الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 576

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 264186 / تحميل: 11782
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

٢٤٥١ - وروي عن نصر الخادم قال: " نظر العبد الصالح أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام إلى سفرة عليها حلق صفر(١) فقال: انزعوا هذه واجعلوا مكانها حديدا فإنه لا يقرب شيئا مما فيها شئ من الهوام ".

باب السفر الذى يكره فيه اتخاذ السفرة

٢٤٥٢ - قال الصادق عليه السلام لبعض أصحابه: تأتون قبر أبي عبدالله صلوات الله عليه؟ فقال له: نعم، قال: تتخذون لذلك سفرة؟ قال: نعم، قال: أما لو أتيتم قبور آبائكم وامهاتكم لم تفعلوا ذلك، قال: قلت: فأي شئ نأكل؟ قال: الخبز باللبن(٢) ".

٢٤٥٣ - وفي خبر آخر قال الصادق عليه السلام: " بلغني أن قوما إذا زاروا الحسين عليه السلام حملوا معهم السفرة فيها الجداء والاخبصة(٣) وأشباهه، لو زاروا قبور أحبائهم ما حملوا معهم هذا ".

باب الزاد في السفر

٢٤٥٤ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من شرف الرجل أن يطيب زاده إذا خرج في سفر(٤) ".

___________________________________

(١) الحلق كعنب حلقة والحديد يدفع الهوام.

(٢) يدل على استحباب ترك المطاعم الجيدة في سفر زيادة أبى عبدالله الحسين عليه السلام واستشعار الحزن فيه، والخبر رواه ابن قولويه في كامل الزيارات ص ١٢٩ مسندا.

(٣) الجداء: الجدى المشوى، وفى الكامل " الحلاوة "، والخبيص حلواء من التمر.

(٤) رواه الكلينى ج ٨ ص ٣٠٣ تحت رقم ٤٦٧ عن على، عن أبيه، عن النوفلى، عن السكونى عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله الحديث " وشرف الرجل: مجده وأصالته.

٢٨١

٢٤٥٥ - و " كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا سافر إلى مكة للحج أو العمرة تزود من أطيب الزاد من اللوز والسكر، والسويق المحمض والمحلى ".

٢٤٥٦ - وروي أنه " قام أبوذر - رحمة الله عليه - عند الكعبة فقال: أنا جندب ابن السكن، فاكتنفه الناس فقال: لو أن أحدكم أراد سفرا لاتخذ فيه من الزاد ما يصلحه لسفره، فتزودوا لسفر يوم القيامة، أما تريدون فيه ما يصلحكم؟ فاقم إليه رجل فقال: أرشدنا، فقال: صم يوما شديد الحر للنشور، وحج حجة لعظائم الامور وصل ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور، كلمة خير تقولها، وكلمة شر تسكت عنها، أو صدقة منك على مسكين لعلك تنجو بها يا مسكين من يوم عسير، اجعل الدنيا درهمين درهما قد أنفقته على عيالك ودرهما قدمته لآخرتك، والثالث يضر ولا ينفع لا ترده، اجعل الدنيا كلمتين كلمة في طلب الحلال وكلمة للآخرة، والثالثة تضر ولا تنفع لا تردها، ثم قال: قتلني هم يوم لا ادركه ".

٢٤٥٧ - وقال لقمان لابنه: " يا بني إت الدنيا بحر عميق، وقد هلك فيها عالم كثير، فإجعل سفينتك فيها الايمان بالله، واجعل شراعها التوكل على الله(١) واجعل زادك فيها تقوى الله عزوجل، فإن نجوت فبرحمة الله، وإن هلكت فبذنوبك ".

باب حمل الآلات والسلاح في السفر

٢٤٥٨ - روى سليمان بن داود المنقري، عن حماد بن عيسى، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " في وصية لقمان لابنه: يا بني سافر بسيفك وخفك وعمامتك وحبالك(٢)

___________________________________

(١) رواه الكلينى ج ١ ص ١٦ في حديث طويل عن هشام بن الحكم، عن موسى بن جعفر عليهما السلام مع اختلاف وفيه " فلتكن سفينتك فيها تقوى الله، وحوشها الايمان، وشراعها التوكل " والشراع ككتاب ما يقال له بالفارسية بادبان.

(٢) الحبال: الرسن.

ورواه الكلينى في الروضة ص ٣٠٣ تحت رقم ٤٦٦، وفيه " وخبائك " والخباء: الخيمة.

٢٨٢

وسقائك وخيوطك ومخرزك(١) وتزود معك من الادوية ما تنتفع به أنت ومن معك، وكن لاصحابك موافقا إلا في معصية الله عزوجل - وزاد فيه بعضهم: وفرسك -(٢) ".

باب الخيل وارتباطها وأول من ركبها

٢٤٥٩ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة(٣) والمنفق عليها في سبيل الله عزوجل كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها "(٤) .

فإذا أعددت شيئا فأعده أقرح أرثم محجل الثلاثة، طلق اليمين، كميتا ثم أغر تسلم وتغنم(٥) .

___________________________________

(١) في الكافى " وسقائك وأبرتك وخيوطك " والمخرز ما يخرز به الخف والجراب والسقاء وما كان من الجلود.

(٢) في بعض النسخ " وقوسك " كما في المحاسن ص ٣٦٠. ولعله الاصوب.

