الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 576

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 264397 / تحميل: 11789
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

للذين يئنّون من مرض حبّ الدنيا والارتباط بالمادة والشهوة. والقرآن وصفة شفاء لهذه الدنيا التي تشتعل فيها النيران في كل زاوية ، وتئن من وطأة السباق في تطوير الأسحلة المدمرة وخزنها ، حيث وضعت رأس مالها الاقتصادي والإنساني في خدمة الحرب وتجارة السلاح.

وأخيرا فإنّ كتاب الله وصفة شفاء لإزالة حجب الشهوات المظلمة التي تمنع من التقرب نحو الخالقعزوجل .

نقرأ في الآية (٥٧) من سوره يونس قوله تعالى :( قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ ) .

وفي الآية (٤٤) من سورة فصّلت نقرأ قوله تعالى :( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ ) .

ولإمام المتقين علي بن أبي طالبعليه‌السلام قول جامع في هذا المجال ، حيث يقولعليه‌السلام في نهج البلاغة : «فاستشفوه من أدوائكم واستعينوا به على لأوائكم ، فإنّ فيه شفاء من أكبر الداء ، وهو الكفر والنفاق والغي والضلال»(١) .

وفي مكان آخر نقرأ لإمام المتقين عليعليه‌السلام قوله واصفا كتاب الله : «ألا إنّ فيه علم ما يأتي والحديث عن الماضي ودواء دائكم ونظم ما بينكم».(٢)

وفي مقطع آخر يضمّه نهج عليعليه‌السلام ، نقرأ وصفا لكتاب الله يقول فيهعليه‌السلام :«وعليكم بكتاب الله فإنّه الحبل المتين ، والنور المبين ، والشفاء النافع ، والري الناقع ، والعصمة للمتمسك ، والنجاة للمتعلق ، لا يعوج فيقام ، ولا يزيغ فيستعتب ، ولا تخلقه كثرة الرد وولوج السمع ، من قال به صدق ، ومن عمل به سبق»(٣) .

هذه التعابير العظيمة والبليغة ، والتي نجد لها أشباها كثيرة في أقوال النّبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي كلمات الإمام عليعليه‌السلام الأخرى والأئمّة الصادقينعليهم‌السلام ، هي دليل يثبت بدقة ووضوح أنّ القرآن وصفة لمعالجة كل المشاكل والصعوبات

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ١٧٦.

(٢) نهج البلاغة ، الخطبة رقم ١٥٨.

(٣) نهج البلاغة ، الخطبة رقم ١٥٨.

١٠١

والأمراض ، ولشفاء الفرد والمجتمع من أشكال الأمراض الأخلاقية والاجتماعية.

إنّ أفضل دليل لإثبات هذه الحقيقة هي مقايسة وضع العرب في الجاهلية مع وضع الذين تربوا في مدرسة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مطلع الإسلام. إنّ المقايسة بين الوضعين ترينا كيف أنّ أولئك القوم المتعطشون للدماء ، والمصابون بأنواع الأمراض الاجتماعية والأخلاقية ، قد تمّ شفاؤهم ممّا هم فيه بالهداية القرآنية ، وأصبحوا برحمة كتاب الله من القوّة والعظمة بحيث أنّ القوى السياسية المستكبرة آنذاك خضعت لهم أعنّتها ، وذلت لهم رقابها.

وهذه هي نفس الحقيقة التي تناساها مسلمو اليوم ، وأصبحوا على ما هم عليه من واقع بائس مرير غارق بالأمراض والمشاكل إنّ الفرقة قد اشتدت بينهم ، والناهبين سيطروا على مقدراتهم وثرواتهم ، مستقبلهم أصبح رهينة بيد الآخرين بعد أن أصيبوا بالضعف والهوان بسبب الارتباط بالقوى الدولية والتبعية الذليلة لها.

وهذه هي عاقبة من يستجدي دواء علّته من الآخرين الذين هم اسوأ حالا منه ، في حين أن الآخرين ، ليأخذ منهم علاج الدواء حاضر بين يديه وموجود في منزله!

القرآن لا يشفي من الأمراض وحسب ، بل إنّه يساعد المرضى على تجاوز دور النقاهة إلى مرحلة القوّة والنشاط والانطلاق ، حيث تكون (الرحمة) مرحلة لا حقة لمرحلة (الشفاء).

الظريف في الأمر أنّ الأدوية التي تستخدم لشفاء الإنسان لها نتائج وتأثيرات عرضية حتمية لا يمكن توقيها أو الفرار منها ، حتى أنّ الحديث المأثور يقول : «ما من دواء إلّا ويهيج داء»(١) .

__________________

(١) سفينة البحار.

١٠٢

أمّا هذا الدواء الشافي ، كتاب الله الأعظم ، فليست له أي آثار عرضية على الروح والأفكار الإنسانية ، بل على عكس ذلك كله خير وبركة ورحمة.

وفي واحدة من عبارات نهج البلاغة نقرأ في وصف هذا المعنى قول عليعليه‌السلام :«شفاء لا تخشى أسقامه» واصفا بذلك القرآن الكريم(١) .

يكفي أن نتعهد باتباع هذه الوصفة لمدّة شهر ، نطيع الأوامر في مجالات العلم والوعي والعدل والتقوى والصدق وبذل النفس والجهاد عندها سنرى كيف ستحل مشاكلنا بسرعة.

وأخيرا ينبغي القول : إنّ الوصفة القرآنية حالها حال الوصفات الأخرى ، لا يمكن أن تعطي ثمارها وأكلها من دون أن نعمل بها ونلتزمها بدقة ، وإلّا فإنّ قراءة وصفة الدواء مائة مرّة لا تغني عن العمل بها شيئا!!

* * *

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة رقم ١٩٨.

١٠٣

الآيتان

( وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (٨٣) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤) )

التّفسير

كل يتصرف وفق فطرته :

بعد أن تحدّثت الآية السابقة عن شفاء القرآن ، تشير الآية التي بين أيدينا إلى أحد أكثر الأمراض تجذرا فتقول :( وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ ) . ولكن عند ما نسلب منه النعمة ويتضرر من ذلك ولو قليلا :( وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً ) .

(أعرض) مشتقة من (إعراض) وهي تعني عدم الالتفات ، والمقصود منها هنا هو عدم الالتفات للخالقعزوجل ، وإعراض الوجه عنه وعن الحق.

(نأى) مشتقّة من (نأي) وهي على وزن (رأي) وهي بمعنى الابتعاد ، وعند إضافة كلمة (بجانبه) إليها يكون المعنى التكبر والغرور والتزام المواقف المعادية.

ويمكن الاستفادة من مجموع هذه الجملة الأشخاص الدنيويين يصابون بالغرور

١٠٤

عند مجيء النعم ، بحيث أنّهم ينسون واهب ومعطي هذه النعم ، ولا يقتصر الأمر على النسيان وحسب ، بل ينتقل إلى الاعتراض التكبر وعدم الالتفات للخالق.

جملة( مَسَّهُ الشَّرُّ ) تشير إلى أدنى سوء يصيب الإنسان. والمعنى أنّ هؤلاء من الضعف وعدم التحمّل بحيث أنّهم ينسون أنفسهم ويغرقون في دوّامة اليأس بمجرّد أن تصيبهم أبسط مشكلة.

الآية الثّانية تخاطب الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتقول :( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ ) . فالمؤمنون يطلبون الرحمة والشفاء من آيات القرآن الكريم ، والظالمون لا يستفيدون من القرآن سوى مزيد من الخسران ، أمّا الأفراد الضعفاء فيصابون بالغرور في حال النعمة. ويصابون باليأس في حال ظهور المشاكل هؤلاء جميعا يتصرفون وفق أمزجتهم ، هذه الأمزجة التي تتغيّر وفق التربية والتعليم والأعمال المتكررة للإنسان نفسه.

وفي هذه الأحوال جميعا فإنّ هناك علم الله الشاهد والمحيط بالجميع وخاصّة بالأشخاص المهتدين :( فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً ) .

* * *

بحوث

١ ـ الغرور واليأس

يتداول على ألسنتنا أنّ فلانا أصبح بعيدا عن الله ، أو أنّه نسي الله بعد أن تحسنت أموره. ورأينا أنّ أمثال هؤلاء الأشخاص الذين نسوا الله كيف يصابون باليأس الذلة والهلع عند ما تنزل بهم أبسط الشدائد ، بحيث لا نكاد نصدّق بأنّهم سبق وأن كانوا على غير هذه الحال!

أجل ، هكذا حال هؤلاء الجماعة من ضيقي التفكير وضعيفي الإيمان ، وعلى العكس من ذلك حال أولياء الله ، حيث تكون نفوسهم واسعة وأرواحهم وضاءة

١٠٥

نيّرة إزاء المؤثرات التي تحيط بهم ولو بلغت في عتوها وضغطها مبلغا شديدا ، إنّهم كالجبال في مقابل الصعوبات والشدائد ، إذا وهبتهم الدنيا فلا يؤثر ذلك فيهم ، وإذا أخذت منهم العالم أجمع لا يتأثرون.

والعجيب في الأمر أنّ هؤلاء القوم الذي يخسرون أنفسهم والذين تذكرهم السور القرآنية في آيات متعدّدة (مثل يونس ـ آية ١٢ ، لقمان ـ آية ٣٢ ، الفجر ـ آية ١٤ ، ١٥ ، فصلت ـ الآية ٤٨ ، ٤٩) هم أنفسهم يعودون إلى الله ، ويستجيبون لنداء الفطرة عند ما تنزل بهم النوازل وتقع بساحتهم الشدائد ، ولكنّهم عند ما تهدأ أمواج الحوادث والضواغط يتغيرون ، أو في الواقع يعودون إلى ما كانوا عليه سابقا ويكون مثلهم كمن لم يسمع بالله الذي خلقه وأنقذه!

إنّ العلاج الوحيد لهذا المرض هو رفع مستوى الفكر في ظل العلم والإيمان ، وترك العبودية لما هو دون الله وسواه ، وفك الارتباط مع الشهوة والمادة ، والعيش في إطار من القناعة والزهد البنّاء.

وممّا ذكرنا تظهر الإجابة على سؤال ، وهو : إنّ الآيات التي نبحثها تصف حال مثل هؤلاء الأشخاص عند الصعوبات والشدائد بـ «يؤوس» في حين أنّ آيات أخرى مثل الآية (٦٥) من سورة العنكبوت تصفهم بأنّهم( مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) وهي دلالة على غاية التوّجه نحو الخالقعزوجل ؟

في الواقع ليس ثمّة من تضاد بين هاتين الحالتين ، بل إنّ إحداهما هي بمثابة مقدمة للأخرى ، فهؤلاء الأشخاص عند ما تصادفهم المشكلات ييأسون من الحياة ، وهذا اليأس يكون سببا لأنّ تزول الحجب عن فطرتهم ويلتفتون لخالقهم العظيم.

