الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 576

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 264159 / تحميل: 11780
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وهذه الآيات ـ التي نبحثها ـ في الحقيقة تقف على نماذج للأمم السابقة ممّن شاهدوا أنواع المعاجز والأعمال غير العادية ، إلّا أنّهم استمروا في الإنكار وعدم الإيمان.

في البدء يقول تعالى :( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ ) . سنشير في نهاية هذا البحث إلى هذه الآيات التسع وماهيتها.

ولأجل التأكيد على الموضوع اسأل ـ والخطاب موّجه إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بني إسرائيل (اليهود) أمام قومك المعارضين والمنكرين :( فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ ) .

إلّا أنّ الطاغية الجبار فرعون ـ برغم الآيات ـ لم يستسلم للحق ، بل أكثر من ذلك اتّهم موسى( فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً ) .

وفي بيان معنى «مسحور» ذكر المفسّرون تفسيرين ، فالبعض قالوا : إنّها تعني الساحر بشهادة آيات قرآنية أخرى ، تقول بأنّ فرعون وقومه اتّهموا موسى بالساحر ، ومثل هذا الاستخدام وارد وله نظائر في اللغة العربية ، حيث يكون اسم المفعول بمعنى الفاعل ، كما في (مشؤوم) التي يمكن أن تأتي بمعنى «شائم» و (ميمون) بمعنى «يامن».

ولكن قسم آخر من المفسّرين أبقى كلمة «مسحور» بمعناها المفعولي والتي تعني الشخص الذي أثّر فيه الساحر ، كما يستفاد من الآية (٣٩) من سورة الذاريات التي نسبت السحر إليه ، والجنون أيضا ،( فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ) .

على أي حال ، فإنّ التعبير القرآني يكشف عن الأسلوب الدعائي التحريضي الذي يستخدمه المستكبرون ويتهمون فيه الرجال الإلهيين بسبب حركتهم الإصلاحية الربانية ضدّ الفساد والظلم ، إذ يصف الظالمون والطغاة معجزاتهم بالسحر أو ينعتونهم بالجنون كي يؤثروا من هذا الطريق في قلوب الناس

١٦١

ويفرّقوهم عن الأنبياء.

ولكن موسىعليه‌السلام لم يسكت أمام اتّهام فرعون له ، بل أجابه بلغة قاطعة يعرف فرعون مغزاها الدقيق ، إذ قال له :( قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ ) .

لذا فإنّك ـ يا فرعون ـ تعلم بوضوح أنّك تتنكر للحقائق ، برغم علمك بأنّها من الله! فهذه «بصائر» أي أدلة واضحة للناس كي يتعرفوا بواسطتها على طريق الحق. وعند ما سيسلكون طريق السعادة. وبما أنّك ـ يا فرعون ـ تعرف الحق وتنكره ، لذا :( وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً ) .

(مثبور) من (ثبور) وتعني الهلاك.

ولأنّ فرعون لم يستطع أن يقف بوجه استدلالات موسى القوية ، فإنّه سلك طريقا يسلكه جميع الطواغيت عديمي المنطق في جميع القرون وكافة الأعصار ، وذاك قوله تعالى:( فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً ) .

«يستفز» من «استفزاز» وتعني الإخراج بقوة وعنف.

ومن بعد هذا النصر العظيم :( وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً ) . فتأتون مجموعات يوم القيامة للحساب.

«لفيف» من مادة «لفّ» وهنا تعني المجموعة المتداخلة المعقّدة بحيث لا يعرف الأشخاص ، ولا من أي قبيلة هم!

* * *

بحوث

١ ـ المقصود من الآيات التسع

لقد ذكر القرآن الكريم آيات ومعجزات كثيرة لموسىعليه‌السلام منها ما يلي :

١ ـ تحوّل العصا إلى ثعبان عظيم يلقف أدوات الساحرين ، كما في الآية

١٦٢

(٢٠) من سورة طه :( فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى ) .

٢ ـ اليد البيضاء لموسىعليه‌السلام والتي تشع نورا :( وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى ) (١) .

٣ ـ الطوفان :( فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ ) (٢) .

٤ ـ الجراد الذي أباد زراعتهم وأشجارهم( وَالْجَرادَ ) (٣) .

٥ ـ والقمل الذي هو نوع من الأمراض والآفات التي تصيب النبات : و( الْقُمَّلَ ) (٤) .

٦ ـ (الضفادع) التي جاءت من النيل وتكاثرت وأصبحت وبالا على حياتهم:( وَالضَّفادِعَ ) (٥) .

٧ ـ الدم ، أو الابتلاء العام بالرعاف ، أو تبدّل نهر النيل إلى لون الدم ، بحيث أصبح ماؤه غير صالح لا للشرب ولا للزراعة :( وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ ) (٦) .

٨ ـ فتح طريق في البحر بحيث استطاع بنو إسرائيل العبور منه :( وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ ) (٧) .

٩ ـ نزول ال (منّ) و (السلوى) من السماء ، وقد شرحنا ذلك في نهاية الآية (٥٧) من سورة البقرة( وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى ) (٨) .

١٠ ـ انفجار العيون من الأحجار :( فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً ) (٩) .

١١ ـ انفصال جزء من الجبل ليظلّلهم :( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ

__________________

(١) طه ، ٢٢.

(٢) و (٣) و (٤) و (٥) و (٦) ـ الأعراف ، ١٣٣.

(٧) البقرة ، ٥٠.

(٨) البقرة ، ٥٧.

(٩) البقرة ، ٦٠.

١٦٣

ظُلَّةٌ ) (١) .

١٢ ـ الجفاف ونقص الثمرات :( وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ ) (٢) .

١٣ ـ عودة الحياة إلى المقتول والذي أصبح قتله سببا للاختلاف بين بني إسرائيل:( فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى ) (٣) .

١٤ ـ الاستفادة من ظل الغمام في الاحتماء من حرارة الصحراء بشكل إعجازي :( وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ ) (٤) .

ولكن الكلام هنا هو : ما هو المقصود من (الآيات التسع) المذكورة في الآيات التي نبحثها؟

يظهر من خلال التعابير المستخدمة في هذه الآيات أنّ المقصود هو المعاجز المرتبطة بفرعون وأصحابه ، وليست تلك المتعلقة ببني إسرائيل من قبيل نزول المنّ والسلوى وتفجّر العيون من الصخور وأمثال ذلك.

لذا يمكن القول أنّ الآية (١٣٣) من سورة الأعراف تتعرض إلى خمسة مواضيع من الآيات التسع وهي : (الطوفان ، القمّل ، الجراد ، الضفادع ، والدم).

كذلك اليد البيضاء والعصا تدخل في الآيات التسع ، يؤيد ذلك ورود تعبير (الآيات التسع) في الآيات (١٠ ـ ١٢) من سورة النمل بعد ذكر هاتين المعجزتين الكبيرتين.

وبذلك يصبح مجموع هذه المعاجز ـ الآيات ـ سبعا ، فما هي الآيتان الأخيرتان؟

بلا شك إنّنا لا نستطيع اعتبار غرق فرعون وقومه في عداد الآيات التسع ،

__________________

(١) الأعراف ، ١٧١.

(٢) الأعراف ، ١٣٠.

(٣) البقرة ، ٧٣.

(٤) البقرة ، ٥٧.

١٦٤

لأنّ الهدف من الآيات أن تكون دافعا لهدايتهم وسببا لقبولهم بنبوة موسىعليه‌السلام ، لا أن تقوم بهلاك فرعون وقومه.

عند التدقيق في آيات سورة الأعراف التي جاء فيها ذكر العديد من هذه الآيات يظهر أنّ الآيتين الأخريتين هما : (الجفاف) و (نقص الثمرات) حيث أننا نقرأ بعد معجزة العصا واليد البيضاء وقبل تبيان الآيات الخمس (الجراد ، والقمل ...) قوله تعالى :( وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) .

وبالرغم من أنّ البعض يتصوّر أنّ الجفاف لا يمكن فصله عن نقص الثمرات وبذا تعتبر الآيتان آية واحدة ، إلّا أنّ الجفاف المؤقت والمحدود ـ كما قلنا في تفسير الآية (١٣٠) من سورة الأعراف ـ لا يؤثّر تأثيرا كبيرا في الأشجار ، أمّا عند ما يكون جفافا طويلا فإنّه سيؤدي إلى إبادة الأشجار ، لذا فإنّ الجفاف لوحده لا يؤدي دائما إلى نقص الثمرات.

إضافة إلى ما سبق يمكن أن يكون السبب في نقص الثمرات هو الأمراض والآفات وليس الجفاف.

والنتيجة أنّ الآيات التسع التي وردت الإشارة إليها في الآيات التي نبحثها هي:العصا، اليد البيضاء ، الطوفان ، الجراد ، القمل ، الضفادع ، الدم ، الجفاف ، ونقص الثمرات.

ومن نفس سورة الأعراف نعرف أنّ هؤلاء ـ برغم الآيات التسع هذه ـ لم يؤمنوا ، لذلك انتقمنا منهم وأغرقناهم في اليم بسبب تكذيبهم(١) .

هناك روايات عديدة وردت في مصادرنا حول تفسير هذه الآية ، ولاختلافها فيما بينها لا يمكن الاعتماد عليها في إصدار الحكم.

__________________

(١) الأعراف ، ١٣٦.

١٦٥

٢ ـ هل أنّ السائل هو الرّسول نفسه؟

ظاهر الآيات أعلاه يدل على أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد أمر بسؤال بني إسرائيل حول الآيات التسع التي نزلت على موسى ، وكيف أنّ فرعون وقومه صدّوا عن حقانية موسىعليه‌السلام بمختلف الذرائع رغم الآيات.

ولكن بما أنّ لدى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العلم والعقل بحيث أنّه لا يحتاج إلى السؤال ، لذا فإنّ بعض المفسّرين ذهب الى أن المأمور بالسؤال هم المخاطبون الآخرون.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ سؤال الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكن لنفسه ، بل للمشركين ، لذلك فما المانع من أن يكون شخص الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي يسأل حتى يعلم المشركون أنّه عند ما لم يوافق على اقتراحاتهم ، فذلك لأنّها اقتراحات باطلة قائمة على التعصّب والعناد ، كما قرأنا في قصّة موسى وفرعون ونظير ذلك.

