الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 576

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 264181 / تحميل: 11781
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

بحوث

١ ـ جواب الرّسول للمتذرعين

لقد تبيّن من خلال الآيات أعلاه والحديث الوارد في أسباب النّزول ، أنّ طلبات المشركين العجيبة والغريبة لم تكن تنع من روح نشدان الحقيقة ، بل كان هدفهم البقاء على الشرك وعبادة الأصنام لأنّه كان يمثل الدعامة الأساسية والقوّة المادية لزعماء مكّة ، وكذلك منع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الاستمرار في طريق الدعوة الى التوحيد بأي صورة ممكنة.

إلّا أنّ الرّسول الهاديصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجابهم بجوابين منطقيين وفي جملة واحدة وقصيرة :

الجواب الأوّل : إنّ الخالق جلّ وعلا منزّه عن هذه الأمور ، منزّه التأثّر بهذا وذاك ، ومنزّه من أن يستسلم للاقتراحات الباطلة والواهية لأصحاب العقول السخيفة :( سُبْحانَ رَبِّي ) .

الجواب الثّاني : بغض النظر عمّا مضى فإنّ الإتيان بالمعجزات ليس من عملي ، فأنا بشر مثلكم ، إلّا أنّني رسول الله ، والقيام بالمعاجز من عمل الخالق وبإرادته تتمّ ، وبأمره تنجز ، فأنا لا أستطيع أن أطلب مثل هذه الأمور من الخالق ولا يحق لي أن أتدخل في مثل الأمور ، فمتى شاء سبحانه فسيبعث بالمعجزات الإثبات صدق دعوة رسوله :( هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً ) .

صحيح أنّ هناك ترابط بين هذين الجوابين ، إلّا أنّهما يعتبران جوابين منفصلين ، فأحدهما يثبت ضعف البشر في مقابل هذه الأمور ، والثّاني تنزيه ربّ البشر عن القبول بهذه المعجزات المقترحة.

وعادة فإنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس إنسانا استثنائيا يجلس في مكان معين ، ويأتي الأشخاص يقترحون عليه المعجزات كيفما يشاءون ، ويتلاعبون بقوانين وسنن الخلق والوجود، وإذا لم تعجبهم معجزة معينة يطلبون غيرها وهكذا.

١٤١

إنّ مسئولية الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي إثبات ارتباطه بالخالق عن طريق المعجزة ، وعند ما يأتي بالقدر الكافي من المعاجز ، فليست عليه أية مسئولية أخرى.

إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد لا يعرف بزمان نزول المعجزات ، وقد يطلب المعجزة من ربّه عند ما يعلم بأنّ الإتيان بها يرضي الله تعالى.

٢ ـ الأفكار المحدودة والطلبات غير المعقولة

كل إنسان يتكلم بحدود فكره ، ولهذا السبب فإنّ حديث أي شخص هو دليل على مقدار عمق أفكاره.

الأفراد الذي لا يفكرون إلا بالمال والجاه يتصورون أنّ كل من يتحدث عن شيء إنّما يقصد هذا المجال.

لهذا السبب كان مشركو مكّة يقترحون ـ بسبب قصور تفكيرهم ـ على رسول الله اقتراحات تتصل بالمال وقضاياه ، يطلبون منه أن يترك دعوته مقابل المال ، إنّهم يقيسون الروح الواسعة لرسول الهدىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بضيق أفكارهم.

إنّ هؤلاء كانوا يعتقدون بأنّ من لا يجاهد في سبيل المال أو المقام مجنون حتما ، ومثلهم كمثل المسجون في غرفة صغيرة لا يرى السماء الواسعة والشمس العظيمة والجبال الشامخة والبحار الواسعة ولا يحس بعظمة عالم الوجود. لقد أرادوا مقايسة الروح السمحة العظيمة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمقاييسهم.

إضافة لذلك ، لنر ما هي الأشياء التي أرادوها من الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم تكن موجودة في الإسلام ، لقد أرادوا الأراضي المزروعة والعيون المتفجّرة ، وبساتين النخيل والأعناب ، والبيوت المزخرفة. ونحن نعلم أنّ الإسلام قد فتح أبواب التقدّم والتكنولوجيا بحيث يمكن في ظل التقدم الاقتصادي تحقيق الكثير من هذه الأمور ، بل ونلاحظ بأنّ المسلمين في ظل البرامج القرآنية وصلوا إلى تحقيق تقدّم أكثر ممّا كان يدور في عقول المشركين ذوي الأفق الضيق.

١٤٢

فهؤلاء لو كانوا ينظرون بعين الحقيقة لكانوا قد شاهدوا هذا التطوّر المعنوي العظيم في هذا الدين ، وكذلك الانتصارات المادية المنظورة حيث يضمن القرآن سعادة الإنسان في المجالين الدنيوي والأخروي.

بالإضافة إلى ذلك ، فإنّ اقتراحاتهم السفيهة الأخرى تدل على مدى التكبّر والغرور والجهل المسيطر على عقولهم كقولهم : أو تسقط السماء علينا

وقولهم : أن تضع سلما وتصعد الى السماء.

وقولهم : أن تحضر أمّامنا الله والملائكة!! حتى أنّهم لم يطلبوا منه أن يأخذهم الى الله تعالى فما اشدّ هذا الجهل والغرور والتكبر!!

٣ ـ ذريعة أخرى لنفي الإعجاز

بالرغم من وضوح الآيات أعلاه ، وأنّها غير معقّدة ، وأنّ طلبات المشركين من رسولاللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واضحة ، وكذلك سبب تعامل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السلبي مع هؤلاء معلوم أيضا ، إلّا أنّ الآيات أصبحت ذريعة بيد بعض المتذرعين في عصرنا الذين يصرّون على نفي أي معجزة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وهؤلاء يعتبرون هذه الآيات من أوضح الأدلة على نفي الإعجاز عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث طلب المشركون منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأتي ستة أنواع من المعاجز سواء من الأرض أو السماء وسواء كانت مفيدة لهم أو قاضية بموتهم ، إلّا أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يستطيع تنفيذ أيّ منها ، جوابه الوحيد لهم كان( سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً ) .

نحن نقول : إذا لم يكن متذرعو اليوم كأسلافهم ، فإنّ ما ورد في الآيات يكفيهم جوابا على ما أوردوا ، إذ ينبغي أن نلاحظ ما يلي :

١ ـ البعض من الطلبات الهزيلة ، كمثل طلبهم إحضار الخالق جلّ وعلا والملائكة ، أو المجيء برسالة من السماء فيها أسماؤهم وعناوينهم! البعض

١٤٣

الآخر مما طلبوا ، فيها أجابهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليه ، سوف لن يبقى أثر لهم ، وبالتالي لن تكون قضية المعجزة ذات أثر في إيمانهم أو عدمه ، مثل قولهم أن يسقط عليهم كسفا من السماء ، أي أن تنزل عليهم صخور من السماء.

أمّا بقية الطالبات المقترحة فتشمل الحصول على المزيد من وسائل الحياة المرفّهة والأموال والثروات الكبيرة ، في حين أنّ الأنبياء لم يأتوا لتحقيق هذه الأمور.

وإذا افترضنا خلو ما اقترحه المشركون من المآخذ ، فإنّنا نعلم ـ كما تخبر بذلك الآيات ـ أنّ ما طلبوه كان من نمط التحجّج والتذرّع أمام دعوة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس من مسئولية رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجيبهم إلى ذرائعهم وتحججاتهم هذه ، بل إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقدّم المعجزة بمقدار ما يثبت صدق دعوته ، ولا شيء أكثر من ذلك.

٢ ـ بعض تعابير هذه الآيات توضح بنفسها ـ بصراحة شديدة ـ مدى عناد وتذرّع هؤلاء بمثل هذه الطلبات ، فمثلا هم يقترحون على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصعود الى السماء ، ولكنّهم يقولون له ، بأنّنا لا نصدّق صعودك إن لم تأتنا برسالة من السماء.

إذا كان هؤلاء طلّاب معجزة ـ فقط ـ فلما ذا لا يكفيهم صعود الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السماء ، ثمّ هل هناك دليل أوضح من هذا على عدم واقعية هؤلاء القوم وعدم منطقية عروضاتهم؟

٣ ـ إضافة إلى كلّ ما مر ، فإنّنا نعلم أنّ المعجزة من عمل الخالق جلّ وعلا وليست من عمل الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في حين يظهر واضحا من كلامهم أنّهم كانوا يعتبرون المعجزة من فعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لذا كانوا ينسبون جميع الأعمال إليه مثل قولهم :( تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً ، أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ ) وما إلى ذلك من طلبات.

الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعتقد بأنّ عليه أن يزيل هذه الأوهام من عقولهم ، ويثبت

١٤٤

لهم بأنّه ليس هو الله ولا هو شريكه ، والمعجزة من الله دون سواه ، فأنا بشر مثلكم ، والفارق أنّ الوحي ينزل عليّ ، وبمقدار ما يلزم الأمر فإنّ الله ينزل المعاجز على يدي ، ولا أستطيع أن أفعل أكثر من هذا ، وقوله( سُبْحانَ رَبِّي ) شاهد على هذا المعنى ، إذا أنّ الخالق منزّه عن أي شريك وشبيه.

وبالرغم من أنّ القرآن ذكر معاجز متعدّدة لعيسىعليه‌السلام مثل إحياء الموتى وشفاء المرضى وغير ذلك ، إلّا أنّ هذه المعجزات جميعا كانت ملحقة بكلمة «بإذني» أو «بإذن الله» أي إنّها تتم ـ فقط ـ بإذن الخالق ، وأجريت على يد المسيحعليه‌السلام (١) .

٤ ـ أيّ إنسان يصدّق بأنّ إنسانا يدّعي النّبوة ، بل يعتبر نفسه خاتم النّبيين ، ويذكر في كتابه المعاجز الكثيرة للأنبياء السابقين ، إلّا أنّه نفسه لا يستطيع أن يأتي بمعجزة؟!

ثمّ إنّ الناس على هذا الفرض ، ألا يعترضون على مثل هذا النّبي ويقولون له : كيف تكون نبيّا في حين أنّك تعجز عن القيام بمعاجز مثل معاجز الأنبياء الآخرين فإن كنت تدّعي أنّك أفضل منهم جميعا وخاتمهم ، فكيف إذن تستقيم الدعوة مع عدم الإتيان بالمعجزات؟

إنّ هذا الواقع ـ بحدّ ذاته ـ دليل على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد جاء ـ عند الضرورة واللزوم ـ بالمعجزات ، ومن هنا يتّضح أن عدم استسلام رسول الهدىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لطلبات المشركين الآنفة إنّما يعود لعلمهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعدم جدواها في إثبات ما يلزم من نبوته ، وأنّها انطلقت ـ فقط ـ على سبيل التحجج والتذرّع من قبل عتاة قريش وكبرائها ، لذلك أهملصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا الكلام ولم يستجب لاقتراحاتهم غير المنطقية وغير المعقولة.

* * *

__________________

(١) يمكن في هذا الصدد مراجعة الآيات (١١٠) من سورة المائدة ، و (٤٩) من سورة آل عمران.

١٤٥

الآيتان

( وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥) )

التّفسير

ذريعة عامّة :

الآيات السابقة تحدّثت عن تذرّع المشركين ـ أو قسم منهم ـ في قضية التوحيد ، أمّا الآيات التي نبحثها فإنّها تشير إلى ذريعة عامّة في مقابل دعوة الأنبياء ، حيث تقول :( وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً ) .

هل يمكن التصديق بأنّ هذه المهمّة والمنزلة الرفيعة تقع على عاتق الإنسان ثمّ والكلام للمشركين ـ ألم يكن الأولى والأجدر أن تقع هذه المهمّة ـ وهذه المسؤولية ـ على عاتق مخلوق أفضل كالملائكة ـ مثلا ـ كي يستطيعوا أداء هذه المهمّة بجدارة إذ أين الإنسان الترابي والرسالة الإلهية؟!

إنّ هذا المنطق الواهي الذي تحكيه الآية على لسان المشركين لا يخص

١٤٦

مجموعة أو مجموعتين من الناس ، بل إنّ أكثر الناس وفي امتداد تأريخ النّبوات قد تذرّعوا به في مقابل الأنبياء والرّسل.

قوم نوحعليه‌السلام ـ مثلا ـ كانوا يعارضون نبيّهم بمثل هذا المنطق ويصّرحون :( ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) كما حكت ذلك الآية (٢٤) من سورة المؤمنون.

أمّا قوم هود فقد كانوا يواجهون نبيّهم بالقول :( ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ) كما ورد في الآية (٣٣) من سورة المؤمنون. ثمّ أضافت الآية (٣٤) من نفس السورة قولهم :( وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ ) .

نفس هذه الذريعة تمسّك بها المشركون ضد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمام دعوة الإسلام التي جاء بها ، إذ قالوا :( ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً ) (١) .

القرآن الكريم أجاب هؤلاء جميعا في جملة قصيرة واحدة مليئة بالمعاني والدلالات ، قال تعالى :( قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً ) .

يعني أنّ القائد يجب أن يكون من سنخ من بعث إليه ، ومن جنس أتباعه ، فالإنسان لجماعة البشر ، والملك لجماعة الملائكة.

ودليل هذا التجانس والتطابق بين القائد وأتباعه واضح ؛ فمن جانب يعتبر التبليغ العملي أهم وظيفة في عمل القائد من خلال كونه قدوة وأسوة ، وهذا لا يتمّ إلّا أن يكون القائد من جنسهم ، يمتلك نفس الغرائز والأحاسيس ، ونفس مكونات البناء الجسمي والروحي الذي يملكه كل فرد من أفراد جماعته ، فلو كان الرّسول إلى البشر من جنس الملائكة الذين لا يملكون الشهوة ولا يحتاجون إلى الطعام والمسكن والملبس ، فلا يستطيع أن يتمثل معنى الأسوة والقدوة لمن

__________________

(١) الفرقان ، ٧.

١٤٧

بعث إليهم ، بل إنّ الناس سوف يقولون : إنّ هذا النّبي المرسل لا يعرف ما في قلوبنا وضمائرنا ، ولا يدرك ما تنطوي عليه أرواحنا من عوامل الشهوة والغضب وما إلى ذلك ، إنّ مثل هذا الرّسول سوف يتحدث إلى نفسه فقط ، إذ لو كان مثلنا يملك نفس أحاسيسنا ومشاعرنا لكان مثل حالنا أو أسوأ ، لذا لا اعتبار لكلامه.

أمّا عند ما يكون القائد مثل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام الذي يقول: «إنّما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي أمنة يوم الخوف الأكبر»(١) . فإنّ مثله يصلح أن يكون الأسوة والقدوة لمن يقودهم.

من جانب آخر ينبغي للقائد أن يدرك جميع احتياجات ومشاكل أتباعه كي يكون قادرا على علاجهم ، والإجابة على أسئلتهم ، لهذا السبب نرى أنّ الأنبياء برزوا من بين عامّة الناس ، وعانوا في حياتهم كما يعاني الناس ، وذاقوا جميع مرارات الحياة ، ولمسوا الحقائق المؤلمة بأنفسهم وهيأوا أنفسهم لمعالجتها ومصابرة مشكلات الحياة.

* * *

ملاحظات

١ ـ قوله تعالى :( وَما مَنَعَ النَّاسَ ) يعني إن سبب عدم إيمانهم هو هذا التذرّع، إلّا أنّ هذا التعبير ليس دليلا على الحصر ، بل هو للتأكيد وبيان أهمية الموضوع.

٢ ـ عبارة :( مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ ) موضع اختلاف في أقوال وآراء المفسّرين ، فالبعض يعتبرها إشارة إلى قول عرب الجاهلية الذين كانوا يقولون بأنّنا كنّا نعيش في هذه الجزيرة حياة هادئة ، وقد جاء محمّد ليجلب الفوضى والقلق ، إلّا أنّهم جوبهوا بقول القرآن لهم بأنّه حتى لو كانت الملائكة تسكن

__________________

(١) نهج البلاغة ، الرسالة رقم ٤٥.

١٤٨

الأرض وكانوا يعيشون حياة هادئة ـ كما تدّعون ـ فإنّنا كنّا سنرسل لهم رسولا من جنسهم وصنفهم.

البعض الآخر من المفسّرين فسّرها بأنّها «اطمئنان إلى الدنيا ولذاتها والابتعاد عن أي مذهب ودين».

وأخيرا فسّرها بعضهم بمعنى (السكن والتوطّن) في الأرض.

لكن الاحتمال الأقوى هو أن يكون هدف الآية : لو كانت الملائكة ساكنة في الأرض ، وكانوا يعيشون حياة هادئة وخالية من الصراع والنزاع ، فرغم ذلك كانوا سيشعرون بالحاجة إلى قائد من جنسهم ، حيث أنّ الهدف من إرسال الأنبياء وبعثهم ليس لإنهاء الصراع والنزاع وإيجاد أسباب الحياة المادية الهادئة وحسب ، بل إنّ هذه الأمور هي مقدمة لطي سبيل التكامل والتربية في المجالات المعنوية والإنسانية ، ومثل هذا الهدف يحتاج إلى قائد إلهي.

