الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 576

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 264396 / تحميل: 11789
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

الآيات

( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢) )

أسباب النّزول

لقد أورد المفسّرون قصّة لسبب نزول الآيات خلاصتها أنّ سادة قريش اجتمعوا ليبحثوا في أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقرروا إرسال اثنين منهم إلى أحبار اليهود في المدينة ، والاثنان هما النضر بن الحرث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط.

قال زعماء قريش لهؤلاء : سلوا أحبار اليهود عن محمّد وصفا له صفته ، وخبراهم بقوله فإنّهم أهل الكتاب الأوّل وعندهم من علم الأنبياء ما ليس عندنا.

فخرجا حتى قدما المدينة. فسألا أحبار اليهود عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالا لهم ما قالت قريش.

٢٠١

فقال لهما أحبار اليهود : اسألوه عن ثلاث فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل ، وإن لم يفعل فهو رجل متقوّل فروا فيه أريكم. سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأوّل ما كان من أمرهم، فإنّه قد كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طوّاف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه. وسلوه عن الروح ما هو.

وفي رواية أخرى قالوا : فإن أخبركم عن اثنتين ولم يخبركم بالروح فهو نبي.

فانصرفا إلى مكّة فقالا : يا معشر قريش ، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمّد. وقصّا عليهم القصة.

فجاءوا إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألوه. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أخبركم بما سألتم غدا ولم يستثن ـ أي لم يقل إن الله ـ فانصرفوا عنه ، ومكثصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا ، ولا يأتيه جبرائيل حتى أرجف أهل مكّة وتكلموا في ذلك. فشق على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يتكلم به أهل مكّة ، ثمّ جاءه جبرائيلعليه‌السلام عن الله بسورة الكهف ، وفيها ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطوّاف. وأنزل عليه آية( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ) .

وقد سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جبرائيل حين جاءه : «لقد احتبست عنّي يا جبرائيل» فقال له جبرائيلعليه‌السلام ( وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا ) الآية.

(من الجدير بالذكر هنا أنّ سورة الكهف تضمنت الجواب على سؤالين من الأسئلة الثلاثة. إلّا أنّ الآية التي تتحدث عن الروح قد مرّت علينا في سورة الإسراء. وهذا أمر لا يندر حدوثه في القرآن ، إذ تنزل آية في مناسبة معينة ، ثمّ توضع بأمر الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سورة أخرى).

* * *

٢٠٢

التّفسير

بداية قصّة أصحاب الكهف

في الآيات السابقة كانت هناك صورة للحياة الدنيا ، وكيفية اختبار الناس فيها ، ومسير حياتهم عليها ، ولأنّ القرآن غالبا ما يقوم بضرب الأمثلة للقضايا الحسّاسة ، أو أنّه يذكر نماذج من التأريخ لتجسيد الوعي بالقضية ، لذا قام في هذه السورة بتوضيح قصّة أصحاب الكهف ، وعبرّت عنهم الآيات بأنّهم (أنموذج) أو (أسوة).

إنّهم مجموعة من الفتية الأذكياء المؤمنين ، الذين كانوا يعيشون في ظل حياة مترفة بالزّينة وأنواع النعم ، إلّا أنّهم انسلخوا من كل ذلك لأجل حفظ عقيدتهم وللصراع ضدّ الطاغوت ؛ طاغوت زمانهم ، وذهبوا إلى غار خال من جميع أشكال الزّينة والنعم ، وقد أثبتوا بهذا المسلك أمر استقامتهم في سبيل الإيمان والثبات عليه.

الملفت للنظر أنّ القرآن ذكر في البداية قصّة هذه المجموعة من الفتية بشكل مجمل ، موظفا بذلك أحد أصول فن الفصاحة والبلاغة ، وذلك لتهيئة أذهان المستمعين ضمن أربع آيات ، ثمّ بعد ذلك ذكر التفاصيل في (١٤) آية.

في البداية يقول تعالى :( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ) . إنّ لنا آيات أكثر عجبا في السموات والأرض ، وإن كل واحد منها نموذج لعظمة الخالق جلّ وعلا ، وفي حياتكم ـ أيضا ـ أسرار عجبية تعتبر كل واحدة منها علامة على صدق دعوتك ، وفي كتابك السماوي الكبير هذه آيات عجيبة كثيرة ، وبالطبع فإنّ قصّة أصحاب الكهف ليست بأعجب منها.

أمّا لماذا سميت هذه المجموعة بأصحاب الكهف؟ فذلك يعود إلى لجوئهم إلى الغار كي ينقذوا أنفسهم ، كما سيأتي ذلك لاحقا إن شاء الله.

٢٠٣

أمّا «الرقيم» ففي الأصل مأخوذة من (رقم) وتعني الكتابة(١) ، وحسب اعتقاد أغلب المفسّرين فإنّ هذا هو اسم ثان لأصحاب الكهف ، لأنّه في النهاية تمت كتابة أسمائهم على لوحة وضعت على باب الغار.

البعض يرى أنّ «الرقيم» اسم الجبل الذي كان فيه الغار.

والبعض الآخر اعتبر ذلك اسما للمنطقة التي كان الجبل يقع فيها.

أمّا بعضهم فقد اعتبر ذلك اسما للمدينة التي خرج منها أصحاب الكهف ، إلّا أنّ المعنى الأوّل أكثر صحة كما يظهر.

أمّا ما احتمله البعض من أنّ أصحاب الرقيم هم مجموعة أخرى غير أصحاب الكهف، وتنقل بعض المرويات قصّة تختص بهم ، فالظاهر أنّ هذا الرّاي لا يتناسب مع الآية، لأنّ ظاهر الآية يدل على أنّ أصحاب الكهف والرقيم كانوا مجموعة واحدة ، لذلك وبعد ذكر العنوانين تذكر السورة قصّة أصحاب الكهف ولا تذكر غيرهم. وهذا بنفسه دليل على الوحدة.

وفي الرّوايات المعروفة الواردة في تفسير نور الثقلين في ذيل الحديث عن الآية ، نرى أنّ الأشخاص الثلاثة الذين دخلوا الغار قد دعوا الله بأخلص ما عملوه لوجهه تعالى أن ينجيهم من محنتهم ، ولكن هذه الرّوايات لا تتحدث عن أصحاب الرقيم بالرغم من أنّ بعض كتب التّفسير قد تعرّضت لهم.

على أية حال يجب أن لا نتردّد في أنّ هاتين المجموعتين (أصحاب الكهف والرقيم) هم مجموعة واحدة ، وأنّ سبب نزول الآيات يعضد هذه الحقيقة.

ثمّ تقول الآيات بعد ذلك :( إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ) وعند ما انقطعوا عن كل أمل توجهوا نحو خالقهم :( فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ) ثم :( وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً ) . أي أرشدنا إلى طريق ينقذنا من هذا الضيق ويقربنا من

__________________

(١) يقول الراغب في المفردات : إنّ رقم (على وزن زخم) تعني الخط الخشن والواضح ، والبعض اعتبره النقطة في خط. وفي كل الأحوال إنّ (رقيم) تعني الكتاب أو اللوح أو الرسالة التي يكتب فيها شيئا.

٢٠٤

مرضاتك وسعادتك ، الطريق الذي فيه الخير والسعادة وإطاعة أوامر الله تعالى.

وقد استجيبت دعوتهم :( فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ) .

( ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً ) .

* * *

ملاحظات

١ ـ جملة( أَوَى الْفِتْيَةُ ) من مادة (مأوى) وتعني المكان الآمن ، وهو إشارة إلى أنّ هؤلاء الفتية الهاربين من بيئتهم الفاسدة المنحرفة قد أحسّوا بالأمن عند ما وصلوا إلى الغار.

٢ ـ (فتية) جمع (فتى) وهو الشاب الحدث ، ولكنها تطلق أحيانا على الأشخاص الكبار والمسنين الذين يملكون روحية شابّة ، وقد ذكرت هذه الكلمة مع نوع من الإشادة والمدح لأصحاب الكهف بسبب صفات الفتوة والشهامة والتسليم في مقابل الحق.

والشاهد على هذا الكلام ما نقل عن الإمام الصادق في أصحاب الكهف إذ قال:«أمّا علمت أنّ أصحاب الكهف كانوا كلّهم كهولا فسمّاهم الله فتية بإيمانهم».

بعد ذلك أضاف الإمام الصادق في معنى الفتوة قولهعليه‌السلام : «من آمن بالله واتقى فهو الفتى»(١) .

وقد نقل عن الإمام الصادق ما يشبه هذا الحديث في (روضة الكافي)(٢) أيضا.

٣ ـ استخدام تعبير( مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ) إشارة إلى أنّ هؤلاء الفتية عند ما لجأوا إلى الغار تركوا جميع الوسائل والأسباب الظاهرية ، وكانوا لا يأملون سوى

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٢٤٤ و ٢٤٥.

(٢) المصدر السّابق.

٢٠٥

رحمة الله.

٤ ـ جملة( فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ ) كناية لطيفة عن (التنويم) ، كأنّما يوضع ستار على أذن الشخص بحيث لا يسمع أي شيء ، وهو ستار النوم.

ولهذا فإنّ النوم الحقيقي هو النوم الذي يطغى على السمع ، وكذلك إذا أردنا أن نوقظ شخصا من نومه ، فإنّنا نصيح به ونناديه حتى ينفذ الصوت إلى مسامعه.

٥ ـ إنّ استخدام تعبير( سِنِينَ عَدَداً ) إشارة إلى أنّ نومهم قد استمرّ لعدّة سنين كما سيأتي تفسير ذلك في الآيات القادمة إن شاء الله تعالى.

٦ ـ إنّ استخدام تعبير( بَعَثْناهُمْ ) ليقظتهم من النوم ، قد يكون لأنّ نومهم أصبح من الطول بمقدار بحيث كانوا كالموتى. فيقظتهم من النوم كبعثهم إلى الحياة مرّة أخرى.

