الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٨

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل16%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 496

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 231562 / تحميل: 7125
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٨

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

٥ ـ وختمت عطايا اللهعزوجل لإبراهيمعليه‌السلام لما ظهر منه من صفات متكاملة بأن جعل دينه عاما وشاملا لكل ما سيأتي بعده من زمان ـ وخصوصا للمسلمين ـ ولم يجعل دينه مختصا بعض أهل زمانه ، فقال اللهعزوجل :( ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ) (١) .

ويأتي التأكيد مرّة أخرى :( وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) .

وبملاحظة الآيات السابقة يبدو لنا هذا السؤال : إن كان دين الإسلام هو نفس دين إبراهيم وأنّ المسلمين يتبعون سنن إبراهيمعليه‌السلام في كثير من المسائل ومنها احترام يوم الجمعة ، فلما ذا اتّخذ اليهود يوم السبت عيدا لهم بدلا من الجمعة ويعطلون فيه أعمالهم؟

إنّ آخر آية من الآيات مورد البحث تجيب على السؤال المذكور حين تقول :( إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ) أي أنّ السبت وما حرم في السبت كان عقوبة لليهود ، وقد اختلفوا فيه أيضا ، فمنهم من قبله ومنهم من أهمله.

وتقول بعض الرّوايات : أنّ موسىعليه‌السلام دعا قومه بني إسرائيل لاحترام يوم الجمعة وتعطيل أعمالهم فيه ، وهو دين إبراهيمعليه‌السلام ، إلّا إنّهم تعلّلوا ، واختاروا يوم السبت ، فجعله الله عطلة لهم ولكن بضيق وشدّة ، ولهذا لا ينبغي الاعتماد على تعطيل يوم السبت ، لأنّه إنّما كان استثنائيا وذا طابع جزائي ، وأفضل دليل على هذا الأمر أنّ اليهود أنفسهم اختلفوا في يومهم المنتخب هذا ، فبعض احترمه وبعض آخر خالف ذلك وأدام العمل والكسب فيه حتى أصابهم عذاب الله.

وثمّة احتمال آخر أن تكون إشارة الآية مرتبطة ببدع المشركين في موضوع الأغذية الحيوانية ، لأنّ الآيات السابقة تطرقت لذلك من خلال إجابتها على

__________________

(١) «الحنيف» : بمعنى الذي يترك الانحراف ويتجه إلى الاستقامة والصلاح ، وبعبارة أخرى ، يغض نظره عن الأديان والأوضاع المنحرفة ويتوجه نحو صراط الله المستقيم ، الدين الموافق للفطرة ، ولهذا يسمى الصراط المستقيم ، فالتعبير بالحنيف يحمل بين طياته إشارة خفيّة إلى أنّ التوحيد هو دين الفطرة.

٣٦١

تساؤل : لما ذا لم يحرم في الإسلام ما كان محرما في دين اليهود؟ فجاء الجواب أنّ ذلك كان عقابا لهم ، فيطرح السؤال مرّة أخرى حول عدم حرمة صيد الأسماك يوم السبت في الأحكام الإسلامية في حين أنّه محرم على اليهود فيكون الجواب بأنّه كان عقابا لليهود أيضا.

وعلى أيّة حال ، فثمّة ارتباط بين هذه الآيات والآيات (١٦٣ ـ ١٦٦) من سورة الأعراف التي تتحدث الحديث عن «أصحاب السبت» ، حيث عرضت قصتهم ، وكيف أنّ صيد السمك قد حرّم عليهم في يوم السبت ، ومخالفة قسم منهم لهذا الأمر ، والعقاب الشديد الذي نزل عليهم بعد ذلك الامتحان الإلهي.

وينبغي الالتفات إلى أنّ «السبت» في الأصل بمعنى تعطيل الأعمال للاستراحة ، ولذلك سمي يوم السبت ، لأنّ اليهود كانوا يعطلون أعمالهم فيه ، وبقي هذا الاسم مستعملا حتى بعد مجيء الإسلام ، إلّا أنّه لا عطلة فيه.

ويقول القرآن الكريم في آخر الآية :( وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) .

وكما أشرنا سابقا فإنّ إحدى خصائص يوم القيامة إنهاء الاختلافات على كافة الأصعدة ، والعودة إلى التوحيد المطلق ، لأنّ يوم القيامة هو يوم : البروز ، الظهور ، كشف السرائر والبواطن ، وكشف الغطاء ويوم رفع الحجب.

* * *

٣٦٢

الآيات

( ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥) وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦) وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧) إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨) )

التّفسير

عشرة قواعد أخلاقية سلاح داعية الحق :

حملت آيات السورة بين طياتها أحاديث كثيرة ومتنوعة ، فقد تناولت المشركين واليهود وأصناف المخالفين بشكل عام ، تارة بلهجة لينة وأخرى بأسلوب تقريع شدة ، وخصوصا الآيات السابقة لما لها من عمق وشدة أكثر ممّا سبقها من الآيات المباركات.

أمّا الآيات أعلاه والتي تمثل خاتمة بحوث وأحاديث سورة النحل ، فتبيّن

٣٦٣

أهم الأوامر الأخلاقية الأساسية التي ينبغي التحصن بها عند مواجهة المخالفين على أساس منطقي ، كما وتبيّن كيفية العقاب والعفو وأسلوب الصمود أمام مؤامرتهم وما شابه ذلك.

ويمكن تسمية ذلك بالأصول التكتيكية ومنهج المواجهة في الإسلام ضد المخالفين ، كما وينبغي العمل به كقانون كلي شامل لكل زمان ومكان.

ويتلخص هذا البرنامج الرّباني بعشرة أصول ، تم ترتيبها وفقا لتسلسل الآيات مورد البحث :

( ١ ـ ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ) :

«الحكمة» : بمعنى العلم والمنطق والاستدلال ، وهي في الأصل بمعنى (المنع) وقد أطلقت على العلم والمنطق والاستدلال لقدرتها على منع الإنسان من الفساد والانحراف

فأوّل خطوة على طريق الدعوة إلى الحقّ هي التمكن من الاستدلال وفق المنطق السليم ، أو النفوذ إلى داخل فكر الناس ومحاولة تحريك وإيقاظ عقولهم ، كخطوة أولى في هذا الطريق.

٢ ـ( وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) :

وهي الخطوة الثّانية في طريق الدعوة إلى الله ، بالاستفادة من عملية تحريك الوجدان الإنساني ، وذلك لما للموعظة الحسنة من أثر دقيق وفاعل على عاطفة الإنسان وأحاسيسه ، وتوجيه مختلف طبقات الناس نحو الحقّ.

وفي الحقيقة فإنّ «الحكمة» تستثمر البعد العقلي للإنسان ، و «الموعظة الحسنة» تتعامل مع البعد العاطفي له(١) .

__________________

(١) قال بعض المفسّرين في الفرق ما بين الحكمة ، والموعظة الحسنة ، المجادلة بالتي هي أحسن : أنّ الحكمة إشارة إلى الأدلة القطعية الموعظة الحسنة إشارة إلى الأدلة الظنية والمجادلة بالتي هي أحسن إشارة إلى الأدلة التي تهدف إلى إفحام المخالفين من خلال إلزامهم بما به يقبلون. (إلّا أنّ ما أوردناه أعلاه يبدو أكثر مناسبة للمقصود).

٣٦٤

إنّ تقييد «الموعظة» بقيد «الحسنة» لعلّه إشارة إلى أنّ النصيحة والموعظة إنّما تؤدي فعلها على الطرف المقابل إذا خليت من أيّة خشونة أو استعلاء وتحقير التي تثير فيه حسّ العناد واللجاجة وما شابه ذلك.

فكم من موعظة أعطت عكس ما كان يؤمّل بها بسبب أسلوب طرحها الذي يشعر الطرف المقابل بالحقارة والإهانة كأن تكون الموعظة امام الآخرين ومقرونة بالتحقير ، أو يستشمّ منها رائحة الاستعلاء في الواعظ ، فتأخذ الطرف المقابل العزة بالإثم ولا يتجاوب مع تلك الموعظة.

وهكذا يترتب الأثر الإيجابي العميق للموعظة إذا كانت «حسنة».

٣ ـ( وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) .

الخطوة الثّالثة تختص بتخلية أذهان الطرف المخالف من الشبهات العالقة فيه والأفكار المغلوطة ليكون مستعدا لتلقي الحق عند المناظرة.

وبديهي أن تكون المجادلة والمناظرة ذات جدوى إذا كانت( بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) ، أي أن يحكمها الحق والعدل والصحة والأمانة والصدق ، وتكون خالية من أيّة إهانة أو تحقير أو تكبر أو مغالطة ، وبعبارة شاملة : أن تحافظ على كل الأبعاد الإنسانية السليمة عند المناظرة.

وفي ذيل الآية الأولى ، يقول القرآن :( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) .

فالآية تشير إلى أنّ وظيفتكم هي الدعوة إلى طريق الحق بالطرق الثلاثة المتقدمة ، أمّا مسألة من الذي سيهتدي ومن سيبقى على ضلاله ، فعلم ذلك عند الله وحده سبحانه.

وثمة احتمال آخر في مقصود هذه الجملة وهو بيان دليل للتوجيهات الثلاث المتقدمة، أي : إنّما أمر سبحانه بهذه الأوامر الثلاثة لأنّه يعلم الكيفية التي تؤثر بالضالين لأجل توجيههم وهدايتهم.

٣٦٥

٤ ـ انصب الحديث في الأصول الثلاثة حول البحث المنطقي والأسلوب العاطفي والمناقشة المعقولة مع المخالفين ، وإذا حصلت المواجهة معهم ولم يتقبلوا الحق وراحوا يعتدون، فهنا يأتي الأصل الرابع :( وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ) .