٣ ـ ما المراد ب (الأرض) المذكورة في الآيات؟

قرأنا في الآيات أعلاه أنّ الله أمر بني إسرائيل بعد أن انتصروا على فرعون وجنوده أن يسكنوا الأرض ، فهل الغرض من الأرض هي مصر (نفس الكلمة وردت في الآية السابقة والتي بيّنت أنّ فرعون أراد أن يخرجهم من تلك الأرض.

وبنفس المعنى أشارت آيات أخرى إلى أنّ بني إسرائيل ورثوا فرعون وقومه) أو أنّها إشارة إلى الأرض المقدّسة فلسطين ، لأنّ بني إسرائيل بعد هذه الحادثة اتجهوا نحو أرض فلسطين وأمروا أن يدخلوها.

بالنسبة لنا فإنّنا لا نستبعد أيّا من الاحتمالين ، لأنّ بني إسرائيل ـ بشهادة الآيات القرآنية ـ ورثوا أراضي فرعون وقومه ، وامتلكوا أرض فلسطين أيضا.

١٦٦

٤ ـ هل تعني كلمة (وعد الآخرة) يوم البعث والآخرة؟

ظاهرا إنّ الإجابة بالإيجاب ، حيث أنّ جملة( جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً ) قرينة على هذا الموضوع ، ومؤيّدة لهذا الرأي. إلّا أنّ بعض المفسّرين احتملوا أنّ (وعد الآخرة) إشارة إلى ما أشرنا إليه في بداية هذه السورة ، من أنّ الله تبارك وتعالى قد توعّد بني إسرائيل بالنصر والهزيمة مرّتين ، وقد سمى الأولى بـ «وعد الأولى» والثّانية بـ «وعد الآخرة» ، إلّا أنّ هذا الاحتمال ضعيف مع وجود قوله تعالى :( جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً ) (فدقق في ذلك).

* * *

١٦٧

الآيات

( وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (١٠٥) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (١٠٩) )

التّفسير

عشاق الحق

مرّة أخرى يشير القرآن العظيم إلى أهمية وعظمة هذا الكتاب السماوي ويجيب على بعض ذرائع المعارضين.

في البداية تقول الآيات :( وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ ) ، ثمّ تضيف بلا أدنى فاصلة( وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ) .

ثمّ تقول :( وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً ) إذ ليس لك الحق في تغيير محتوى القرآن.

١٦٨

لقد ذكر المفسّرون آراء مختلفة في الفرق بين الجملة الأولى :( وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ ) والجملة الثّانية :( وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ) منها :

١ ـ المراد من الجملة الأولى : إنّنا قدّرنا أن ينزل القرآن بالحق. بينما تضيف الجملة الثّانية أنّ هذا الأمر أو التقدير قد تحقق ، لذا فإنّ التعبير الأوّل يشير إلى التقدير ، بينما يشير الثّاني إلى مرحلة الفعل والتحقق(١) .

٢ ـ الجملة الأولى تشير إلى أنّ مادة القرآن ومحتواه هو الحق ، أمّا التعبير الثّاني فانّه يبيّن أن نتيجته وثمرته هي الحق أيضا(٢) .

٣ ـ الرأي الثّالث يرى أنّ الجملة الأولى تقول : إنّنا نزّلنا هذا القرآن بالحق بينما الثّانية تقول : إنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتدخل في الحق ولم يتصرف به ، لذا فقد نزل الحقّ.

وثمّة احتمال آخر قد يكون أوضح من هذه التّفاسير ، وهو أنّ الإنسان قد يبدأ في بعض الأحيان بعمل ما ، ولكنّه لا يستطيع إتمامه بشكل صحيح وذلك بسبب من ضعفه ، أمّا بالنسبة للشخص الذي يعلم بكل شيء ويقدر على كل شيء ، فإنّه يبدأ بداية صحيحة ، وينهي العمل نهاية صحيحة. وكمثال على ذلك الشخص الذي يخرج ماء صافيا من أحد العيون ، ولكن خلال مسير هذا الماء لا يستطيع ذلك الشخص أن يحافظ على صفاء هذا الماء ونظافته أو يمنعه من التلوث ، فيصل الماء في هذه الحالة إلى الآخرين وهو ملوّث. إلّا أنّ الشخص القادر والمحيط بالأمور ، يحافظ على بقاء الماء صافيا وبعيدا عن عوامل التلوث حتى يصل إلى العطاشى والمحتاجين له.

القرآن كتاب نزل بالحق من قبل الخالق ، وهو محفوظ في جميع مراحله سواء في المرحلة التي كان الوسيط فيها جبرائيل الأمين ، أو المرحلة التي كان

__________________

(١) يراجع تفسير القرطبي ، ج ٦ ، ص ٣٩٥٥.

(٢) في ظلال القرآن ، أننا تفسير الآية.

١٦٩

الرّسول فيها هو المتلقي ، وبمرور الزمن له تستطيع يد التحريف والتزوير أن تمتد إليه بمقتضى قوله تعالى :( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) فالله هو الذي يتكفل حمايته وحراسته.

لذا فإنّ هذا الماء النقي الصافي الوحي الإلهي القويم لم تناله يد التحريف والتبديل منذ عصر الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحتى نهاية العالم.

الآية التي تليها ترد على واحدة من ذرائع المعارضين وحججهم ، إذ كانوا يقولون: لماذا لم ينزل القرآن دفعة واحدة على الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولماذا كان نزوله تدريجيا؟ كما تشير إلى ذلك الآية (٣٢) من سورة الفرقان التي تقول :( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً ، كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً ) فيقول الله في جواب هؤلاء:( وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ ) (١) حتى يدخل القلوب والأفكار ويترجم عمليا بشكل كامل.

ومن أجل التأكيد أكثر تبيّن الآية ـ بشكل قاطع ـ أنّ جميع هذا القرآن أنزلناه نحن:( وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً ) .

إنّ القرآن كتاب السماء إلى الأرض ، وهو أساس الإسلام ودليل لجميع البشر ، والقاعدة المتينة لجميع الشرائع القانونية والاجتماعية والسياسية والعبادية لدنيا المسلمين ، لذلك فإنّ شبهة هؤلاء في عدم نزوله دفعة واحدة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجاب عليها من خلال النقاط الآتية :

أوّلا : بالرغم من أنّ القرآن هو كتاب ، إلّا أنّه ليس ككتب الإنسان المؤلّفة حيث يجلس المؤلّف ويفكّر ويكتب موضوعا ، ثمّ ينظّم فصول الكتاب وأبوابه لينتهي من تحرير الكتاب ، بل القرآن له ارتباط دقيق بعصره ، أي ارتباط ب (٢٣) سنة ، هي عصر نبوة نبي الإسلام بكل ما كانت تتمخض به من حوادث وقضايا.

__________________

(١) مجيء كلمة (قرآن) منصوبة في الآية أعلاه يفسّره المفسّرين بأنّه مفعول لفعل مقدّر تقديره (فرقناه) ، وبذلك تصبح الجملة هكذا : (وفرقناه قرآنا).

١٧٠

لذا كيف يمكن لكتاب يتحدث عن حوادث (٢٣) سنة متزامنا لها أن ينزل في يوم واحد؟

هل يمكن جمع حوادث (٢٣) سنة نفسها في يوم واحد ، حتى ينزل القرآن في يوم واحد؟

إنّ في القرآن آيات تتعلق بالغزوات الإسلامية ، وآيات تختص بالمنافقين ، وأخرى ترتبط بالوفود التي كانت تفد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فهل يمكن أن يكتب مجموع كل ذلك منذ اليوم الأوّل؟

ثانيا : ليس القرآن كتابا ذا طابع تعليمي وحسب ، بل ينبغي لكل آية فيه أن تنفّذ بعد نزولها ، فإذا كان القرآن قد نزل مرّة واحدة ، فينبغي أن يتمّ العمل به مرّة واحدة أيضا ، ونعلم بأنّ هذا محال ، لأنّ إصلاح مجتمع مليء بالفساد لا يتمّ في يوم واحد ، إذ لا يمكن إرسال الطفل الأمي دفعة واحدة من الصف الأوّل إلى الصفوف المتقدمة في الجامعة في يوم واحد. لهذا السبب نزل القرآن نجوما ـ أي بشكل تدريجي ـ كي ينفذ بشكل جيّد ويستوعبه الجميع وكي يكون للمجتمع قابلية قبوله واستيعابه وتمثله عمليا.

ثالثا : بدون شك ، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كقائد هذه النهضة العظيمة سيكون ذا قدرات وإمكانيات أكبر عند ما يقوم بتطبيق القرآن جزءا جزءا ، بدلا من تنفيذه دفعة واحدة. صحيح أنّه مرسل من الخالق وذو عقل واستعداد كبيرين ليس لهما مثيل ، إلّا أنّه برغم ذلك فإنّ تقبّل الناس للقرآن وتنفيذ تعاليمه بصورة تدريجية سيكون أكمل وأفضل ممّا لو نزل دفعة واحدة.

رابعا : النّزول التدريجي يعني الارتباط الدائمي للرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع مصدر الوحي ، إلّا أنّ النّزول الدفعي يتمّ بمرحلة واحدة لا يتسنى للرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الارتباط بمصدر الوحي لأكثر من مرّة واحدة.

آخر الآية (٣٢) من سورة الفرقان تقول :( كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ

١٧١

تَرْتِيلاً ) وهي إشارة إلى السبب الثّالث ، بينما الآية التي نبحثها تشير إلى السبب الثّاني من مجموع الأسباب الأربعة التي أوردناها. ولكن الحصيلة أنّ مجموع هذه العوامل تكشف بشكل حي وواضح أسباب وثمار النّزول التدريجي للقرآن.

الآية التي تليها استهدفت غرور المعارضين الجهلة حيث تقول :( قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) .

* * *

ملاحظات

في هذه الآية ينبغي الالتفات إلى الملاحظات الآتية :

أوّلا : يعتقد المفسّرون أنّ جملة( آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا ) يتبعها جملة محذوفة قدّروها بأوجه متعدّدة ، إذ قال بعضهم : إن المعنى هو : سواء آمنتم أم لم تؤمنوا فلا يضر ذلك بإعجاز القرآن ونسبته إلى الخالق.