(٣) إلى هنا رواه الكلينى ج ٥ ص ٤٨ في الصحيح وكذا البرقى في المحاسن ص ٦٣١ وفيهما " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة " وهكذا رواه أحمد والبخارى ومسلم والنسائى وابن ماجة.

(٤) رواه أبوداود السجستانى باسناده عن سهل بن الربيع بن عمرو عن النبى صلى الله عليه وآله، ورواه الطبرانى في الاوسط على ما في الجامع الصغير عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وآله هكذا " الخير معقود بنواصى الخيل إلى يوم القيامة، والمنفق على الخيل كالباسط كفه بالنفقة لا يقبضها ".

(٥) روى ابن حبان في صحيحة عن عقبة بن عامر وأبى قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله " خير الخيل الادهم الاقرح الارثم المحجل طلق اليد اليمنى، قال يزيد بن أبى حبيب: فان لم يكن أدهم فكميت على هذه الشية " وروى الحاكم في المستدرك عن عقبة عن النبى صلى الله عليه وآله قال: " إذا أردت أن تغزو فاشتر فرسا أغر محجلا مطلق اليمنى فانك تغنم وتسلم " ونحوه في المحاسن ص ٤٣١.

والاقرح هو الفرس يكون في وسط جبهته قرحه بالضم وهى بياض يسير، والارثم بفتح الهمزة والثاء المثلثة المفتوحة هو الفرس الذى أنفه وشفته العليا أبيض، والمحجل هو الذى يرتفع البياض في قوائمه إلى موضع القيد ويجاوز الارساغ ولا يجاوز الركبتين لانهما مواضع الاحجال وهى الخلاخيل والقيود ولا يكون التحجيل باليد واليدين ما لم يكن معها رجل أو رجلان (النهاية) وطلق اليمين بفتح الطاء وسكون اللام وبضمها أيضا إذا لم يكن بها تحجيل.

والكميت بضم الكاف وفتح الميم هو الفرس الاحمر أو الذى ليس بالاشقر ولا الادهم بل يخالط حمرته سواد، والشية بكسر الشين المعجمة وفتح الياء مخففة هو كل لون في الحيوان يكون معظم لونها على خلافه.

وقوله " محجل الثلاثة " أى يكون يده اليسرى ورجلاه بيضاء أو يكون فيها بياض.

والاغر ما يكون في جبهته بياض.

٢٨٣

٢٤٦٠ - وروى بكر بن صالح، عن سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسن عليه السلام قال: " سمعته يقول: الخيل على كل منخر منها شيطان، فإذا أراد أحدكم أن يلجمها فليسم "(١) .

٢٤٦١ - قال: وسمعته يقول: " من ربط فرسا عتيقا محيت عنه عشر سيئات(٢) وكتبت له إحدى عشرة حسنة في كل يوم، ومن ارتبط هجينا(٣) محيت عنه في كل يوم سيئتان وكتبت له تسع حسنات في كل يوم، ومن ارتبط بزذونا(٤) يريد به جمالا أو قضاء حاجة أو دفع عدو محيت عنه في كل يوم سيئة وكتبت له ست حسنات.(٥) ومن(٦) ارتبط فرسا

___________________________________

(١) رواه الكلينى ج ٦ ص ٥٣٩ من يعقوب بن جعفر عنه عليه السلام وفيه " فليسم الله عزوجل "، وهكذا في المحاسن.

(٢) في المحاسن والكافى ج ٥ ص ٤٨ " ثلاث سيئات ".

والعتيق هو الذى أبواه عربيان وفرس عتيق ككريم وزنا ومعنى.

(٣) الهجين هو الذى أبوه عربى وامه أمة غير محصنة، ومن الخيل: الذى ولدته برذونة من حصان عربى.

(٤) البرذون بالكسر ما لم يكن شئ من أبويه عربيا، والتركى من الخيل. (راجع الصحاح والنهاية)

(٥) إلى هنا في الكافى ج ٥ ص ٤٨ والمحاسن ص ٦٣١ وثواب الاعمال ص ٢٢٦ عن يعقوب بن جعفر بن ابراهيم الجعفرى عن أبى الحسن عليه السلام.

(٦) من هنا في المحاسن ص ٦٣١ وثواب الاعمال من حديث بكر بن صالح عن سليمان بن جعفر الجعفرى.

٢٨٤

أشقر أغر أو أقرح - فإن كان أغر سائل الغرة به وضح في قوائمه(١) فهو أحب إلي - لم يدخل بيته فقر ما دام ذاك الفرس فيه، وما دام في ملك صاحبه لا يدخل بيته حيف "(٢) .

٢٤٦٢ - قال(٣) : وسمعته يقول: " أهدى أمير المؤمنين عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله أربعة أفراس من اليمن فأتاه فقال: يا رسول الله أهديت لك أربعة أفراس، قال: صفها(٤) قال: هي ألوان مختلفة، قال: فيها وضح؟ قال: نعم، قال: فيها شقر به وضح؟ قال: نعم، قال: فأمسكه لي، وقال: فيها كميتان أو ضحان، قال: أعطهما ابنيك، قال: والرابع أدهم بهيم(٥) قال: بعه واستخلف قيمته لعيالك، إنما يمن الهيل في ذوات الاوضاح ".