٧ ـ جملة( لِنَعْلَمَ ) لا تعني أنّ الله يريد أن يعلم شيئا جديدا. ويكثر استخدام هذا التعبير في القرآن ، والغرض منه هو تحقق العلم الإلهي ، بمعنى نحن أيقظناهم من المنام حتى يتحقق هذا المعنى ، أى حتى يسأل كل واحد الآخر عن مقدار نومهم.

٨ ـ عبارة( أَيُّ الْحِزْبَيْنِ ) إشارة لما سنتحدث عنه أثناء تفسير الآيات اللاحقة ، حيث أنّهم بعد يقظتهم اختلفوا في مقدار نومهم ، فالبعض قال : يوما ، والبعض الآخر قال: نصف يوم ، في حين أنّهم كانوا نائمين لسنين طويلة.

أمّا قول البعض بأنّ هذا التعبير هو شاهد على أنّ أصحاب الكهف هم غير أصحاب الرقيم ، فهذا كلام بعيد للغاية ولا يحتاج لمزيد توضيح(١) .

* * *

__________________

(١) ذهب إلى هذا الرأي صاحب كتاب (أعلام القرآن) في صفحة ١٧٩ من كتابه.

٢٠٦

الآيات

( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً (١٥) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً (١٦) )

التّفسير

القصّة المفصّلة لأصحاب الكهف :

بعد أن ذكرت الآيات بشكل مختصر قصّة أصحاب الكهف ، بدأت الآن مرحلة الشرح المفصّل لها ضمن (١٤) آية وكان المنطلق في ذلك قوله تعالى :( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِ ) كلام خال من أي شكل من أشكال الخرافة والتزوير.( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً ) . وكما قلنا فإنّ (فتية) جمع

٢٠٧

(فتى) وهي تعني الشاب الحدث. وبما أنّ الجسم يكون قويا في مرحلة الشباب ، فهو على استعداد لقبول نور الحق ، ومنبع للحب والسخاء والعفة. ولذا كثيرا ما تستخدم كلمة (الفتى والفتوة) للتدليل على مجموع هذه الصفات حتى لو كان أصحابها من المسنيّن.

وتشير الآيات القرآنية ـ وما هو ثابت في التأريخ ـ إلى أنّ أصحاب الكهف كانوا يعيشون في بيئة فاسدة وزمان شاعت فيه عبادة الأصنام والكفر ، وكانت هناك حكومة ظالمة تحتمي مظاهر الشرك والكفر والانحراف.

مجموعة أهل الكهف ـ الذين كانوا على مستوى من العقل والصدق ـ أحسّوا بالفساد وقرروا القيام ضدّ هذا المجتمع ، وفي حال عدم تمكنهم من المواجهة والتغيير فإنّهم سيهجرون هذا المجتمع والمحيط الفاسد.

لذا يقول القرآن بعد البحث السابق :( وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً ) .

فإذا عبدنا غيره :( لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً ) .

نستفيد من تعبير( رَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ ) أنّ بذرة التوحيد وفكرته كانت منذ البداية مرتكزة في قلوبهم ، إلّا أنّهم لم تكن لديهم القدرة على إظهارها والتجاهر بها. ولكن الله بتقوية قلوبهم أعطاهم القدرة على أن ينهضوا ويعلنوا علانية نداء التوحيد.

وليس من الواضح فيما إذا كان هذا الإعلان قد تمّ أوّلا أمام ملك زمانهم الظالم (دقيانوس) أو أنّه تمّ أمام الناس ، أو أمام الاثنين معا (الحاكم الظالم والناس) أو أنّهم تجاهروا به فيما بينهم أنفسهم؟

لكن يظهر من كلمة (قاموا) أنّ إعلانهم كان وسط الناس ، أو أمام السلطان الظالم.

(شطط) على وزن (وسط) تعني الخروج عن الحد والإفراط في الابتعاد لذا

٢٠٨

فإنّ (شطط) تقال للكلام البعيد عن الحق ، ويقال لحواشي وضفاف الأنهار الكبيرة (شط) لكونها بعيدة عن الماء ، وكونها ذات جدران مرتفعة.

وفي الواقع ، إنّ هؤلاء الفتية المؤمنين ذكروا دليلا واضحا لإثبات التوحيد ونفي الآلهة. وهو قولهم : إنّنا نرى وبوضوح أنّ لهذه السماوات والأرض خالقا واحدا ، وأنّ نظام الخلق دليل على وجوده ، وما نحن إلّا جزء من هذا الوجود ، لذا فإنّ ربّنا هو نفسه ربّ السماوات والأرض.

ثمّ ذكروا دليلا آخر وهو :( هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ) .

فهل يمكن الإعتقاد بشيء بدون دليل وبرهان؟ :( لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ ) .

وهل يمكن أن يكون الظن أو التقليد الأعمى دليلا على مثل هذا الإعتقاد؟ ما هذا الظلم الفاحش والانحراف الكبير :( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ) .

وهذا الافتراء هو ظلم للنفس ، لأنّ الإنسان يستسلم حينئذ لأسباب السقوط والشقاء ، وهو أيضا ظلم بحق المجتمع الذي تسري فيه هذه الانحرافات ، وأخيرا هو ظلم لله وتعرض لمقامه العظيم سبحانه وتعالى.

هؤلاء الفتية الموحدون قاموا بما يستطيعون لإزالة صدأ الشرك عن قلوب الناس ، وزرع غرسة التوحيد في مكانها ، إلّا أنّ ضجة عبادة الأصنام في ذلك المحيط الفاسد ، وظلم الحاكم الجبار كانتا من الشدّة بحيث حبستا أنفاس عبادة الله في صدورهم وانكمشت همهمات التوحيد في حناجرهم.

وهكذا اضطروا للهجرة لانقاذ أنفسهم والحصول على محيط أكثر استعدادا وقد تشاوروا فيما بينهم عن المكان الذي سيذهبون إليه ثمّ كان قرارهم :( وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ ) . حتى :( يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً ) .

«يهيّئ» مشتقة من «تهيئة» بمعنى الإعداد.

٢٠٩

«مرفق» تعني الوسيلة التي تكون سببا للطف والرفق والراحة ، وبذا يكون معنى الجملة( وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً ) أنّ الخالق سبحانه وتعالى سيرتب لكم وسيلة للرفق والراحة.

وليس من المستبعد أن يكون (نشر الرحمة) الوارد في الجملة الأولى إشارة إلى الألطاف المعنوية لله تبارك وتعالى ، في حين أنّ الجملة الثّانية تشير إلى الجوانب المادية التي تؤدي إلى خلاصهم ونجاتهم.

* * *

ملاحظات

١ ـ الفتوة والإيمان

تتزامن روح التوحيد دائما مع سلسلة من الصفات الإنسانية العالية ، فهي تنبع منها وتؤثّر فيها أيضا ، ويكون التأثير فيما بينهما متبادلا. ولهذا السبب فإننا نقرأ في قصّة أصحاب الكهف أنّهم كانوا فتية آمنوا بربّهم.

وعلى هذا الأساس قال بعض العلماء : رأس الفتوة الإيمان.

وقال البعض الآخر منهم : الفتوة بذل الندى ، وكف الأذى ، وترك الشكوى.

والبعض الثّالث فسّر الفتوة بقوله : هي اجتناب المحارم واستعمال المكارم.

٢ ـ الإيمان والإمداد الإلهي

في عدّة مواقع من الآيات أعلاه تنعكس بوضوح حقيقة الإمداد الإلهي للمؤمنين، فإذا وضع الإنسان خطواته في طريق الله ، ونهض لأجله فإنّ الإمداد الإلهي سيشمله ، ففي مكان تقول الآية :( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً ) .

وفى مكان آخر تقول :( وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ ) . وفي نهاية الآيات كانوا بانتظار رحمة الخالق :( يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ) .

٢١٠

الآيات القرآنية الأخرى تؤيد هذه الحقيقة بوضوح ، فعند ما يجاهد الإنسان من أجل الله ، فإنّ الله يهديه إلى طريق الحق :( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) (١) وفي سورة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آية (١٧) نقرأ قوله تعالى :( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً ) .

إنّ طريق الحق مليء بالموانع والصعوبات ، ومن العسير على الإنسان طي هذا الطريق والوصول إلى الأهداف من دون لطف الله وعنايته.

ونعلم أيضا إنّ لطف الله أكبر من أن يترك العبد في طريق الحق لوحده.

٣ ـ ملجأ باسم الغار

إنّ وجود (أل) التعريف في كلمة «الكهف» قد تكون إشارة إلى أنّهم (أصحاب الكهف) كانوا مصممين على الذهاب إلى مكان معين في حال عدم نجاح دعوتهم التوحيدية ، وذلك لإنقاذ أنفسهم من ذلك المحيط الملوّث.

(الكهف) كلمة ذات مفهوم واسع ، وتذكرنا بنمط الحياة الابتدائية للإنسان ، حيث ينعدم فيه الضوء ، ولياليه مظلمة وباردة ، وتذكرنا بآلام المحرومين ، إذ ليس ثمّة شيء من زينة الحياة المادية ، أو الحياة الناعمة المرفّهة.

ويتّضح الأمر أكثر إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار أنّ التأريخ ينقل لنا أنّ أصحاب الكهف كانوا من الوزراء وأصحاب المناصب الكبيرة داخل الحكم. وقد نهضوا ضدّ الحاكم وضدّ مذهبه ، وكان اختيار حياة الكهوف على هذه الحياة قرارا يحتاج إلى المزيد من الشهامة والهمّة والروح والإيمان العالي.

وفي هذا الغار البارد المظلم الذي قد يتضّمن خطر الحيوانات المؤذية ، هناك عالم من النور والإخلاص والتوحيد والمعاني السامية.