بينما قال البعض : إنّ التقدير يكون : سواء آمنتم به أو لم تؤمنوا فإنّ نفع ذلك وضرره سيقع عليكم.

لكن يحتمل أن تكون الجملة التي بعدها مكمّلة لها ، وهي كناية عن أنّ عدم الإيمان هو سبب عدم العلم والمعرفة ، فلو كنتم تعلمون لآمنتم به. وبعبارة أخرى : يكون المعنى : إذا لم تؤمنوا به فإنّ الأفراد الواعين وذوي العلم يؤمنون به.

ثانيا : إنّ المقصود من( الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ ) هم مجموعة من علماء اليهود والنصارى من الذين آمنوا بعد أن سمعوا آيات القرآن ، وشاهدوا العلائم التي قرءوها في التوراة والإنجيل ، والتحقوا بصف المؤمنين الحقيقيين ، وأصبحوا من علماء الإسلام.

وفي آيات أخرى من القرآن تمت الإشارة إلى هذا الموضوع ، كما في قوله

١٧٢

تعالى في الآية (١١٣) من سورة آل عمران :( لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ) .

ثالثا : «يخرّون» بمعنى يسقطون على الأرض بدون إرادتهم ، واستخدام هذه الكلمة بدلا من السجود ينطوي على إشارة لطيفة ، هي أنّ الواعين وذوي القلوب اليقظة عند ما يسمعون آيات القرآن وكلام الخالقعزوجل ينجذبون إليه ويولهون به الى درجة أنّهم يسقطون على الأرض ويسجدون خشية بدون وعي واختيار(١) .

رابعا : (أذقان) جمع (ذقن) ومن المعلوم أن ذقن الإنسان عند السجود لا يلمس الأرض ، إلّا أن تعبير الآية إشارة إلى أنّ هؤلاء يضعون كامل وجههم على الأرض قبال خالقهم حتى أنّ ذقنهم قد يلمس الأرض عند السجود.

بعض المفسّرين احتمل أنّ الإنسان عند سجوده يضع أوّلا جبهته على الأرض ، ولكن الشخص المدهوش عند ما يسقط على الأرض يضع ذقنه أولا ، فيكون استخدام هذا التعبير في الآية تأكيدا لمعنى (يخرون)(٢) .

الاية التي بعدها توضح قولهم عند ما يسجدون :( وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً ) (٣) . هؤلاء يعبرون بهذا الكلام عن عمق إيمانهم واعتقادهم بالله وبصفاته وبوعده. فهذا الكلام يشمل الإيمان بالتوحيد والصفات الحقة والإيمان بنبوة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالمعاد. والكلام على هذا الأساس يجمع أصول الدين في جملة واحدة.

وللتأكيد ـ أكثر ـ على تأثّر هؤلاء بآيات ربّهم ، وعلى سجدة الحب التي

__________________

(١) يقول الراغب في (المفردات) : «يخرون» من مادة «خرير» ويقال لصوت الماء والريح وغير ذلك ممّا يسقط من علّو. وقوله تعالى :( خَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) تنبيه على اجتماع أمرين : السقوط وحصول الصوت منهم بالتسبيح ، والتنبيه أنّ ذلك الخرير كان صوت تسبيحهم بحمد الله لا بشيء آخر. ودليله قوله تعالى فيما بعد:( وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) .

(٢) تفسير المعاني ، ج ١٥ ، ص ١٧٥.

(٣) (إنّ) في قوله :( إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا ) غير شرطية ، بل هي تأكيدية ، وهي مخففة من الثقيلة.

١٧٣

يسجدونها تقول الآية التي بعدها :( وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) .

إنّ تكرار جملة( يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ ) دليل على التأكيد ، وعلى الاستمرار أيضا.

الفعل المضارع (يبكون) دليل على استمرار البكاء بسبب حبّهم وعشقهم لخالقهم.

واستخدام الفعل المضارع في جملة( يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) دليل على أنّهم لا يتوقفون أبدا على حالة واحدة ، بل يتوجهون باستمرار نحو ذروة التكامل ، وخشوعهم دائما في زيادة (الخشوع هو حالة من التواضع والأدب الجسدي والروحي للإنسان في مقابل شخصية معينة أو حقيقة معينة).

* * *

بحثان :

١ ـ التخطيط للتربية والتعلم

من الدروس المهمّة التي نستفيدها من الآيات أعلاه ، هو ضرورة التخطيط لأي ثورة أو نهضة ثقافية أو فكرية أو اجتماعية أو تربوية ، فإذا لم يتمّ تنظيم مثل هذا البرنامج فالفشل سيكون النتيجة الحتمية لمثل هذه الجهود. إنّ القرآن الكريم لم ينزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّة واحدة بالرغم من أنّه كان موجودا في مخزون علم الله كاملا ، وقد تمّ عرضه في ليلة القدر على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفعة واحدة ، إلّا أنّ النّزول التدريجي استمرّ طوال (٢٣) سنة ، وضمن مراحل زمنية مختلفة وفي إطار برنامج عملي دقيق.

وعند ما يقوم الخالق جلّ وعلا بهذا العمل بالرغم من عمله وقدرته المطلقة وغير المتناهية عند ذلك سيتّضح دورنا وتكليفنا نحن إزاء هذا المبدأ. وعادة ما يكون هذا قانونا وتكليفا إلهيا ، حيث أنّ وجوده العيني لا يختص بعالم التشريع

١٧٤

وحسب ، بل في عالم التكوين أيضا. إنّه من غير المتوقع أن تنصلح أمور مجتمع في مرحلة البناء خلال ليلة واحدة لأنّ البناء الحضاري الفكري والثقافي والاقتصادي والسياسي يحتاج إلى المزيد من الوقت.

وهذا الكلام يعني أنّنا إذا لم نصل إلى النتيجة المطلوبة في وقت قصير فعلينا أن لا نيأس ونترك بذل الجهد أو المثابرة. وينبغي أن نلتفت إلى أنّ الانتصارات النهائية والكاملة تكون عادة لأصحاب النفس الطويل.

٢ ـ علاقة العلم بالإيمان

الموضوع الآخر الذي يمكن أن نستفيده من الآيات أعلاه هو علاقة العلم بالإيمان، إذ تقول الآيات : إنّكم سواء آمنتم بالله أو لم تؤمنوا فإنّ العلماء سيؤمنون بالله إلى درجة أنّهم يعشقون الخالق ويسقطون أرضا ساجدين من شدّة الوله والحبّ ، وتجري الدّموع من أعينهم، وإنّ هذا الخشوع والتأدّب يتصف بالاستمرار في كل عصر وزمان.

إنّ الجهلة ـ فقط ـ هم الذين لا يعيرون أهمية للحقائق ويواجهونها بالاستهزاء والسخرية ، وإذا أثّر فيهم الإيمان في بعض الأحيان فإنّه سيكون تأثيرا ضعيفا خاليا من الحبّ والحرارة.

إضافة إلى ذلك ، فإنّ في الآية ما يؤكّد خطأ وخطل النظرية التي تربط بين الدين والجهل أو الخوف من المجهول. أمّا القرآن فإنّه يؤكّد على عكس ذلك تماما ، إذ يقول في مواقع متعدّدة : إنّ العلم والإيمان توأمان ، إذ لا يمكن أن يكون هناك إيمان عميق ثابت من دون علم ، والعلم في مراحلة المتقدمة يحتاج إلى الإيمان. (فدقق في ذلك).

* * *

١٧٥

الآيتان

( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١) )

سبب النّزول

وردت آراء متعدّدة في سبب نزول هاتين الآيتين منها ما نقله صاحب مجمع البيان عن ابن عباس الذي قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساجدا ذات ليلة بمكّة يدعو : يا رحمن يا رحيم ، فقال المشركون متهمين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّه يدعونا إلى إله واحد ، بينما يدعو هو مثنى مثنى. يقصدون بذلك قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رحمن يا رحيم. فنزلت الآية الكريمة أعلاه(١) .

__________________

(١) يراجع مجمع البيان أثناء تفسير الآية.

١٧٦

التّفسير

آخر الذرائع والأغذار

بعد سلسلة من الذرائع التي تشبث بها المشركون امام دعوة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نصل مع الآيات التي بين أيدينا إلى آخر ذريعة لهم ، وهي قولهم : لماذا يذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخالق بأسماء متعدّدة بالرغم من أنّه يدّعي التوحيد. القرآن ردّ على هؤلاء بقوله :( قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ) . إنّ هؤلاء عميان البصيرة والقلب ، غافلون عن أحداث ووقائع حياتهم اليومية حيث كانوا يذكرون أسماء مختلفة لشخص واحد أو لمكان واحد ، وكل اسم من هذه الأسماء كان يعرّف بشطر أو بصفة من صفات ذلك الشخص أو المكان.

بعد ذلك ، هل من العجيب أن تكون للخالق أسماء متعدّدة تتناسب مع أفعاله وكمالاته وهو المطلق في وجوده وفي صفاته والمنبع لكل صفات الكمال وجميع النعم ، وهو وحدهعزوجل الذي يدير دفة هذا العالم والوجود؟

أساسا ، فانّ الله تعالى لا يمكن معرفته ومناجاته باسم واحد إذ ينبغي أن تكون أسماؤه مثل صفاته غير محدودة حتى تعبّر عن ذاته ، ولكن لمحدودية ألفاظنا ـ كما هي أشياؤنا الأخرى أيضا ـ لا نستطيع سوى ذكر أسماء محدودة له ، وإنّ معرفتنا مهما بلغت فهي محدودة أيضا ، حتى أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو من هو في منزلته وروحه وعلو شأنه ، نراه يقول : «ما عرفناك حق معرفتك».

إنّ الله تعالى في قضية معرفتنا إيّاه لم يتركنا في أفق عقولنا ودرايتنا الخاصّة ، بل ساعدنا كثيرا في معرفة ذاته ، وذكر نفسه بأسماء متعدّدة في كتابه العظيم ، ومن خلال كلمات أوليائه تصل أسماؤه ـ تقدس وتعالى ـ إلى ألف اسم.