٢٤٦٣ - قال(٣) : وسمعته يقول: " من خرج من منزله أو منزل غير منزله في أول الغداة فلقي فرسا أشقر به أوضاح بورك له في يومه، وإن كانت به غرة سائلة فهو العيش، ولم يلق في يومه ذلك إلا سرورا، وقضي الله عزوجل حاجته(٦) ".

___________________________________

(١) الشقرة: حمرة صافية في الخيل وهى لون يأخذ من الاحمر والاصفر وهو أشقر وقد قيل: الاشقر: شديدة الحمرة، والغرة: بياض في جبهة الفرس وهو أغر، وتقدم بيان الاقرح من أنه الذى يكون في جبهته قرحة وهى بياض بقدر الدرهم أو دونه، والوضح: الضوء والبياض، يقال: بالفرس وضح إذا كان في قوائمه كلها بياض، وقد يكون به البرص.

(٢) كذا في المحاسن وفى بعض النسخ " حيق " والحيق ما يشمل الانسان من المكروه لكن في ثواب الاعمال " لا يدخل في بيته حنق ".

والظاهر أن كل ما ذكره من فضائل ارتباط الفرس العتيق والهجين والبرذون والاشقر وجده في كتاب سليمان بن جعفر الجعفرى أو غيره متفرقا فذكره هنا مجتمعا أو كان فيه مجتمعا ونقله البرقى والكلينى متفرقا في تضاعيف الابواب.

(٣) يعنى سليمان قال: سمعت موسى بن جعفر عليهما السلام.

(٤) في الكافى ج ٦ ص ٥٣٨ والمحاسن " فقال: سمها لى ".

(٥) البهيم من الدواب المصمت منها وهو الذى لا يخالط لونه لون غيره والجمع بهم.

(٦) رواه هكذا البرقى في المحاسن والمؤلف نحوه في ثواب الاعمال عن سليمان عن أبى جعفر الباقر عليه السلام والظاهر أنه تصحيف لان سليمان لم يدرك الباقر عليه السلام.

ويحتمل التعدد، أو رواه سليمان مرسلا ويؤيده اختلاف الالفاظ.

٢٨٥

٢٤٦٤ - وقال الصادق عليه السلام: " كانت الخيل وحوشا في بلاد العرب، وصعد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام على أبي قبيس فناديا: ألا هلا ألا هلم، فما بقي فرس إلا أعطى بقياده وأمكن من ناصيته(١) ".

باب حق الدابة على صاحبها

٢٤٦٥ - روى إسماعيل بن أبي زياد(٢) باسناده قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: للدابة على صاحبها خصال: يبدا بعلفها إذا نزل، ويعرض عليها الماء إذا مر به، ولا يضرب وجهها فانها تسبح بحمد ربها، ولا يقف على ظهرها الا في سبيل الله عزوجل، ولا يحملها فوق طاقتها، ولا يكلفها من المشي إلا ما تطيق ".

٢٤٦٦ - وسأل رجل أبا عبدالله عليه السلام " متى أضرب دابتي تحتي؟ قال: إذا لم تمش تحتك كمشيها إلى مذودها(٣) ".

٢٤٦٧ - وروي أنه قال: " اضربوها على العثار، ولا تضربوها على النفار فانها ترى ما لا ترون(٤) ".

٢٤٦٨ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إذا عثرت الدابة تحت الرجل فقال لها:

___________________________________

(١) رواه البرقى في المحاسن ص ٦٣٠ بسند مرفوع عن أبى عبدالله عليه السلام

(٢) يعنى السكونى، ورواه الكلينى ج ٦ ص ٥٢٧ بتقديم وتأخير.

(٣) المذود بالذال أخت الدال كمنبر: معتلف الدابة.

(٤) في الكافى ج ٦ ص ٥٣٨ باسناده عن مسمع بن عبدالملك عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اضربوها على النفار ولا تضربوها على العثار " و رواه أيضا مرسلا في خبر آخر أيضا، وقال العلامة المجلسى رحمه الله: " لعل ما في الكافى أوفق وأظهر " والتعليل لا يلائمه.

وفى المحاسن كما في الكافى.

٢٨٦

تعست، تقول: تعس أعصانا للرب(١) ".

٢٤٦٩ - وقال علي عليه السلام " في الدواب: لا تضربوا الوجوه ولا تلعنوها فإن الله عزوجل لعن لاعنها(٢) " وفي خبر آخر: " لا تقبحوا الوجوه ".

٢٤٧٠ - وقال النبي صلى الله عليه وآله: " إن الدواب إذا لعنت لزمتها اللعنة(٣) ".

٢٤٧١ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لا تتوركوا على الدواب ولا تتخذوا ظهورها مجالس(٤) ".

___________________________________

(١) تعس يتعس إذا عثر وانكب بوجهه وقد يفتح العين وهو دعاء عليه بالهلاك (النهاية) وقال العلامة المجلسى في المرآة: لعل المراد بالرب المالك.

في الكافى ج ٦ ص ٥٣٨ رواه عن العدة عن سهل عن جعفر بن محمد بن يسار عن الدهقان عن درست عن أبى عبدالله عليه السلام عنه صلى الله عليه وآله.

(٢) روى البرقى ص ٦٣٣ باسناده عن محمد بن مسلم عن أبى عبدالله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: " لا ضربوا الدواب على وجوهها فانها تسبح بحمد ربها ".