إنّ خطوط الرحمة الإلهية متجلية على جدران هذا الغار ، وأمواج لطف

__________________

(١) العنكبوت ، الآية الأخيرة.

٢١١

الخالق تسبح في فضائه ، ليس هناك وجود للأصنام من أي نوع كانت ، ولا يصل طوفان ظلم الجبارين إلى هذا الكهف.

هؤلاء الفتية الموحدون تركوا الدنيا الملوثة الواسعة والتي كان سجنا لأرواحهم وذهبوا إلى غار مظلم جاف. وفعلهم هذا يشبه فعل النّبي يوسفعليه‌السلام حين أصروا عليه أن يستسلم لشهوة امرأة العزيز الجميلة ، وإلّا فالسجن الموحش المظلم سيكون في انتظاره ، لكن هذا الضغط زاد في صموده وقال متوجها إلى ربّه العظيم :( رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَ ) (١) .

* * *

__________________

(١) يوسف ، ٣٣.

٢١٢

الآيتان

( وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨) )

التّفسير

مكان أصحاب الكهف :

يشير القرآن في الآيتين أعلاه إلى التفاصيل الدقيقة المتعلّقة بالحياة العجيبة لأصحاب الكهف في الغار ، وكأنّها تحكى على لسان شخص جالس في مقابل الغار ينظر إليهم.

في هاتين الآيتين إشارة إلى ست خصوصيات هي :

أوّلا : فتحة الغار كانت باتجاه الشمال ، ولكونه في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية، فإنّ ضوء الشمس كان لا يدخل الغار بشكل مباشر ، فالقرآن يقول إنّك

٢١٣

إذا رأيت الشمس حين طلوعها لرأيت أنّها تطلع من جهة يمين الغار ، وتغرب من جهة الشمال :( وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ ) .

وعلى هذا الأساس لم يكن ضوء الشمس يصل إلى أجسادهم بشكل مباشر ، وهو أمر لو حصل فقد يؤدي إلى تلف أجسادهم ، ولكن الأشعة غير المباشرة كانت تدخل الغار بمقدار كاف.

إنّ عبارة (تزاور) التي تعني (التمايل) تؤكّد على هذا المعنى ، وكأنّ الشمس كانت مأمورة بأن تمرّ من اليمين (يمين الغار). وكلمة (تقرض) التي تعني (القطع) تؤكّد نفس مفهوم السابق ، وإضافة إلى هذا فإنّ كلمة «تزاور» المشتقّة من كلمة (الزيارة) المقارنة لبداية الشيء تناسب مفهوم طلوع الشمس. (وتقرض) تعني القطع والنهاية وهو معنى يتجلى في غروب الشمس.

ولأنّ فتحة الغار كانت إلى الشمال فإنّ الرياح اللطيفة والمعتدلة كانت تهب من طرف الشمال وكانت تدخل بسهولة إلى داخل الغار ، وتؤدي الى تلطيف الهواء في جميع زوايا الغار.

ثانيا :( وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ )

لقد كان أولئك في مكان واسع من الغار ، وهذا يدل على أنّهم لم يأخذوا مستقرّهم في فتحة الغار التي تتسم بالضيق عادة ، بل إنّهم انتخبوا وسط الغار مستقرا لهم كي يكونوا بعيدين عن الأنظار ، وبعيدين أيضا عن الأشعة المباشر لضوء الشمس.

وهنا يقطع القرآن تسلسل الكلام ويستنتج نتيجة معنوية ، حيث يبيّن أنّ الهدف من ذكر هذه القصة هو لتحقيق هذا الغرض :( ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً ) .

٢١٤

نعم ، إنّ الذين يضعون أقدامهم في طريق الله ، ويجاهدون لأجله فإنّ الله سيشملهم بلطفه في كل خطوة وليس في بداية العمل فقط. إنّ الله يرعى هؤلاء حتى في أدق التفاصيل.

ثالثا : إنّ نوم أصحاب الكهف لم يكن نوما عاديا :( وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ ) . وهذا يدل على أنّ أجفانهم كانت مفتوحة بالضبط مثل الإنسان اليقظ ، وقد تكون هذه الحالة الاستثنائية لكي لا تقترب منهم الحيوانات المؤذية التي تخاف الإنسان اليقظ. أو لكي يكون شكلهم مرعبا كي لا يتجرأ إنسان على الاقتراب منهم. وهذا بنفسه أسلوب للحفاظ عليهم.

رابعا : وحتى لا تتهرأ أجسامهم بسبب السنين الطويلة التي مكثوا فيها نياما في الكهف ، فإنّ الله تبارك وتعالى يقول :( وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ ) .

حتى لا يتركز الدم في مكان معين ، ولا تكون هناك آثار سيئة على العضلات الملاصقة للأرض بسبب الضغط عليها لمدّة طويلة.

خامسا : في وصف جديد يقول تعالى :( وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) .

كلمة «وصيد» وكما يقول الراغب في المفردات تعني في الأصل الغرفة أو المخزن الذي يتمّ إيجاده في الجبال لأجل خزن الأموال ، إلّا أنّ المقصود به هنا هو فتحة الغار.

برغم أنّ الآيات القرآنية لم تتحدث حتى الآن عن كلب أصحاب الكهف ، إلّا أنّ القرآن يذكر هنا تعابير خاصّة تتضح من خلالها بعض المسائل ، فمثلا ذكر حالة كلب أصحاب الكهف يفيد أنّه كان معهم كلب يتبعهم أينما ذهبوا ويقوم بحراستهم.

أمّا متى التحق هذا الكلب بهم ، وهل كان كلب صيدهم ، أو أنّه كلب ذلك الراعي الذي التقى بهم في منتصف الطريق ، وعند ما عرف حقيقتهم أرسل

٢١٥

حيواناته إلى القرية والتحق بهم ، لأنّه كان يبحث عن الحقيقة مثلهم وقد رفض هذا الكلب أن يتركهم واستمرّ معهم.

ألا يعني هذا الكلام أنّ جميع المحبّين ـ لأجل الوصول إلى الحق ـ يستطيعون سلوك هذا الطريق ، وأنّ الأبواب غير مغلقة أمام أحد سواء كانوا وزراء عند الملك الظالم ثمّ تابوا ، أو كان راعيا ، بل وحتى كلبه؟!

ألم يؤكّد القرآن أن جميع ذرات الوجود في الأرض والسماء ، وجميع الأشجار والأحياء تذكر الله ، وتحبّ الله في قلوبها وصميم وجودها؟ (راجع سورة الإسراء ـ الآية ٤٤).

سادسا : قوله تعالى :( لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً ) .

إنّها ليست المرّة الأولى ولا الأخيرة التي يحفظ فيها الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين بالرعب والخوف ، فقد واجهتنا في الآية (١٥١) من سورة آل عمران صورة مماثلة جسّدها قول الله تبارك وتعالى :( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ) (١) .

وفي دعاء الندبة نقرأ كلاما حول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ثمّ نصرته بالرعب».

أو ما هو سبب الرعب في مشاهدة أهل الكهف ، وهل يعود ذلك لظاهرهم الجسماني ، أو بسبب قوّة معنوية سرية؟

الآيات القرآنية لم تتحدّث عن ذلك ، ولكن المفسّرين ذكروا بحوثا مفصّلة في هذا المجال ، ولعدم قيام الدليل عليها صرفنا النظر عن ذكرها.

كما أنّ قوله تعالى :( وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً ) في الحقيقة علّة لقوله تعالى :

__________________

(١) لأجل التوضيح أكثر يمكن مراجعة ما جاء في ذيل الآية (١٤٨) من سورة آل عمران والآية (١٢) من سورة الأنفال من تفسيرنا هذا.

٢١٦

( لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً ) يعني لكنت تهرب بسبب الخوف الذي يملأ قلبك ، وكأنّ قلبك مملوء بالخوف ، وينفذ إلى ذرّات وجودك بحيث أنّ جميع وجود الإنسان يصاب بالوحشة والخوف. على أي حال ، إذا أراد الله شيئا فإنّه يحقق أهم النتائج من خلال أبسط الطرق.

* * *

٢١٧

الآيتان

( وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (٢٠) )

التّفسير

اليقظة بعد نوم طويل :

سوف نقرأ في الآيات القادمة ـ إن شاء الله تعالى ـ أنّ نوم أصحاب الكهف كان طويلا للغاية بحيث استمر (٣٠٩) سنة ، وعلى هذا الأساس كان نومهم أشبه بالموت ، ويقظتهم أشبه بالبعث ، لذا فإنّ القرآن يقول في الآيات التي نبحثها( وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ ) .

يعني مثلما كنّا قادرين على إنامتهم نوما طويلا فإنّنا أيضا قادرون على

٢١٨

إيقاظهم. لقد أيقظناهم من النوم :( لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ) (١) .

( قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ) .

لعل التردّد والشك هنا يعود ـ كما يقول المفسّرون ـ إلى أن أصحاب الكهف دخلوا الغار في بداية اليوم ، ثمّ ناموا ، وفي نهاية اليوم استيقظوا من نومهم ، ولهذا السبب اعتقدوا في بادئ الأمر بأنّهم ناموا يوما واحدا ، وبعد أن رأوا حالة الشمس ، قالوا : بل( بَعْضَ يَوْمٍ ) .

وأخيرا ، بسبب عدم معرفته لمقدار نومهم قالوا :( قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ ) .

قال بعضهم : إنّ قائل هذا الكلام هو كبيرهم المسمى (تلميخا) وبالنسبة لاستخدام صيغة الجمع على لسانه (قالوا) فهو متعارف في مثل هذه الموارد.

وقد يكون كلامهم هذا بسبب شكّهم في أنّ نومهم لم يكن نوما عاديا ، وذلك عند ما شاهدوا هندامهم وشعرهم وأظفارهم وما حلّ بملابسهم.