٥ ـ( وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) :

وتقول الرّوايات : إنّ الآية نزلت في معركة (أحد) عند ما شاهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهادة عمّه حمزّة بن عبد المطلب المؤلمة (حيث لم يكتف العدو بقتله بل شقّ صدره بوحشية وقساوة فظيعة وأخرج كبده أو قلبه وقطع أذنه وأنفه) وتأذى النّبي لذلك كثيرا وقال:«اللهم لك الحمد وإليك وأنت المستعان على ما أرى» ثمّ قال : «لئن ظفرت لأمثلّن ولأمثلّن ولأمثلّن» وعلى رواية أخرى أنّه قال : «لأمثلّن بسبعين منهم» فنزلت الآية :( وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أصبر أصبر»(١) .

ربّما كانت تلك اللحظة من أشد لحظات حياة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكنّه تمالك زمام أمور نفسه واختار الطريق الثّاني ، طريق العفو والصبر.

ويحكي لنا التأريخ ما قام به الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين فتح مكّة ، فما أن وطأت أقدام المسلمين المنتصرة أرض مكّة حتى أصدر نبى الرحمةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العفو العام عن أولئك الجفاة ، فوفى بوعده الذي قطعه على نفسه في معركة أحد(٢) .

وحري بالإنسان إذا أراد أن ينظر إلى أعلى نموذج حي في العواطف الإنسانية ، أن يضع قصتي أحد وفتح مكّة نصب عينية ليقارن ويربط بينهما.

ولعل التأريخ لا يشهد لأيّة أمّة منتصرة عوملت بمثل ما عمل به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) تفسير العياشي ، وتفسير الدرر المنثور في تفسير الآية (على ما ذكره تفسير الميزان).

(٢) يلاحظ في بعض الرّوايات إنّ القول بالمثلة بأكثر من واحد عند الظفر كان من بعض المسلمين (راجع تفسير التبيان ، ج ٦ ، ص ٤٤٠).

٣٦٦

والمسلمون مشركي مكّة عند انتصارهم عليهم ، على الرغم من أن المسلمين كانوا من أبناء تلك البيئة التي نفذ شعور الانتقام والحقد فيها ليتوغل ويركد في أعماق المجتمع ، بل وكانت الأحقاد تتوارث جيلا بعد جيل إلى حدّ كان عدم الانتقام يعدّ عيبا كبيرا لا يمكن ستره!

ومن ثمار عفو وسماحة الإسلام أن اهتزت تلك الأمّة الجاهلة العنيدة من أعماقها واستيقظت من نوم غفلتها ، وراح أفرادها كما يقول عنهم القرآن الكريم :( يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً ) .

٦ ـ( وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ ) :

والصبر إنّما يكون مؤثرا وفاعلا إذا قصد به رضوانه تعالى ولا يلحظ فيه أيّ شيء دون ذلك.

وهل يتمكن أيّ إنسان من الصبر على الكوارث المقطعة للقلب من غير هدف معنوي وبدون قوة إلهية ويتحمل الآلام دون فقدان الاتزان!؟ نعم ، ففي سبيل رضوان الله كل شيء يهون وما التوفيق إلّا منهعزوجل .

٧ ـ وإذا لم ينفع الصبر في التبليغ والدعوة إلى الله ، ولا العفو والتسامح ، فلا ينبغي أن يحل اليأس في قلب المؤمن أو يجزع ، بل عليه الاستمرار في التبليغ بسعة صدر وهدوء أعصاب أكثر ، ولهذا يقول القرآن الكريم في الأصل السابع :( وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ) .

لأنّ الحزن والتأسف على عدم إيمان المعاندين يترك أحد أثرين على الإنسان ، فإمّا أن يصيبه اليأس الدائم ، أو يدفعه إلى الجزع والغضب وضعف التحمل ، فالنهي عن الحزن عليهم يحمل في واقعة نهيا للأمرين معا ، فينبغي للعاملين في طريق الدعوة إلى الله عدم الجزع وعدم اليأس.

٨ ـ( وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ) .

فمهما كانت دسائس العدو العنيد واسعة ودقيقة وخطرة فلا ينبغي لك ترك

٣٦٧

الميدان ، لظنك أن قد وقعت في زاوية ضيقة وحصار محكم ، بل لا بدّ من التوكل على الله ، وسوف تفشل كل الدسائس وتبطل مفعولها بقوة الإيمان والثبات والمثابرة والعقل والحكمة.

وآخر آية من سورة النحل تعرض الأمرين التاسع والعاشر ، حيث تقول :

٩ ـ( إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا ) :

التقوى في جميع أبعادها وبمفهومها الواسع ، ومنها : التقوى في مواجهة المخالفين بمراعاة أصول الأخلاق الإسلامية عند المواجهة ، فمع الأسير لا بدّ من مراعاة أصول المعاملة الإسلامية ، ومع المنحرف ينبغي مراعاة الإنصاف والأدب والتورع عن الكذب والاتهام ، وفي ميدان القتال لا بدّ من التعامل على ضوء التعليمات العسكرية وفق الموازين والضوابط الإسلامية ، فمثلا : ينبغي عدم الهجوم على العزل من الأعداء ، عدم التعرض للأطفال والنساء والعجزة ، ولا التعرض للمواشي والمزارع لأجل إتلافها ، ولا يقطع الماء على العدو وخلاصة القول : تجب مراعاة أصول العدل مع العدو والصديق (وطبيعي أن تخرج بعض الموارد عن هذا الحكم استثناء وليس قاعدة).

١٠ ـ( وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) .

أكّد القرآن الكريم في كثير من آياته البيّنات بأن يقابل المؤمن إساءة الجاهل بالإحسان ، عسى أن يخجل الطرف المقابل أو يستحي من موقفه المتشنج ، وبهذه السلوكية الرائعة قد ينتقل ذلك الجاهل من( أَلَدُّ الْخِصامِ ) إلى أحسن الأصدقاء( وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) !

وإذا عمل بالإحسان في محله المناسب ، فإنّه أفضل أسلوب للمواجهة ، والتأريخ الإسلامي يرفدنا بعيّنات رائعة في هذا المجال ومنها : موقف معاملة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع مشركي مكّة بعد الفتح ، معاملة النّبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ل (وحشي) قاتل حمزّة ، معاملتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأسرى معركة بدر الكبرى ، معاملتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع من كان يؤذيه

٣٦٨

بمختلف السبل من يهود زمانه ونجد شبيه معاملة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع الآخرين قد تجسدت عمليا في حياة عليعليه‌السلام وسائر الأئمّةعليهم‌السلام ، وكل ذلك يكشف لنا بوضوح أهمية الإحسان في حياة الإنسان من وجهة نظر الإسلام.

ومن دقيق العبارة في هذا المجال ما نجده في نهج البلاغة ضمن الخطبة المعروفة بخطبة همّام ، ذلك الرجل الزاهد العابد الذي طلب من أمير المؤمنينعليه‌السلام أن يصف له المتقين ، حيث اكتفى أمير المؤمنينعليه‌السلام بذكر الآية المباركة من مجموع القرآن وقال : اتق الله وأحسن( إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) (١) .

ولكنّ السائل العاشق للحقّ لم يرو عطشة بهذا البيان المختصر ، ممّا اضطر الإمامعليه‌السلام أن يعرض له بيانا أكثر تفصيلا حتى استخرجت من فمه الشريف أكمل خطبة في وصف المتقين ، حوت على أكثر من مائة صفة لهم ، إلّا أنّ جوابه المختصر يبيّن أنّ الآية المباركة مختصر جامع لكل صفات المتقين.

وبنظرة تأمليّة ممعنة إلى الأصول العشرة المذكورة ، تتبيّن لنا جميع الخطوط الأصليّة والفرعية لأسلوب مواجهة المخالفين ، وأنّ هذه الأصول إنّما احتوت كل الأسس المنطقية والعاطفية والنفسية والتكتيكية ، وكل ما يؤدي للنفوذ إلى أعماق نفوس المخالفين للتأثير الإيجابي فيها.

ومع ذلك فالاكتفاء بالمنطق والاستدلال في مواجهة الأعداء وفي كل الظروف لا يقول به الإسلام ولا يقرّه ، بل كثيرا ما تدعو الضرورة لدخول الميدان عمليا في مواجهة الأعداء حتى يلزم الأمر في بعض الأحيان المقابلة بالمثل والتوسل بالقوّة في قبال استعمال القوة من قبل الأعداء ، وبالتدابير المبيتة في قبال ما يبيتون أمور ، ولكن أصول العدل والتقوى والأخلاق والإسلامية يجب أن تراعى في جميع الحالات.

__________________

(١) نهج البلاغة ، خطبة ١٩٣.

٣٦٩

ولو عمل المسلمون وفق هذا البرنامج الشامل لساد الإسلام كل أرض المعمورة أو معظمها على أقل التقادير.

خاتمة مقال سورة النحل «سورة النعم» :

ممّا يلفت النظر في السورة المباركة ـ كما قلنا سابقا ـ ذكرها لكثير من النعم الإلهية ، المادية منها والمعنوية ، الظاهرية والباطنية ، الفردية والاجتماعية ، ممّا دعت المفسّرين لأن يطلقوا عليهم اسم (سورة النعم).

وبملاحظة ودراسة آيات السورة تظهر لنا في حدود الأربعين نعمة من النعم الكبيرة والصغيرة متوزعة بين طياتها ، وسنذكر أدناه فهرسا لهذه النعم مع التأكيد على أنّ الهدف من ذكرها إنّما هو لأمرين :

الأوّل : تعليم درس التوحيد وبيان عظمة الخالق.

