من مجرد إطاعة تعاليم الكنيسة وقوانين البلاد. شعرتُ بأن عليّ أن أبدأ بتعلم قيادة سيارتي بمفردي إلى أماكن بعيدة، لذا كنت أذهب إلى أوماها في نبراسكا للعمل هناك طيلة أسبوع. وذهبتُ للاعتراف في فترة عيد الميلاد وأخبرتُ الكاهن بشعوري بأن لديَّ مهمة خاصة. أعتقد أنه ظن أنني إنسانة «غريبة الأطوار». ثم في كانون الثاني/يناير 1998م، توفي زوجي الثاني إثر ذبحة قلبية. كان عمره 46 عاماً فقط. وعندئذٍ أصبحت قريبة جداً من الله تعالى وقد منحني ذلك قدراً كبيراً من الراحة.

أمضيتُ قسماً كبيراً من وقتي باحثة عما عليّ القيام به لنفسي في ذلك الحين. أصبحتُ نشطة جداً في الكنيسة كالمساعدة في جمع التبرعات لبناء مدرسة، وقد تم انتخابي عضواً في مجلس الرعية. وعبر كنيستي التقيتُ أشخاصاً من سائر أنحاء العالم. وقد تمكنتُ من السفر إلى الهند وإسبانيا.

وفي الهند رأيتُ الناس من جميع الأديان يعيشون معاً منسجمين.

٢٢٦

وفي أيار/مايو 2001م قررت أخيراً الإصغاء لنداء الله وركزت على الصلاة من أجل السلام في العالم. وقد شعرتُ على امتداد السنوات أن لديَّ حافزاً قوياً للعمل من أجل السلام في العالم. وقد بدت تلك مهمة مستحيلة.

في الأعوام القليلة التالية واصلت حياتي كما في السابق، كنت أقرأ عن الأديان الأخرى واستمريت في الأنشطة التطوعية. في العام 2003م بدأتُ بحضور سلسلة من المحاضرات عن الإِسلام في مسجد في بلومنغتون. وبعد أن انتهت السلسلة بدأتُ بحضور جلسات في منزل إحدى الأخوات إلا أنني انتقلت بعد ذلك، لذا توقفتُ عن حضورها. عرفت بأنني سأصبح مسلمة إلا أنني لم أرد أن أستسلم وأتغير. لقد اشتريتُ نسخة من القرآن الكريم ترجمها يوسف علي وقرأتها كلها. وقد قرأتُ سيرة النبي محمد (ص) وكتباً عن الإِسلام. وعندما نفق كلبي، لم أحضر كلباً آخر بل قطة لأنني عرفتُ أن معظم المسلمين يعتقدون أن الكلاب نجسة.

حلّ العام 2006م وتلقيتُ المزيد من الإشارات من الله تعالى ذات مرة كنت وصديقة لي نتحدّث عن المشاكل في العالم الإِسلامي، فقالت لي إننا من غير المسلمين ولا يمكن لنا أن نكون ممن يحمل السلام للعالم الإِسلامي. واتفقنا أن ذلك يحدث فقط من خلال المسلمين أنفسهم. وأدركتُ أنني إذا ما أردت العمل من أجل السلام في العالم فإنه عليّ أن أصبح مسلمة، إلا أن نفسي الضعيفة لم ترغب بالتغيير. وقد تجاهلتُ المزيد من الإلهامات الإلهية التي وصلت إليّ عبر أشخاص في مجموعة دراسة الكتاب المقدس التي كنت أنتمي إليها. إحدى السيدات كانت تقول للجميع باستمرار إن علينا أن نستسلم لمشيئة الله أليس ذلك ما يتضمنه الإِسلام؟ سيدة أخرى قالت اختاروا طريقاً والتزموا به. أليس الإِسلام هو الصراط المستقيم؟ لقد حاولت خلال أعوام أن أحصل على شيء يربطني أكثر بالكنيسة الكاثوليكية، وتقدمت بطلبات لعدة وظائف في أبرشيتنا، إلا أنهم لم يجدوني ملائمة للوظيفة. أعرف أن الله تعالى بمشيئته قد حال دون توظيفي كي أكون حرة أكثر من أجل الإِسلام. ومع ذلك، لم أكن أخال نفسي عنيدة إلا أنني كنت كذلك فعلاً، لم أشأ التخلّي في هذا الوقت عن شرب الكحول وأكل لحم الخنزير ومن ثَمَّ المواظبة على الصلاة اليومية، والالتزام باللباس الشرعي الإِسلامي.

