الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل13%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 576

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 264213 / تحميل: 11784
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

مؤلف:
العربية

١
٢

٣
٤

الآيات

( وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤١) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (٤٢) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (٤٣) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤٤) )

التّفسير

كيف يفرّون من الحق؟

كان الحديث في الآيات السابقة يتعلّق بقضيتي التوحيد والشرك ، لذا فإنّ هذه الآيات تتابع هذا الموضوع بوضوح وقاطعية أكبر. ففي البداية تتحدث عن لجاجة بعض المشركين وعنادهم في قبال أدلة التوحيد فتقول :( وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً ) .

«صرّف» مشتقّة من «تصريف» وهي تعني التغيير والتحويل ، وكونها على وزن «تفعيل» يؤكّد معنى الكثرة. ولأنّ القرآن يستخدم تعابير متنوعة وفنونا كلامية مختلفة من أجل تنبيه المشركين ، إذ يستخدم الاستدلال العقلي المنطقي

٥

والفطري أو التهديد والترغيب ، لذا فإنّ كلمة «صرّفنا» تناسب هذا التنوّع في هذا المقام.

القرآن الكريم يريد أن يقول : إنّنا سلكنا مختلف الطرق ، وفتحنا مختلف الأبواب من أجل أن ننير قلوب هؤلاء العميان بضياء التوحيد ، ولكن مجموعة من هؤلاء وصل بهم التعصب والعناد واللجاجة إلى درجة أنّ كل هذه الوسائل لم تؤثر في جذبهم إلى الحقيقة ، بل إنّها زادت في ابتعادهم ونفورهم.

وهنا قد يطرح هذا السؤال : إذا ما الفائدة من ذكر كلّ ذلك ، إذا كانت النتائج. معكوسة؟

إنّ جواب هذا السؤال واضح ، إذ أنّ القرآن لم ينزل لفرد أو لمجموعة خاصّة ، ولكنّه للمجتمع كافّة ، وطبيعي أن جميع الناس ليسوا على منوال المعاندين ، إذ هناك الكثير ممن يتبع طريق الحق إذا استبانت له أدلته من هذا النوع من الأدلّة القرآنية ، بالرغم من أنّها تؤدي بمجموعة أخرى من فاقدي بصيرة القلب إلى المزيد من العناد.

إضافة إلى أنّ وجود هؤلاء المعاندين مفيد للمجموعة الأخرى التي تقبل الحق وتنصاع إليه ، إذ يستبيّن من ينصاع للحق طريقة من خلال النظر إلى سلوك المعاندين إذ أنّ تقابل الظّلمة والنّور يوضح قيمة النور أكثر (الأشياء تعرف بأضدادها) كما أن تعلم الأخلاق والآداب يمكن أن يتمّ ـ أحيانا ـ بتوسط عديمي الأدب والخلق.

وهذا في الواقع درس مفيد في القضايا التربوية والتبليغية ، إذ يمكن أن نستفيد من هذه الآية ضرورة سلوك طرق مختلفة ووسائل متعدّدة لتحقيق الأهداف التربوية المنشودة ، حيث أنّ الاقتصار على طريق واحد يخالف التنوع الكبير في أذواق الناس ومؤهلاتهم ، وبالتالي يجافي الطريق الصحيح الذي ينبغي أن يتّبع.

٦

دليل التمانع :

الآية التي بعدها تشير إلى واحد من أدلة التوحيد والذي يعرف بين العلماء والفلاسفة بعنوان «دليل التمانع» إذ الآية تقول للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قل لهم :( قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً ) .

وبالرغم من أنّ جملة( إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً ) تفيد أنّهم لا بدّ أن يجدوا طريقا يؤدي بهم إلى صاحب العرش ، ولكن طبيعة الكلام توضح بأنّ الهدف هو العثور على سبيل للانتصار عليه (على ذي العرش) خاصّة وأنّ كلمة( ذِي الْعَرْشِ ) التي استخدمت بدلا من «الله» تشير إلى هذا الموضوع وتؤكّده. إذ تعني أنّهم أرادوا أن يكونوا مالكي العرش وحكومة عالم الوجود ، لذلك فإنّهم سيحاولون منازلة ذي العرش.

ومن الطبيعي هنا أنّ كل صاحب قدرة يسعى لمدّ قدرته وتكميلها ، لذا فإنّ وجود عدّة آلهة يؤدي إلى التنازع والتمانع فيما بينهم حول الحكم والسلطة في عالم الوجود.(١)

هنا قد يقال : إن من الممكن تصوّر وجود عدّة آلهة يحكمون العالم من خلال التعاون والتنسيق فيما بينهم ، لذلك فليس ثمّة من سبب للتنازع بينهم؟!

في الإجابة على هذا السؤال نقول : بصرف النظر عن أنّ كل موجود يسعى نحو توسيع قدرته بشكل طبيعي ، وبصرف النظر أيضا عن الآلهة التي يعتقد بها المشركون تحمل العديد من الصفات البشرية ، والتي تعتبر أوضحها جميعا هي الرغبة في السيطرة والحكم وتوسيع نطاق القدرة بغض النظر عن كلّ ذلك نقول : إنّ اللازمة الضرورية لتعدّد الوجود هي الاختلاف ، وحيث لا يوجد

__________________

(١) بعض المفسّرين قال : إنّ هذا الجزء من الآية يعني أنّ هناك آلهة أخرى تحاول أن تقرب نفسها إلى الله. وهذا يعني أنّ هذه الآلهة (الأصنام وغيرها) الوهمية عند ما لا تستطيع أن تقرّب نفسها لله فكيف تستطيع أن تقربكم أنتم؟ ولكن سياق هذه الآية التي بعدها لا يتواءمان مع هذا التّفسير.

٧

اختلاف بين وجودين إطلاقا ، فلا معنى لوجود التعدّد!! (دقق جيدا).

ونظير هذا البحث ورد في الآية (٢٢) من سورة الأنبياء حيث قوله تعالى( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ) . ومنعا للالتباس ينبغي أن نقول : هناك اختلاف بين الدليلين بالرغم من التشابه بينهما :

الأوّل يدلّ على فساد العالم ونظام الوجود بسبب تعدّد الآلهة.

أمّا الثّاني فيتحدّث ـ بغض النظر عن النظم في عالم الوجود ـ عن حالة التنازع والتمانع التي سوف تقوم بين الآلهة المتعدّدة. (سوف نبحث هذه الأمور مفصلا أثناء تفسير الآية (٢٢) من سورة الأنبياء).

وبما أنّ كلام المشركين وعباراتهم توحي بأنّهم نزلوا في إدراكهم للهعزوجل إلى مستوى أن يكون طرفا للنزاع ، لذا فإنّ الآية تقول بعد ذلك مباشرة :( سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً ) .

في الواقع إنّ هذا التعبير القرآني القصير ، يوضح ـ من خلال أربعة تعابير ـ علو الكبرياء الإلهية ونزاهتها عن مثل هذه التخيلات ، إذ تقول :

١ ـ استخدام كلمة( سُبْحانَهُ ) بمعنى التنزيه للذات الإلهية.

٢ ـ ثمّ تعبير( وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ ) .

٣ ـ ثمّ استخدام( عُلُوًّا ) وهي مفعول مطلق يفيد التأكيد.

٤ ـ أخيرا ، جاءت كلمة( كَبِيراً ) للتأكيد مجددا على معاني التنزيه والعلو.

وبعد ذلك فإنّ جملة( عَمَّا يَقُولُونَ ) لها معنى واسع حيث أنّها تنفي كل أشكال التهم الباطلة ولوازمها.

ثمّ لأجل إثبات عظمة الخالق وأنّه منزّه عن خيالات واعتقادات وأوهام المشركين ، تتحدث الآية التالية عن تسبيح كائنات الوجود لذاته المقدسة إذ تقول :( تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ ) . ثمّ تتطرق الآية إلى أنّ التسبيح لا يقتصر على ما هو موجود في السماوات والأرض ، وإنّما ليس هناك

٨

موجود إلّا ويسبّح ويحمد الله ، ولكن لا تدركون تسبيحهم :( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) . ومع ذلك :( إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً ) . أي لا يؤاخذكم ولا يعاقبكم بسبب كفركم وشرككم مباشرة ، ولكن يمهلكم بالقدر الكافي ، ويفتح لكم أبواب التوبة ويتركها مفتوحة لإتمام الحجة.

بتعبير آخر : إنّكم تملكون القدرة على إدراك تسبيح ذرات الوجود والكائنات جميعا لله القادر المتعال ، وتدركون وجودهعزوجل ، ولكنّكم مع ذلك تقصّرون ، والله سبحانه وتعالى لا يؤاخذكم مباشرة على هذا التقصير ، ولا يجازيكم به فورا ولكن يعطيكم الفرصة الكافية لمعرفة التوحيد وترك الشرك.

تسبيح الكائنات :

تذكر الآيات القرآنية المختلفة تسبيح وحمد جميع موجودات عالم الوجود لله تعالى ، وإنّ أكثر الآيات صراحة بهذا الخصوص هي الآية التي نبحثها والتي تذكر لنا ـ بدون استثناء ـ أنّ جميع الموجودات في العالم ، الأرض والسماء ، النجوم والفضاء ، الأناس والحيوانات وأوراق الشجر ، وحتى الذرات الصغيرة ، تشترك جميعا في هذا التسبيح والحمد العام.

يبيّن القرآن الكريم أنّ عالم الوجود قطعة واحدة من التسبيح والحمد ، وأنّ كل موجود يؤدي هذا التسبيح ويقوم به بشكل معين ويثني على الباريعزوجل ، وأنّ أزير هذا التسبيح والحمد يملأ عالم الوجود المترامي الأطراف ، ولكن الجهلاء لا يستطيعون سماع هذا الأزيز ، بعكس المستبصرين المتأملين والعلماء الذين أضاء الله قلوبهم وأرواحهم بنور الإيمان ، فإنّ هؤلاء يسمعون هذا الصوت من جميع الجهات بشكل جيّد.

