الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٨

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل12%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 496

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 231228 / تحميل: 7117
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٨

مؤلف:
العربية

١
٢

٣
٤

سُورَة الحِجر

مكيّة

وعدد آياتها تسع وتسعون آية

٥
٦

«سورة الحجر »

محتوى السّورة :

المشهور عند جل المفسّرين أنّ سورة الحجر مكّية ، وهي السورة الثّانية والخمسون من السور التي نزلت على النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة المكرمة على ما ذكره ابن النديم في فهرسته تحت موضوع تاريخ القرآن ، وعدد آياتها تسع وتسعون آية باتفاق كل المفسّرين.

ولم تشذ السورة في سياقها ومضامينها عن السور المكّية السابقة لها ، وكما ذكرنا سابقا فإنّ السور المكّية تشتمل على جمل من الكلام حول أصول الدين كالتوحيد والمعاد ، وإنذار المشركين والعاصين والظالمين ، بالإضافة إلى ما يحمله تاريخ الأقوام السالفة من دروس العبرة للاعتبار.

ويمكننا تلخيص ما حوته السورة في سبع نقاط :

١ ـ الآيات المتعلقة بمبدإ عالم الوجود ، والإيمان به بالتدبر في أسرار الإيجاد.

٢ ـ الآيات المتعلقة بالمعاد وعقاب الفجرة الفسقة.

٣ ـ أهمية القرآن باعتباره كتابا سماويا.

٤ ـ محاولة إيقاظ وتنبيه البشر من خلال طرح قصّة خلق آدم ، وتمرد إبليس ، وتبيان عاقبة التمرد.

٧

٥ ـ زيادة في محاولة الإيقاظ والتنبيه من خلال عرض القصص القرآني لما جرى لأقوام لوط وصالح وشعيبعليهم‌السلام .

٦ ـ إنذار وبشارة ، مواعظ لطيفة وتهديدات عنيفة ، إضافة إلى المرغبات المشوقة.

٧ ـ مخاطبة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتقوية صبره وثباته قبال ما يحاك من دسائس ، وبالذات ما كان يجري داخل إطار مكّة.

وقد اختير اسم السورة من الآية الثمانين التي ذكرت قوم صالح بأصحاب الحجر ، علما بأنّ السورة تناولت ذلك في خمس آيات ، وهي السورة الوحيدة في القرآن التي ذكرتهم بهذه التسمية ، وسيأتي ذلك مفصلا في تفسير الآيات (٨٠ ـ ٨٤) إن شاء الله.

* * *

٨

الآيات

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ )

( الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (١) رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (٢) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (٤) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٥) )

التّفسير

الأماني الزّائفة!

سورة أخرى تفتتح بالحروف المقطعة (ألف ، لام ، وراء) لتبيّن من جديد أنّ مفردات كتاب نور السماء إلى ظلام أهل الأرض ، ما هي إلّا عين تلك الأبجدية التي تلوك ألفاظها ألسن كل البشر ، صغيرهم وكبيرهم ، بين مختلف اللغات ، ومع ذلك فلا يستطيع أي مخلوق الوصول لبناء وتركيب كلام القرآن ، وهو ذرورة التحدي الرباني المعجز ، وعليه فقد جاءت( تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ ) مباشرة.

كما نعلم أنّ «تلك» اسم إشارة للبعيد ، والمفروض في هذا الموضع استعمال اسم الإشارة (هذه) باعتباره يدل على القرب ، لأنّ القرآن كتاب بين أيدينا ، إلّا إنّ

٩

لغة العرب ـ كما بيّنا سابقا ـ تسمح بذلك لبيان عظمة المشار إليه ، فالمراد أنّ لشأن القرآن عظمة ، وكأنّه في موضع بعيد جدّا بين طيات السماء ، لا يناله إلّا من ملك مستلزمات التحليق إليه. ويقارب ذلك ما نتداوله فيما بيّننا عند تعظيم شخص معين فنقول له مثلا : (إن سمح لنا ذلك السّيد أن ...) فنستعمل (ذلك) مع كون الشخص مخاطبا.

وأمّا بشأن مجيء صيغة «قرآن» نكرة فلبيان عظمته أيضا ، وذكر «القرآن» بعد «الكتاب» تأكيد ، ووصفه بال «مبين» لأنّه يظهر الحقائق ويبيّن الحق من الباطل.

وأمّا ما احتمله بعض المفسّرين من أنّ المراد بكلمة «الكتاب» إشارة إلى التوراة والإنجيل ، فهو كما يبدو بعيد جدّا ويفتقد الى الدليل.

ثمّ يحذر الذين يصرون على الفساد ومخالفة آيات الله الجلية ، ويخبر بأنّهم سوف يندمون حين ينكشف الغطاء يوم القيامة بما كسبت أيديهم من كفر وتعصب أعمى وعناد. ويقول :( رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ) .

فالمراد بكلمة «يود» التمني حسب ما ورد في تفسير الميزان ، وذكر كلمة «لو» للدلالة على تمنيهم الإسلام في وقت لا يمكنهم فيه العودة إلى ما كانوا ينكرون ، وهذه إشارة إلى أن تمنيهم سيكون في العالم الآخر وبعد معاينة نتائج الأعمال.

ويؤيد هذا المعنى وما ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام قوله : «ينادي مناد يوم القيامة يسمع الخلائق إنّه لا يدخل الجنّة إلا مسلم ، فثمّ يود سائر الخلائق أنّهم كانوا مسلمين».(١)

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ٣٢٨ ، كذلك ورد الحديث الأوّل في تفسير الثقلين عن تفسير العياشي ، وأورد الفخر الرازي في تفسيره حديثا يشابه الحديث الثّاني مع تفاوت يسير ، وذكر في تفسير الطبري أيضا عدّة أحاديث في مضمون الحديث الثّاني ضمن تفسير الآية المذكورة.

١٠

وروي أيضا عن النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «إذا اجتمع أهل النّار في النّار ومعهم من يشاء الله من أهل القبلة ، قال الكفار للمسلمين : ألم تكونوا مسلمين ، قالوا:بلى، قالوا : فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النّار؟ قالوا : كانت لنا ذنوب (بائر) فأخذنا بها (وهذا الاعتراف بالذنب والتقصير ولوم الأعداء يكون سببا لأن) يسمع اللهعزوجل ما قالوا فأمر من كان في النّار من أهل الإسلام فأخرجوا منها فحينئذ يقول الكفار: يا ليتنا كنّا مسلمين».(١)

وربّما كان ظاهر الآية يوحي إلى أولئك الكفرة الذين ما زالت جذوة الفطرة تسري في أعماق وجدانهم ، وحينما لمسوا من نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلك الآيات الرّبانية التي تناغي أوتار القلوب ، لانت قلوبهم وتمنوا أن لو يكونوا مسلمين ، إلّا أنّ تعصبهم الأعمى وعنادهم القائم ، أو قل منافعهم المادية حجبتهم عن قبول دعوة الحق ، وبذلك بقوا بين قضبان كفرهم واستحوذت عليهم أحابيل الكفر والضلال.