إنّ هذا التوّجه الاضطراري إلى الخالقعزوجل ـ طبعا ـ ليس فخرا لأمثال هؤلاء وليس دليلا على يقظتهم ، لأنّهم بمجرّد انصراف المشاكل عنهم يعودون إلى حالتهم السابقة.

١٠٦

أمّا أولياء الحق وعباد الله المخلصون الحقيقيون فلا ييأسون عند ما يقعون في المشاكل والمحن ، بل تزيدهم الصعوبات استقامة وصلابة على طريق الهدى ، وبسبب اعتمادهم على الله وعلى أنفسهم فإنّهم يتمتعون بقوّة لمواجهة المشاكل ولا معنى لليأس في وجودهم.

إنّ هؤلاء ليسوا على صلة بالخالق في أوقات المشكلات وحسب ، وإنّما في اتصال دائم معه في كل الحالات إذ يستمدون العون منه تعالى ، وتكون قلوبهم منيرة برحمته وهدايته.

٢ ـ ما معني (شاكلة)؟

«شاكلة» في الأصل مشتقة من (شكل) وهي تعني وضع الزمام والرباط للحيوان. و (شكال) تقال لنفس الزمام ؛ وبما أنّ طبائع وعادات كل إنسان تقيّده بصفات معينة لذا يقال لذلك «شاكلة». أمّا كلمة «إشكال» فتقال للاستفسار والسؤال وسائر الأمور التي تحدّد الإنسان نوعا ما(١) .

لهذا فإنّ مفهوم الشاكلة لا يختص بالطبيعة الإنسانية ، لذلك ذكر العلّامة الطبرسي في مجمع البيان لهذه الكلمة معنيين ، هما : الطبيعة والخلقة ، ثمّ الطريقة والمذهب والسنّة ، على اعتبار أنّ كل واحدة من هذه الأمور تحدّد الإنسان من حيث العمل.

ومن هنا يتّضح خطأ أولئك الذين اعتبروا الآية أعلاه دليلا على إلزامية الصفات الذاتية للإنسان بشكل يخرج عن إرادته ، وهو دليلهم على عقيدة الجبر ، وإذ أنكروا قيمة التربية والتزكية.

هذا النوع من التفكير الذي يخضع في أسبابه إلى عوامل سياسية واجتماعية ونفسية ـ والتي ذكرناها في بحوثنا عن الجبر والإختيار ـ له هيمنة على ثقافة

__________________

(١) مفردات الراغب مادة «شكل».

١٠٧

وأدب الكثير من المجتمعات والنظم ، حيث تستخدم هذه الثقافة لتبرير النواقص.

إنّ هذه الثقافة تعتبر من أخطر الإعتقادات التي يمكن أن تجر المجتمع سنين بل قرون إلى الذلة والتأخّر.

بناء على ما ذكرنا نعتقد أن عقيدة الجبر هي دوما ذريعة للتسلط الاستعماري ، لكي تبقى القوّة المسيطرة في ظل ثقافة الجبر بمنأى عن ردود الفعل المقاومة للسيطرة والتي يمكن أن تنطلق من صفوف المسحوقين المستضعفين.

والتعبير المشهور هنا ، يوضح هذه الحقيقة بشكل دقيق ، إذ يقول : «الجبر والتشبيه أمويان والعدل والتوحيد علويان».

وخلاصة القول هنا : إنّ الشاكلة لا تعني أبدا الطبيعة الذاتية ، بل هي تطلق على كلّ عادة وطريقة ومذهب وأسلوب يعطي للإنسان اتجاها معينا.

لذا فإنّ العادات والصفات التي يكتسبها الإنسان بتكرار الأعمال اختياريا وإراديا ، وكذلك الإعتقادات التي يقتنع بها ويعتمدها بسبب الاستدلال أو التعصب لرأي معين يطلق عليها كلّها كلمة «شاكلة».

وعادة ما تكون الملكات الإنسانية لها صفة اختيارية ، لأنّ الإنسان عند ما يكرّر عملا ما ففي البداية يقال له (حالة) ثمّ تتحوّل الحالة إلى (عادة) والعادة إلى (ملكة) وهذه الملكات نفسها تعطي شكلا معينا لأعمال الإنسان وتحدّد خطّه في الحياة ، وهي عادة ما تظهر بفعل العوامل الاختيارية والإرادية.

وفي بعض الرّوايات تمّ تفسير «الشاكلة» بأنّها النيّة ، فقد ورد في أصول الكافي عن الإمام الصّادقعليه‌السلام ، قوله : «النّية أفضل من العمل ، ألا وإنّ النّية هي العمل ، ثمّ تلا قولهعزوجل :( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ ) ، يعني على نيّته»(١) .

هذا التّفسير ينطوي على ملاحظة لطيفة ، وهي أنّ الإنسان والتي تنبع من

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٢١٤.

١٠٨

اعتقاداته تغطي شكلا لعمله ، وعادة فإنّ النيّة هي نوع من الشاكلة ، بمعنى الأمر المقيّد. لذا تفسّر النيّة أحيانا بأنّها نفس العمل. وفي أحيان أخرى بأنّها أفضل من العمل ، لأنّه ـ في كل الأحوال ـ يكون خط العمل واتجاهه ناتجا عن خط النيّة واتجاهها.

وفي رواية «من لا يحضره الفقيه» عن صالح بن الحكم ، قال : سئل الصّادقعليه‌السلام عن الصلاة في البيع والكنائس ، فقالعليه‌السلام : «صلّ فيها» قلت : أصلي فيها وإن كانوا يصلون فيها؟ قال : «نعم. أمّا تقرأ القرآن» :( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً ) صلّ على القبلة ودعهم»(١) .

* * *

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٢١٤.

١٠٩

الآية

( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٥) )

التّفسير

ما هي الرّوح؟

تبدأ هذه الآية في الإجابة على بعض الأسئلة المهمّة للمشركين ولأهل الكتاب ، إذ تقول :( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) .

مفسّر والإسلام الكبار ـ السابقون منهم واللاحقون ـ لهم كلام كثير عن الروح ومعناها ، ونحن في البداية سنشير إلى معنى كلمة (روح) في اللغة ، ثمّ موارد استعمالها في القرآن ، وأخيرا تفسير الآية والرّوايات الواردة في هذا المجال.

وفي هذا الصدد يمكن ملاحظة النقاط الآتية :

١ ـ (الرّوح) في الأصل اللغوي تعني (النفس) والبعض يرى بأنّ (الروح) و (الرّيح) مشتقّتان من معنى واحد ، وإذ تمّ تسمية روح الإنسان ـ التي هي جوهرة مستقلة ـ بهذا الاسم فذلك لأنّها تشبه النفس والريح من حيث الحركة والحياة ،

١١٠

وكونها غير مرئية مثل النفس والريح.

٢ ـ استخدمت كلمة (الرّوح) في القرآن الكريم في موارد ومعاني متعدّدة ، فهي في بعض الأحيان تعني الروح المقدّسة التي تساعد الأنبياء على أداء رسالتهم كما في الآية (٢٥٣) من سورة البقرة والتي تقول :( وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) .

وفي بعض الأحيان تطلق على القوّة الإلهية المعنوية التي تقوي المؤمنين وتدفعهم ، كما في قوله تعالى في الآية (٢٢) من سورة المجادلة :( أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) .

وفي موارد أخرى تأتي للدلالة على (الملك الخاص بالوحي) ويوصف ب (الأمين)، كما في الآية (١٩٣) من سورة الشعراء :( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ) .

وفي مكان آخر وردت بمعنى (الملك الكبير) من ملائكة الله الخاصين ، أو مخلوق أفضل من الملائكة كما في الآية (٤) من سورة القدر :( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) . وفي الآية (٣٨) من سورة النباء :( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا ) .

ووردت ـ أيضا ـ بمعنى القرآن أو الوحي السماوي ، كما في الآية (٥٢) من سورة الشورى في قوله تعالى :( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ) .

وأخيرا وردت الروح في القرآن الكريم بمعنى الروح الإنسانية ، كما في آيات خلق آدم:( ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ) (١) . وكذلك قوله تعالى في الآية (٢٩) من سورة الحجر :( فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ ) (٢) .

__________________

(١) السجدة ، ٩.

(٢) قلنا سابقا : إنّ إضافة (روح) إلى الله هي إضافة تشريفية ، والهدف هو الروح الكبيرة التي وهبها الله تبارك وتعالى

١١١

٣ ـ والآن لنر من خلال هذه النقطة ما هو المقصود بالروح في الآية التي نبحثها؟

ما هي الرّوح التي سأل عنها جماعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأجابهم بقوله تعالى:( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) ؟

يمكن أن نستفيد من مجموع القرائن الموجودة في الآية أنّ المستفسرين سألوا عن حقيقة الروح الإنسانية ، هذه الروح العظيمة التي تميّز الإنسان عن الحيوان ، وقد شرفتنا بأفضل الشرف ، حيث تنبع كل نشاطاتنا وفعالياتنا منها ، وبمساعدتها نجول في الأرض ونتأمّل السماء ، نكتشف أسرار العلوم ، ونتوغل في أعماق الموجودات إنّهم أرادوا معرفة حقيقة أعجوبة عالم الخلق!!

ولأنّ الروح لها بناء يختلف عن بناء المادة ، ولها أصول تحكمها تختلف عن الأصول التي تحكم المادة في خواصها الفيزيائية والكيميائية ، لذا فقد صدر الأمر إلى الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول لهؤلاء في جملة قصيرة قاطعة :( قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) . ولكي لا يتعجب هؤلاء أو يندهشوا من هذا الجواب فقد أضافت الآية :( وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) حيث لا مجال للعجب بسبب عدم معرفتكم بأسرار الروح بالرغم من أنّها أقرب شيء إليكم.

وفي تفسير العياشي نقل الإمام الباقر والصّادقعليهما‌السلام أنّهما قالا في تفسير آية( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ) ما نصّه : «إنّما الروح خلق من خلقه ، له بصر وقوّة وتأييد ، يجعله في قلوب الرسل والمؤمنين»(١) .

وفي حديث آخر عن الإمامين الباقر والصادق أنّهماعليهما‌السلام قالا : «هي من الملكوت ، من القدرة»(٢) .

__________________

للآدميين.

(١) نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٢١٦.