هناك كلام كثير بين العلماء والمفسّرين والفلاسفة حول تفسير حقيقة هذا الحمد والتسبيح ، فبعضهم اعتبر الحمد والتسبيح (حالا) والبعض الآخر (قولا) ،

٩

أمّا خلاصة أقوالهم فهي :

١ ـ البعض يعتقد أنّ جميع ذرات الوجود في هذا العالم لها نوع من الإدراك والشعور ، سواء كانت هذه الموجودات عاقلة أو غير عاقلة. وهي تقوم بالتسبيح والحمد في نطاق عالمها الخاص ، بالرغم من أنّنا لا نستطيع إدراك ذلك أو الإحساس بهذا الحمد والتسبيح وسماعه. آيات كثيرة تؤكّد هذا المعنى منها الآية رقم (٧٤) من سورة البقرة واصفة الحجارة أو نوع منها :( وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ) . ثمّ قوله تعالى في الآية (١١) من سورة فصّلت :( فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ) .

٢ ـ الكثير يعتقد أنّ هذا التسبيح والحمد هو على شاكلة ما نسميه بـ «لسان الحال» وهو حقيقي غير مجازي إلّا أنّه بلسان الحال وليس بالقول. (تأمّل ذلك).

ولتوضيح ذلك تقول : قد يحدث أن نشاهد آثار عدم الارتياح والألم ، وعدم النوم في وجه أو عيني شخص ما ونقول له : بالرغم من أنّك لم تتحدث عن شيء من هذا القبيل، إلّا أن عينيك تقولان بأنّك لم تنم الليلة الماضية ، ووجهك يؤكّد بأنّك غير مرتاح ومتألم! وقد يكون لسان الحال من الوضوح بدرجة بحيث أنّه يغطي على لسان القول لو حاول التستر عليها قولا.

وهذا هو المعنى الذي صرّح به أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام بقوله : «ما أضمر أحد شيئا إلّا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه»(١) .

من جانب آخر هل يمكن التصديق بأنّ لوحة فنية جميلة للغاية تدل على ذوق ومهارة رسامها ، لا تمدحه أو تثني عليه؟ وهل يمكن انكار ثناء دواوين أشعار أساطين الشعر والأدب وتمجيدها لقرائحهم واذواقهم الرفيعة؟ أو يمكن انكار أن بناء عظيما أو مصنعا كبيرا أو عقولا الكترونية معقدة أو أمثالها ، أنّها تمدح صانعها ومبتكرها بلسان حالها غير الناطق؟

__________________

(١) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، رقم ٢٦.

١٠

لذا يجب التصديق والتسليم بأنّ عالم الوجود العجيب ذا الأسرار المتعدّدة والعظمة الكبيرة ، والجزئيات العديدة المحيّرة ، يقوم بتسبيح وحمد الخالقعزوجل ، وإلّا فهل «التسبيح» سوى التنزيه عن جميع العيوب؟ فنظام عالم الوجود ناطق بأنّ خالقه ليس فيه أي نقص أو عيب :

ثمّ هل «الحمد» سوى بيان الصفات الكمالية؟ فنظام الخلق والوجود كلّه يتحدث عن الصفات الكمالية للخالق وعلمه وقدرته اللامتناهية وحكمته الوسيعة.

خاصّة وأنّ تقدم العلوم البشرية وكشف بعض أسرار وخفايا هذا العالم الواسع ، توضح هذا الحمد والتسبيح العام بصورة أجلى. فاليوم مثلا ألّف علماء النبات المؤلفات العديدة عن أوراق الأشجار ، وخلايا هذه الأوراق ، والطبقات السبع الداخلة في تكوينها ، والجهاز التنفسي لها ، وطريقة التغذية وسائر الأمور الأخرى التي تتصل بهذا العالم.

لذلك ، فإنّ كل ورقة توحد الله ليلا ونهارا ، وينتشر صوت تسبيحها في البساتين والغابات ، وفوق الجبال وفي الوديان ، إلّا أنّ الجهلاء لا يفقهون ذلك ، ويعتبرونها جامدة لا تنطق.

إنّ هذا المعنى للتسبيح والحمد الساري في جميع الكائنات يمكن دركه تماما ، وليست هناك حاجة لأن نعتقد بوجود إدراك وشعور لكل ذرات الوجود ، لأنّه لا يوجد دليل قاطع على ذلك ، والآيات السابقة يحتمل أن يكون مقصودها التسبيح والحمد بلسان الحال.

الجواب على سؤال :

يبقى سؤال واحد ، وهو إذا كان الغرض من الحمد والتسبيح هو تعبير نظام الكون عن نزاهة وعظمة وقدرة الخالقعزوجل ، وتبيان الصفات السلبية

١١

والثبوتية ، فلما ذا يقول القرآن :( لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) لأنّه إذا كان البعض لا يفقه ، فإنّ العلماء يفقهون ويعلمون؟.

هناك جوابان على هذا السؤال هما :

الأوّل : إنّ الآية توجّه خطابها إلى الأكثرية الجاهلة من عموم الناس ، خصوصا إلى المشركين ، حيث أنّ العلماء المؤمنين قلّة وهم مستثنون من هذا التعميم ، وفقا لقاعدة ما من عام إلّا وفيه استثناء.

الثّاني : هو أنّ ما نعلمه من أسرار وخفايا العالم في مقابل ما لا نعلمه كالقطرة في قبال البحر ، وكالذرة في قبال الجبل العظيم. وإذا فكرنا بشكل صحيح فلا نستطيع أن نسمّي الذي نعرفه بأنّه (علم). إنّنا في الواقع لا نستطيع أن نسمع تسبيح وحمد هذه الموجودات الكونية مهما أوتينا من العلم ، لأنّ ما نسمعه هو كلمة واحدة فقط من هذا الكتاب العظيم!!

وعلى هذا الأساس تستطيع الآية أن تخاطب العالم بأجمعه وتقول لهم : إنّكم لا تفقهون تسبيح وحمد الموجودات بلسان حالها ، أمّا الشيء الذي تفقهوه فهو لا يساوي شيئا بالنسبة إلى ما تجهلون.

٣ ـ بعض المفسّرين يحتمل أنّ الحمد والتسبيح هو تركيب من لسان : «الحال» و «القول». وبعبارة أخرى : يعتقدون بأنّه تسبيح تكويني وتشريعي ، لأنّ أكثر البشر وكل الملائكة يحمدون الله عن إدراك وشعور ؛ وكل ذرات الوجود نتحدّث عن عظمة الخالق بلسان حالها. وبالرغم من أنّ هذين النوعين من الحمد والتسبيح مختلفين ، إلّا أنّهما يشتركان في المفهوم الواسع لكلمتي الحمد والتسبيح.

ولكن التّفسير الثّاني ـ حسب الظاهر ـ أكثر قبولا للنفس من التّفسيرين الآخرين.

١٢

جانب من روايات العترة الطاهرة :

هناك تعابير لطيفة في هذا المجال وردت في أحاديث الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل البيتعليهم‌السلام ، منها :

* أحد أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام يقول : سألت الإمام عن تفسير قوله تعالى :( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ) فقالعليه‌السلام : «كل شيء يسبّح بحمده وإنّا لنرى أن ينقض الجدار وهو تسبيحها»(١) .

* وعن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام قال : «نهى رسول الله أن توسم البهائم في وجوهها، وأن تضرب وجوهها لأنّها تسبّح بحمد ربّها»(٢) .

* وعن الإمام الصادقعليه‌السلام قوله : «ما من طير يصاد في بر ولا بحر ، ولا شيء يصاد من الوحش إلّا بتضييعه التسبيح»(٣) .

* أمّا الإمام الباقرعليه‌السلام ، فعند ما سمع يوما صوت عصفور ، فقال لأبي حمزة الثمالي ـ وكان من خاصّة أصحابه ـ : «يسبحن ربّهنّعزوجل ويسألن قوت يومهن»(٤) .

* وفي حديث آخر نقرأ أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتى إلى عائشة ، وقال لها : «اغسلي هذين الثوبين» فقالت : يا رسول الله ، لقد غسلتهما أمس ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أمّا علمت أنّ الثوب يسبّح فإذا اتسخ انقطع عن تسبيحه»(٥) .

* في حديث آخر عن الإمام الصادق نقرأ قولهعليه‌السلام : «للدابة على صاحبها ستة حقوق : لا يحملها فوق طاقتها ، ولا يتخذ ظهرها مجلسا يتحدث عليها ، ويبدأ بعلفها إذا نزل ، ولا يسمها في وجهها ، ولا يضربها فإنّها تسبح ، ويعرض عليها الماء

__________________

(١) نور الثقلين ، المجلد الثّالث ، صفحة (١٦٨).

(٢) نور الثقلين ، المجلد الثّالث ، صفحة (١٦٨).

(٣) المصدر السابق.

(٤) عن أبو نعيم الإصفهاني في حلية الأولياء (نقلا عن تفسير الميزان).

(٥) المصدر السابق.

١٣

إذا مرّ بها»(١) .

إنّ هذه المجموعة من الأحاديث والرّوايات والتي لبعضها معاني دقيقة ، تظهر أنّ التسبيح العام للموجودات يشمل كل شيء بدون استثناء ، وكل هذا يتطابق مع ما ذكرناه في التّفسير الثّاني (أي إن التسبيح هو تسبيح تكويني أو تسبيح بلسان الحال).

أمّا ما قرأناه في هذه الأحاديث من أنّ اللباس إذا توسخ ينقطع تسبيحه ، فهو كناية عن أنّ المخلوقات إذا كانت محافظة على نظافتها الطبيعية فسوف تذكّر الإنسان بخالقه ، أمّا إذا فقدت نظافتها الطبيعية فسوف لا تقوم بالتذكير.

* * *

__________________

(١) عن «الكافي» طبقا لما ذكره صاحب الميزان.