ولكنّهم ـ في كل الأحوال ـ كانوا يحسّون بالجوع وبالحاجة الشديدة إلى الطعام ، لأنّ المخزون الحيوي في جسمهم انتهى أو كاد ، لذا فأوّل اقتراح لهم هو إرسال واحد منهم مع نقود ومسكوكات فضية لشراء الغذاء :( فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ ) .

ثمّ أردفوا :( وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً ) . لماذا هذا التلطّف :( إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ ) .

ثمّ :( وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً ) .

* * *

__________________

(١) اللام في «ليتساءلوا» هي لام العاقبة وليست للعلّة. يعنى أنّ نتيجة يقظتهم هو أن سأل أحدهم الآخر عن طول مدّة نومهم.

٢١٩

بحوث

١ ـ أزكى الطعام

مع أنّ أصحاب الكهف كانوا بعد يقظتهم بحاجة شديدة إلى الطعام ، إلّا أنّهم قالوا للشخص الذي كلّفوه بشراء الطعام : لا تشتر الطعام من أيّ كان ، وإنّما انظر أيّهم أزكى وأطهر طعاما فأتنا منه.

بعض المفسّرين تأولوا المعنى وقالوا : إنّ المقصود من (أزكى) هو ما يعود إلى الحيوانات المذبوحة ، إذ أنّهم كانوا يعلمون أنّ في تلك المدينة من يبيع لحم الميتة (أي غير المذبوح على الطريقة الشرعية) وأنّ البعض يتكسّب بالحرام ، لذلك أوصوا صاحبهم بضرورة أن يتجنب مثل هؤلاء الأشخاص عند ما يحاول شراء الطعام.

ولكن يظهر أنّ لهذه الجملة مفهوما واسعا يشمل كافة أشكال الطهارات الظاهرية والباطنية (المعنوية) ، وكلامهم وتوصيتهم هي توصية لكافة أنصار الحق ، في أن لا يفكروا بطهارة غذائهم المعنوي وحسب ، بل عليهم أيضا الاهتمام بطهارة طعام الأجسام كي يكون زكيا نقيا من جميع الأرجاس والشبهات. وإنّ هذا الأمر ينبغي أن يلازمهم حتى في أصعب لحظات الحياة وأشدّها عسرا ، لأنّ هذا المعنى هو تعبير عن أصل في وجود المؤمن.

اليوم يسعى معظم أفراد عالمنا للاهتمام بجانب من هذا الأمر ، وهو الجانب المتعلق بالحفاظ على الطعام من أشكال التلوث الظاهري ، إذ يضعون الطعام في أواني مغطاة بعيدة عن الأيدي الملوّثة ، وعن الأتربة والغبار. وهذا العمل بحدّ ذاته جيد جدّا ، إلّا أنّ علينا أن لا نكتفي بهذا المقدار ، بل ينبغي تزكية الطعام وتطهيره من لوثة الشبهة والحرام والرّبا والغش وأي شكل من أشكال التلوّث المعنوي.

وفي الرّوايات الإسلامية هناك تأكيد كبير على الطعام الحلال النقي الزاكي وأثره في صفاء القلب واستجابة الدعاء.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

امرأته ، فلما صار في النوم وضعت رأسه على الأرض و قامت ، فانتبه المأمون و غضب لذلك فقالت : إنّ أبي أدّبني بأن لا أقعد عند نائم و لا أنام عند قاعد .

قول المصنف ( و هذه من الاستعارات العجيبة ، كأنّه شبّه السّه بالوعاء و العين بالوكاء ، فإذا اطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء ، و هذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ) فروى أبو داود في سننه في آخر باب الوضوء من النوم عن حيوة بن شريح الحمصي ، في آخرين عن بقية عن الوضين بن عطا عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ عن عليعليه‌السلام قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وكاء السّه العينان فمن نام فليتوضأ(١) .

( و قد رواه قوم لأمير المؤمنينعليه‌السلام و ذكر ذلك المبرد محمد بن يزيد ) قال الحموي : لقب محمد بن يزيد بالمبرد لأنّه لمّا صنّف المازني كتاب الألف و اللام سأله عن دقيقه و عويصه ، فأجابه بأحسن جواب ، فقال له المازني : قم فأنت المبرّد بكسر الراء أي : المثبت للحق ، فحرفه الكوفيون و فتحوا الراء ، و كان متّهما بالوضع في اللغة و أرادوا امتحانه ، فسألوه عن القبعض فقال هو القطن و أنشد

« كأنّ سنامها حشي القبعضا »

فقالوا : إن كان صحيحا فهو عجيب و إن كان مختلقا فهو أعجب(٢) .

( في كتاب المقتضب في باب اللفظ بالحروف ) في كشف الظنون المقتضب في الخطب للمبرد شرحه الرماني و علق على مشكلات أوائله الفارقي .

( و قد تكلمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم بمجازات الآثار النبوية ) قال ثمة كأنّهعليه‌السلام شبّه السته بالوعاء و العين بالوكاء ، فإذا نامت العين

____________________

( ١ ) سنن أبي داود ١ : ٥٢ ح ٢٣ اسند إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام .

( ٢ ) معجم الأدباء للحموي ١٠ : ١١٢ ١١٣ .

٥٠١

انحلّ صرار السته كما أنّه إذا زال الوكاء وسع بما فيه الوعاء ، الا أن حفظ العين للسته على خلاف حفظ الوكاء للوعاء ، فان العين إذا أشرجت لم تحفظ سيتها و الأوكية إذا حللت لم تضبط أوعيتها(١) .

٣٦ الخطبة ( ٧٩ ) و قالعليه‌السلام :

أَيُّهَا اَلنَّاسُ اَلزَّهَادَةُ قِصَرُ اَلْأَمَلِ وَ اَلشُّكْرُ عِنْدَ اَلنِّعَمِ وَ اَلوَرَعُ عِنْدَ اَلْمَحَارِمِ فَإِنْ عَزَبَ ذَلِكَ عَنْكُمْ فَلاَ يَغْلِبِ اَلْحَرَامُ صَبْرَكُمْ وَ لاَ تَنْسَوْا عِنْدَ اَلنِّعَمِ شُكْرَكُمْ فَقَدْ أَعْذَرَ اَللَّهُ إِلَيْكُمْ بِحُجَجٍ مُسْفِرَةٍ ظَاهِرَةٍ وَ كُتُبٍ بَارِزَةِ اَلْعُذْرِ وَاضِحَةٍ « أيها الناس إلى عند المحارم » جعلعليه‌السلام الزهد عبارة عن ثلاثة أمور :

قصر الأمل ، و شكر النعم ، و الورع عند المحارم .

أمّا الأول فقالوا : جمع اللَّه تعالى الزهد في كلمتين(٢) :( لكيلا تأسوا على ما فاتَكم و لا تَفرَحوا بِمآ آتاكم ) (٣) و لا يحصل الحالان إلاّ بقصر الأمل .

و أما الثاني : فلأن من زهد في الدّنيا هان عليه الإنفاق ممّا أنعم اللَّه عليه من المال شكرا .

و قال الصادقعليه‌السلام إنّ اللَّه أنعم على قوم بالمواهب فلم يشكروا فصارت عليهم وبالا ، و ابتلى قوما بالمصائب فصبروا فصارت عليهم نعمة(٤) .

و اما الثالث فسئل الصادقعليه‌السلام عن الزاهد في الدنيا فقال : الذي يترك

____________________

( ١ ) المجازات النبوية : ١٧٨ .

( ٢ ) من حديث للإمام الصادقعليه‌السلام ، بحار الأنوار ٧٨ : ٧٠ بتصرف .

( ٣ ) الحديد : ٢٣ .

( ٤ ) تحف العقول : ٢٦٧ .

٥٠٢

حلالها مخافة حسابه و يترك حرامها مخافة عقابه(١) .

« فإن عزب » أي : بعد و غاب .

« ذلك » الذي ذكر من الأمور الثلاثة .

« عنكم » فلا بدّ لكم من رعاية الثاني ، و الثالث شكر النعم و الورع عن المحارم ، و أشار إلى الورع بقوله .

« فلا يغلب الحرام صبركم » لأنّه ورد أنّه يؤتى يوم القيامة بأعمال قوم كالجبال فتصير هباء منثورا لغلبة الحرام على صبرهم .

و أشار إلى الشكر بقوله :

« و لا تنسوا عند النعم شكركم » فإنّ شكر المنعم واجب عقلي و قال تعالى :

( و لئن كفرتم إنّ عذابي لشديد ) (٢) .

« فقد أعذر اللَّه عليكم بحجج مسفرة » أي : مشرقة مضيئة( لئلاّ يكون لِلنَّاس على اللَّهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُل ) (٣) .

« و كتب بارزة العذر واضحة » إلى نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله و إلى أنبياء قبله .

٣٧ الحكمة ( ٤٢ ) و قالعليه‌السلام : لبعض أصحابه :

جَعَلَ اَللَّهُ مَا كَانَ مِنْ شَكْوَاكَ حَطّاً لِسَيِّئَاتِكَ فَإِنَّ اَلْمَرَضَ لاَ أَجْرَ فِيهِ وَ لَكِنَّهُ يَحُطُّ اَلسَّيِّئَاتِ وَ يَحُتُّهَا حَتَّ اَلْأَوْرَاقِ وَ إِنَّمَا اَلْأَجْرُ فِي اَلْقَوْلِ بِاللِّسَانِ وَ اَلْعَمَلِ بِالْأَيْدِي وَ اَلْأَقْدَامِ وَ إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ

____________________

( ١ ) بحار الأنوار للمجلسي ٧٠ : ٣١١ .

( ٢ ) إبراهيم : ٧ .