٣ ـ يستفيد العلّامة الطباطبائي في تفسير الميزان من كلمة «أرض» في الآية أعلاه، أنّ طبيعة الحياة المادية على الأرض تحتاج إلى نبي ، وبدونه لا يمكن الحياة.

إضافة الى ذلك فإنّه يرى أنّ هذه الكلمة إشارة لطيفة إلى جاذبية الأرض حيث أنّ التحرّك بهدوء واطمئنان بدون وجود الجاذبية يعتبر أمرا محالا.

* * *

١٤٩

الآيتان

( قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦) وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (٩٧) )

التّفسير

المهتدون الحقيقيون :

بعد أن قطعت الآيات السابقة أشواطا في مجال التوحيد والنّبوة وعرض حديث المعارضين والمشركين ، فإنّ هذه الآيات عبارة عن خاتمة المطاف في هذا الحديث ، إذ تضع النتيجة الأخيرة لكل ذلك. ففي البداية تقول الآية إذا لم يقبل أولئك أدلتك الواضحة حول التوحيد والنّبوة والمعاد فقل لهم :( قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ) (١) .

إنّ هذه الآية تستهدف أمرين فهي أوّلا : تهدّد المعارضين المتعصبين

__________________

(١) من حيث التركيب : إنّ «الباء» في( كَفى بِاللهِ ) زائدة ، و «الله» فاعل «كفى» و «شهيدا» تمييز، أو حال كما يقول البعض.

١٥٠

والمعاندين ، بأنّ الله خبير وبصير ويشهد أعمالنا وأعمالكم ، فلا تظنوا بأنّكم خارجون عن محيط قدرته أو أنّ شيئا من أعمالكم خاف عنه.

الأمر الثّاني : هو أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أظهر إيمانه القاطع بما قال ، حيث أنّ ايمان المتحدّث القوي بما يقول له أثر نفسي عميق في المستمع ، وعسى أن يكون هذا التعبير القاطع والحاسم المقرون بنوع من التهديد مؤثرا فيهم ، ويهز وجودهم ، ويوقظ فكرهم ووجدانهم ويهديهم إلى الطريق الصحيح.

الآية التالية تؤكّد على أن الشخص المهتدي هو الذي قذف الله تعالى بنور الإيمان في قلبه :( وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ) أمّا من أظلّه الله بسوء أعماله :( وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ ) . فالطريق الوحيد هو أن يرجعوا إليه ويطلبوا نور الهداية منه.

هاتان الجملتان تثبتان أنّ الدليل القوي والقاطع لا يكفي للإيمان ، فما لم يكن هناك توفيق إلهى لا يستقر الإيمان أبدا.

هذا التعبير يشبه دعوتنا لمجموعة لأن تفعل الخير بعد أن نشرح لهم أهمية الموضوع بواسطة الأدلة المختلفة ، إلّا أنّ الحصيلة العملية ستكون موافقة البعض ، وامتناع البعض الآخر عن فعل الخير برغم صحة الأدلة. وبذلك لا يكون كل واحد لائقا لفعل الخير.

وهذه حقيقة فليس كل قلب يليق لأن ينال نور الحق ، إضافة إلى أنّ الكلام يثير المستمع ، وقد يحدث أن يترك الشخص بتأثير هذا الكلام عناده ولجاجته ليثبت لياقته للحق ويستسلم له.

وقلنا مرارا : إنّ الهداية والضلالة الإلهيتين ليستا شيئين جبريين ، بل تخضعان للأثر المباشر لأعمال الإنسان وصفاته ، فالأشخاص الذين جاهدوا أنفسهم وسعوا بجدية في طريق القرب الإلهي ، فمن البديهي أن الله سيوفّقهم

١٥١

ويهديهم :( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) (١) .

أمّا أولئك الذين يسلكون طريق العناد والمكابرة وتتلوّث فطرتهم وقلوبهم بأنواع الذنوب والمفاسد والمظالم ، فإنّهم قد قضوا على أي استعداد أو جدارة لديهم في قبول الحق بالتالي مستحق للضلالة :( وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ ) (٢) .( وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّاالْفاسِقِينَ ) (٣) .( كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ ) (٤) .

أمّا عن سبب مجيء «أولياء» بصيغة الجمع ، فقد يعود ذلك للإشارة إلى تعدّد الآلهة الوهمية أو تنوع الوسائل التي يلجأون إليها ، فيكون المقصود أنّ جميع هذه الوسائل وجميع البشر وغير البشر ، وكل ما تؤلهون من آلهة من دون الله ، لا يستطيع أن ينقذكم من الضلالة وسوء العاقبة.

ثمّ تذكر الآيات ـ بصيغة التهديد القاطع ـ جانبا من مصيرهم بسبب أعمالهم في يوم القيامة فتقول :( وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ ) فبدلا من الدخول بشكل عادي وبقامة منتصبة ، فإنّ الملائكة الموكلين بهم يسحبونهم إلى جهنّم على وجوهم تعذيبا لهم.

البعض يعتقد أنّ هؤلاء يسبحون يوم القيامة بسبب عجزهم في ذلك اليوم عن المشي،لذلك فإنّهم يزحفون كالزواحف على وجوههم وصدورهم بشكل ذليل ومؤلم.

نعم ، فأولئك محرومون من نعمة كبيرة ، هي نعمة المشي على الأرجل ، لأنّهم لم يستفيدوا من هذه الوسيلة في هذه الدنيا في سلوك طريق السعادة والهداية ، بل خصصوها لسلوك طرق الذنوب والمعاصي.

ثمّ هم يحشرون :( عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا ) . وهنا قد يطرح هذا السؤال ، وهو : إنّ

__________________

(١) العنكبوت ، ٦٩.

(٢) إبراهيم ، ٢٧.

(٣) البقرة ، ٢٦.

(٤) غافر ، ٣٤.

١٥٢

المجرمين وأهل الجحيم ينظرون ويسمعون ويتكلمون ، فكيف تقول هذه الآية( عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا ) (١) ؟

للمفسّرين أقوال متعدّدة في الإجابة على هذا السؤال ، إلّا أن أفضلها جوابان نستطيع إجمالهما فيما يلي :

أوّلا : إنّ مراحل ومواقف يوم القيامة متعدّدة ، ففي بعض المراحل والمواقف يكون هؤلاء صما وبكما وعميا ، وهذا نوع من العقاب لهم ، لأنّهم لم يستفيدوا من هذه النعم الإلهية بصورة صحيحة في حياتهم الدنيا. إلّا أنّه ـ في مراحل لاحقة ـ فإنّ عيونهم تبدأ بالنظر ، وآذانهم بالسماع ، وألسنتهم بالنطق حتى يروا منظر العذاب ويسمعون كلام الشامتين ، ويبدأون بالتأوه والصراخ وإظهار ضعفهم ، حيث أن كل هذه الأمور هي نوع آخر من العقاب لهم.

ثانيا : إنّ المجرمين وأهل النار محرومون من رؤية ما هو سارّ ومن سماع أمور تبعث على الفرح ، ومن قول كلام يستوجب نجاتهم ، بل على العكس من ذلك ، فهم لا ينظرون ولا يسمعون ولا يقولون إلّا ما يؤذي ويؤلم.

في الختام تقول الآية :( مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ ) .

لكن لا تظنّوا أنّ نارها كنار الدنيا تنطفي في النهاية ، بل هي :( كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً )

* * *

__________________

(١) في الآية (٥٣) من سورة الكهف نقرأ قوله تعالى :( وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ ) وفي الآية (١٣) من سورة الفرقان قوله تعالى :( دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً ) وفي الآية (١٢) من الفرقان نقرأ :( سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ) .

١٥٣

الآيات

( ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٩٨) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (٩٩) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (١٠٠) )

التّفسير

كيف يكون المعاد ممكنا؟

في الآيات السابقة رأينا كيف أنّ يوما سيئا ينتظر المجرمين في العالم الآخر. هذه العاقبة التي تجعل أي عاقل يفكّر في هذا المصير ، لذلك فإنّ الآيات التي بين أيدينا تقف على هذه الموضوع بشكل آخر.

في البداية تقول :( ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا إِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً ) .

«رفات» كما يقول الراغب في «المفردات» هي قطع من (التبن) لا تتهشم بل

١٥٤

تنتشر وتتناثر هنا وهناك. والأمر لا يحتاج إلى مزيد توضيح ، فالإنسان يتحول تحت التراب إلى عظام نخرة ثمّ إلى تراب ، ثمّ تتلاشى ذرات التراب هذه وتنتشر.

