الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 576

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 264301 / تحميل: 11787
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

بَين أيديهم ومن خَلفِهِم ، وعَن أيمانِهِم وعن شَمائِلهِم ، ومن حَيثُ شِئتَ ، وَمِن أينَ شِئتَ ، وكَيفَ شِئتَ ، وأنّى شِئتَ ، حَتى لا يَصلَ إليَّ واحِدٌ مِنهُم بِسوءٍ.

اللّهُمَّ واجعلني في حِفظكَ وسِترِكَ وجوارِكَ ، عَزَّ جارُكَ ، وجَلَّ ثَناؤُكَ ، ولا إلهَ غَيرُكَ. اللّهُمَّ أنتَ السُّلامُ ، ومنكَ السُّلامُ ، أسألُكَ يا ذَا الجَلالِ والإكرام فكاكَ رَقَبتَي من النَّار ، وأن تُسكنني دارَ السُّلامِ.

اللّهُمّ إنّي أسألكَ من الخير كُلِّهِ عاجِلِهِ وآجِلِهِ ، ما عَلِمتُ مِنه وما لم أعلم. اللّهُمّ وإنّي أسألًكَ خير ما أرجو ، وأعُوذُ بِكَ من شَرِّ ما أحذر ، ومن شَرَّ ما لا أحذرُ ، وأسألكَ أن تَرزُقني من حَيثُ أحَتسبُ وَمن حَيثُ لا أحتسَبُ.

اللّهُمَّ إنّي عَبدُكَ ( و )(١) ابن عَبدِكَ وابنُ أمتِكَ ، وفي قَبضَتِكَ ، ناصيتي بيدِكَ ماضٍ فيَّ حُكمكَ ، عَدلٌ فيَّ قضاؤكَ ، وأسألُكَ بكُلِّ اسمٍ هُوَ لَكَ سَميَّتَ بهِ نَفسَكَ ، أو أنزلتهُ في شَيءٍ من كُتُبكَ ، أو عَلَّمتَهُ أحَداً من خَلقِكَ ، أو أستَأثرتَ بهِ في عِلمِ الغَيبِ عِندَكَ ، أن تُصلَّي على مُحمّدٍ النَّبيّ الأمي عَبدِكَ ورَسوُلِكَ وخِيرتِكَ من خَلقِكَ ، وعلى آل مُحمّدٍ الطّبيينَ الأخيارِ ، وأن تَرحَمَ مُحمّداً وآلَ مُحمّدٍ ، وتُبارِكَ على مُحمّدٍ وآل مُحمّدٍ كما صَلَّيتَ ( وباركت )(٢) على إبراهِيمَ وآلِ إبراهِيمَ أنّكَ حَميدٌ مَجيدٌ ، وأن تَجعَلَ القرآنَ

__________________

(١) اثبتناها من نسخة « ن ».

(٢) اثبتناه من الرواية الأولى في نسخة « ن ».

٢٤١

نُورَ صَدري ، ورَبيعَ قَلبي ، وجَلاءَ حُزني ، وذهابَ هَمي ، واشرح به صَدري ويسِّر به أمري ، واجَعلهُ نُوراً في بَصري ، ونُوراً في سَمعي ، ونُوراً في مُخي ، ونُوراً في عِظامي ، ونُوراً في عَصبي ، ونُوراً في شَعري ، ونُوراً في بَشري ، ونُوراً من فوقي ، ونُوراً من تَحتي ، ونُوراً عَن يَميني ، ونُوراً عن شمالي ، ونُوراً في مَطعمي ، ونُوراً في مَشربي ، ونُوراً في مَحشَري ، ونُوراً في قَبري ، ونُوراً في حَياتي ، ونُوراً في مماتي ، ونُوراً في كُلِّ شيءٍ مِني ، حَتى تُبَلّغني بِه إلى الجَنَّةِ ، يا نُورَ السّماواتِ والأرضِ ، أنتَ كَما وصَفتَ نَفسَكَ في كِتابِكَ على لِسانِ نَبيكَ ، وقَولكَ الحَقُّ ، تَباركَتَ وتَعاليتَ قُلتَ( اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (١) .

اللّهُمَّ فَاهدِني بنُورك ، وأيّدني لِنورِكَ ، واجعَل لي في القيامَةِ نُورَاً بين يَدَيَّ ومن خَلفي ، وعَن يَميني وعَن شِمالي ، تهديني بِهِ إلى دارِكَ دار السُّلام يا ذَا الجَلالِ والإكرام. اللّهُمَّ إني أسألُكَ العَفو والعافِية في الدّنيا والآخِرَةِ ، اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ العَفوَ والعافِيةَ في كُلّ شَيءٍ أعطَيتني ، اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ العَفو والعَافية في أهلي ومالي ووُلدي وكُلّ شَيءٍ أحبَبتَ

__________________

(١) النور ٢٤ : ٣٥.

٢٤٢

أن تُلبسَني في العافيِةَ.

اللّهُمَّ صَلِّ على مُحمّد وآلِ مُحمّدٍ وأقلِني عَثرتي ، وآمِن رَوعَتي ، واحفَظني من بَينَ يَدَيَّ ومن خَلفي ، وعَن يَميني وعن شِمالي ، ومن فَوقي ومن تَحتي ،( اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَتُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (١) .

يا رَحمانَ الدُّنيا والآخِرة ورَحيَمهُما صَلِّ على مُحمّدٍ وآلِهِ ، واغفر لي ذَنبي ، واقضِ عَني دَيني ، واقض لي جَميعَ حَوائجي ، أسألُكَ ذلِكَ بأنّكَ مالِكٌ ، وأنّكَ عَلى كُلّ شَيء قَديرٌ وأنّكَ ما تشاءُ من أمرٍ يَكُن. اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ إيماناً صادِقاً وَيقيناً لَيسَ بَعَدهُ ( شك )(٢) ، وتَواضعاً لَيسَ بَعدَهُ كبر ، وَرحمةً أنالُ بِها شَرَفَ الدُّنيا والآخِرَةِ(٣) .

اليوم السابع والعشرون :

اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ رحمةً من عِندِكَ تَهدي بها قَلبي ، وتَجمعُ بها أمري ، وَتَلُمُّ بها شَعثي ، وتُصلحُ بها ديني ، وتَحفَظُ بها عيالي ، وتَرفَع بها

__________________

(١) آل عمران ٣ : ٢٦ ـ ٢٧.

(٢) من نسخة « ك » شكر ، واثبتنا ما في الرواية الأولى من نسخة « ن ».

(٣) رواه العلامة الحلي في العدد القوية ٣٢٣ ، ونقله المجلسي في البحار ٩٧ : ٢١٨ باختلاف فيه.

٢٤٣

شَهادَتي ، وتُكثرُ بِها مالي ، وتُزيدُ بها في رِزقي وَعُمري ، وتُعطيني بها كُلّما أُحبّ ، وتَصرِفَ عني ما أكرَهُ ، وتُبَيِّض بها وجهي ، وَتَعصِمني بها من كُلّ سوءٍ.

اللّهُمَّ أنت الأوَّلُ فَلا شَيءَ قَبلَكَ ، وأنت الآخرُ فَلا شَيءَ بَعدَكَ ، ظَهرتَ فَبطَنت ، وبَطنتَ فَظَهرتَ ، عَلَوتَ في ذُنوّكَ ، ودَنوتَ في عُلُوكَ ، أسالُكَ أن تُصَلي على مُحمّدٍ وآلِهِ ، وأن تَصلحَ لي ديني الَّذي هُوَ عصمة أمري ، وتُصلحَ دنياي التي فيها مَعيشتي ، وأن تُصلحَ لي آخرتي التي إليها مُنقلبي ، وأن تَجعَلَ الحَياةَ زِيادَةً لي في كُلِّ خَيرٍ ، وأن تَجعلَ المَوت راحةً لي من كُلِّ سوءٍ.

اللّهُمَّ لَكَ الحَمد قَبل كُلّ شيء ، ولك الحمد بعد كُلّ شيء ، يا صَريخ المَكروُبين ، يا مُجيبَ دَعوة المُضطرينَ ، يا كاشِفَ الكربِ العَظيم ، يا أرحَمَ الراحِمينَ ، إكشف غَمّي وكربي ، فَانَّهُ لا يَكشفُهُ غَيرُكَ ، تَعلَم حالي وحاجَتي.

اللّهُمَّ لَكَ الحَمد كُلّهُ ، ولَكَ المُلكُ كُلّه ، وَبِيدكَ الخَير كُلّه ، وإليكَ يَرجَعُ الأمر كُلّهُ ، عَلانيتُهُ وسِرُّهُ ، لا هادِي لَمِن اضلَلت ، ولا مُضِلِّ لَمِن هديتَ ، ولا مانَعَ لِما أعطَيتَ ، ولا مُعطي لما مَنعَتَ ، ولا مُؤَخّرَ لِما قَدّمتَ ، ولا مُقَدِّم لما أخَّرت ، ولا باسِطَ لِما قَبضت ، ولا قابِضَ لِما بَسطتَ.

اللّهُمَّ ابسط عَلَينا بَرَكاتكَ ورَحمتكَ وفَضلكَ ورِزقكَ ، اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ الغنى يَومَ الفَقر ، وأسألُكَ الأمنَ يَومَ الخَوفِ. اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ

٢٤٤

النَّعيم المُقيم الَّذي لا يَزولُ ولا يَحولُ. اللّهُمَّ رَبِّ السّماواتِ السَّبعِ وما فيهنَّ وما بَيَنهُنَّ ورَبِّ العَرش العظيم ، رَبَّنا ورَبِّ كُلّ شيءٍ ، مُنزِل التَّوراة والإنجيلِ والفُرقانِ العظيمِ ، فالِق الحَبِّ والنَّوى ، أعُوذُ بِك من شَرِّ كُلّ دابةٍ أنتَ آخِذٌ بناصِيتها ، أنّكَ على صِراطٍ مُستقيمٍ.

اللّهُمَّ أنتَ الأولُ فَلا شَيءَ قَبلَكَ ، وأنتَ الآخِرُ فَليسَ بَعدكَ شيءٌ ، وأنتَ الظاهِر فُليسَ فَوقكَ شيءٌ ، وأنتَ الباطنُ تُخبِرُ كُلَّ شَيء ، وأنتَ الآخِرُ فَلَيسَ بَعدَكَ شَيءٌ ، صَلِّ عَلى مُحمّدٍ وآل مُحمّدٍ وافعَل بي ما أنتَ أهَلُهُ.