٢٢٧

أخيراً، وخلال حضوري دروساً جامعية، قررت التوقف عن شرب الكحول. وعندما تمكّنتُ من القيام بذلك، عرفتُ أنني قادرة على القيام بأي شيءٍ آخر. ورغم ذلك استمر خوفي من تلك الخطوة. إلى أن دعوت الله تعالى أن يهيء لي معلماً إذا أرادني أن أعتنق الإِسلام. وبما أنني كنت أدرس في جامعة كاثوليكية كنت متأكدة أن معلماً كهذا لن يظهر أبداً.

ولكن الله تعالى يقول في (سورة يس آية 82):﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیْئًا أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ ﴿82﴾ ﴾ . فقد جاءني المعلم المسلم إلى صف اللاهوت المسيحي الذي كنت أتابع فيه، عندها، أدركتُ أنه لا مكان للتردد بعد الآن، فأدّيت الشهادة لله ولرسوله بعد فترة قصيرة. أعرف الآن أن عليّ الاستمرار في كفاحي كي أكون مسلمة صالحة عاملة ولكني أعرف أني بعون الله وبمساعدة إخواني وأخواتي المسلمين سأظل على الصراط المستقيم.

٢٢٨

(سيريل سفراك)

الشاب الفرنسي المهتدي للإِسلام

هكذا استنار قلبي بنور الإِسلام المتجلّي بالنبي الأكرم (ص) والمتجسّد بنهج أهل البيت (عليهم السلام)

«سيريل سفراك» شاب أخلص قلبه لله منذ طفولته، فأكرمه تعالى بنعمة الإِسلام في شبابه، وبرحمته أصبح شاباً مسلماً فخوراً بانتمائه الجديد رغم انتقادات الكثيرين من حوله لكونه فرنسياً اعتنق الإِسلام.

لكن قلب «سيريل» مطمئن بالإيمان مستنير بكلمة الحق التي تجلت في دين محمد (ص) وتجسدت في نهج آل البيت (عليهم السلام) ، وهو هنا يروي عبر مجلة (نور الإِسلام) قصة هذا التحول نحو الإِسلام الذي يراه: الحب الخالص لله.

يقول «سيريل»: وُلدت عام 1975م في أُسرة لا يؤمن أفرادها حقاً بوجوده تعالى. لم يلق تناولي للقربانة الأولى التي تمثل دخولي إلى الديانة المسيحية أي اعتراض بينهم ولا أي تشجيع. التحقتُ صغيراً بصفوف التعليم الديني. كنت متحمساً جداً فرحاً بما أتلقاه من تعاليم؛ خاصة عندما يتعلق الموضوع بالمسيح (ع) ، كانت معلومات سطحية بعض الشيء، لكنها كانت كافية لتغذي حلم كاهن صغير لا زال في سن الثانية عشر... صرتُ أقرأ التوراة والإنجيل بارتياح كبير حتى تعمّقتُ في قراءتهما، فبدا لي وقتذاك شرخاً كبيراً بين تعاليم الكتب المقدسة والدروس الكنسية، وبدأتُ أطرح على نفسي أسئلة جمة كتحريم زواج رجل الدين، مع أن الزواج خطوة مباركة يحثُّ عليها الدين، أو انتشار الأيقونات والمنحوتات كرموز دينية. حتى في الكنائس. مع أن ذلك لا يتناسب مع ما نص عليه الكتاب المقدس... كثرة الأسئلة، وكثرة التناقضات، دفعت بي إلى التمسك بإيماني (بديني) في حين أسقطت من اهتماماتي تعاليم الكنيسة، فكانت علاقتي بالله مباشرة لا تمر عبر كنيسة ولا تحدها سلطة دينية، هذا الخط الذي رسمته في سن الخامسة عشر، أخلصت له سنين طويلة.

٢٢٩

أذكر أني حين تعرفتُ إلى أصدقاء من «شهود يهوه» كنت أحاججهم بإيماني بالإنجيل، كانت أسئلتهم تحثني على البحث لاستخلاص الأجوبة، ولكن ما تعلمته من خصمي أن العقل هو السبيل لمعرفة الله «وهذا لا زال منهجاً في حياتي الدينية».

خلال أعوام دراستي الجامعية (كنت قد اخترت دراسة علم النفس) تعرفت على صديق سرعان ما صار بمثابة أخ لي، كان يجمعنا، عدا السكن الجامعي، سهرات قضيناها معاً تبادلنا فيها الآراء وأخرى ناقشنا فيها أفكاراً فلسفية لا حدود لها.