١٤

الآيات

( وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٤٨) )

سبب النّزول

تحدّث مجموعة من المفسّرين مثل الطبرسي في «مجمع البيان» والفخر الرازي في «التّفسير الكبير» وآخرون ، في شأن نزول هذه الآيات ، فقالوا : إنّها نزلت في مجموعة من المشركين كانوا يؤذون النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالليل إذا تلا القرآن وصلّى عند الكعبة ، وكانوا يرمونه بالحجارة ويمنعونه عن دعوة الناس إلى الدين ، فحال الله سبحانه بينه وبينهم حتى لا يؤذوه.

١٥

وقد احتمل الطبرسي أن يكون الله منع المشركين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريق إلقاء الخوف والرعب في قلوبهم(١) .

أمّا الرازي فيقول في ذلك : «إنّ هذه الآية نزلت في قوم كانوا يؤذون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا قرأ القرآن على الناس. روي أنّه عليه الصلاة والسّلام كان كلّما قرأ القرآن قام عن يمينه رجلان وعن يساره آخران من ولد قصي يصفقون ويصفرون ويخلطون عليه بالأشعار».

ثمّ أضاف : «وروي عن ابن عباس ، أنّ أبا سفيان والنضر بن الحرث وأبا جهل وغيرهم كانوا يجالسون النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويستمعون إلى حديثه ، فقال النضر يوما : ما أدري ما يقول محمّد غير أنّي أرى شفتيه تتحركان بشيء. وقال أبو سفيان : إنّي لأرى بعض ما يقوله حقّا ، وقال أبو جهل : هو مجنون. وقال أبو لهب : هو كاهن. (!!!) وقال حويطب بن عبد العزى : هو شاعر ، فنزلت الآية أعلاه :( وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ ) (٢) .

التّفسير

المغرورون وموانع المعرفة :

بعد الآيات السابقة قد يطرح الكثيرون هذا السؤال : رغم وضوح قضية التوحيد بحيث أنّ جميع مخلوقات العالم تشهد بذلك ؛ فلما ذا ـ اذن ـ لا يقبل المشركون هذه الحقيقة ولا ينصاعون للآيات القرآنية بالرغم من سماعهم لها؟

الآيات التي نبحثها يمكن أن تكون جوابا على هذا السؤال ، إذ تقول الآية الأولى فيها :( وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً ) . وهذا الحجاب والساتر هو نفسه التعصّب واللجاجة والغرور

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلد الثّالث ، صفحة ٤١٨.

(٢) التّفسير الكبير ، المجلد ٢٠ ، صفحة ٢٢٠ ـ ٢٢١.

١٦

والجهل ، حيث تقوم هذه الصفات بصد حقائق القرآن عن أفكارهم وعقولهم ولا تسمح لهم بدرك الحقائق الواضحة مثل التوحيد والمعاد وصدق الرّسول في دعوته وغير ذلك.

وفيما يخص كلمة «مستور» هل أنّها صفة للحجاب ، أو لشخص الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو للحقائق القرآنية؟ فإنّ البحث عن ذلك سنشير إليه في البحوث.

وسنتناول في البحوث ـ أيضا ـ كيفية نسبة الحجاب للخالق جلّ وعلا.

أمّا الآية التي بعدها فتقول :( وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً ) أي أنّنا غطّينا قلوبهم بأستار لكي لا يفهموا معناه ، وجعلنا في آذانهم ثقلا ، لذلك فإنّهم( إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً ) .

حقّا ما أعجب الهروب من الحق ؛ الهرب من السعادة والنجاة ، من النصر والفهم!إنّ شبيه هذا المعنى نجده ـ أيضا ـ في الآية (٥٠ ـ ٥١) من سورة المدثر :( كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ) أي كالحمير الهاربة من الأسد.

ثمّ يضيف الله تبارك وتعالى مرّة أخرى :( نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ) أي أنّ الله تعالى يعلم الغرض من استماعهم لكلامك وحضورهم في مجلسك و( إِذْ هُمْ نَجْوى ) يتشاورون ويتناجون( إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً ) . إذ ـ في الحقيقة ـ إنّهم لا يأتون إليك من أجل سماع كلامك بقلوبهم وأرواحهم ، بل هدفهم هو التخريب ، وتصيّد الأخطاء (بزعمهم ودعواهم) حتى يحرفوا المؤمنين عن طريقهم إذا استطاعوا. وعادة يكون مثل هؤلاء الأشخاص وبمثل نواياهم ، قلوبهم موصدة ، وفي آذانهم وقر ، لذلك لا يجالسون رجال الحق إلّا لتحقيق أهداف شيطانية.

الآية الأخيرة خطاب للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالرغم من أنّ عبارة الآية قصيرة ، إلّا أنّها كانت قاضية بالنسبة لهذه المجموعة حيث قالت :( انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) . والآية لا تعني أنّ الطريق غير واضح والحق

١٧

خاف ، بل على أبصارهم غشاوة ، وقلوبهم مغلقة دون الاستجابة للحق ، وعقولهم معطّلة عن الهدى بسبب الجهل والحقد والتعصب والعناد.

بحوث

١ ـ خلاصة عامّة للآيات

الآيات الآنفة ترسم لنا بدقة أحوال الضالين والموانع التي تحول دون معرفتهم للهدى ، وبشكل عام تقول الآيات : إنّ ثمّة ثلاثة موانع لمعرفة هؤلاء للحق ، بالرغم من سهولة رؤية طريق الحق ، هذه الموانع هي :

أ ـ وجود الحجاب بينك وبينهم ، وهذا الحجاب في حقيقته إن هو إلّا أحقادهم وحسدهم وبغضهم والعداوة التي يضمرونها نحوك ، فهذا الحجاب بمكوناته هو الذي يمنعهم من النظر إلى شخصيتك الرسالية ، أو أن يدركوا كلامك ، حتى أنّ الحسنات تتحول في نظرهم إلى سيئات.

ب ـ سيطرة الجهل والتقليد الأعمى على قلوبهم بحيث أنّهم غير مستعدين لسماع كلمة الحق من أي شخص كان.

ج ـ إنّ حواس المعرفة لدى هؤلاء ، كالأذن ـ مثلا ـ تنفر من كلام الحق ، وتكون كأنّها صمّاء ، أمّا الكلام الباطل فإنّهم يتذوقونه ويفرحون به ، وينفذ إلى أعماقهم بسرعة ، خاصّة وأن التجربة أثبتت أنّ الإنسان إذا لم يكن راغبا بشيء فسوف لا يسمعه بسهولة. أمّا إذا كان راغبا فيه ، فإنّه سيدركه بسرعة ، وهذا يدل على أنّ الإحساسات الداخلية لها تأثيرها على الحواس الظاهرة ، بل وتستطيع أن تطبعها بالشكل الذي تريده.

أمّا نتيجة هذه الموانع الثلاثة فهي :

أوّلا : الهروب من سماع الحق ، خاص عند ما يكون الحديث عن وحدانية الخالق ، لأنّ هذه الوحدانية تتناقض مع أصول اعتقادات المشركين.

١٨

ثانيا : اللجوء إلى توجيهات خاطئة لتبرير انحرافهم ، حيث كانوا يصفون الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتهم مختلفة كالساحر والشاعر والمجنون. وبذلك تكون عاقبة كل أعداء الحق أنّ أعمالهم الرذيلة تكون حجابا لهم دون الحق والهدى.

وهنا ينبغي القول بأنّ من يريد أن يسلك الصراط المستقيم وأن يأمن من الانحراف يجب عليه أوّلا وقبل كل شيء إصلاح نفسه. يجب تطهير القلب من البغض والحسد والعناد ، وتطهير الروح من التكبر والغرور ، وبشكل عام تطهير النفس من جميع الصفات الرذيلة ، لأنّ القلب إذا تطهّر من هذه الرذائل وأصبح نظيفا نقيّا ، فسوف يدرك جميع الحقائق. لهذا السبب نرى أنّ الأميين وأصحاب القلوب النقية يدركون الحقائق أسرع من العالم الذي لم يقم بتهذيب نفسه.

٢ ـ لماذا تنسب الحجب للخالق؟

الآيات تنسب الحجب إلى الخالق ، حيث قوله تعالى :( وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً ) . كذلك هناك آيات قرآنية أخرى بنفس المضمون. وهذه التعابير قد يستشم منها رائحة «الجبر» في حين أنّها لم تكن سوى صدى لأعمالهم. ولكن هذه الحجب ـ في الواقع ـ هي بسبب الذنوب والصفات الرّذيلة لنفس الإنسان ، وإن هي إلّا آثار الأعمال. ونسبة هذه الأمور إلى الخالق يعود إلى أنّه سبحانه وتعالى هو الذي خلق خواص الأمور ، فإنّ تلك الأعمال الرّذيلة والصفات القبيحة لها هذه الخواص. وقد تحدّثنا عن هذه الفكرة في البحوث السابقة مستفيدين من الشواهد القرآنية الكثيرة.

٣ ـ ما معنى الحجاب المستور؟!

هناك آراء كثيرة للمفسّرين حول الحجاب المستور ، منها :

أ ـ (مستور) صفة للحجاب ، ونستفيد من ظاهر التعبير القرآني أنّ هذا

١٩

الحجاب مخفي عن الأنظار. وفي الواقع إنّ حجاب الحقد والعداوة والحسد لا يمكن رؤيته بالعين ، لأنّها في نفس الوقت تضع حجابا سميكا بين الإنسان والشخص الذي يقوم بحسده والحقد عليه.

ب ـ البعض الآخر فسّر (مستور) بمعنى «الساتر» (لأنّ اسم المفعول قد يأتي بمعنى الفاعل كما فسّر بعض المفسّرين كلمة «مسحور» في هذه الآيات بمعنى الساحر)(١) .

ج ـ القسم الثّالث من المفسّرين اعتبر (مستور) وصفا مجازيا ، أي أنّه لا يعني أنّ الحجاب مستور ، بل إنّ الحقائق الموجودة خلف هذا الحجاب هي المستورة (مثل شخصية الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) وصدق دعوته وعظمة أحاديثه).