بسمِ اللهِ وبِاللهِ ، بِاللهِ أؤمِنُ ، وبِاللهِ أعُوذُ ، وباللهِ ألوذُ ، وباللهِ أعَتصِمُ ، وبِعِزَِّته ومنعَتِهِ أمتنعُ من الشَّيطانِ الرَّجيم وَعَملِهِ وخَيلِهِ ورَجلِهِ ، وَشركُلّ دابةٍ تزحفُ معهُ. وأعُوذُ بِكُلِماتِ اللهِ التّامّاتِ التي لا يُجاوِزُهُنَّ بَرٌّ ولا فاجِر ، وبِأسماءِ اللهِ الحُسنى كُلّها ، ما عَلِمتُ مِنها وما لَم أعلَم به ، من شَرَّ ما خَلَقَ وذَرَأ وبَرَأ ، ومن شَرِّ كُلّ طارِقٍ إلاّ طارِقاً يَطرقُ بِخَيرٍ ، يا رَحمانُ.

اللّهُمَّ إني أعوذُ بِكَ من شَرِّ نَفسي ، ومن شَرِّ كُلِّ عَينٍ ناظِرةٍ ، ومن شَرِّ كُلّ أُذنٍ سامِعَةٍ ، ولِسانٍ ناطِقٍ ، وَيَدٍ باسطَةٍ ، وَقَدمٍ ماشِيةٍ ، وما أخفَيتُهُ في نَفسي ، في لَيلي ونَهارِي ، اللّهُمَّ من أرادَني بِبغي أو عَيب ، أو مَساءةٍ أو سوءٍ ، أو مكروهٍ ، أو خِلافٍ ، من جِنٍّ أو إنسٍ ، قَريبٍ أو بَعيدٍ ، صَغيرٍ أو كبيرٍ ، فَأسألُكَ أن تخرجَ صَدرَهُ ، وتمسكَ يَدَهُ ، وتَقصرَ

٢٤٥

قَدَمَهُ ، وتَفحَمَ لِسانَهُ ، وتَعمي بَصَرَهُ ، وتَقمَعَ رَأسَهُ ، وَترُدَّهُ بِغَيظهِ ، وتَحول بَيني وبَينَهُ ، وتَجعَلَ لَهُ شاغِلاً من نَفسِهِ ، وتُميتَهُ بِغَيظِهِ ، وتكفينيهِ ، بِحولِكَ وقُوّتِكَ أنّكَ على كُلّ شيءٍ قَديرٌ(١) .

اليوم الثامن والعشرون :

اللّهُمَّ إنّي أعُوذُ بكَ من كُلّ شيءٍ هُو دونكَ. اللّهُمَّ لا تَحرِمني ما أعطَيتَني ، ولا تَفتني بما مَنَعتنَي. اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ خَيرَ ما تُعطي عِبادَكَ مِنَ الأمانَةِ والمالِ والأهلِ وَالوَلدَ النّافعِ غَير الضّارِ ولاَ المُضِرِّ. اللّهُمَّ إني إليكَ فقيرٌ ، وإني مِنكَ خائِفٌ مُستَجيرٌ بِكَ.

اللّهُمَّ لا تُبدِل اسمي ، ولا تُغَيّر جِسمي ، ولا تُجهِد بَلائي ، اللّهُمَّ إنّي أعُوذُ بِكَ من غنىً يُطغي ، أو هوىً يُردي ، أو عَملٍ يُخزي. اللّهُمَّ اغفِر لي جُرمي ، واقبَل تَوبتي ، واظهر حُجّتي ، واستُر عَورَتي ، واجَعَل مُحمّداً وآلِهِ والأنبياءِ المُصطَفينَ يَستَغفِرونَ لي.

اللّهُمَّ إنّي أعوَذُ بِكَ أن أقولَ قَولاً هُوَ من طاعَتِكَ أريدُ بِه سِوى وَجهكَ ، وأعَوذُ بِكَ أن يَكون غَيري أسَعَدَ بما آتَيتَني منّي. اللّهُمَّ وإنّي أعَوذُ بِكَ من شَرّ الشَّيطانِ ، وشَرِّ السُّلطانِ ، وما تَجري بِه أقلامُهُم. اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ عَمَلاً بارّاً ، وعَيشاً قارّاً ، ورِزقاً دارّاً.

__________________

(١) رواه العلامة الحلي في العدد القوية ٣٣٥ ، ونقل المجلسي في البحار ٩٧ : ٢١٨ باختلاف فيه.

٢٤٦

اللّهُمَّ كَتَبتَ الآثامَ واطّلَعتَ على الأسرارِ ، وَحُلْتَ بَيَننا وَبَينَ القُلُوب. والقُلوبُ إليكَ مفضيةٌ ، والسِّرُّ عِندَكَ عَلانِيةٌ ، وإنِّما أمرُكَ إذا أرَدتَ شَيئاً أن تَقُولَ لَهُ : كُن ، فَيَكونُ.

اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ بِرَحمتِكَ أن تدخلَ طاعَتَكَ في كُلّ عُضوٍ من أعضائي ثمَّ لا تُخرِجُها مِنّي أبداً. اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ بِرحمتكَ أن تخرجَ مَعصيتَكَ من كُلّ عُضوٍ من أعضائي ثُمَّ لا تُعيدُها في أبَداً. اللّهُمَّ أنّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ فَاعفُ عَنّي. اللّهُمَّ كُنتَ وَتكَون وأنتَ حَيٌّ قَيوّمٌ لا تَنامُ ، تَنامُ العُيونُ وتَغورُ النُّجوم وأنتَ الحَيُّ القَيوُّمُ ، لا تأخُذُكَ سِنَةٌ ولا نَومٌ ، فَرِّج عَنّي هَمِّي ، اللّهُمَّ واجعَل لي من أمري فَرَجاً ومَخرَجاً ، وثَبتَ رَجاءَكَ في قَلبي حتى تُغنيني بِه عَن رَجاءِ مَن سِواكَ ، وحَتى لا يَكوُنَ ثِقتي إلاّ أنتَ.

اللّهُمَّ لا تَكتبني من الغافلين. اللّهُمَّ لا تَستَدرِجني بِخطيئتي ، ولا تَفضحني بِسريرتي. اللّهُمَّ إنّي أعَوذُ بِكَ أن أضِلَ عِبادكَ ، واستريب إجابَتكَ. اللّهُمَّ إنّ لي ذُنُوباً قد أحصَتها كُتُبكَ ، وأحاطَ بها عِلمُكَ ، ونَفَذَها بَصَرُكَ ، ولَطُفَ بها خَبركَ ، وكتبَتها مَلائِكتُكَ. اللّهُمَّ فلا تُسَلّطُ عَلَيّ في الدّنيا ولا في ما بَعدها مَن لم يَخلُقني ولَم يَرحَمني ، ومَن أنتَ أولى بِرَحمتي مِنهُ. اللّهُمَّ وما سَتَرت عَلَيّ من تِلكَ العُيوبِ والعَوراتِ ، وأخَّرت من تِلكِ العُقُوباتِ ، مَكراً مِنكَ واستدراجاً ، لِتأخُذَني بِها يَومَ القيامة ، وتَفضحني بها عَلى رُؤوسِ الخَلائِق ، فَاعفُ عَنّي في الدّارينَ كَلتيهما ، فَأنّكَ غَفورٌ رَحيمٌ.

٢٤٧

اللّهُمَّ أنْ لم اُكن أهلاً أن أبلُغَ رَحَمتكَ فَإنَّ رَحَمتَكَ أهلٌ أن تبلُغني ، فإنَّها وسَعتَ كُلّ شَيء ، فَلتَسعني رَحَمتك يا أرحَمَ الرّاحِمينَ. اللّهُمَّ وإن كنتَ خَصَصت بِذلِكَ عِباداً أطاعُوكَ فيما أمَرتَهُم به ، وعَمِلوُا فيما خَلَقتهَمُ لَهُ ، فَإنَّهمُ لَن يَناَلُوا ذِلكَ إلاّ بكَ ، ولا يُوفِقهُم لَهُ إلاّ أنتَ ، كانَتَ رَحَمتُكَ إيّاهُم قَبلَ طاعَتِهِم لَكَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ. اللّهُمَّ فخصّني يا سَيدي ومَولايَ ، ويا إلهي ويا كَهفي ، ويا حِرزي ويا كَنزي ، ويا قُوتي ويا رَجائي ، ويا خالِقي ويا رازقي ، بِما خَصَصتَهُم به ، ووَفِقني لِما وفقتهم لَهُ ، وارحَمني كما رَحمتَهُم يا أرحَمَ الرّاحميِنَ.

يا مَن لا يَشغلُهُ سَمعٌ عن سمعٍ ، يا مَن لا يُغَلِّطُهُ السّائِلُونَ ، يا مَن لا يُبرِمُهُ إلحاحُ المُلحِيّنَ ، أذِقنا بِردَ عَفوك ، وحَلاوَةَ مَغفِرتِكَ ، وطيبَ رَحَمتِكَ.

اللّهُمَّ إنّي أسَتَغفرُكَ مَمّا تُبتُ إليكَ مِنهُ ثُمَّ عُدتُ فيه ، وأستَغفِرُ كَلِما وَعَدتُكَ من نَفسي ثم أخلَفتُكَ ، وأستَغفِرُكَ لِكلِ أمرٍ أرَدتُ به وَجهك فَخالَطَني فيه ما لَيسَ لَكَ ، وأستَغفركَ لِكُلّ النِّعمِ التَّي أنَعمتَ بها عَلَيّ فَقويتُ بِها عَلى مَعصيتِكَ ، وأستَغفِرُكَ مِمّا دَعاني إليهِ الهَوى من قبول الرُّخَصِ فيما أتَيتُهُ واشتَبَه عَلَيَّ مِمّا هُوَ حَرامٌ عِندَكَ ، وأستَغفِرُكَ لِلذّنوبِ التي لا يَعْلُمها غَيرُكَ ، ولا يَسَعُها إلاّ حِلمُكَ وعَفَوكَ ، وأستَغفِرُكَ لكُلِّ يَمينٍ سَبقَت مني حَنثتُ فيها عِندَكَ ، يا مَن عَرَّفَنا نَفسهُ لا تَشغُلُنا بِغَيرِكَ ، وأسقِط عنّا ما كانَ لِغَيركَ يا أرحَمَ الرّاحِمينَ(١) .

__________________

(١) رواه العلامة الحلي في العدد القوية ٣٤٧ ، ونقله المجلسي في البحار ٩٧ : ٢١٨ باختلاف فيه.

٢٤٨

اليوم التاسع والعشرون :

لا إلهَ إلاّ اللهُ الحَليمُ الكَريمُ ، لا إلهَ إلاّ الله العَليُّ العَظيمُ ، سُبحانَ الله رَبِّ السّماواتِ السَّبع وما فيهِنَّ وما بَينهُنَّ ورَبِّ الأرَضينَ السَّبع وما فيهنَّ وما بَينَهُنَّ ورَبِّ العَرشَ العظيمِ ، والحَمدُ لله رَبِّ العالمينَ ، وتَباركَ اللهُ أحَسنُ الخالقينَ ، ولا حَولَ ولا قُوّة إلاّ بالله العَلي العَظيم.