وفى حديث آخر " لا تسموها في وجوهها " وهكذا مروى في الكافى ج ٦ ص ٥٣٨.

ويحتمل التعدد، ويؤيده الخبر الآتى.

وقال المولى المجلسى قوله " ولا تقبحوا الوجوه " أى الدواب أو وجوهها بالكى ونحوه.

وقال الفاضل التفرشى: الوجوه في " لا تضربوا الوجوه " بدل الضمير بدل البعض، ويمكن أن يراد بتقبيح الوجه ضربه فان الضرب قد تقبحه، وقال سلطان العلماء: لا تقبحوا الوجوه بالاحراق بالكى وغيره، ويحتمل أن يكون المراد لا تقولوا: قبح الله وجهك.

ويحتمل أن يكون المراد لا تضربوا وجوهها ضربا مؤثرا.

(٣) لعل المراد انه يلزم عليها أن تلعن لاعنيها، أو تصير ملعونا، أو تصير سبب هلاكها وتضروا.

(٤) رواه الكلينى ج ٦ ص ٥٣٥ باسناده عن عمرو بن جميع عن أبى عبدالله عليه السلام عن النبى صلى الله عليه وآله.

والمراد الجلوس عليها على أحد الوركين فانه يضربها ويصير سببا لدبرها، أو المراد رفع احدى الرجلين ووضعها فوق السرج للاستراحة، قال الفيروزآبادي تورك على الدابة ثنى رجليه لينزل أو ليستريح، وقال الجوهرى: تورك على الدابة أى ثنى رجله ووضع احدى وركيه في السرج (المرآة) وفى بعض نسخ الكافى " لا تتوكؤوا ".

و قوله " لا تتخذوا ظهورها مجالس " أى بان تقفوا عليها للصحبة بل انزلوا وتكلموا الا ان يكون يسيرا. (م ت)

٢٨٧

٢٤٧٢ - وقال الباقر عليه السلام: " لكل شئ حرمة وحرمة البهائم في وجوهها(١) ".

باب ما لم تبهم عنه البهائم

٢٤٧٣ - روى علي بن رئاب، عن أبي حمزة عن علي بن الحسين عليهما السلام أنه كان يقول: " ما بهمت البهائم عنه فلم تبهم عن أربعة: معرفتها بالرب تبارك وتعالى، و معرفتها بالموت(٢) ، ومعرفتها بالاثني من الذكر، ومعرفتها بالمرعى الخصب ".

٢٤٧٤ - وأما الخبر الذي روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: " لو عرفت البهائم من الموت ما تعرفون ما أكلتم منها سمينا قط " فليس بخلاف هذا الخبر لانها تعرف الموت لكنها لا تعرف منه ما تعرفون.

باب ثواب النفقة على الخيل

٢٤٧٥ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله " في قول الله عزوجل: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " قال: نزلت في النفقة على الخيل ".

قال مصنف هذا الكتاب - رضي الله عنه -: هذه الآية روي أنها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وكان سبب نزولها أنه كان معه أربعة دراهم فتصدق بدهم منها بالليل وبدرهم منها بالنهار، ودرهم في السر، وبدرهم في العلانية فنزلت فيه هذه الآية(٣) .

والآية إذا نزلت في شئ فهي منزلة في كل ما يجري فيه، فالاعتقاد في تفسيرها أنها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وجرت في النفقة على الخيل وأشباه ذلك(٤) .

__________________________________

(١) الخبر في الكافى والمحاسن عن أبى عبدالله عليه السلام مسندا.

(٢) الظاهر أنها تعرف الموت ولا تعرف ما بعدها لانه ليس لها عذاب كما كان لبنى آدم.

(٣) رواه ابن المغازلى وموفق بن أحمد والمفيد في الاختصاص والعياشى.

(٤) لعموم الاية وخصوص السبب لا يخصص العموم كما في كثير من الايات، ويمكن أن يكون صدقته عليه السلام على الخيل المربوطة للجهاد. (م ت)

٢٨٨

باب علة الرقعتين في باطن يدى الدابة

٢٤٧٦ - روى حماد بن عثمان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: " جعلت فداك نرى الدواب في بطون أيديها مثل الرقعتين(١) في باطن يديها مثل الكي(٢) فأي شئ هو؟ قال: ذلك موضع منخريه في بطن امه ".

باب حسن القيام على الدواب

٢٤٧٧ - روي عن أبي ذر - رحمة الله عليه - أنه قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن الدابة تقول: اللهم ارزقني مليك صدق يشبعني ويسقيني ولا يحملني مالا اطيق(٣) ".

٢٤٧٨ - وقال الصادق عليه السلام: " ما اشترى أحد دابة إلا قالت: اللهم اجعله بي رحيما "(٤) .

٢٤٧٩ - وروى عنه عبدالله بن سنان أنه قال: " اتخذوا الدابة فإنها زين وتقضى عليها الحوائج، ورزقها على الله عزوجل ".

٢٤٨٠ - وروى السكوني باسناده(٥) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن الله تبارك

___________________________________

(١) الرقعة بالضم مأخوذ من الرقعة التى ترقع به الثوب.(مراد)

(٢) الكى احراق قطعة من الجلد بحديدة محماة ويقال له بالفارسية " داغ ".

(٣) مروى نحوه في المحاسن ورواه الكلينى بلفظ آخر مسندا عن الصادق عليه السلام في ج ٦ ص ٥٣٧.