وطبيعي أنّ كل هذه أسماء الله ، وأحد معاني الأسماء العلّامة ، لذا فإنّ هذه علامات على ذاته الطاهرة ، وجميع هذه الخطوط والعلامات تنتهي إلى نقطة

١٧٧

واحدة ، وهي لا تقلّل من شأن توحيد الذات والصفات.

وهناك قسم من هذه الأسماء ذو أهمية وعظمة أكثر ، حيث تعطينا معرفة ووعيا أعظم، تسمى في القرآن الكريم وفي الرّوايات الإسلامية ، بالأسماء الحسنى ، وهناك رواية معروفة عن رسول الهدىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما مضمونها : «إن الله تسعا وتسعين اسما ، من أحصاها دخل الجنّة».

وهناك شرح مفصل للأسماء الحسنى ، والأسماء التسعة والتسعين بالذات ، أوردناه في نهاية الحديث عن الآية (١٨٠) من سورة الأعراف ، في قوله تعالى :( وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها ) .

لكن علينا أن نفهم أنّ الغرض من عد الأسماء الحسنى ليس ذكرها على اللسان وحسب ، حتى يصبح الإنسان من أهل الجنّة ومستجاب الدعوة ، بل إنّ الهدف هو التخلّق بهذه الأسماء وتطبيق شذرات من هذه الأسماء ، مثل (العالم ، والرحمن ، والرحيم ، والجواد،والكريم) في وجودنا حتى نصبح من أهل الجنّة ومستجابي الدعوة.

وهناك كلام ينقله الشيخ الصدوقرحمه‌الله في كتاب التوحيد عن هشام بن الحكم جاء فيه :

يقول هشام بن الحكم : سألت أبا عبد الله الصادقعليه‌السلام عن أسماء الله عزّ ذكره واشتقاقها فقلت : الله ممّا هو مشتق؟

قالعليه‌السلام : «يا هشام ، الله مشتق من إله ، وإله يقتضي مألوها ، والاسم غير المسمّى ، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك وعبد الاثنين ، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد.

أفهمت يا هشام؟».

قال هشام : قلت : زدني.

قالعليه‌السلام : «للهعزوجل تسعة وتسعون اسما ، فلو كان الاسم هو المسمى لكان

١٧٨

كلّ اسم منها هو إلها ، ولكن اللهعزوجل معنى يدلّ عليه بهذه الأسماء وكلّها غيره.

يا هشام ، الخبز اسم للمأكول ، والماء اسم للمشروب ، والثوب اسم للملبوس ، والنار اسم للمحرق»(١) .

والآن لنعد إلى الآيات. ففي نهاية الآية التي نبحثها نرى المشركين يتحدّثون عن صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقولون : إنّه يؤذينا بصوته المرتفع في صلاته وعبادته ، فما هذه العبادة؟ فجاءت التعليمات لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر قوله تعالى :( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) .

لذلك فإنّ الآية أعلاه لا علاقة لها بالصلوات الجهرية والإخفاتية في اصطلاح الفقهاء، بل إنّ المقصود منها يتعلق بالإفراط والتفريط في الجهر والإخفات ، فهي تقول : لا تقرأ بصوت مرتفع بحيث يشبه الصراخ ، ولا أقل من الحد الطبيعي بحيث تكون حركة شفاه وحسب ولا صوت فيها.

أسباب النّزول الواردة ـ حول الآية ـ التي يرويها الكثير من المفسّرين نقلا عن ابن عباس تؤيّد هذا المعنى.(٢)

وهناك آيات عديدة من طرق أهل البيت نقلا عن الإمام الباقر والصادقعليهما‌السلام وتؤيد هذا المعنى وتشير إليه(٣) .

لذا فإنا نستبعد التفاسير الأخرى الواردة حول الآية.

أمّا ما هو حد الاعتدال ، وما هو الجهر والإخفات المنهي عنهما؟ الظاهر أنّ الجهر هو بمعنى (الصراخ) ، و (الإخفات) هو من السكون بحيث لا يسمعه حتى فاعله.

وفي تفسير علي بن إبراهيم عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال في تفسير الآية :

__________________

(١) توحيد الصدوق نقلا عن تفسير الميزان أثناء تفسير الآية.

(٢) ـ يمكن مراجعة نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٢٣٣ فما بعد.

١٧٩

«الجهر بها رفع الصوت ، والتخافت بها ما لم تسع نفسك ، واقرأ بين ذلك»(١) .

أمّا الإخفات والجهر في الصلوات اليومية ، فهو ـ كما أشرنا لذلك ـ له حكم آخر، أو مفهوم آخر ، أي له أدلة منفصلة ، حيث ذكرها فقهاؤنا رضوان الله عليهم في (كتاب الصلاة) وبحثوا عنها.

* * *

ملاحظة

هذا الحكم الإسلامي في الدعوة إلى الاعتدال بين الجهر والإخفات يعطينا فهما وإدراكا من جهتين :

الأولى : لا تؤدوا العبادات بشكل تكون فيه ذريعة بيد الأعداء ، فيقومون بالاستهزاء والتحجج ضدكم ، إذ الأفضل أن تكون مقرونة بالوقار والهدوء والأدب ، كي تعكس بذلك نموذجا لعظمة الأدب الإسلامي ومنهج العبادة في الإسلام.

فالذين يقومون في أوقات استراحة الناس بإلقاء المحاضرات الدينية بواسطة مكبرات الصوت ، ويعتقدون أنّهم بذلك يوصلون صوتهم إلى الآخرين ، هم على خطأ ، وعملهم هذا لا يعكس أدب الإسلام في العبادات ، وستكون النتيجة عكسية على قضية التبليغ الديني.

الثّانية : يجب أن يكون هذ التوجيه مبدأ لنا في جميع أعمالنا وبرامجنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، وتكون جميع هذه الأمور بعيدة عن الإفراط والتفريط ، إذ الأساس هو :( وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) .

أخيرا نصل إلى الآية الأخيرة من سورة الإسراء ، هذه الآية تنهي السورة المباركة بحمد الله ، كما افتتحت بتسبيحه وتنزيه ذاتهعزوجل . إنّ هذه الآية ـ في

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٢٣٤.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

و في ( عيون ابن قتيبة ) قالت عائشة : خطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله امرأة من كلب ، فبعثني أنظر إليها فقال لي : كيف رأيت ؟ فقلت : ما رأيت طائلا فقال : لقد رأيت خالا بخدّها أقشعر كلّ شعرة منك على حدها فقالت : ما دونك ستر(١) .

و روى ( سنن أبي داود ) عن أنس أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان عند بعض نسائه ، فأرسلت إحدى امهات المؤمنين مع خادمها قصعة فيها طعام ، فضربت بيدها فكسرت القصعة ، فأخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الكسرتين فضمّ إحداهما إلى الاخرى فجعل يجمع فيها الطعام و يقول : غارت امّكم(٢) .

قلت : و المرسلة للطعام في قصعة كانت صفية بن حيّ بن أخطب و الكاسرة لها عائشة كما صرّح به في خبر رواه بعد و في ذاك الخبر : أخذ عائشة أفكل فكسرت الإناء .

و في ( اسد الغابة ) في عنوان خديجة ، قالت عائشة : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها ، فذكرها يوما فأدركتني الغيرة فقلت : هل كانت إلاّ عجوزا فقد أبدلك اللَّه خيرا منها فغضب حتى اهتزّ مقدّم شعره من الغضب ، ثم قال : لا و اللَّه ما أبدلني اللَّه خيرا منها ، آمنت بي إذ كفر الناس ، و صدّقتني إذ كذّبني الناس ، و واستني في مالها إذ حرمني الناس ، و رزقني اللَّه منها أولادا إذ حرمني أولاد النساء(٣) .

قلت : و مغزى كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ أباها كان كافرا فيمن كفر و مكذّبا فيمن كذب حين اسلام خديجة ، كما أنّها هي من نسائه اللاتي حرم الولد منهن ، فكيف يدّعون لأبيها تقدم اسلامه .

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ١٩ كذا أخبار النساء لابن قيم الجوزية : ٩ .

( ٢ ) سنن أبي داود ٣ : ٢٩٧ ح ٣٥٦٧ .

( ٣ ) اسد الغابة لابن الأثير ٥ : ٤٣٨ .

٢٨١

و في ( تفسير القمّي ) في قوله تعالى :( و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ) (١) كان سبب نزولها أنّ امرأة من الأنصار أتت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و قد تهيّأت و تزيّنت ، فقالت : يا رسول اللَّه هل لك فيّ حاجة فقد وهبت نفسي لك فقالت لها عائشة : قبّحك اللَّه ما أنهمك للرجال فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : مه يا عائشة فإنّها رغبت في رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ زهدتنّ فيه ثم قال : رحمك اللَّه و رحمكم يا معشر الأنصار ، نصرني رجالكم و رغبت فيّ نساؤكم ، إرجعي رحمك اللَّه فإنّي أنتظر أمر اللَّه فأنزل اللَّه تعالى( و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبيّ أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ) (٢) فلا تحلّ الهبة إلاّ لرسول اللَّه(٣) .

ثم من المضحك أنّ النووي في شرحه على صحيح مسلم قال بعد ذكر رواية مسلم عن عائشة قالت : قال لي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّي لأعلم إذا كنت عنّي راضية و إذا كنت عليّ غضبى قلت : و من أين تعرف ذلك ؟ قال : أمّا إذ كنت عني راضية تقولين : « لا و ربّ محمّد » و إذ كنت غضبى تقولين : « لا و ربّ إبراهيم » .

قلت : أجل و اللَّه لا أهجر إلاّ اسمك .

مغاضبة عائشة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هي ممّا سبق من الغيرة التي عفي عنها للنساء في كثير من الأحكام كما سبق لعدم انفكاكهن منها ، حتى قال مالك و غيره من علماء المدينة : يسقط عنها الحد إذا قذفت زوجها بالفاحشة على جهة الغيرة ، قال و احتج بما روي ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما تدري الغيراء أعلى الوادي من أسفله و لو لا ذلك لكان على عائشة في ذلك من الحرج ما فيه ، لأن الغضب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و هجره كبيرة عظيمة(٤) .

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٥٠ .

( ٢ ) الأحزاب : ٥٠ .

( ٣ ) تفسير القمي ٢ : ١٩٥ .

( ٤ ) صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ : ٢٠٣ .