الثّاني : تقوية حب وتعلق الإنسان بخالقه وتحريك غريزة الشكر لديه.

١ ـ( خَلَقَ السَّماواتِ ) .

٢ ـ( وَالْأَرْضَ ) .

٣ ـ( وَالْأَنْعامَ خَلَقَها ) .

٤ ـ الاستفادة من صوفها وجلدها( لَكُمْ فِيها دِفْءٌ ) .

٥ ـ( وَمَنافِعُ ) .

٦ ـ( مِنْها تَأْكُلُونَ ) .

٧ ـ الاستفادة من جمال الاستقلال الاقتصادي( وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ ) .

٨ ـ( وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ ) ـ( وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها ) .

٩ ـ الهداية إلى الصراط المستقيم( وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) .

١٠ ـ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ ) .

١١ ـ إنشاء المراعي( وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ) .

٣٧٠

١٢ ـ( يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ ) .

١٣ ـ( وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ) .

١٤ ـ( وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ) .

١٥ ـ( وَالنُّجُومُ ) .

١٦ ـ( وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ) .

١٧ ـ( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها ) .

١٨ ـ( وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ ) .

١٩ ـ( وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ) .

٢٠ ـ( وَأَنْهاراً ) .

٢١ ـ( وَسُبُلاً ) .

٢٢ ـ( وَعَلاماتٍ ) لمعرفة الطرق.

٢٣ ـ( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) في معرفة الطرق ليلا.

٢٤ ـ( وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ) .

٢٥ ـ( نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ ) .

٢٦ ـ( وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً ) .

٢٧ ـ العسل( فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ ) .

٢٨ ـ( وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً ) .

٢٩ ـ( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ) .

٣٠ ـ( وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ) بمعناها الواسع.

٣١ ـ( وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ ) .

٣٢ ـ( وَالْأَبْصارَ ) .

٣٣ ـ( وَالْأَفْئِدَةَ ) .

٣٧١

٣٤ ـ( وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً ) وهي البيوت الثابتة.

٣٥ ـ( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً ) وهي البيوت المتحركة.

٣٦ ـ( وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ ) .

٣٧ ـ نعمة الظلال( وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً ) .

٣٨ ـ نعمة وجود الملاجئ الآمنة في الجبال( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً ) .

٣٩ ـ( وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ ) .

٤٠ ـ( وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ ) أي : في الحروب.

وجاء في خاتمة هذه النعم :( كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ) .

الهدف من ذكر النعم :

لا حاجة للتنبيه على أنّ ذكر النعم الإلهية الواردة في القرآن الكريم لا يقصد منها إلقاء المنّة أو كسب الوجاهة وما شابه ذلك ، فشأن الباري أجلّ وأسمى من ذلك وهو الغني ولا غني سواه. ولكنّ ذكرها جاء ضمن أسلوب تربوي مبرمج يهدف لإيصال الإنسان إلى أرقى درجات الكمال الممكنة من الناحيتين المادية والمعنوية. وأقوى دليل على ذلك ما جاء في أواخر كثير من الآيات السابقة من عبارات والتي تصب ـ مع كثرتها وتنوعها ـ في نفس الاتجاه التربوي المطلوب.

فبعد ذكر نعمة تسخير البحار ، يقول القرآن في الآية (١٤) :( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) .

وبعد بيان نعمة الجبال والأنهار والسبل ، يقول في الآية (١٥) :( لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) .

وبعد بيان أعظم النعم المعنوية (نعمة نزول القرآن) تأتي الآية (٤٤) لتقول :( لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) .

وبعد ذكر نعمة آلات المعرفة المهمّة (السمع والبصر والفؤاد) ، تقول الآية (٧٨) :( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) .

٣٧٢

وبعد الإشارة إلى إكمال النعم الإلهية ، تقول الآية (٨١) :( لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ) .

وبعد ذكر جملة أمور في مجال العدل والإحسان ومحاربة الفحشاء والمنكر والظلم ، تأتي الآية (٩٠) لتقول :( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) .

والحقيقة أنّ القرآن الكريم قد أشار إلى خمسة أهداف من خلال ما ذكر في الموارد الستة أعلاه :

١ ـ الشكر.

٢ ـ الهداية.

٣ ـ التفكّر.

٤ ـ التسليم للحق.

٥ ـ التذكّر.

وممّا لا شك فيه أنّ الأهداف الخمسة مترابطة فيما بينها ترابطا وثيقا فالإنسان يبدأ بالتفكر ، وإذا نسي تذكّر ، ثمّ يتحرك فيه حس الشكر لواهب النعم عليه ، فيفتح الطريق إليه ليهتدي ، وأخيرا يسلّم لأوامر مولاه.

وعليه ، فالأهداف الخمسة حلقات مترابطة في طريق التكامل ، وإذا سلك السالك ضمن الضوابط المعطاة لحصل على نتائج مثمرّة وعالية.

وثمّة ملاحظة ، هي أنّ ذكر النعم الإلهية بشكليها الجمعي والفردي إنّما يراد بها بناء الإنسان الكامل.

إلهي! أحاطت نعمك بكل وجودنا ، فغرقنا في بحر عطاياك ، ولكننا لم نعرفك بعد.

إلهي! هب لنا بصرا وبصيرة نرى بهما طريق معرفتك وحبّك ، ووفقنا للسير في مراضيك وأوصلنا إلى منزل الشاكرين حقا.

اللهم! أنت تعلم بحوائجنا دون غيرك ، وتعلم أكثر منّا لما نريد ، فمنّ علينا لنكون كما تحب ، واجعلنا خيرا ممّا يظن الناس إنّك سميع مجيب.

* * *

٣٧٣
٣٧٤

سورة الإسراء

مكيّة

وعدد آياتها مائة وإحدى عشرة آية

٣٧٥
٣٧٦

«سورة الإسراء »

قبل الدّخول في تفسير هذه السورة من المفيد الانتباه إلى النقاط الآتية :

أوّلا : أسماء السّورة ومكان النّزول :

بالرّغم من أنّ الاسم المشهور لهذه السورة هو «بني إسرائيل» إلّا أنّ لها أسماء أخرى مثل «الإسراء» و «سبحان»(١) .

ومن الواضح أنّ ثمّة علاقة تصل بين أي اسم من أسماء السورة وبين محتواها ومضمونها، فهي «بني إسرائيل» لأنّ هناك قسما مهمّا في بداية السورة ونهايتها يرتبط بالحديث عن بني إسرائيل.

وإذا قلنا أنّها سورة «الإسراء» فإنّ ذلك يعود إلى الآية الأولى فيها التي تتحدث عن إسراء (ومعراج) النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأمّا تسميتها بـ «سبحان» فإنّ ذلك يعود إلى الكلمة الأولى في السورة المباركة.

ولكن الرّوايات التي تتحدّث عن فضيلة هذه السورة ، تطلق عليها «بني إسرائيل» فقط. ولهذا السبب فإنّ معظم المفسّرين يقتصرون على هذا الاسم ، وقد

__________________

(١) تفسير الآلوسي ، ج ١٥ ، ص ٢.

٣٧٧

اختاروه دون غيره.

وبالنسبة لمكان نزول السورة ، فمن المشهور أنّ جميع آياتها مكيّة ، وممّا يؤيد ذلك أنّ مضمون السورة ومفاهيمها يناسب بشكل كامل مضمون ومحتوى وسياق السور المكّية ، هذا بالرغم من أنّ المفسّرين يعتقد بأنّ هناك مقطعا من السورة قد نزل في المدينة ، ولكن المشهور ما شاع بين المفسّرين من مكية تمام السورة.

ثانيا : فضيلة سورة الإسراء :

وردت في فضيلة سورة الإسراء وأجرها أحاديث كثيرة عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن الإمام الصادقعليه‌السلام .

فعن الإمام الصادقعليه‌السلام قوله : «من قرأ سورة بني إسرائيل في كل ليلة جمعة لم يمت حتى يدرك القائم ويكون من أصحابه».

وبالنسبة لثواب قراءة سور القرآن الكريم والرّوايات التي تتحدث عن فضائلها ، ينبغي أن يلاحظ أنّ ملاك الأمر لا يتعلق بمجرّد القراءة وحسب ، وإنّما ـ كما قلنا مرارا ـ أنّ التلاوة ينبغي أن تقترن بالتفكر في معانيها والتأمّل في مفاهيمها ، وينبغي أن يعقب ذلك جميعا العمل بها ، وتحويلها إلى قواعد يسترشدها الإنسان المسلم في سلوكه.

خصوصا وإنّنا نقرأ في واحدة من الرّوايات التي تتحدث عن فضيلة هذه السورة ما نصه : «فرق قلبه عند ذكر الوالدين». أي أنّ هناك أثر ترتّب على القراءة ، وقد تمثل هنا بموجة من الأحاسيس النّبيلة والحبّ والمودّة للوالدين.

إذا ، ألفاظ القرآن تملك ولا شك قيمة واحتراما بحدّ ذاتها ، إلّا أنّ هذه الألفاظ هي مقدمة للوعي الفكري الصحيح ، كما أنّ الوعي الفكري الإيماني الصحيح هو مقدمة للعمل الصالح.

٣٧٨

ثالثا : خطوط عامّة في محتوى السورة :

لقد أشرنا إلى مكيّة السورة وفق القول المشهور بين المفسّرين ، لذا فإنّ محتوى السورة يوافق خصوصيات السور المكّية ، من قبيل تركيزها على قضية التوحيد والمعاد ، ومواجهة إشكاليات الشرك والظلم والانحراف.