وعند التدقيق في هذه التفاسير الثّلاثة يظهر أنّ التّفسير الأوّل يتلائم أكثر مع ظاهر الآية.

وفي بعض الرّوايات نقرأ أنّ أعداء الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا يأتونه وهو مع أصحابه يتلو القرآن ، إلّا أنّهم لم يكونوا يرونه ، وكأن عظمة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تمنعهم من رؤيته ومعرفته ، وبذلك يكون بعيدا عن أذاهم.

٤ ـ «أكنّة» و «وقر» ماذا يعنيان؟

(أكنّة) جمع «كنان» وهي على وزن «لسان» وفي الأصل تعني أي غطاء يمكن أن يستر شيئا ما ، أمّا «كن» على وزن «جن» فتعني الوعاء الذي يمكن أن نحفظ في داخله شيئا ما. أمّا جمع «كن» فهو «أكنان» وقد توسع هذا المعنى ليشمل أي شيء يؤدي إلى التستّر ، كالأستار والبيت والأجسام التي يتستر الإنسان خلفها.

__________________

(١) نقل عن الأخفش ، أنّ اسم المفعول قد يأتي في بعض الأحيان بمعنى اسم الفاعل مثل ميمون بمعنى يامن ، ومشئوم بمعنى شائم.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

هل كان صعباً تطبيق قواعد الإسلام في الحياة اليومية؟

كنت أتقصّد التفريق بين الممارسات الإسلامية والثقافة الإسلامية وذلك ما كان يختلط على الناس. «كوني أوروبية، اعتناقي الإسلام لا يعني بالضرورة ارتدائي العباءة في لندن» فالعباءة هي زي ثقافي ولكن اللباس الفضفاض هو المطلوب في الإسلام وليس الأمر محصوراً بارتداء العباءة. فأنا أصلّي، أدفع الصدقات والخمس، أمتنع كلياً عن شرب الكحول والمحرّمات ولكن ليس المطلوب مني أن ألبس العباءة مع أنني أمتلك واحدة أستمتع بارتدائها في المنزل. ولكن بطبيعة الحال، أثناء تواجدي في أوروبا - أرتدي الزي الأوروبي مع مراعاة الحجاب.

فأنا أرى الكثير من الممارسات والقيم الإسلامية في أوروبا كاحترام حقوق الإنسان والحفاظ على النظافة والبيئة وهذه القيم الإسلامية وللأسف مفقودة اليوم عند أغلبية المجتمعات الإسلامية. وهذا بالذات ما عناه المستشرق محمد أسد عندما قال: «تستطيع أن ترى الكثير من الإسلام في أوروبا والقليل من المسلمين، والكثير من المسلمين في الشرق ولكن القليل من الإسلام الحقيقي».

ما هي التحديات التي يفرضها تخلي المرء عن ديانته الأولى واعتناقه لديانة أخرى؟

إنّ التحول إلى الإسلام له تحدياته، خصوصاً على صعيد وجود بيئة مماثلة للتعايش معها. فمثلاً من الصعوبات التي تطرح: وجود زوج لائق لامرأة اعتنقت الإسلام، حيث تصبح الواحدة منا عالقة بين عالمين. فأنا شخصياً امرأة مطلَّقة وأعاني أحياناً من لسعة الوحدة.كذلك المسلمون يتحمسون كثيراً لاعتناق الآخرين لديانتهم ولكنني دائماً أقول، ماذا عن البيئة الحاضنة فيما بعد؟ حيث يبدأ العمل الحقيقي عندها. فهم يشجعون الناس على اعتناق الإسلام ومن ثم يتركونهم وحدهم لمصيرهم. أنا محظوظة ربما بإنشاء شبكة من الصداقات. ولكن كم مرّ علي من الأعياد لم أستطع الإحتفال بها كوني كنت وحيدة. فالعيد كان بالنسبة إليّ أداء الصلاة ومن ثم متابعة اليوم بشكل عادي للأسف.

ولكنني أجد إيجابية في ذلك أحياناً، عندما ينتهي بي الأمر في الأعياد بالعشاء مع أحد الذين اعتنقوا الإسلام كذلك ولا يجد من يعيّد معه.

٣٠١

فالعزلة هي ما يترتب علينا عند اعتناقنا مذهباً ما وتخلينا عن مذهب آخر، ففي عيد الميلاد، لا أكون فرداً مرحّباً به في عائلتي كوني اخترت سلوك طريق آخر. وفي شهر رمضان أجد نفسي وحيدة حيث لا يوجد من يتسحّر معي أو يتناول معي الإفطار إلا إن دعاني أحدهم. ولكنّ العزاء دائماً أنّ الله بصحبتي وهو خير صاحب.

وإن كان الإيمان بالله هو الذي يجعلني أقاوم تلك التحديات ولكنني سمعت عن كثيرين اعتنقوا الإسلام حديثاً قد عادوا وانكفؤوا عن ذلك بسبب عدم وجود الدعم المعنوي الكافي من المجتمع الإسلامي المحيط. ومنذ فترة التقيت بامرأة كانت قد اعتنقت الإسلام لفترة عشر سنوات ولكنها عادت لتصبح اليوم وزيرة مسيحية مجدداً.

أخيراً ما الرسالة التي وجهتها إلى الناس من خلال كتابك؟

لقد وجهت رسالة من خلال كتابي إلى الناس الذين يتعلقون اليوم بالمظاهر المادية للحياة. الكثير من الشبان يحلمون بما كنت أمتلكه في الـ «أم تي ڤي» من تسلية ومعارف وشهرة وثقافة.. كنت أمتلك كل ذلك ويمكنني القول بأنّني لم أكن أشعر بالسعادة ولا أفكّر أبداً باسترجاع حياتي السابقة. ذلك الفراغ الذي كنت أحسّ به قبل اعتناقي للإسلام امتلأ اليوم من خلال وجود هدف لحياتي وعلاقة مميزة مع الله وحلم بالجنة.

وتختم بايكر بالقول: أكثر ما يقلقني اليوم هو أنّ غالبية سكان بريطانيا يبنون معارفهم عن الإسلام من خلال ما تمليه عليهم وسائل الإعلام. فالناس هنا لا يذهبون إلى المكتبات ويشترون الكتب ليتعرفوا على الإسلام، بل يكتفون بقراءة الدايلي مايل أو مشاهدة التلفاز لتكوين رأيهم عن الإسلام. كل ما ينقصنا هو التعليم والتثقيف. ولذلك أنا دائماً جاهزة لإجراء المقابلات، لكي أتكلم وأشرح أكثر عن الإسلام. فمثلاً عندما تتصل صحيفة الصن بأحدهم لإجراء حوار، يمتنع عن القبول، ولكنني أفعل لأنّ إلقاء قطرة واحدة من الحقيقة في ذلك المحيط الشاسع يمكن أن يكون له أثر».

٣٠٢

بايكر اليوم تبقي نفسها منشغلة بتحسين صورة الإسلام في بريطانيا. وكانت واحدة من الذين نظموا حملة «ألهمني الرسول محمد (ص)» في لندن التي هدفت إلى تقديم صورة مشرقة عن الإسلام من خلال ملصقات يتم وضعها في مواقف الحافلات وعلى سيارات الأجرة وكانت صورتها ظهرت على إحدى الملصقات وقد كتب تحتها «أؤمن بحماية البيئة وكذلك الرسول محمد (ص)». وقد تلقّت وسائل الإعلام تلك الحملة بالقبول. وفي الآونة الأخيرة أجرت معها شبكة البي بي سي لقاءً حول الفيلم المسيء للإسلام «براءة المسلمين».

الأخ يحيى

انطباعات من مسلم جديد

القرآن: الوحي الأخير

استدركت ضرورة وحتمية بعث نبي جديد بعد النبي عيسى (ع) نتيجة الابتكارات المنسوبة إلى الوحي الإلهي فكانت الحاجة لنبي آخر بعد عيسى (ع) مع وحي آخر بعد الإنجيل. لهذا بعث الله محمداً (ص) مع آخر رسالة، (أي القرآن)، لإعادة كل البشرية إلى الإيمان وعبادة إله واحد هو الله، دون شركاء أو وسطاء. وفقاً للمسلمين، القرآن الكريم، مصدر دائم لهداية الناس، وقد قدم توضيحاً عقلانياً للدور التاريخي الرائع للنبي عيسى (ع)، فقد ورد اسم (عيسى) خمساً وعشرين مرة في القرآن الكريم الذي يتضمن سورة اسمها مريم تيمناً باسم والدة نبي الله عيسى: السيدة مريم بنت عمران (عليها السلام).

فالحتمية الإلهية لنزول وحي جديد، وجدتها في الآيات القرآنية التالية التي أقنعتني جدا:) وَمَا کَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ یُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَتَفْصِیلَ الْکِتَابِ لا رَیْبَ فِیهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِینَ ﴿37﴾﴾ [يونس: 37]، و﴿ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْیَقِینِ ﴿51﴾ ﴾ [الحاقة: 51]. تزامناً، كنت أشعر بالقلق خوفاً من حصول تحريف في القرآن الكريم لأنها كانت مشكلة كبيرة مع الكتب السماوية السابقة. فقرأت بأن القرآن لن يتغير أو لن يتم إلغاؤه:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿9﴾ ﴾ [الحجر: 9].

٣٠٣

وعرفت لاحقاً أن بعض الظواهر العلمية مذكورة في القرآن، وهذا ما يؤكد مصداقية الاعتقاد بأن القرآن هو كلام الله. فهناك آيات تصف تكوين الجنين داخل رحم أمه، وتكوين الجبال، وأصل الكون، والمخ، والبحار، والأمواج والسحب. إنه فوق استيعاب أي شخص أن يتصور أنّ هذه الحقائق كانت مكتشفة منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، ذلك أنه تم الكشف عن هذه الحقائق وتم تأكيدها في الآونة الأخيرة بواسطة علميات أُجريت بآليات متطورة.