ذكر لنا أحد الأصدقاء من المؤمنين المجاهدين وكان قد سافر إلى أوروبا قائلا : ذات مرّة التقيت بأحد المسيحيين ـ وكان رجلا منصفا ـ وبعد أن بيّنت له بعض خصال ديننا ، استهوته ومال إليها قائلا : أهنئكم من أعماقي على عظمة معتقدكم ، ولكن ـ ما ذا نصنع مع الظروف الاجتماعية التي أجبرتنا على أن لا نحيد عنها!

ومن تاريخ الإسلام نطالع ما حصل لقيصر الروم عند ما وصله رسول النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويذكر بأنّ القيصر قد أظهر الإيمان سرّا للرسول حتى أنّه رغب في دعوة قومه لدين التوحيد إلّا أنّه خاف قومه وفكر بامتحانهم ف (أمر مناديا ينادي : ألا إنّ هرقل قد ترك النصرانيّة واتبع دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأقبل جنده بأسلحتهم حتى

__________________

(١) المصدر السّابق.

١١

طافوا بقصره ، فأمر مناديه فنادى : ألا إنّ قيصر إنّما أراد أن يجرّبكم كيف صبركم على دينكم ، فارجعوا فقد رضي عنكم. ثمّ قال للرسول : إنّي أخاف على ملكي. وإنّي لأعلم أنّ صاحبك نبيّ مرسل ، والذي كنّا ننتظره ونجده في كتابنا ، ولكنّي أخاف الروم على نفسي، ولو لا ذلك لاتبعته).(١)

وعلى أية حال ، ينبغي التنويه بعدم وجود تعارض بين أيّ منالتّفسيرين ، فيمكن حمل الآية على ندم بعض من الكافرين في كلا العالمين (الدنيا والآخرة) ، واعتبار عدم استطاعتهم العودة إلى الإسلام في حياتهم الدنيا وفي الآخرة لجهات مختلفة ـ فتأمل.

ثمّ يأتي نداء السماء بلهجة لاذعة ، يا محمّد( ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) فهم كالأنعام التي لا تعرف سوى الحقل والعلف ، ولا تفهم سوى اللّذات المادية ، وكل ما تريده لا يتعدى إطار ما تعرف وتفهم.

إنّهم لا يدركون فقه الحقائق ، لأنّ حجب الغرور والغفلة والأماني الزائفة ختمت على قلوبهم.

ولكن ، عند ما يصفع الأجل وجوههم وترتفع تلك الحجب عن أعينهم ، وحينما يجدون أنفسهم أمام الموت أو في عرصة يوم القيامة ، هنالك سيدركون عظمة حجم غفلتهم ومدى خسرانهم ، وكيف أنّهم قد ضيعوا أغلى ما كانوا يملكون!

الآية التالية توضح محدودية اللذائذ الدنيوية لكي لا يظن أحد إنّما خالدة فتقول :( وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ ) ثمّ يقول تعالى :( ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ ) .

فقد سرت سنّة الباري جل شأنه بأن يعطي المدّة الكافية لرجوع المضللين إلى بارئهم ، من خلال ابتلائهم بالشدائد الصعبة تارة ، وبفيوضات رحمة الرخاء

__________________

(١) مكاتيب الرّسول ، ج ١ ، ص ١١٢.

١٢

تارة أخرى ، فمن لا تنفعه البشارة يأتيه الإنذار وهكذا ، كل ذلك إتماما للحجة عليهم.

صحيح أنّ المصلحة الموجبة للتربية الربانية تقتضي (بعلم ربّ الأرباب) أن يمهل ولكنّه سبحانه لا يهمل ، وعاجلا أم آجلا سينال كلّ نصيبه بما كسبت يداه.

من الآيتين الأخيرتين ، تتّضح لنا فلسفة تكرار آيات القرآن لذكر تأريخ الأمم السابقة.

أفلا تكفينا قصص السابقين عبرة لإصلاح أنفسنا والرجوع إلى الله تعالى؟ بل كيف نسترخي بالقعود حتى يقدّر علينا ما كتب على الذين ضلوا وظلموا من قبلنا؟ اذن وعلينا الإعتبار ، وإلّا فسنكون عبرة لمن سيأتي بعدنا.

* * *

ملاحظة :

الغفلة وطول الأمل

ممّا لا شك فيه أن الأمل بمثابة العامل المحرك لعجلة حياة الإنسان ، فلو ارتفع الأمل يوما من قلوب الناس لارتبكت مسيرة الحياة ولا تجد إلّا القليل ممن يجد في نفسه دافعا لمواجهة صراع الحياة معه ، والحديث النبوي الشريف : «الأمل رحمة لأمتي ، ولو لا الأمل ما رضعت والدة ولدها ، ولا غرس غارس شجرا»(١) يشير لهذه الحقيقة.

وإذا ما تجاوز الأمل حده المعقول فإنّه سيتحول إلى (طول أمل) وهو ما ينذر بالانحراف والهلاك ، ومثله كمثل ماء المطر الذي يمثل عامل الحياة الفياض للأرض والنبات والحيوان ، فلو زاد عن حدّ الحاجة إليه ، أصبح عاملا للغرق

__________________

(١) سفينة البحار ، ج ١ ، ٣٠ (أمل).

١٣

والهلاك.

وهذا الأمل القاتل هو أساس الجهل بالله وعدم معرفة الحق والابتعاد عن الحقيقة ، ويؤدي الى تقوقع الإنسان في دائرته الفردية بما ينسجه الخيال الواسع ويبتعد عن هدف وجود الإنسان على الأرض والمصير الذي يصبو إليه.

ويحدثنا أمير المؤمنين عليعليه‌السلام عن هذا المضمون بقوله : «يا أيّها الناس ، إنّ أخوف ما أخاف عليكم اثنان : اتّباع الهوى وطول الأمل ، فأمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة»(١) .

حقا ، كم هم أولئك الذين امتازوا بالملكات الفائقة والكفاءات اللائقة ، ولكنّهم سقطوا في شباك فخ طول الأمل فتحولوا إلى موجودات ضعيفة ، بل وممسوخة! وأصبحوا لا يستطيعون تقديم شيء لمجتمعهم ، بل ضيّعوا حتى ما ينفع أنفسهم وأثقلوا عمّا يسمون به إلى التكامل.

وهذه الصورة نتلمس ملامحها بجلاء في دعاء كميل : «وحبسني عن نفعي بعد أملي».

بديهي أنّ الأمل الذي يتجاوز الحد المعقول ، يجعل الإنسان عرضة للانهماك والعجز والاضطراب ، ويصوّر لصاحبه أنّ هذه الحال ستوصله إلى السعادة والرفاه ، وما يدري أنّه يخطو صوب جرف الشقاء والنكد.

وغالبا ما تطوى صفحات هؤلاء بالدمعة الجارية والحسرة لما آل إليه المآل ليكونوا عبرة لكل ذي عين بصيرة وأذن سميعة.

* * *

__________________

(١) نهج البلاغة ، من الخطبة ٤٢.

١٤

الآيات

( وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧) ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (٨) )

التّفسير

طلب نزول الملائكة :

تبتدئ الآيات بتبيان موقف العداء الأعمى والتعصب الأصم للقرآن الحكيم والنّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قبل الكفار ، فتقول :( وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ) .