وبعد تعجبهم من المعاد الجسماني واعتبارهم ذلك أمرا غير ممكن ، يقول القرآن بأسلوب واضح ومباشر وبلا فصل :( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ) . وعلى هؤلاء أن لا يعجلوا فإنّ القيامة وإن تأخّرت ، إلّا أنّها سوف تتحقق بلا ريب :( وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ ) .

ولكن هؤلاء الظالمين والمعادين مستمرون على ما هم فيه رغم سماعهم هذه الآيات :( فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً ) .

وحيث أنّهم كانوا يصرخون ويصّرون على أن لا يكون النّبي من البشر حسدا من عند أنفسهم وجهلا وضلالا ، وقد منعهم هذا الحسد والجهل من التصديق بإمكانية أن يعطي الله كل هذه المواهب لإنسان ، لذا فإنّ الخالق جلّ وعلا يخاطبهم بقوله :( قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ ) . ثمّ يقول :( وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً ) .

«قتور» من «قتر» على وزن «قتل» وهي تعني الإمساك في الصرف ، وبما أنّ (قتور) صيغة مبالغة فإنّها تعني شدّة الإمساك وضيق النظر.

* * *

ملاحظات

١ ـ المعاد الجسماني

الآيات أعلاه من أوضح الآيات المرتبطة بإثبات المعاد الجسماني ، فالمشركين كانوا يعجبون من إمكانية عودة الحياة إلى العظام النخرة ، والقرآن يجيبهم بأنّ القادر على خلق السماوات والأرض ، لديه القدرة على جمع الأجزاء

١٥٥

المتناثرة للإنسان وأن يهبها الحياة مرّة أخرى.

ولا ندري كيف ينكر بعض من يدعي الإسلام قضية المعاد الجسماني ، ويقتصرون في إيمانهم على المعاد الروحي برغم الدلالات الواضحة لهذه الآيات وغيرها؟

كما إنّ الاستدلال بالقدرة الكلية للخالقعزوجل في إثبات المعاد ، هو واحد من الأدلة التي يذكرها القرآن مرارا ويعتمد عليها كثيرا. ويظهر مثل هذا النمط من الاستدلال بالقدرة الكلية على المعاد في الآية الأخيرة من سورة (يس) والتي تتضمّن عدّة أدلة لإثبات المعاد الجسماني(١) .

٢ ـ أيّ الآيات؟

هناك احتمالات عديدة في أنّ الغرض من هذه (الآيات) في جملة( كَفَرُوا بِآياتِنا ) هي آيات التوحيد أو أدلة النّبوة ، أو الآيات المرتبطة بالمعاد. ولكن وقوع الجملة في بحث المعاد ، ترجح اعتقادنا بأنّها إشارة إلى آيات المعاد ، وهي في الحقيقة مقدمة للردّ على منكري المعاد.

٣ ـ ما هو الغرض من «مثلهم»؟

إنّنا نعرف أنّ الله ـ بسبب قدرته العظيمة ـ قادر في يوم القيامة على إرجاع الناس ، في حين أنّنا نقرأ في الآيات أعلاه أنّه يستطيع أن يخلق مثلهم. وقد يكون هذا التعبير مدعاة لاشتباه أو استفسار البعض عمّا إذا كان الناس الذين يردون القيامة هم ليسوا هؤلاء الناس أنفسهم؟

بعض المفسّرين يرى أن الغرض من (مثل) هنا هو (عين) ففي بعض الأحيان نقول (مثلك يجب ألّا يقوم بهذا العمل) إلّا أنّنا نقصد أنّك أنت الذي يجب أن لا

__________________

(١) لمزيد من التفاصيل يراجع كتاب : «العالم والمعاد بعد الموت».

١٥٦

تقوم بهذا العمل ، لكن هذا التّفسير بعيد ، لأنّ مثل هذه التعابير لها محل آخر لا يتناسب مع ما نبحثه الآن.

الظاهر أنّ الغرض من استخدام تعبير (مثل) في هذه الآية هو إعادة الحياة. فإعادة الخلق مرّة ثانية لا تكون حتما كالمرّة الأولى ، حيث هناك على الأقل زمان آخر وظروف أخرى ، وصورة جديدة بالرغم من أنّ المادة هي نفس المادة القديمة. وكمثال لذلك إذا جمعنا اجزاء متناثرة لقطعة من الآجر ووضعناها في قالبها القديم ، فإنّنا لا نستطيع أن نقول عن الآجر الجديد أنّه نفس قطعة الآجر القديمة ، بالرغم من أنّه ليس إلّا الطين السابق. بل نقول: إنّه مثله. وهذا دليل على التعابير المختارة والمنتخبة في القرآن الكريم.

ومن المسلّم به أنّ روح الإنسان تحدّد شخصيته ، ونحن نعلم أنّ الروح الأولى هي التي عند البعث ، إلّا أنّ المعاد الجسماني يقول لنا : إنّ الروح ستكون مع نفس المادة الأولى ، يعني أنّ تلك المادة المتلاشية ستتجمّع مرّة أخرى وتندمج مع روحها ، وفي موضوع المعاد أثبتنا أن روح الإنسان بعد أن تتخذ شكلا معينا لا يمكنها أن تنسجم مع غير جسدها الأصلي الذي تربت وعاشت معه. وهذا هو السر في البعث الروحي والجسدي معا.

٤ ـ ما هو (الأجل)؟

إنّ (الأجل) هو نهاية العمر. ولكن هل (الأجل) في هذه الآيات إشارة إلى نهاية العمر أو هو إشارة إلى نهاية عمر الدنيا وبداية البعث؟

وبما أنّ الحديث يدور حول المعاد ، لذا فإنّ المعنى الثّاني أكثر صحة. وأمّا ما قاله بعض المفسّرين الكبار من أنّ هذا الكلام لا يتناسب مع جملة( لا رَيْبَ فِيهِ ) لأنّ منكري المعاد كانوا يشكّون حتما في قضية المعاد. فإنّ ذلك غير صحيح ، لأنّ مفهوم مثل هذا التعبير هو أنّه يجب أن لا نسمح للشك بأنّ يدخل إلى أنفسنا نحن ،

١٥٧

لا أنّ أحدا لا يشك بذلك!

لذا فإنّ المفهوم الكلي للآية يصبح على هذه الصورة. إنّ الله الذي خلق السماوات والأرض يستطيع ـ حتما ـ أن يعيد الحياة لهؤلاء البشر ، أمّا إذا لم يحدث هذا الأمر بسرعة، فذلك بسبب أنّ السنة الإلهية لها أجل محدود وحتمي بحيث لا مجال للشك فيها.

وتصبح النتيجة : إنّ الدليل القاطع في قبال منكري المعاد هي هذه القدرة ، وأمّا قوله :( جَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ ) فهو جواب على سؤال حول سبب تأخير القيامة. (فدقق في ذلك).

٥ ـ الترابط بين الآيات

عند مطالعة هذه الآيات يثار سؤال حول كيفية الارتباط والصلة بين كلمة (قتورا) التي هي بمعنى (بخيل) الواردة في آخر الآية ، وبين ما نبحثه؟

بعض المفسّرين قالوا : إنّ هذه الجملة إشارة إلى موضوع طرح قبل عدّة آيات من قبل عبدة الأصنام ، فقد طلبوا من الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يملأ أرض مكّة بالعيون والبساتين. أمّا القرآن فيقول في جواب هؤلاء :( قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً ) .

إلّا أنّ هذا التّفسير مستبعد لأنّ كلام المشركين لم يكن عن مالكية هذه العيون والبساتين ، بل إنّهم طالبوا الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأصل هذا العمل والذي يعتبر عملا إعجازيا.

التّفسير الآخر الذي ذكر في بيان الصلة وهو أفضل من التّفسير الأوّل ، هو أنّهم ـ بسبب بخلهم وضيق أنفسهم ـ كانوا يتعجبون من منح هذه الموهبة (النّبوة) للإنسان،وهذه الآية بمثابة ردّ عليهم حيث تقول لهم : إن بخلكم بلغ درجة بحيث أنّكم لو ملكتم جميع الدنيا فسوف لا تتركون صفاتكم السيئة والقبيحة هذه.

١٥٨

٦ ـ هل أن جميع البشر بخلاء؟

لقد قلنا ـ لمرّات عديدة ـ إنّ القرآن يذكر الإنسان بشكل عام ، ويلومه بأنواع اللوم، ويصفه بصفات كالبخل والجهل والعجول والظلوم وما شابهها.