(٢) المصدر السّابق.

١١٢

وفي الرّوايات المتعدّدة التي بين أيدينا من طرق الشيعة وأهل السنّة نقرأ أنّ هذا السؤال عن الروح أخذه المشركون من علماء أهل الكتاب الذين يعيشون مع قريش ، كي يختبروا به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ قالوا لهم : إذا أعطاكم الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معلومات كثيرة عن الروح فهذا دليل على عدم صدقه ، لذلك نراهم قد تعجبوا من إجابة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المليئة بالمعاني رغم قصرها وقلّة كلماتها.

ولكن نقرأ في بعض الرّوايات الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام ، في تفسير هذه الآية ، أنّ الروح مخلوق أفضل من جبرائيل وميكائيل ، وكان هذا المخلوق برفقة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبرفقة الأئمّة الصادقينعليهم‌السلام من أهل بيته من بعده ، حيث كان يعصمهم من أي انحراف أو زلل خلال مسيرتهم(١) .

إنّ هذه الرّوايات لا تعارض التّفسير الذي قلناه ، بل هي متناسقة معه وداعمة له ، لأنّ الروح الإنسانية لها مراتب ودرجات ، فتلك المرتبة من الروح الموجودة عند الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام ، هي في مرتبة ودرجة عالية جدّا ، ومن آثارها العصمة من الخطأ والذنب وكذلك يترتب عليها العلم الخارق. وبالطبع فإنّ روحا مثل هذه هي أفضل من الملائكة بما في ذلك جبرئيل وميكائيل. (فتدبّر)

أصالة واستقلال الرّوح :

يظهر تأريخ العلم والمعرفة الإنسانية أنّ قضية الروح وأسرارها الخاصّة كانت محط توجّه العلماء ، حيث حاول كل عالم الوصول إلى محيط الروح السري. ولهذا السبب ذكر العلماء آراء مختلفة وكثيرة حول الروح.

ومن الممكن أن تكون علومنا ومعارفنا اليوم ـ وكذلك في المستقبل ـ قاصرة عن التعرف على جميع أسرار الروح والإحاطة بتفصيلاتها ، بالرغم من أنّ روحنا هي أقرب شيء لدينا من جميع ما حولنا. وبسبب الفوارق التي تفصل بين

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٢١٥.

١١٣

جوهرة الروح وبين ما نأنس به من عوالم المادة ، فإنّنا لن نحيط بأسرار وكنه الروح ، أعجوبة الخلق ، والمخلوق الذي يتسامى على المادة.

ولكن كل هذا لا يمنعنا من رؤية أبعاد الروح بعين العقل ، وأن نتعرف على النظم والأصول العامّة الحاكمة عليها.

إنّ أهم أصل يجب أن نعرفه هو قضية أصالة واستقلال الروح ، في مقابل آراء المذاهب الوضعية التي تذهب إلى مادية الروح ، وأنّها من افرازات الذهن والخلايا العصبية ولا شيء غير ذلك!

وسنبحث هذا الموضوع هنا ونتوسع فيه ، لأنّ مسألة (بقاء الروح) وقضية (التجرد المطلق أو عالم البرزخ) يعتمدان على هذا الأمر.

ولكن قبل الورود في البحث لا بدّ من ذكر ملاحظة هامّة ، وهي أن تعلق الروح بجسم الإنسان ليست ـ وكما يظن البعض ـ من نوع الحلول ، وإنّما هي نوع من الارتباط والعلاقة القائمة على أساس حاكمية الروح على الجسم وتصرفها وتحكمها به ، حيث يشبهها البعض بعلاقة تعلق المعنى وارتباطه باللفظ.

هذه المسألة ـ طبعا ـ ستتوضح أكثر ضمن حديثنا عن استقلال الروح.

والآن لنرجع إلى أصل الموضوع.

لا يشك أحد في أنّ الإنسان يختلف عن الحجارة والخشب ، لأنّنا نشعر ـ بشكل جيّد ـ بأنّنا نختلف عن الجمادات ، بل وحتى عن النباتات ، فنحن نفهم ونتصوّر ونصمّم ، ونريد ، ونحب ، ونكره ، و... الخ.

إلّا أنّ الجمادات والنباتات ليس لها أيّ من هذه الإحساسات ، لذلك فثمّة فرق أساسي بيننا وبينها ويتمثل في امتلاكنا للروح الإنسانية.

ثمّ إنّه لا الماديون ولا أي مجموعة فكرية مذهبية أخرى تنكر أصل وجود الروح ، ولذلك يعتبرون علوما مثل علم النفس (سيكولوجيا) ، وعلم العلاج النفسي (بسيكاناليزم) من العلوم المفيدة والواقعية ، وهذين العلمين بالرغم من

١١٤

أنّهما يعيشان مراحل طفولتهما بلحاظ بعض العوامل والقضايا ، ولكنّهما مع ذلك يدخلان اليوم ضمن المناهج الدراسية في الجامعات ، حيث يقوم أساتذة كبار بالبحث والتحقيق فيهما ، وكما سنلاحظ ، فإنّ النفس والروح ليستا حقيقتين منفصلتين ، بل هما مراحل مختلفة لحقيقة واحدة.

وإنّنا هنا سنطلق كلمة (النفس) عند ما يتعلق الحديث بالارتباط بين الروح والجسم والتأثير المتبادل لكل منهما على الآخر. أمّا عند ما يكون الحديث عن الظواهر الروحية مع غض النظر عن البدن فإنّنا سنطلق عليها كلمة (الروح).

وخلاصة القول : أنّه أحد يستطيع أن ينكر حقيقة وجود الروح والنفس عندنا.

والآن ينبغي أن نتفحّص مجالات السجال والحرب بين المذاهب المادية من جهة ، وبين مجموع هذه المذاهب وتيارات ومذاهب الفلاسفة الروحيين والميتافيزيقيين من جهة أخرى.

إنّ العلماء الإلهيين والفلاسفة الروحيين يعتقدون بأنّ الإنسان وبالإضافة إلى المواد التي تدخل في تشكيل جسمه ، ينطوي وجوده على حقيقة جوهرية أخرى لا تتجلى فيها صفات المادة ، وإن جسم الإنسان يخضع لتأثيرها بشكل مباشر وفاعل.

وبعبارة أخرى ، فإنّ الروح هي حقيقة من حقائق ما وراء الطبيعة (أي ميتافيزيقية) حيث أنّ تركيبها وفعاليتها تختلف عن تركيب وفاعلية عالم المادة ؛ صحيح أنّها مرتبطة مع عالم المادة ، إلّا أنّها ليست مادة ولا تملك خواص المادة.

في المقابل هناك الفلاسفة الماديون الذين يقولون : إنّنا لا نعرف موجودا مستقلا عن المادة يسمى بالروح ، أو أي اسم آخر ، وإنّ كل ما موجود هو هذه المادة الجسمية وآثارها الفيزيائية أو الكيميائية.

إنّنا نملك جهازا يسمّى (الذهن والأعصاب) وهو يقوم بقسم مهم من أعمالنا

١١٥

الحياتية ، وهو مثل باقي الأجهزة المادية حيث يخضع في نشاطه لقوانين المادة.

إنّنا نملك غددا تحت اللسان تسمّى الغدد اللعابية والتي تقوم بفاعلية فيزيائية وكيميائية ، فعند ما يدخل الطعام إلى الفم تقوم هذه الغدد بالعمل بشكل أوتوماتيكي حيث تقوم بإفراز السائل بالمقدار الذي يحتاجه الطعام حتى يلين ويمضغ بشكل جيّد ، فهناك ـ أطعمة تحتوي على سوائل وهناك أطعمة قليلة السوائل أو جافّة ، وكل نوع من هذه الأطعمة يحتاج إلى مقدار معين من هذه السوائل (اللعاب).

المواد الحامضية تزيد من عمل هذه الغدد ، خاصّة عند ما تكون كثافة الطعام كبيرة ، حتى يحصل الطعام على كميّة أكبر من السوائل ليلين ، ومن ثمّ لا تصاب جدران المعدة بضرر.

عند ما نبلع الطعام ينتهي عمل هذه الغدد والقنوات. وخلاصة القول : إنّ هناك نظاما عجيبا يتحكم بهذه الغدد والقنوات بحيث أنّها إذا فقدت تعادلها لمدّة ساعة ، فإمّا أن يسيل اللعاب بشكل دائم عبر الشفتين ، أو أن يكون الفم جافا بحيث لا يمكن ابتلاع الطعام. هذا هو العمل الفيزيائي للعاب ، إلّا أنّنا نعلم أنّ العمل الأهم للعاب هو عمله الكيمياوي ، فهناك مواد متنوعة متداخلة معه حيث تتفاعل مع الطعام وتقلل من تعب المعدة.

الماديون يقولون : إن عقلنا وأعصابنا يشبهان عمل الغدد اللعابية وما شابهها من أجهزة الجسم من حيث العمل الفيزيائي والكيميائي (حيث يسمّى المجموع فيزيوكيميائي) وهذا العمل الفيزيوكيميائي نحن نسمّيه بـ «الظواهر الرّوحية أو «الرّوح».

الماديون يقولون : عند ما نفكّر تصدر سلسلة من الأمواج الكهربائية من عقلنا ، هذه الأمواج يمكن التقاطها اليوم بواسطة أجهزة خاصّة وتدوينها على الأوراق ودراستها ، خاصّة في مستشفيات الأعصاب ، حيث يتمّ تشخيص

١١٦

الأمراض العصبية ومعالجتها ، وهذه هي الفعالية الفيزيائية لعقلنا.

إضافة إلى هذا ، فإنّ خلايا العقل عند التفكير ، وكذلك عند النشاطات العصبية المختلفة ، تقوم بمجموعة من الأفعال والانفعالات الكيمياوية.

لذلك فإنّ الروح والصفات الروحية ليست سوى الخواص الفيزيائية والأفعال الكيميائية للخلايا العقلية والعصبية.

إنّ الماديين يستفيدون من كل هذا العرض لبلورة النتائج التالية :

١ ـ بما أنّ نشاط الغدد اللعابية وآثارها المختلفة لم تكن موجودة قبل وجود جسم الإنسان ، بل إنّها وجدت بعد وجوده ، لذا فإنّ النشاطات الروحية تظهر بعد ظهور الدماغ والجهاز العصبي ، وتموت هذه الفعاليات بموت الإنسان.

٢ ـ الروح من خواص الجسم ، إذن فهي مادية وليس لها أي صفات ميتافيزيقية.

٣ ـ الروح خاضعة لجميع القوانين التي تحكم جسم الإنسان.