وبالإمكان فرز المحاور المهمّة الآتية التي يدور حولها مضمون السورة :

أوّلا : الإشارة إلى أدلة النّبوة الخاتمة وبراهينها ، وفي مقدمتها معجزة القرآن وقضية المعراج.

ثانيا : ثمّة بحوث في السورة ترتبط بقضية المعاد وما يرتبط به من حديث عن صحيفة الأعمال ، وقضية الثواب والعقاب المترتب على نتيجة الجزاء.

ثالثا : تتحدّث السورة في بدايتها ونهايتها عن قسم من تاريخ بني إسرائيل المليء بالأحداث.

رابعا : تتعرض السورة إلى حرية الإختيار لدى الإنسان وأنّ الإنسان غير مجبر في أعماله ، وبالتالي فإنّ على الإنسان أن يتحمل مسئولية تلك الحرية من خلال تحمله لمسؤولية أعماله سواء كانت حسنة أو سيئة.

خامسا : تبحث السورة قضية الحساب والكتاب في هذه الدنيا ، لكي يعي الإنسان قضية الحساب والكتاب على أعماله وأقواله في اليوم الآخر.

سادسا : تشير إلى الحقوق في المستويات المختلفة ، خصوصا فيما يتعلق بحقوق الأقرباء ، وبالأخص منهم الأم والأب!

سابعا : تتعرض السورة إلى حرمة «الإسراف» ، و «التبذير» ، و «البخل» ، و «قتل الأبناء» ، و «الزنا» ، و «أكل مال اليتيم» ، و «البخس في المكيال» ، و «التكبّر» ، و «إراقة الدماء».

ثامنا : في السورة بحوث حول التوحيد ومعرفة الله تعالى.

ناسعا : تواجه السورة مواقف العناد المكابرة إزاء الحق ، وأنّ الذنوب تتحوّل

٣٧٩

إلى حجب تمنع الإنسان من رؤية الحق.

عاشرا : تركز السورة على أفضلية الإنسان على سائر الموجودات.

أحد عشر : تؤكّد السورة على تأثير القرآن الكريم في معالجة الأشكال المختلفة من الأمراض الأخلاقية والاجتماعية.

ثاني عشر : تبحث السّورة في المعجزة القرآنية وعدم تمكن الخصوم وعجزهم عن مواجهة هذه المعجزة.

ثالث عشر : تحذّر السورة المؤمنين من وساوس الشيطان وإغواءاته ، وتنبههم إلى المسالك التي ينفذ من خلالها إلى شخصية المؤمن.

رابع عشر : تتعرض السورة إلى مجموعة مختلفة من القضايا والمفاهيم والتعاليم الأخلاقية.

خامس عشر : أخيرا تتعرض السورة إلى مقاطع من قصص الأنبياءعليهم‌السلام ليتسنى للإنسان استكناه الدروس والعبر من هذه القصص.

في كل الأحوال تعكس سورة الإسراء في مضمونها ومحتواها العقائدي والأخلاقي والاجتماعي لوحة متكاملة ومتنافسة لسمو وتكامل البشر في المجالات المختلفة.

والجميل في السورة أنّها تبدأ بـ «تسبيح الله» ـ جلّ جلاله ـ وتنتهي بـ «الحمد والتكبير». والتسبيح هو تنزيه عن كل عيب ونقص ، والحمد علامة على تحقق صفات الفضيلة وتمثّلها في ذاته العليا المقدّسة ، بينما التكبير هو رمز الشرف والعظمة.

* * *

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

وقال السيد المرتضى : يشترط طهارة المكان(1) ـ وبه قال الشافعي(2) ـ لأنهعليه‌السلام نهى عن الصلاة في المزبلة والمجزرة(3) ، ولا علة سوى النجاسة. ونقول بموجبه ، لأنها نجاسات متعدية ، أو نمنع نهي التحريم.

وقال الشافعي : يشترط الطهارة في جهة الصلاة ، والجوانب أيضا بحيث يكون ما يلاقي بدن المصلّي وثيابه طاهرا حتى لو وقف تحت سقف يحتك به أو بجدار نجس لم تصح صلاته ، وبه قال أحمد(4) .

وقال أبو حنيفة : لا يشترط إلاّ طهارة موضع القدمين ، وفي رواية موضع القدمين والجبهة ، ولا تضر نجاسة ما سواه إلاّ أن يتحرك بحركته(5) .

والكل ممنوع.

فروع :

أ ـ لو كان على رأسه عمامة وطرفها يسقط على نجاسة صحت صلاته عندنا ، خلافا للشافعي ، وأحمد في رواية ، وفي اخرى : أنه لا يشترط طهارة ما تقع عليه ثيابه(6) ، ولو كان ثوبه يمس شيئا نجسا كثوب من يصلّي الى‌

__________________

(1) حكاه عنه الفاضل الآبي في كشف الرموز 1 : 143 ـ 144.

(2) المجموع 3 : 151 ، المهذب للشيرازي 1 : 68 ، فتح العزيز 4 : 34.

(3) سنن ابن ماجة 1 : 246 ـ 746 ، سنن الترمذي 2 : 178 ـ 346 وانظر المهذب للشيرازي 1 : 69.

(4) المجموع 3 : 152 ، المغني 1 : 750 ، الشرح الكبير 1 : 509 ، فتح العزيز 4 : 35.

(5) بدائع الصنائع 1 : 82 ، فتح العزيز 4 : 34 ، حلية العلماء 2 : 49 ، شرح فتح القدير 1 : 168.

(6) مغني المحتاج 1 : 190 ، كفاية الأخيار 1 : 56 ، المغني 1 : 750 و 751 ، الشرح الكبير 1 : 509.

٤٠١

جانبه أو حائط لا يستند إليه صحّت صلاته عندنا ، خلافا للشافعي ، وأحمد(1) .

ب ـ قال أبو حنيفة : إن كان تحت قدميه أكثر من قدر درهم من النجاسة لم تصح صلاته ، ولو وقعت ركبته أو يده على أكثر من قدر درهم صحّت صلاته ، ولو وضع جبهته على نجاسة تزيد على قدر الدرهم فروايتان(2) ، وعند الشافعي لا تصح في الجميع(3) ، وعندنا تصح في الجميع إلاّ موضع الجبهة فإن النجاسة إن استوعبته لم تصح صلاته وإن قلّت عن الدرهم ، ولو وقع ما يجزي من الجبهة على موضع طاهر والباقي على نجاسة فالأقوى عندي الجواز.

ج ـ لو كان ما يلاقي بدنه وثيابه طاهرا أو ما يحاذي بطنه أو صدره في السجود نجسا صحّت صلاته عندنا ـ وبه قال أحمد ، والشافعي في أحد الوجهين ـ لأنه لم يباشر النجاسة فصار كما لو صلّى على سرير وتحته نجاسة ، وفي الآخر : لا تصح(4) لأن ذلك الموضع منسوب إليه فإنه مكان صلاته ، ويبطل بما لو صلّى على خمرة طرفها نجس فإن صلاته تصح وإن نسبت إليه بأنّها مصلاّه.

د ـ يجوز أن يصلّي على بساط تحته نجاسة ، أو سرير قوائمه على النجاسة وإن تحرك بحركته ، وبه قال الشافعي(5) ، وقال أبو حنيفة : إن تحرك‌

__________________

(1) المجموع 3 : 152 ، المغني 1 : 751 ، الشرح الكبير 1 : 509 ، كشاف القناع 1 : 289 و 290.

(2) المبسوط للسرخسي 1 : 204 ، بدائع الصنائع 1 : 82 ، حلية العلماء 2 : 49.

(3) المجموع 3 : 151 و 152 ، فتح العزيز 4 : 34.

(4) المجموع 3 : 152 ، مغني المحتاج 1 : 190 ، المغني 1 : 751 ، الشرح الكبير 1 : 509.

(5) المجموع 3 : 152 ، فتح العزيز 4 : 35.

٤٠٢

بحركته بطلت(1) ولا يصح ذلك في المغصوب سواء كان الساتر أو ما تحته.

هـ ـ لو اشتبه موضع النجاسة لم يضع جبهته على شي‌ء منه إن كان محصورا كالبيت والبيتين ، بخلاف المواضع المتسعة كالصحاري ، ولا يجوز التحري عندنا.

وقال الشافعي : يتحرى إن وقع الاشتباه في بيتين ، ولو اشتبه الموضع النجس من بيت أو بساط لم يتحر على أصح الوجهين(2) .

و ـ لو اضطر إلى الصلاة في المشتبه وجب تكرير الصلاة كالثوبين.

مسألة 85 : تكره الصلاة في أماكن :

أ ـ معاطن الإبل : وهي مباركها ، سواء خلت من أبوالها أو لا عندنا لأنّ أبوالها طاهرة على ما تقدم(3) .

لقولهعليه‌السلام : ( إذا أدركتك الصلاة وأنت في مراح الغنم فصل فيه فإنها سكينة وبركة ، وإذا أدركتك الصلاة وأنت في معاطن الإبل فاخرج منها وصل فإنها جن من جن خلقت )(4) .

والفرق ظاهر فإن الغنم لا يمنعه السكون في مراحها من الخشوع ، والإبل يخاف نفورها فتمنعه من الخشوع والسكون ، وقيل : إن عطنها مواطن الجن(5) .

ومنع الشافعي من الصلاة فيها مع وجود أبوالها فيها لأنها نجسة‌

__________________

(1) المجموع 3 : 152 ، فتح العزيز 4 : 35.

(2) المجموع 3 : 153 و 154 ، فتح العزيز 4 : 35.

(3) تقدم في المسألة 15 من كتاب الطهارة.

(4) سنن البيهقي 2 : 449.