إنّ هذه التعابير لا تتنافى مع كون المؤمنين والصالحين يتحلّون بضد هذه الصفات ، حيث يشير التعبير إلى أنّ الطبيعة الآدمية هي هكذا ، وإذا لم يخضع الإنسان لتربية القادة الإلهيين ، وترك لشأنه كالنباتات المتروكة فسيكون مستعدا للاتصاف بهذه الصفات السيئة. وهذا لا يعني أنّ ذاته خلقت هكذا ، أو أنّ عاقبة الجميع كذلك(١) .

٧ ـ استخدام تعبير( خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ )

يعني الخوف من الفقر ، ذلك الفقر الذي يكون سببه كثرة الإنفاق ، كما يظنون.

* * *

__________________

(١) في البحوث السابقة تعرضنا لهذه القضية تفصيلا.

١٥٩

الآيات

( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤) )

التّفسير

لم يؤمنوا رغم الآيات :

قبل بضعة آيات عرفنا كيف أنّ المشركين طلبوا أمورا عجبية غريبة من الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبما أنّ هدفهم ـ باعترافهم هم أنفسهم ـ لم يكن لأجل الحق وطلبا له ، بل لأجل التذرّع والتحجج والتعجيز ، لذا فإنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ردّ عليهم ورفض الانصياع إلى طلباتهم.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

[٢٠٣] وبآخر ، عن عبد الله بن عباس ، إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ وليّ كل مؤمن من بعدي.

[٢٠٤] وبآخر عن البراء بن عازب ، إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أخذ بعضد عليعليه‌السلام فأقامه ، ثم قال : هذا وليكم من بعدي والى الله من والاه وعادى من يعاديه. قال : فقام عمر بن الخطاب إليه. فقال : يهنيك يا ابن أبي طالب ، أصبحت ، أو قال : أمسيت(١) ولي كل مسلم.

[٢٠٥] وبآخر عن بريدة ، إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي وليكم من بعدي.

[٢٠٦] وبآخر عن عمار بن ياسر رحمة الله عليه إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب فمن تولاه فقد تولاني ومن تولاني فقد تولى الله عز وجل.

[٢٠٧] وبآخر ، الحسين بن الحكم بن مسلم الحبري ، باسناده عن سلمان الفارسي ( رضوان الله عليه ) ، انه قال : كنت عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده جماعة من أصحابه إذ وقف أعرابي [ من بني عامر وسلم ] فقال : والله يا محمد لقد آمنت بك من قبل أن أراك ، وصدقتك من قبل أن ألقاك ، وقد بلغني عنك أمر ، فأردت سماعه منك. فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وما الذي بلغك عني يا أعرابي؟ قال : دعوتنا الى أن نشهد أن لا إله إلا الله والى. الإقرار بأنك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأجبناك ، وإلى الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد ، فأجبناك ، ثم لم ترض حتى دعوت الناس إلى حبّ ابن عمّك علي وولايته ، فذلك فرض علينا من الأرض أم الله فرضه من السماء؟

__________________

(١) وفي غاية المرام ص ٨٤ : أصبحت وأمسيت.

٢٢١

قال : فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بل الله عز وجل فرضه من السماء(١) .

قال الأعرابي : فان كان الله عز وجل فرضه ، فحدّثني به يا رسول الله.

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أعرابي أني اعطيت في علي خمس خصال الواحدة منها خير من الدنيا بحذافيرها ، يا أعرابي ألا انبئك بهن؟

قال : بلى يا رسول الله.

قال : كنت يوم بدر جالسا وقد انقضت الغزاة فهبط عليّ جبرائيلعليه‌السلام ، فقال : يا محمد إن الله تعالى يقرؤك السلام ، ويقول لك : إني آليت على نفسي بنفسي ألا الهم حب علي ، إلا من أحببته ، فمن أحببته ألهمته ذلك ، ومن أبغضته ألهمته بغضه وعداوته.

يا أعرابي ألا انبئك بالثانية؟

قال : بلى يا رسول الله.

قال : كنت يوم أحد جالسا ، وقد فرغت من جهاز عمي حمزة فاذا أنا بجبرائيلعليه‌السلام وقد هبط عليّ ، فقال : يا محمد ، الله تعالى يقرؤك السلام ، ويقول لك : اني فرضت الصلاة ووضعتها عن العليل(٢) ، والزكاة ووضعتها عن المقسر ، والصوم فوضعته عن المسافر ، والحج ووضعته عن المقتر(٣) ، والجهاد فوضعته عمّن له عذر وفرضت ولاية علي ومحبته على جميع الخلق ، فلم أعط أحدا فيها رخصة

__________________

(١) وفي الفضائل لابن شاذان : ص ١٤٧ بل فرضه الله تعالى في السماوات على أهل السماوات والأرض.

(٢) وهو المريض ، ووضعناها بمعنى خففت من أحكامها لعلّة مرضه بأحكام مرنة ملائمة لحاله.

(٣) الفقير.

٢٢٢

طرفة عين.

[ ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ] يا أعرابي ألا انبئك بالثالثة؟

قال : بلى.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : ما خلق الله عز وجل شيئا إلا جعل له سيدا ، فالنسر سيد الطيور(٢) والثور سيد البهائم والأسد سيد السباع وإسرافيل سيد الملائكة ويوم الجمعة سيد الأيام وشهر رمضان سيد الشهور(٣) وأنا سيد الأنبياء وعلي سيد الأوصياء.

[ ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ] يا أعرابي ، إلا انبئك بالرابعة؟

قال : بلى يا رسول الله.

قال : يا أعرابي : إن الله عز وجل خلق حبّ علي شجرة أصلها في الجنة وأغصانها في الدنيا ، فمن تعلّق بغصن من أغصانها في الدنيا أورده الجنة ، وبغض علي شجرة أصلها في النار وأغصانها في الدنيا ، فمن تعلّق بغصن من أغصانها في الدنيا أورده في النار.

[ ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ] يا أعرابي ألا انبئك بالخامسة؟

قال : بلى يا رسول الله.

قال : إذا كان يوم القيامة يؤتى بمنبري فينصب عن يمين العرش ويؤتى بمنبر إبراهيمعليه‌السلام فينصب عن يمين العرش. يا أعرابي والعرش له يمينان ، فمنبري عن يمين ، ومنبر إبراهيم عن يمين ثم يؤتى بكرسي عال مشرف فينصب بين المنبرين المعروف بكرسيّ الكرامة

__________________

(١) وفي بحار الأنوار ٢٧ / ١٢٩ : إنه ما أنزل الله كتابا ولا خلق الله ...

(٢) وفي الأصل : الطير.

(٣) وفي الفضائل ص ١٤٧ أضاف : وآدم سيد البشر.

٢٢٣

لعلي ، وأنا عن يمين العرش على منبري وإبراهيم على منبره وعلي على كرسيّ الكرامة وأصحابي حولي ، وشيعة علي حوله فما رأيت أحسن من حبيب بين خليلين.

يا أعرابي : أحبب عليا حق حبّه ، فما هبط عليّ جبرائيل إلا سألني عن علي وشيعته ، ولا عرج من عندي إلا قال أقرئ مني عليا أمير المؤمنينعليه‌السلام السّلام.

[ فعند ذلك قال الأعرابي : سمعا وطاعة لله ولرسوله ولابن عمه علي بن أبي طالب ](١) .

[٢٠٨] وبآخر ، أبو بصير ، عن أبي جعفر محمد بن عليعليه‌السلام ، إنه قال : إذا مات العبد المؤمن من أهل ولايتنا وصار الى قبره دخل معه قبره ست حور منهن حورة أحسنهن وجها وأطيبهن ريحا وأنظفهن هيئة ، حورة تكون عند رأسه ، وتكون الاخرى منهن عن يمينه ، والاخرى عن يساره ، والاخرى من خلفه ، والاخرى عن قدامه ، والاخرى عند رجليه ، فيمنعنه من حيث ما أتى من الجهات ويؤنسنه في قبره ، فيقول الميت من أنتنّ ، جزاكنّ الله خيرا. فتقول التي عن يمينه : أنا الصلاة ، وتقول التي عن يساره : أنا الزكاة ، وتقول التي بين يديه : أنا الصيام ، وتقول التي من خلفه : أنا الحج والعمرة ، وتقول التي عند رجليه : أنا الجهاد وأنا من وصلته من إخوانك ، وتقول التي عند رأسه وهي أحسنهن : أنا الولاية لعليعليه‌السلام والائمة من ذرّيته.