٤ ـ ليس هناك وجود مستقل للروح بدون جسم ، ولا يمكن أن يكون ذلك.

دلائل الماديين على عدم استقلال الروح

لقد أورد الماديون شواهد لإثبات دعواهم بأنّ الروح والفكر وسائر الظواهر الروحية هي قضايا مادية ، أي تكون انعكاسا للخواص الفيزيائية والكيميائية للخلايا العصبية والدماغية ، ونستطيع أن نشير هنا إلى هذه الشواهد من خلال هذه النقاط :

١ ـ «يمكن الإشارة وبسهولة إلى تعطّل قسم من الأغراض الروحية عند عطل أو إصابة قسم من المراكز العصبية أو سلسلة من الأعصاب»(١) .

فمثلا تمّ اختبار حالة رفع فيها قسم من دماغ الطير ، ولم يؤد ذلك إلى موته ،

__________________

(١) پيسيكولوجي دكتور آراني ، ص ٢٣.

١١٧

بل إنّه فقد قسما كبيرا من معلوماته ، مثلا يفقد شهيته للطعام فإذا أعطيناه طعاما فإنّه يأكله ويهضمه ، ولكنّا إذا لم نعطه ووضعنا الحب أمامه فإنّه لا يأكل وسيموت من الجوع.

كما شوهد أنّ إصابة دماغ الإنسان نتيجة للحوادث أو الأمراض ببعض الضربات أو الصدمات ، يؤدي إلى فقدان الدماغ لجزء كبير من نشاطه ، حيث ينسى الإنسان جانبا من معلوماته.

وقد قرأنا قبل فترة في الصحف أنّ شابا مثقفا من مدينة (الأهواز) الايرانية تعرض لضربة على دماغه في حادثة ، فنسي جميع أحداث حياته الماضية حتى أنّه نسي أمّه وأخته ونسي نفسه وعند ما جاؤوا به إلى بيته والمكان الذي ولد وترعرع فيه ، فإنّه لم يعرف هذا المكان وبدا فيه غريبا.

إنّ هذه الأمور وما شابهها تثبت وجود علاقة قريبة بين نشاطات الخلايا الدماغية والظواهر الروحية.

٢ ـ «عند ما نفكر تكثر التغييرات المادية على سطح الدماغ الدماغ يحتاج إلى طعام أكثر ، ويطرح مواد فسفورية أكثر. ولكن عند النوم فإنّ الدماغ لا يقوم بالتفكير ، لذا فإنّه يحتاج إلى طعام قليل ، وهذا يعتبر دليلا على أنّ الآثار الفكرية للإنسان تترشح من فعاليات مادية»(١) .

٣ ـ تظهر التجارب أن وزن أدمغة المفكرين هي أكثر من الحد المتوسط (الحد المتوسط لدماغ الرجل في حدود (١٤٠٠) غرام ، والحد المتوسط لدماغ المرأة أقل من هذا بقليل) ، وهذا دليل آخر ـ بزعم الماديين ـ على مادية الروح.

٤ ـ إذا كانت قوة التفكير والظواهر الروحية دليلا على الوجود المستقل للروح ، فيجب أن نقبل ذلك أيضا في الحيوانات ، لأنّها تملك قدرة الإدراك.

والخلاصة : إنّ الماديين في أدلتهم بأننا ندرك ونحس بأنّ روحنا ليست

__________________

(١) البشر في النظرة المادية ، دكتور آراني ، ص ٢.

١١٨

موجودا مستقلا ، والتطورات المتعلقة بمعرفة الإنسان ودراسته تؤيد هذه الحقيقة.

ومن مجموع هذه الاستدلالات ، يستنتج هؤلاء أنّ التقدم الفيزيولوجي الإنساني والحيواني يوضحان يوما بعد آخر حقيقة وجود العلاقة القربية بين الظواهر الروحية والخلايا الدماغية.

نقد هذه النظرية :

الخطأ الكبير الذي وقع فيه الماديون في أدلتهم واستنتاجاتهم ، أنّهم خلطوا بين (وسائل العمل) و (القائم بالعمل).

ولأجل معرفة هذا الخلط نذكر هنا مثالا للتوضيح نرجو أن يدقق فيه القارئ الكريم جيدا :

منذ زمان غاليلو وحتى يومنا الحاضر ، حصل تحوّل كبير في دراسة حركة الأفلاك والأجرام السماوية ، فغاليلو الإيطالي استطاع وبمعونة أحد صانعي العوينات الزجاجية من صناعة مجهر صغير ، فطار غاليلو به فرحا ، بحيث أنّه شرع عند المساء بدراسة نجوم السماء بواسطة مجهره الذي أظهر له أوضاعا عجيبة إذ أنّه شاهد عالم لم يستطيع أي إنسان مشاهدته حتى ذلك اليوم. لقد فهم غاليلو أنّه توصّل إلى اكتشاف مهم ، ومنذ ذلك اليوم أصبحت دراسة أسرار العالم الأعلى في متناول الإنسان.

لقد كان الإنسان حتى ذلك اليوم مثل الفراشة التي لم تكن ترى من حولها سوى بعض سيقان الشجر ، أمّا عند ما صنع الإنسان التلسكوب فإنّه استطاع أن يشاهد من حوله مقدارا من أشجار الغابة الكبيرة.

لقد تطور العمل في التلسكوب حتى وصل إلى وضعه الراهن حيث بنيت مختبرات كبيرة ومراصد جبارة يبلغ قطر عدساتها عدّة امتار لقد نصبت هذه

١١٩

المراصد في أعالي الجبال المرتفعة حيث يتميز الأفق بصفاء خاص ممّا يسهل على الفلكيين دراسة النجوم ، وبواسطة هذه المراصد الجبارة استطاع الإنسان أن يشاهد عوالم أخرى كان عاجزا عن مشاهدتها بالعين المجرّدة قبل ذلك.

والآن لنتصوّر أن الإنسان يكون بمقدوره مستقبلا أن يتوصل إلى صناعة مرصد بقطر (١٠٠) متر بحيث يكون حجم الأجهزة المستخدمة فيه بحجم مدينة بكاملها ، فما هي يا ترى العوالم التي سوف تنكشف له بواسطة ذلك؟

والآن نطرح هذا السؤال : لو أخذت منّا هذه المجاهر والعدسات ، أفلا يتعطّل قسم من معلوماتنا ومعارفنا حول السماوات وهل الناظر الأصلي نحن أم التلسكوب والمجهر؟

هل المجهر والتلسكوب وسيلة نستطيع بواسطتها الرؤيا والمشاهدة ، أم أنّها هي التي تقوم بالعمل والنظر الحقيقي؟

وفيما يخص الدماغ لا يستطيع أي شخص أن ينكر أنّه بدون الخلايا الدماغية لا يمكن أن تتمّ عملية التفكير ، ولكن هل الدماغ هو وسيلة عمل للروح ، أم أنّه هو الروح؟

وخلاصة القول : إنّ جميع الأدلة التي ذكرها الماديون تثبت وجود الارتباط بين خلايا العقل والدّماغ وبين إدراكاتنا ، إلّا أنّ أيا منها لا يثبت أنّ الدماغ يقوم بالإدراك ، بل أنّه مجرّد وسيلة لذلك.

وهنا يتّضح لماذا لا يفهم الموتى شيئا ، إذ أنّهم وبسبب عدم وجود الارتباط بين الروح والبدن يعجزون عن ذلك ، وبالتالي فإنّ الموت لا يعني فناء الروح وانعدامها ، ومثل الميت مثل السفينة أو الطائرة التي عطّل فيها جهاز اتصالها (اللاسلكي) فالسفينة والطائرة بمن فيهما موجودون إلّا أنّ اتصالهم مع الساحل أو المطار مقطوع بسبب فقدانهم لوسيلة الارتباط والاتصال.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

امرأته ، فلما صار في النوم وضعت رأسه على الأرض و قامت ، فانتبه المأمون و غضب لذلك فقالت : إنّ أبي أدّبني بأن لا أقعد عند نائم و لا أنام عند قاعد .

قول المصنف ( و هذه من الاستعارات العجيبة ، كأنّه شبّه السّه بالوعاء و العين بالوكاء ، فإذا اطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء ، و هذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ) فروى أبو داود في سننه في آخر باب الوضوء من النوم عن حيوة بن شريح الحمصي ، في آخرين عن بقية عن الوضين بن عطا عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ عن عليعليه‌السلام قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وكاء السّه العينان فمن نام فليتوضأ(١) .

( و قد رواه قوم لأمير المؤمنينعليه‌السلام و ذكر ذلك المبرد محمد بن يزيد ) قال الحموي : لقب محمد بن يزيد بالمبرد لأنّه لمّا صنّف المازني كتاب الألف و اللام سأله عن دقيقه و عويصه ، فأجابه بأحسن جواب ، فقال له المازني : قم فأنت المبرّد بكسر الراء أي : المثبت للحق ، فحرفه الكوفيون و فتحوا الراء ، و كان متّهما بالوضع في اللغة و أرادوا امتحانه ، فسألوه عن القبعض فقال هو القطن و أنشد

« كأنّ سنامها حشي القبعضا »

فقالوا : إن كان صحيحا فهو عجيب و إن كان مختلقا فهو أعجب(٢) .

( في كتاب المقتضب في باب اللفظ بالحروف ) في كشف الظنون المقتضب في الخطب للمبرد شرحه الرماني و علق على مشكلات أوائله الفارقي .

( و قد تكلمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم بمجازات الآثار النبوية ) قال ثمة كأنّهعليه‌السلام شبّه السته بالوعاء و العين بالوكاء ، فإذا نامت العين

____________________

( ١ ) سنن أبي داود ١ : ٥٢ ح ٢٣ اسند إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام .

( ٢ ) معجم الأدباء للحموي ١٠ : ١١٢ ١١٣ .

٥٠١

انحلّ صرار السته كما أنّه إذا زال الوكاء وسع بما فيه الوعاء ، الا أن حفظ العين للسته على خلاف حفظ الوكاء للوعاء ، فان العين إذا أشرجت لم تحفظ سيتها و الأوكية إذا حللت لم تضبط أوعيتها(١) .