ومن خلال كلامهم يظهر بجلاء مدى وقاحتهم وسوء الأدب الذي امتازوا به حين مخاطبتهم للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتارة يقولون :( يا أَيُّهَا الَّذِي ) ، وأخرى :( نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ ) بصيغة الهزؤ والإنكار لآيات الله سبحانه ، وثالثة : يستعملون أدوات التوكيد «إن» ولام القسم ليتّهموا أشرف خلق اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجنون!

نعم ، الخصم ينطلق المريض الجاهل حينما يقابل حكيما لا نظير له ، فأوّل ما يرميه بالجنون ، لأنّه ينطلق من جهله الذي لا يستوعب الحكمة والمعقول ، فيرى كل ما فوق تصوره القاصر غير معقول ، ويوصم خصمه بالمجنون!

١٥

هؤلاء الأشخاص لديهم تعصب خاص نحو كل ما ألفوه في محيطهم الاجتماعي حتى وإن كان ضلالا وانحرافا ، لذا تراهم يواجهون كل دعوة جديدة على أساس أنّها غير معقولة ، فهم يخشون من كل جديد ، ويتمسكون بشدّة بالعادات والتقاليد القديمة.

أضف إلى ذلك ، أن من استهوته الدنيا وعاش لها لا يفقه المعاني الروحية والقيم الإنسانية ويوزن كل شيء بالمعايير المادية ، فإذا شاهد شخصا يضحي بكل شيء وحتى بنفسه لأجل أن يصل إلى هدف معنوي ، فسوف لا يصدّق بأنّه عاقل ، لأن العقل في عرفهم هو ما يصيب : المال الوافر ، الزوجة الجميلة ، الحياة المرفهة ، والوجاهة الكاذبة!

وعليه ، فحينما يرون رجلا قد عرضت عليه الدنيا بكل ما يحملون به فأبى أن يقبلها بقوله : «والله لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته» فسيقولون عنه : إنّه لمجنون!

الملفت في التهم الموجهة إلى أنبياء الله تعالى أنّها تحمل بين طياتها تضادا واضحا يلمس بأدنى تدبر ، ففي الوقت الذي يرمون النّبي بالمجنون يعودون ويقولون عنه : إنّه لساحر، فمع أن الساحر لا بدّ له من الذكاء والنباهة ، فهل يعقل أن يكون الساحر ، مجنونا؟!

إنّهم لم يكتفوا بنسبة الجنون إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل تحججوا قائلين :( لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) .

يجيبهم الباري جل شأنه :( ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ ) . فلو ثمّ إنزال الملائكة وشاهدوا الحقيقة بأعينهم ثمّ لم يؤمنوا بما فسوف يحيق بهم ، العذاب الالهي دون إمهال.

وللمفسّرين وجوها متباينة في تفسير( ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِ ) :

١ ـ يرى البعض ، أن أمر تنزيل الملائكة لا يتعلق بما يتقوله القائلون تحججا ،

١٦

بل هو إعجاز رباني لإظهار الحق وإحقاقه.

وبعبارة أخرى ، فالإعجاز ليس أمرا ترفيهيا يناغي تصورات الآخرين بقدر ما هو حجة إلهية لإثبات الحق وإماطة الباطل.

وقد أشبعت هذه الحقيقة بما فيه الكفاية لمن يرى النّور نورا والظلام ظلاما من خلال ما أوصله نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريق القرآن والمعاجز الأخرى.

٢ ـ المقصود من كلمة «الحق» هو العقاب الدنيوي بالبلاء المهلك ، وبعبارة أخرى (عذاب الاستئصال).

أي في حال عدم إيمان الكفار المعاندين بعد نزول الملائكة على ضوء اقتراحهم فهم هالكون قطعا.

وبهذا تكون جملة( وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ ) مؤكّدة لهذا المعنى ، وأمّا على التّفسير الأوّل فإنّها تتناول موضوعا جديدا.

٣ ـ وقيل المراد بالحق في الآية الموت ، إي أنّ الملائكة لا تنزل إلّا لقبض الأرواح.

لكنّ هذا المعنى بعيد جدّا أمام ما يحفل به القرآن من ذكر نزول الملائكة في قصتي إبراهيم ولوطعليهما‌السلام ومعركة بدر إلخ.

٤ ـ وقيل المراد بالحق الشهادة (المشاهدة).

أي ما دام الإنسان يعيش في عالم الدنيا فهو عاجز عن رؤية ما وراء هذا العالم حيث هناك تسبح الملائكة بحمد ربّها ، لأنّ الحجب المادية قد أفسدت رؤيته ولا يتسنى له ذلك إلّا بعد الرحيل إلى العالم الآخر ، وحين ذلك ينتهي مفعول الماديات فتزال الحجب ويرى الملائكة.

يواجه هذا التّفسير نفس ما واجهه التّفسير الثّالث من إشكال ، فقوم لوط مثلا ،

١٧

على ما كانوا عليه من كفر وانحراف فقد رأوا ملائكة العذاب في دنياهم(١) .

من خلال ما تقدم يتبيّن لنا أن التّفسيرين الأوّل والثّاني ينسجمان مع ظاهر الآية دون الآخرين.

أمّا ما ورد في ذيل الآية من عدم الامهال بعد استجابة مطاليبهم في رؤية المعاجز الحسيّة وعدم إيمانهم بها ، فلأنه قد تمّت الحجة عليهم وانتفت جميع اعذارهم وتبريراتهم ، وبما أن استدامة الحياة إنّما هو لأجل إتمام الحجة واحتمال توبة ورجوع الافراد المنحرفين الى الصراط المستقيم ، وهذا الأمر لا موضوع له في مثل هؤلاء الأشخاص ، فلذلك يحين أجلهم وينالون جزاءهم الذي يستحقونه. (فتدبّر)

* * *

__________________

(١) راجع سورة هود ، ٨١.

١٨

الآية

( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩) )

التّفسير

حفظ القرآن من التحريف :

بعد أن استعرضت الآيات السابقة تحجج الكفار واستهزاءهم بالنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقرآن ، تأتي هذه الآية المباركة لتواسي قلب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جهة ولتطمئن قلوب المؤمنين المخلصين من جهة أخرى ، من خلال طرح مسألة حيوية ذات أهمية بالغة لحياة الرسالة ، ألا وهي حفظ القرآن من أيادي التلاعب والتحريف( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) فبناء هذا القرآن مستحكم وشمس وجوده لا يغطيها غبار الضلال ، ومصباح هديه أبدي الإنارة ، ولو اتحد أعتى جبابرة التاريخ وطغاته وحكامه الظلمة ، محفوفين بعلماء السوء ، ومزودين بأقوى الجيوش عدّة وعتادا ، على أن يخمدوا نور القرآن ، فلن يستطيعوا ، لأنّ الحكيم الجبار سبحانه تعهد بحفظه وصيانته

وقد اختلف المفسّرون في دلالة (حفظ القرآن) في هذه الآية المباركة :

١ ـ قال بعضهم : الحفظ من التحريف والتغيير ، والزيادة والنقصان.

٢ ـ وقال البعض الآخر : حفظ القرآن من الضياع والفناء إلى يوم قيام الساعة.

١٩

٣ ـ وقال غيرهم : حفظه أمام المعتقدات المضلة المخالفة له.