الإسلام: جوهر وذروة الأديان السماوية

يعتقد المسلمون أن الغرض الأساسي لخلق الجنس البشري هو عبادة الله. كما قال في القرآن الكريم،﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ﴿56﴾ ﴾ [الذاريات: 56] وبحسب عالم إسلامي معروف في الغرب فإن «النظام الأكثر اكتمالا من العبادة المتاحة للإنسان اليوم هو النظام الموجود في دين الإسلام، وكلمة «الإسلام» تعني «التسليم والخضوع لإرادة الله (عزّ وجل)»، على الرغم من أنه يشارالى الإسلام عادة باسم ثالث الديانات التوحيدية الثلاث، فإنه ليس ديناً جديداً على الإطلاق. إنه دين جاء به جميع أنبياء الله للبشرية. فالإسلام هو دين آدم وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام).

ويضيف العالم «بما أن الله واحد، والبشر هو نوع واحد، فبالنتيجة الدين الذي سيبعثه الله للناس هو دين موحد، فالحاجات الروحية والاجتماعية البشرية هي ذاتها والطبيعة البشرية لم تتغير منذ تم إنشاء أول رجل وامرأة

وبما أن رسالة الله كانت دائما هي نفسها، أدركت أنه من واجب جميع البشر البحث عن الحقيقة في التدين وليس مجرد القبول والاتباع الأعمى للدين الذي يتولاه مجتمعهم أو الوالدين، وفقاً للقرآن،﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّیْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُکْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِیَّاهُ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿40﴾ ﴾ [يوسف: 40].

٣٠٤

وفيما يتعلق بالفطرة، قال النبي محمد (ص)، ما معناه كل مولود يولد على الفطرة لكن والديه يحولانه إلى اليهودية أو المسيحية أو المجوسية. وعلاوة على ذلك، قال الله تعالى:﴿ فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿30﴾ ﴾ [الروم: 30].

كذلك، تعلمت أنه لا يوجد دين آخر مقبول عند الله الى جانب الإسلام، كما قال بوضوح في القرآن الكريم:﴿ وَمَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الإسْلامِ دِینًا فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِی الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِینَ ﴿85﴾ ﴾ [آل عمران: 85].

فاستنتجت أن الانسان قد يهمل هدى الله ويقيم لنفسه معايير خاصة للمعيشة. ولكن في نهاية المطاف، سوف يكتشف أنه لم يكن يتبع إلا سراباً.

عابر

واصلت قراءة القرآن والتعرف على أقوال وأفعال النبي محمد (ص)، فلاحظت أن الإسلام يرى الإنسان (العبد) كرجل عابر لهذه الحياة، والآخرة هي الدار المقر.

فنحن هنا لفترة قصيرة، ولا يمكن أن نأخذ أي شيء معنا من هذه الحياة إلا إيماننا بالله وأفعالنا الحسنة. وبالتالي، ينبغي أن نكون مثل المسافر الذي يمر عبر الأراضي فقط ولا يأخذ أي شيء منها.يجب علينا أن نفهم أن معنى أن نكون على قيد الحياة هو أن نكون تحت اختبارات متواصلة. فهناك المعاناة والفرح والألم والغبطة. هذه الاختبارات من الخير والشر هدفها بلورة الصفات الروحية العليا فينا. نحن غير قادرين على الاستفادة من هذه التجارب إلا إذا بذلنا قصارى جهدنا، بحيث يكون لدينا ثقة كاملة بالله وتقبل ما يقدر الله لنا بصبر.

٣٠٥

الطريق إلى الجنة

كان لا بد من معرفة المزيد عن الجنة إذ إنها بالتأكيد الهدف النهائي الذي يسعى إليه كل فرد، يقول الله،﴿إِنَّمَا یُؤْمِنُ بِآیَاتِنَا الَّذِینَ إِذَا ذُکِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ ﴿15﴾ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ ﴿16﴾ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِیَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْیُنٍ جَزَاءً بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ ﴿17﴾ ﴾ [السجدة: 17] فصرت على بينة أن سروري غداً هو أبعد من كل خيال، إذ سأعيش هذا الفرح العارم في ظل الخالق.

كنت أتساءل أي النفوس تستحق هذه المكافأة؟ هذا الثواب أعظم من أن يكون له ثمن. قيل لي أن الثمن هو الايمان الحقيقي بالله والطاعة له ولنبيه محمد (ص) وآل بيته (عليهم السلام).

أدركت أن البشرية يجب أن تعبد الله لتحقيق البر والوضع الروحي اللازم لدخول الجنة.هذا يعني أنه على البشر الفهم أن العبادة لا غنى عنها كما الأكل والتنفس وليست مجرد معروف يقومون به تجاه الله.لذلك نحن بحاجة لقراءة القرآن لمعرفة أي نوع من الناس يريدنا الله أن نكون ونحاول أن نصبح على هذا النحو. إذاً هذا هو الطريق إلى الجنة.

التغلب على عقبة:

في هذه المرحلة، شعرت بأنني 80٪ أريد أن أصبح مسلماً، ولكن ما كان يدفعني إلى الخلف أنني كنت قلقاً من ردّة فعل عائلتي وأصدقائي لو علموا بأنني أصبحت مسلماً.

فأعربت عن قلقي لأخ مسلم فقال لي أنه في يوم القيامة، لا أحد سيكون قادراً على مساعدتك، لا والدك، ولا والدتك أو أي من أصدقائك. لذلك، إذا كنت تعتقد أن الإسلام هو الدين الحق، يجب أن تتقبله وتعيش حياتك لإرضاء واحد أحد هو الذي خلقك، وهو الله.

وهكذا، أصبح جلياً بالنسبة لي أننا جميعا في قارب واحد؛ وأن كل نفس ذائقة الموت ثم سنكون جميعاً مسؤولين عن معتقداتنا وعن أفعالنا أمام الله.

٣٠٦

شريط فيديو ذو مغزى:

في هذه المرحلة من بحثي عن الحقيقة، كنت على وشك اعتناق الاسلام. شاهدت محاضرة إسلامية على شريط فيديو حول الغرض من الحياة. وكان الموضوع الرئيسي لهذه المحاضرة أن الغرض من الحياة يمكن تلخيصه في كلمة واحدة، هي الإسلام (التسليم لإرادة الله).

على عكس الأديان أو المعتقدات الأخرى، فإن مصطلح «الإسلام» لا يرتبط بأي شخص أو مكان معين. قد أسمى الله الدين في الآية القرآنية التالية:﴿ إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ ﴾ [آل عمران: 19] فأي شخص يعتنق الإسلام يسمى مسلماً بغض النظر عن عرق ذلك الشخص أو جنسه أو جنسيته. هذا هو واحد من الأسباب التي تجعل الإسلام دينآً عالمياً.

قبل بحثي عن الحقيقة، لم أنظر بجدية إلى الإسلام كخيار بسبب الصورة السلبية المستمرة عن المسلمين في وسائل الإعلام. وقد أظهر مقطع من شريط الفيديو كيف أن المسلمين وعلى الرغم من تميز الإسلام بالمعاييرالأخلاقية العالية، ليسوا جميعاً متمسكين بهذه المعايير.و يمكن قول الشيء نفسه عن أتباع الديانات الأخرى.

فهمت أخيراً أننا لا نستطيع أن نحكم على الديانات من خلال تصرفات أتباعها وحدها، كما فعلت، لأن عامة البشر غير معصومين. على هذا الحساب، لا ينبغي لنا أن نحكم على الإسلام من تصرفات أنصاره، ولكن عن طريق الوحي (القرآن الكريم) وسنة النبي محمد (ص) وأهل بيته (عليهم السلام).

النقطة الأخيرة التي التقطتها هي أهمية الامتنان لله. فالله يذكر في القرآن أنه ينبغي لنا أن نكون ممتنين لحقيقة أنه خلقنا:﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَکُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِکُمْ لا تَعْلَمُونَ شَیْئًا وَجَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ ﴿78﴾ ﴾ [النحل: 78].

٣٠٧

الحقيقة تكشف عن نفسها:

بمجرد انتهاء العرض،اختبرت كشف النقاب عن روحي، شعرت أنّ عبئاً كبيراً من الخطايا زال عن كتفي. وعلاوة على ذلك، شعرت بنفسي كأنني أرتفع عن الأرض وأحلّق، رافضاً المسرات المؤقتة في هذا العالم من أجل الأفراح الأبدية في الآخرة.

هذه التجربة، إلى جانب عملية طويلة من التفكير، حلت أحجية «الغرض من الحياة». وكشفت أن الإسلام هو الحقيقة، وبالتالي كان علي تحديد هدفي من الحياة، ومعتقدي، اتجاهي وأفعالي.

فدخلت بوابة الإسلام بالإعلان عن نية الإيمان بالقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

أُبلغت بأن هذه الشهادة تؤكد الاعتقاد بجميع الأنبياء والمرسلين من الله، جنباً إلى جنب وبالتالي فإن كل رسول ونبي هو تحديث واستكمال لدين واحد حتى وصلنا إلى آخر الأنبياء محمد (ص) وإلى الوحي النهائي من الله [القرآن].

انطباعات من مسلم جديد:

أثناء بحثي عن الحقيقة، الدرس الذي تخطى جميع الدروس، هو أن كل المعبودات الأخرى ما عدا الله هي مجرد أوهام.

فالإذعان لإرادة الله أشعرني بالسلام مع الخالق، مع الآخرين، وأخيراً، مع نفسي. ونتيجة لذلك، بت أشعر بالامتنان جداً، وهذا من رحمة الله، الذي أنقذني من أعماق الجهل وصعد بي إلى نور الحقيقة.

الإسلام، الدين الحق في جميع الأوقات والأماكن ولكل الشعوب، هو رمز كامل للحياة إذ يوجّه الإنسان لتحقيق الغرض من وجوده على الأرض، ويعد له اليوم الذي سيعود فيه الى خالقه.