٣٦ الخطبة ( ٧٩ ) و قالعليه‌السلام :

أَيُّهَا اَلنَّاسُ اَلزَّهَادَةُ قِصَرُ اَلْأَمَلِ وَ اَلشُّكْرُ عِنْدَ اَلنِّعَمِ وَ اَلوَرَعُ عِنْدَ اَلْمَحَارِمِ فَإِنْ عَزَبَ ذَلِكَ عَنْكُمْ فَلاَ يَغْلِبِ اَلْحَرَامُ صَبْرَكُمْ وَ لاَ تَنْسَوْا عِنْدَ اَلنِّعَمِ شُكْرَكُمْ فَقَدْ أَعْذَرَ اَللَّهُ إِلَيْكُمْ بِحُجَجٍ مُسْفِرَةٍ ظَاهِرَةٍ وَ كُتُبٍ بَارِزَةِ اَلْعُذْرِ وَاضِحَةٍ « أيها الناس إلى عند المحارم » جعلعليه‌السلام الزهد عبارة عن ثلاثة أمور :

قصر الأمل ، و شكر النعم ، و الورع عند المحارم .

أمّا الأول فقالوا : جمع اللَّه تعالى الزهد في كلمتين(٢) :( لكيلا تأسوا على ما فاتَكم و لا تَفرَحوا بِمآ آتاكم ) (٣) و لا يحصل الحالان إلاّ بقصر الأمل .

و أما الثاني : فلأن من زهد في الدّنيا هان عليه الإنفاق ممّا أنعم اللَّه عليه من المال شكرا .

و قال الصادقعليه‌السلام إنّ اللَّه أنعم على قوم بالمواهب فلم يشكروا فصارت عليهم وبالا ، و ابتلى قوما بالمصائب فصبروا فصارت عليهم نعمة(٤) .

و اما الثالث فسئل الصادقعليه‌السلام عن الزاهد في الدنيا فقال : الذي يترك

____________________

( ١ ) المجازات النبوية : ١٧٨ .

( ٢ ) من حديث للإمام الصادقعليه‌السلام ، بحار الأنوار ٧٨ : ٧٠ بتصرف .

( ٣ ) الحديد : ٢٣ .

( ٤ ) تحف العقول : ٢٦٧ .

٥٠٢

حلالها مخافة حسابه و يترك حرامها مخافة عقابه(١) .

« فإن عزب » أي : بعد و غاب .

« ذلك » الذي ذكر من الأمور الثلاثة .

« عنكم » فلا بدّ لكم من رعاية الثاني ، و الثالث شكر النعم و الورع عن المحارم ، و أشار إلى الورع بقوله .

« فلا يغلب الحرام صبركم » لأنّه ورد أنّه يؤتى يوم القيامة بأعمال قوم كالجبال فتصير هباء منثورا لغلبة الحرام على صبرهم .

و أشار إلى الشكر بقوله :

« و لا تنسوا عند النعم شكركم » فإنّ شكر المنعم واجب عقلي و قال تعالى :

( و لئن كفرتم إنّ عذابي لشديد ) (٢) .

« فقد أعذر اللَّه عليكم بحجج مسفرة » أي : مشرقة مضيئة( لئلاّ يكون لِلنَّاس على اللَّهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُل ) (٣) .

« و كتب بارزة العذر واضحة » إلى نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله و إلى أنبياء قبله .

٣٧ الحكمة ( ٤٢ ) و قالعليه‌السلام : لبعض أصحابه :

جَعَلَ اَللَّهُ مَا كَانَ مِنْ شَكْوَاكَ حَطّاً لِسَيِّئَاتِكَ فَإِنَّ اَلْمَرَضَ لاَ أَجْرَ فِيهِ وَ لَكِنَّهُ يَحُطُّ اَلسَّيِّئَاتِ وَ يَحُتُّهَا حَتَّ اَلْأَوْرَاقِ وَ إِنَّمَا اَلْأَجْرُ فِي اَلْقَوْلِ بِاللِّسَانِ وَ اَلْعَمَلِ بِالْأَيْدِي وَ اَلْأَقْدَامِ وَ إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ

____________________

( ١ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٠ : ٣١١ .

( ٢ ) إبراهيم : ٧ .

( ٣ ) النساء : ١٦٥ .

٥٠٣

اَلنِّيَّةِ وَ اَلسَّرِيرَةِ اَلصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ اَلْجَنَّةَ قول المصنّف : ( و قالعليه‌السلام لبعض أصحابه ) :

هو صالح بن سليم بن سلامان بن طي ( في علة اعتلها ) فلم يشهد معه صفّين لمرضه ، فقالعليه‌السلام ما نقل(١) المصنف له لمّا رجع من صفّين في طريقه .

ففي ( صفّين نصر بن مزاحم ) : قال عبد الرحمن بن جندب : لمّا أقبل عليّعليه‌السلام من صفّين أقبلنا معه إلى أن قال حتى جزنا النخيلة و رأينا بيوت الكوفة ، فإذا نحن بشيخ جالس في ظلّ بيت على وجهه أثر المرض ، فأقبل إليه عليّعليه‌السلام و نحن معه ، فقال له : مالي أرى وجهك منكفتا ؟ أمن مرض ؟ قال : نعم .

قال : فلعلك كرهته فقال : ما أحبّ أن يعتري قال : أليس احتساب بالخير في ما أصابك منه ؟ قال : بلى قال : أبشر برحمة ربّك و غفران ذنبك ، من أنت يا عبد اللَّه ؟ قال : أنا صالح بن سليم قال : ممّن ؟ قال : أمّا الأصل فمن سلامان بن طي ، و أمّا الجوار و الدعوة فمن بني سليم بن منصور قال : سبحان اللَّه ما أحسن اسمك و اسم أبيك و اسم من اعتزيت إليه ، هل شهدت معنا غزاتنا هذه ؟ قال : لا و اللَّه ما شهدتها و لقد أردتها و لكن ما ترى بي من لحب الحمّى خذلني عنها .

قالعليه‌السلام : ليسَ على الضُعَفاءِ و لاَ عَلى المَرضَى و لا على الذين لا يَجدُونَ ما يُنفقُون حرجٌ( إِذا نَصَحوا للَّه و رسوله ما على المحسنين من سبيلٍ و اللَّه غفورٌ رحيم ) (٢) أخبرني ما يقول الناس فيما كان بيننا و بين أهل الشام ؟ قال : منهم المسرور فيما كان بينك و بينهم و اولئك أغبياء الناس ، و منهم المكبوت الأسف لمّا كان من ذلك و اولئك نصحاء الناس لك ، و ذهب لينصرف فقالعليه‌السلام له : صدقت جعل اللَّه ما كان من شكواك حطّا لسيّئاتك ، فإنّ المرض لا أجر فيه

____________________

( ١ ) النهج ، الحكمة : ٤٢ .

( ٢ ) التوبة : ٩١ .

٥٠٤

و لكن لا يدع للعبد ذنبا إلاّ حطّه ، إنّما الأجر في القول باللّسان و العمل باليد و الرجل ، و إنّ اللَّه عز و جل يدخل بصدق النيّة و السريرة الصالحة من عباده الجنّة(١) .

« جعل اللَّه ما كان من شكواك حطّا لسيّئاتك » في الخبر عاد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سلمان في علته فقال : إنّ لك فيها ثلاث خصال : أنت من اللَّه تعالى بذكر ، و دعاؤك فيه مستجاب ، و لا تدع العلّة عليك ذنبا إلاّ حطّته(٢) .

و في الخبر : حمّى ليلة كفّارة سنة لأنّه يبقى أثرها إلى سنة(٣) .

و في ( الطرائف ) : برى‏ء الفضل بن سهل من علّة فقال : إنّ في المرض لنعما لا ينبغي للعقلاء أن يجحدوها ، منها تمحيص للذنوب و تعرّض للثواب و الصبر و إيقاظ من الغفلة و ادكار للنعمة الموجودة في الصحة و رضا بما قدر اللَّه و قضائه و استدعاء للتوبة و حضّ على الصدقة(٤) .

« فإنّ المرض لا أجر فيه و لكنه يحط السيئات و يحتها حت الأوراق » يقال : حت الدم عن الثوب و حت الورق عن الشجر .

و في ( أدب كاتب الصولي ) لبعضهم تشبيها بمقط القلم لاصلاحه :

فإن تكن الحطوب فرين مني

أديما لم يكن قدما يعط

فإنّ كرائم الأقلام تحفى

فيصلح من تشعثها المقط(٥)

هذا ، و في ( تاريخ بغداد ) اعتل الحسن بن وهب من حمّى نافض و صالب و طاولته فكتب إليه أبو تمّام :

____________________

( ١ ) صفّين لنصر بن مزاحم : ٥٢٨ ، و نقله المجلسي في بحار الأنوار ٣٢ : ٥٥١ .

( ٢ ) ذكره الصدوق في الخصال : ١٧١ ( ١٩٥ ) و المجلسي في البحار ٧٧ : ٦٢ رواية ٣ و ٨١ : ١٨٥ رواية ٣٧ .

( ٣ ) نسبه الطوسي في أماليه إلى الرسول الأكرم صلّى اللَّه عليه و آله ، الأمالي : ٦٤١ ح ١ .

( ٤ ) الظرائف للمقدّسي : ١٤٣ .

( ٥ ) أدب الكتاب للصولي : ١١ .

٥٠٥

ليت حمّاك فيّ و كان لك الأجر

فلا تشتكي و كنت المريضا(١)

( و فيه ) : إعتل الفضل بن سهل ذو الرياستين بخراسان ثم برى‏ء فجلس للناس فهنّأوه بالعافية و تصرّفوا في الكلام ، فلمّا فرغوا أقبل على الناس فقال :

إنّ في العلل لنعما ينبغي للعقلاء أن يعلموها : تمحيص للذنوب ، و تعرّض لثواب الصبر ، و إيقاظ من الغفلة ، و ادكار للنعمة في حال الصحة ، و استدعاء للتوبة ، و حضّ على الصدقة ، و في قضاء اللَّه و قدره بعدم الخيار فنسي الناس ما تكلّموا به و انصرفوا بكلام الفضل(٢) .

« و إنّما الأجر في القول باللّسان و العمل بالأيدي و الأقدام » و المرض ليس منهما فليس فيه أجر ، و أمّا قوله( ذلك بأنّهم لا يصيبُهم ظمأ و لاَ نَصبُ و لا مخمصة في سبيل اللَّه و لا يطَؤُنَ موطئا يغيظ الكفّار و لا ينالُونَ من عَدُوّ نيلاً إِلاّ كُتب لهُم به عمل صالح إِن اللَّه لا يُضيعُ أجرَ المُحسِنينَ و لا يُنفِقونَ نَفَقَةً صغيرةً و لا كبيرةً و لا يقطَعُون وادياً إِلاّ كتب لَهُم ليَجزِيَهُمُ اللَّهُ أَحسَن ما كانوا يَعمَلُون ) (٣) في جعل إصابتهم الجوع و العطش و التعب و هي ليست من أعمال الجوارح مثل وطى‏ء الأقدام في غيظ الكفار و النيل منهم و الإنفاق و قطع الوادي في الجهاد و نحوها ممّا هو العمل بالأيدي و الأقدام ، فلا ينافي كلامهعليه‌السلام لأنّ ما ذكر أوّلا مسبّب عن أعمال الجوارح ، فإنّ الجوع و العطش و التعب كانت بواسطة الجهاد .