بما أنّه لا يوجد أي تضاد بين هذه التفاسير وتدخل ضمن المفهوم العام لعبارة( إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) فلا داعي لحصر مصاديقها في بعد واحد ، خصوصا وإن «لحافظون» ذكرت بصيغة مطلقة وليس هناك ما يخصصها.

والصحيح ، وفقا لظاهر الآية المذكورة ، أنّ الله تعالى وعد بحفظ القرآن من جميع النواحي : من التحريف ، من التلف والضياع ، ومن سفسطات الأعداء المزاجية ووساوسهم الشيطانية.

أمّا ما احتمله بعض قدماء المفسّرين بأنّه الحفظ على شخص النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باعتبار أن ضمير «له» في الآية يعود إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدلالة إطلاق لفظة «الذكر» على شخص النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض الآيات(١) ، فهو احتمال يتعارض مع سياق الآيات السابقة التي عنت بـ «الذكر» «القرآن» ، بالإضافة إلى إشارة الآية المقبلة لهذا المعنى.

* * *

بحث في عدم تحريف القرآن :

المشهور بين أوساط جلّ علماء المسلمين شيعة وسنة ، أنّ القرآن لم يتعرض لأي نوع من التحريف ، وأن الذي بين أيدينا هو عين القرآن الذي نزل على صدر الحبيب محمّد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فلا زيادة أو نقصان ، حتى ولو بكلمة واحدة ، أو قل بحرف واحد.

ومن جملة من صرح بهذا من العلماء الأعلام الشيعة (من المتقدمين والمتأخرين) تغمّدهم الله برحمته.

__________________

(١) راجع سورة الطلاق ، الآية العاشرة.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

في ذمته أو كان له مال تجدد له بعد الحجر ـ ولو بالاستدانة أو قبول الهدية مثلاً ـ أو أذن له الغرماء بدفع الثمن من ماله المحجور عليه.

مسألة 333 : تثبت الشفعة للشريك وإن كان سفيهاً أو صبياً أو مجنوناً فيأخذ لهم الولي بها ، بل إذا أخذ السفيه بها بإذن الولي صح. نعم إذا كان الولي هو الوصي أو الحاكم ليس له ذلك إلا مع رعاية الغبطة والمصلحة بخلاف الأب والجد فإنه تكفي فيهما رعاية عدم المفسدة كما هو الحال في سائر التصرفات.

مسألة 334 : إذا أسقط الولي عن الصبي أو المجنون أو السفيه حق الشفعة ـ مع رعاية ما تقدم ـ لم يكن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والعقل والرشد ، وكذا إذا لم يكن الأخذ بها مصلحة فلم يطالب. أما إذا ترك المطالبة بها مساهلة منه في حقهم فالظاهر أن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والعقل والرشد.

مسألة 335 : إذا كان المبيع مشتركاً بين الولي والمولى عليه فباع الولي سهم المولىّ عليه جاز له أن يأخذ بالشفعة لنفسه على الأقوى.

مسألة 336 : إذا باع الولي سهم نفسه جاز له أن يأخذ بالشفعة للمولى عليه ، وكذا الحكم في الوكيل إذا كان شريكاً مع الموكل.

١٠١

فصل

في الأخذ بالشفعة

مسألة 337 : الأخذ بالشفعة من الإنشائيات المعتبر فيها الإيقاع ويتحقق ذلك بالقول مثل أن يقول : أخذت المبيع الكذائي بثمنه ، وبالفعل مثل أن يدفع الثمن إلى المشتري ويستقل بالمبيع.

مسألة 338 : لا يجوز للشفيع أخذ بعض المبيع وترك بعضه الآخر بل إما أن يأخذ الجميع أو يدع الجميع.

مسألة 339 : الشفيع يتملك المبيع بإعطاء قدر الثمن إلى المشتري لا بأكثر منه ولا بأقل سواء أكانت قيمة المبيع السوقية مساوية للثمن أم زائدة أم ناقصة ، ولا يلزم أن يعطي عين الثمن في فرض التمكن منها بل له أن يعطي مثله إن كان مثلياً.

مسألة 340 : إذا كان الثمن قيمياً ففي ثبوت الشفعة للشريك بأن يأخذ المبيع بقيمة الثمن حين البيع إشكال ، فالأحوط له عدم الأخذ بالشفعة إلا برضى المشتري كما أن الأحوط للمشتري إجابته إذا أخذ بها.

مسألة 341 : إذا غرم المشتري شيئاً من أجرة الدلال أو غيرها أو تبرع بشيء للبائع من خلعة ونحوها لم يلزم الشفيع تداركه.

مسألة 342 : إذا حط البائع شيئاً من الثمن للمشتري بعد البيع لم يكن للشفيع تنقيصه.

مسألة 343 : الأقوى لزوم المبادرة إلى الأخذ بالشفعة فيسقط مع المماطلة والتأخير بلا عذر ولا يسقط إذا كان التأخير عن عذر ـ ولو كان عرفياً ـ كجهله بالبيع أو جهله باستحقاق الشفعة ، أو توهمه كثرة الثمن فبان قليلا ،

١٠٢

أو كون المشتري زيداً فبان عمراً ، أو أنه اشتراه لنفسه فبان لغيره أو العكس ، أو أنه واحد فبان اثنين أو العكس ، أوإن المبيع النصف بمائة فتبين أنه الربع بخمسين ، أو كون الثمن ذهباً فبان فضة ، أو لكونه محبوساً ظلماً أو بحق يعجز عن أدائه ، وكذا أمثال ذلك من الأعذار.

مسألة 344 : المبادرة اللازمة في استحقاق الأخذ بالشفعة يراد منها المبادرة على النحو المتعارف الذي جرت به العادة ، فإذا كان مشغولاً بعبادة واجبة أو مندوبة لم يجب عليه قطعها.

مسألة 345 : إذا كان مشغولاً بأكل أو شرب لم يجب قطعه ولا يجب عليه الإسراع في المشي.

مسألة 346 : يجوز له إن كان غائباً انتظار الرفقة إذا كان الطريق مخوفاً ، أو انتظار زوال الحر أو البرد إذا جرت العادة بانتظاره لمثله ، وقضاء وطره من الحمام إذا علم بالبيع وهو في الحمام وأمثال ذلك مما جرت العادة بفعله لمثله ، نعم يشكل مثل عيادة المريض وتشييع المؤمن ونحو ذلك إذا لم يكن تركه موجباً للطعن فيه وكذا الاشتغال بالنوافل ابتداءً ، والأظهر السقوط في كل مورد صدقت فيه المماطلة عرفاً.

مسألة 347 : إذا كان غائباً عن بلد البيع وعلم بوقوعه وكان يتمكن من الأخذ بالشفعة ولو بالتوكيل فلم يبادر إليه سقطت الشفعة.

مسألة 348 : لا ينتقل المبيع إلى الشفيع بمجرد قوله : ( أخذت بالشفعة ) مثلاً ، بل لابد من تعقبه بدفع الثمن إلا أن يرضى المشتري بالتأخير ، فإذا قال ذلك وهرب أو ماطل أو عجز عن دفع الثمن بقي المبيع على ملك المشتري لا أنه ينتقل بالقول إلى ملك الشفيع وبالعجز أو الهرب أو المماطلة يرجع إلى ملك المشتري.