( ٣ ) النساء : ١٦٥ .

٥٠٣

اَلنِّيَّةِ وَ اَلسَّرِيرَةِ اَلصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ اَلْجَنَّةَ قول المصنّف : ( و قالعليه‌السلام لبعض أصحابه ) :

هو صالح بن سليم بن سلامان بن طي ( في علة اعتلها ) فلم يشهد معه صفّين لمرضه ، فقالعليه‌السلام ما نقل(١) المصنف له لمّا رجع من صفّين في طريقه .

ففي ( صفّين نصر بن مزاحم ) : قال عبد الرحمن بن جندب : لمّا أقبل عليّعليه‌السلام من صفّين أقبلنا معه إلى أن قال حتى جزنا النخيلة و رأينا بيوت الكوفة ، فإذا نحن بشيخ جالس في ظلّ بيت على وجهه أثر المرض ، فأقبل إليه عليّعليه‌السلام و نحن معه ، فقال له : مالي أرى وجهك منكفتا ؟ أمن مرض ؟ قال : نعم .

قال : فلعلك كرهته فقال : ما أحبّ أن يعتري قال : أليس احتساب بالخير في ما أصابك منه ؟ قال : بلى قال : أبشر برحمة ربّك و غفران ذنبك ، من أنت يا عبد اللَّه ؟ قال : أنا صالح بن سليم قال : ممّن ؟ قال : أمّا الأصل فمن سلامان بن طي ، و أمّا الجوار و الدعوة فمن بني سليم بن منصور قال : سبحان اللَّه ما أحسن اسمك و اسم أبيك و اسم من اعتزيت إليه ، هل شهدت معنا غزاتنا هذه ؟ قال : لا و اللَّه ما شهدتها و لقد أردتها و لكن ما ترى بي من لحب الحمّى خذلني عنها .

قالعليه‌السلام : ليسَ على الضُعَفاءِ و لاَ عَلى المَرضَى و لا على الذين لا يَجدُونَ ما يُنفقُون حرجٌ( إِذا نَصَحوا للَّه و رسوله ما على المحسنين من سبيلٍ و اللَّه غفورٌ رحيم ) (٢) أخبرني ما يقول الناس فيما كان بيننا و بين أهل الشام ؟ قال : منهم المسرور فيما كان بينك و بينهم و اولئك أغبياء الناس ، و منهم المكبوت الأسف لمّا كان من ذلك و اولئك نصحاء الناس لك ، و ذهب لينصرف فقالعليه‌السلام له : صدقت جعل اللَّه ما كان من شكواك حطّا لسيّئاتك ، فإنّ المرض لا أجر فيه

____________________

( ١ ) النهج ، الحكمة : ٤٢ .

( ٢ ) التوبة : ٩١ .

٥٠٤

و لكن لا يدع للعبد ذنبا إلاّ حطّه ، إنّما الأجر في القول باللّسان و العمل باليد و الرجل ، و إنّ اللَّه عز و جل يدخل بصدق النيّة و السريرة الصالحة من عباده الجنّة(١) .

« جعل اللَّه ما كان من شكواك حطّا لسيّئاتك » في الخبر عاد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سلمان في علته فقال : إنّ لك فيها ثلاث خصال : أنت من اللَّه تعالى بذكر ، و دعاؤك فيه مستجاب ، و لا تدع العلّة عليك ذنبا إلاّ حطّته(٢) .

و في الخبر : حمّى ليلة كفّارة سنة لأنّه يبقى أثرها إلى سنة(٣) .

و في ( الطرائف ) : برى‏ء الفضل بن سهل من علّة فقال : إنّ في المرض لنعما لا ينبغي للعقلاء أن يجحدوها ، منها تمحيص للذنوب و تعرّض للثواب و الصبر و إيقاظ من الغفلة و ادكار للنعمة الموجودة في الصحة و رضا بما قدر اللَّه و قضائه و استدعاء للتوبة و حضّ على الصدقة(٤) .

« فإنّ المرض لا أجر فيه و لكنه يحط السيئات و يحتها حت الأوراق » يقال : حت الدم عن الثوب و حت الورق عن الشجر .

و في ( أدب كاتب الصولي ) لبعضهم تشبيها بمقط القلم لاصلاحه :

فإن تكن الحطوب فرين مني

أديما لم يكن قدما يعط

فإنّ كرائم الأقلام تحفى

فيصلح من تشعثها المقط(٥)

هذا ، و في ( تاريخ بغداد ) اعتل الحسن بن وهب من حمّى نافض و صالب و طاولته فكتب إليه أبو تمّام :

____________________

( ١ ) صفّين لنصر بن مزاحم : ٥٢٨ ، و نقله المجلسي في بحار الأنوار ٣٢ : ٥٥١ .

( ٢ ) ذكره الصدوق في الخصال : ١٧١ ( ١٩٥ ) و المجلسي في البحار ٧٧ : ٦٢ رواية ٣ و ٨١ : ١٨٥ رواية ٣٧ .

( ٣ ) نسبه الطوسي في أماليه إلى الرسول الأكرم صلّى اللَّه عليه و آله ، الأمالي : ٦٤١ ح ١ .

( ٤ ) الظرائف للمقدّسي : ١٤٣ .

( ٥ ) أدب الكتاب للصولي : ١١ .

٥٠٥

ليت حمّاك فيّ و كان لك الأجر

فلا تشتكي و كنت المريضا(١)

( و فيه ) : إعتل الفضل بن سهل ذو الرياستين بخراسان ثم برى‏ء فجلس للناس فهنّأوه بالعافية و تصرّفوا في الكلام ، فلمّا فرغوا أقبل على الناس فقال :

إنّ في العلل لنعما ينبغي للعقلاء أن يعلموها : تمحيص للذنوب ، و تعرّض لثواب الصبر ، و إيقاظ من الغفلة ، و ادكار للنعمة في حال الصحة ، و استدعاء للتوبة ، و حضّ على الصدقة ، و في قضاء اللَّه و قدره بعدم الخيار فنسي الناس ما تكلّموا به و انصرفوا بكلام الفضل(٢) .

« و إنّما الأجر في القول باللّسان و العمل بالأيدي و الأقدام » و المرض ليس منهما فليس فيه أجر ، و أمّا قوله( ذلك بأنّهم لا يصيبُهم ظمأ و لاَ نَصبُ و لا مخمصة في سبيل اللَّه و لا يطَؤُنَ موطئا يغيظ الكفّار و لا ينالُونَ من عَدُوّ نيلاً إِلاّ كُتب لهُم به عمل صالح إِن اللَّه لا يُضيعُ أجرَ المُحسِنينَ و لا يُنفِقونَ نَفَقَةً صغيرةً و لا كبيرةً و لا يقطَعُون وادياً إِلاّ كتب لَهُم ليَجزِيَهُمُ اللَّهُ أَحسَن ما كانوا يَعمَلُون ) (٣) في جعل إصابتهم الجوع و العطش و التعب و هي ليست من أعمال الجوارح مثل وطى‏ء الأقدام في غيظ الكفار و النيل منهم و الإنفاق و قطع الوادي في الجهاد و نحوها ممّا هو العمل بالأيدي و الأقدام ، فلا ينافي كلامهعليه‌السلام لأنّ ما ذكر أوّلا مسبّب عن أعمال الجوارح ، فإنّ الجوع و العطش و التعب كانت بواسطة الجهاد .

« و ان اللَّه سبحانه يدخل بصدق النيّة و السريرة الصالحة من يشاء من عباده الجنّة » الظاهر كون الكلام استدراكا من قولهعليه‌السلام السابق « و انما الأجر . » ،

____________________

( ١ ) تاريخ بغداد ٨ : ٢٥٢ ، لم نعثر على البيت الشعري في ديوان أبي تمام .

( ٢ ) تاريخ بغداد ١٢ : ٣٤٢ .

( ٣ ) التوبة : ١٢٠ ١٢١ .

٥٠٦

بمعنى أن النيّة و إن لم تكن عمل الجوارح إلاّ أنّها لمّا كانت سببا لأعمال الجوارح كانت أيضا موجبا للأجر إن كانت صالحة ، و للوزر إن كانت فاسدة .

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « نيّة المؤمن خير من عمله و نيّة الكافر شرّ من عمله »(١) ، و قال تعالى .( إِن السَمعَ و البَصَرَ و الفؤاد كُل اُولئكَ كان عنه مسؤولاً ) (٢) .

و قال الصادقعليه‌السلام : إنّما خلّد أهل النّار في النّار لأنّ نياتهم في الدّنيا ان لو خلّدوا فيها أن يعصوا اللَّه أبدا ، و إنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة لأنّ نيّاتهم أن لو بقوا في الدّنيا أن يطيعوا اللَّه أبدا ، فبالنيّات خلّد هؤلاء و هؤلاء ثم تلا قوله تعالى قُل كُلٌ يعمَلُ على شاكِلَتِه(٣) .

و في ( الكافي ) : و إن المؤمن الفقير يقول : ربّ ارزقني حتى أفعل كذا و كذا من البرّ ، فإذا علم تعالى ذلك منه بصدق نيّة كتب له من الأجر مثل ما لو عمله ، إنّ اللَّه واسع كريم(٤) .

هذا ، و قالعليه‌السلام بصدق النيّة ، لأنّه ليست كلّ نيّة صادقة ، فقد قال تعالى( و منهم من عاهدَ اللَّه لئن آتانا من فَضلِهِ لنَصَّدَّقَنَّ و لنكُوننَّ من الصالحين فَلما آتاهُم من فَضلِهِ بَخِلُوا بهِ و تَولَّوا و هُم مُعرِضون فأَعقَبَهُم نفاقاً في قلوبهم إِلى يوم يلقونه بما أخلفوا اللَّه ما و عدُوه و بما كانوا يكذِبُونَ ) (٥) .