« و ان اللَّه سبحانه يدخل بصدق النيّة و السريرة الصالحة من يشاء من عباده الجنّة » الظاهر كون الكلام استدراكا من قولهعليه‌السلام السابق « و انما الأجر . » ،

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ٨ : ٢٥٢ ، لم نعثر على البيت الشعري في ديوان أبي تمام .

( ٢ ) تاريخ بغداد ١٢ : ٣٤٢ .

( ٣ ) التوبة : ١٢٠ ١٢١ .

٥٠٦

بمعنى أن النيّة و إن لم تكن عمل الجوارح إلاّ أنّها لمّا كانت سببا لأعمال الجوارح كانت أيضا موجبا للأجر إن كانت صالحة ، و للوزر إن كانت فاسدة .

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « نيّة المؤمن خير من عمله و نيّة الكافر شرّ من عمله »(١) ، و قال تعالى .( إِن السَمعَ و البَصَرَ و الفؤاد كُل اُولئكَ كان عنه مسؤولاً ) (٢) .

و قال الصادقعليه‌السلام : إنّما خلّد أهل النّار في النّار لأنّ نياتهم في الدّنيا ان لو خلّدوا فيها أن يعصوا اللَّه أبدا ، و إنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة لأنّ نيّاتهم أن لو بقوا في الدّنيا أن يطيعوا اللَّه أبدا ، فبالنيّات خلّد هؤلاء و هؤلاء ثم تلا قوله تعالى قُل كُلٌ يعمَلُ على شاكِلَتِه(٣) .

و في ( الكافي ) : و إن المؤمن الفقير يقول : ربّ ارزقني حتى أفعل كذا و كذا من البرّ ، فإذا علم تعالى ذلك منه بصدق نيّة كتب له من الأجر مثل ما لو عمله ، إنّ اللَّه واسع كريم(٤) .

هذا ، و قالعليه‌السلام بصدق النيّة ، لأنّه ليست كلّ نيّة صادقة ، فقد قال تعالى( و منهم من عاهدَ اللَّه لئن آتانا من فَضلِهِ لنَصَّدَّقَنَّ و لنكُوننَّ من الصالحين فَلما آتاهُم من فَضلِهِ بَخِلُوا بهِ و تَولَّوا و هُم مُعرِضون فأَعقَبَهُم نفاقاً في قلوبهم إِلى يوم يلقونه بما أخلفوا اللَّه ما و عدُوه و بما كانوا يكذِبُونَ ) (٥) .

و قال الصادقعليه‌السلام في صدق النية : عند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر ، تصفية العمل أشدّ من العمل ، تخليص النيّة من الفساد أشد على العالمين

____________________

( ١ ) علل الشرائع للصدوق ٢ : ٤٠٣ حديث ٤ .

( ٢ ) الاسراء : ٣٦ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٨٥ ح ٥ ، و ذكره الصدوق في علل الشرائع ٢ : ٥٢٣ ح ١ ، و الآية ٨٤ من سورة الاسراء .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٨٥ ح ٣ ، و ذكره البرقي في المحاسن : ٢٦١ .

( ٥ ) التوبة : ٧٥ ٧٧ .

٥٠٧

من طول الجهاد(١) .

( قال الرضي : و أقول : صدقعليه‌السلام ، إنّ المرض لا أجر فيه لأنّه ليس من قبيل ما يستحق عليه العوض ، لأن العوض يستحق على ما كان في مقابلة فعل اللَّه تعالى بالعبد من الآلام و الأمراض و ما يجري مجرى ذلك ، و الأجر و الثواب يستحقان على ما كان في مقابلة فعل العبد ، فبينهما فرق قد بيّنه كما يقتضيه علمه الثاقب و رأيه الصائب ) و قد قالعليه‌السلام في المرض يصيب الصبي : إنّه كفارة لوالديه ، و ورد أنّ النّوم الموحش كفّارة(٢) .

٣٨ الحكمة ( ٤٧ ) و قالعليه‌السلام :

قَدْرُ اَلرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِهِ وَ صِدْقُهُ عَلَى قَدْرِ مُرُوءَتِهِ وَ شَجَاعَتُهُ عَلَى قَدْرِ أَنَفَتِهِ وَ عِفَّتُهُ عَلَى قَدْرِ غَيْرَتِهِ « قدر الرجل على قدر همّته » في ( تاريخ بغداد ) غلب عبد اللَّه بن طاهر على الشام و وهب له المأمون ما وصل إليه من الأموال هنا لك ، ففرّقه على القوّاد ثم وقف على باب مصر فقال : أخزى اللَّه فرعون ما كان أخسّه و أدنى همّته ، ملك هذه القرية فقال( أنا ربُّكم الأعلى ) (٣) و اللَّه لا دخلتها(٤) .

و في ( المعجم ) قال الصاحب بن عباد :

و قائلة : لم عرتك الهموم

و أمرك ممتثل في الامم

____________________

( ١ ) الروضة من الكافي للكليني : ٢ ح ١ .

( ٢ ) بحار الأنوار عن الإمام عليعليه‌السلام ٥ : ٣١٧ و عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ٨١ : ١٩٧ رواية ٥٤ .

( ٣ ) النازعات : ٢٤ .

( ٤ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٩ : ٤٨٣ ، ترجمة عبد اللَّه بن طاهر ( ٥٠١٤ ) .

٥٠٨

فقلت دعيني و ما قد عرى(١)

فإنّ الهموم بقدر الهمم(٢)

و في ( الكامل ) : سافر كعب بن مامة الأيادي مع رجل من بني النمر بن قاسط ، فقلّ الماء فتصافناه و التصافن أن يطرح حجر في الاناء ثم يصبّ فيه من الماء ما يغمره لئلا يتغابنوا ، فجعل النمري يشرب نصيبه فإذا أخذ كعب نصيبه قال : اسق أخاك النمري فيؤثره ، حتى جهد كعب و رفعت له أعلام الماء ، فقيل له رد كعب و لا ورود به فمات عطشا .

و وفد أوس بن حارثة بن لام الطائي و حاتم الطائي على عمرو بن هند ملك الحيرة ، فدعا أوسا فقال له : أنت أفضل أم حاتم ؟ فقال له : أبيت اللعن ، لو ملكني حاتم و ولدي و لحمتي لوهبنا في غداة واحدة ، ثم دعا حاتما فقال له :

أنت أفضل أم أوس ؟ فقال : أبيت اللعن إنّما ذكّرت بأوس ، و لأحد ولده أفضل منّي .

و كان النعمان بن المنذر دعا بحلة و عنده وفود العرب من كلّ حي فقال :

احضروني في غد فانّي ملبس هذه الحلة أكرمكم ، فحضر القوم جميعا إلاّ أوسا ، فقيل له لم تخلفت ؟ فقال : إن كان المراد غيري فأجمل الأشياء بي ألاّ أكون حاضرا ، و إن كنت أنا المراد فسأطلب و يعرف مكاني ، فلما جلس النعمان لم ير أوسا فقال : إذهبوا إلى أوس فقولوا له : إحضر آمنا ممّا خفت ، فحضر فلبس الحلة فحسده قوم من أهله فقالوا للحطيئة : اهجه و لك ثلاثمائة ناقة فقال : كيف أهجو رجلا لا أرى في بيتي أثاثا و لا مالا إلاّ من عنده ، ثم قال :

كيف الهجاء و ما تنفكّ صالحة

من آل لأم(٣) بظهر الغيب تأتيني(٤)

____________________

( ١ ) ورد في الديوان بلفظ : « فقلت ذريني على غصتي »

( ٢ ) ديوان الصاحب بن عباد : ٢٨٠ .

( ٣ ) نسخة التحقيق « إذا ذكرت » .

( ٤ ) ديوان الحطيئة : ١٧٤ .

٥٠٩

فقال لهم بشر بن أبي خازم الأسدي : أنا أهجوه لكم ، فأخذ الابل و فعل ، فأغار أوس على الابل فاكتسحها و جعل بشر لا يستجير حيّا إلاّ قالوا قد أجرناك إلاّ من أوس و كان في هجائه إيّاه ذكر امّه فأتى به فدخل على امه فقال : قد أتينا ببشر الهاجي لك و لي فما ترين فيه ؟ قالت : أرى أن ترد عليه ماله و تعفو عنه و تحبوه و أفعل مثل ذلك ، فانّه لا يغسل هجاه إلاّ مدحه ، فخرج إليه و قال له : إنّ امّي سعدى التي كنت تهجوها أمرت لك بكذا و كذا فقال : لا جرم ، لا و اللَّه لا مدحت أحدا حتى أموت غيرك(١) .

« و صدقه على قدر مروّته » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل و سجوده ، فإنّ ذلك شي‏ء اعتاده فلو تركه استوحش لذلك ، و لكن انظروا إلى صدق حديثه و أداء أمانته(٢) .

و عنهعليه‌السلام : إنّما سمّي اسماعيل صادق الوعد لأنّه وعد رجلا في مكان فانتظره في ذلك المكان سنة فأتاه بعد سنة فقال له إسماعيل : مازلت منتظرا لك(٣) .

و في ( الخصال ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ست من المروّة ، ثلاث منها في الحضر ، و ثلاث منها في السفر : فأمّا الّتي في الحضر ، فتلاوة كتاب اللَّه عز و جل و عمارة مساجد اللَّه و اتخاذ الإخوان في اللَّه عز و جل ، و أمّا الّتي في السفر ، فبذل الزاد و حسن الخلق و المزاح في غير معاصي اللَّه(٤) .

« و شجاعته على قدر أنفته » في ( وزراء الجهشياري ) : بلغ موسى بن المهدي و هو الهادي حال بنت لعمارة بن حمزة مولاهم و هي جميلة

____________________

( ١ ) الكامل في الأدب للمبرّد ١ : ١٩٧ ١٩٩ ، طبعة مصر .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ١٠٥ ح ١٢ .

( ٣ ) ورد في البحار قريب منه عن الإمام الرضاعليه‌السلام ٣ : ٣٨٨ رواية ١ .

( ٤ ) الخصال للصدوق ١ : ٣٢٤ ح ١١ .