٢٨٢

فإنّ إخواننا إنّما عرفوا الحق بالأشخاص ، فاعتقدوا بحسب مذهبهم المتناقض أنّ عائشة صدّيقة ابنة صدّيق .

فاشتروا بذلك قول اللَّه جل و علا :( يا نساء النبي من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين و كان ذلك على اللَّه يسيرا ) (١) و قوله تعالى فيها و في صاحبتها :( و إن تظاهرا عليه فإنّ اللَّه هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين ) (٢) .

و قوله عزّ اسمه تعريضا بهما كما صرّح به ( الزمخشري )(٣) و رواه ( صحيح مسلم )(٤) :( ضرب اللَّه مثلا للّذين كفروا امرأت نوح و امرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من اللَّه شيئا و قيل ادخلا النّار مع الدّاخلين ) (٥) بثمن قليل ، فكان ضعف العذاب عليها لإتيانها بتلك الفواحش المبيّنة عليهم عسيرا ، و تظاهرها هي و صاحبتها على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله نسيا منسيا ، و أنّها مع خيانتها تلك الخيانات التي أثبتها التاريخ في الجمل و غير الجمل كان كونها تحت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يغني عنها شيئا .

كما أغمضوا عمّا شاهدوا من أبيها و صاحبه مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتخلّف عن جيش اسامة الذي لعن المتخلف عنه و منعه من الوصية و نسبة الهجر إليه ، مع قوله تعالى :( و ما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ) (٦) و مع أهل بيته بإحراقهم لو لم يبايعوا مع قوله تعالى فيهم( إنّما يريد اللَّه ليذهب

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٣٠ .

( ٢ ) التحريم : ٤ .

( ٣ ) الكاشف للزمخشري ٤ : ٥٧١ .

( ٤ ) صحيح مسلم ١٥ : ٢٠٣ .

( ٥ ) التحريم : ١٠ .

( ٦ ) النجم : ٣ ٤ .

٢٨٣

 عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ) (١) .

و لمّا قال بعضهم لأمير المؤمنينعليه‌السلام : إني أعتزلك لاعتزال سعد و ابن عمر لك قالعليه‌السلام له : إنّك تعرف الحقّ بالرجال و الواجب أن تعرف الرجال بالحقّ(٢) .

و كيف تكون غيرتهن عفوا و قد قال أمير المؤمنينعليه‌السلام « غيرتهن كفر » و قال الباقرعليه‌السلام : غيرة النساء الحسد ، و الحسد أصل الكفر ، إنّ النساء إذا غرن غضبن ، و إذا غضبن كفرن إلاّ المسلمات منهنّ(٣) .

و قال الصادقعليه‌السلام : إن اللَّه تعالى لم يجعل الغيرة للنساء ، و إنّما تغار المنكرات منهن ، فأمّا المؤمنات فلا ، إنّما جعل اللَّه الغيرة للرجال(٤) .

فأمّا قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « الغيراء لا تدري أعلى الوادي من أسفله » فبيان حالهن لا دليل جواز عملهن .

و ورد من طريقنا(٥) أيضا هكذا : بينا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قاعدا إذ جاءت امرأة عريانة حتى قامت بين يديه فقالت : إنّي قد فجرت فطهّرني ، و جاء رجل يعدو في أثرها و ألقى عليها ثوبا ، فقال : ما هي منك ؟ قال : صاحبتي خلوت بجاريتي فصنعت ما ترى فقال : ضمّها إليك ثم قال : ان الغيراء لا تبصر أعلى الوادي من أسفله(٦) .

____________________

( ١ ) الأحزاب : ٣٣ .

( ٢ ) ذكره المفيد في أماليه : ٣ بلفظ : « فإنّك امرؤ ملبوس عليك ، إنّ دين اللَّه لا يعرف بالرجال بل بآية الحق ، فأعرف الحق تعرف أهله .

( ٣ ) الفروع من الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ، و ذكره الطبرسي في مكارم الأخلاق : ١٢٤ .

( ٤ ) الفروع من الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ح ٢ .

( ٥ ) من حديث مطول أسنده الطبرسي إلى جابر . لم يأت المؤلف على ذكره بالتفصيل انظر مكارم الأخلاق : ١٢٤ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٠٥ ح ٣ ، و فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٩ : ٣٢٥ .

٢٨٤

و كيف يعفى عنهنّ مع ترتب مفاسد كثيرة على غيرتهن ، فقد روى الكافي أنّ عمر اتي بجارية قد شهدوا عليها أنّها بغت و كان من قصتها أنّها كانت يتيمة عند رجل و كان الرجل كثيرا ما يغيب عن أهله ، فشبّت اليتيمة فتخوّفت المرأة أن يتزوجها زوجها ، فدعت بنسوة حتى أمسكنها فأخذت عذرتها بأصبعها ، فلما قدم زوجها من غيبته رمت المرأة اليتيمة بالفاحشة و أقامت البيّنة من جاراتها اللاّتي ساعدنها على ذلك ، فرفع ذلك إلى عمر فلم يدر كيف يقضي فيها ، ثم قال للرجل : إئت عليّ بن أبي طالب و إذهب بنا إليه .

فأتوهعليه‌السلام و قصوا عليه القصة ، فقالعليه‌السلام لامرأة الرجل : ألك بيّنة أو برهان ؟

قالت : هؤلاء جاراتي يشهدن عليها بما أقول ، و أحضرتهن فأخرج عليعليه‌السلام سيفه من غمده فطرحه بين يديه و أمر بكلّ واحدة منهن فأدخلت بيتا ، ثم دعا امرأة الرجل فأدارها بكل وجه فأبت أن تزول عن قولها ، فردّها إلى البيت الذي كانت فيه و دعا إحدى الشهود و جثا على ركبتيه ثم قال : تعرفيني أنا علي بن أبي طالب و هذا سيفي و قد قالت امرأة الرجل ما قالت و رجعت إلى الحق و أعطيتها الأمان و إن لم تصدقيني لأمكّننّ السيف منك فالتفتت المرأة إلى عمر و قالت : الأمان على الصدق فقال لها علي فاصدقي ، فقالت لا و اللَّه إلاّ أنّها رأت جمالا و هيئة فخافت فساد زوجها فسقتها المسكر و دعتنا فأمسكناها فافتضّتها بأصبعها فقال عليعليه‌السلام : اللَّه أكبر أنا أوّل من فرق بين الشهود إلاّ دانيال النبيعليه‌السلام ، و الزمهن حدّ القاذف و الزمهن جميعا العقر و جعل عقرها أربعمائة درهم ، و أمر بالمرأة أن تنفى من الرجل و يطلقها زوجها ، و زوّجهعليه‌السلام الجارية و ساق المهر عنه .(١) .

و روى أيضا أنّه كان على عهد أمير المؤمنينعليه‌السلام رجلان متؤاخيان

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٧ : ٤٢٥ ح ٩ .

٢٨٥

في اللَّه عز و جل ، فمات أحدهما و أوصى إلى الآخر في حفظ بنية كانت له ، فحفظها الرجل و أنزلها منزلة ولده في اللطف و الإكرام ، ثم حضره سفر فخرج و أوصى امرأته في الصبية ، فأطال السفر حتى إذا أدركت الصبيّة و كان لها جمال و كان الرجل يكتب في حفظها و التعاهد لها ، فلما رأت ذلك امرأته خافت أن يقدم فيراها قد بلغت مبلغ النساء فيعجبه جمالها فيتزوجها ، فعمدت إليها هي و نسوة معها قد كانت أعدّتهن ، فأمسكنّها لها ثم افترعتها بأصبعها ، فلما قدم الرجل من سفره دعا الجارية ، فأبت أن تجيبه استحياء ممّا صارت إليه ، فألحّ عليها في الدعاء ، كلّ ذلك و هي تأبى أن تجيبه ، فلما أكثر عليها قالت له امرأته : دعها فانّها تستحي أن تأتيك من ذنب أتته ، و رمتها بالفجور ، فاسترجع الرجل ثم قام إلى الجارية فوبّخها و قال لها : ويحك أما علمت ما كنت أصنع بك من الألطاف ، و اللَّه ما كنت أعدّك إلاّ كبعض ولدي أو إخوتي و إن كنت لابنتي ، فما دعاك إلى ما صنعت ؟ فقالت له الجارية : أمّا إذ قيل لك ما قيل فو اللَّه ما فعلت الذي رمتني به امرأتك و لقد كذبت عليّ ، فإنّ القصة لكذا و كذا و وصفت له ما صنعت امرأته بها فأخذ الرجل بيد امرأته و يد الجارية فمضى بهما حتى أجلسهما بين يدي أمير المؤمنينعليه‌السلام و أخبره بالقصة كلّها و أقرّت المرأة بذلك ، و كان الحسنعليه‌السلام بين يدي أبيه فقال له : إقض فيها فقال الحسنعليه‌السلام :

نعم على المرأة الحد لقذفها الجارية و عليها القيامة لافتراعها فقالعليه‌السلام له :

صدقت(١) .

و في ( مناقب السروي ) عن تميم بن خزام الأسدي قال : صبّت امرأة بياض البيض على فراش ضرّتها و قالت لزوجها : قد بات عندها رجل ، ففتّش ثيابها فأصاب ذلك البيض ، فقص ذلك على عمر فهمّ أن يعاقبها فقال أمير

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٧ : ٢٠٧ ح ١٢ .

٢٨٦

المؤمنينعليه‌السلام : إيتوني بماء حار قد اغلي غليانا شديدا ، فلما اتي به أمرهم فصبّوا على الموضع فاشتوى ذلك الموضع ، فرمى به إليها و قال :( إنّه من كيدكن إنّ كيدكن عظيم ) (١) و قالعليه‌السلام لزوجها : أمسك عليك زوجك فإنّها حيلة تلك التي قذفتها ، فضربها الحدّ(٢) .