اتباع هذا المسار بطريقة ورعة تمكن الواحد منا من اكتساب رضوان الله فنكون أقرب إليه وسط المسرات التي لا نهاية لها من الجنة والخلاص من عذاب جهنم. مكافأة إضافية بأن تكون حياتنا الحالية أسعد بكثير عندما نتخذ مثل هذا الخيار.

٣٠٨

التمتع بالضلالة:

وقد أعطى اعتناق الاسلام لي أكثر من نظرة ثاقبة في الطبيعة الوهمية لهذه الحياة. على سبيل المثال، إحدى الركائز الأساسية للإسلام هي تحرير الإنسان. فعندما يطلق مسلم على نفسه اسم «عبد الله»، ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على التحرر من العبودية لجميع الأشكال الأخرى، وعلى الرغم من أن الإنسان المعاصر قد يظن أنه متحرر، وهو في الحقيقة عبد لرغباته. مخدوع ومضلل من هذه الحياة الدنيوية. يقول الله تعالى:﴿ أَرَ‌أَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴿43﴾ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَ‌هُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 43، 44].

لذلك يجب علينا ألا ندع حماسنا للاستمتاع بمتع هذه الحياة الزائلة يعرِّض فرصة الاستمتاع بملذات الجنة للخطر. كما يقول الله في القرآن:﴿ زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِینَ وَالْقَنَاطِیرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَیْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِکَ مَتَاعُ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴿14﴾ قُلْ أَؤُنَبِّئُکُمْ بِخَیْرٍ مِنْ ذَلِکُمْ لِلَّذِینَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِیرٌ بِالْعِبَادِ ﴿15﴾ ﴾ [آل عمران: 14، 15].

ولذلك، فإن المنافسة الحقيقية في هذه الحياة ليست على تراكم الثروة أو الرغبة في الشهرة، بل بالقيام بالاعمال الصالحة لإرضاء الله، مع الاحتفاظ بالجزء القانوني من التمتع في هذه الحياة.

الطريق الصحيح إلى الله:

هناك العديد من البدائل الدينية المتاحة للإنسان، والأمر متروك له لاختيار أي ديانة يرغب في اتباعها. إنَّه أشبه بالتاجر مع العديد من السلع أمامه، وهو الذي يختار أي سلعة ليتاجر بها. من الواضح أنّه سوف يختار ما يعتقد أنّه الأكثر ربحاً. ومع ذلك، فإن التاجر يبقى غير متأكد وغير ضامن للربح؛ حيث يمكن أن يكسب اليوم ويمكن أن يخسر غداً كل شيء.

في المقابل، فإن المؤمن في وحدانية تسليمه لله، يكون متأكداً تماماً أنّه إذا كان يتبع طريق الهداية [القرآن وسنة النبي محمد (ص)، وآل بيته (عليهم السلام)] سيكون بلا شك مصيره النجاح والثواب في نهاية هذا الطريق، ولحسن الحظ، يبدأ هذا النجاح أيضاً في بداية اختيار هذا المسار.

٣٠٩

أنا مسلمة جديدة...

رقية وارث مقصود

ليس من أمر أسهل من اعتناق الإِسلام - لحظة يدرك الإنسان أن الله حق وأن الله موجود حقاً ويقر بأن النبي العربي محمد (ص) هو حقاً خاتم رسل الله ضمن سلسلة الأنبياء الآخرين المذكورين في الإنجيل يكون قد خطى فعلياً الخطوة الأولى.

تسمى لحظة الإشراق هذه التقوى والإحسان. فجأة تدرك أن الله يراك ويعرفك وإن كنت لا تعرفه ولا تراه.

الخطوة الثانية في مسيرة اعتناق الإِسلام هي التعبير وبوضوح عن لحظة الإيمان هذه - أي نطق الشهادة: «أشهد» لتتوالى الخطوات طوال حياتك.

كيف أعيش كمسلمة:

أن تصبح جزءاً من الجالية المسلمة المحلية وتلج في نمط الحياة هذا أمر يختلف تماماً عن مجرد أن تصبح مسلماً على مستوى العقل.

فهذا يتطلب من الكثيرات من معتنقات الإِسلام درجة عالية من العزم والثقة. فأنتِ لن تواجهي عائلتك وأصدقائك الذين يعتقدون أنك قد أصبت بالجنون فقط، ولكن كامرأة عليك أيضاً أن تستجمعي قواك للدخول إلى عالم المسجد حيث الرجال العابسو الوجوه ذوو اللحى الطويلة لن يكلموك.

فإن كنت واحدة من معتنقات الإِسلام في بعض نواحي إنكلترا الشمالية حيث يغلب على المساجد الطابع الآسيوي، يجدر بك أن تعلمي الكثير عن الثقافات الآسيوية بالإضافة إلى تعلّم الإِسلام.

تنجلي تلك العبسات عن حياء ورقة وتقوى وصداقة صادقة وضيافة وكرم؛ ولكن يعتبر من الفظاظة أن يبدو الرجل وكأنه متحمس للتحدث مع النساء أو للنظر إليهن أكثر من نظرة واحدة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الكثير من المساجد لا تحوي بعد على مصلّى للنساء.

٣١٠

اكتساب الثقة:

لكننا نحن الذين نعتنق الإِسلام نكتسب الثقة شيئاً فشيئاً، فلم نعد نشعر بأنه علينا أن نتظاهر بأننا عرب أو باكستانيون لنشعر بالانتماء.

فنحن نعلم الآن أن المسلمين متواجدون في كل مكان حول العالم من الأسكيمو إلى أستراليا.

يمكننا أن نختار أسماء عربية، كما يمكننا أن نبقى على أسمائنا القديمة فهذا الأمر ليس ذا قيمة حقاً.

على النساء اختيار ملابس معينة كالبنطال الفضفاض والسترة الطويلة أو التنورة الطويلة. وإن كنا لا نشعر بالانسجام في المساجد المحلية لأننا لا نتقن اللغة العربية، فنحن بدأنا بتنظيم مساجد داخل البيوت ونشكل جماعات فيما بيننا وندعو الآسيويين أيضاً ليكونوا ضيوفنا.

أطياف متعددة من المسلمين.... عائلة واحدة:

بدأنا نحن - معتنقو الإِسلام الجدد - بالقراءة بما فيه الكفاية وبتحصيل العلم بما يمكِّننا من التعبير عن آرائنا حول الأمور من حولنا. فنحن عندنا النضج الكافي لندرك أن ليس كل المسلمين قديسين. فالبشر بشر وجلّنا بعيد عن الكمال.

هكذا نتغلب على الشعور بالخيبة عندما نكتشف أن ليس كل مسلم يحيا كما ينبغي على المسلم أن يحيا للوصول إلى الكمال وبالتالي لا نستسلم أو نتهمهم بالنفاق؛ بل على العكس نبذل أقصى جهدنا لنحيا حياتنا بأفضل طريقة ممكنة.

شيئاً فشيئاً يدرك كافة معتنقي الإِسلام وجود الكثير من أنواع المسلمين.

بعض المسلمين روحانيون في حين أن آخرين يهتمون بظاهر العبادات.

لكن شعورنا يزداد بأنه بإمكاننا أن نجد مكاناً لأنفسنا إلى جانب الآخرين في هذه الأمة الواسعة والعائلة الممتدة، وطالما أننا نقوم بأقصى جهدنا فإن الله سيثيبنا على نوايانا الحسنة.

٣١١

جيمي بور

من عارضة أزياء إلى امرأة مسلمة

السلام عليكم، إسمي جيمي

وُلدت وترعرعت على المسيحية الحديثة غير الطائفية ولم أجد فيها أجوبة لما كنت أبحث عنه، ولمدة 31 عاماً كمسيحية، لم أشعر يوماً بالله. حاولت وبكل ما بوسعي ولكني لم أشعر به على الإطلاق. كنت عارضة لبلادي ولمدة خمس سنوات، تعاطيتُ الكثير من المخدرات خلال تلك الفترة كنت أستخدمها كمساعد لفقدان الوزن وكنت أستخدمها لمرة واحدة لأُبعد نفسي عن الإكثار من تناول الطعام. كنت أعتقد بأنني قوية لأتجنب الإدمان على المخدرات التي تحوّل كل من يستخدمها إلى مدمن. بدأتُ أفكر بأني سآخذها لأسبوعين إلّا أنني أصبحتُ مدمنة ليل نهار. أخذتني المخدرات إلى الحضيض والدمار الكامل، فقد كان زوجي يتعاطى المخدرات كذلك. ما دفعه ليكون عنيفاً معي، حتى أني كنت خائفة على حياتي.

قررت أن أتوقف عن تعاطيها، فليس هذا ما أريده لحياتي. فقلت له أنني سأتوقف عنها، ضحك وقال: «لن تستطيعي التوقف». فقلت: «سأتوقف عنها». وتوقفت عن تناولها ذلك اليوم ولم أنظر إلى الخلف مرة أخرى، ولم يكن لديَّ أي برنامج لإعادة التأهيل أو أي مساعدة خارجية أو نظام دعم. كان زوجي يضحك، محاولاً أن يثنيني عن عزمي حتى أعود لتناولها من جديد، وبعد ذلك رُزقت بولدي الصغير. تغيّرت نظرتي إلى الحياة بأكملها. فقد أحببتُ ذلك الطفل الصغير الرائع والذي يحتاج إلى أم صالحة، أحببته كثيراً. فأردت تغيير كل شيء كنت قد ركزت عليه سابقاً، لأجله.

كنت في السابق قادرة على فعل أي شيء أريد أن أقوم به، فقد كنت جزءاً من مشاهد هوليوود التي يرغب الجميع بأن يكون جزءاً منها. لم أكن شخصاً جيداً، كنت في السابق، أشرب الكحول وأتعاطى المخدرات. ولكنني لم أعد أريد القيام بهذه الأمور بعد الآن.