و قال الصادقعليه‌السلام في صدق النية : عند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر ، تصفية العمل أشدّ من العمل ، تخليص النيّة من الفساد أشد على العالمين

____________________

( ١ ) علل الشرائع للصدوق ٢ : ٤٠٣ حديث ٤ .

( ٢ ) الاسراء : ٣٦ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٨٥ ح ٥ ، و ذكره الصدوق في علل الشرائع ٢ : ٥٢٣ ح ١ ، و الآية ٨٤ من سورة الاسراء .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٨٥ ح ٣ ، و ذكره البرقي في المحاسن : ٢٦١ .

( ٥ ) التوبة : ٧٥ ٧٧ .

٥٠٧

من طول الجهاد(١) .

( قال الرضي : و أقول : صدقعليه‌السلام ، إنّ المرض لا أجر فيه لأنّه ليس من قبيل ما يستحق عليه العوض ، لأن العوض يستحق على ما كان في مقابلة فعل اللَّه تعالى بالعبد من الآلام و الأمراض و ما يجري مجرى ذلك ، و الأجر و الثواب يستحقان على ما كان في مقابلة فعل العبد ، فبينهما فرق قد بيّنه كما يقتضيه علمه الثاقب و رأيه الصائب ) و قد قالعليه‌السلام في المرض يصيب الصبي : إنّه كفارة لوالديه ، و ورد أنّ النّوم الموحش كفّارة(٢) .

٣٨ الحكمة ( ٤٧ ) و قالعليه‌السلام :

قَدْرُ اَلرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِهِ وَ صِدْقُهُ عَلَى قَدْرِ مُرُوءَتِهِ وَ شَجَاعَتُهُ عَلَى قَدْرِ أَنَفَتِهِ وَ عِفَّتُهُ عَلَى قَدْرِ غَيْرَتِهِ « قدر الرجل على قدر همّته » في ( تاريخ بغداد ) غلب عبد اللَّه بن طاهر على الشام و وهب له المأمون ما وصل إليه من الأموال هنا لك ، ففرّقه على القوّاد ثم وقف على باب مصر فقال : أخزى اللَّه فرعون ما كان أخسّه و أدنى همّته ، ملك هذه القرية فقال( أنا ربُّكم الأعلى ) (٣) و اللَّه لا دخلتها(٤) .

و في ( المعجم ) قال الصاحب بن عباد :

و قائلة : لم عرتك الهموم

و أمرك ممتثل في الامم

____________________

( ١ ) الروضة من الكافي للكليني : ٢ ح ١ .

( ٢ ) بحار الأنوار عن الإمام عليعليه‌السلام ٥ : ٣١٧ و عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ٨١ : ١٩٧ رواية ٥٤ .

( ٣ ) النازعات : ٢٤ .

( ٤ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٩ : ٤٨٣ ، ترجمة عبد اللَّه بن طاهر ( ٥٠١٤ ) .

٥٠٨

فقلت دعيني و ما قد عرى(١)

فإنّ الهموم بقدر الهمم(٢)

و في ( الكامل ) : سافر كعب بن مامة الأيادي مع رجل من بني النمر بن قاسط ، فقلّ الماء فتصافناه و التصافن أن يطرح حجر في الاناء ثم يصبّ فيه من الماء ما يغمره لئلا يتغابنوا ، فجعل النمري يشرب نصيبه فإذا أخذ كعب نصيبه قال : اسق أخاك النمري فيؤثره ، حتى جهد كعب و رفعت له أعلام الماء ، فقيل له رد كعب و لا ورود به فمات عطشا .

و وفد أوس بن حارثة بن لام الطائي و حاتم الطائي على عمرو بن هند ملك الحيرة ، فدعا أوسا فقال له : أنت أفضل أم حاتم ؟ فقال له : أبيت اللعن ، لو ملكني حاتم و ولدي و لحمتي لوهبنا في غداة واحدة ، ثم دعا حاتما فقال له :

أنت أفضل أم أوس ؟ فقال : أبيت اللعن إنّما ذكّرت بأوس ، و لأحد ولده أفضل منّي .

و كان النعمان بن المنذر دعا بحلة و عنده وفود العرب من كلّ حي فقال :

احضروني في غد فانّي ملبس هذه الحلة أكرمكم ، فحضر القوم جميعا إلاّ أوسا ، فقيل له لم تخلفت ؟ فقال : إن كان المراد غيري فأجمل الأشياء بي ألاّ أكون حاضرا ، و إن كنت أنا المراد فسأطلب و يعرف مكاني ، فلما جلس النعمان لم ير أوسا فقال : إذهبوا إلى أوس فقولوا له : إحضر آمنا ممّا خفت ، فحضر فلبس الحلة فحسده قوم من أهله فقالوا للحطيئة : اهجه و لك ثلاثمائة ناقة فقال : كيف أهجو رجلا لا أرى في بيتي أثاثا و لا مالا إلاّ من عنده ، ثم قال :

كيف الهجاء و ما تنفكّ صالحة

من آل لأم(٣) بظهر الغيب تأتيني(٤)

____________________

( ١ ) ورد في الديوان بلفظ : « فقلت ذريني على غصتي »

( ٢ ) ديوان الصاحب بن عباد : ٢٨٠ .

( ٣ ) نسخة التحقيق « إذا ذكرت » .

( ٤ ) ديوان الحطيئة : ١٧٤ .

٥٠٩

فقال لهم بشر بن أبي خازم الأسدي : أنا أهجوه لكم ، فأخذ الابل و فعل ، فأغار أوس على الابل فاكتسحها و جعل بشر لا يستجير حيّا إلاّ قالوا قد أجرناك إلاّ من أوس و كان في هجائه إيّاه ذكر امّه فأتى به فدخل على امه فقال : قد أتينا ببشر الهاجي لك و لي فما ترين فيه ؟ قالت : أرى أن ترد عليه ماله و تعفو عنه و تحبوه و أفعل مثل ذلك ، فانّه لا يغسل هجاه إلاّ مدحه ، فخرج إليه و قال له : إنّ امّي سعدى التي كنت تهجوها أمرت لك بكذا و كذا فقال : لا جرم ، لا و اللَّه لا مدحت أحدا حتى أموت غيرك(١) .

« و صدقه على قدر مروّته » في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل و سجوده ، فإنّ ذلك شي‏ء اعتاده فلو تركه استوحش لذلك ، و لكن انظروا إلى صدق حديثه و أداء أمانته(٢) .

و عنهعليه‌السلام : إنّما سمّي اسماعيل صادق الوعد لأنّه وعد رجلا في مكان فانتظره في ذلك المكان سنة فأتاه بعد سنة فقال له إسماعيل : مازلت منتظرا لك(٣) .

و في ( الخصال ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ست من المروّة ، ثلاث منها في الحضر ، و ثلاث منها في السفر : فأمّا الّتي في الحضر ، فتلاوة كتاب اللَّه عز و جل و عمارة مساجد اللَّه و اتخاذ الإخوان في اللَّه عز و جل ، و أمّا الّتي في السفر ، فبذل الزاد و حسن الخلق و المزاح في غير معاصي اللَّه(٤) .

« و شجاعته على قدر أنفته » في ( وزراء الجهشياري ) : بلغ موسى بن المهدي و هو الهادي حال بنت لعمارة بن حمزة مولاهم و هي جميلة

____________________

( ١ ) الكامل في الأدب للمبرّد ١ : ١٩٧ ١٩٩ ، طبعة مصر .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ١٠٥ ح ١٢ .

( ٣ ) ورد في البحار قريب منه عن الإمام الرضاعليه‌السلام ٣ : ٣٨٨ رواية ١ .

( ٤ ) الخصال للصدوق ١ : ٣٢٤ ح ١١ .

٥١٠

فراسلها فقالت لأبيها ذلك ، فقال : إبعثي إليه في المصير إليك و أعلميه أنّك تقدرين على إيصاله إليك في موضع يخفى أثره ، فأرسلت إليه بذلك و حمل موسى على المصير نفسه ، فأدخلته حجرة قد فرشت و اعدّت له ، فلما صار إليها دخل عليه عمارة فقال : السّلام عليك أيها الأمير ماذا تصنع هاهنا ؟

إتّخذناك وليّ عهد فينا أو فحلا في نسائنا ؟ ثم أمر به فبطح في موضعه فضربه عشرين درة خفيفة و ردّه إلى منزله ، فحقد عليه فلما ولي الخلافة دسّ إليه رجلا يدّعي عليه أنّه غصبه الضيعة المعروفة بالبيضاء بالكوفة و كانت قيمتها ألف ألف درهم فبينا الهادي ذات يوم جالس للمظالم و عمارة بحضرته ، و ثب الرجل فتظلم منه ، فقال الهادي لعمارة : ما تقول ؟ قال : ان كانت الضيعة لي فهي له و ان كانت له فهي له و وثب فانصرف عن المجلس(١) .

( و عفته على قدر غيرته ) كانعليه‌السلام يقول لأهل العراق : نبئت أن نساءكم يدافعن الرجال في الطريق ، أما تستحون و لا تغارون ؟

و في ( الكافي ) عن الصادقعليه‌السلام : ان اللَّه تعالى غيور يحب كلّ غيور ، و لغيرته حرّم الفواحش ظاهرها و باطنها ، و إذا لم يغر الرجل فهو منكوس القلب(٢) .

و عنهعليه‌السلام : لمّا أقام العالم الجدار أوحى تعالى إلى موسىعليه‌السلام : إنّي مجازي الأبناء بسعي الآباء ، إن خيرا فخير و إن شرّا فشر ، لا تزنوا فتزني نساؤكم ، و من وطى‏ء فراش امرى‏ء مسلم وطى‏ء فراشه ، كما تدين تدان(٣) .