(5) فتح العزيز 4 : 38 وانظر حياة الحيوان للدميري 1 : 25.

٤٠٣

عنده وقد تقدم ، وسوّغ الصلاة مع الخلوّ ، وبه قال مالك ، وأبو حنيفة(1) للحديث(2) .

وقال أحمد : لا تصح الصلاة فيها وإن خلت ، وبه قال ابن عمر ، وجابر ابن سمرة والحسن ، وإسحاق ، وأبو ثور(3) لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن الصلاة فيها(4) ، والنهي يدل على الفساد ، وهو ممنوع لأن النهي للكراهة.

ولا بأس بالصلاة في مرابض الغنم عملا بالأصل ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس بالصلاة في مرابض الغنم »(5) .

ب ـ المقابر : وبه قال عليعليه‌السلام ، وابن عباس ، وابن عمر ، وعطاء ، والنخعي ، وابن المنذر ، فإن صلى صحّت سواء استقبلها ، أو صلّى بينها في الكراهة ، والصحة ، وبه قال الشافعي ، ومالك(6) ـ لأنها بقعة طاهرة فصحت الصلاة فيها كغيرها.

وقال أحمد : لا يجوز وإن تحقق طهارتها أو استقبلها ـ وفي صحة‌

__________________

(1) المجموع 3 : 161 ، بداية المجتهد 1 : 117 ، عمدة القارئ 4 : 182 ، المغني 1 : 753 ، الشرح الكبير 1 : 512.

(2) سنن الترمذي 2 : 131 ـ 317 ، مسند أحمد 5 : 145 ، صحيح البخاري 1 : 91 ، سنن أبي داود 1 : 132 ـ 489 ، سنن ابن ماجة 1 : 188 ـ 567.

(3) عمدة القارئ 4 : 182 ، المغني 1 : 753 ، نيل الأوطار 2 : 141.

(4) سنن ابن ماجة 1 : 246 ـ 746 و 747 ، سنن الترمذي 2 : 181 ـ 348 ، سنن النسائي 2 : 56 ، سنن الدارمي 1 : 323 ، مسند احمد 2 : 451 و 491 و 509 ، سنن أبي داود 1 : 133 ـ 493 ، سنن البيهقي 2 : 449.

(5) الكافي 3 : 388 ـ 2 ، التهذيب 2 : 22 ـ 868 ، الاستبصار 1 : 395 ـ 1507.

(6) المجموع 3 : 158 ، بداية المجتهد 1 : 117 ، المغني 1 : 753.

٤٠٤

الصلاة عنه روايتان(1) ـ للنهي(2) ، ونحن نحمله على الكراهة.

ولو جعل بينه وبين القبر حائلا ولو عنزة(3) ، أو بعد عشرة أذرع عن يمينه ، ويساره ، وقدامه زالت الكراهة ، وقد روي جواز الصلاة الى قبور الأئمةعليهم‌السلام في النوافل خاصة(4) ، قال الشيخ : والأحوط الكراهة(5) .

ولو صلّى على قبر كره سواء تكرر الدفن فيه ونبش أو لا ، إلاّ أن تمازجه نجاسة متعدية فيحرم.

وقال الشافعي : إن تكرر الدفن فيه ونبش بطلت صلاته ، لأنه صلّى على النجاسة لمخالطة صديد الموتى ولحومهم ، وإن كان جديدا لم ينبش كره(6) للنهي(7) ، وإن لم يعلم التكرر ، ولا عدمه فقولان لأصالة الطهارة وقضاء العادة بتكرر الدفن(8) .

وكره الاستقبال إلى القبر ، إلاّ الى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّه منعه(9) لقولهعليه‌السلام : ( لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم‌

__________________

(1) المغني 1 : 753 ، المجموع 3 : 158 ، الشرح الكبير 1 : 512.

(2) سنن النسائي 2 : 67 ، سنن ابن ماجة 1 : 246 ـ 746 و 747.

(3) العنزة بالتحريك : أطول من العصا وأقصر من الرمح وفيه زجّ كزج الرمح. الصحاح 3 : 887 « عنز ».

(4) كامل الزيارات : 122 ـ 1.

(5) المبسوط للطوسي 1 : 85.

(6) الام 1 : 92 ، المجموع 3 : 158 ، المهذب للشيرازي 1 : 70 ، رحمة الأمة 1 : 57 نيل الأوطار 2 : 137.

(7) سنن الترمذي 2 : 131 ـ 317 ، سنن ابن ماجة 1 : 246 ـ 746 و 747 ، سنن البيهقي 2 : 329.

(8) المجموع 3 : 158 ، فتح العزيز 4 : 39.

(9) المجموع 3 : 158 ، فتح العزيز 4 : 39.

٤٠٥

مساجد )(1) وإنما قاله تحذيرا لأمته أن يفعلوا.

ج ـ الحمام إن علمت طهارته أو جهلت ـ وبه قال الشافعي(2) ـ لقول الصادقعليه‌السلام : « عشرة مواضع لا يصلى فيها : الطين ، والماء ، والحمام ، والقبور ، ومسان الطرق(3) ، وقرى النمل ، ومعاطن الإبل ، ومجرى الماء ، والسبخ ، والثلج »(4) .

وقال أحمد : لا تجوز الصلاة فيه(5) للنهي(6) .

ولو علمت نجاسته فإن لم تتعد إليه كرهت الصلاة فيه أيضا ـ خلافا للشافعي(7) ـ وإلاّ بطلت.

وهل تكره في المسلخ؟ فيه احتمال ينشأ من علة النهي إن قلنا : النجاسة لم تكره ، وإن قلنا : كشف العورة فيكون مأوى ( الشيطان )(8) كره.

د ـ بيوت الغائط لعدم انفكاكها عن النجاسة ، ولو صلّى صحت ما لم تتعد نجاستها إليه ـ وبه قال الشافعي(9) ـ لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل‌

__________________

(1) الفقيه 1 : 114 ـ 532 ، صحيح البخاري 1 : 116 ، صحيح مسلم 1 : 376 ـ 529 و 531 ، مسند أحمد 1 : 218.

(2) حلية العلماء 2 : 50 ، المجموع 3 : 159.

(3) مسان الطرق : المسلوك منها. مجمع البحرين 6 : 269 « سنن ».

(4) الكافي 3 : 390 ـ 12 ، التهذيب 2 : 219 ـ 863 ، الإستبصار 1 : 394 ـ 1504.

(5) المغني 1 : 753 ، عمدة القارئ 4 : 190 ، نيل الأوطار 2 : 137.

(6) سنن ابن ماجة 1 : 246 ـ 747 ، سنن البيهقي 2 : 329.

(7) الام 1 : 92 ، المجموع 3 : 159.

(8) في نسخة ( ش ) : الشياطين.

(9) المجموع 3 : 162.

٤٠٦

أقوم في الصلاة فأرى بين يدي العذرة : « تنح عنها ما استطعت »(1) . ولأنها لا تناسب العبادة المأمور بالتنظيف حال إيقاعها.

وقال أحمد : لا تصح ، ولا على سطحها(2) ، وليس بجيد.

هـ ـ بيوت النيران لئلاّ يتشبه ( بعبّادها )(3) .

و ـ بيوت المجوس لعدم انفكاكها من النجاسة ، فإن رشت الأرض زالت الكراهة ، لقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن الصلاة في بيوت المجوس : « رش وصلّ »(4) .

ولا بأس بالبيع والكنائس مع النظافة ـ وبه قال الحسن البصري ، وعمر ابن عبد العزيز ، والشعبي ، والأوزاعي(5) ـ لقولهعليه‌السلام : ( أينما أدركتني الصلاة صليت )(6) وسأل عيص ، الصادقعليه‌السلام عن البيع والكنائس يصلّى فيها؟ قال : « لا بأس »(7) وقال الصادقعليه‌السلام : « صل فيها قد رأيتها ما أنظفها »(8) .

وكره ابن عباس ، ومالك الكنائس من أجل الصور(9) . ونحن نقول‌

__________________

(1) الكافي 3 : 391 ـ 17 ، التهذيب 2 : 376 ـ 1563 ، المحاسن : 365 ـ 109.

(2) المغني 1 : 753 و 756 ، كشاف القناع 1 : 294.

(3) في نسخة ( م ) بعبادتها.

(4) التهذيب 2 : 222 ـ 877.

(5) المجموع 3 : 158 ـ 159 ، المغني 1 : 759 ، عمدة القارئ 4 : 190 و 192.

(6) مسند أحمد 2 : 222.

(7) التهذيب 2 : 222 ـ 874.

(8) التهذيب 2 : 222 ـ 876 ، والفقيه 1 : 157 ـ 731 وفيه : « صلّ فيها » بدون الذيل.

(9) المجموع 3 : 158 ، عمدة القارئ 4 : 190 و 192 ، المغني 1 : 759 ، المدونة الكبرى 1 : 90 ـ 91.

٤٠٧

بموجبه إن كان فيها صور.

ز ـ بيوت الخمور والمسكر لعدم انفكاكها من النجاسة ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا تصلّ في بيت فيه خمر أو مسكر »(1) .

ح ـ جواد الطرق ـ وبه قال الشافعي(2) ـ لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن الصلاة في محجة الطريق(3) ومعناه الجادة المسلوكة ، وفي حديث : ( عن قارعة الطريق )(4) يعني التي تقرعها الأقدام ، ففاعلة هنا بمعنى مفعولة ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « فأما على الجواد فلا »(5) ولأنها لا تنفك غالبا عن النجاسة ، ويمنع السابلة من الاستطراق.

وقال أحمد : لا تصح(6) للنهي(7) . وهو عندنا للكراهة.