و في ( معجم أدباء الحموي ) نقلا عن كتاب شعراء ابن المعتزّ : كان الخليل منقطعا إلى الليث بن رافع بن نصر بن سيّار ، و كان الليث من أكتب أهل زمانه بارع الأدب بصيرا بالشعر و الغريب و النحو ، و كان كاتبا للبرامكة و كانوا معجبين به ، فارتحل إليه الخليل و عاشره فوجده بحرا فأغناه ، و أحبّ الخليل أن يهدي إليه هدية تشبهه ، فاجتهد في تصنيف كتاب العين فصنّفه له و خصّه به دون الناس و حبّره و أهداه إليه ، فوقع منه موقعا عظيما و سرّ به و عوّضه عنه مائة ألف درهم و اعتذر إليه ، و أقبل الليث ينظر فيه ليلا و نهارا لا يملّ النظر فيه حتى حفظ نصفه و كانت ابنة عمّه تحته فاشترى عليها جارية نفيسة بمال جليل ، فبلغها ذلك فغارت غيرة شديدة ، فقالت و اللَّه لأغيظنّه و لا ابقي غاية فقالت : إن غظته في المال فذاك ما لا يبالي و لكني أراه مكبّا ليله و نهاره على هذا الدفتر و اللَّه لأفجعنه به ، فأخذت الكتاب و أضرمت نارا و ألقته فيها ، و أقبل الليث إلى منزله و دخل إلى البيت الذي كان فيه الكتاب ، فصاح بخدمه و سألهم عن الكتاب فقالوا : أخذته الحرة ، فبادر إليها و قد علم من أين اتي ، فلما دخل عليها ضحك في وجهها و قال لها : ردّي الكتاب فقد وهبت لك الجارية و حرّمتها على نفسي ، و كانت غضبى فأخذت بيده و أرته رماده ، فسقط في يد الليث فكتب نصفه من حفظه و جمع على الباقي أدباء زمانه و قال

____________________

( ١ ) يوسف : ٢٨ .

( ٢ ) المناقب للسروي ٢ : ٣٦٧ .

٢٨٧

لهم : مثلوا عليه و اجتهدوا ، فعملوا هذا النصف الذي بأيدي الناس ، فهو ليس من تصنيف الخليل و لا يشقّ غباره(١) .

هذا ، و في السير : ضرب البعث على كوفي إلى آذربيجان ، فاقتاد جارية و فرسا و كان مملكا بابنة عمه ، فكتب إليها ليغيرها :

ألا بلغوا ام البنين بأننا

غنينا و أغنتنا الغطارفة المرد

بعيد مناط المنكبين إذا جرى

و بيضاء كالتمثال زيّنها العقد

فهذا لأيّام العدو و هذه

لحاجة نفسي حين ينصرف الجند

فكبت إليه امرأته :

ألا فاقره منّي السّلام و قل له

غنينا و أغنتنا غطارفة المرد

إذا شئت أغناني غلام مرجّل

و نازعته في ماء معتصر الورد

و ان شاء منهم ناشى‏ء مدّ كفّه

إلى عكن ملساء أو كفل نهد

فما كنتم تقضون حاجة أهلكم

شهودا قضيناها على النأي و البعد

فعجّل علينا بالسراح فإنّه

منانا و لا ندعو لك اللَّه بالرد

فلا قفل الجند الذي أنت فيهم

و زادك رب الناس بعدا على بعد

فلما ورد عليه الكتاب لم يزد ان ركب فرسه و أردف الجارية و لحق بها ، فكان أوّل شي‏ء قال لها : تاللَّه هل كنت فاعلة قالت : أنت أحقر من أن أعصي اللَّه فيك ، كيف ذقت طعم الغيرة ، فوهب لها الجارية و انصرف إلى بعثه(٢) .

و في المناقب عن غريب حديث أبي عبيد : جاءت امرأة إلى عليعليه‌السلام و قالت : ان زوجها يأتي جاريتها فقالعليه‌السلام : ان كنت صادقة رجمناه و ان كنت كاذبة جلدناك فقالت : ردوني إلى أهلي غيري نقزة قال أبو عبيد : تعني ان

____________________

( ١ ) معجم الأدباء لياقوت الحموي ١٧ : ٤٥ ، عقلا عن طبقات الشعراء لعبد اللَّه بن المعتز : ٩٧ .

( ٢ ) الابشيهي ، المستطرف في كل فن مستظرف ٢ : ٤٨٧ ٤٨٨ .

٢٨٨

جوفها يغلي من الغيظ و الغيرة(١) .

و في ( المروج ) : ذكر مصعب الزبيري أنّ امّ سلمة بنت يعقوب المخزومي كانت بعد هشام بن عبد الملك عند السفاح ، و كان حلف لها أن لا يتزوّج عليها و لا يتسرّى ، و غلبت عليه غلبة شديدة حتى ما كان يقطع أمرا إلاّ بمشورتها ، حتى أفضت الخلافة إليه فوفى لها بما حلف لها ، فلما كان ذات يوم خلا به خالد ابن صفوان فقال له : إني فكّرت في أمرك و سعة ملكك ، و قد ملكت نفسك امرأة واحدة ، فإن مرضت مرضت و ان غابت غبت و حرمت نفسك التلذّذ باستطراف الجواري و معرفة أخبار حالاتهن و التمتّع بما تشتهي منهنّ ، فإنّ منهن الطويلة الغيداء و منهن الفضة البيضاء ، و منهن العتيقة الأدماء و الدقيقة السمراء و البربرية العجزاء ، من مولدات المدينة تفتن بمحادثتها و تلذّ بخلوتها ، و أين أنت من بنات الأحرار و النظر إلى ما عندهن و حسن الحديث منهن ، و لو رأيت الطويلة البيضاء و السمراء اللعساء و الصفراء العجزاء و المولّدات من البصريات و الكوفيات ، ذوات الألسن العذبة و القدود المهفهفة و الأوساط المخصّرة و الأصداغ المزرفنة ، و العيون المكحلة و الثدي المحقة ، و حسن زيّهن و زينتهن و شكلهن ، لرأيت شيئا حسنا و جعل يجيد في الوصف و يجدّ في الاطناب بحلاوة لفظه وجودة صفته .

فلما فرغ قال له السفاح : و يحك يا خالد ما صكّ مسامعي و اللَّه قطّ كلام أحسن من كلامك ، فأعده علي فقد وقع منّي موقعا ، فأعاد عليه خالد أحسن ممّا ابتدأ ، ثم انصرف و بقي السفاح مفكّرا فيما سمع من خالد ، فدخلت عليه ام سلمة فلما رأته متفكّرا قالت : إنّي لأنكرك ، هل حدث أمر أو أتاك خبر ؟ قال : لم يكن من ذلك شي‏ء قالت : فما قصّتك ؟ فجعل يزوي عنها فلم تزل به حتى

____________________

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ٢ : ٣٨١ .

٢٨٩

أخبرها بمقالة خالد ، فقالت : فما قلت لابن الفاعلة قال : سبحان اللَّه ينصحني و تشتمينه ، فخرجت من عنده مغضبة و أرسلت إلى خالد من البخارية و معهم من الكافر كوبات ، و أمرتهم أن لا يتركوا منه عضوا صحيحا .

قال خالد : فانصرفت إلى منزلي و أنا على السرور بما رأيت من السفاح و إعجابه بما ألقيته إليه ، و لم أشكّ أنّ صلته تأتيني ، فلم ألبث حتى صار إليّ اولئك البخارية و أنا قاعد على باب داري ، فلما رأيتهم أيقنت بالجائزة واصلة ، حتى وقفوا عليّ فسألوا عني فقلت : ها أنا ذا خالد ، فسبق اليّ أحدهم بهراوة كانت معه ، فلما أهوى بها اليّ و ثبت الى منزلي و أغلقت الباب و استترت ، و مكثت أيّاما على تلك الحال لا أخرج من منزلي ، و وقع في خلدي أنّي أوتيت من قبل امّ سلمة ، و طلبني السفاح طلبا شديدا فلم أشعر ذات يوم إلاّ بقوم هجموا عليّ و قالوا : أجب الخليفة فأيقنت بالموت ، فركبت و ليس عليّ لحم و لا دم ، فلما وصلت إلى الدار أومى اليّ بالجلوس و نظرت فإذا خلف ظهري باب عليه ستور قد ارخيت و حركة خلفها ، فقال السفاح : لم أرك يا خالد منذ ثلاث .

قلت : كنت عليلا قال : ويحك إنّك وصفت لي في آخر دخلة من أمر الناس و الجواري ما لم يخرق مسامعي قط كلام أحسن منه فأعده علي قلت : نعم .

أعلمتك أنّ العرب اشتقت اسم الضرّة من الضر ، و ان أحدهم ما تزوج من النساء أكثر من واحدة إلاّ كان في جهد فقال : ويحك لم يكن هذا في الحديث .

قلت : بلى ، و أخبرتك أنّ الثلاث من النساء كأثافي القدر يغلي عليهن قال : برئت من قرابتي من النبي إن كنت سمعت هذا منك في حديثك قلت : و أخبرتك أنّ الأربعة من النساء شرّ صيح بصاحبه يشنه و يهرمنه و يسقمنه قال : ويلك ما سمعت هذا منك و لا من غيرك قبل هذا قال خالد : بلى قال : ويلك تكذّبني .

قلت : و تريد أن تقتلني قال : مر في حديثك قلت : و أخبرتك ان أبكار الجواري

٢٩٠

رجال و لكن لا خصي لهن .

قال خالد : و سمعت الضحك من وراء الستر قلت : و نعم و أخبرتك أيضا ان بني مخزوم ريحانة قريش و أنت عندك ريحانة من الرياحين و أنت تطمح بعينك إلى حرائر النساء و غيرهن من الاماء .

قال خالد : فقيل لي من وراء الستر صدقت يا عمّاه و برّرت بهذا حديث الخليفة و لكنه بدل و غيّر و نطق عن لسانك بغيره فقال لي السفاح : قاتلك اللَّه و أخزاك و فعل بك و فعل ، فتركته و خرجت و قد أيقنت بالحياة قال : فما شعرت إلاّ برسل ام سلمة قد صاروا إليّ و معهم عشرة آلاف درهم و تخت و برذون و غلام(١) .

و غيرة الرجل التي هي إيمان ، غيرته على ميل امرأته إلى رجل أجنبي ، و أمّا ميلها إلى زوج لها قبل بمعنى مدحها له بصفات ليست في الأخير فيغيّر زوجها فليس بايمان بل من الكفر ، ففي السير كانت مع سعد بن أبي وقاص بالقادسية زوجة له كانت قبل تحت المثنى بن حارثة ، فلما لم تر من سعد إقداما مثل المثنى قالت : و امثنياه و لا مثنى للمسلمين اليوم فلطمها سعد فقالت المرأة : أ غيرة و جبنا فذهبت مثلا(٢) .