٥١٠

فراسلها فقالت لأبيها ذلك ، فقال : إبعثي إليه في المصير إليك و أعلميه أنّك تقدرين على إيصاله إليك في موضع يخفى أثره ، فأرسلت إليه بذلك و حمل موسى على المصير نفسه ، فأدخلته حجرة قد فرشت و اعدّت له ، فلما صار إليها دخل عليه عمارة فقال : السّلام عليك أيها الأمير ماذا تصنع هاهنا ؟

إتّخذناك وليّ عهد فينا أو فحلا في نسائنا ؟ ثم أمر به فبطح في موضعه فضربه عشرين درة خفيفة و ردّه إلى منزله ، فحقد عليه فلما ولي الخلافة دسّ إليه رجلا يدّعي عليه أنّه غصبه الضيعة المعروفة بالبيضاء بالكوفة و كانت قيمتها ألف ألف درهم فبينا الهادي ذات يوم جالس للمظالم و عمارة بحضرته ، و ثب الرجل فتظلم منه ، فقال الهادي لعمارة : ما تقول ؟ قال : ان كانت الضيعة لي فهي له و ان كانت له فهي له و وثب فانصرف عن المجلس(١) .

( و عفته على قدر غيرته ) كانعليه‌السلام يقول لأهل العراق : نبئت أن نساءكم يدافعن الرجال في الطريق ، أما تستحون و لا تغارون ؟

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ان اللَّه تعالى غيور يحب كلّ غيور ، و لغيرته حرّم الفواحش ظاهرها و باطنها ، و إذا لم يغر الرجل فهو منكوس القلب(٢) .

و عنهعليه‌السلام : لمّا أقام العالم الجدار أوحى تعالى إلى موسىعليه‌السلام : إنّي مجازي الأبناء بسعي الآباء ، إن خيرا فخير و إن شرّا فشر ، لا تزنوا فتزني نساؤكم ، و من وطى‏ء فراش امرى‏ء مسلم وطى‏ء فراشه ، كما تدين تدان(٣) .

و عن الصادقعليه‌السلام : كانت في بني اسرائيل بغيّ و كان رجل منهم يكثر

____________________

( ١ ) وزراء الجهشياري تاريخ الوزراء : ١٤٧ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٣٦ ح ٣ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٥٣ رواية ١ ، و كذلك ثواب الأعمال : ١٣ ، و أيضا المجلسي في بحار الأنوار ١٣ : ٢٩٦ رواية ١٣ .

٥١١

الاختلاف إليها ، فلمّا كان في آخر ما أتاها أجرى اللَّه على لسانها : أما إنّك سترجع إلى أهلك فتجد معها رجلا ، فارتفعا إلى موسىعليه‌السلام فنزل جبرئيلعليه‌السلام و قال : يا موسى من يزن يزن به ، فنظر موسى إليهما فقال : عفّوا تعفّ نساؤكم(١) .

٣٩ الحكمة ( ٤٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلظَّفَرُ بِالْحَزْمِ وَ اَلْحَزْمُ بِإِجَالَةِ اَلرَّأْيِ وَ اَلرَّأْيُ بِتَحْصِينِ اَلْأَسْرَارِ هو قياس منتج : ان الظفر بتحصين الأسرار و هو قياس ينحلّ إلى قياسين ، لأنّ القضية الثانية كبرى بالنسبة إلى الاولى و صغرى بالنسبة إلى الثالثة .

أمّا كون الظّفر بالحزم ففي العيون : قيل لرجل من بني عبس : ما أكثر صوابكم فقال : نحن ألف رجل و فينا حازم واحد و نحن نطيعه ، فكأنّا ألف حازم(٢) .

و يقال : روّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم(٣) .

و أمّا كون الحزم بإجالة الرأي فكان عامر بن الظرب حكيم العرب يقول :

دعوا الرأي يغبّ حتى يختمر ، و إيّاكم و الرأي الفطير(٤) .

و لمّا استعجل الحجّاج المهلّب في حرب الأزارقة قال المهلّب : إنّ من

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٥٣ رواية ٣ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٠ ٣٢ ، و كذلك العقد الفريد ١ : ٦٠ .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٤ .

( ٤ ) ابن عبد ربه ١ : ٦٠ ( دار الكتب العلمية ) .

٥١٢

البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره(١) .

و يقال : ليس بين الملك و بين ان يملك رعيته أو تملكه رعيته إلاّ حزم أو توان .

و قيل : من التمس الرخصة من الإخوان عند المشورة و من الأطباء عند المرض و من الفقهاء عند الشبهة أخطأ الرأي و ازداد مرضا و حمل الوزر(٢) .

و أمّا كون الرأي بتحصين الأسرار فيقال : ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك(٣) .

و في ( وزراء الجهشياري ) : كان موسى بن عيسى الهاشمي يتقلّد للرشيد مصر ، و كثر التظلّم منه و اتّصلت السعايات به و قيل إنّه قد استكثر من العبيد و العدّة فقال الرشيد ليحيى البرمكي : اطلب لي رجلا كاتبا عفيفا يكمل لمصر و يستر خبره فلا يعلم موسى بن عيسى حتى يفجأه قال : قد وجدته هو عمر بن مهران و كان كتب للخيزران و لم يكتب لغيرها قط و كان رجلا أحول مشوّه الخلق خسيس اللّباس فأمر بإحضاره قال : فاستدناني الرشيد و نحّى الغلمان و أمرني أن أستر خبري حتى افاجى‏ء موسى بن عيسى فأتسلّم العمل منه ، فأعلمته أنّه لا يقرأ لي ذكرا في كتب أصحاب الأخبار حتى أوافي مصر ، فكتب لي بخطّه إلى موسى ، فخرجت من غد مبكرا على بغلة لي و معي غلام أسود على بغل استأجرته ، معه خرج فيه قميص و مبطنة و طيلسان و شاشية و خف و مفرش صغير ، و اكتريت لثلاثة من أصحابي أثق بهم ثلاثة أبغل ، و أظهرت أنّي وجّهت ناظرا في أمور بعض العمّال ، كلّما وردت

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣١ .

( ٢ ) المصدر نفسه ١ : ٣٠ ، في كتاب للهند .

( ٣ ) المصدر نفسه ١ : ٤٠ .

٥١٣

بلدا توهّم من معي أنّي قصدته و ليس يعرف خبري أحد من أهل البلدان أمرّ بها في نزولي و نفوذي حتى وافيت الفسطاط فنزلت جنابا و خرجت منه وحدي في زيّ متظلم أو تاجر ، فدخلت دار الامارة و ديوان البلد و بيت المال ، و سألت و بحثت عن الأخبار و جلست مع المتظلمين و غيرهم ، فمكثت ثلاثة أيام أفعل ذلك حتى عرفت جميع ما احتجت إليه ، فلمّا نام الناس دعوت أصحابي فقلت للّذي أردت استكتابه على الديوان : قد رأيت مصر و قد استكتبتك على الديوان فبكّر إليه فاجلس فيه ، فإذا سمعت الحركة فاقبض على الكاتب و وكلّ به و بالكتاب و الأعمال ، و لا يخرج من الديوان أحد حتى أوافيك ، و دعوت بآخر فقلّدته بيت المال و أمرته بمثل ذلك ، و قلّدت الآخر عملا من الأعمال بالحضرة ، و أمرتهم أن يبكّروا و لا يظهروا أنفسهم حتى يسمعوا الحركة ، و بكّرت فلبست ثيابي و وضعت الشاشية على رأسي و مضيت إلى دار الامارة ، فأذن موسى للناس إذنا عامّا ، فدخلت فيمن دخل ، فإذا موسى على فرش و القوّاد وقوف عن يمينه و شماله و الناس يدخلون فيسلّمون و يخرجون و أنا جالس بحيث يراني و حاجبه ساعة بساعة يقيمني و يقول لي تكلّم بحاجتك ، فأعتلّ عليه حتى خفّ الناس ، فدنوت منه و أخرجت إليه كتاب الرشيد فقبّله و وضعه على عينه ثم قرأه فامتقع لونه و قال : السمع و الطاعة تقرى‏ء أبا حفص السلام و تقول له : ينبغي لك أن تقيم بموضعك حتى نعدّ لك منزلا يشبهك و يخرج غدا أصحابنا يستقبلونك فتدخل مدخل مثلك .

فقال له : أنا عمر بن مهران قد أمرني الرشيد بإقامتك للناس و انصاف المظلوم منك و أنا فاعل ذلك فقال : أنت عمر بن مهران ؟ قلت : نعم قال :( لعن اللَّه فرعون حيث يقول أليس لي مُلك مِصر ) (١) و اضطرب الصوت في الدار ،

____________________

( ١ ) الزخرف : ٥١ .

٥١٤

فقبض كاتبي على الديوان و صاحبي الآخر على بيت المال و ختما عليه و وردت عليه رقاع أصحاب أخباره بذلك ، فنزل عن فرشه و قال : « لا إله إلاّ اللَّه هكذا تقوم الساعة ما ظننت أنّ أحدا بلغ من الحزم و الحيلة ما بلغت ، فإنّك قد تسلّمت الأعمال و أنت في مجلسي » ثم نهضت إلى الديوان فقطعت أمور المتظلمين منه و انصرفت على بغلتي التي دخلت عليها و معي غلامي الأسود(١) .

و في ( عيون ابن قتيبة ) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إستعينوا على الحوائج بالكتمان ، فإنّ كلّ ذي نعمة محسود(٢) .

و كان عليعليه‌السلام يتمثل بهذين البيتين :

و لا تفش سرّك إلاّ إليك

فإنّ لكلّ نصيح نصيحا

فإنّي رأيت غواة الرجال

لا يتركون أديما صحيحا(٣)

و قال الشاعر :

و لو قدرت على نسيان ما اشتملت

منّي الضلوع من الأسرار و الخبر

لكنت أوّل من ينسى سرائره

إذ كنت من نشرها يوما على خطر(٤)

٤٠ الحكمة ( ٦٣ ) و قالعليه‌السلام :

اَلشَّفِيعُ جَنَاحُ اَلطَّالِبِ

____________________

( ١ ) تاريخ الوزراء للجهشياري : ٢١٧ ٢٢٠ بتصرف .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ، أخرجه عن أحمد بن خليل عن محمد بن الحصيب عن أوس بن عبد اللَّه بن بريدة عن أخيه عن بريدة ١ : ٣٨ و قد مرّ .

( ٣ ) ذكرهما ابن قتيبة في العيون ١ : ٣٩ ، و قد مرّ ذكره .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبه ١ : ٣٩ .