(٤) في المحاسن ص ٦٢٦ مسندا عن على بن جعفر عن أبى ابراهيم عليه السلام قال: " ما من دابة يريد صاحبها أن يركبها الا قالت: " اللهم اجعله بى رحيما ".

(٥) يعنى عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عنه صلى الله عليه وآله.

٢٨٩

وتعالى يحب الرفق ويعين عليه، فإذا ركبتم الدواب العجاف(١) فأنزلوها منازلها فإن كانت الارض مجدبة فانجوا(٢) عليها، وإن كانت مخصبة فأنزلوها منازلها ".

٢٤٨١ - وقال علي صلوات الله عليه(٣) : " من سافر منكم بدابة فيبدأ حين ينزل بعلفها وسقيها ".

٢٤٢٨ - وقال أبوجعفر عليه السلام: " إذا سرت في أرض خصبة فارفق بالسير، وإذا سرت في أرض مجدبة فعجل بالسير ".

باب ما جاء في الابل

٢٤٨٣ - قال الصادق عليه السلام: " إياكم والابل الحمر، فإنها أقصر الابل أعمارا(٤) ".

٢٤٨٤ - وقال عليه السلام: " إن على ذروة كل بعير شيطان فأشبعه وامتهنه(٥) ".

٢٤٨٥ - وقال أبوعبدالله عليه السلام: " اشتروا السود القباح فإنها أطول الابل أعمارا(٦) ".

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " الابل عز لاهلها(٧) ".

___________________________________

(١) العجف بالتحريك: الهزال، والاعجف المهزول، والعجفاء الانثى والجمع عجاف على غير قياس لان فعلاء لا يجمع على فعال. (الصحاح)

(٢) أى أسرعوا، ونجوت أى أسرعت وسبقت.

(٣) مروى في المحاسن ص ٣٦١ مسندا.

(٤) مروى في الكافى ج ٦ ص ٥٤٣ عن ابن أبى يعفور عن أبى جعفر عليه السلام.

(٥) أى استعمله وذلله واستفد منه.

(٦) مروى في الكافى ج ٦ ص ٥٤٣ في ذيل حديث رواه عن صفوان الجمال عن أبى عبدالله عليه السلام وقال فيه: " اشتر لى جملا وخذه أشوه الخ ".

وفى المحاسن في حديث رواه أيضا عن أبى عبدالله عليه السلام.

(٧) رواه البرقى ص ٦٣٥ باسناده عن عمر بن أبان عن أبى عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله.

٢٩٠

٢٤٨٧ - و " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يتخطى القطار(١) قيل: يا رسول الله ولم؟ قال: لانه ليس من قطار إلا وما بين البعير إلى البعير شيطان ".

٢٤٨٨ - و " سئل النبي صلى الله عليه وآله أي المال خير؟ قال: زرع زرعه صاحبه وأصلحه وأدى حقه يوم حصاده، قيل: يا رسول الله فأي المال بعد الزرع خير؟ قال: رجل في غنمه قد تبع بها مواضع القطر يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، قيل: يا رسول الله فأي المال بعد الغنم خير؟ قال: البقر تغدو بخير وتروح بخير(٢) قيل: يا رسول الله فأي المال بعد البقر خير؟ فقال: الراسيات في الوحل، المطعمات في المحل(٣) نعم الشئ النخل من باعه فإنما ثمنه بمنزلة رماد على رأس شاهقة(٤) اشتدت به الريح في يوم عاصف إلا أن يخلف مكانها، قيل: يا رسول الله فأي المال بعد النخل خير؟ فسكت فقال له رجل: فأين الابل؟ قال: فيها الشقاء والجفاء والعناء وبعد الدار، تغدو مدبرة وتروح مدبرة(٥) لا يأتي خيرها إلا من جانبها الاشام، أما إنها لا تعدم الاشقياء الفجرة(٦) ".

قال مصنف هذا الكتاب - رضي الله عنه -: معنى قوله صلى الله عليه وآله: " لا يأتي خيرها إلا من جانبها الاشأم " هو أنها لا تحلب ولا تركب إلا من الجانب الايسر(٧) .

___________________________________

(١) أى التجاوز من بينهم. الخبر رواه البرقى بسند فيه ارسال.

(٢) أى تحلب منها اللبن في الغداة أى أول اليوم والرواح أى آخره. (م ت)

(٣) أى الثابتات أرجلها في الطين والمطعمات في أيام الجدب والقحط فانها صابرة العطش، والمراد النخل كما صرح به.

(٤) الشاهقة: الجبل الراسخ والعالى.

(٥) أى أن الادبار والنحوسة لا ينفك عنها في وقت من الاوقات.(مراد)

(٦) جواب لسؤال مقدر كأنه قيل: إذا كان كذلك فمن مربيها قال عليه السلام أما انها لا تعدم الاشقياء الفجرة وهم الجمالون كما هو المسموع والمشهود، وفى الخصال " انهم الظلمة ".

(٧) يحتمل أن يكون جانبها الايسر كناية عن عدم اليمن وقلة الخير والبركة. (سلطان)

٢٩١

٢٤٨٩ - وقال عليه السلام: " في الغنم إذا أقبلت أقبلت وإذا أدبرت أقبلت(١) ، والبقر إذا أقبلت أقبلت وإذا أدبرت أدبرت، والابل، إذا أقبلت أدبرت وأذا أدبرت أدبرت ".