ولا بأس بالصلاة على الظواهر التي بين الجواد للأصل ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن يصلّى في الظواهر التي بين الجواد »(8) ولا فرق بين أن يكون في الطريق سالك أو لم يكن للعموم.

ط ـ مساكن النمل لما تقدم في الحديث(9) ، ولعدم انفكاكه من ضررها ، أو قتل بعضها.

__________________

(1) الكافي 3 : 392 ـ 24 ، التهذيب 2 : 220 ـ 864 و 377 ـ 1568.

(2) المجموع 3 : 162 ، فتح العزيز 4 : 36 ، المهذب للشيرازي 1 : 71 ، مغني المحتاج 1 : 203.

(3) سنن ابن ماجة 1 : 246 ـ 747 ، سنن البيهقي 2 : 329.

(4) سنن الترمذي 2 : 178 ـ 346 ، سنن ابن ماجة 1 : 246 ـ 746.

(5) الكافي 3 : 388 ـ 5 ، التهذيب 2 : 220 ـ 865.

(6) المغني 1 : 754 ـ 755 ، العدة شرح العمدة : 69 ، المحرر في الفقه 1 : 49.

(7) سنن ابن ماجة 1 : 246 ـ 746 و 747 ، سنن البيهقي 2 : 329 ، سنن الترمذي 2 : 178 ـ 346.

(8) الكافي 3 : 389 ـ 10 ، التهذيب 5 : 425 ـ 1475.

(9) تقدم في فرع « ج ».

٤٠٨

ي ـ مرابط الخيل ، والبغال ، والحمير لكراهة أرواثها ، وأبوالها فلا تنفك أمكنتها منها ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « فأما مرابط الخيل والبغال فلا »(1) .

يا ـ بطون الأودية لجواز هجوم السيل ، ولأنها مجرى المياه ، وكذا يكره في مجرى الماء لذلك ، وللحديث ، وقد سبق(2) .

يب ـ الأرض السبخة لعدم تمكن الجبهة من الأرض ، قال أبو بصير : سألت الصادقعليه‌السلام عن الصلاة في السبخة لم تكرهه؟ قال : « لأن الجبهة لا تقع مستوية » فقلت : إن كان فيها أرض مستوية ، قال : « لا بأس »(3) .

يج ـ أرض الثلج كذلك أيضا ، قال داود الصيرفي : سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن الثلج فقال : « إن أمكنك أن لا تسجد عليه فلا تسجد ، وإن لم يمكنك فسوّه واسجد عليه »(4) .

يد ـ أرض الخسف كالبيداء(5) ، وذات الصلاصل(6) ، وضجنان(7) ،

__________________

(1) التهذيب 2 : 220 ـ 867 ، الاستبصار 1 : 395 ـ 1506.

(2) تقدم في فرع « ج ».

(3) التهذيب 2 : 221 ـ 873 ، الإستبصار 1 : 396 ـ 1509.

(4) الكافي 3 : 390 ـ 14 ، الفقيه 1 : 169 ـ 798 ، التهذيب 2 : 310 ـ 1256 ، الاستبصار 1 : 336 ـ 1263 وفيها عن ( داود الصرمي ).

(5) البيداء : اسم لأرض ملساء بين مكة والمدينة وهي إلى مكة أقرب. معجم البلدان 1 : 523.

(6) اسم لموضع مخصوص في طريق مكة. مجمع البحرين 5 : 407 ـ 408 « صلصل ».

(7) ضجنان : هو موضع أو جبل بين مكة والمدينة. معجم البلدان 3 : 453 ، النهاية لابن الأثير 3 : 74 ، القاموس المحيط 4 : 243 « ضجن ».

٤٠٩

وكذا كل موضع خسف به ـ وبه قال أحمد(1) ـ لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأصحابه يوم مرّ بالحجر : ( لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلاّ أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم )(2) وعبر عليعليه‌السلام من أرض بابل إلى موضع ردّت له الشمس فيه وصلّى(3) ، وقال الصادقعليه‌السلام : « تكره الصلاة في ثلاثة مواطن بالطريق : البيداء وهي ذات الجيش ، وذات الصلاصل ، وضجنان »(4) .

يه ـ وادي الشقرة(5) واختلف علماؤنا ، فقال بعضهم : إنّه موضع مخصوص خسف به ، وقيل : ما فيه شقائق النعمان(6) لئلاّ يشتغل النظر ، لقول الصادقعليه‌السلام : « لا تصل في وادي الشقرة »(7) .

يو ـ المزابل ، ومذابح الأنعام لعدم انفكاكها من النجاسة ، ولأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن الصلاة في سبعة مواطن : ظهر بيت الله ، والمقبرة ، والمزبلة ، والمجزرة ، والحمام ، وعطن الإبل ، ومحجة الطريق(8) .

يز ـ أن يصلّي وفي قبلته نار مضرمة ـ وبه قال أحمد(9) ـ لئلاّ يتشبه بعبّاد النار ، ولقول الكاظمعليه‌السلام : « لا يصلح أن يستقبل المصلّي‌

__________________

(1) المغني 1 : 759 ، الشرح الكبير 1 : 514.

(2) صحيح مسلم 4 : 2285 ـ 2980 ، سنن البيهقي 2 : 451 ، مسند احمد 2 : 72.

(3) الفقيه 1 : 130 ـ 131 ـ 611 ، بصائر الدرجات : 237 ـ 1.

(4) الكافي 3 : 389 ـ 10 ، التهذيب 2 : 375 ـ 1560.

(5) شقرة : بضم الشين وسكون القاف وقيل بفتح الشين وسكون القاف. موضع في طريق مكة. مجمع البحرين 3 : 352 ـ 353 « شقر ».

(6) حكى القولين المحقق في المعتبر : 158.

(7) المحاسن : 366 ـ 115 ، الكافي 3 : 390 ـ 11 ، التهذيب 2 : 375 ـ 1561.

(8) سنن الترمذي 2 : 178 ـ 346 ، سنن ابن ماجة 1 : 246 ـ 747 ، سنن البيهقي 2 : 329.

(9) المغني 2 : 73 ، الشرح الكبير 1 : 663.

٤١٠

النار »(1) وقال عمار للصادقعليه‌السلام : أله أن يصلّي وفي قبلته مجمرة شبه؟ قال : « نعم فإن كان فيها نار فلا يصلّي فيها حتى ينحيها عن قبلته » وفي القنديل المعلق قال : « لا يصلّي بحياله »(2) .

وفي رواية : « يجوز أن يصلّي والنار ، والسراج ، والصورة بين يديه ، إن الذي يصلّي له أقرب من الذي بين يديه »(3) وجعلها الشيخ شاذّة(4) .

يح ـ أن يصلّي الى التماثيل ، والصور ـ وبه قال أحمد(5) ـ لقول محمد بن مسلم قلت : أصلّي والتماثيل قدّامي وأنا أنظر إليها؟

فقال : « لا ، اطرح عليها ثوبا ولا بأس إذا كانت على يمينك ، أو شمالك ، أو خلفك ، أو تحت رجليك ، أو فوق رأسك فإن كانت في القبلة فألق عليها ثوبا »(6) .

يط ـ قال أبو الصلاح : تكره الى باب مفتوح ، أو إنسان مواجه(7) ـ وبه قال أحمد(8) ـ وهو جيد ، لاستحباب السترة بينه وبين ممر الطريق على ما يأتي.

__________________

(1) الكافي 3 : 391 ـ 16 ، الفقيه 1 : 162 ـ 763 ، التهذيب 2 : 225 ـ 889 ، الإستبصار 1 : 396 ـ 1511.

(2) الكافي 3 : 391 ـ 15 ، الفقيه 1 : 165 ـ 776 ، التهذيب 2 : 225 ـ 888.

(3) التهذيب 2 : 226 ـ 890 ، الاستبصار 1 : 396 ـ 1512.

(4) التهذيب 2 : 226 ذيل الحديث 890 ، والاستبصار 1 : 396 ذيل الحديث 1512.

(5) المغني 2 : 73 ، الشرح الكبير 1 : 663 ، كشاف القناع 1 : 280.

(6) الكافي 3 : 391 ـ 20 ، التهذيب 2 : 226 ـ 891 ، الاستبصار 1 : 394 ـ 1502 ، المحاسن : 617 ـ 50.

(7) الكافي في الفقه : 141.

(8) المغني 2 : 73 ، الشرح الكبير 1 : 661.

٤١١

ك ـ أن يصلّي وفي قبلته مصحف مفتوح لئلاّ يشتغل عن الإقبال على العبادة.

وعن عمار عن الصادقعليه‌السلام في الرجل يصلّي وبين يديه مصحف مفتوح في قبلته قال : « لا » قلت : فإن كان في غلاف قال : « نعم »(1) ، وهل يتعدى الحكم الى كل ما يشغل النظر من كتاب ونقش ( وغيره )(2) ؟ الأقرب ذلك ، ويحتمل المنع ، لعدم القطع بالعلة.

كا ـ أن يكون قبلته حائط ينز من بالوعة يبال فيها ، لأنه ينبغي تعظيم القبلة فلا تناسب النجاسة ، ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن مسجد ينز حائط قبلته من بالوعة يبال فيها فقال : « إن كان نزّه من بالوعة فلا تصلّ فيه وإن كان من غير ذلك فلا بأس »(3) ، وهل يتعدى الحكم الى الماء النجس؟

عموم اللفظ يقضي بالمنع ، لقولهعليه‌السلام : « وإن كان من غير ذلك فلا بأس »(4) والعلّة تقضي بالمساواة لكن العلّية ليست قطعية.