كان صديقي مسلماً، يصوم شهر رمضان لا أكثر، لكن إيمانه الداخلي كان يحاكي قناعاتي التي كونتها عن الله، ولما كنت أفتقر إلى كثير من المعلومات حول ديانته (الإِسلام) قدم لي مرة كتاب «القرآن» وعلمني كيفية الوضوء شارحاً لي ضرورة القيام به عند قراءة القرآن. ظل الكتاب على طاولتي شهوراً لم أفتحه، كنت أشعر أني لست جديراً بفتحه، وغاب صديقي عني فجأة.. واختفى! صدفة أخرى جمعتني بسيدة مغربية دعتني لحضور حلقات دينية كانت تعقد في شهر رمضان، بدا لي الحديث عن الإِسلام جلياً، فبادرتُ أطرح أسئلتي وأتعرف أكثر فأكثر على الإِسلام، ولا أنسى أني سمعتُ لأول مرة في حياتي عن الصهيونية العالمية وكان عمري قد تجاوز السابعة والعشرين.... وبدأتُ رحلة البحث عن الحقيقة: صرتُ أنهل من هذا العلم الواسع لأجد الأجوبة الشافية لأسئلتي، وأستغرقُ في البحث والتفكير فتمضي ليالٍ تلو أخرى والتساؤلات تكبر في داخلي، فأرويها بالمعرفة والتزود، ويقيني بوجود دين يجيب على أسئلتي (تطلعاتي وأفكاري) يتأكد يوماً بعد يوم، فعرفت أن الدين الإِسلامي هو آخر الديانات السماوية، وأن الله هو الرب الأوحد لكل هذه الديانات، فاعتقدتُ بذلك، وصرتُ أرى الإِسلام مُكمّلاً لها. ذات يوم تجرأت وفتحت القرآن، ومن قراءتي لأول آياته، تعلقت بكتابي، وصرت أقرأ وأزداد تعلقاً وأتمنى أن أصل إلى آخر صفحاته. فهمتُ أن المسلم يؤمن بوجود المسيح كرسول كريم وهذه الحقيقة لعيسى (ع) لاقت صورة رسمتها سابقاً في داخلي للمسيح الذي آمنت بوجوده على طريقتي (على فطرتي)، وتوضحت أكثر. اعتقدت ببعثة محمد (ص) خاتماً للرسل، صرتُ أراني مسلماً بشكلٍ عفوي وتلقائي؛ فكيف أتعبد؟ تودّدتُ لجار لي، سوري علوي، كنا نتحاور وحين يصعب سؤالي عليه، كان يتصل بأستاذه في سوريا ويجيبني، حدثني كثيراً عن الإمام علي (ع) ، شخصية جذبتني بعفوية، لكن مبالغات جاري وصديقي لم تخفَ عليّ.

٢٣٠

نهج أهل البيت(عليهم السلام) :

واصلت البحث وتعمقت أكثر، وكان طريق أهل البيت بالنسبة لي هو المنهج السليم والنيّر، فخيانة يهوذا في الدين المسيحي حادثة تعيد نفسها بعد وفاة النبي (ص) وانقلاب بعض الأصحاب عليه، وهذه الخيانات يحذرنا منها القرآن الكريم في مواضع عدة، والنبي محمد (ص) الذي تأذى أكثر من كل الأنبياء في حياته، لم يرحمه أتباعه من بعده، فالتيار جرف كثيراً من المسلمين وقلة منهم تمسك بوصاياه. هنا، يرشدنا العقل إلى السبيل القويم، إلى نهج آل محمد (ص) ، ولمَ كان أتباعه الخلّص قلة تفانوا لأجله وما زالوا.