و عن الصادقعليه‌السلام : كانت في بني اسرائيل بغيّ و كان رجل منهم يكثر

____________________

( ١ ) وزراء الجهشياري تاريخ الوزراء : ١٤٧ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٣٦ ح ٣ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٥٣ رواية ١ ، و كذلك ثواب الأعمال : ١٣ ، و أيضا المجلسي في بحار الأنوار ١٣ : ٢٩٦ رواية ١٣ .

٥١١

الاختلاف إليها ، فلمّا كان في آخر ما أتاها أجرى اللَّه على لسانها : أما إنّك سترجع إلى أهلك فتجد معها رجلا ، فارتفعا إلى موسىعليه‌السلام فنزل جبرئيلعليه‌السلام و قال : يا موسى من يزن يزن به ، فنظر موسى إليهما فقال : عفّوا تعفّ نساؤكم(١) .

٣٩ الحكمة ( ٤٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلظَّفَرُ بِالْحَزْمِ وَ اَلْحَزْمُ بِإِجَالَةِ اَلرَّأْيِ وَ اَلرَّأْيُ بِتَحْصِينِ اَلْأَسْرَارِ هو قياس منتج : ان الظفر بتحصين الأسرار و هو قياس ينحلّ إلى قياسين ، لأنّ القضية الثانية كبرى بالنسبة إلى الاولى و صغرى بالنسبة إلى الثالثة .

أمّا كون الظّفر بالحزم ففي العيون : قيل لرجل من بني عبس : ما أكثر صوابكم فقال : نحن ألف رجل و فينا حازم واحد و نحن نطيعه ، فكأنّا ألف حازم(٢) .

و يقال : روّ بحزم فإذا استوضحت فاعزم(٣) .

و أمّا كون الحزم بإجالة الرأي فكان عامر بن الظرب حكيم العرب يقول :

دعوا الرأي يغبّ حتى يختمر ، و إيّاكم و الرأي الفطير(٤) .

و لمّا استعجل الحجّاج المهلّب في حرب الأزارقة قال المهلّب : إنّ من

____________________

( ١ ) الكافي للكليني ٥ : ٥٥٣ رواية ٣ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٠ ٣٢ ، و كذلك العقد الفريد ١ : ٦٠ .

( ٣ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣٤ .

( ٤ ) ابن عبد ربه ١ : ٦٠ ( دار الكتب العلمية ) .

٥١٢

البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يبصره(١) .

و يقال : ليس بين الملك و بين ان يملك رعيته أو تملكه رعيته إلاّ حزم أو توان .

و قيل : من التمس الرخصة من الإخوان عند المشورة و من الأطباء عند المرض و من الفقهاء عند الشبهة أخطأ الرأي و ازداد مرضا و حمل الوزر(٢) .

و أمّا كون الرأي بتحصين الأسرار فيقال : ما كنت كاتمه من عدوك فلا تظهر عليه صديقك(٣) .

و في ( وزراء الجهشياري ) : كان موسى بن عيسى الهاشمي يتقلّد للرشيد مصر ، و كثر التظلّم منه و اتّصلت السعايات به و قيل إنّه قد استكثر من العبيد و العدّة فقال الرشيد ليحيى البرمكي : اطلب لي رجلا كاتبا عفيفا يكمل لمصر و يستر خبره فلا يعلم موسى بن عيسى حتى يفجأه قال : قد وجدته هو عمر بن مهران و كان كتب للخيزران و لم يكتب لغيرها قط و كان رجلا أحول مشوّه الخلق خسيس اللّباس فأمر بإحضاره قال : فاستدناني الرشيد و نحّى الغلمان و أمرني أن أستر خبري حتى افاجى‏ء موسى بن عيسى فأتسلّم العمل منه ، فأعلمته أنّه لا يقرأ لي ذكرا في كتب أصحاب الأخبار حتى أوافي مصر ، فكتب لي بخطّه إلى موسى ، فخرجت من غد مبكرا على بغلة لي و معي غلام أسود على بغل استأجرته ، معه خرج فيه قميص و مبطنة و طيلسان و شاشية و خف و مفرش صغير ، و اكتريت لثلاثة من أصحابي أثق بهم ثلاثة أبغل ، و أظهرت أنّي وجّهت ناظرا في أمور بعض العمّال ، كلّما وردت

____________________

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣١ .

( ٢ ) المصدر نفسه ١ : ٣٠ ، في كتاب للهند .

( ٣ ) المصدر نفسه ١ : ٤٠ .

٥١٣

بلدا توهّم من معي أنّي قصدته و ليس يعرف خبري أحد من أهل البلدان أمرّ بها في نزولي و نفوذي حتى وافيت الفسطاط فنزلت جنابا و خرجت منه وحدي في زيّ متظلم أو تاجر ، فدخلت دار الامارة و ديوان البلد و بيت المال ، و سألت و بحثت عن الأخبار و جلست مع المتظلمين و غيرهم ، فمكثت ثلاثة أيام أفعل ذلك حتى عرفت جميع ما احتجت إليه ، فلمّا نام الناس دعوت أصحابي فقلت للّذي أردت استكتابه على الديوان : قد رأيت مصر و قد استكتبتك على الديوان فبكّر إليه فاجلس فيه ، فإذا سمعت الحركة فاقبض على الكاتب و وكلّ به و بالكتاب و الأعمال ، و لا يخرج من الديوان أحد حتى أوافيك ، و دعوت بآخر فقلّدته بيت المال و أمرته بمثل ذلك ، و قلّدت الآخر عملا من الأعمال بالحضرة ، و أمرتهم أن يبكّروا و لا يظهروا أنفسهم حتى يسمعوا الحركة ، و بكّرت فلبست ثيابي و وضعت الشاشية على رأسي و مضيت إلى دار الامارة ، فأذن موسى للناس إذنا عامّا ، فدخلت فيمن دخل ، فإذا موسى على فرش و القوّاد وقوف عن يمينه و شماله و الناس يدخلون فيسلّمون و يخرجون و أنا جالس بحيث يراني و حاجبه ساعة بساعة يقيمني و يقول لي تكلّم بحاجتك ، فأعتلّ عليه حتى خفّ الناس ، فدنوت منه و أخرجت إليه كتاب الرشيد فقبّله و وضعه على عينه ثم قرأه فامتقع لونه و قال : السمع و الطاعة تقرى‏ء أبا حفص السلام و تقول له : ينبغي لك أن تقيم بموضعك حتى نعدّ لك منزلا يشبهك و يخرج غدا أصحابنا يستقبلونك فتدخل مدخل مثلك .

فقال له : أنا عمر بن مهران قد أمرني الرشيد بإقامتك للناس و انصاف المظلوم منك و أنا فاعل ذلك فقال : أنت عمر بن مهران ؟ قلت : نعم قال :( لعن اللَّه فرعون حيث يقول أليس لي مُلك مِصر ) (١) و اضطرب الصوت في الدار ،

____________________

( ١ ) الزخرف : ٥١ .

٥١٤

فقبض كاتبي على الديوان و صاحبي الآخر على بيت المال و ختما عليه و وردت عليه رقاع أصحاب أخباره بذلك ، فنزل عن فرشه و قال : « لا إله إلاّ اللَّه هكذا تقوم الساعة ما ظننت أنّ أحدا بلغ من الحزم و الحيلة ما بلغت ، فإنّك قد تسلّمت الأعمال و أنت في مجلسي » ثم نهضت إلى الديوان فقطعت أمور المتظلمين منه و انصرفت على بغلتي التي دخلت عليها و معي غلامي الأسود(١) .

و في ( عيون ابن قتيبة ) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إستعينوا على الحوائج بالكتمان ، فإنّ كلّ ذي نعمة محسود(٢) .

و كان عليعليه‌السلام يتمثل بهذين البيتين :

و لا تفش سرّك إلاّ إليك

فإنّ لكلّ نصيح نصيحا

فإنّي رأيت غواة الرجال

لا يتركون أديما صحيحا(٣)

و قال الشاعر :

و لو قدرت على نسيان ما اشتملت

منّي الضلوع من الأسرار و الخبر

لكنت أوّل من ينسى سرائره

إذ كنت من نشرها يوما على خطر(٤)

٤٠ الحكمة ( ٦٣ ) و قالعليه‌السلام :

اَلشَّفِيعُ جَنَاحُ اَلطَّالِبِ

____________________

( ١ ) تاريخ الوزراء للجهشياري : ٢١٧ ٢٢٠ بتصرف .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ، أخرجه عن أحمد بن خليل عن محمد بن الحصيب عن أوس بن عبد اللَّه بن بريدة عن أخيه عن بريدة ١ : ٣٨ و قد مرّ .

( ٣ ) ذكرهما ابن قتيبة في العيون ١ : ٣٩ ، و قد مرّ ذكره .

( ٤ ) عيون الأخبار لابن قتيبه ١ : ٣٩ .

٥١٥

قالوا : الشفاعات مفاتيح الطلبات و قيل في فضل البرمكي :

و من يكن الفضل بن يحيى بن خالد

شفيعا له عند الخليفة ينجح(١)

و في ( تاريخ بغداد ) : إشترى أخ لشعبة من طعام السلطان فخسر هو و شركاؤه ، فحبس بستة آلاف دينار بحصته ، فخرج شعبة إلى المهدي ليكلّمه فيه ، فلمّا دخل عليه قال للمهدي : انشدني قتادة و سماك بن حرب لامية بن أبي الصلت يقوله لعبد اللَّه بن جدعان :

أأذكر حاجتي أم قد كفاني

حياؤك إن شيمتك الحياء

كريم لا يعطّله صباح

عن الخلق الكريم و لا مساء

فارضك أرض مكرمة بنتها

بنو تيم و أنت لهم سماء

فقال : لا ، لا تذكرها قد عرفناها و قضيناها لك ، إرفعوا إليه أخاه لا تلزموه شيئا(٢) .