اللّهُمَّ ألبسني العافية حتى تهنيني المعيشة ، واختم لي بالمغفِرة حَتى لا تَضُرنّي مَعَهَا الذُّنوبُ ، واكفِني نَوائِبَ الدُّنيا وهُمُومَ الآخِرَة حَتّى تُدخلني الجَنَّةَ بِرحَمتِكَ أنّكَ على كُلّ شَيءٍ قَديرٌ.

اللّهُمَّ إنّكَ تَعَلم سَريرَتي فاقبَل مَعذِرتي ، وتَعلَمُ حاجَتي فَاعطِني مَسألَتي ، وتَعلُم ما في نَفسي فَاغِفر لي ذُنوبي ، اللّهُمَّ أنتَ تَعلَمُ حوائِجي وتَعَلمُ ذُنُوبي. فَاقضِ لي جَميعَ حَوائِجي ، واغفِر لي جَميعَ ذُنوبي.

اللّهُمَّ أنتَ الرَبِّ وأنا العَبدُ ، وأنتَ المالِكُ وأنا المَملُوكُ ، وأنتَ العزيزُ وأنا الذَّليلُ ، وأنتَ الحَيُّ وأنا خَلَقتَني للمِوتِ ، وأنتَ القَويُّ وأنا الضَّعيفُ ، وأنتَ الغَنيُّ وأنَا الفَقيرُ ، وأنتَ الباقي وأنا الفاني ، وأنتَ المُعطي وأنا السائِلُ ، وأنتَ الغَفُورُ وأنَا المُذنِبُ ، وأنتَ السَّيّدُ وأنا العَبدُ ، وأنتَ العالِمُ وأنَا الجاهِلُ ، عَصَيتُكَ بِجَهلي ، وارتَكَبتُ الذُّنوبَ بِجَهلي ، وألَهْتني الدُّنيا بِجَهلي ، وسَهَوتُ عَن ذِكرِكِ بِجهَلي ، وركَنتُ [ إلى ] الدُّنيا بِجَهلي ،

٢٤٩

واغتَررتُ بِزينَتها بِجهلي ، وأنتَ أرحَمُ بي مني بِنفسي ، وأنتَ أنظر لي مِنّي لِنفسي ، فَاغفِر وارحَم وتَجاوَز عَمّا تَعلَمُ ، فإنّكَ أنتَ الأعَزُ الاكرمُ.

اللّهُمَّ اهدِني لأِرشَدِ الأُمور وقِني شَرَّ نَفسي. اللّهُمَّ أوسِع لي في رِزقي ، وأمدُد لي في عُمري ، واغفِر لي ذُنوبي ، واجعَلني ممَّن تَنتصِرُ به لِدينِكَ ولا تَستبدِل بي غَيري ، يا حَنّانُ يا مَنّانُ ، يا حَيُّ يا قَيوُّمُ ، فرِّغ قلبي لِذِكرِكَ.

اللّهُمَّ رَبِّ السّماواتِ السّبعِ وما بَينهُنَّ ، ورَبِّ [ السبع ] المَثاني والقرآنِ العَظيم ، ورَبِّ جَبرئيلَ وميكائيلَ ، ورَبِّ المَلائِكةِ أجمعَين ، ورَبِّ مُحمّدٍ خاتَمِ النَّبيّينَ والمُرسَلينَ أجمعينَ ، صَلِّ عَلى مُحمّدٍ وآلِهِ واغنني عَن خِدمَةِ عِبادِكَ ، وفَرّغني لِعبادَتِكَ باليسار والكِفايةِ والقنوعِ وَصدقِ اليَقينِ في التّوكُلّ عَليكَ.

اللّهُمَّ [ و ] أسألُكَ باسمكَ الَّذي تَقُومُ به السّماواتِ السَّبع ومَن فيهِنَّ وما بَينهُنَّ ، وبه تَرزُقُ الأحياءَ ، وبه أحصَيتَ وزنَ الجِبالِ ، وبِه احصيتَ البحار ، وبه أحصَيتَ عَددَ الرّمالِ ، وبه تُمتِ الأحياء ، وبه تُحيي المَوتى ، وبه تُعزُّ الذَليلَ ، وبه تُذِلُّ العزيزَ ، وبِه تَفعَلُ ما تَشاءُ ، وبه تَقُولُ للشيء :كن فيكون ، وإذا سألك به سائل اعطيته سؤله ، أسألُكَ باسمك الأعظَمِ الأعظَمِ ، الَّذي إذا سَألكَ به السائِلونَ أعطَيتَهُم سُؤلَهُم ، وإذا دَعاكَ به الدّاعُونَ أجَبتَهُم ، وإذا اسَتجارَ بِكَ المُستَجيرُونَ أجَرتَهُم ، وإذا دَعاكَ به المُضطرُّون أنقَذتَهُم ، وإذا تَشَفّعَ به إليكَ المُتَشفّعونَ شَفَعتَهُم ، وإذا

٢٥٠

استَصرخَكَ به المُستصرخُونَ أصرَخَتهُم ، وإذا ناجاكَ به الهارِبُونَ إليكَ سَمِعتَ نِداءهُم وأعنتَهُم ، وإذا أقبلَ إليكَ التّائِبونَ قَبلتَ تَوبتَهُم.

فَأنَا أسألُكَ ـ يا سَيَّدي ويا مَولاي ويا إلهي ويا قُوّتي ويا رَجائي ويا كَهفي ويا رُكني ويا فَخري ، ويا عِدَّتي لِديني ودُنيايَ وآخِرَتي ـ بِاسمكَ الأعظَمِ ، وأدعُوك بِه لِذَنبٍ لا يَغفِره غَيرُكَ ، ولِكربٍ لا يَكشِفُهُ سِواكَ ، ولِضُرّ لا يَقدِرُ عَلى إزالَتِهِ عَنّي إلاّ أنتَ ، ولِذنُوبي التي بارَزتُكَ بِها ، وقَلَّ مِنها حَيائي عِندَ ارتكابي لَها ، فَها أنا قد أتَيتُكَ مُذنباً خاطِئاً ، قَد ضَاقَت عَلَيّ الأرضُ بِما رَحُبت ، وضَلّت عَنَّي الحيلُ ، وعَلِمتُ أن لا مَلجأ ولا مَنجاً مِنكَ إلاّ إليكَ ، وها أنَا ذا بَينَ يَدَيكَ ، قَد أصبحتُ وأمسيتُ مُذنِباً خاطِئِاً ، قد ضاقَتَ عَليّ الأرضُ ، فَقير ( محتاجاً )(١) ، لا أجِدُ لِذَنبي غافِراً غَيرَكَ ، ولا ( لِكَسري )(٢) جابراً سِواكَ ، ولا لِضُرّي كاشِفاً إلاّ أنتَ. وأنا أقُولُ كما قالَ عَبدُكَ ذُو النّوُنِ حينَ تُبتَ عَلَيهِ ونَجَيتهُ من الغَمِّ ، رَجاءً أن تَتوُبَ عَلَيَّ وتُنقِذُني من الذُّنوبِ يا سَيّدي( لا إِلَٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) (٣) .

وأنا أسألُكَ يا سَيّدي ومَولايَ بِاسمِكِ العَظيم الأعظمِ أن تَستَجيبَ لي دُعائي ، وأن تُعطِيني سُؤلي ، وأن تُعجِّل لي الفَرَجَ من عِندِكَ

__________________

(١) في نسخة « ك » : محتالاً ، وفي نسخة « ن » : محتلاً ، واثبتنا ما في نسخة المجلسي.

(٢) في نسخة « ك » : لشكواي ، واثبتنا ما في نسخة « ن ».

(٣) الانبياء ٢١ : ٨٧.

٢٥١

بِرحَمتِكَ في عافيةٍ ، وأن تُؤمِنَ خَوفي في أتَم النّعمةِ ، وأعظَمِ العافيةِ ، وأفضَلِ الرزقِ والسّعة والدَّعَةِ ، وما لَم تَزَلْ تُعَوِّدنيهِ يا إلهي ، وتَرزُقَني الشّكرَ عَلى ما تُؤتيَني ، وتَجعَلَ ذلِكَ تاماً أبَداً ما أبقَيتَني ، وتَعفُو عن ذُنوبي وخَطايايَ وأسرافي عَلى نَفسي وإجرامي إذا تَوَفيَتني ، حتى تَصِلَ لي سَعادَةَ الدُّنيا بِنَعيم الآخِرَةِ.

اللّهُمَّ بِيدِكَ مَقاديرُ اللَيل والنَّهار ، وبِيدِكَ مقاديرُ الشمسِ والقَمر ، وبيدِكَ مَقاديرُ الخَير والشَّرِّ ، اللّهُمَّ فَباركَ لي في ديِني ودُنيايَ وآخِرَتي ، اللّهُمَّ وباركَ لي في جَميع أُموري.

اللّهُمَّ لا إلهَ إلاّ أنتَ ، وعدكَ حَقٌ ، ولِقاؤُكَ حَقٌ ، فَصَلِّ عَلى مُحمّدٍ وآلِهِ ، وَاختِمْ لي أجَلي بافضَلِ عَمَلي ، حَتّى تَتَوفّاني وقَد رضَيتَ عَنّي يا قيّومُ ، يا كاشِفَ الكَربِ العَظيمِ ، صَلَّ على مُحمّدٍ وآله ، وَوسِّع علَيّ مِن طيب رِزقكَ حسب جودِكَ وكَرَمِكَ.

اللّهُمَّ أنّكَ تَكَفَّلتَ بِرِزقي ورِزقِ كُلّ دابةٍ ، يا خَيرَ مَدعُوٍ ، ويا خَيرَ مَسؤولٍ ، يا أوسَعَ مُعطٍ وأفضَلَ مَرجُوٍ ، وسِّع لي في رِزقي ورِزقِ عَيالي.