٥١٥

قالوا : الشفاعات مفاتيح الطلبات و قيل في فضل البرمكي :

و من يكن الفضل بن يحيى بن خالد

شفيعا له عند الخليفة ينجح(١)

و في ( تاريخ بغداد ) : إشترى أخ لشعبة من طعام السلطان فخسر هو و شركاؤه ، فحبس بستة آلاف دينار بحصته ، فخرج شعبة إلى المهدي ليكلّمه فيه ، فلمّا دخل عليه قال للمهدي : انشدني قتادة و سماك بن حرب لامية بن أبي الصلت يقوله لعبد اللَّه بن جدعان :

أأذكر حاجتي أم قد كفاني

حياؤك إن شيمتك الحياء

كريم لا يعطّله صباح

عن الخلق الكريم و لا مساء

فارضك أرض مكرمة بنتها

بنو تيم و أنت لهم سماء

فقال : لا ، لا تذكرها قد عرفناها و قضيناها لك ، إرفعوا إليه أخاه لا تلزموه شيئا(٢) .

هذا ، و في المعجم قال أبو العيناء : كان لي صديق فجاءني يوما و قال :

أريد الخروج إلى فلان العامل و أحببت أن يكون معي إليه وسيلة و قد سألت عن صديقه فقيل لي الجاحظ و هو صديقك فاحبّ أن تأخذ لي كتابه إليه بالعناية ، فصرت إلى الجاحظ فقلت له جئتك مسلّما و قاضيا للحق و لبعض أصدقائي حاجة و هي كذا و كذا فقال : لا تشغلنا الساعة عن المحادثة و إذا كان في غد وجّهت إليك بالكتاب ، فلمّا كان في غد ، وجّه إليّ بالكتاب ، فقلت لابني :

وجّه هذا الكتاب إلى فلان ففيه حاجته فقال لي : إن الجاحظ بعيد الغور فينبغي أن نفضّه و ننظر ما فيه ، ففعل فإذا في الكتاب :

« هذا الكتاب مع من لا أعرفه و قد كلّمني فيه من لا أوجب حقّه ، فان

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٠٨ .

( ٢ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٩ : ٢٥٦ في ترجمة شعبة بن الحجاج .

٥١٦

قضيت حاجته لم أحمدك ، و ان رددته لم أذممك » .

فلمّا قرأت الكتاب مضيت من فوري إلى الجاحظ فقال : قد علمت انّك أنكرت ما في الكتاب ، فقلت أو ليس موضع نكرة ، فقال لا هذه علامة بيني و بين الرجل في من أعتني به ، فقلت : لا إله إلاّ اللَّه ما رأيت أحدا أعلم بطبعك و ما جبلت عليه من هذا الرجل ، انّه لمّا قرأ هذا الكتاب قال : أم الجاحظ عشرة آلاف في عشرة آلاف قحبة و ام من يسأله حاجة فقلت له : يا هذا تشتم صديقنا فقال :

هذه علامة في من أشكره فضحك الجاحظ(١) .

٤١ الخطبة (( الحكمة )) ( ٦٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْعَفَافُ زِينَةُ اَلْفَقْرِ وَ اَلشُّكْرُ زِينَةُ اَلْغِنَى أقول : كرّره المصنف في ( ٣٤٠ ) سهوا ، لكن نقله عنه هنا ابن ميثم بدون الفقرة الأخيرة(٢) و انما نقله عنه معها ابن أبي الحديد(٣) .

« العفاف زينة الفقر » و قد وصف اللَّه تعالى الفقراء المتزيّنين بالعفاف في قوله( يَحسَبُهُم الجاهِلُ أَغنياءَ مِنَ التَّعفُّف تَعرفُهم بسيماهم لا يَسألونَ الناس إِلحافاً ) (٤) .

« و الشكر زينة الغنى » قال سليمانعليه‌السلام ( ربِّ أَوزعني أن أَشكُر نعمتك الّتي أَنعمتَ عليَّ وَ على والديَّ ) (٥) و قال أيضا لمّا رأى عرش ملكة سبأ مستقرا

____________________

( ١ ) معجم الادباء للحموي ١٦ : ٨٣ ، في ترجمة عمرو بن بحر ، الجاحظ .

( ٢ ) نقل شرح ابن ميثم « العفاف زينة الفقر » ٥ : ٢٧٣ رقم ٦٠ .

( ٣ ) راجع شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢١٣ رقم ٦٦ .

( ٤ ) البقرة : ٢٧٣ .

( ٥ ) النمل : ١٩ .

٥١٧

عنده في أقل من طرفة عين( هذا من فضل رَبّي ليبلوَني ءأشكُر أَم أكفُر و مَن شَكَرَ فإنّما يَشكُرُ لِنَفسِهِ ) ( و مَن كَفَر فإن ربِّي غَنيٌ كريم ) (١) .

٤٢ الحكمة ( ٦٩ ) و قالعليه‌السلام :

إِذَا لَمْ يَكُنْ مَا تُرِيدُ فَلاَ تُبَلْ مَا كُنْتَ أقول : هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) ، و الصواب ما في ابن أبي الحديد(٣) و ابن ميثم(٤) و النسخة الخطية(٥) « فلا تبل كيف كنت » و « تبل » بضم التاء و الأصل فيه تبال ، حذفوا الألف تخفيفا لكثرة الاستعمال كما حذفوا الياء من قولهم « لا أدر » قال زهير :

لقد باليت مظعن امّ أوفى

و لكن ام أوفى لا تبالي(٦)

قالوا : كان لامرأة ابن واحد ، فمات فقالت أردت أن لا يموت هذا ، فمن شاء بعده عاش و من شاء مات .

٤٣ الحكمة ( ٨٧ ) و قالعليه‌السلام :

عَجِبْتُ لِمَنْ يَقْنَطُ وَ مَعَهُ اَلاِسْتِغْفَارُ

____________________

( ١ ) النمل : ٤٠ .

( ٢ ) راجع النسخة المصرية شرح محمّد عبده : ٦٧١ رقم ٦٦ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢١٥ .

( ٤ ) في شرح ابن ميثم ٥ : ٢٧٣ كما ما ذكره ( محمّد عبده ) في النسخة المصرية المنقحة .

( ٥ ) راجع النسخة الخطية ( المرعشي ) : ٣١٢ .

( ٦ ) ديوان زهير بن أبي سلمى : ٥٧ .

٥١٨

أقول : روي عنهعليه‌السلام هذا المعنى بلفظ آخر ، فعنهعليه‌السلام قال « العجب لمن يهلك و النجاة معه » قيل : ما هي ؟ قالعليه‌السلام : الاستغفار(١) .

و ورد أنّ الزهري لمّا حصل له القنوط من عقوبته رجلا فمات قال له عليّ بن الحسينعليه‌السلام : أخاف عليك من قنوطك ما لا أخاف عليك من ذنبك .

و أمره ببعث ديته ثم الاستغفار ، فقال له فرّجت عني يا سيدي اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته(٢) .

و في ( الكافي ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : الاستغفار و قول لا إله إلاّ اللَّه خير العبادة ، قال تعالى( فَاعلَم أَنّه لا إله إلاّ اللَّه و استَغفر لِذَنبك ) .(٣) و قد قال تعالى .( وَ ما كانَ اللَّه مُعذِّبَهُم وَ هُم يَستَغفِرُون ) (٤) .

٤٤ الحكمة ( ٨٩ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَللَّهِ أَصْلَحَ اَللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَلنَّاسِ وَ مَنْ أَصْلَحَ أَمْرَ آخِرَتِهِ أَصْلَحَ اَللَّهُ لَهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَ مَنْ كَانَ لَهُ فِي نَفْسِهِ وَاعِظٌ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ اَللَّهِ حَافِظٌ الحكمة ( ٤٢٣ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اَللَّهُ عَلاَنِيَتَهُ وَ مَنْ عَمِلَ لِدِينِهِ كَفَاهُ اَللَّهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَ مَنْ أَحْسَنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَللَّهِ أَحْسَنَ اَللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَلنَّاسِ

____________________

( ١ ) ذكره الطبرسي في مكارم الأخلاق : ١٦٦ .

( ٢ ) تنقيح المقال للمامقاني ٣ : ١٨٧ .

( ٣ ) محمد : ١٩ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٥٠٥ ح ٦ عن حسين بن زيد ، و الآية ١٩ من سورة محمد .

٥١٩

أقول : روى ( روضة الكافي ) في حديثه ( ٤٧٧ ) عن الصادقعليه‌السلام : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : كانت الفقهاء و العلماء إذا كتب بعضهم إلى بعض كتبوا بثلاثة ليس معهنّ رابعة : من كانت همّته آخرته كفاه اللَّه همّه من الدنيا ، و من أصلح سريرته أصلح اللَّه علانيته ، و من أصلح فيما بينه و بينه تعالى أصلح اللَّه فيما بينه و بين الناس(١) .

قولهعليه‌السلام في الأول : « من أصلح ما بينه و بين اللَّه تعالى أصلح اللَّه ما بينه و بين الناس » و في الثاني : « و من أحسن في ما بينه و بين اللَّه أحسن اللَّه ما بينه و بين الناس » على ما في ( الطبعة المصرية(٢) و ابن أبي الحديد )(٣) ، و لكن في ( ابن ميثم(٤) و النسخة الخطية ) : « كفاه اللَّه ما بينه و بين الناس »(٥) .

قال الصادقعليه‌السلام : ما نقل اللَّه عبدا من ذلّ المعاصي إلى عزّ التقوى إلاّ أغناه من غير مال و أعزّه من غير عشيرة و آنسه من غير بشر(٦) .

و في الأول « و من أصلح أمر آخرته أصلح اللَّه له أمر دنياه » و في الثاني « و من عمل لدينه كفاه اللَّه أمر دنياه » قال تعالى : و من يَتّق اللَّه يَجعَل لهُ مخرجا .

( و يَرزُقُه من حيثُ لا يَحتَسبُ ) (٧) .

و عن عيسىعليه‌السلام : أوحى اللَّه تعالى إلى الدّنيا : من خدمني فاخدميه ، و من خدمك فاستخدميه(٨) .

____________________

( ١ ) الكافي الروضة للكليني : ٣٠٧ .

( ٢ ) راجع النسخة المصرية المنقحة : ٧٥٥ رقم ٤٠٩ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٦٨ رقم ٤٢٩ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٤٤٧ رقم ٤٩٨ .

( ٥ ) النسخة الخطية : ٣٢٧ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٢ : ٧٦ ح ٨ .

( ٧ ) الطلاق : ٢ ٣ .

( ٨ ) ورد ما يشابهه في بحار الأنوار ٧٧ : ٥٤ .

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576