مسألة 349 : إذا باع المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة لم تسقط بل

١٠٣

جاز للشفيع الأخذ من المشتري الأول بالثمن الأول فيبطل الثاني وتجزي الإجازة منه في صحته له ، وله الأخذ من المشتري الثاني بثمنه فيصح البيع الأول.

مسألة 350 : إذا زادت العقود على اثنين فإن أخذ بالأول بطل ما بعده ويصح مع إجازته ، وإن أخذ بالأخير صح ما قبله ، وإن أخذ بالمتوسط صح ما قبله وبطل ما بعده ويصح مع إجازته.

مسألة 351 : إذا تصرف المشتري في المبيع بوقف أو هبة غير معوضة أو بجعله صداقاً أو غير ذلك مما لا شفعة فيه كان للشفيع الأخذ بالشفعة بالنسبة إلى البيع فتبطل التصرفات اللاحقة له.

مسألة 352 : الشفعة من الحقوق فتسقط بالإسقاط ، ويجوز أخذ المال بإزاء إسقاطها وبإزاء عدم الأخذ بها ، لكن على الأول لا يسقط إلا بالإسقاط فإذا لم يسقطه وأخذ بالشفعة صح ولم يستحق المال المبذول ، بل الظاهر صحة الأخذ بالشفعة على الثاني أيضاً. ويصح الصلح على سقوطها فيسقط بذلك.

مسألة 353 : الظاهر أنه لا إشكال في أن حق الشفعة لا يقبل الانتقال إلى غير الشفيع.

مسألة 354 : إذا باع الشريك نصيبه قبل الأخذ بالشفعة فالظاهر سقوطها خصوصاً إذا كان بيعه بعد علمه بالشفعة.

مسألة 355 : المشهور اعتبار العلم بالثمن في جواز الأخذ بالشفعة ، فإذا أخذ بها وكان جاهلاً به لم يصح لكن الصحة لا تخلو من وجه.

مسألة 356 : إذا تلف تمام المبيع قبل الأخذ بالشفعة سقطت.

مسألة 357 : إذا تلف بعضه دون بعض لم تسقط وجاز له أخذ الباقي بتمام الثمن من دون ضمان على المشتري.

١٠٤

مسألة 358 : إذا كان التلف بعد الأخذ بالشفعة فإن كان التلف بفعل المشتري ضمنه.

مسألة 359 : إذا كان التلف بغير فعل المشتري ضمنه المشتري أيضاً فيما إذا كان التلف بعد المطالبة ومسامحة المشتري في الإقباض.

مسألة 360 : في انتقال الشفعة إلى الوراث إشكال وعلى تقدير الانتقال ليس لبعض الورثة الأخذ بها ما لم يوافقه الباقون.

مسألة 361 : إذا أسقط الشفيع حقه قبل البيع لم يسقط ، وكذا إذا شهد على البيع أو بارك للمشتري إلا أن تقوم القرينة على إرادة الإسقاط بالمباركة بعد البيع.

مسألة 362 : إذا كانت العين مشتركة بين حاضر وغائب وكانت حصة الغائب بيد ثالث فعرضها للبيع بدعوى الوكالة عن الغائب جاز الشراء منه والتصرف فيه ما لم يعلم كذبه في دعواه ، وهل يجوز للشريك الحاضر الأخذ بالشفعة بعد إطلاعه على البيع؟ إشكال ، وإن كان الجواز أقرب فإذا حضر الغائب وصدق فهو ، وإن أنكر كان القول قوله بيمينه ما لم يكن مخالفاً للظاهر فإذا حلف انتزع الحصة من يد الشفيع وكان له عليه الأجرة إن كانت ذات منفعة مستوفاة أو غيرها على تفصيل تقدم في المسألة (78) ، فإن دفعها إلى المالك رجع بها على مدعي الوكالة.

مسألة 363 : إذا كان الثمن مؤجلاً جاز للشفيع الأخذ بالشفعة بالثمن المؤجل ، والظاهر جواز إلزامه بالكفيل ، ويجوز أيضاً الأخذ بالثمن حالاً إن رضي المشتري به أو كان شرط التأجيل للمشتري على البائع.

مسألة 364 : إذا تقايل المتبايعان قبل أخذ الشريك بالشفعة فالمشهور عدم سقوطها بالإقالة ، بل لو أخذ الشفيع بها كشف ذلك عن بطلان الإقالة فيكون نماء المبيع بعدها للمشتري ونماء الثمن للبائع كما كان الحال قبلها

١٠٥

كذلك ، ولكن لا يبعد سقوطها حينئذ ، وأما لو كان التقايل بعد أخذ الشريك بالشفعة لم يمنع ذلك عن صحة الإقالة فيرجع البائع بعوض المبيع إلى المشتري.

مسألة 365 : إذا كان للبائع خيار رد العين فالظاهر أن الشفعة لا تسقط به لكن البائع إذا فسخ قبل أخذ الشريك بالشفعة يرجع المبيع إليه ولا شفعة وإن فسخ بعده رجع بالمثل أو القيمة ، وهكذا الحكم في سائر الخيارات الثابتة للبائع أو المشتري غير ما يسقط بخروج العين عن ملك المشتري كخيار العيب.

مسألة 366 : إذا كانت العين معيبة فإن علمه المشتري فلا خيار له ولا أرش ، فإذا أخذ الشفيع بالشفعة فإن كان عالماً به فلا شيء له وإن كان جاهلاً كان له الخيار في الرد وليس له اختيار الأرش ، وأذا كان المشتري جاهلاً كان له الرد فإن لم يمكن ـ ولو لأخذ الشريك بالشفعة قبل ذلك ـ كان له الأرش ، وأما الشفيع الجاهل بالعيب حين أخذه بالشفعة فيتخير بين الرد إلى المشتري وبين مطالبته بالأرش حتى وإن كان قد أسقطه عن البائع على الأقرب.

مسألة 367 : إذا اتفق اطلاع المشتري على العيب بعد أخذ الشفيع فالظاهر أن له أخذ الأرش وعليه دفعه إلى الشفيع ، وأذا اطلع الشفيع عليه دون المشتري فليس له مطالبة البائع بالأرش بل له إعلام المشتري بالحال ويتخير بين رد العين المعيبة إليه وبين مطالبته بالأرش.

١٠٦

كتاب الإجارة

١٠٧
١٠٨

وهي المعاوضة على المنفعة عملاً كانت أو غيره ، فالأول مثل إجارة الخياط للخياطة ، والثاني مثل إجارة الدار.

وفيه فصول :

فصل في شروطها

مسألة 368 : لابد فيها من الإيجاب والقبول ، فالإيجاب مثل قول الخياط : آجرتك نفسي ، وقول صاحب الدار : آجرتك داري ، والقبول مثل قول المستأجر : قبلت ، ويجوز وقوع الإيجاب من المستأجر ، مثل : استأجرتك لتخيط ثوبي وأستأجرت دارك ، فيقول المؤجر : قبلت ، ويكفي في الأخرس الإشارة المفهمة للإيجار أو الاستئجار.

مسألة 369 : تجري المعاطاة في الإجارة ـ كما تجري في البيع ـ فلو سلّم المؤجر ماله للمستأجر بقصد الإيجار وقبضه المستأجر بقصد الاستئجار صحت الإجارة.