اللّهُمَّ اجَعلْ فيما تَقضي وفيما تقدِّرُ من الأمرِ المَحتوم ، وفيما تَفرِقُ مِن الأمِر الحكيمِ في لَيلَةِ القَدر ، في القَضاءِ الَّذي لا يُردُّ ولا يُبدَّلُ ، أن تُصلّيَ عَلَى مُحمّدٍ وآلهِ ، وأن تَرحَمَ مُحمّداً وآل مُحمّدٍ ، وأن تُبارِكَ على مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ ، كما صَلَّيتَ وباركَتَ وتَرَحَّمت عَلى إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ أنّكَ حَميدٌ مَجيدٌ ، وأن تَكتُبَني من حُجّاجِ بَيتِكَ الحَرامِ ، المَبرورِ حَجهُّمُ ،

٢٥٢

المَشكور سَعيُهُم ، المَغفور ذُنُوبهُم ، المُكفَّر ( عَنْهُم )(١) سَيّئاتِهِم ، الواسِعةِ أرزاقُهُم ، الصحيحةِ أبدانهُم ، المُؤمِنَ خَوفَهُم ، واجعَل فيما تقضي وفيما تَقدِرُ أن تَطّوّلَ عُمري ، وأن تَزيدَ في رِزقي. يا كائِناً قَبلَ كُلّ شَيء ، يا مكون كُلّ شيءٍ ، يا كائناً بعد كُلّ شيءٍ ، تَنامُ العُيونُ ، وتَنكِدرُ النُّجومُ وأنتَ حَيٌّ قَيّومٌ ، لا تأخُذُكَ سِنَةٌ ولا نَومٌ.

اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ بِجلالِكَ وحِلمِكَ ، ومَجدِكَ وكَرَمِكَ ، أن تُصلّي عَلى مُحمّدٍ وآلِ مُحمّدٍ ، وأن تَغفِرَ لَي ولِوالدِيَ ، وتَرحَمهُما رَحَمةً واسِعَةً ، أنّكَ أرحَمُ الرّاحِمينَ. اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ بأنّكَ مالِكٌ ، وأسألُكَ بأنّكَ على كُلّ شيءٍ قَديرٌ ، وأسألُكَ بأنّكَ ما تشاءُ يَكنُ من أمرٍ ، ان تَغفِرَ لي ولإخوإنّي من المُؤمنينَ ( وَالمؤمنات )(٢) أنّكَ رَؤُفٌ رحَيمٌ.

الحَمدُ لله الَّذي اشَبعَنا في الجائِعينَ ، والحَمدُ للهِ الَّذي كَسانا في العارينَ ، والحمدُ للهِ الَّذي آوانا في الغائِبين ، والحَمدُ للهِ الَّذي أكرمَنا في المُهانينَ ، والحَمدُ لله الَّذي آمننا في الخائِفين ، والحَمدُ لله الَّذي هَدانا في الضّالينَ. يارَجاءَ المُؤمِنينَ لا تُخيَّبَ رَجائي ، يا غِياث المُستغيثينَ أغِثني ، يا مُعينَ المُؤمنينَ أعِنِّي ، يا مُجيب التَّوابين تُبْ عَلَيّ ، أنّكَ أنتَ التَوابُ الرَّحيمُ.

حَسبِيَ الرَبِّ من العِبادِ ، حَسبِيَ المالِكُ من المَملُوكينَ ، حَسبيَ

__________________

(١) في نسخة « ك » : عن ، واثبتنا ما في نسخة « ن » وما تقدم من الرواية الأولى في نسخة « ك ».

(٢) اثبتناه من نسخة « ن ».

٢٥٣

الخالِقُ من المَخلُوقينَ ، حَسبِيَ الحَيُّ الَّذي لا يَموتُ ، حَسبِيَ الرّازقُ من المَرزُوقينَ ، حَسبيَ الَّذي لَم يَزَل حَسبَي مُذ كنتُ حَسبِيَ اللهُ ونعِمَ الوكيلُ.

لا إلهَ إلاّ اللهُ واللهُ أكَبرُ ، لا إلهَ إلاّ اللهُ واللهُ أكبر كَثيراً مُبارَكاً فيهِ من أوَّلِ الدَّهِر إلى آخِر الدَّهِر. لا إلهَ إلاّ اللهُ رَبِّ كُلّ شَيءٍ وراحِمَهُ ، لا إلهَ إلاّ اللهُ الَّذي لا حَيَّ مَعَهُ في دَيمُومَةِ بَقائِهِ ، قَيُّومٌ قَيُّومٌ ، لا يَفُوتُ شَيءٌ عِلمَهٌ ، ولا يَؤدُهُ. لا إلهَ إلاّ اللهُ الباقي بَعدَ كُلّ شَيءٍ وآخِرهِ ، دائِمٌ بِغيرِ فَناءٍ ولا زَوالٍ لِملكِهِ ، الصَّمَدُ في غَيرِ شبهٍ فلا شَيءَ كَمِثلِهِ ، لا إلهَ إلاّ اللهُ لا شَيءَ كُفُوهُ ولا مُداني لِوَصفِهِ ، كَبيرٌ لا تَهتَدي القُلوُبُ لِكُنهِ عَظَمتِهِ.

لا إلهَ إلاّ اللهُ البارئُ المنشئُ بِلا مِثالٍ خَلا من غَيرِهِ ، الطاهِرُ من كُلّ آفَةٍ بِقدسِه. لا إلهَ إلاّ اللهُ ( الكافي المُوسِع لِما خَلَقَ من عَطايا خَلقِهِ من فَضلِه )(١) ، النَّقيُّ من كُلّ جَورٍ لَم يَرضَهُ ولَم يُخالِطهُ فِعالهُ. لا إلهَ إلاّ الله الَّذي ( وَسِعَ كُلّ شيءٍ رحمةً وعِلماً )(٢) المَنّانُ ذَا الإحسانِ قَد عَمَّ الخَلائِقَ مَنُّهُ. لا إلهَ إلاّ اللهُ دَيّانُ العِبادِ وكُلٌّ يَقُومُ خاضِعاً من هَيبتهِ ، خالِقُ ما في السّماواتِ والأرضِ وكُلٌّ إليهِ مَعادُهُ. لا إلهَ إلاّ اللهُ رَحيمُ كُلّ صَارخٍ وَمَكروبٍ وغِياثُهُ ومَعَاذُهُ ، يا رَبي فَلا تصِفُ الألسُنُ كُلّ جَلالِ مُلكِكَ وعِزِّك.

__________________

(١) لم ترد العبارة في نسخة « ن » ، وفي نسخة المجلسي ومهج الدعوات : ٣٠٥ : الكافي الموسع لما خلق من عطايا فضله. وفي العدد القوية : ٣٦٨ : الموسع في عطايا خلقه من فضله.

(٢) في نسخة « ك » : وسعت رحمته ، واثبتنا ما في نسخة « ن ».

٢٥٤

لا إلهَ إلاّ اللهُ البَديعُ البَرايا لَم يَبغِ في إنشائِها عَوناً من خَلقِهِ ، وعَلاّمُ الغيوبِ فَلا يَفُوتُ شَيئاً حِفظُهُ. لا إلهَ إلاّ اللهُ المَعيدُ ما بَدأ إذا بَرَزَ الخَلائِقُ لِدَعوتِهِ من مَخافَتِهِ. لا إلهَ إلاّ اللهُ العَزيزُ المَنيعُ الغالِبُ في أمرهِ فَلا شَيء يُعادِلُهُ. لا إلهَ إلاّ اللهُ الحَميدُ الفَعّالُ ذُو المَنّ عَلى جَميعِ خَلقِهِ.لا إلهَ إلاّ اللهُ ذُو البَطشِ الشَّديدِ ، الَّذي لا يُطاقُ انتِقامُهُ. لا إلهَ إلاّ اللهُ العالي في ارِتفاعِ مَكانِهِ فَوقَ كُلّ شَيءٍ قَوَّتُهُ. لا إلهَ إلاّ اللهُ الجبَّارُ المُذِلُّ كُلّ شَيءٍ بِقَهرِ عِزّهِ وسُلطانِهِ.

لا إلهَ إلاّ اللهُ نورُ كُلّ شَيءٍ وهَدَاهُ لا إلهَ إلاّ اللهُ القُدُّوسُ الظاهِرُ عَلى كُلّ شَيء فَلا يُعادِلُهُ. لا إلهَ إلاّ اللهُ العَزيزُ المُجيبُ المُتدانّي دُون كُلّ شَيء قربُهُ. لا إلهَ إلاّ اللهُ العَليُّ الشامخُ في السّماءِ فَوقَ كُلّ شيءٍ إرتِفاعُ عُلّوه. لا إلهَ إلاّ اللهُ المبدئ البَرايا وَمُعيدها بَعدَ فَنائها بِقُدرَتِهِ. لا إلهَ إلاّ اللهُ الجَليلُ المُتَكَبِّرُ على كُلّ شَيءٍ فَالعَدلُ أمره والصِدقُ وعدُهُ.

لا إلهَ إلاّ اللهٌ المَحموُدُ الَّذي لا تَبلُغُ الأوهامُ كُلّ ثَنائِهِ ومَجدِهِ. ولا إلهَ إلاّ اللهُ الكَريمُ العَفُوُّ الَّذي وَسِعَ كُلّ شَيءٍ عَفُوهُ. لا إلهَ إلاّ اللهُ العَزيزُ الكَريمُ فلا يَذِلُ عِزُّهُ. لا إلهَ إلاّ اللهُ العَجيبُ فلا تنطِقُ الألسُنُ بكُلّ آلائِهِ وثنائِهِ ، وهُوَ كما أثنى على نَفسهِ ووَصفها بِه : اللهُ الرَّحمانُ الرِّحيمُ ، الحَقُّ المُبينُ ، البرهانُ العظيمُ ، اللهُ العَليمُ الحَكيمُ ، اللهُ الرَبُّ الرَّحيمُ ، اللهُ السُّلام المُؤمِنُ المُهيمنُ ، العَزيزُ الجَبّارُ المُتَكَبِّرُ ، اللهُ المُصوِّرُ الوِترُ النُّورُ

٢٥٥

وَمنه النور ، اللهُ الحَميدُ الكَبير لا إلهَ إلاّ اللهُ عَلَيهِ تَوكَلتُ وَهُوَ رَبُّ العَرشِ العظيمِ(١) .

اليوم الثلاثون :

اللّهُمَّ صَلِّ على مُحمّدٍ وآلِهِ واشرَح صَدري للإسلامِ ، وزَيّني بالإيمان ، والبِسني التَقوى ، وقِني عَذابَ النَّارِ. تَقُولُ ذلكَ سَبعَ مراتٍ ثُمَّ تَسألُ رَبّكَ حاجَتَكَ.

اللّهُمَّ أنتَ هُوَ يا رَبِّ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ ، أسألُكَ بِاسمِكَ الأعظَمِ الَّذي لا إلهَ إلاّ هَو الحَيُّ القَيوُّمُ ، لا تَأخُذُكَ سِنةٌ ولا نَومٌ ، لكَ ما في السّماواتِ وما في الأرضِ ، ولا يَؤُدُكَ حِفظُهُما وأنتَ العَليُّ العَظيمُ ، أن تُصَلّي على مُحمّدٍ وآلِهِ في الأوَّلينَ ، وأن تُصلِّي عَلى مُحمّدٍ وآلهِ في الآخِرينَ ، وأن تُصَلِّي على مُحمّدٍ قَبلَ كُلّ شَيءٍ ، وأن تُصلِّي عَلَى مُحمّدٍ وآلهِ بَعدَ كُلّ شَيءٍ ، وأن تُصلي على مُحمّدٍ وآلهِ في اللَيل إذا يَغشى ، وأن تصلي على مُحمّدٍ وآلهِ في النَّهارِ إذا تَجلّى ، وأن تُصَلّي على مُحمّدٍ وآلهِ في الآخِرة والأُولى ، وأن تُعطَيني سُوءلي في جَميعِ ما أدعُوكَ به لِلآخِرِة والدُّنيا.