٣١٢

قمتُ بالبحث عن الإِسلام لفترة قبل أن أصبح مسلمة، أردتُ أن أعرف وبشكلٍ أساسي سبب كراهية العالم للمسلمين بهذا القدر، لأنني رأيت ما رأيتُ في نشرات الأخبار، ورأيتُ الظلم والعنف وهذا ما دفعني للبحث عن الحقيقة ولمعرفة ما إذا كان الإِسلام كذلك. بدأتُ البحث عن الموضوع، وكلما بحثت أكثر كلما غصت أعمق في الموضوع. فوجدتُ الحقيقة.

تفاجأ الكثير من الناس عندما تخليتُ عن كل الملذات السابقة لأجل أن أكون مسلمة. والغريب هو أنني عندما نطقت الشهادتين أسست بتلاشي الرغبات للقيام بتلك الأمور وبشكل كامل. إنه لشيء رائع أن أستمتع وأشعر بالسلام في قلبي كوني مسلمة.

أعتقد أن الشيء الأساسي الذي أثار إعجابي بالإِسلام هو احترام المرأة. فهناك الكثير من الاحترام للمرأة والأمور التي تقوم بها النساء، حياتنا نحن النساء ليست سهلة، فلدينا الكثير لنفكر فيه ونقلق بشأنه، كعائلاتنا وأزواجنا وأطفالنا. فتربية الأطفال هو أمر صعب جداً، بالإضافة إلى الأعمال المنزلية والطبخ والاعتناء بأزواجنا.. إنها وظيفة صعبة.

وفي الواقع فإن الإِسلام يحترم المرأة لتلك الأسباب. كان سبباً لفصلنا عن الرجال في المساجد حتى لا يتشتت الرجال. يفهم الإِسلام القوة الكامنة في جاذبيتنا ومظهرنا وهو ما يتأثر به الرجال، والإِسلام يحترم هذا الأمر. ما إن أدركتُ هذا حتى تمكنت الفكرة مني وأردتُ أن أصبح مسلمة. اعتناقي للإِسلام أشعرني بالاختلاف فقد جعلني أشعر بالسلام المطلق. كنت في السابق أشعر بعدم الاستقرار، فالكثير من الأشياء كانت في حالة عدم استقرار، والسبب في هذا هو عدم اتخاذ قرار بشأنها. لم يكن لديَّ أيَّ هدف في ذهني ولم يكن هناك سبب لوجودي، لكن اعتناقي للإِسلام أعطاني السلام والأمان والتوازن وهو ما احتجت إليه في حياتي، إسلامي جعل من الأشياء حقيقة، وتستحق أن أكون هنا من أجلها، فأخيراً صار هناك هدف لحياتي وأنا أفهم الآن ما هو الغرض منها. لا نملك الفرصة دوماً للالتقاء بالناس الذين نحتاجهم بصورة جوهرية لنفهمهم. هذا ما جعلني أتردد على المسجد لأتقرب إلى الناس وأفهمهم. وكلما زاد ترددي إلى المسجد، كلما ازداد عدد النساء اللواتي أحطن بي واعتنين بي ومنحنني العطف الموجود في الإِسلام.

٣١٣

لم أفكر أبداً ولو لمرة واحدة في حياتي بأني سأصبح مسلمة على الإطلاق. فقناعاتي تجاه المسلمين كانت مغلوطة للغاية فأنا لم أحبهم، فقد كنت أعتقد بأنهم سيئون ولم أكن لأفكر ولو لمرة بأني سأكون واحدة منهم. ولكن اليوم أنا فخورة وسعيدة جداً، وأريد أن أرتدي الحجاب ليعرف الناس أني مسلمة، حتى لو كرهوني فأنا لا أهتم. أنا أريد أن أبيِّن لهم أن الله موجود في أي شخص وليس فقط في الشرق أوسطيين.

٣١٤

راكيل: مسلمة أميركية...

ضابطة شرطة سابقة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إسمي راكيل، وقد اعتنقت الإسلام.

لقد كنت ضابطة شرطة في مدينة ديترويت وعملت هناك منذ عام 1996 وحتى عام 2004 وقد أُطلق علَيّ النار عام 2002، وكان ذلك أثناء تأدية وظيفتي وكدت أفارق الحياة.

لم أكن أذهب إلى الكنيسة في واقع الأمر، لقد نشأت في منزل مسيحي، فأبواي قسين مسيحيين، وقرأت الكثير عن الكاثوليكية.

لقد لاحظت أن الإسلام منطقي من الناحية الفكرية، أنا لم أحلل الأديان الأخرى وأدرسها، إلّا أنها تبدو وكأنها تحمل الكثير من صنع الإنسان، وأفكاره بدلاً من شريعة الله الأصلية، وهذا كان يزعجني كثيراً. ثم وجدت الإسلام، أكثر دقة تاريخياً ومن حيث أصالة النصوص، ولم يتم تشويهه من خلال الكثير من الترجمات المختلفة.

أعتقد أنه في عام 2002، تم إنقاذ حياتي لسبب، وأعتقد أن هذا السبب هو أن أتمكن من اعتناق الإسلام وأن أصبح مسلمة. لم أكن أعرف كيف أعبد الله، لم أعرف ما هو الدين الذي ينبغي أن أؤمن به، حتى التقيت ببعض الأصدقاء المسلمين، وقد حدثوني باستفاضة، وفسَّروا لي الكثير. لقد كنت أشعر بالقلق حيال إعلان الشهادة لأنني لا أعرف الكثير من الكلمات الإسلامية حتى الآن، فساندتني إحدى الأخوات التي كانت ترعاني في المسجد، وساعدتني حتى أعلن شهادتي وكان الأمر رائعاً فعلاً. لقد استمتعت بمجرد الإعلان أني أشهد أن لا لا إله إلّا الله أمام كل من في المسجد وكان ذلك أبرز الأحداث بالنسبة لي. لم أعد أخاف الموت فيجب أن لا نخشى إلّا الله، ونتحلى بالإيمان، لأنَّ الله واحد وأنا أعرف ذلك لأنني كنت على شفير الموت ولو كنت قد توفيت ذلك اليوم، لا أعرف إن كنت في هذه الحالة سيكون مصيري إلى نار جهنم أم لا، أما الآن فتملأني الثقة والطمأنينة والسعادة لأنني أعرف مصيري إن حدث لي شيء اليوم.

٣١٥

كان سيصيبني الجنون إن تابعت عملي كضابطة شرطة، لأن الناس يهاجمون المسلمين في ديترويت دون سبب على الإطلاق، لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، كان الأمر فظيعاً وقد أزعجني، وكنت أردّ بأن كونهم مسلمين لا يعني أنهم متطرفون حيث أزعجني ما رأيت - كضابطة شرطة - في الشوارع والأسلوب الذي كانت تتم به معاملتهم فقد كان في ذلك انعدام للضمير.

أعرف أن تعلُّم لغة جديدة قد يكون محبطاً للبعض، فهي في الأساس ثقافة جديدة، وليست ديناً فحسب، بل أسلوب حياة. وبالنسبة لي لم يكن ذلك محبطاً، كل ما في الأمر هو رغبتي في تعلمها بسرعة أكبر، وأريد أن أتقنها بمفردي، لكن هذا ليس سهلاً وعلَيَّ أن أتعلم كل شيء تقريباً عبر الإنترنت حتى كيفية ارتداء الحجاب، إنها تجربة مذهلة. بدأت أمتنع عن الكثير من المحرمات كشرب الكحول ولم أعد أتناول لحم الخنزير، وبالطبع أشتري الآن لحماً حلالاً. أصبحت في الأربعين وكنت أعرف أنني أرغب في إدخال هذه التغييرات إلى حياتي، وآن الأوان لأنعم بالسلام والهدوء في حياتي وأتقرب إلى الله، وكنت مستعدة تماماً لهذا التغيير وكنت أعرف أن هذا ما تفتقده حياتي. عندما أصلي، أشعر أنَّ الصلاة مؤثرة جداً وأشعر بقدر هائل من الحماية.

أقرأ القرآن الكريم كل يوم، وأجد فيه آداب الإسلام وأتعلم شيئاً جديداً، والناس يقدمون الكثير من المساعدة، فبالرغم من اختلاف العرق، لا يصدر الناس عليك أحكاماً إذا دخلت وأنت أمريكي. بل يقدمون الكثير من الدعم، فالكل يعاملك بكل لطف ويساعد في تعليمك وتوجيهك.

أكثر ما يعجبني في الإسلام هو الحجاب، فأنا أستمتع به، لأكون صادقة تماماً، لا سيما هنا في لاس فيغاس حيث ينظر الرجال إلى النساء بشكل غريب وهذا يثير الخوف. وهكذا أشعر بمزيد من الراحة والأمان. أما في ما يتعلق بإخبار أصدقائي عن اعتناقي الإسلام، لست متأكدة من ردود أفعالهم فمثلاً أفضل صديقاتي من الطفولة تعمل في الواقع في الكنيسة الكاثوليكية، وأعرف أن رد فعلها لهذا سيكون سيئاً، وقد لا نكون أصدقاء بعد الآن. والبعض أظهروا لي الكثير من الدعم أو طرحوا أسئلة مثيرة للاهتمام كذلك، فكان من اللطيف أن أتمكن من أن أنقل أفكاري لهم. من أبرز الأسئلة التي طرحها أصدقائي بصفة خاصة، سواء من الرجال أو النساء، لماذا تغطين رأسك؟ ولماذا تغطين ذراعيك؟

٣١٦

لا سيما عندنا في لاس فيغاس، لأن المجتمع هنا مختلف للغاية مقارنة حتى بالمجتمعات الأمريكية العادية، الناس هنا يرتدون ألبسة مكشوفة خاصة النساء، فقلت بكل بساطة، الأمر يتعلق بالاحتشام، وقد لاحظت أن الناس ينظرون إليّ بشكل مختلف، حتى أن بعض أصدقائي ذكروا أن بعض الناس ينظرون إليّ بمزيد من الإحترام لأنّ الرجال لا ينظرون إليّ كشيء، بل ينظرون إلى وجهي. في ما يتعلق بأفراد أسرتي فهو سيف ذو حدين، إنني أفتقدهم كأشخاص، لكنني لا أفتقد دينهم على الإطلاق. وقد كانوا في غاية القسوة معي، فقد كانت لديّ تجارب رهيبة ومخيفة للغاية، كان والداي يصطحبانني منذ صغري لحضور ممارسات طرد الأرواح الشريرة. فكان لذلك أثر عاطفي هائل على نفسي طوال الوقت. والداي لا يعرفان أنني اعتنقت الإسلام، لم يكن أمامي سوى خيار واحد في رأيهما، وكان إما اختيار أن أكون مسيحية ذات شخصية جذابة مثلهما أو لا يحترمانني مطلقاً وقد أقصياني من العائلة وكان ذلك قبل أن أعتنق الإسلام.