أصداء:

كان لاعتناقي الإِسلام صدى كبيراً لدى مَن حولي: أصدقائي وزملائي في الجامعة على وجه الخصوص. أحدهم (والذي جمعتني به صلة قرابة لاحقاً: صار أخ زوجتي) كان يأتي إليّ يحدثني عن الإِسلام، ونصلي معاً، ويصحح لي ما تعلمته، ويوضح لي الأحكام الشرعية، فصرت أتبع المدرسة الجعفرية. (مدرسة الإمام الصادق (ع) ):

وصارت تعقد في غرفتي حلقات الحوار والنقاشات الفلسفية والتي غالباً ما جمعت الكثير من الشبان والشابات، فكانت فرصتي للتعرف على زوجتي التي كانت وما زالت بالنسبة لي لطفاً إلهياً مباركاً أنار دربي؛ إذ كان لها الفضل أولاً في تعليمي حفظ بعض السور، وكذلك أداء الصلاة باللغة العربية. وفجأة ظهر صديقي وأخي الذي افتقدته طويلاً، أطل هذه المرة بحلة جديدة، فقد التزم دينياً واصطحبني إلى المسجد لأول مرة وشرح لي أحكام صلاة الجماعة، وتزوج هو أيضاً، وكلانا رزق بطفلة، فكبرت عائلتانا في نور الإِسلام.

إلهي وسيدي الذي أدعوه كلما شئت لحاجتي، وأخلو به حيث شئت لسري... الحمد لك والشكر لك على ما خلقتني وسوّيتني، وربّيتني وأعطيتني حمداً دائماً لا ينقطع أبداً.. اللّهمّ املأ قلبي حباً لك وخشية منك وتصديقاً لك وإيماناً بك.

٢٣١

قصة إسلام الشاب الأرجنتيني

«محمد عيسى غارسيا»

من آثار السمعة الحسنة التي حققها مسلمو الأرجنتين هي ظاهرة إسلام العديد من المواطنين من أصل أرجنتيني نظراً للقِيَم النبيلة التي لمسوها في الدين الإِسلامي والطابع الأخلاقي السليم لسلوك المهاجرين المسلمين.

في هذا الإطار تلقينا من الأخ الكاتب مجاهد شرارة المقيم في الأرجنتين قصة شيقة عن (محمد عيسى غارسيا) وهو شاب أرجنتيني وجد سعادته كما يقول في الإِسلام بعد بحث طويل عن الحقيقة مقتفياً آثار الصحابي الجليل سلمان الفارسي (رض)

حكاية محمد عيسى أنه ولد لأبوين نصرانيين وقد أمضى طفولته في التردد على الكنيسة، ولمّا بلغ العاشرة من عمره أنهضته نفسه البريئة إلى بداية رحلة جديدة للتأمل في الكون الذي حوله، ورغم صغر سنّه وقصور ذهنه على الاستدلال إلّا أن فطرته لم تكن لتتقبّل عقيدة التثليث فقد كان يميل ببراءته إلى أن عيسى بن مريم (ع) شخصية عظيمة وليس إلهاً، وهذه المسألة هي التي فتحت باب المناقشات والتساؤلات بينه وبين أهله في البيت ومع قساوسة الكنيسة التي يتردد إليها.

لم يجد محمد عيسى غارسيا وهو الطفل البريء جواباً شافياً على تساؤلاته المبكّرة وما يجيش في نفسه، وازدادت حيرته وقلقه عندما لم يعر أهله والكنيسة اهتماماً بسؤاله نظراً لصغر سنّه.

مرّت الأعوام بمحمد عيسى حتى بلغ الخامسة عشر وهو يحمل في نفسه تلك الأسئلة، ودخل الثانوية العامة، وتلقى في أثناء دراسته كلاماً سطحياً عن الإِسلام ومغلوطاً في الكثير من الأحيان، فالكتاب المدرسي يذكر أن المسلمين يعبدون الحجر الأسود ويسجدون للكعبة مصحوباً بصور للمسلمين وهم يصلون ويسجدون ويطوفون حول الكعبة.

٢٣٢

كبر محمد عيسى وكبرت معه حيرته فهو الآن شاب بإمكانه أن يحلّل ويستدل فقد قوِيَ تمسّكه وولعه بالبحث عن الحقيقة. وفي ليلة من ليالي شهر أكتوبر عام 1989 ضاقت به نفسه فالسؤال ما زال يتردد داخله، من هو خالق الكون؟! ووقف في جنح الليل ينظر إلى السماء هاتفاً: «يا أنت الذي خلقتني اهدني للحق وإلّا خذ روحي فإني أعيش حياة ضالة» وانهمرت من عينيه دموع الحيرة ثم استسلم للنوم. وفي الصباح استيقظ على طرق الباب فوجد محمد رجلاً مشرق الوجه يطلب منه أن يحدِّثه لبعض الوقت، وبدأ حديثه بقوله: أنا «ماشوركا»، مسلم جئت لأحدثك عن الإِسلام. وأخذ ماشوركا يحدّثه عن الله ووحدانيته وعظمته وكيف أنه يستحق العبادة ومنزّه عن كل نقص.