يا حيُّ حينَ لا حَيُّ ، قَبلَ كُلِّ شَيءٍ وقَبلَ كُلِّ أحَدٍ ، ويا حَيُّ بَعدَ كُلّ حي ، لا إلهَ إلاّ أنتَ ، يا قَيوُّمُ بِرحمتِكَ أستغيثُ ، صَلِّ علَى مُحمّدٍ وآلِهِ ،

__________________

(١) رواه العلامة الحلي في العدد القوية ٣٦٣ ، ونقله المجلسي في البحار ٩٧ : ٢١٨.

٢٥٦

وأصلِح لي شَاني وأسبابي ، ولا تَكلني إلى نَفسي طَرفَةَ عَين أبَداً.

الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ الرَّحمانِ الرَّحيم لا شريكَ لَهُ ـ تقولُ ذلِكَ أربَعَ مرّاتٍ ـ يا رَبِّ أنتَ لي ( رَحِيمٌ )(١) يا رَبِّ فَكُنَ لي رُكناً معي ، أسألُكَ يا رَبِّ بما يَحمِلُ العَرش من عزِّ جَلالِكَ أن تَفعَلَ بي ما أنتَ أهَلُهُ ، فَإنَّكَ أهَلُ التَقوى وأهلُ المَغفِرَةَ.

اللّهُمَّ إنّي أحمدُكَ حمَيداً ، وأتَوكلُّ عَليكَ وحَيداً ، وأستَغفِرُكَ فَريداً ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلاّ اللهُ شَهادة اُفني بِها عُمري ، والقى بها رَبي ، وأدخِلُ بها قَبري ، وأخلو بها ( في وحَدتي )(٢) .

اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ فِعلَ الخيراتِ ، وتَرك المُنكراتِ ، وحُبَّ المَساكينَ ، وأن تَغفِرَ لي وتَرحَمَني ، وإذا أردَتَ بِقومٍ فِنتَة أن تَتَوفّاني إليكَ وأنا غَيرُ مَفتونٍ ، وأسألُكَ حُبَّكَ وحُبَّ من يُحبُّكَ ، وحُبّاً يُقرِّبُ من حُبِّكَ.

اللّهُمَّ صَلِّ على مُحمّدٍ وآل مُحمّدٍ ، واجعَل لي من الذُّنوب مَخرَجاً ، ومن اُموري فَرَجاً ، واجَعل لي إلى كُلّ خَيرٍ سَبيلاً. اللّهُمَّ إنّي خَلقٌ من خَلقِكَ ، ولِخَلقٍ من خَلقِكَ قبلي حُقوقٌ ، ولي فِيما بَيني وبَيَنكَ ذُنُوبٌ ، اللّهُمَّ فَارض عَنّي خلقِكَ من حُقوقِهِم ، وهَب لي الذُّنوبَ التي بَيني وبَينَكَ ، اللّهُمَّ واجعَل فيَّ خَيراً تجَده فآنّكَ إلا تَجعَلهُ لا تَجِدهُ عنِدي. اللّهُمَّ خَلقتَني كَما أردتَ فاجعَلني كَما تُحبُّ ، اللّهُمَّ اغفِر لَنا وعافِنا ، وارحَمنا واعفُ عَنَّا ،

__________________

(١) اثبتناه من نسخة « ن ».

(٢) في نسخة « ك » : وحدي ، واثبتنا ما في نسخة « ن ».

٢٥٧

وارضِ عَنّا وَتَقبَّلِ مِنّا ، وادخِلنَا الجَنَّةَ ونَجّنا من النّارِ ، واصلِح لَنا شَأنَنا.

اللّهُمَّ صَلِّ على مُحمّد النِّبيّ الاُميّ ، الطَّيبِ المُبارَكِ ، نَبّي الرِّحمةِ ، كَما أمرتَنا أن نُصلّي عَليهِ. اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى النّبي الاُميّ عَدَدَ مَن صَلّى عَليهِ ، وَعَددَ مَن لَم يُصَلِّ عليهِ. اللّهُمَّ رَبِّ البَيتِ الحرامِ ، ورَبِّ الركن والمَقامِ ، وَرَبِّ المَشعرِ الحَرامِ ، ابلِغ رُوحَ مُحمّد مِنّا السُّلام ، وعَليهَ السُّلامُ وَرَحمةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ ، وعلى أهِل بَيتِهِ الطَّيبينَ الطاهِرينَ المُصطَفينَ الأخَيارِ ، ولا حولَ ولاقُوةَ إلاّ باللهِ العَليّ العَظيمِ(١) .

__________________

(١) رواه العلامة الحلي في العدد القوية ٣٧٧ بزيادة فيه. ونقله المجلسي في البحار ٩٧ : ٢٢٤ باختلاف فيه.

٢٥٨

الفصل الثاني والعشرون

في رواية أخرى بتعيين أيّام الشّهور

وما فيها من وقتِ السُّرور والمحذور.

حدّثنا أبو نصر مُحمّد بن أحمد بن حمدون الواسطي ، قال : حدَّثنا أبو الفرج مُحمّد بن علي القنّاني ، قال : حدثنا أحمد بن مُحمّد بن موسى ، قال : حدَّثنا مُحمّد بن علي بن معمرٍ الكوفي ، قال : حدَّثنا علي بن مُحمّد الزّاهد ، قال : حدّثنا عاصم بن حميد ، قال : قال جعفر بن مُحمّد صلوات الله عليه وقد سُئل عن اختيارات الأيام فقال :

اليوم الاول من الشهر

خَلَقَ الله فيه آدَمَ صلى الله عليه ، وهو يومٌ صالحٌ مَسعودٌ ، خاطِب فيه السُّلطان ، وتَزوّج ، واسرع في حَوائجِك ، واعمَل فيه كُلّ ما تُريده من طلب الحَوائج وغيرها(١) .

اليوم الثاني من الشهر

تزوّج فيه ، وائتِ أهلِكَ من السَّفَرِ ، واشتر ، فيه وبع ، واطلُب فيه حَوائجك ، واتَّقِ فيه أعمال السُّلطان ، وابتَغِ واطلُب فيه الحوائج ، فإنَّه يومٌ موافقٌ لذلكَ(٢) .

__________________

(١) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٥٦ / ٩ باختلاف.

(٢) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٥٧ / ١٤ صدره.

٢٥٩

اليوم الثالث من الشهر

يوم نَحس ، لا تأتِ فيه السُّلطان ، ولا تشترِ فيه ولا تَبع ، ولا تَطلُب فيه ، واتّقِ فيه أعمال السّلطان ، ففيه سُلبَ آدم وحوّاءعليهما‌السلام لَباسهما(١) .

اليوم الرابع من الشهر

ولد فيه هابيل بن آدمعليهما‌السلام ، وهو يوم صالحٌ للتزويج ، وطلب الصيّد ، ومَن يولد فيه يكون ما عاش صالحاً ، ولا تُسافر فيه فإنّ من سافر فيه يُسلبُ(٢) .

اليوم الخامس من الشهر

ولد فيه قابيل بن آدم وكان ملعوناً ، وهو اليوم الَّذي قتل فيه أخاهُ ودعا بالويل والثّبور على أهله وأدخل عليهم البكاء ، وهو يوم سوء ملعونٌ(٣) .

اليوم السادس من الشهر

جَيّد ، ليس فيه بؤس ، يَصلحُ للتّزويج وللصّيد ولطلب المعاش ، وكُلّ حاجة تريدها(٤) .

__________________

(١) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٥٨ / ١٩ باختلاف فيه.

(٢) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٥٩ / ٢٤ باختلاف فيه.

(٣) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٦٠ / ٢٩ باختلاف فيه.

(٤) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٦٠ / ٣٤ باختلاف فيه.

٢٦٠

(الأغناء المترفين) وتقريبه للمجموعة الثّانية (الفقراء المؤمنين) شكّل مجتمعا توحيديا بمعنى الكلمة ، مجتمعا تفجّرت فيه الطاقات الكامنة ، وأصبحت فيه معايير الشخصية والقيم والنبوغ ، هي التقوى والعلم والإيمان والجهاد والعمل الصالح.

واليوم ما لم نسع لبناء مثل هذا المجتمع والاقتداء بالنموذج الإسلامي الذي شيّده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عهده ، وبدون نبذ الفكر الطبقي من العقول عن طريق التعليم والتربية وتدوين القوانين الصحيحة والسهر على تنفيذها بدقّة ـ بالرغم من رفض الاستكبار العالمي وتعويقه لذلك ـ فسوف لن نملك مجتمعا إنسانيا سليما أبدا.

٢ ـ المقارنة بين الحياة في هذا العالم وعالم الآخرة :

لقد قلنا مرارا : إنّ تجسّد الأعمال هو من أهم القضايا المرتبطة بالمعاد. يجب أن نعلم أنّ ما هو موجود في ذلك العالم هو انعكاس واسع ومتكامل لهذا العالم ، فأعمالنا وأفكارنا وأساليبنا الاجتماعية وصفاتنا الأخلاقية المختلفة سوف تتجسّم وتتجسّد أمامنا في ذلك العالم وستبقى قرينة لنا دائما.

الآيات ـ أعلاه ـ دليل حي على هذه الحقيقة ، فالمترفون الظالمون الذين كانوا يعيشون في هذه الدنيا في ظل سرادق عالية ، وكانوا سكارى بهواهم ، وسعوا إلى فصل كل شيء يخصّهم عن المؤمنين الفقراء ، هؤلاء يملكون في ذلك العالم أيضا (سرادق) ولكنّها من النار الحارقة ، لأنّ الظلم في حقيقته نار حارقة تحرق الحياة وتذروا آمال المستضعفين المظلومين.

هناك يشربون من شراب يجسّد باطن شراب الدنيا ، وهو بالنسبة للظالمين الطغاة شراب من دماء قلوب المحرومين ، ومثل هذا الشراب يقدّم للظالمين في ذلك العالم ، وهو لا يحرق أمعاءهم وأحشاءهم فحسب ، بل يكون كالمعدن

٢٦١

المذاب الذي يشوي الوجوه قبل شربه من شدّة حرارته.