باب ما يجب من العدل على الجمل وترك ضربه واجتناب ظلمه

٢٤٩٠ - روى السكوني باسناده " أن النبي صلى الله عليه وآله أبصر ناقة معقولة وعليها جهازها، فقال: أين صاحبها، مروه فليستعد غدا للخصومة "(٢) .

٢٤٩١ - وفي خبر آخر قال النبي صلى الله عليه وآله: " أخروا الاحمال فإن اليدين معلقة، والرجلين موثقة ".

٢٤٩٢ - وروى ابن فضال، عن حماد اللحام قال: " مر قطار لابي عبدالله عليه السلام فرأى زاملة(٣) قد مالت، فقال: يا غلام اعدل على هذا الحمل، فإن الله تعالى يحب العدل ".

٢٤٩٣ - وروى أيوب بن أعين قال: " سمعت الوليد بن صبيح يقول لابي عبدالله عليه السلام: إن أبا حنيفة(٤) رأى هلال ذي الحجة بالقادسية وشهد معنا عرفة،

___________________________________

(١) أى إذا أقبلت بالنتاج فهو وإذا أدبرت يعنى بالموت يذبحها صاحبها وينتفع من لحمها وجلدها، أما البقر فوسط، وأما الابل فاقبالها ادبارها لانه إذا حصل له بعض النتاج أو النفع أنفق لها صاحبها أزيد من نتاجها.

(٢) يعنى يوم القيامة لان عقال الناقة وعليها حملها ظلم عليها فاذا كان يوم القيامة تخاصم صاحبه بين يدى الجبار وتقول: ما ذنبى حتى ظلمتنى فينتصف الله سبحانه منك لها.

(٣) الزاملة المحمل وبعير يحمل الطعام والمتاع، وميل الحمل إلى جانب سبب لدبر الدابة.

(٤) هو سعيد بن بيان سابق الحاج الهمدانى ومع أنه ثقة يذم فعله، وقيل انه كان يذهب بجماعة إلى الحج في نهاية السرعة وذهب بهم في هذا الخبر من القادسية التى كانت قريبة من النجف إلى عرفات في ثمانية أيام وشئ.

وروى العياشى عن أبى عبدالله عليه السلام قال:

" أتى قنبر أمير المؤمنين عليه السلام فقال: هذا سابق الحاج، فقال: لا قرب الله داره هذا خاسر الحاج يتعب البهيمة، وينقر الصلاة، اخرج اليه فاطرده ".

٢٩٢

فقال: ما لهذا صلاة، ما لهذا صلاة "(١) .

٢٤٩٤ - و " حج علي بن الحسين عليهما السلام على ناقة له أربعين حجة فما قرعها بسوط "(٢) .

٢٤٩٥ - وقال الصادق عليه السلام: " أي بعير حج عليه ثلاث سنين يجعل من نعم الجنة " وروى " سبع سنين "(٣) .

باب ما جاء في ركوب العقب  (٤)

٢٤٩٦ - روى علي بن رئاب، عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعقبون بعيرا بينهم وهم منطلقون إلى بدر ".

باب ثواب من أعان مؤمنا مسافرا

٢٤٩٧ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من أعان مؤمنا مسافرا نفس الله عنه ثلاثا وسبعين كربة، وأجاره في الدنيا والآخرة من الغم والهم، ونفس عنه كربه العظيم يوم يغص الناس بأنفاسهم " وفي خبر آخر " حيث يتشاغل الناس بأنفاسهم ".

___________________________________

(١) لانه لا يمكن الصلاة مع هذه الحركة الا بالايماء واحداث هذه الضرورة اختيارى لامكان الخروج قبله بايام فمعنى نفى الصلاة عدم اتيانها على وجهها لاشتغاله بالسير والسرعة.

(٢) روى البرقى بسندين صحيحين عن عبدالله بن سنان نحوه في أحدهما " ولقد بركت به في سنة من سنواته فما قرعها بسوط ".

(٣) تقدم تحت رقم ٢٢٠٧ ونحوه مروى في المحاسن ص ٦٣٥.

(٤) أى الركوب بالنوبة.

٢٩٣

باب المروء‌ة في السفر

٢٤٩٨ - تذاكر الناس عند الصادق عليه السلام أمر الفتوة فقال: " تظنون أمر الفتوة بالفسق والفجور إنما الفتوة والمروء‌ة طعام موضوع، ونائل مبذول بشئ معروف، وأذى مكفوف فأما تلك فشطارة وفسق، ثم قال: ما المروء‌ة؟ فقال الناس: لا نعلم، قال: المروء‌ة والله أن يضع الرجل خوانه بفناء داره، والمروء‌ة مروء‌تان مروء‌ة في الحضر ومروء‌ة في السفر، فأما التي في الحضر فتلاوة القرآن ولزوم المساجد والمشي مع الاخوان في الحوائج(١) والنعمة ترى على الخادم أنها تسر الصديق وتكبت العدو، وأما التي في السفر فكثرة الزاد وطيبه وبذله لمن كان معك وكتمانك على القوم أمرهم بعد مفارقتك إياهم وكثرة المزاح في غير ما يسخط الله عزوجل، ثم قال عليه السلام: والذي بعث جدي صلوات الله عليه وآله بالحق نبيا إن الله عزوجل ليرزق العبد على قدر المروء‌ة وإن المعونة تنزل على قدر المؤونة، وإن الصبر ينزل على قدر شدة البلاء ".