[٢٠٩] وبآخر ، معاذ بن مسلم ، قال : دخلت مع أخي عمرو ، على أبي عبد الله ( جعفر بن محمدعليه‌السلام ) ، فقلت له : جعلت فداك هذا

__________________

(١) هذه الزيادة موجودة في الفضائل لابن شاذان ص ١٤٧.

٢٢٤

أخي يريد أن يسمع منك. فقال له : سل عمّا شئت.

فقال : أسألك عن الذي لا يقبل الله عز وجل من العباد غيره ، ولا يعذرهم على جهله؟

قالعليه‌السلام : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمّدا رسول الله والطهارة والصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان وحجّ البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلا والجهاد لمن قدر عليه والائتمار(١) مع ذلك بأئمة الحق من آل محمّد عليه وعليهم أفضل الصلاة.

قال له عمرو : سمّهم لي جعلت فداك.

قالعليه‌السلام : علي أمير المؤمنين ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، ويعطي الله الخير من يشاء.

قال له : فأنت جعلت فداك؟ قال : يجري لآخرنا ما جرى لأوّلنا ، ومحمد وعلي أفضلنا.

[٢١٠] أبو صالح ، عن عبد الله بن عباس ، إنه قال في قول الله عز وجل «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ » (٢) . قال : أتى عبد الله بن سلام ورهط من أهل الكتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند صلاة الظهر ، فقالوا : يا رسول الله ، إن بيوتنا قاصية ولا نجد محدثا دون أهل المسجد ، وإن قومنا لما رأونا قد آمنا بالله ورسوله وتركنا دينهم أظهروا لنا العداوة وأقسموا أن لا يخالطونا ولا يجالسونا ولا يكلّمونا وتبرّءوا منا ومن ولايتنا و[ قاطعونا ] ، فشقّ ذلك علينا.

فبيناهم يشكون ذلك الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ انزل عليه : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) الآية ». فقرأها رسول الله صلّى الله

__________________

(١) الافتداء.

(٢) المائدة : ٥٥

٢٢٥

عليه وآله. فقالوا : رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين ، وأذّن بلال لصلاة الظهر.

فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى المسجد والناس يصلّون ، ومسكين يسأل ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل أعطاك أحد شيئا؟

قال : نعم. قال : ما ذا؟ قال : خاتم فضة. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أعطاك؟ قال : ذلك الرجل القائم ـ وأومى الى علي ـ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وعلى أيّ حال أعطاك؟ قال : وهو راكع مررت به ، وأنا أسأل ، فاستلّه(١) من إصبعه وناولني إياه. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الله أكبر(٢) .

[٢١١] وفي إسناد آخر ، إنه لما فرغ من الصلاة دعا علياعليه‌السلام فبشره بما أنزل الله فيه وما أوجب من ولايته.

[٢١٢] وبآخر عن علي بن عامر ، يرفعه الى أبي معشر ، قال : دخلت الرحبة ، فاذا عليعليه‌السلام بين يديه مال مصبوب وهو يقول : والذي فلق الحبة وبرىء النسمة لا يموت عبدا وهو يحبني إلا جئت أنا وهو كهاتين يوم القيامة ـ وجمع المسبحتين من يديه جمعا ـ ولا أقول كهاتين ـ وجمع بين

__________________

(١) استلّه أي : استخرجه من إصبعه.

(٢) روى عمار بن موسى الساباطي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام إن الخاتم الذي تصدق به أمير المؤمنينعليه‌السلام وزن أربعة مثاقيل حلقته من فضة ـ وفضته خمسة مثاقيل ـ وهو من ياقوتة حمراء ، وثمنه خراج الشام ، وخراج الشام ثلاثمائة حمل من فضة وأربعة أحمال من ذهب ، وكان الخاتم لمران بن طوق ، قتله أمير المؤمنين ـ في الجهاد ـ وأخذ الخاتم من إصبعه ، وأتى به الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جملة الغنائم وأمره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأخذ الخاتم.

قال الغزالي في كتاب سرّ العالمين : إن الخاتم الذي تصدق به أمير المؤمنين كان خاتم سليمان بن داود.

قال الشيخ الطوسي : إن التصدق بالخاتم كان في اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجة.

٢٢٦

المسبحة والوسطى من يده اليمنى ـ وقال : أنا يعسوب المؤمنين ووليهم ، وهذا ـ وأشار الى المال ـ يعسوب المنافقين ومقصدهم ، فبي يلوذ المؤمنون ، وبهذا يلوذ المنافقون.

[٢١٣] وعن جعفر بن سليمان الهاشمي ، يرفعه الى عمر بن الخطاب ، إنه قال : أحبّوا الأشراف وتودّدوهم ، واتقوا على أعراضكم السفلة ، ولا يتم إسلام مسلم حتى يتولّى علي بن أبي طالب.

[٢١٤] الحسين بن الحكم الحبري ، يرفعه الى أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله عليه ، إنه قال : بينما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمشي وعليعليه‌السلام معه في بعض طرق الجبانة ، إذ عرضت لهما جنازة رثة الهيئة قليلة التبع ، فوقف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى انتهوا بها إليه ، فقال : قفوا ، من هذا الميت؟ فقالوا : يا رسول الله هذا عبد لنبي الرياح(١) كان كثير الاسراف على نفسه فجفاه الناس ، فلما مات قلّ تبعه. قال : أصلّيتم عليه؟ قالوا : لا. فقال : امضوا. ومضى معهم حتى انتهوا إلى موضع فيه سعة. فقال : أنزلوه. فأنزلوه ، فصلّى عليه ، ثم مشى معهم الى قبره ، فدفنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسوّى عليه التراب ، فلما تفرقوا ، قال لعليعليه‌السلام : أما سمعت ما قال هؤلاء القوم في هذا الميت؟ قال : بلى يا رسول الله ، ولكني أخبرك عنه إنه والله ما استقبلني قط إلا قال لي : يا مولاي أنا والله أحبك وأتولاّك. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فبها والله أدرك ما أدرك لقد رأيت معه قبيلا من الملائكة(٢) يشيّعون جنازته.

__________________

(١) وفي البحار ٣٩ / ٢٨٩ : هذا رياح غلام آل النجار.

(٢) وفي البحار أيضا : شيّعه سبعون ألف قبيل من الملائكة كل قبيل سبعون الف ملك.

٢٢٧

[٢١٥] وعن [ الحسين ](١) أيضا ، باسناده ، عن أبي هارون العبدي ، قال : كنت أرى رأي الخوارج الى أن جلست يوما الى أبي سعيد الخدري ، قال : ألا إن الاسلام بني على خمس ، فأخذ الناس بأربع وتركوا واحدة ، فقلت : وما هي يا أبا سعيد؟ قال : أما الأربع التي عمل بها الناس فالصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج ، فأما التي تركوها فولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام . قلت : ما تقول ، هي مفروضة؟ قال : إي والله مفروضة.

[٢١٦] وبآخر عنه ، يرفعه الى زيد بن أرقم والبراء بن عازب ، إنهما قالا : سمعنا أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي ، لعن الله من ادعى الى غير أبيه ، ولعن الله من انتمى الى غير مواليه ، الولد للفراش وللعاهر الحجر ، ليس لوارث وصيه إلا وقد سمعتم مني ورأيتموني ، فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار ، ألا وأني فرطكم على الحوض ومكاثر بكم الامم يوم القيامة ، ولأستنقذن من النار رجل ، وليستنقذن من يدي آخرون ، فأقول : يا رب أصحابي ، فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، ألا إن الله وليي وأنا ولي كل مؤمن ومؤمنة ، ومن كنت مولاه فعلي مولاه.

[٢١٧] وبآخر ، سعد بن ظريف ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال : بينا عليعليه‌السلام يصلّي إذ مرّ به سائل ، فرمى إليه بخاتمه وهو راكع ، فلما فرغ من صلاته أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : يا علي ، ما صنعت في صلاتك؟ فأخبره. فقال : إن الله تعالى أنزل فيك آيتين وتلا عليه قوله : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا » الى قوله : «هُمُ

__________________

(١) وفي الأصل : الحسن. وفي نسخة ـ ب ـ الحسين بن الحكم.

٢٢٨

الْغالِبُونَ » (١) .

[٢١٨] وبآخر ، محمد بن جرير الطبري ، باسناده ، عن عبد الله بن مسعود ، إنه قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو آخذ بيد عليعليه‌السلام وهو يقول : هذا ولي من أنا وليه ، عاديت من عاداه وسالمت من سالمه(٢) .

[٢١٩] وبآخر ، أبو نعيم ( الفضل بن دكين ) عن سفيان بن عيينة ، قال : سألت أبا عبد الله ( جعفر بن محمد )عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ » (٣) .