وعلى العكس من ذلك أولئك الذين تركوا الشهوات في سبيل حفظ طهارة وجودهم ورعاية أصول العدالة ، والذين اقتنعوا بحياة بسيطة ، وتحمّلوا كل الصعوبات والمنغصات في هذه الدنيا من أجل تنفيذ أصول العدالة هؤلاء تنتظرهم هناك بساتين الجنّة مع الأنهار الجارية ، وأفضل أنواع الزينة وأفخر الألبسة ، وأحبّ المجالس. وهذا في الواقع تجسيد لنياتهم النزيهة حيث كانوا يريدون كل الخير لجميع عباد الله.

٣ ـ العلاقة بين عبادة الهوى والغفلة عن الله

الروح الإنسانية تخضع إمّا لله تعالى أو للأهواء ، حيث لا يمكن الجمع بين الإثنين ، فعبادة الأهواء أساس الغفلة عن الله وعبادة الله ، عبادة الهوى هي سبب الابتعاد عن جميع الأصول الأخلاقية ؛ وأخيرا فإنّ عبادة الهوى تدخل الإنسان في ذاته وتبعده عن جميع حقائق العالم.

إنّ الإنسان الذي يعبد هواه لا يفكّر إلّا في إشباع شهواته ، ولا يوجد لديه معنى للفتوّة والعفو والإيثار والتضحية والشيم المعنوية الأخرى.

وقد أوضحت الآيات محل البحت الربط والعلاقة بين الإثنين بشكل جلي في قوله تعالى :( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ) .

لقد طرحت الآية أوّلا (الغفلة) عن الله تعالى ، ثمّ ذكرت بعدها (أتباع الهوى) ، والطريف أنّ نتيجة هذا الأمر هو الإفراط وبالشكل المطلق الذي ذكرته الآية.

لماذا يكون عابد الهوى مصابا بالإفراط دائما؟

قد يكون السبب أنّ الطبيعة الإنسانية تتجه في الملذات المادية نحو الزيادة دوما ، فالذي كان يشعر بالنشوة بمقدار معين من المخدرات ، لا يكفيه نفس

٢٦٢

المقدار في اليوم التالي لبلوغ نفس درجة النشوة ، بل عليه زيادة الكمية بالتدريج ، والشخص الذي كان يكفيه في السابق قصر واحد مجهّز بجميع الإمكانات وبمساحه عدة آلاف بين الأمتار ، يصبح اليوم إحساسه بهذا القصر عاديا ، فينشد الزيادة. وهكذا في جميع مصاديق الهوى والشهوة حيث أنّها دائما تنشد الزيادة حتى تهلك الإنسان نفسه.

٤ ـ ملابس الزينة في العالم الآخر

قد يطرح البعض هذا السؤال : لقد ذمّ الله تعالى الزينة والتزيّن في القرآن بالنسبة لهذه الحياة ، إلّا أنّه يعد المؤمنين بمثل هذه الأمور في ذلك العالم ، إذ تنص الآيات على الذهب وملابس الحرير والإستبرق والسرر المساند الجميلة؟

قبل الإجابة على هذا السؤال ينبغي أن نوضّح بأنّنا لا نوافق على توجيه هذه الكلمات على أنّها كناية عن مفاهيم معنوية ويفسّرون الآيات على هذا الأساس ، لقد تعلمنا من القرآن الكريم أنّ المعاد ذو جانبين : معاد روحاني ومعاد جسماني.

وعلى هذا الأساس ، فإنّ لذات ذلك العالم يجب أن تكون موجودة في المجالين ، واللذات الروحية ـ طبعا ـ لا يمكن مقايستها باللذات الجسمية. ولكن لا بدّ من الاعتراف بأنّنا لا نعرف من نعم ذلك العالم سوى أشباح بعيدة ، ونسمع كلاما يشير إليها.

لماذا؟ لأنّ نسبة ذلك العالم إلى عالمنا هذا كنسبة عالمنا إلى عالم الجنين في بطن الأم ، فإذا قدّر للأم أن تقيم رابطة بينها وبين الجنين ، فلا يسعها إلّا أن توضح للجنين بالإشارات جمال هذه الدنيا بشمسها الساطعة وقمرها المنير ، والعيون الفوّارة ، والبساتين والورود وما شابهها ، حيث لا توجد ألفاظ كافية لتبيان كل هذه المفاهيم للجنين في رحم الأم كي يفهمها ويستوعبها.

كذلك فإنّ النعم المادية والمعنوية لعالم الآخرة لا يمكن توضيحها لنا بشكل

٢٦٣

كامل ونحن محاصرون في أبعاد رحم هذه الدنيا.

ومع وضوح هذه المقدمة نجيب على السؤال ونقول : إن ذم الله عز اسمه لحياة الزينة والترف في هذه الدنيا يعود إلى أن محدودية هذا العالم تسبب أن تقترن الزينة والترف مع أنواع الظلم والانحراف الذي يكون بدوره سببا للغفلة والانقطاع عن الله.

إنّ الاختلافات التي تبرز خلال هذا الطريق ستكون سببا للحقد والحسد والعداوة والبغضاء ، وأخيرا إراقة الدماء والحروب.

أمّا في ذلك العالم اللامحدود من جميع الجهات ، فإنّ الحصول على هذه الزينة لا يسبّب مشكلة ولا يكون سببا للتمييز والحرمان ، ولا للحقد والنفرة ، ولا يبعد الإنسان عن الله في ذلك المحيط المملوء بالمعنويات حيث لا حسد ولا تنافس ولا كبر ولا غرور تؤدي ابتعاد خلق الله عن الله ، كما في زينة الحياة الدنيا.

فإذا كان الحال كذلك فلما ذا يحرم أهل الجنة من هذه المواهب والعطايا الإلهية التي هي لذّات جسمية إلى جانب كونها مواهب معنوية كبيرة!

٥ ـ الاقتراب من الأثرياء بسبب ثروتهم :

الدرس الآخر الذي نتعلمه من الآيات الآنفة ، هو أنّه يجب علينا أن لا نمتنع عن إرشاد وتوجيه هذه المجموعة ـ أو تلك ـ بسبب كونها ثرية أو ذات حياة مرّفهة ، بل إنّ الشيء المذموم هو أن نذهب لهؤلاء لأجل ثروتهم ودنياهم المادية ، ونصبح مصداقا لقوله تعالى :( تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) أمّا إذا كان الهدف هو الهداية والإرشاد ، أو حتى الاستفادة من إمكانياتهم من أجل تنفيذ النشاطات الإيجابية والمهمّة اجتماعيا ، فانّ مثل هذا الهدف لا يعتبر غير مذموم وحسب ، بل هو واجب.

* * *

٢٦٤

الآيات

( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (٣٢) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (٣٣) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (٣٤) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (٣٥) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (٣٦) )

التّفسير

تجسيد لموقف المستكبرين من المستضعفين :

في الآيات السابقة رأينا كيف أنّ عبيد الدنيا كانوا يحاولون الابتعاد في كل شيء عن رجال الحق وأهله المستضعفين ، ثمّ عرّفتنا الآيات جزاءهم في الحياة الأخرى.

الآيات التي نبحثها تشير إلى حادثة اثنين من الأصدقاء أو الإخوة الذين

٢٦٥

يعتبر كل واحد منهم نموذجا لإحدى المجموعتين ، ويوضحان طريقة تفكير وقول وعمل هاتين المجموعتين.

في البداية تخاطب الآيات الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتقول :( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً ) .

البستان والمزرعة كان فيهما كل شيء : العنب والتمر والحنطة وباقي الحبوب ، لقد كانت مزرعة كاملة ومكفية من كل شيء :( كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً ) .

والأهم من ذلك هو توفّر الماء الذي يعتبر سر الحياة ، وأمرا مهمّا لا غنى للبستان والمزرعة عنه ، وقد كان الماء بقدر كاف :( وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً ) .

على هذا الأساس كانت لصاحب البستان كل أنواع الثمار :( وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ ) .

ولأنّ الدنيا قد استهوته فقد أصيب بالغرور لضعف شخصيته ورأي أن الإحساس العميق بالأفضلية والتعالي على الآخرين ، حيث التفت وهو بهذه الحالة إلى صاحبه :( فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ) .

بناء على هذا فأنا أملك قوّة إنسانية كبيرة وعندي مال وثروة ، وأنا أملك ـ أيضا ـ نفوذا وموقعا اجتماعيا ، أمّا أنت (والخطاب لصاحبه) فما ذا تستطيع أن تقول ، وهل لديك ما تتكلم عنه؟!

لقد تضخّم هذا الإحساس ونما تدريجيا ـ كما هو حاله ـ ووصل صاحب البستان إلى حالة بدأ يظن معها أنّ هذه الثروة والمال والجاه والنفوذ إنّما هي أمور أبديّة ، فدخل بغرور إلى بستانه (في حين أنّه لا يعلم بأنّه يظلم نفسه) ونظر إلى أشجاره الخضراء التي كادت أغصانها أن تنحني من شدّة ثقل الثمر ، وسمع صوت الماء الذي يجري في النهر القريب من البستان والذي كان يسقي أشجاره ، وبغفلة قال : لا أظن أن يفنى هذا البستان ، وبلسان الآية وتصوير القرآن الكريم :( وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً ) .

٢٦٦

بل عمد إلى ما هو أكثر من هذا ، إذ بما أنّ الخلود في هذا العالم بتعارض مع البعث والمعاد ، لذا فقد فكّر في إنكار القيامة وقال :( وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً ) وهذا كلام يعكس وهم قائلة وتمنياته!

ثمّ أضاف! حتى لو فرضنا وجود القيامة فإنّي بموقعي ووجاهتي سأحصل عند ربّي ـ إذا ذهبت إليه ـ على مقام وموقع أفضل. لقد كان غارقا في أوهامه( وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً ) .

لقد أخذ صاحب البستان ضمن الحالة النفسية التي يعيشها والتي صورها القرآن الكريم ، يضيف إلى نفسه في كل فترة وهما بعد آخر من أمثال ما حكت عنه الآيات آنفا ، وعند هذا الحد انبرى له صديقه المؤمن وأجابه بكلمات يشرحهما لنا القرآن الكريم.

* * *

٢٦٧

الآيات

( قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (٣٧) لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (٣٨) وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً (٣٩) فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (٤٠) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (٤١) )

التّفسير

جواب المؤمن :

هذه الآيات هي ردّ على ما نسجه من أوهام ذلك الغني المغرور العديم الإيمان ، نسمعها تجري على لسان صاحبه المؤمن.

لقد بدأ الكلام بعد أن ظلّ صامتا يستمع إلى كلام ذلك الرجل ذي الأفق الضيق والفكر المحدود ، حتى ينتهي من كلامه ، ثمّ قال له :( قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ

٢٦٨

يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً ) .