انشرح قلب محمد عيسى غارسيا لهذه الكلمات، ونظر إلى السماء متذكراً ما دعا به في الليلة الماضية، وشعر برحمة الله تحفه ونفحات الإيمان تتدافع في قلبه. دام حديث ماشوركا معه ثلاث ساعات بعدها استأذن لصلاة الجمعة. وقبل أن ينصرف طلب غارسيا أن يرافقه إلى المسجد، فقد وجد ضالته ولن يتركها تضيع من بين يديه، واستمع للخطبة التي تحدثت عن الإِسلام. وما إن فرغ المصلّون من الصلاة حتى توجه محمد غارسيا إلى ماشوركا مخاطباً: أريد أن أسلم، ماذا أفعل؟ فقال له: عليك بنطق الشهادتين ثم الاغتسال. ففعل محمد غارسيا ما طلب منه فكبّر المصلّون فرحاً بإسلامه.

طريق الأهل الشائك والهجرة إلى الحقيقة:

تعلّم محمد عيسى غارسيا في المدرسة والبيت الحرية في أن يعتقد ما يريد دون أن يؤثر ذلك في حياة الأسرة، لكن ما حدث بعد إسلامه كان خلاف ذلك، فقد واجهته المصاعب من جميع الجهات؛ فوالدته غضبت منه غضباً شديداً وتوعدته رغم حبها الجمّ له، وقام والده بطرده من المنزل وهو ما زال طالباً لم يتعدَّ 18 عاماً، فخرج حزيناً من بيته مصدوماً من أهله الذين طالما تغنوا بالحرية في المعتقد والسلوك.

٢٣٣

ليس لمحمد عيسى غارسيا أحد يلجأ إليه سوى «ماشوركا» الذي احتضنه ووفر له عملاً بسيطاً في شركة لتصنيع البلاستيك، ومأوى في بيته كي يعيش فيه. ظل محمد عيسى يعمل ويتردد إلى المسجد كي يتعلم العربية وتعاليم الإِسلام، كان جلّ همّه أن يستزيد من المعرفة وينهل من نهج نبي الإِسلام (ص)

رغب محمد عيسى أن يتعلم سيرة النبي (ص) فأقبل على كتاب السيرة النبوية «لمارتن لينكس»، وكلما قرأ عن الاضطهاد الذي تعرض له النبي وكيف صبر عليه، ازداد صلابة في مواجهة الحياة الصعبة التي يعيشها، وبعد فترة اجتهد محمد عيسى في حفظ القرآن والأحاديث النبوية حتى حفظ جزء «عم» و«الأربعون النووية».

ظلّت نفس محمد عيسى تهفو لزيارة البيت الحرام والوقوف أمام مقام الرسول (ص) حتى أتت فرصة الحج عام 1993 ووقف أمام الكعبة يصلّي معلناً أنه لا يسجد لها ولا يعبد الحجر الأسود بل يسجد ويعبد الله وحده.

بعد الحج عزم محمد عيسى على التخصص في علم الحديث بعدما تعلّم اللغة العربية، وكانت ترافقه أمنية في أن يهدي الله أُمه للإِسلام فأخذ يراسلها ويكتب إليها ويتصل بها بين الحين والحين، وفي إحدى المرات فاجأته أُمه بقولها: «لقد أسلمتُ يا محمد» حينها طار قلب محمد فرحاً لإِسلام أُمه.

عاد محمد عيسى عام 2004 إلى الأرجنتين بعد رحلة استغرقت إحدى عشر عاماً، حفظ خلالها عشرة أجزاء من القرآن الكريم وأتقن اللغة العربية، آنذاك حمل محمد عيسى لواء الدعو إلى الله وتبصير الناس بالله وبالإِسلام لكنه واجه ظروفاً صعبة، ولكن من براثن الظلام يتولد الضوء، فكثير من الأرجنتينيين بدأوا يسألونه عن الإِسلام وهو يشرح لهم حقيقة الافتراءات التي ألصقت بهذا الدين الحنيف، حتى أسلم على يديه 70 رجلاً وامرأة خصصوا لهم مكاناً للصلاة في حيّهم، ويقوم محمد عيسى بتدريس العربية للمسلمين الجدد وتعليمهم قراءة القرآن وتعاليم الإِسلام.