فنظر أبي كالمتعجب ، فقال لي : يا سفيان ، كيف سألتني عن هذه الآية وما سألني عنها أحد غيرك؟

ولقد سألت عنها أبي محمد بن عليعليه‌السلام فقال لي : بابني كيف سألتني عن هذه الآية وما سألني أحد غيرك؟

ولقد سألت عنها أبي علي بن الحسينعليه‌السلام فقال لي مثل ذلك.

وإنه سأل عنها أباه الحسين بن عليعليه‌السلام فقال له مثل ذلك.

وإنه سأل عنها أباه علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال له مثل

__________________

(١) الآيتين في سورة المائدة الآية ٥٥ و ٥٦( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ ) .

(٢) ولقد أجاد المؤلف حيث أشار في ارجوزته الى هذا المعنى :

ثم دعاه بينهم إليه

وقال وهو رافع يديه

يا ربّ وال اليوم من والاه

وعاد يا ذا العرش من عاداه

(٣) الشعراء : ٢٠٤. ( الارجوزة المختارة ص ١٠٧ ).

٢٢٩

ذلك ، وانه قال لأبيه عليعليه‌السلام ، إذ قال ذلك له : أردت أن تخبرني عنها فيمن انزلت؟

قال : نعم ، لما رجعنا من حجة الوداع نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خم ، فقال : معاشر الناس ، اني مسئول عنكم وانتم مسئولون عني ، فما أنتم قائلون؟

قالوا : نشهد إنك لرسول الله ، بلّغت رسالة ربك ونصحت لامّتك وعبدت ربك حتى أتاك اليقين ، فجزاك الله عنا من نبي خيرا.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأنتم ، فجزاكم الله عني خيرا ، فلقد صدقتموني وأعنتموني على تبليغ وحي الله عز وجل ورسالته ، وجاهدتم معي فجزاكم الله عني خيرا.

ثم أخذ بيدي فرفعها كأنها مروحة ، وقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأنا وليّ جميعهم؟

قالوا : نعم.

قال : من كنت مولاه فهذا مولاه. هل سمعتم وأطعتم.

قالوا : نعم.

قال : اللهمّ اشهد.

فقام نعمان بن الحارث الفهري(١) فقال : يا رسول الله أتيتنا فذكرت لنا إنك رسول الله إلينا ، فقلنا لك : أعن الله ذلك؟ قلت :

نعم ، فصدّقناك.

ثم أتيتنا بالفرائض ـ وذكرت كل فريضة منها ـ فقلنا لك : أعن الله هذا؟ قلت : نعم ، فصدّقناك.

__________________

(١) وفي البحار ذكر أنه الحارث بن النعمان الفهري راجع تخريج الاحاديث.

٢٣٠

ثم أخذت الآن بيد ابن عمك هذا ، فأمرتنا بولايته ، فالله أمرك بهذا؟ قال : نعم والله عز وجل أمرني أن أقول ذلك لكم.

فقال كلمة يعنى بها التكذيب ، ثم ولّى مغضبا ، وهو يقول : اللهمّ إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. ثم أتى ناقته ، فحلّ عقالها ، وركبها ، فانطلق يريد أهله ، فأصابته حجارة من السماء [ فسقطت في رأسه وخرجت من دبره وسقط ميتا ](١) .

وفي رواية اخرى : نار فقتلته قبل أن يصل الى أهله ، فأنزل الله عز وجل :( أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ ) (٢) .

[٢٢٠] وبآخر عيسى بن عبد الله بن عمر ، قال : كنت جالسا عند أبي عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام فسمع الرعد ، فقال : سبحان من سبّحت له.

ثم قال : يا أبا محمد أخبرني أبي عن أبيه عن جده ، عن الصدّيق الأكبر عليعليه‌السلام إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

أوصي من آمن بي وصدقني ، بولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام فإن ولاءه ولائي ، وولائي ولاءه ، أمر أمرني به ربي عز وجل ، وعهد عهده إليّ ، وأمرني أن أبلغكموه وإن منكم من ينقصه حقّه ويركب عقّه.

قالوا : يا رسول الله أولا تعرّفنا بهم؟

قال : أما إني قد عرفتهم ، ولكن امرت بالإعراض عنهم لأمر هو كائن ، وكفى بالمرء منكم ما في قلبه لعليعليه‌السلام .

__________________

(١) هذه الزيادة موجودة في بحار الأنوار ٣٧ / ١٧٦.

(٢) الشعراء : ٢٠٤.

٢٣١

[٢٢١] وبآخر ، مسعر عن طلحة بن عميرة ، قال : شهدت علياعليه‌السلام على المنبر ، وحول المنبر اثنا عشر رجلا من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : اناشدكم الله من كانت لي عنده شهادة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا قام فأداها.

فقام القوم فذكروا قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنت مولاه فعلي مولاه » ، وكان فيهم أنس بن مالك ، فلم يقم ، ولم يقل شيئا.

فقال له عليعليه‌السلام : يا أنس بن مالك ، ما منعك أن تقوم فتشهد بما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال : يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت.

فقال عليعليه‌السلام : اللهمّ إن كان كاذبا فابتله ببياض لا تواريه العمامة.

قال طلحة : فو الله ما متّ حتى رأيتها نكتة(١) بين عينيه من برص أصابه.

[٢٢٢] وبآخر في حديث آخر عن زيد بن أرقم(٢) ، قد ذكرناه فيما تقدم إنه قال : أنشد عليعليه‌السلام الناس [ في المسجد ] : من سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « من كنت مولاه فعلي مولاه » ، إلا قام فشهد.

فقام جماعة ، فشهدوا ، وكنت فيمن كتم ، فعمي بصري ، وكان يحدث بذلك بعد أن عمي.

[٢٢٣] وبآخر ، محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبي عبيدة عن عمار بن ياسر ، عن أبيه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أوصي من آمن

__________________

(١) النكتة ونكت ونكات : النقطة البيضاء في الأسود.

(٢) وفي نسخة ـ ب ـ عن بريدة.

٢٣٢

بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب ، فمن تولاه فقد تولاني ، ومن تولاني فقد تولى الله ، ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله ، ومن أبغض الله يوشك أن يأخذه عقاب.

[٢٢٤] وبآخر ، عن عباس ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله عليه إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا سيد الناس(١) ولا فخر ، وعليّ سيد المؤمنين ولا فخر ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه.

[٢٢٥] وبآخر سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة عن عليعليه‌السلام ، إنه قال : في قوله الله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ » (٢) .

قال : [ ناكبون ] عن ولايتنا أهل البيت.

[٢٢٦] وقالعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً » (٣) .

قال : في ولايتنا أهل البيت.

[٢٢٧] وبآخر ، أبو حمزة ، عن ابن عباس ، إنه قال في قوله الله عز وجل : «رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً » (٤) .

قال : الدخول في الولاية.

«وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً » قال : الجنة.

[٢٢٨] وبآخر ، الشعبي عن ابن عباس ، إنه قال في قوله الله تعالى :

__________________

(١) وفي نسخة ـ أ ـ سيد البشر.

(٢) المؤمنون : ٧٤.

( ٣ ـ ٤ ) البقرة : ٢٠٨ و ٢٠١.

٢٣٣

  «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ » (١) .

قال : يوقف الناس على الصراط فيسألون عن ولاية عليعليه‌السلام .

[٢٢٩] وبآخر ، يزيد بن عبد الملك ، عن علي بن الحسينعليه‌السلام ، إنه قال : في قول الله تعالى : «بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً » (٢) .

قال : من ولاية علي أمير المؤمنين والأوصياء من ولدهعليهم‌السلام أجمعين.

[٢٣٠] وبآخر ، زيد بن المنذر عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين صلوات الله عليهم أجمعين إنه قال ـ في قوله تعالى ـ : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما ) ( يُحْيِيكُمْ » (٣) .

قال : ولاية عليعليه‌السلام .

[٢٣١] وبآخر ، داود بن سرحان ، قال : سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله تعالى : «فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ » (٤) .

قال : ذلك علي بن أبي طالبعليه‌السلام إذا رأوا ما أزلفه(٥) الله عز وجل به لديه ، ومنزلة ومكانه من الله جلّ ثناؤه أكلوا اكفهم على ما فرطوا فيه من ولايتهعليه‌السلام .

[٢٣٢] وبآخر ، أبو حذيفة عن هلقام ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال

__________________

(١) الصافات : ٢٤.

(٢) البقرة : ٩٠.

(٣) الأنفال : ٢٤.

(٤) الملك : ٢٧.