وهنا قد يثار هذا السؤال ، وهو : إنّ كلام ذلك الرجل المغرور المتكبر الذي مرّ ذكره في الآيات الآنفة ، لم يصرّح فيه بإنكار الحق جلّ وعلا ، في حين أنّ جواب الإنسان المؤمن ركزّ فيه أوّلا على إنكاره للخالق!؟ لذلك فإنّه وجّه نظره أوّلا إلى قضية خلق الإنسان التي هي من أبرز أدلة التوحيد والتوجّه نحو الخالق العالم القادر. الله الذي خلق الإنسان من تراب ، حيث امتصت جذور الأشجار المواد الغذائية الموجودة في الأرض ، والأشجار بدورها أصبحت طعاما للحيوانات ، والإنسان استفاد من هذا النبات ولحم الحيوان ، وانعقدت نطفته من هذه المواد ، ثمّ سلكت النطفة طريق التكامل في رحم الأم حتى تحوّلت إلى إنسان كامل ، الإنسان الذي هو أفضل من جميع موجودات الأرض ، فهو يفكّر ويصمّم ويسخّر كلّ شيء لأجله.

نعم ، إنّ هذا التراب عديم الأهمية يتحوّل إلى هذا الموجود العجيب ، مع هذه الأجهزة المعقدة الموجودة في جسم الإنسان وروحه ، وهذا من الدلائل العظيمة على التوحيد.

وفي الجواب على السؤال المثار ذكر المفسّرون تفاسير معتدّدة نجملها فيما يلي :

١ ـ قالت مجموعة منهم : بما أنّ هذا الرجل المغرور أنكر بصراحة المعاد والبعث أو شكك فيه ، فإنّه يلزم من ذلك إنكار الخالق ، لأنّ منكر المعاد الجسماني ينكر في الواقع قدرة الله ، ولا يصدّق بأنّ هذا التراب المتلاشي سوف تعود له الحياة مرّة أخرى ، لذا فإنّ الرجل المؤمن مع ذكره للخلق الأوّل من تراب ، ثمّ من نطفة ، ثمّ بإشارته للمراحل الأخرى ـ أراد أن يلفت نظره إلى القدرة غير المتناهية للخالق حتى يعلم بأنّ قضية المعاد يمكن مشاهدتها هنا وتمثّلها بأعيننا في واقع هذه الأرض.

٢٦٩

٢ ـ وقال آخرون : إنّ شركه وكفره كانا بسبب ما رآه لنفسه من استقلال في المالكية وما تصوره من دوام وأبدية هذه الملكية.

٣ ـ الاحتمال الثّالث أنّه لا يبعد أن يكون الرجل قد أنكر الخالق في بعض كلامه ولم يذكر القرآن هذا المقطع من كلامه. وقد يتوضح الأمر بقرينة جواب الرجل المؤمن ، لذا نرى في الآية التي بعدها أنّ الرجل المؤمن قال لصاحب البستان ما مضمونه : إن كنت أنكرت وجود خالقك وسلكت طريق الشرك ، إلّا أنّني لا أفعل ذلك أبدا.

على أي حال ، ثمّة علاقة واضحة تربط بين الاحتمالات الثلاثة ، ويمكن أن يكون كلام الرجل المؤمن الموحّد إشارة الى هذه الاحتمالات جميعا.

ثمّ عمد الرجل الموحّد المؤمن إلى تحطيم كفر وغرور ذلك الرجل (صاحب البستان) فقال :( لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي ) (١) . وإنّي أفتخر بهذا الإعتقاد وأتباهى به ، إنّك تفتخر بأنّك تملك بستانا ومزرعة وفواكه وماءا كثيرا ؛ إلّا أنّني أفتخر بأنّ الله ربّي ، إنّه خالقي ورازقي؛إنّك تتباهى بدنياك وأنا أفتخر بعقيدتي وإيماني وتوحيدي :( وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً ) .

وبعد أن أشار إلى قضية التوحيد والشرك اللذين يعتبران من أهم المسائل المصيرية ، جدّد لومه لصاحبه قائلا :( وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ ) (٢) .

فلما ذا لا تعتبر كل هذه النعم من الخالق جلّ وعلا ، ولماذا لم تشكره عليها. ولماذا لم تقل :( لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ ) .

فإذا كنت قد هيّأت الأرض وبذرت البذور وزرعت الغرس وربيت الأشجار ، وفعلت كلّ شيء في وقته المناسب حتى وصل الأمر إلى ما وصل إليه ؛

__________________

(١) كلمة (لكنّا) في الأصل كانت (لكن إنّ) ثمّ دمجت وأصبحت هكذا.

(٢) جمله( ما شاءَ اللهُ ) لها محذوف إذ تكون مع التقدير : ما شاء الله كان ، أو : ما شاء الله ، فإنّ هذا هو الشيء الذي يريده الله.

٢٧٠

فإنّ كل هذه الأمور هي من قدرة الخالق جلّ وعلا ، وقد وضع سبحانه وتعالى الوسائل والإمكانات تحت تصرفك ، حيث أنّك لا تملك شيئا من عندك ، وبدونه تكون لا شيء!

ثمّ يقول له : ليس من المهم أن أكون أقل منك مالا وولدا :( إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً ) .

( فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ ) .

وليس فقط أن يعطيني أفضل ممّا عندك ، بل ويرسل صاعقة من السماء على بستانك، فتصبح الأرض الخضراء أرض محروقة جرداء :( وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً ) .

أو أنّه سبحانه وتعالى يعطي أوامره إلى الأرض كي تمنعك الماء :( أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً ) .

«حسبان» على وزن «لقمان» وهي في الأصل مأخوذة من كلمة «حساب» ، ثمّ وردت بعد ذلك بمعنى السهام التي تحسب عند رميها ، وتأتي أيضا بمعنى الجزاء المرتبط بحساب الأشخاص ، وهذا هو ما تشير إليه الآية أعلاه.

«صعيد» تعني القشرة التي فوق الأرض. وهي في الأصل مأخوذة من كلمة صعود.

«زلق» بمعنى الأرض الملساء بدون أي نباتات بحيث أنّ قدم الإنسان تنزلق عليها (الطريف ما يقوم به الإنسان اليوم حيث تتمّ عملية تثبيت الأرض والرمال المتحركة ، ومنع القرى من الاندثار تحت هذه الرمال عند هبوب العواصف الرملية ، وذلك من خلال زراعتها بالنباتات والأشجار ، أو ـ كما يصطلح عليه ـ إخراجها من حال الزلق والانزلاق).

في الواقع ، إنّ الرجل المؤمن والموحّد حذّر صديقه المغرور أن لا يطمأن لهذه النعم ، لأنّها جميعا في طريقها إلى الزوال وهي غير قابلة للاعتماد.

٢٧١

إنّه أراد أن يقول لصاحبه : لقد رأيت بعينيك ـ أو على الأقل سمعت بأذنك ـ كيف أنّ الصواعق السماوية جعلت من البساتين والبيوت والمزروعات ـ وخلال لحظة واحدة ـ تلّا من التراب والدمار وأصبحت أرضهم يابسة عديمة الماء والكلأ.

وأيضا سمعت أو رأيت بقيام هزة أرضية تطمس الأنهار وتجفّف العيون ، بحيث تكون غير قابلة للإصلاح والترميم.

وبمعرفتك لكل هذ الأمور فلم هذا الغرور؟!

أنت الذي شاهدت أو سمعت كل هذا، فلم هذا الانشداد للأرض والهوى؟

ثمّ لماذا تقول : لا أعتقد أن تزول هذه النعم وأنّها باقية وخالدة ؛ فلما ذا هذا الجهل والبلاهة!!!؟

* * *

٢٧٢

الآيات

( وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (٤٢) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً (٤٣) هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (٤٤) )

التّفسير

العاقبة السوداء :

أخيرا انتهى الحوار بين الرجلين دون أن يؤثر الشخص الموحّد المؤمن في أعماق الغني المغرور ، الذين رجع إلى بيته وهو يعيش نفس الحالة الروحية والفكرية ، وغافل أنّ الأوامر الإلهية قد صدرت بإبادة بساتينه ومزروعاته الخضراء ، وأنّه وجب أن ينال جزاء غروره وشركه في هذه الدنيا ، لتكون عاقبته عبرة للآخرين.

ويحتمل أنّ العذاب الإلهي قد نزل في تلك اللحظة من الليل عند ما خيّم الظلام ، على شكل صاعقة مميتة أو عاصفة هو جاء مخيفة ، أو على شكل زلزال مخرّب ومدمّر. وأيّا كان فقد دمّرت هذه البساتين الجميلة والأشجار العالية

٢٧٣

والزرع المثمر ، حيث أحاط العذاب الإلهي بتلك المحصولات من كل جانب :( وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ ) .

«أحيط» مشتقّة من «إحاطة» وهي في هذه الموارد تأتي بمعنى (العذاب الشامل) الذي تكون نتيجته الإبادة الكاملة.

وعند الصباح جاء صاحب البستان وتدور في رأسه الأحلام العديدة ليتفقد ويستفيد من محصولات البستان ، ولكنّه قبل أن يقترب منه واجهه منظر مدهش وموحش ، بحيث أنّ فمه بقي مفتوحا من شدة التعجّب ، وعيناه توقفتا عن الحركة والاستدارة.

لم يكن يعلم بأنّ هذا المنظر يشاهده في النوم أم في اليقظة! الأشجار جميعها ساقطة على التراب ، النباتات مدمّرة ، وليس ثمّة أي أثر للحياة هناك!

كان الأمر بشكل وكأنّه لم يكن هناك بستان ولا أراضي مزروعة ، كانت أصوات (البوم) ـ فقط ـ تدوي في هذه الخرائب ، قلبه بدأ ينبض بقوّة ، بهت لونه ، يبس الماء في فمه ، وتحطّم الكبرياء والغرور اللذان كانا يثقلان نفسه وعقله.

كأنّه صحا من نوم عميق :( فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها ) .

وفي هذه اللحظة ندم على أقواله وأفكاره الباطلة :( وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً ) .

والأكثر حزنا وأسفا بالنسبة له هو ما أصبح عليه من الوحدة في مقابل كل هذه المصائب والابتلاءات :( وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ ) .

ولأنّه فقد ما كان يملكه من رأس المال ولم يبقي لديه شيء آخر ، فإنّ مصيره :( وَما كانَ مُنْتَصِراً ) .

لقد انهارت جميع آماله وظنونه الممزوجة بالغرور ، لقد أدت الحادثة إلى انتهاء كل شيء ، فهو من جانب كان يقول : إنّي لا أصدق بأنّ هذه الثروة العظيمة

٢٧٤

من الممكن أن تفنى ، إلّا أنّني رأيت فناءها بعيني!