٢ الحكمة ( ٢٣٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْمَرْأَةُ شَرٌّ كُلُّهَا وَ شَرُّ مَا فِيهَا أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْهَا « المرأة شرّ كلّها » قالوا : كتب بعض الحكماء على باب داره « لا يدخل داري

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٢٦٠ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ .

٢٩١

شرّ » فقال بعض آخر منهم : من أين تدخل امرأتك(١) ؟

و قالوا : تزوّج بعضهم امرأة نحيفة فقيل له في ذلك فقال : اخترت من الشرّ أقلّه(٢) .

و قالوا : رأى بعض الحكماء امرأة غريقة قد احتملها السيل فقال : زادت الكدر كدرا ، و الشر بالشر يهلك(٣) .

و في ( الملل ) : رأى ديو جانس امرأة تحملها الماء فقال : على هذا المعنى جرى المثل « دع الشر يغسله الشر »(٤) .

و رأى نساء يتشاورن فقال : على هذا جرى المثل : « هو ذا الثعبان يستقرض من الأفاعي سمّا » .

و رأى امرأة متزينة في ملعب فقال : هذه لم تخرج لترى و لكن لترى و قالوا : رأى بعضهم جارية تحمل نارا فقال : نار على نار ، و الحامل شر من المحمول و قالوا : رأى حكيم جارية تتعلّم الكتابة ، فقال : يسقى هذا السهم سمّا ليرمي به يوما ما(٥) .

و قالوا : و نظر حكيم إلى امرأة مصلوبة على شجرة ، فقال : ليت كلّ شجرة تحمل مثل هذه الثمرة(٦) .

و قال بعضهم :

ان النساء شياطين خلقن لنا

نعوذ باللَّه من شرّ الشياطين(٧)

____________________

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٢٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ و ١٨ : ١٩٨ ١٩٩ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٥٢ ، و شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ .

( ٥ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٥٢ ، و شرح ابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ .

( ٦ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ : ١٦٣ و ١٨ : ١٩٨ .

( ٧ ) نسبوا هذا البيت إلى عمر بن الخطاب ، قاله عند ما سمع امرأة تقول : ان النساء رياحين خلقن لكم و كلكم يشتهي

٢٩٢

و قال بعضهم في قولهم « بعد الّتي و اللّتيّا » : إن رجلا تزوج امرأة قصيرة و امرأة طويلة ، فلقي منهما شدّة ، فطلّقهما و قال : بعد اللتيا يعني القصيرة و الّتي أي الطويلة لا أتزوج أبدا(١) .

و في ( شعراء ابن قتيبة ) : كان جران العود و الرحال خدنين ، فتزوج كلّ واحد منهما امرأتين ، فلقيا منهما مكروها فقال الأول :

ألا لا تغرنّ امرأ نوفلية

على الرأس بعدي أو ترائب وضّح

و لا فاحم يسقي الدهان كأنّه

أساود يزهاها لعينك أبطح

و أذناب خيل علقت في عقيصة

ترى قرطها من تحتها يتطوّح

جرت يوم جئنا بالركاب نزفّها

عقاب و تشحاج من الطير متيح

فأمّا العقاب فهي منّا عقوبة

و أمّا الغراب فالغريب المطوّح

هي الغول و السعلاة حلقي منهما

مكدّح ما بين التراقي مجرّح

خذا نصف مالي و اتركا لي نصفه

و بينا بذم فالتعزّب أروح

و سمّي جران العود بقوله لامرأتيه :

خذا حذرا يا جارتيّ فإنّني

رأيت جران العود قد كان يصلح

فخوفهما بسير قدّ من صدر جمل مسن ، قال و يتمثل من شعره بقوله :

و لا تأمنوا مكر النساء و أمسكوا

عرى المال عن أبنائهن الأصاغر

فإنّك لم ينذرك أمر تخافه

إذا كنت منه خائفا مثل خابر(٢)

و في القاموس هو عامر بن الحرث و قول الصحاح اسمه المستورد غلط .

شم الرياحين ، راجع أدب الدنيا و الدين للماوردي : ١٥٦ .

____________________

( ١ ) مجمع الأمثال للميداني ١ : ١٢٥ .

( ٢ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٢٧٥ ٢٧٧ .

٢٩٣

و قال الثاني :

فلا بارك الرحمن في عود أهلها

عشية زفّوها و لا فيك من بكر

و لا الزعفران حين مسّحنها به

و لا الحلي منها حين نيط من النحر

و لا فرش طوهرن من كلّ جانب

كأنّي أطوي فوقهن من الجمر

فيا ليت أنّ الذئب خلّل درعها

و إن كان ذا ناب حديد و ذا ظفر

و جاءوا بها قبل المحاق بليلة

و كان محاقا كلّه آخر الشهر

لقد أصبح الرحّال عنهن صادفا

إلى يوم يلقى اللَّه في آخر العمر(١)

و في ( الاستيعاب ) : كانت عند الأعشى المازني امرأة يقال لها معاذة ، فخرج يمير أهله من هجر ، فهربت امرأته بعده ناشزة عليه ، فعاذت برجل منهم يقال له مطرف ، فجعلها خلف ظهره ، فلما قدم الأعشى لم يجدها في بيته و اخبر أنّها نشزت و عاذت بمطرف ، فأتاه فقال له : يا ابن عم عندك امرأتي فادفعها اليّ فقال : ليست عندي و لو كانت عندي لم أدفعها إليك و كان مطرف أعزّ منه ، فخرج حتى أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله و أنشأ يقول :

يا سسّد الناس و ديّان العرب

أشكو إليك ذربة من الذرب(٢)

خرجت أبغيها الطعام في رجب

فخلفتني بنزاع و هرب

اخلفت العهد و ألظت بالذنب

و هنّ شر غالب لمن غلب(٣)

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « و هنّ شر غالب لمن غلب » و كتب إلى مطرف : إدفع إليه امرأته ، فلما قرأ الكتاب قال لمعاذة : هذا كتاب النبي فيك و أنا دافعك إليه فقالت :

خذ لي العهد أن لا يعاقبني فيما صنعت ، فأنشأ يقول :

____________________

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ١٧٠ .

( ٢ ) الذرب : حدّة اللسان .

( ٣ ) حياة الحيوان للدميري ١ : ٥١٢ .

٢٩٤

لعمرك ما حبّي معاذة بالذي

يغيّره الواشي و لا قدم العهد

و لا سوء ما جاءت به إذ أزلّها

غواة رجال إذ ينادونها بعدي(١)

و في ( الملل ) : قيل للاسكندر : إنّ روشنك امرأتك بنت دارا الملك و هي من أجمل النساء فلو قربتها إلى نفسك قال : أكره أن يقال : غلب الاسكندر دارا ، و غلبت روشنك الاسكندر(٢) .

و قالوا : كان أحمد بن يوسف كاتب المأمون إذا دخل عليه حيّاه بتحية أبرويز الملك : « عشت الدهر ، و نلت المنى ، و حبيت طاعة النساء »(٣) .

و في ( الكافي ) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : إتّقوا من شرار النساء و كونوا من خيارهن على حذر ، و إن أمرنكم بالمعروف فخالفوهنّ كيلا يطمعن في المنكر(٤) .

و عنهعليه‌السلام : في خلاف النساء البركة(٥) .

____________________

( ١ ) ذكر الحكاية ( ابن الأثير ) في اسد الغابة ١ : ١٢٣ ، و لم يذكر ( ابن عبد البر ) في الإستيعاب ١ : ١٤٤ ( المصدر الّذي اعتمده المؤلف ) إلاّ جزءا من الحكاية ، فقد ذكر أبيات الأعشى المازني إمام النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و قول النبي له فقط ، مع تغيير عمّا ذكره المؤلف و الأبيات هي:

يا مالك الناس و ديان العرب

إنّي لقيتف دربة من الذّرب

ذهبت ابضيها الطعام في رجب

فخالفتني بنزاع و هرب

أخلفت العهد و الطّت بالذنب

و هن شر غالب لمن غلب

( ٢ ) الملل و النحل للشهرستاني ٢ : ١٤٧ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٦ : ١٩٥ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٥ : ٥١٧ ح ٥ .

( ٥ ) لفظ الحديث كما رود في بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٦٢ ، و جامع أحاديث الشيعة ١٦ : ٨٦ ، عن هارون بن موسى عن محمّد بن علي بن محمّد بن الحسين عن علي بن اسباط عن أبي فضال عن الصادق عن ايائه عن رسول اللَّه أنه قال : شاوروا النساء و خالفوهن فأن خلافهن بركة و قد أورد جمع من المتأخرين هذا الحديث و نسبوه إلى الإمام عليّعليه‌السلام أو إلى الرسول صلّى اللَّه عليه و آله بينما لم يرد في المصادر من نسب هذا القول إلى الإمام عليّعليه‌السلام أمّا نسبته إلى الرسول صلّى اللَّه عليه و آله فقد عجّت و صادر الحديث بذكره في الموضوعات ، من هذه الكتب : ١ السخاوي في المقاصد

٢٩٥

و كل أمر تدبرته امرأة فهو ملعون(١) .

و عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ النساء لا يشاورن في النجوى و لا يطعن في ذوي القربى ، إنّ المرأة إذا أسنّت ذهب خير شطريها و بقي شرهما ، يعقم رحمها و يسوء خلقها و يحتدّ لسانها ، و إن الرّجل إذا أسنّ ذهب شرّ شطريه و بقي خيرهما يؤوب عقله و يستحكم رأيه و يحسن خلقه(٢) .

و عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : كان إذا أراد الحرب دعا نساءه فاستشارهن ثم خالفهن(٣) .

و قال طفيل الغنوي :

إنّ النّساء متى ينهين عن خلق

فإنّه واجب لا بدّ مفعول(٤)

و قالوا : قيل لسقراط أيّ السباع أجسر ؟ قال : المرأة(٥) .