(٥) أزلفه : قربه ، والزلفى : القربة والمنزلة ( مختار الصحاح ص ٢٧٣ ).

٢٣٤

في قول الله تعالى : «فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ »(١) .

قال : من دفعهم لولاية أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

[٢٣٣] وبآخر ، أبان بن عثمان ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى :( وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ » (٢) .

قال : هو وعد تواعد الله به من كذب بولاية علي أمير المؤمنين.

[٢٣٤] وبآخر ، جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : لما أنزل الله تعالى على رسول الله محمد صلوات الله عليه وآله : «إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ » (٣) .

قال لعليعليه‌السلام : المجرمون ، ـ يا علي ـ المكذبون بولايتك.

[٢٣٥] وبآخر ، عن عمر بن اذينه ، عن جعفر بن محمد عن أبيه صلوات الله عليهم إنه قال في قول الله عز وجل : «أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ » (٤) .

قال : يقول : أفتطمعون أن يقرّوا لكم بالولاية ، وهم يحرّفون الكلم عن مواضعه.

[٢٣٦] وبآخر ، جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام إنه قال في قول الله [ تعالى ] : «أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ ، فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ » (٥) .

قال : قد كذبوا والله فريقا من آل محمد وفتلوا فريقا.

[٢٣٧] وبآخر ، ثابت الثمالي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قوله الله تعالى : «أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ » (٦) .

__________________

(١) ص : ١٧.

(٢) المزمل : ١١.

(٣) المدثر : ٤٢.

(٤) البقرة : ٧٥.

(٥) البقرة : ٨٧.

(٦) البقرة : ١١٤.

٢٣٥

قال : يعني الولاية لا يقولوا بها إلا وهم يخافون على أنفسهم إظهار القول بها.

[٢٣٨] وبآخر ، جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال : في قول الله عز وجل «وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ » (١) .

قال : مسلمون بولاية عليعليه‌السلام .

[٢٣٩] وبآخر ، محمد بن سلام ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله عز وجل : «قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ » (٢) قال : إن الله عز وجل أوحى الى نبيه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمره بالصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد فلما فعلوا ذلك وأقاموه ، وكان آخر ما فعلوه منه الحج معه حجة الوداع وقام فيهم بولاية عليعليه‌السلام .

قال قوم : الى متى يلزمنا محمد هذه الفرائض شيئا بعد شيء؟

فأنزل الله تعالى قل : «إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ » يعني الولاية لأمير المؤمنين صلوات الله عليه.

[٢٤٠] وبآخر ، عبد الصمد بن بشير ، عن عطيّة عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال : لما كان يوم غدير خم ، وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في عليعليه‌السلام ـ ما قال ، اجتمع جنود إبليس إليه ، فقالوا : ما هذا الأمر الذي حدث كنّا نظن أن محمّدا إذا مضى تفرق هؤلاء ، فنراه قد عقد هذا الأمر لآخر من بعده. فقال لهم : إن أصحابه لا يفوا له بما عقد عليهم.

قال عطية : ثم قال لي أبو جعفرعليه‌السلام : أتدري أين هو من كتاب الله تعالى؟

__________________

(١) البقرة : ١٣٢

(٢) السبأ : ٤٦.

٢٣٦

قلت : لا.

قال : هو قوله تعالى : «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » (١) .

[٢٤١] وبآخر ، يعقوب بن المطلب ، عن أبي جعفر محمد بن عليعليه‌السلام ، إنه قال : في قول الله عز وجل : «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ » (٢) .

قال : لا تعدلوا عن ولايتنا فتهلكوا في الدنيا والآخرة

[٢٤٢] وبآخر ، إبراهيم بن عمر الصنعاني ، عن أبي جعفر ( محمد بن علي بن الحسينعليه‌السلام ) ، إنه قال : في قول الله عز وجل : «سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى » (٣) .

قال : لا يقول بولايتنا إلا من يخشى الله تعالى.

[٢٤٣] فضيل بن الرسان ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى » (٤) .

قال : نعينك على تبليغ الرسالة بمعرفة حق الأوصياءعليهم‌السلام .

[٢٤٤] وبآخر ، جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام إنه قال في قول الله [ عز وجل ] : «يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ ».

قال : يعني بولاية عليعليه‌السلام .

«وَإِنْ تَكْفُرُوا ) ـ يعني بولايته ـ( فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً » (٥)

__________________

(١) السبأ : ٢٠.

(٢) البقرة : ١٩٥.

(٣) الأعلى : ١٠.

(٤) الأعلى : ٨.

(٥) النساء : ١٧٠.

٢٣٧

[٢٤٥] وبآخر ، الفضل بن بشار ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا » (١) .

يعني الائمةعليهم‌السلام .

[٢٤٦] وعنهعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ » (٢) .

قال : يعني الولاية.

[٢٤٧] وبآخر ، حميد بن جابر بن العبدي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها » (٣) قال : يعني الولاية «لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ ».

قال : لأرواحهم «وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ » يوم القيامة.

[٢٤٨] وبآخر ، أبو الجارود ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ » (٤) .

يقول : الى ولاية عليعليه‌السلام ، فإنّ استجابتكم له في ولاية عليعليه‌السلام أجمع لأمركم.

[٢٤٩] وبآخر ، عن ابن عمر عن أبي جعفر عن أبيه ، إنه قال في قول الله تعالى : «وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها » (٥) .

قال : بالإقرار بالولاية ، فلتعبدوا ، أتعستم فيها بالجحود.

__________________

(١) المائدة : ٥٥.

(٢) المائدة : ٦٨.

(٣) الأعراف : ٤٠.

(٤) الأنفال : ٢٤.

(٥) آل عمران : ١٠٣.

٢٣٨

[٢٥٠] وبآخر ، جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام [ إنه ] قال : نزل جبرائيلعليه‌السلام علي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الآية : «فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً »(١) .

قال : بولاية عليعليه‌السلام .

[٢٥١] وبآخر ، عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى » (٢) ، قال : هو التارك لحقنا ، المضيع لما افترضه الله تعالى عليه من ولايتنا.

«وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى » ، قال : يقول ليس عليك يا محمد ألا يصلي ويزكي ويصوم ، فانه إن عمل أعمال الخير كلها وأتى بالفرائض بأسرها ثم لم يقبل بولاية الأوصياء لم يزن ما عمل عند الله سبحانه جناح بعوضة.

[٢٥٢] وبآخر ، أبو الجارود ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا » (٣) .

قال : علم الله عز وجل إنهم سيفترقون بعد نبيهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويختلفون ، فنهاهم الله عن التفرق كما نهى من كان قبله وأمرهم أن يجتمعوا على ولاية آل محمدعليهم‌السلام ولا يتفرقوا.

[٢٥٣] وبآخر ، محمد بن زيد ، عن أبيه ، قال : سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله تعالى : «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها » (٤) ، أهي للمسلمين عامة؟.

قال : الحسنة : ولاية علي أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

[٢٥٤] وبآخر ، خيثمة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله

__________________

(١) الإسراء : ٨٩.

(٢) عبس : ٥.

(٣) آل عمران : ١٠٣.

(٤) الأنعام : ١٦٠.

٢٣٩

تعالى : «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى » (١) .

قال : العروة الوثقى هي : ولاية عليعليه‌السلام والقول بإمامته والبراءة من أعدائه ، والطاغوت أعداء آل محمّدعليهم‌السلام .

[٢٥٥] وبآخر ، جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن عليعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله عز وجل : «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ » (٢) ، قال : الذين كفروا بولاية عليعليه‌السلام وأوصياء رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين.

[٢٥٦] وبآخر ، أبو حمزة ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ » (٣) ، قال : ولاية عليعليه‌السلام وولايتنا من بعده.

[٢٥٧] وبآخر ، خالد بن يزيد ، عنهعليه‌السلام ، إنه قال : في قول الله تعالى : «فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ » (٤) ، قال : في القول بالولاية.

[٢٥٨] وبآخر ، حسّان الجمّال ، قال : حملت أبا عبد الله ( جعفر بن محمدعليه‌السلام ) من المدينة الى مكة ، فلما انتهى إلى غدير خم ، نظر الى المسجد ، فقال : ترى عن يسار المسجد ذاك؟

قلت : نعم.

قال : كان موضع قدمي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أخذ بيد عليعليه‌السلام ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه.

ونظر الى الجانب الأيمن ، فقال : هاهنا كان فسطاط أربعة من

__________________

(١) البقرة : ٢٥٦.

(٢) البقرة : ٦.

(٣) الكهف : ٤٤.

(٤) التغابن : ١٦.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576