باب ارتياد المنازل والامكنة التي يكره النزول فيها

٢٤٩٩ - روى السكوني باسناده(٢) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إياكم والتعريس(٣) على ظهر الطريق وبطون الاودية فإنها مدارج السباع ومأوى الحيات ".

٢٥٠٠ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من نزل منزلا يتخوف فيه السبع فقال: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير وهو على

___________________________________

(١) راجع معانى الاخبار ص ٢٥٨ روى نحوه مسندا.

(٢) يعنى عن أبى عبدالله عن آبائه عن على عليهم السلام.

(٣) التعريس: نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة.

٢٩٤

كل شئ قدير، اللهم إني أعوذ بك من شر كل سبع " إلا أمن(١) من شر ذلك السبع حتى يرحل من ذلك المنزل إن شاء الله تعالى ".

باب المشى في السفر

٢٥٠١ - روى منذر بن جيفر(٢) ، عن يحيى بن طلحة النهدي قال: قال لنا أبوعبدالله عليه السلام: " سيروا وانسلوا فإنه أخف عليكم "(٣) .

٢٥٠٢ - وروي " أن قوما مشاة أدركهم رسول الله صلى الله عليه وآله فشكوا إليه شدة المشي، فقال لهم: استعينوا بالنسل "(٤) .

٢٥٠٣ - وسأل معاوية بن عمار أبا عبدالله عليه السلام " عن رجل عليه دين أعليه أن يحج؟ قال: نعم إن حجة الاسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين، ولقد كان أكثر من حج مع رسول الله صلى الله عليه وآله مشاة، ولقد مر رسول الله صلى الله عليه وآله بكراع الغميم(٥) فشكوا إليه الجهد والطاقة والاعياء، فقال: شدوا أزركم واستبطنوا، ففعلوا [ذلك] فذهب ذلك عنهم ".

٢٥٠٤ - وروى علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " قلت له: قول الله عزوجل: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " قال: يخرج يمشي إن لم يكن عنده [شئ] قلت: لا يقدر على المشي؟ قال: يمشي

___________________________________

(١) أى لا يتم هذه الكلمات الا أمن، أو لا يدعوا بها الا أمن.

(٢) منذر بن جيفر بن حكيم العبدى عربى صميم له كتاب وجيفر اختلف فيه و الاصح بتقديم الياء على الفاء.

وطريق الصدوق اليه فيه ابراهيم بن هاشم وهو حسن كالصحيح.

(٣) نسل ينسل نسلا ونسلانا في المشى أى أسرع.

(٤) في النهاية وفى رواية " شكوا اليه الاعياء فقال: عليكم بالنسلان " أى الاسراع في المشى.

(٥) كراع الغميم موضع بين مكة والمدينة وهو واد أمام عسفان، والكراع جانب مستطيل من الحرة تشبيها بالكراع وهو ما دون الركبة من الساق.

٢٩٥

ويركب، قلت: لا يقدر على ذلك، قال: يخدم القوم ويخرج معهم "(١) .

باب آداب المسافر

٢٥٠٥ - روى سليمان بن داود المنقري، عن حماد بن عيسى(٢) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " قال لقمان لابنه: إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك وامورهم، وأكثر التبسم في وجوههم، وكن كريما على زادك بينهم، وإذا دعوك فأجبهم وإذا استعانوا بك فأعنهم، واستعمل طول الصمت وكثرة الصلاة وسخاء النفس بما معك

___________________________________

(١) هذا الحديث ليس بمعمول به عند الفقهاء وقد حملوه على التقية أو الاستحباب و في المدارك ص ٣١٨ " أجمع العلماء كافة أن الاستطاعة شرط في الحج قال الله تعالى " ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا " وقال عزوجل " لا يكلف الله نفسا الا وسعها " قال في المنتهى وقد اتفق علماء‌نا على أن الزاد والراحلة شرطان في الوجوب فمن فقدهما أو أحدهما مع بعد مسافته لم يجب عليه الحج وان تمكن من المشى، ويدل على اعتبارهما مضافا إلى عدم تحقق الاستطاعة عرفا بدونهما غالبا صحيحة محمد بن يحيى الخثعمى قال: " سأل حفص الكناسى أبا عبدالله (ع) وأنا عنده عن قول الله عزوجل " ولله على الناس الاية " ما يعنى بذلك؟ قال: من كان صحيحا في بدنه، مخلى سربه، له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج " وصحيحة محمد بن مسلم قال: " قلت لابى جعفر عليه السلام قوله تعالى " ولله على الناس إلى قوله اليه سبيلا " قال: يكون له ما يحج به، قلت: فان عرض عليه الحج فاستحيى؟ قال: هو ممن يستطيع ولم يستحيى ولو على حمار أجدع أبتر، فان كان يستطيع أن يمشى راجلا بعضا ويركب بعضا فليفعل " قال في المنتهى: انما يشترط الزاد والراحلة في حق المحتاج اليهما لبعد مسافته أما القريب إلى مكة فلا يعتبر في حقه وجود الراحلة إذا لم يكن محتاجا اليها.