مسألة 86 : ويكره الفريضة جوف الكعبة ، وتستحب النافلة‌ عند علمائنا لأنه بالصلاة في الكعبة ربما تتعذر عليه الجماعة ، والجماعة أفضل من الانفراد ، ولأنه باستقبال أي جهة شاء يستدبر قبلة اخرى ، ولقول أحدهماعليهما‌السلام : « لا تصلّ المكتوبة في الكعبة »(5) وهذا النهي ليس للتحريم فإنه يجوز فعل الفريضة فيها ـ وبه قال الشافعي ، وأبو حنيفة(6) ـ

__________________

(1) الكافي 3 : 391 ـ 15 ، الفقيه 1 : 165 ـ 776 ، التهذيب 2 : 225 ـ 888.

(2) لم ترد في نسخة ( ش ).

(3) الكافي 3 : 388 ـ 4 ، التهذيب 2 : 221 ـ 871.

(4) الكافي 3 : 388 ـ 4 ، التهذيب 2 : 221 ـ 871.

(5) الكافي 3 : 391 ـ 18 ، التهذيب 2 : 376 ـ 1564 ، المقنعة : 70.

(6) الأم 1 : 98 ، المجموع 3 : 194 ، فتح العزيز 3 : 220 ، الوجيز 1 : 38 ، المهذب للشيرازي 1 : 74 ، اللباب 1 : 135 ، المغني 1 : 757.

٤١٢

لقوله تعالى( وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) (1) ولا يمنع تحريم الطواف تحريم الصلاة ، لأن الطواف به لا يحصل بطوافه فيه ، والصلاة لا تجب الى جميعه ، ولأن كل بقعة جاز أن يتنفل فيها جاز أن يفترض كالمسجد.

وقال مالك ، وأحمد ، وإسحاق : تجوز النافلة ، ولا تجوز الفريضة(2) ـ وبه قال الشيخ في الخلاف(3) ـ لقوله تعالى( وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (4) أي نحوه ، وإذا كان فيه لم يول وجهه نحوه ولأنه مستدبر لبعضه فأشبه [ ما ](5) إذا استدبر وهو خارجه ، وقد بيّنا أن الصلاة لا تجب الى جميعه ، بل إنّما يتوجه إلى جهة منه فيتوجه إليها وإلى ما يحاذيها دون باقي الجهات ، وإذا استدبر وهو خارج لم يستقبل شيئا منه بخلاف ما لو كان فيه.

وحكي عن ابن جرير الطبري أنه قال : لا يجوز فعل الفريضة والنافلة(6) لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دخل البيت ولم يصلّ(7) ، ولأن الطواف لا يجوز فيه فكذا الصلاة ، ونمنع عدم صلاتهعليه‌السلام فيه فإنهعليه‌السلام صلّى‌

__________________

(1) الحج : 26.

(2) المغني 1 : 757 ، 758 ، المجموع 3 : 195 ، فتح العزيز 3 : 220 ، القوانين الفقهية : 55 ، الكافي في فقه أهل المدينة : 39.

(3) الخلاف 1 : 439 مسألة 186.

(4) البقرة : 144 و 150.

(5) زيادة يقتضيها السياق.

(6) المجموع 3 : 194 ، حلية العلماء 2 : 60.

(7) صحيح مسلم 2 : 968 ـ 1331 ، سنن أبي داود 2 : 214 ـ 2027 ، سنن البيهقي 2 : 329.

٤١٣

فيه ركعتين(1) ، قال بلال : ترك [صلى‌الله‌عليه‌وآله ](2) عمودا عن يمينه ، وعمودا عن يساره ، وثلاثة أعمدة من ورائه فإن البيت إذ ذاك على ستة أعمدة(3) . والمثبت أولى من النافي.

إذا عرفت هذا فاعلم أن الشافعي قال : الصلاة إن كانت فريضة فرادى أو نافلة فهي في الكعبة أفضل ، لأنها أطهر موضع ، وإن كانت جماعة فإن أمكنت في الكعبة فهو أفضل وإلاّ فالخارج أفضل(4) . وقد بينا ضعفه.

مسألة 87 : وتكره الفريضة على ظهر الكعبة‌ إن كان بين يديه قطعة من السطح ـ وبه قال أبو حنيفة(5) ـ لأن بين يديه بعض الكعبة فصح الاستقبال إليه كما لو كان خارجا عنها.

وقال الشافعي : يجوز إن كان بين يديه سترة وإلا فلا(6) لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن الصلاة على ظهر بيت الله العتيق(7) ولا علة للنهي إلا ما ذكرناه ، ولأنه يصلّي عليها لا إليها كالراحلة يقال : صلّى عليها لا إليها ، وينتقض بما لو كان قدامه سترة ، وقال أحمد : لا تجوز الفريضة مطلقا لأنه لم يستقبلها(8) . وهو ممنوع.

__________________

(1) سنن أبي داود 2 : 214 ـ 2026 ، مسند احمد 6 : 15 ، سنن البيهقي 2 : 328 ـ 329.

(2) زيادة من المصدر.

(3) صحيح البخاري 1 : 134 ، الموطأ 1 : 398 ـ 193 ، سنن أبي داود 2 : 213 ـ 2023 ، مسند أحمد 2 : 113 و 138 ، سنن النسائي 2 : 63 ، سنن البيهقي 2 : 326 ـ 327.

(4) الام 1 : 98 ـ 99 ، المجموع 3 : 195 ـ 196.

(5) المبسوط للسرخسي 1 : 207.

(6) الام 1 : 99 ، المجموع 3 : 198 ، فتح العزيز 3 : 221 ، المبسوط للسرخسي 1 : 207.

(7) سنن الترمذي 1 : 178 ـ 346 ، سنن ابن ماجة 1 : 246 ـ 746 و 747 ، سنن البيهقي 2 : 329.

(8) المغني 1 : 757.

٤١٤

فروع :

أ ـ لا يشترط السترة على ما تقدم ، وشرط الشافعي سترة مبنية بجص وآجر ، أو بطين وآجر ، أو بخشبة مسمرة لأنها كالجزء ، ولهذا تدخل في ( المبيع )(1) ، ولو غرز عصى أو خشبة فلأصحابه قولان(2) ، وكذا لو كان بين يديه آجرا معبأ.

ب ـ روى علماؤنا أنه إذا صلّى على ظهر الكعبة الفريضة استلقى على قفاه ، وصلّى بالإيماء متوجها الى البيت المعمور(3) . والوجه : أنه يصلّي قائما كما لو صلّى أسفل.

ج ـ لو صلّى على موضع أعلى كجبل أبي قبيس صحّت صلاته إجماعا ويتوجه إلى الكعبة.

د ـ لو صلّى داخل الكعبة استقبل ايّ جدرانها شاء وإن كان الى الباب وكان مفتوحا وليس له عتبة مرتفعة ، وأوجب الشافعي صلاته إلى حائط ، أو باب مغلق ، أو عتبة مرتفعة وإن قلّت(4) وليس بمعتمد.

مسألة 88 : وفي جواز الصلاة والى جانب الرجل المصلي أو قدامه امرأة تصلي‌ لعلمائنا قولان : أحدهما : المنع ، ذهب إليه الشيخان وأبطلا صلاتهما معا(5) لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( أخروهن من حيث أخرهن الله )(6) فأمر بتأخيرهن ، فمن خالف وجب أن تبطل صلاته ، وسئل الصادق عليه‌

__________________

(1) في نسخة ( م ) : البيع.

(2) المجموع 3 : 199 ـ 200 ، فتح العزيز 3 : 221 ، المهذب للشيرازي 1 : 74.

(3) وهو قول الشيخ الطوسي في الخلاف 1 : 441 المسألة 188 وادّعى عليه إجماعا الفرقة ، ويدلّ عليه من الروايات ما في التهذيب 2 : 376 ـ 1566 ، والكافي 3 : 392 ـ 21.

(4) الام 1 : 98 ، المجموع 3 : 195 ، فتح العزيز 3 : 220 ، الوجيز 1 : 38.

(5) المقنعة : 25 ، النهاية : 100 ـ 101.

(6) التذكرة في الأحاديث المشتهرة : 62 ، كشف الخفاء 1 : 69 ـ 156 ، جامع الأصول 11 : 16 ـ 8480.

٤١٥

السلام عن الرجل والمرأة يصلّيان جميعا في بيت ، والمرأة عن يمين الرجل بحذاه قال : « لا حتى يكون بينهما شبر ، أو ذراع ، أو نحوه »(1) ولا دلالة في الخبرين لحملهما على الاستحباب عملا بالأصل ، مع منع دلالة الأول على صورة النزاع.

وقال المرتضىرحمهم‌الله بالكراهة ، ولا تبطل به صلاة أحدهما(2) ـ وبه قال الشافعي ، وأحمد(3) ـ وهو الأقوى للأصل فإن الأمر بالصلاة مطلق فلا يتقيد إلا بدليل ، ولأنّها لو وقفت في غير الصلاة ، أو نامت مستورة ، أو غير مستورة لم تبطل صلاته ، وكذا لو كانت مصلية.

وقال أبو حنيفة : إن وقفت الى جنبه ، أو أمامه ولم تكن المرأة في الصلاة ، أو كانا في الصلاة من غير اشتراك لم تبطل صلاة واحد منهما ، والشركة عنده أن ينوي الإمام إمامتها ، وإن اشتركا فإن وقفت بين رجلين بطلت صلاة من إلى جانبيها ولم تبطل صلاة من الى جانب من الى جانبيها ، لأنهما حجزا بينها وبينه ، فإن وقفت الى جانب الإمام بطلت صلاة الإمام فتبطل صلاتهما ، وصلاة كل الجماعة لبطلان صلاة الجماعة ببطلان صلاة الإمام ، وإن صلّت أمام الرجال بطلت صلاة من يحاذيها ومن وراءها ، ولم تبطل صلاة من يحاذي من يحاذيها. وتسمى هذه مسألة المحاذاة ، اللهم إلاّ أن يكون الصف الأول نساء كلّه فتبطل صلاة أهل الصف الأول ، والقياس أن لا تبطل صلاة أهل الصف الثاني ، والثالث ، لكن صلاة أهل الصفوف كلّها تبطل استحسانا(4) .