قالوا : و مرّت به امرأة فقالت له : ما أقبحك فقال لها : لو لا أنّك من المرايا الحسنة ، و قال عنه : لم أره مرفوعا ، و لكن عن العسكري من احديث حفص بن عثمان بن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر قال : قال عمر : خالفوا النساء فإنّ خلافهن لبركة ( راجع المقاصد الحسنة : ٢٤٨ ح ٥٨٥ ) ٢ أورده المنقي الهندي في كنز العمّال عن ( عمر ) أنه قال : خالفوا النساء فإن خلافهن بركة ( كنز العمّال ٣ : ٤٥١ ) ٣ الزبيري في إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين ٥ : ٣٥٦ ، يقول عنه هكذا اشتهر على الألسنه و ليس بحديث .

٤ ابن عراق الشافعي في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشيعة الموضوعة ٢ : ٢١٠ ، نسبه إلى عمر بن الخطاب ٥ ( ملا علي القالي في الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ، المعروف بالموضوعات الكبرى : ٢٢٢ ) ذكر قائلا : حديث شاورهن و خالفوهن لم يثبت بهذا المعنى و إن كان له وجه من حيث المعنى .

____________________

( ١ ) في بحار الأنوار ١٠٣ : ٢٢٨ « كل امرى‏ء تدبره امرأة فهو ملعون » .

( ٢ ) من لا يحضره الفقيه للصدوق ٣ : ٤٦٨ ح ٤٦٢١ .

( ٣ ) ذكره المجلسي في مكانين ٩١ : ٢٥٥ و ١٠٣ : ٢٢٨ إلاّ ان أرباب السير ذكروا ان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله استشار ( امّ سلمة ) في صاح الحديبيه ، فقد قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ٥ : ٢٦٥ ٢٦٦ : فلمّا لم يقم منهم ( الأصحاب ) أحد دخل على امّ سلمة فذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت امّ سلمة : يا نبي اللَّه ، اتحب ذلك ؟ أخرج و لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بذلك و تدعو حالقك فيحلقك ، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك ، نحر بدنة ، و دعا حالقه فحلقه ، فلمّا رأوا قاموا فنحروا ، و جعل بعضهم بحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ .

( ٥ ) المصدر نفسه .

٢٩٦

الصديّة لغمّني ما بان من قبح صورتي فيك(١) .

هذا ، و عن ( ملح النوادر ) كان ذئب ينتاب بعض القرى و يعبث فيها ، فترصّدوه حتى أخذوه ، ثم تشاوروا فيه فقال بعضهم : تقطع يداه و رجلاه و تدقّ أسنانه و يخلع لسانه ، و قال آخر بل يصلب و يرمى بالنبال ، و قال آخر :

توقد نار عظيمة و يلقى فيها ، و قال بعض الممتحنين بالنساء : بل يزوّج و كفى بالتزويج تعذيبا و في هذه القصة قال الشاعر :

رب ذئب أخذوه

و تماروا في عقاب

ثم قالوا زوّجوه

و ذروه في عذاب(٢)

« و شر ما فيها أنّه لا بدّ منها » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ان إبراهيمعليه‌السلام شكا إلى اللَّه ما يلقى من سوء خلق سارة ، فأوحى إليه : إنّما مثل المرأة مثل الضلع المعوجّ ، إن أقمته كسرته و إن تركته استمتعت فاصبر عليها(٣) و نظم مضمونه من قال :

هي الضلع العوجاء لست تقيمها

ألا إنّ تقويم الضلوع انكسارها(٤)

و في ( البيان ) : سمع أعرابي يقول « اللّهم اغفر لامّ أوفى » قيل له : من امّ أوفى ؟ قال : إمرأتي ، إنّها لحمقاء مرغامة(٥) أكول قامّة(٦) لا تبقي خامّة(٧) ، غير

____________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ٢٠٠ .

( ٢ ) لم نعثر على الكتاب لا في المطبوعات و لا في المخطوطات ، و يبدو ان المؤلف لم ير الكتاب حيث ذكر ( و عن ) ، و قد ذكر حاجي خليفة الكتاب في كشف الظنون ٢ : ١٨١٧ ، و نسبه إلى الشيخ أبي عبد اللَّه الكاتب .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٥١٣ ح ٢ .

( ٤ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٩ .

( ٥ ) المرغامة : المبغضة ليعلها .

( ٦ ) قمّ : أكولة .

( ٧ ) الخامّ : ما تغيّر ريحه من لحم أو لبن .

٢٩٧

أنّها حسناء فلا تفرك و امّ غلمان فلا تترك(١) .

و نظير المرأة في مطلوبيتها مع شدائدها لعدم بدّ منها ، الشيب فرارا من الموت قال الشاعر :

الشيب كره و كره أن يفارقني

فأعجب لشي‏ء على البغضاء مودود(٢)

٣ الحكمة ( ٦١ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ حُلْوَةُ اَللَّبْسِةِ « المرأة عقرب » في ( اللّسان ) العقرب يكون للذّكر و الانثى ، و الغالب عليه التأنيث ، و يقال للانثى : عقربة و عقرباء ، و العقربان : الذكر منها ، قال إياس بن الأرتّ :

كأنّ مرعى امكم إذ غدت

عقربة يكومها عقربان(٣)

و عقرب بن أبي عقرب كان من تجّار المدينة مشهورا بالمطل ، قال الزبير ابن بكار : عامله الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب فلزم الفضل بيته زمانا فلم يعطه شيئا ، فقال الفضل :

قد تجرت في سوقنا عقرب

لا مرحبا بالعقرب التاجره

كلّ عدو يتّقى مقبلا

و عقرب تخشى من الدابره

إن عادت العقرب عدنا لها

و كانت النعل لها حاضره

____________________

( ١ ) البيان و التبيان للجاحظ ٢ : ٩٥ .

( ٢ ) هو مسلم بن الوليد ذكره النويري ، في نهاية الارب ٢ : ٣٧ .

( ٣ ) لسان العرب لابن منظور ٩ : ٣١٨ .

٢٩٨

كلّ عدوّ كيده في استه

فغير مخشي و لا ضائره(١)

« حلوة اللبسة » هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) ، و الصواب : ( اللسبة ) كما نقله ( ابن أبي الحديد(٣) و اللسبة من لسب بالفتح ، قال ابن السكيت يقال لسبته العقرب إذا لسعته ، و اما لسب بالكسر فبمعنى لعق ، يقال لسبت العسل أي لعقته(٤) .

و لكون المرأة عقربا حلوة اللسبة قال كثيّر في صاحبته عزّة :

هنيئا مريئا غير داء مخامر

لعزّة من أعراضنا ما استحلّت(٥)

و عن مجنون في صاحبته ليلى :

حلال لليلى شتمنا و انتقاصنا

هنيئا و مغفور لليلى ذنوبها(٦)

و في ( الأغاني ) : قدم الوليد بن عبد الملك مكة فأراد أن يأتي الطائف فقال :

هل من رجل عالم يخبرني عنها قالوا : عمر بن أبي ربيعة قال : لا حاجة لي به ، ثم عاد فسأل فذكروه فقال : هاتوه فأتى و ركب معه ، فجعل يحدّثه ثم حوّل رداءه ليصلحه على نفسه ، فرأى الوليد على ظهره أثرا فقال : ما هذا ؟ قال : كنت عند جارية لي إذ جاءتني جارية برسالة من عند جارية اخرى و جعلت تسارّني بها ، فغارت التي كنت عندها فعضّت منكبي ، فما وجدت ألم عضتها من لذة ما كانت تلك تنفث في اذني حتى بلغت ما ترى و الوليد يضحك(٧) .

____________________

( ١ ) حياة الحيوان للدميري ٢ : ٦١ .

( ٢ ) راجع النسخة المصرية : ٦٧١ رقم ٦٢ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ١٩٨ رقم ٥٩ .

( ٤ ) ترتيب اصلاح المنطق لابن السكّيت : ٣٣٤ .

( ٥ ) ديوان كثير عزة : ٥٦ .

( ٦ ) ديوان مجنون ليلى : ٣٤ .

( ٧ ) الأغاني للأصفهاني ١ : ١١٢ .

٢٩٩

و قال حجر آكل المرار في هند امرأته :

حلوة العين و الحديث و مرّ

كل شي‏ء أجنّ منها الضمير(١)

و قال أبو العتاهية :

رأيت الهوى جمر الغضا غير أنّه

على جمره في صدر صاحبه حلو(٢)

و في ( الجمهرة ) ( زينب ) اشتقاقه من زنابة العقرب و هي ابرته التي تلذع بها ، فأما زبانيا العقرب فهما قرناها(٣) .

٤ الحكمة ( ٢٣٤ ) و قالعليه‌السلام :

خِيَارُ خِصَالِ اَلنِّسَاءِ شَرُّ خِصَالِ اَلرِّجَالِ اَلزَّهْوُ وَ اَلْجُبْنُ وَ اَلْبُخْلُ فَإِذَا كَانَتِ اَلْمَرْأَةُ مَزْهُوَّةً لَمْ تُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِهَا وَ إِذَا كَانَتْ بَخِيلَةً حَفِظَتْ مَالَهَا وَ مَالَ بَعْلِهَا وَ إِذَا كَانَتْ جَبَانَةً فَرِقَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ يَعْرِضُ لَهَا « خيار خصال النساء شرّ خصال الرجال » و ممّا قيل في اختلافهن مع الرجال في غير ما قالعليه‌السلام قول ابن شبرمة : ما رأيت لباسا على رجل أزين من فصاحته ، و لا رأيت لباسا على امرأة أزين من شحم(٤) و لشاعر :

الخال يقبح بالفتى في خدّه

و الخال في خد الفتاة مليح

و الشيب يحسن بالفتى في رأسه

و الشيب في رأس الفتاة قبيح(٥)

الزهو : أي : الكبر و الفخر و كونه من شرار خصال الرجال واضح .

____________________

( ١ ) الأغاني للأصفهاني ١٦ : ٣٥٨ ، كذا ابن قيم الجوزية : ١٤٤ و نسب البيت إلى عمرو الملك .

( ٢ ) الأغاني للأصفهاني ٤ : ٤١ و في نسخة التحقيق ورد العجز بلفظ « على كل حال عند صاحبه حلو » .

( ٣ ) جمهرة اللغة لابن دريد ٣ : ٣٦٥ .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٤ : ٣٠ .

( ٥ ) المصدر نفسة ٤ : ٢٢ .

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576