هذا ، و في المعجم قال أبو العيناء : كان لي صديق فجاءني يوما و قال :

أريد الخروج إلى فلان العامل و أحببت أن يكون معي إليه وسيلة و قد سألت عن صديقه فقيل لي الجاحظ و هو صديقك فاحبّ أن تأخذ لي كتابه إليه بالعناية ، فصرت إلى الجاحظ فقلت له جئتك مسلّما و قاضيا للحق و لبعض أصدقائي حاجة و هي كذا و كذا فقال : لا تشغلنا الساعة عن المحادثة و إذا كان في غد وجّهت إليك بالكتاب ، فلمّا كان في غد ، وجّه إليّ بالكتاب ، فقلت لابني :

وجّه هذا الكتاب إلى فلان ففيه حاجته فقال لي : إن الجاحظ بعيد الغور فينبغي أن نفضّه و ننظر ما فيه ، ففعل فإذا في الكتاب :

« هذا الكتاب مع من لا أعرفه و قد كلّمني فيه من لا أوجب حقّه ، فان

____________________

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٠٨ .

( ٢ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ٩ : ٢٥٦ في ترجمة شعبة بن الحجاج .

٥١٦

قضيت حاجته لم أحمدك ، و ان رددته لم أذممك » .

فلمّا قرأت الكتاب مضيت من فوري إلى الجاحظ فقال : قد علمت انّك أنكرت ما في الكتاب ، فقلت أو ليس موضع نكرة ، فقال لا هذه علامة بيني و بين الرجل في من أعتني به ، فقلت : لا إله إلاّ اللَّه ما رأيت أحدا أعلم بطبعك و ما جبلت عليه من هذا الرجل ، انّه لمّا قرأ هذا الكتاب قال : أم الجاحظ عشرة آلاف في عشرة آلاف قحبة و ام من يسأله حاجة فقلت له : يا هذا تشتم صديقنا فقال :

هذه علامة في من أشكره فضحك الجاحظ(١) .

٤١ الخطبة (( الحكمة )) ( ٦٨ ) و قالعليه‌السلام :

اَلْعَفَافُ زِينَةُ اَلْفَقْرِ وَ اَلشُّكْرُ زِينَةُ اَلْغِنَى أقول : كرّره المصنف في ( ٣٤٠ ) سهوا ، لكن نقله عنه هنا ابن ميثم بدون الفقرة الأخيرة(٢) و انما نقله عنه معها ابن أبي الحديد(٣) .

« العفاف زينة الفقر » و قد وصف اللَّه تعالى الفقراء المتزيّنين بالعفاف في قوله( يَحسَبُهُم الجاهِلُ أَغنياءَ مِنَ التَّعفُّف تَعرفُهم بسيماهم لا يَسألونَ الناس إِلحافاً ) (٤) .

« و الشكر زينة الغنى » قال سليمانعليه‌السلام ( ربِّ أَوزعني أن أَشكُر نعمتك الّتي أَنعمتَ عليَّ وَ على والديَّ ) (٥) و قال أيضا لمّا رأى عرش ملكة سبأ مستقرا

____________________

( ١ ) معجم الادباء للحموي ١٦ : ٨٣ ، في ترجمة عمرو بن بحر ، الجاحظ .

( ٢ ) نقل شرح ابن ميثم « العفاف زينة الفقر » ٥ : ٢٧٣ رقم ٦٠ .

( ٣ ) راجع شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢١٣ رقم ٦٦ .

( ٤ ) البقرة : ٢٧٣ .

( ٥ ) النمل : ١٩ .

٥١٧

عنده في أقل من طرفة عين( هذا من فضل رَبّي ليبلوَني ءأشكُر أَم أكفُر و مَن شَكَرَ فإنّما يَشكُرُ لِنَفسِهِ ) ( و مَن كَفَر فإن ربِّي غَنيٌ كريم ) (١) .

٤٢ الحكمة ( ٦٩ ) و قالعليه‌السلام :

إِذَا لَمْ يَكُنْ مَا تُرِيدُ فَلاَ تُبَلْ مَا كُنْتَ أقول : هكذا في ( الطبعة المصرية )(٢) ، و الصواب ما في ابن أبي الحديد(٣) و ابن ميثم(٤) و النسخة الخطية(٥) « فلا تبل كيف كنت » و « تبل » بضم التاء و الأصل فيه تبال ، حذفوا الألف تخفيفا لكثرة الاستعمال كما حذفوا الياء من قولهم « لا أدر » قال زهير :

لقد باليت مظعن امّ أوفى

و لكن ام أوفى لا تبالي(٦)

قالوا : كان لامرأة ابن واحد ، فمات فقالت أردت أن لا يموت هذا ، فمن شاء بعده عاش و من شاء مات .

٤٣ الحكمة ( ٨٧ ) و قالعليه‌السلام :

عَجِبْتُ لِمَنْ يَقْنَطُ وَ مَعَهُ اَلاِسْتِغْفَارُ

____________________

( ١ ) النمل : ٤٠ .

( ٢ ) راجع النسخة المصرية شرح محمّد عبده : ٦٧١ رقم ٦٦ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢١٥ .

( ٤ ) في شرح ابن ميثم ٥ : ٢٧٣ كما ما ذكره ( محمّد عبده ) في النسخة المصرية المنقحة .

( ٥ ) راجع النسخة الخطية ( المرعشي ) : ٣١٢ .

( ٦ ) ديوان زهير بن أبي سلمى : ٥٧ .

٥١٨

أقول : روي عنهعليه‌السلام هذا المعنى بلفظ آخر ، فعنهعليه‌السلام قال « العجب لمن يهلك و النجاة معه » قيل : ما هي ؟ قالعليه‌السلام : الاستغفار(١) .

و ورد أنّ الزهري لمّا حصل له القنوط من عقوبته رجلا فمات قال له عليّ بن الحسينعليه‌السلام : أخاف عليك من قنوطك ما لا أخاف عليك من ذنبك .

و أمره ببعث ديته ثم الاستغفار ، فقال له فرّجت عني يا سيدي اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته(٢) .

و في ( الكافي ) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : الاستغفار و قول لا إله إلاّ اللَّه خير العبادة ، قال تعالى( فَاعلَم أَنّه لا إله إلاّ اللَّه و استَغفر لِذَنبك ) .(٣) و قد قال تعالى .( وَ ما كانَ اللَّه مُعذِّبَهُم وَ هُم يَستَغفِرُون ) (٤) .

٤٤ الحكمة ( ٨٩ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَللَّهِ أَصْلَحَ اَللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَلنَّاسِ وَ مَنْ أَصْلَحَ أَمْرَ آخِرَتِهِ أَصْلَحَ اَللَّهُ لَهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَ مَنْ كَانَ لَهُ فِي نَفْسِهِ وَاعِظٌ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ اَللَّهِ حَافِظٌ الحكمة ( ٤٢٣ ) و قالعليه‌السلام :

مَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اَللَّهُ عَلاَنِيَتَهُ وَ مَنْ عَمِلَ لِدِينِهِ كَفَاهُ اَللَّهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَ مَنْ أَحْسَنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَللَّهِ أَحْسَنَ اَللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اَلنَّاسِ

____________________

( ١ ) ذكره الطبرسي في مكارم الأخلاق : ١٦٦ .

( ٢ ) تنقيح المقال للمامقاني ٣ : ١٨٧ .

( ٣ ) محمد : ١٩ .

( ٤ ) الكافي للكليني ٢ : ٥٠٥ ح ٦ عن حسين بن زيد ، و الآية ١٩ من سورة محمد .

٥١٩

أقول : روى ( روضة الكافي ) في حديثه ( ٤٧٧ ) عن الصادقعليه‌السلام : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : كانت الفقهاء و العلماء إذا كتب بعضهم إلى بعض كتبوا بثلاثة ليس معهنّ رابعة : من كانت همّته آخرته كفاه اللَّه همّه من الدنيا ، و من أصلح سريرته أصلح اللَّه علانيته ، و من أصلح فيما بينه و بينه تعالى أصلح اللَّه فيما بينه و بين الناس(١) .

قولهعليه‌السلام في الأول : « من أصلح ما بينه و بين اللَّه تعالى أصلح اللَّه ما بينه و بين الناس » و في الثاني : « و من أحسن في ما بينه و بين اللَّه أحسن اللَّه ما بينه و بين الناس » على ما في ( الطبعة المصرية(٢) و ابن أبي الحديد )(٣) ، و لكن في ( ابن ميثم(٤) و النسخة الخطية ) : « كفاه اللَّه ما بينه و بين الناس »(٥) .

قال الصادقعليه‌السلام : ما نقل اللَّه عبدا من ذلّ المعاصي إلى عزّ التقوى إلاّ أغناه من غير مال و أعزّه من غير عشيرة و آنسه من غير بشر(٦) .

و في الأول « و من أصلح أمر آخرته أصلح اللَّه له أمر دنياه » و في الثاني « و من عمل لدينه كفاه اللَّه أمر دنياه » قال تعالى : و من يَتّق اللَّه يَجعَل لهُ مخرجا .

( و يَرزُقُه من حيثُ لا يَحتَسبُ ) (٧) .

و عن عيسىعليه‌السلام : أوحى اللَّه تعالى إلى الدّنيا : من خدمني فاخدميه ، و من خدمك فاستخدميه(٨) .

____________________

( ١ ) الكافي الروضة للكليني : ٣٠٧ .

( ٢ ) راجع النسخة المصرية المنقحة : ٧٥٥ رقم ٤٠٩ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٦٨ رقم ٤٢٩ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٤٤٧ رقم ٤٩٨ .

( ٥ ) النسخة الخطية : ٣٢٧ .

( ٦ ) الكافي للكليني ٢ : ٧٦ ح ٨ .

( ٧ ) الطلاق : ٢ ٣ .

( ٨ ) ورد ما يشابهه في بحار الأنوار ٧٧ : ٥٤ .

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576