أفضِّل أن تكون لي أسرة مسلمة وأن يكون الله في حياتي، الله الحق، وليس مجموعة من القواعد والقوانين التي أرساها البشر، لقد تسبب دينهما بالكثير من الألم لي، لكن هذا الدين ليس كذلك.

أنا أريد أن أنشر هذا الدين، وأنشر الحب وأنشر السعادة وأنشر السلام، وأوضح للناس أنه يلزم القضاء على كل هذه النماذج النمطية، وأن الإسلام ليس إرهاباً، وأنه رائع للغاية وهذا ما أرغب أنا شخصياً في أن أوضحه للناس.

٣١٧

أسلم بعد جنازة صديقه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وُلِدتُ وترعرعت في مدينة هاليفاكس في نوفا سكوتيا، أبي رجل أبيض من منطقة برنس إدوارد في كندا وأمي امرأة سوداء من مجتمع يُدعى لوكاس فيل في نوفا سكوتيا.

أمي كانت مسيحية ولقد اعتدت الذهاب معها إلى الكنيسة، وحتى عندما توقفت هي كنت أنا الوحيد من أفراد عائلتي الذي يذهب إلى هناك، عندما كبرت وأصبحت في مرحلة آخر المراهقة، توقفت عن الذهاب إلى الكنيسة، فلم أكن مهتمّاً بمفهوم الدين.

لا زلت أؤمن بالله والعديد من المعتقدات الدينية المسيحية لكنني لم أؤمن بهذا التنظيم الديني.

لقد كنت أعيش في منطقة دارتموت، هي تقع على ميناء مدينة هاليفاكس، ترعرعت هناك حيث كان يوجد عائلة باكستانية كبيرة مسلمة، كنت صديقاً لهم وتعلّمت منهم عن الإسلام بعض الأشياء، فقد كان أحد أفرادها متديّناً، فقد كنت أراه دائماً يذهب إلى المسجد ويصلّي، كان عمري 16 سنة تقريباً عندما أصبحتُ مهتمّاً بالدين الإسلامي وبدأت بالاستفسار عنه، من أصدقائي. وحين بلغت السابعة عشرة - وفي الصيف الذي ما بين الأول الثانوي والثاني الثانوي - انتقلت مع أبي وزوجته من دارتموت للعيش في هاليفاكس، حيث كان هناك العديد من العرب المسلمين، وكانت هذه النقلة بمثابة الصدمة الثقافية بالنسبة لي، لأنني كنت أعيش في كول هاربور، حيث المسلمون قلّة لا تراهم في كل مكان، وبالتالي لا ترى الحجاب أو أيّ شيء من هذا القبيل، بينما في بدفورد يوجد العديد من المسلمين العرب الذين يمكنك معرفتهم بسيماهم. بعد فترة من وصولي إلى هناك، عرف أحد الإخوة العراقيين أنني مهتم بالإسلام فجاء وقال لي بأنهم يقيمون صلاة الجمعة كل أسبوع في المدرسة الثانوية التي كنت أرتادها في وقت استراحة الغداء، فدعاني.

ذهبنا إلى هناك يوم الجمعة والحمد لله كانت تجربة جيدة جداً. كان الخطيب شاباً يافعاً مرحِّباً ومضيافاً وصلّيت معهم على الرغم من أنني لم أعِ ما أفعل، فلقد كنت أقلّدهم. بعد الصلاة تحدّثت إلى الخطيب ورجل آخر كان يأتي للصلاة كل جمعة.

٣١٨

وفي أحد الأيام وبعد انتهائنا من الصلاة سألني ذلك الرجل: «ما رأيك بالإسلام؟» فقلت له: «أنا أؤمن بالدين الإسلامي وأعتقد أنه الدين الصحيح والطريقة المُثلى للحياة» فأجابني: «إذاً يجب أن تصبح مسلماً!» تفاجأت حينها لأنني كنت صغيراً ولا زال أمامي الكثير لأتعلّمه. قال لي: «يجب أن تُسلم لأنك لا تعلم متى ستموت» عندها ضحكت لأنني كنت أبلغ من العمر السابعة عشرة فقط وما زلت صغيراً على الموت، سأموت عندما أصبح جَدَّاً في الثمانينات ويمتلئ شعري شيباً وأحفادي من حولي، فلم أكترث لما كان يقوله.

ذهبت إلى هناك 4 أو 5 مرات بعدها، إلى أن جاءت إجازة الصيف فلم أعد أذهب إلى المدرسة. لكن في يوم من أيام الإجازة الصيفية، كنت أعمل في مطعم، حيث تلقّينا اتصالاً مفاجئاً في وقت الإغلاق من المديرة، التي أخبرتنا فيما بعد أنَّ خالد توفي في حادث اصطدام سيارة. من هو خالد؟ خالد هو أحد الإخوة الفلسطينيين كان يعمل معنا في المطعم لمدة قصيرة وكان صديقي أيضاً فلقد كنا نرتاد نفس المدرسة وتخرجّنا منها معاً. عندما سمعت الخبر لم أصدّقه لأوّل وهلة. هاتفتُ المديرة التي نقلت إلينا الخبر وعندما سمعت صوتها تبكي عرفت حينها بأنه قد مات فعلاً.

لم أستوعب ما الذي يحدث في ذلك الوقت، لكنني في طريقي إلى البيت ماشياً، انهرت باكياً. كانت المرة الأولى التي عرفت فيها أنَّ أحداً توفي في نفس عمري، فكلانا كنا نبلغ الثامنة عشرة من العمر، فقد صدمتني هذه الفاجعة في الصميم..

يوم دفن الجثّة، تعلّمت كيفية الوضوء حيث هاتفت صديقي وعلّمني كيف أتوضأ. وذهبنا أنا وصديقي إلى المسجد في دارتموت لصلاة الجنازة ثم بعد ذلك توجهنا إلى مقبرة المسلمين.

كان الجو مفعماً بالحزن فإخوته وأبوه كانوا هناك والجميع منخرط في البكاء.

عندما وضعوا التراب فوق جثمانه بدأت أنا بالبكاء الشديد، أثناء ذلك شاهدت الشيخ الذي قال لي يجب أن تسلم لأنك لا تعلم متى ستموت. كان هذا بمثابة إشارة لي من عند الله أني قد أموت قريباً وأنَّ كلام الشيخ كان صحيحاً وأنني يجب أن أسلم.

٣١٩

ذهبت إليه مباشرة وأخبرته أنني أريد أن أسلم فقال لي: «أهلاً أليكس، كيف حالك؟ من الرائع رؤيتك مرة أخرى، أتمنى أنك ما زلت مهتمّاً بالإسلام». وسبحان الله في تلك اللحظة، وفي ذلك المكان عند المسجد بجانب المقبرة قلت: «أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله».

بعد ذلك مباشرةً حان وقت صلاة المغرب، وسألني أحد الإخوة إذا كنت أعرف كيفية الوضوء، فقلت نعم. ثم ذهبت إلى دورة المياه لأتوضأ لكنني نسيت مراحل الوضوء فمكثت هناك وقتاً طويلاً محاولاً التذكر. وعندما فرغت من الوضوء كانوا قد انتهوا من صلاة المغرب لكن الشيخ لم يصلِّ بعد وكان بانتظاري ثم صلّينا معاً والحمد لله نشأت بيننا صداقة طيبة من بعد ذلك، فقد استمريت في مقابلته يومياً بعد ذلك لمدة أسبوع حيث علمني سورة الفاتحة وأركان الإسلام.

قبل الإسلام لم أكن أعرف ما الذي يجب أن أفعله وما الذي أريده وما الطريقة المُثلى للعيش.

كنت أعيش وفقاً لفلسفتي الخاصة منجرفاً إلى العديد من العادات السيئة ولكن الحمد لله هداني ربي إلى الطريق الصحيح قبل الوقوع في الطريق السيء.

الكثير قد يجادل بأنَّ السبب وراء اعتناقي الدين الإسلامي هو عاطفتي. ولكن لم تكن الأسباب كذلك، لأنني كنت مقتنعاً أصلاً بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الحق لكنني كنت بحاجة إلى دفعة في الاتجاه الصحيح. فهذه الحادثة جعلتني أعي أنني قد أموت في أي دقيقة وكانت الحادثة إشارة لي بما أنني كنت مقتنعاً بالإسلام فلماذا أنتظر حتى أبلغ العشرين أو الثلاثين أو الأربعين من عمري؟ ولهذا أسلمت وبذلت جهداً في تعلّم الإسلام وأركانه ومبادئه.

أتوق إلى شهر رمضان هذا العام، وأستمتع باختباره مجدداً. نؤدي الشعائر الدينية بشكل أفضل كقراءة الأدعية والذهاب إلى المسجد دوماً وتلاوة القرآن الكريم.

أنا الآن أكثر اقتناعاً من قبل بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الصحيح لأنني رأيت براهين القرآن الكريم ومعجزاته.

حياتي بعد الإسلام تحسّنت كثيراً، فالإسلام هداني إلى الاتجاه الصحيح للحياة وهو أن أعيش حياة مستقيمة ومتديّنة بعد أن كنت متخبطاً قبل ذلك.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576