٢٣٤

أصبحت الدعوة إلى الإِسلام هي الشغل الشاغل لمحمد عيسى وتطورت أساليبه في التبليغ، فنظراً إلى أنه يجيد اللغة العربية والإسبانية اتجه إلى الترجمة عندما وجد ندرة في الكتب الإِسلامية باللغة الإسبانية، فعمل مديراً لقسم اللغة الإسبانية في الدار العالمية للكتاب الإِسلامي، وقد ترجم حتى الآن أكثر من سبعين كتاباً إسلامياً من العربية إلى الإسبانية، ويناشد محمد عيسى الجميع الحكومات والمؤسسات الإسلامية أن يدعموا الدعوة والتبليغ في الأرجنتين وأمريكا اللاتينية، وأن تزيد حركة الترجمة وتتسع حتى تشمل جميع الكتب التي تحتضن العلوم الشرعية.

وليس غريباً أن يلوم المسلم الأرجنتيني محمد عيسى المسلمين على تقصيرهم في تبليغ رسالة الإِسلام في أمريكا اللاتينية، بعدما اطلع على عظمة الإِسلام ونجاعته في سعادة الإنسان في هذا العصر، فالمسلمون بنظره لا يقدّرون إسلامهم حق قدره. ويضيف محمد عيسى غارسياً قائلاً: «كثير من الدعاة يسافرون إلى أماكن أخرى من العالم مقابل عدد قليل جداً يأتي إلينا للدعوة إلى الله، وهذا يحزنني كثيراً، فالناس هنا في الأرجنتين، متقبلون للإِسلام ولكنهم يحتاجون إلى من يرشدهم إليه».

نداء إلى المسلمين:

وفي نهاية حديثه معنا قال: «60% من الأرجنتينيين الذين أسلموا تعرفوا على الإِسلام من خلال مواقع الإنترنت، وهناك مواقع إسبانية عن الإِسلام وكذلك منتديات للحوار باللغة الإسبانية، لذلك أناشد الشباب المسلم العربي أن يتعلم اللغة الإسبانية يدخل إلى هذه المواقع ليدعوا إلى الله، أرجو أن تهتموا بأمور المسلمين الجدد في أمريكا اللاتينية ونحن نرحب بكم جميعاً ونود أن نستقبلكم في بيوتنا».

٢٣٥

قصّة قسيس روسي

اعتنق الإسلام بعد صراع ضد الإلحاد :

من هو القسيس المسيحي الروسي الذي اعتنق الإسلام وما هي قصة الشيخ الذي دخل عليه إلى قلب الكنيسة وكان كلامه بمثابة دعوة للهدى، وماذا يفعل بولوسين ورفاقه لنصرة الإسلام في روسيا؟

قال الدكتور في الفلسفة والعلوم السياسية علي فيتشسلاف بولوسين: «لقد تربيت في عائلة غير مؤمنة ولكنني كنت أدرك بإحساسي وجود الله الذي أتوجه إليه في كل ضائقة وسرعان ما تنفرج».

وأضاف بولوسين الذي وضع عدداً من المؤلفات حول علوم الدنيا والآخرة أبرزها كتابه «الخرافات والدين والدولة» الذي صدر في موسكو في عام 9991م إنه التحق بكلية الفلسفة في جامعة موسكو من أجل الوصول إلى معرفة حقيقة الله (سبحانه وتعالى) حيث تخرَّج بعد أن أمعن في دراسة المسيحية الأرثوذكسية وقال «اكتشفت الكثير من التناقضات فيها».

وإبان العهد السوفياتي حيث كانت الشيوعية تمثل الإيديولوجية الرسمية للدولة وكانت الكنيسة الأرثوذكسية تمثل البديل الوحيد الموجود التحق بولوسين بمدرسة الرهبان وأصبح قسيساً في عام 3891م. وأقر بولوسين بأن وضعه كراهب كان يشكِّل رمزاً للصراع ضد الإلحاد وفي الوقت نفسه فإن مقامه كراهب كان يفرض عليه ممارسة طقوس تلبية لاحتياجات الناس المؤمنين التي يقول إنه «لم يقتنع بها مما خلق لديه ازدواجية بين الإيمان الشخصي والواجب الديني الاجتماعي ويعتقد بولوسين أن شكوكه ومواقفه التي لم يكن قادراً على إخفائها كانت السبب وراء إبعاده إلى آسيا الوسطى للخدمة في إحدى الكنائس في طاجكستان «حيث تعرفت لأول مرة وبصورة مباشرة على المسلمين والإسلام الذي بدأت أشعر بانشداد إليه».