مسألة 370 : يشترط في صحة الإجارة أمور بعضها في المتعاقدين ، وبعضها في العين المستأجرة ، وبعضها في المنفعة المقصودة بالإجارة ، وبعضها في الأجرة.

١٠٩

( شرائط المتعاقدين )

يشترط في المؤجر والمستأجر أن يكون كل منهما بالغاً عاقلا مختارا ، كما يشترط في المؤجر أن يكون مالكا للمنفعة المقصودة بالإيجار وفي المستأجر أن يكون مالكاً للأجرة ، ويشترط فيهما أن لا يكونا محجورين لسفه أو تفليس ، فلا تصح إجارة الصبي والمجنون والمكره ـ إلا أن يكون الإكراه بحق ـ كما لا تصح إجارة الفضولي ، ولا إجارة السفيه أمواله مطلقاً ، ولا إجارة المفلس أمواله التي حجر عليها.

مسألة 371 : إذا أجر السفيه نفسه لعمل فالأظهر بطلان الإجارة ـ ما لم تتعقب بإجازة الولي ـ وأما إذا آجر المفلس نفسه فالأظهر صحتها.

مسألة 372 : إذا لم يكن المؤجر مالكاً للمنفعة ـ ولم يكن ولياً ولا وكيلاً ـ توقفت صحة الإجارة على إجازة المالك ، وأذا كان محجوراً عليه لسفه توقفت صحتها على إجازة الولي ، وإن كان محجوراً عليه لفلس توقفت صحتها على إجازة الغرماء ، وإن كان مكرهاً توقفت صحتها على الرضا لا بداعي الإكراه.

( شرائط العين المستأجرة )

وهي أمور :

1 ـ التعيين ، فلا يصح إجارة المبهم كما لو قال : ( آجرتك إحدى دوري ) نعم يصح إجارة الكلي في المعين كسيارة من عدة سيارات متماثلة.

2 ـ المعلومية ، فإن كانت عيناً معينة فإما بالمشاهدة وأما بذكر الأوصاف التي تختلف بها الرغبات في إجارتها لو كانت غائبة ، وكذا لو كانت كلية.

١١٠

3 ـ التمكن من التسليم ، فلا تصح الإجارة من دونه حتى مع الضميمة على الأحوط ، نعم يكفي تمكن المستأجر من الاستيلاء على العين المستأجرة فتصح إجارة الدابة الشاردة مثلاً إذا كان المستأجر قادراً على أخذها.

4 ـ إمكان الانتفاع بها مع بقاء عينها ، فلا تصح إجارة الخبز ونحوه من المأكولات للأكل.

5 ـ قابليتها للانتفاع المقصود من الإجارة ، فلا تصح إجارة الأرض للزراعة إذا لم يكن المطر وافياً ولم يمكن سقيها من النهر أو غيره.

( شرائط المنفعة المقصودة بالإجارة )

وهي أمور :

1 ـ أن تكون محللة ، فلو انحصرت منافع المال في الحرام أو اشترط الانتفاع بخصوص المحرم منها ، أو أوقع العقد مبنياً على ذلك بطلت الإجارة ، كما لو آجر الدكان بشرط أن يباع أو يحفظ فيه الخمر ، أو آجر الحيوان بشرط أن يحمل الخمر عليه.

2 ـ أن تكون لها مالية يبذل المال بإزائها عند العقلاء على الأحوط.

3 ـ تعيين نوع المنفعة إذا كانت للعين منافع متعددة ، فلو أجر حيواناً قابلاً للركوب ولحمل الأثقال وجب تعيين حق المستأجر من الركوب أو الحمل أو كليهما.

4 ـ معلومية المنفعة ، وهي أما بتعيين المدة مثل سكنى الدار سنة أو شهراً ، وأما بتعيين المسافة مثل ركوب السيارة فرسخاً أو فرسخين ، وأما بتعيين العمل كخياطة الثوب المعين على كيفية معينة أو سياقة السيارة إلى مكة أو غيرها من البلاد المعروفة من طريق معين.

١١١

ولابد في الأولين من تعيين الزمان ، فإذا استأجر الدار للسكنى سنة ، والسيارة للركوب فرسخا من دون تعيين الزمان ، بطلت الإجارة ، إلا أن تكون قرينة على التعيين كالإطلاق الذي هو قرينة على التعجيل.

مسألة 373 : لا يعتبر تعيين الزمان في الإجارة على الخياطة ونحوها من الأعمال ، فيجب الإتيان به متى طالب المستأجر ، هذا إذا لم تختلف الأغراض باختلاف الأزمنة التي يقع فيها العمل ، والا فلابد من تعيين الزمان فيه أيضاً.

( شرائط الأجرة )

يعتبر في الأجرة معلوميتها ، فإذا كانت من المكيل أو الموزون أو المعدود لابد من معرفتها بالكيل أو الوزن أو العد ، وما يعرف منها بالمشاهدة لابد من مشاهدته أو وصفه على نحو ترتفع الجهالة.

ويجوز أن تكون الأجرة عيناً خارجية أو كلياً في الذمة ، أو عملاً أو منفعة أو حقاً قابلاً للنقل والانتقال كحق التحجير.

مسألة 374 : إذا استأجر سيارة للحمل فلابد من تعيين الحمل ، وأذا استأجر دراجة للركوب فلابد من تعيين الراكب ، وأذا استأجر ماكنة لحرث جريب من الأرض فلابد من تعيين الأرض. نعم إذا كان اختلاف الراكب أو الحمل أو الأرض لا يوجب اختلافاً في الأغراض النوعية لم يجب التعيين.

مسألة 375 : إذا قال آجرتك الدار شهراً أو شهرين أو قال آجرتك كل شهر بدرهم مهما أقمت فيها بطلت الإجارة ، وأذا قال : آجرتك شهراً بدرهم فإن زدت فبحسابه صح في الشهر الأول وبطل في غيره ، هذا إذا كان بعنوان الإجارة ، أما إذا كان بعنوان الجعالة بأن يجعل المنفعة لمن يعطيه درهماً أو كان من قبيل الإباحة بالعوض بأن يبيح المنفعة لمن يعطيه درهما فلا

١١٢

بأس.

مسألة 376 : إذا قال : إن خطت هذا الثوب بدرز فلك درهم وإن خطته بدرزين فلك درهمان ، فإن قصد الجعالة كما هو الظاهر صح وإن قصد الإجارة بطل ، وكذا إن قال : إن خطته هذا اليوم فلك درهم وإن خطته غداً فلك نصف درهم. والفرق بين الإجارة والجعالة أن في الإجارة تشتغل ذمة العامل بالعمل للمستأجر حين العقد وكذا تشتغل ذمة المستأجر بالعوض ولأجل ذلك صارت عقداً وليس ذلك في الجعالة فإن اشتغال ذمة المالك بالعوض يكون بعد عمل العامل من دون اشتغال لذمة العامل بالعمل أبداً ، ولأجل ذلك صارت إيقاعا.