__________________

(1) التهذيب 2 : 230 ـ 908 ، الاستبصار 1 : 399 ـ 1523.

(2) نقله في المعتبر : 156 عن المصباح.

(3) المجموع 3 : 252 و 4 : 299 ، المهذب للشيرازي 1 : 107 ، المغني 2 : 37 ـ 38 ، الشرح الكبير 2 : 67.

(4) المجموع 3 : 252 ، اللباب 1 : 81.

٤١٦

وتحقيق الخلاف بين الشافعي وأبي حنيفة أن سنّة الموقف إذا خالفها لم تبطل الصلاة عند الشافعي ، وتبطل عند أبي حنيفة ، وعند الشافعي المخالفة منهما ، وعند أبي حنيفة من الرجل دونها فلهذا بطلت صلاته دونها.

فروع :

أ ـ لا فرق عند علمائنا بين أن تكون المرأة محرما ، أو زوجة ، أو أجنبية ، ولا بين أن تكون مصلّية بصلاته ، أو منفردة في التحريم والكراهة.

ب ـ قال في المبسوط : لو صلّت خلفه في صف بطلت صلاة من على يمينها ، وشمالها ، ومن يحاذيها من خلفها ، ولا تبطل صلاة غيرهم ، وإن صلّت بجنب الإمام بطلت صلاتها وصلاة الإمام ، ولا تبطل صلاة المأمومين الذين هم وراء الصف الأول(1) .

ج ـ لو كانت بين يديه أو الى أحد جانبيه قاعدة لا تصلّي ، أو من خلفه وإن كانت تصلّي لم تبطل صلاة واحد منهما.

د ـ لو اجتمعا في محمل صلّى الرجل أولا أو المرأة ، ولا يصلّيان معا دفعة واحدة.

هـ ـ لو كان بينهما ساتر ، أو بعد عشرة أذرع صحّت صلاتهما وإن كانت متقدمة ، وفي الحديث : « شبر أو ذراع »(2) .

و ـ الأقرب اشتراط صحة صلاة المرأة لولاه في بطلان الصلاتين ، فلو‌

__________________

(1) المبسوط للطوسي 1 : 86.

(2) التهذيب 2 : 230 ـ 908 ، الاستبصار 1 : 399 ـ 1523.

٤١٧

صلّت الحائض ، أو غير المتطهرة وإن كان نسيانا لم تبطل صلاته ، وفي الرجوع إليها حينئذ نظر.

ز ـ ليس المقتضي للتحريم النظر لجواز الصلاة وإن كانت قدامه عارية فيمنع الأعمى ، ومن غمض عينيه.

ح ـ لو صلّت المرأة خلف الرجل صحّت صلاتها معه ، وبه قال الشافعي ، وغيره من الفقهاء(1) ، إلاّ أبا حنيفة ، وصاحبيه(2) .

مسألة 89 : يستحب أن يصلي الى سترة‌ فإن كان في مسجد ، أو بيت صلّى إلى حائط ، أو سارية ، وإن صلّى في فضاء أو طريق صلّى إلى شي‌ء شاخص بين يديه ، أو ينصب بين يديه عصى ، أو عنزة ، أو رحلا ، أو بعيرا معقولا بلا خلاف بين العلماء في ذلك ، ولأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان تركز له الحربة فيصلّي إليها ، ويعرض البعير فيصلّي إليه ، وركزت له العنزة فتقدم ، وصلّى الظهر ركعتين يمرّ بين يديه الحمار والكلب لا يمنع(3) .

ولا يتقدر بقدر بل الأولى بلوغها ذراعا فما زاد ، وقال الثوري ، وأصحاب الرأي : قدرها ذراع(4) . وقال مالك ، والشافعي : قدر عظم الذراع(5) . وعن أحمد روايتان(6) ، ولا حدّ لها في الغلظ والدقة إجماعا ،

__________________

(1) المجموع 4 : 301 ، المهذب للشيرازي 1 : 106 ، المغني 2 : 37 ، الشرح الكبير 2 : 67 ، المبسوط للسرخسي 1 : 183.

(2) المبسوط للسرخسي 1 : 183 ، المغني 2 : 38 ، الشرح الكبير 2 : 67 ، حلية العلماء 2 : 181.

(3) صحيح البخاري 1 : 133 و 135 ، صحيح مسلم 1 : 359 ـ 501 ـ 502 و 360 ـ 503 ، مسند أحمد 4 : 308 و 309.

(4) عمدة القارئ 4 : 277 ، المغني 2 : 68 ، الشرح الكبير 1 : 659.

(5) المدونة الكبرى 1 : 113 ، المغني 2 : 68 ، الشرح الكبير 1 : 659.

(6) المغني 2 : 68 ، الشرح الكبير 1 : 659.

٤١٨

فإنه يجوز الاستتار بالسهم ، والخشبة ، والحائط ، نعم ما كان أعرض فهو أولى.

فروع :

أ ـ يستحب أن يدنو من سترته ، لقولهعليه‌السلام : ( إذا صلّى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته )(1) ولأنه أصون لصلاته وأبعد من حيلولة المار به ، وقدّره الشافعي بثلاثة أذرع(2) .

ب ـ يجوز أن يستتر بالبعير والحيوان ـ وبه قال أحمد(3) ـ لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعرض راحلته ويصلّي إليها(4) ، ومنع الشافعي من الاستتار بالدابة(5) .

ج ـ لو لم يجد سترة خط خطا وصلّى إليه ـ وبه قال سعيد بن جبير ، والأوزاعي ، وأحمد(6) ـ لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( فإن لم تكن معه عصى فليخط خطا ثم لا يضره من مرّ أمامه )(7) ، وأنكر مالك ، والليث بن سعد ، وأبو حنيفة الخط(8) وقال الشافعي بالخط بالعراق ، وقال بمصر : لا يخط المصلّي خطا‌

__________________

(1) سنن أبي داود 1 : 185 ـ 695 ، سنن النسائي 2 : 62 ، مسند احمد 4 : 2.

(2) المجموع 3 : 247 ، المهذب للشيرازي 1 : 76 ، مغني المحتاج 1 : 200 ، المغني 2 : 70 ، الشرح الكبير 1 : 660.

(3) المغني 2 : 70 ، الشرح الكبير 1 : 660.

(4) صحيح البخاري 1 : 135 ، صحيح مسلم 1 : 359 ـ 502.

(5) المجموع 3 : 248 ، المغني 2 : 70 ، الشرح الكبير 1 : 660.

(6) المغني 2 : 71 ، الشرح الكبير 1 : 661 ، مسائل أحمد : 44.

(7) سنن أبي داود 1 : 183 ـ 689 ، سنن ابن ماجة 1 : 303 ـ 943.

(8) المبسوط للسرخسي 1 : 192 ، المغني 2 : 71 ، الشرح الكبير 1 : 661.

٤١٩

إلاّ أن تكون فيه سنة تتبع(1) ، والظاهر أنه بالعرض ، وهو رواية عن أحمد ، وعنه أنه كالهلال ، وعنه أنّه بالطول ، وعنه أنه بالتدوير(2) .

د ـ لو كان معه عصى لا يمكنه نصبها ألقاها بين يديه عرضا ـ وبه قال الأوزاعي ، وسعيد بن جبير ، وأحمد(3) ـ لأنه يقوم مقام الخط ، بل هو أولى لارتفاع حجمه ، وكرهه النخعي(4) .

هـ ـ قال أحمد : يستحب إذا صلّى الى عمود ، أو عود أن ينحرف عنه ويجعله على حاجبه الأيمن ، أو الأيسر ولا يجعله وسطا(5) . وهو ممنوع.

و ـ يكره أن يصلّي الى من يتحدث قدّامه لئلاّ يشتغل بحديثهم ، وكره ابن مسعود ، وسعيد بن جبير الصلاة الى النائم في الفريضة والنافلة(6) ، وكره أحمد [ في ](7) الفريضة خاصة(8) .

ز ـ ولا بأس بأن يصلّي في مكة الى غير سترة ، لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى هناك وليس بينه وبين الطّواف سترة(9) ، ولأن الناس يكثرون هناك لأجل قضاء نسكهم ، وسميت بكة لأن الناس يتباكون فيها أي يزدحمون ويدفع بعضهم بعضا ، فلو منع المصلّي من يجتاز بين يديه ضاق على الناس ، وحكم الحرم كلّه كذلك لأن ابن عباس قال : أقبلت راكبا على حمار‌

__________________

(1) المغني 2 : 71 ، الشرح الكبير 1 : 661.

(2) المغني 2 : 71 ، الشرح الكبير 1 : 662 ، مسائل أحمد : 44.

(3) المغني 2 : 72 ، الشرح الكبير 1 : 662.

(4) المغني 2 : 72 ، الشرح الكبير 1 : 662.

(5) المغني 2 : 72 ، الشرح الكبير 1 : 662.

(6) المغني 2 : 72 ، الشرح الكبير 1 : 663.

(7) الزيادة يقتضيها السياق.

(8) المغني 2 : 72 ، الشرح الكبير 1 : 663.

(9) سنن أبي داود 2 : 211 ـ 2016 ، مسند أحمد 6 : 399.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496