ومن جانب آخر فقد كان يتعامل مع رفيقه المؤمن بكبر ويقول : إنّني أقوى منك وأكثر أنصارا ومالا ، ولكنّه بعد هذه الحادثة اكتشف أن لا أحد ينصره!

ومن جانب ثالث فإنّه كان يعتمد على قوته وقدرته الذاتية ، ويعتقد بأنّ غير قدرته محدودة ، لكنّه بعد هذه الحادثة ، وبعد أن لم يكن بمقدوره الحصول على شيء ، انتبه إلى خطئه الكبير ، لأنّه لم يعد يتملك شيئا يعوضه جانبا من تلك الخسارة الكبرى.

وعادة ، فإنّ الأصدقاء الذين يلتفون حول الإنسان لأجل المال والثروة مثلهم كمثل الذباب حول الحلوى ، وقد يفكّر الإنسان أحيانا بالاعتماد عليهم في الأيّام الصعبة ، ولكن عند ما يصاب فيما يملك يتفرق هؤلاء الخلّان من حوله ، لأنّ صداقتهم له لم تكن لرابط معنوي ، بل كانت لأسباب مادية ، فإذا زالت هذه الأسباب انتفت الرفقة!

وهكذا انتهي كل شيء ولا ينفع الندم ، لأنّ مثل هذه اليقظة الإجبارية التي تحدث عند نزول الابتلاءات العظيمة يمكن ملاحظتها حتى عند أمثال فرعون ونمرود ، وهي بلا قيمة ، لهذا فإنّها لا تؤثّر على حال من ينتبه.

صحيح أنّه ذكر عبارة( لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً ) وهي نفس الجملة التي كان قد قالها له صديقه المؤمن ، إلّا أنّ المؤمن قالها في حالة السلامة وعدم الابتلاء ، بينما ردّدها صاحب البستان في وقت الضيق والبلاء.

( هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ ) نعم ، لقد اتضح أنّ جميع النعم منه تعالى ، وأنّ كل ما يريده تعالى يكون طوع إرادته ، وأنّه بدون الاعتماد على لطفه لا يمكن إنجاز عمل :( هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً ) .

إذن ، لو أراد الإنسان أن يحب أحدا ويعتمد على شيء ما ، أو يأمل بهديه من

٢٧٥

شخص ما ، فمن الأفضل أن يكون الله سبحانه محط أنظاره ، وموقع آماله ، ومن الأفضل أن يتعلق بلطفه تعالى وإحسانه.

* * *

بحثان

١ ـ غرور الثروة

في هذه القصّة نشاهد تجسيدا حيا لما نطلق عليه اسم غرور الثروة ، وقد عرفنا أنّ هذا الغرور ينتهي أخيرا إلى الشرك والكفر. فعند ما يصل الأفراد الذين يعيشون حياتهم بلا غاية وهدف إيماني إلى منزلة معينة من القدرة المالية أو الوجاهة الاجتماعية ، فإنّهم في الغالب يصابون بالغرور. وفي البداية يسعون إلى التفاخر بإمكاناتهم على الآخرين ويعتبرونها وسيلة تفوّق ، ويرون من التفاف أصحاب المصالح حولهم دليلا على محبوبيتهم ، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله :( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ) .

ويتبدّل حبّ هؤلاء للدنيا تدريجيا بفكرة الخلود فيها :( ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً ) .

إنّ ظنّهم بخلود ثرواتهم المادية يجعلهم ينكرون المعاد للتضاد الواضح بين ما هم فيه وبين مبدأ البعث والمعاد ، فيكون لسان حالهم :( وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً ) .

والأنكى من ذلك هو أنّهم يعتبرون مقامهم ووجاهتهم في هذه الدنيا دليلا على قرب مقامهم من محضر القدس الإلهي ، فيقولون :( وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً ) .

هذه المراحل الأربع نجدها واضحة في حياة أصحاب القدرة من عبيد الدنيا ، مع فوارق نسبية فيما بينهم ، فيبدأ مسيرهم الانحرافي من الاغترار بما

٢٧٦

لديهم من قوة وقدرة ، ويتصاعد انحرافهم إلى الشرك وعبادة الأصنام والكفر وإنكار المعاد ، لأنّهم يعبدون القدرة المادية ويجعلونها صنما دون سواها.

٢ ـ دروس وعبر

هذا المصير المقترن بالعبرة والذي ذكر هنا بشكل سريع يتضمّن بالإضافة إلى الدرس الآنف ، دروسا أخرى ينبغي أن نتعلمها ، وهذه الدروس هي :

أ: مهما كانت نعم الدنيا المادية كبيرة وواسعة ، فإنّها غير مطمئنة وغير ثابتة ، فصاعقة واحدة تستطيع في ليلة أو في لحظات معدودة أن تبيد البساتين والمزارع التي يكمن فيها جهد سنين طويلة من عمر الإنسان ، وتحيلها إلى تل من تراب ورماد وأرض يابسة زلقة.

إنّ زلزلة واحدة خفيفة يمكن أن تقضي على العيون الفّوارة التي هي الأصل في هذه الحياة ، بالشكل الذي لا يمكن معه ترميمها أبدا.

ب : إنّ الأصدقاء الذين يلتفون حول الإنسان بغرض الإفادة من إمكاناته المادية هم بدرجة من اللامبالاة وعلى قدر من الغدر والخيانة بحيث أنّهم يتخلّون عنه في نفس اللحظة التي تزول فيها إمكاناته المادية ويتركونه وحيدا لهمومه :( وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ ) .

هذا النوع من الأحداث الذي طالما سمعنا ورأينا له نماذج تبرهن على أنّ الإنسان لا يملك سوى التعلق بالله وحده ، وأنّ الأصدقاء الحقيقيين والأوفياء للإنسان هم الذين تصنعهم الروابط والعلائق المعنوية ، إذ يستمر ودّ هؤلاء في حال الفقر والثروة ، في الشباب والشيبة ، في الصحة والمرض ، في العز والذلة ، بل وتستمر مودّة هؤلاء إلى ما بعد الموت!

ج : لا فائدة من الصحوة بعد نزول البلاء :

لقد أشرنا مرارا إلىّ أنّ اليقظة الإجبارية لدى الإنسان ليست دليلا على يقظة

٢٧٧

داخلية حقيقية هادية ، وليست علامة على تغيير مسير الإنسان ، أو ندمه على أعماله السابقة وعلى ما كان فيها من معصية وانحراف ، بل كل ما في الأمر هو أنّ الإنسان عند ما ينزل بساحته البلاء أو يرى عمود المشنقة ، أو تحيط به أمواج البلاء والعواصف ، فهو يتأثر للحظات لا تتعدى مدة البلاء ويتخذ قرارا بتغيير مصيره ، ولكن لأنّه لا يملك أساسا متينا في أعماقه ، فإنّه بانتهاء البلاء يغفل عن صحوته هذه ويعود إلى خطّة ومسيره الأوّل.

لو تأملنا الآية (١٨) من سورة النساء لرأينا من خلالها أنّ أبواب التوبة تغلق أمام الإنسان عند رؤية علائم الموت ، وسبب هذا الأمر هو ما ذكرناه أعلاه.

وفي الآيات (٩٠ ـ ٩١) من سورة يونس يقول القرآن حول فرعون عند ما صار مصيره إلى الغرق وعصفت به الأمواج ، فإذا به يصرخ ويقول :( آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ ) إلّا أنّ هذه التوبة ترد عليه ولا تقبل منه :( آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ ) !

د : لا الفقر دليل الذلة ولا الثروة دليل العزة :

وهذا درس آخر نتعلمه من الآيات أعلاه ، طبيعي أنّ المجتمعات المادية والمذاهب النفعية غالبا ما تتوهم بأنّ الفقر والثروة هما دليل الذلة والعزة ، لهذا السبب لاحظنا أنّ مشركي العصر الجاهلي يعجبون من يتمّ رسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفقره ويقولون :( وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) (١) .

ه : أسلوب تحطيم الغرور :

عند ما تبدأ بواعث الغرور تقترب من الإنسان وتناجي أعماقه بسبب المال والمنصب، فيجب عليه أن يقطع تلك الوسوسة من جذورها ، عليه أن يتذكر ذلك اليوم الذي كان فيه ترابا لا قيمة له ، وذلك اليوم الذي كان فيه نطفة لا قيمة لها ، عليه أن يعي اللحظة التي كان فيها وليدا ضعيفا لا يقدر على الحركة.

__________________

(١) الزخرف ، ٣١.

٢٧٨

لاحظنا القرآن في الآيات الآنفة كيف يعيد من خلال خطاب الرجل المؤمن ، صاحب البستان إلى وضعه العادي :( أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً ) .

و: درس من عالم الطبيعة :

القرآن عند ما يصف البساتين المثمرة يقول :( وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً ) ولكنّه عند ما يتحدث عن صاحب البستان يقول :( وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ) .

يعني : أيّها الإنسان ، أنظر إلى الوجود من حولك ، ولا حظ أنّ هذه الأشجار المثمرة والزراعة المباركة كيف آتت كل ما عندها بأمانة وقدمته لك ، فلا مجال عندها للاحتكار والحسد والبخل ، فعالم الوجود هو ساحة للإيثار والبذل والعفو ، فما تمتلكه الأرض تقدمه بإيثار إلى الحيوانات والنباتات ، وتضع الأشجار والنباتات كل ثمارها ومواهبها في إختيار الإنسان والأحياء الأخرى ، وقرص الشمس يضعف يوما بعد آخر وهو يشع النور والدفء والحرارة ، الغيوم تمطر والرياح تهب ، لتتسع أمواج الحياة في كل مكان.

هذا هو نظام الوجود ، ولكنّك أيّها الإنسان تريد أن تكون سيد الوجود ومع ذلك تسحق قوانينه الثابتة البيّنة. فتكون رقعة نشاز غير متناسقة في عالم الوجود تريد أن تستحوذ على كل شيء وتصادر حقوق الآخرين!

* * *

٢٧٩

الآيتان

( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥) الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦) )

التّفسير

بداية ونهاية الحياة في لوحة حيّة :

الآيات السابقة تحدّثت عن عدم دوام نعم الدنيا ، ولأنّ إدراك هذه الحقيقة لعمر بطول (٦٠ ـ ٨٠) سنة يعتبر أمرا صعبا بالنسبة للأفراد العاديين ، لذا فإنّ القرآن قد جسّد هذه الحقيقة من خلال مثال حي ومعبّر كي يستيقظ الغافلون المغرورون من غفلتهم ونومهم عند ما يشاهدون تكرار هذا الأمر عدّة مرّات خلال عمرهم.

يقول تعالى :( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ ) هذه القطرات الواهبة للحياة تسقط على الجبال والصحراء ، وتعيد الحياة للبذور

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576