مسألة 377 : إذا استأجره على عمل مقيد بقيد خاص من زمان أو مكان أو آلة أو وصف فجاء به على خلاف القيد لم يستحق شيئاً على عمله ، فإن لم يمكن العمل ثانياً تخير المستأجر بين فسخ الإجارة وبين مطالبة الأجير بأجرة المثل للعمل المستأجر عليه فإن طالبه بها لزمه إعطاؤه أجرة المثل ، وإن أمكن العمل ثانياً وجب الإتيان به على النهج الذي وقعت عليه الإجارة.

مسألة 378 : إذا استأجره على عمل بشرط ، بأن كان إنشاء الشرط في ضمن عقد الإجارة أو وقع العقد مبنياً عليه فلم يتحقق الشرط ، كما إذا استأجره ليوصله إلى مكان معين وشرط عليه أن يوصله في وقت محدد فأوصله ولكن في غير ذلك الوقت أو استأجره على خياطة ثوبه وأشترط عليه قراءة سورة من القرآن فخاط الثوب ولم يقرأ السورة ـ كان له فسخ الإجارة وعليه حينئذ أجرة المثل وله إمضاؤها ودفع الأجرة المسماة ، والفرق بين القيد والشرط أن متعلق الإجارة في موارد التقييد حصة خاصة مغايرة لسائر الحصص وأما في موارد الاشتراط فمتعلق الإجارة هو طبيعي العمل ولكن العقد معلق على التزام الطرف بتحقق أمر كالإيصال في الوقت المحدد أو القراءة في المثالين ، ولازم

١١٣

ذلك أن يكون التزامه بالعقد مشروطاً بنفس تحقق الملتزم به ، ومعنى ذلك جعل الخيار لنفسه على تقدير عدم تحققه.

مسألة 379 : إذا استأجر سيارة إلى «كربلاء» مثلاً بدرهم وأشترط له على نفسه أنه إن أوصله المؤجر نهاراً أعطاه درهمين صح.

مسألة 380 : لو استأجر سيارة مثلاً إلى مسافة بدرهمين وأشترط على المؤجر أن يعطيه درهماً واحداً إن لم يوصله نهاراً صح ذلك.

مسألة 381 : إذا استأجر سيارة على أن يوصله المؤجر نهاراً بدرهمين أو ليلاً بدرهم بحيث تكون الإجارة على أحد الأمرين مردداً بينهما فالإجارة باطلة.

مسألة 382 : إذا استأجره على أن يوصله إلى «كربلاء» وكان من نيته زيارة ليلة النصف من شعبان ولكن لم يذكر ذلك في العقد ولم تكن قرينة على التعيين استحق الأجرة وإن لم يوصله ليلة النصف من شعبان.

١١٤

فصل

في مسائل تتعلق بلزوم الإجارة

مسألة 383 : الإجارة من العقود اللازمة لا تنفسخ إلا بالتراضي بين الطرفين أو يكون للفاسخ الخيار ، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الإجارة منشأة باللفظ أو بالمعاطاة.

مسألة 384 : إذا باع المالك العين المستأجرة قبل تمام مدة الإجارة لم تنفسخ الإجارة بل تنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدة الإجارة وإذا كان المشتري جاهلاً بالإجارة أو معتقداً قلة المدة فتبين زيادتها كان له فسخ البيع وليس له المطالبة بالأرش ، وإذا فسخت الإجارة رجعت المنفعة إلى البائع.

مسألة 385 : لا فرق فيما ذكرناه من عدم انفساخ الإجارة بالبيع بين أن يكون البيع على المستأجر وغيره ، فلو استأجر داراً ثم اشتراها بقيت الإجارة على حالها ويكون ملكه للمنفعة في بقية المدة بسبب الإجارة لا من جهة تبعية العين فلو انفسخت الإجارة رجعت المنفعة في بقية المدة إلى البائع ، ولو فسخ البيع بأحد أسبابه بقي ملك المشتري المستأجر للمنفعة على حاله.

مسألة 386 : إذا باع المالك العين على شخص وأجرها وكيله مدة معينة على شخص آخر واقترن البيع والإجارة زماناً صحا جميعاً فيكون المبيع للمشتري مسلوب المنفعة مدة الإجارة ويثبت الخيار له حينئذ.

مسألة 387 : لا تبطل الإجارة بموت المؤجر ولا بموت المستأجر حتى فيما إذا استأجر داراً على أن يسكنها بنفسه فمات ، فإنه لا تبطل الإجارة بموته

١١٥

ولكن يثبت للمؤجر مع التخلف خيار الفسخ ، نعم إذا اعتبر سكناه على وجه القيدية تبطل بموته.

مسألة 388 : إذا أجر نفسه للعمل بنفسه فمات قبل إنجازه بطلت الإجارة ، نعم إذا تعمد ترك الإتيان به قبل موته لم تبطل الإجارة بل يتخير المستأجر بين الفسخ وبين المطالبة بأجرة مثل العمل.

مسألة 389 : إذا لم يكن المؤجر مالكا للعين المستأجرة بل مالكا لمنفعتها ما دام حياً ـ بوصية مثلاً ـ فمات أثناء مدة الأجارة بطلت حينئذ بالنسبة إلى المدة الباقية ، نعم لما كانت المنفعة في بقية المدة لورثة الموصي فلهم أن يجيزوها بالنسبة إلى تلك المدة فتقع لهم الإجارة وتكون لهم الأجرة.

مسألة 390 : إذا أجر البطن السابق من الموقوف عليهم العين الموقوفة فانقرضوا قبل انتهاء مدة الإجارة بطلت بالنسبة إلى بقية المدة إذا لم تجزها الطبقة المتأخرة ، وفي صورة أخذ الطبقة الأولى للأجرة كلها يكون للمستأجر استرجاع مقدار إجارة المدة الباقية منها من أموال الطبقة الأولى ، وأما إذا أجرها المتولي ـ سواء أكان هو البطن السابق أم غيره ـ ملاحظاً بذلك مصلحة الوقف لم تبطل بموته ، وكذا إذا أجرها لمصلحة البطون اللاحقة إذا كانت له ولاية على ذلك فأنها تصح ويكون للبطون اللاحقة حصتهم من الأجرة.

مسألة 391 : إذا أجر نفسه للعمل أما بالإتيان به مباشرة أو تسبيباً فمات قبل ذلك بطلت الإجارة على تفصيل تقدم في المسألة (388) ، وأما إذا تقبل العمل الكلي في ذمته من دون التقييد بذلك فمات قبل تحقيقه لم تبطل المعاملة بل يجب أداء العمل من تركته كسائر الديون.

مسألة 392 : إذا أجر الولي مال الطفل مدة ، وبلغ الطفل أثناءها كانت صحة الإجارة بالنسبة إلى ما بعد بلوغه موقوفة على إجازته حتى فيما إذا كان

١١٦

عدم جعل ما بعد البلوغ جزءاً من مدة الإيجار على خلاف مصلحة الطفل ، وهكذا الحكم فيما إذا أجر الولي الطفل نفسه إلى مدة فبلغ أثناءها ، نعم إذا كان امتداد مدة الإيجار إلى ما بعد البلوغ هو مقتضى مصلحة ملزمة شرعاً بحيث يعلم عدم رضا الشارع بتركها صح الإيجار كذلك بإذن الحاكم الشرعي ولم يكن للطفل أن يفسخه بعد بلوغه.