وروى بولوسين أن شيخاً وقوراً دخل عليه إلى قلب الكنيسة التي كان يرعى أمورها وبدون أن يقدِّم نفسه «سألني عدة أسئلة أجبته عليها وبعدها قال لي إنك تنظر إلى الأمور بعيون مسلم وستكون إن شاء الله من المسلمين».

٢٣٦

وقال بولوسين: «بدا هذا الأمر عجيباً وغريباً إذ دخل الشيخ إلى قلب الكنيسة بكل احترام ولكنه غير آبه بأي مكروه قد يتعرض إليه ليدعو راعي الكنيسة إلى الإسلام، والعجيب في الأمر أن هذه الدعوة دخلت إلى روحي ولم تلقَ مني أي مقاومة».

وأضاف: إن الأمر الأكثر عجباً أنني لم أرَ هذا الشيخ قبل هذه الحادثة ولا بعدها وبعد وقت أدركت أن مجيئه إليّ كان مثابة «دعوة للهدى».

وبعد آسيا الوسطى تولى بولوسين رعاية كنيسة مهجورة أعيد ترميمها في مدينة كالوغا حيث يعترف بأنه بدأ فيها ممارسة قناعته بالإيمان بعيداً عن الطقوس التي لم يكن يؤمن بها.

وبفضل العلاقة الطيبة التي ارتسمت بينه وبين رواد الكنيسة سارع الناس في سنوات الانفتاح والانعتاق الديني التي دشنتها البيرسترويكا إلى ترشيحه لعضوية البرلمان الروسي في عام 0991م حيث أصبح نائباً في البرلمان وترأس لجنة برلمانية لحرية العقيدة وتفرغ للعمل النيابي بعد أن تقدم بطلب رسمي إلى الكنيسة حرره من التزاماته الشكلية الدينية.

وأضاف أن فترة عمله في البرلمان تُوِّجت بإقرار قانون حول الأديان منح الكثير من التسهيلات للمسلمين وظل العمل به مستمراً حتى عام 7991م.

ويعترف بولوسين أنه انكب في بداية التسعينيات على دراسة المصادر التاريخية القديمة للمسيحية في محاولة للوقوف على تفسيرات للشكوك التي انطوت عليها نفسه ولكن هذه الدراسة المتعمقة زادت شكوكه وعمقتها «حسب قوله».

واستطرد بأن عام 5991م كان عام التحول في قناعاته الدينية حيث توقف تماماً عن ممارسة عمله في الكنيسة وانتقل لدراسة الإسلام وقال: «لكن قراءة القرآن بالترجمة الروسية التي أعدها أغناتي كراتشكوفسكي شوهت المعاني السامية للقرآن التي لم تتضح بأبعادها العظيمة إلّا بعد مراجعة ترجمة عصرية للمعاني القرآنية والمؤلفات الإسلامية حول المسيح واستماعي إلى سلسلة محاضرات حول الدين الإسلامي حيث لم يبقَ لديّ أي شك في اعتناق الإسلام.

٢٣٧

وقال بولوسين «أعلنت إسلامي سراً ولم يكن يعلم به أحد سوى شخصين، وانطوى هذا القرار على خطر يتهدد حياتي وحياة زوجتي التي سبقتني إلى الإسلام وظللت على هذا الحال حتى العام الماضي حيث نطقت علناً بالشهادتين في حديث أدليت به لصحيفة «المسلمون» واتخذت لنفسي اسم علي وزوجتي علية».

ورداً على النظريات الغربية التي ترى أن الصراع بين الأديان والحضارات يبدو حتمياً أعرب بولوسين عن قناعته بأن روسيا تشكل نموذجاً يحتذى للتعايش السلمي بين الإسلام والمسيحية بالرغم من بعض الفترات التاريخية التي ألحقت فيها الدولة أذى بالمسلمين كما حدث في العهد القيصري إبان حكم إيفان الرهيب وغيرها.

وحذر بولوسين من وجود أطراف خارجية تسعى لإثارة النعرات الدينية في روسيا من أجل تقويض الوحدة الوطنية وإضعاف الدولة الروسية.

ويتهم بولوسين الصهيونية بأنها صاحبة المصلحة الأولى في الإيقاع بين المسلمين والمسيحيين في روسيا.

ودحض بولوسين بقوة محاولة إضفاء صفة الإرهاب على الإسلام قائلاً إن الأصولية اليهودية تشكل قمة التطرف لأنها تندرج في الإطار الإيديولوجي للصهيونية وتقوم على الخرافات التي كانت قائمة قبل ثلاثة آلاف عام.