مسألة 393 : إذا أجرت المرأة نفسها للخدمة مدة معينة فتزوجت في أثنائها لم تبطل الإجارة وإن كانت الخدمة منافية لحق الزوج.

مسألة 394 : إذا أجرت نفسها بعد التزويج توقفت صحة الإجارة على إجازة الزوج فيما ينافي حقه ونفذت الإجارة فيما لا ينافي حقه.

مسألة 395 : إذا وجد المستأجر في العين المستأجرة عيباً فإن كان عالما به حين العقد فلا أثر له وإن كان جاهلاً به فإن كان موجباً لفوات بعض المنفعة كخراب بعض بيوت الدار قسطت الأجرة ورجع على المالك بما يقابل المنفعة الفائتة وله فسخ العقد من أصله ، هذا إذا لم يكن الخراب قابلاً للانتفاع أصلاً ولو بغير السكنى وإلا لم يكن له إلا خيار العيب. وإن كان العيب موجباً لنقص في المنفعة كبطء سير السيارة كان له الخيار في الفسخ وليس له مطالبة الأرش ، وإن لم يوجب العيب شيئا من ذلك لكن يوجب نقص الأجرة ككون السيارة مخسوفة البدنة كان له الخيار أيضاً ، وإن لم يوجب ذلك أيضاً فلا خيار. هذا إذا كانت العين شخصية أما إذا كانت كلية وكان المقبوض معيباً كان له المطالبة بالصحيح ولا خيار في الفسخ ، وإذا تعذر الصحيح كان له الخيار في أصل العقد.

مسألة 396 : إذا وجد المؤجر عيباً في الأجرة وكان جاهلاً به كان له الفسخ وليس له المطالبة بالأرش وإذا كانت الأجرة كلية فقبض فرداً معيباً منها فليس له فسخ العقد بل له المطالبة بالصحيح فإن تعذر كان له الفسخ.

١١٧

مسألة 397 : يجري في الإجارة خيار الغبن ـ على تفصيل تقدم نظيره في البيع ـ كما يجري فيها خيار العيب وخيار الشرط ـ حتى للأجنبي ـ ومنه خيار شرط رد العوض نظير شرط رد الثمن ، وكذا خيار تخلف الشرط الصريح أو الارتكازي ومنه خيار تبعض الصفقة وتعذر التسليم والتفليس والتدليس والشركة ، ولا يجري فيها خيار المجلس ولا خيار الحيوان ولا خيار التأخير على النحو المتقدم في البيع ، نعم مع التأخير في تسليم أحد العوضين عن الحد المتعارف يثبت الخيار للطرف.

مسألة 398 : إذا حصل الفسخ في عقد الإيجار ابتداء المدة فلا إشكال وإذا حصل أثناء المدة فإن لم يكن الخيار مجعولاً للفاسخ على نحو يقتضي التبعيض وبطلان الإجارة بالنسبة إلى ما بقي خاصة ـ كما هو الحال في شرط الخيار غالباً ـ فالأقوى كونه موجباً لانفساخ العقد في جميع المدة فيرجع المستأجر بتمام المسمى ويكون للمؤجر أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى.

١١٨

فصل

في أحكام التسليم في الإجارة

مسألة 399 : إذا وقع عقد الإجارة ملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان والعمل في الإجارة على الأعمال بنفس العقد وكذا المؤجر والأجير يملكان الأجرة بنفس العقد ، لكن ليس للمستأجر المطالبة بالمنفعة والعمل مع تأجيل الأجرة وعدم تسليمها إلا إذا كان قد شرط ذلك صريحاً أو كانت العادة جارية عليه ، كما أنه ليس للأجير والمؤجر المطالبة بالأجرة مع عدم تسليم العمل والمنفعة إلا إذا كانا قد اشترطا تقديم الأجرة وإن كان لأجل جريان العادة.

مسألة 400 : يجب على كل منهما تسليم ما عليه تسليمه في الزمان الذي يقتضيه العقد ، ولكن وجوب التسليم على كل منهما مشروط بعدم امتناع الآخر ، ولو امتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة مع بذل المستأجر الأجرة جاز للمستأجر إجباره على تسليم العين كما جاز له الفسخ وأخذ الأجرة إذا كان قد دفعها وله إبقاء الإجارة والمطالبة بقيمة المنفعة الفائتة ، وكذا إذا دفع المؤجر العين ثم أخذها من المستأجر بلا فصل أو في أثناء المدة ، ومع الفسخ في الأثناء يرجع بتمام الأجرة وعليه أجرة المثل لما مضى ، وكذا الحكم فيما إذا امتنع المستأجر من تسليم الأجرة مع بذل المؤجر للعين المستأجرة.

مسألة 401 : تسليم المنفعة يكون بتسليم العين ، وتسليم العمل فيما لا يتعلق بعين للمستأجر في يد الأجير يكون بإتمامه ، وفيما يتعلق بعين له في يد الأجير يكون بإتمام العمل فيها مع تسليمها ـ على تقدير عدم تلفها ـ

١١٩

إلى المستأجر.

مسألة 402 : إذا كان العمل المستأجر عليه في العين التي هي بيد الأجير فتلفت العين بعد تمام العمل قبل دفعها إلى المستأجر من غير تفريط استحق الأجير المطالبة بالأجرة ، فإذا كان أجيراً على خياطة ثوب فتلف بعد الخياطة وقبل دفعه إلى المستأجر استحق مطالبة الأجرة فإذا كان الثوب مضموناً على الأجير استحق عليه المالك قيمة الثوب مخيطاً وإلا لم يستحق عليه شيئا.

مسألة 403 : يجوز للأجير بعد إتمام العمل حبس العين إلى أن يستوفي الأجرة ، وإذا حبسها لذلك فتلفت من غير تفريط لم يضمن.

مسألة 404 : تبطل الإجارة بسقوط العين المستأجرة عن قابلية الانتفاع منها بالمنفعة الخاصة المملوكة ، فإذا استأجر داراً سنة ـ مثلاً ـ فانهدمت قبل دخول السنة أو بعد دخولها بلا فصل بطلت الإجارة ، وإذا انهدمت أثناء السنة تبطل الإجارة بالنسبة إلى المدة الباقية وكان للمستأجر الخيار في فسخ الإيجار ، فإن فسخ رجع على المؤجر بتمام الأجرة المسماة وعليه له أجرة المثل بالنسبة إلى المدة الماضية ، وإن لم يفسخ قسطت الأجرة بالنسبة وكان للمالك حصة من الأجرة بنسبة المدة الماضية.

مسألة 405 : إذا استأجر داراً فانهدم قسم منها ، فإن كانت بحيث لو أعيد بناء القسم المهدوم على الوجه المتعارف لعدت بعد التعمير مغايرة لما قبله في النظر العرفي كان حكمه ما تقدم في المسألة السابقة ، وإن لم تعد كذلك فإن أقدم المؤجر على تعميرها فوراً على وجه لا يتلف شيء من منفعتها عرفاً لم تبطل الإجارة ولم يكن للمستأجر حق الفسخ ، وإن لم يقدم على ذلك وكان قادراً عليه فللمستأجر الزامه به ـ فإن لم يفعل كان له مطالبته بأجرة مثل المنفعة الفائتة كما إن له الخيار في فسخ الإجارة رأساً ـ ولو مع

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496