وتساءل «كيف يتحدثون عن الأصولية الإسلامية وكلنا نعرف إن الأصولية اليهودية هي التي أقامت دولة على حساب شعب آخر استناداً إلى روايات خرافية وما زالت تسعى لإقامة دولة إسرائيل الكبرى على حساب الأمة العربية جمعاء».

وعن المهام الملحَّة التي يقوم بها بولوسين لنصرة الإسلام في روسيا قال إن المهمة الملحة تتمثل في «تقديم صورة صحيحة عن الإسلام للمواطنين الروس على جميع الأصعدة بما في ذلك أجهزة الدولة الأمنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية».

وأضاف أننا نقوم بنشر صورة الإسلام المشرقة بصفته ديناً قائماً على المحبة والتعايش السلمي وسط المثقفين الروس وبدأنا بإصدار نشرة الصراط المستقيم التي تتضمن مقالات تطرح نظرة عصرية وحديثة للإسلام في روسيا وموقف المسلمين إزاء معضلات ومشكلات المجتمع الروسي.

٢٣٨

وذكر بولوسين الذي يعمل في الوقت الحاضر مستشاراً لدى رئيس الإدارة الدينية لمسلمي الجزء الأوروبي من روسيا أنه يعمل مع فريق من المسلمين الروس على وضع أسس لبرنامج اجتماعي للمسلمين الروس من أجل طرحه في الأوساط الروسية الرسمية والاجتماعية.

٢٣٩

الأخ الإسباني يوسف فرنانديز

يقول:

· أدركت أن الإسلام هو ما كنت أنتظره منذ فترة طويلة، فهو نهج حياة واضح لا يكتنفه غموض أو أسرار.

· قبل الإسلام كنت شخصاً عصبياً متشائماً لا يرى معنى لوجوده.. وقد أصبحت بعده إنساناً هادئاً وحيوياً وإيجابياً.

· في إسبانيا آفاق الدعوة إلى الإسلام جيّدة على الرغم من أن العمل في هذا المجال ليس كافياً.

يوسف فرنانديز.. أخ مسلم غربي آخر يروي قصّة تحوّله المشوّقة إلى جمال أنوار الإسلام، بعد رحلة طالت مع العقائد والأفكار السائدة في عالم الغرب، التي لم تشفِ غليله، ولم توفّر له قناعة بسلامتها وطمأنينة بصلاحيتها.. وقد تفضّل مشكوراً بالكتابة عن قصّة اعتناقه للإسلام، ليطّلع عليها قرّاء المجلة وكل من هو متيقِّن بعظمة هذا الدين الحنيف.

لقد وُلدت في العام 5691 في أستورياس، وهي منطقة في شمال إسبانيا زُعم أنها مهد الكاثوليكية الوطنية، أي العقيدة السياسية والدينية التي سادت في إسبانيا طيلة خمسة قرون. تقول أساطير الفكر الرسمي القديم إن المسلمين الذين جاؤوا في العام 711 ميلادي إلى إسبانيا عن طريق مضيق جبل طارق واستولوا على معظم أنحاء شبه الجزيرة الأيبيرية في سبع سنوات فقط، قد هُزموا من قبل الملك بيلايو وبعض أتباع المسيحية في كوفادونغا، وهي معقل جبلي في أستورياس. وقد قيل إن ذلك آذن ببدء الـatsiuqnoceR (الاسترداد) أي الحرب المسيحية المقدسة التي استمرت ثمانية قرون لفتح شبه الجزيرة بأكملها والقضاء على الدول الإسلامية فيها. وفي الثاني من كانون الثاني/يناير 2941، سقطت غرناطة؛ وقد مثل هذا التاريخ نهاية العصر الإسلامي المشرق في الأندلس.

بعد ذلك، أصبحت إسبانيا دولة كاثوليكية رسمية وذلك حتى وفاة الدكتاتور فرانشيسكو فرانكو في العام 5791. وفي عام 8791، تمت المصادقة على أول دستور ديمقراطي، وبعد ذلك بعامين صدر أول قانون للحرية الدينية.

نظراً لهذه الحقائق التاريخية، كان من المفترض أن تكون أستورياس مكاناً من الصعب أن يكتشف المرء الإسلام فيه، لا سيما وأن الهويتين الأستورية والإسبانية قد تم ربطهما بالكاثوليكية الوطنية لفترة طويلة.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496