وهو جيد لكن في تحديد القرب الموجب لذلك خفاء والرجوع إلى اعتبار المشقة وعدمها جيد الا أن اللازم منه عدم اعتبار الراحلة في حق البعيد أيضا إذا تمكن من المشى من غير مشقة شديدة ولا نعلم به قائلا.

(٢) في المحاسن " عن حماد بن عثمان " وفى الكافى " عن حماد " بدون ذكر الاب وعلى أى حال هما ثقتان.

٢٩٦

من دابة أو ماء أو زاد، وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم، واجهد رأيك لهم إذا استشاروك، ثم لا تعزم حتى تثبت وتنظر، ولا تجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلي وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك في مشورتك، فان من لم يمحض النصيحة لمن استشاره سلبه الله رأيه ونزع عنه الامانة، وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم، وإذا رأيتهم يعلمون فاعمل، وإذا تصدقوا وأعطوا قرضا فأعط معهم واسمع لمن هو أكبر منك سنا، وإذا أمروك بأمر وسألوك شيئا، فقل: نعم، ولا تقل: لا، فإن " لا " عي(١) ولؤم وإذا تحيرتم في الطريق فانزلوا، وإذا شككتم في القصد فقفوا وتؤامروا، وإذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدوه فان الشخص الواحد في الفلاة مريب لعله أن يكون عين اللصوص أو يكون هو الشيطان الذي حيركم، واحذروا الشخصين أيضا إلا أن تروا مالا أرى.

فإن العاقل إذا أبصر بعينه شيئا عرف الحق منه، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، يا بني إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشئ، صلها واسترح منها فإنها دين، وصل في جماعة ولو على رأس زج(٢) ولا تنامن على دابتك فإن ذلك سريع في دبرها(٣) وليس ذلك من فعل الحكماء إلا أن تكون في محمل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل(٤) ، وإذا قربت من المنزل فانزل عن دابتك وابدأ بعلفها قبل نفسك فإنها نفسك، وإذا أردتم النزول فعليكم من بقاع الارض بأحسنها لونا وألينها تربة وأكثرها عشبا، فإذا نزلت فصل ركعتين قبل أن تجلس، وإذا أردت قضاء حاجتك فابعد المذهب في الارض، وإذا ارتحلت فصل ركعتين ثم ودع الارض التي حللت بها وسلم عليها وعلى اهلها فإن لكل بقعة أهلا من الملائكة، وإن استطعت أن لا تأكل طعاما حتى تبدأ فتصدق منه فافعل.

___________________________________

(١) بكسر العين أى جهل وبفتحها أى عجز. (م ت)

(٢) الزج بالضم: الرمح والحديدة التى في أسفل الرمح، وذلك يكون للمبالغة.

(٣) الدبر بالتحريك: جراحة على ظهر الدابة.

(٤) لاسترخاء المفاصل أى إذا لم يمدد يسترخى المفاصل.

٢٩٧

وعليك(١) بقراء‌ة كتاب الله عزوجل ما دمت راكبا، وعليك بالتسبيح ما دمت عاملا [عملا] وعليك بالدعاء ما دمت خاليا، وإياك والسير من أول الليل وسر في آخره، وإياك ورفع الصوت في مسيرك".

باب دعاء الضال عن الطريق

٢٥٠٦ - روى علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا ضللت عن الطريق فناد " يا صالح - أو يا أبا صالح - أرشدونا إلى طريق يرحمكم الله ".

٢٥٠٧ - وروي " أن البر موكل به صالح، والبحر موكل به حمزة "(٢) .

باب القول عند نزول المنزل

٢٥٠٨ - قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: " يا علي إذا نزلت منزلا فقل: " اللهم أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين " ترزق خيره ويدفع عنك شره ".

باب القول عند دخول مدينة أو قرية

٢٥٠٩ - كان في وصية رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: " يا علي إذا أردت مدينة أو قرية فقل حين تعاينها: " اللهم إني أسألك خيرها وأعوذ بك من شرها، اللهم

_____________________________

(١) احتمل بعض الاعلام أن من هنا إلى آخر الحديث من قول الصادق عليه السلام جعله عليه السلام متمما لوصية لقمان حيث انه كان في نسخته " وعليك بقراء‌ة القرآن " مكان " عليك بقراء‌ة كتاب الله " كما صرح هو بذلك.

(٢) المشهور أن الموكل بالبر الخضر وبالبحر الياس عليهما السلام. (م ت)

٢٩٨

حببنا إلى أهلها، وحبب صالحي أهلها إلينا "(١) .

باب الموت في الغربة

٢٥١٠ - روى الحسن بن محبوب، عن أبي محمد الوابشي،(٢) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " ما من مؤمن يموت في أرض غربة تغيب عنه فيها بواكيه إلا بكته بقاع الارض التي كان يعبد الله عزوجل عليها، وبكته أثوابه، وبكته أبواب السماء التي كان يصعد فيها عمله، وبكاه الملكان الموكلان به ".

٢٥١١ - وقال عليه السلام: " إن الغريب إذا حضره الموت التفت يمنة ويسرة ولم ير أحدا رفع رأسه، فيقول الله عزوجل: إلى من تلتفت؟ إلى من هو خير لك مني و عزتي وجلالي لئن أطلقتك عن عقدتك(٣) لاصيرنك في طاعتي، ولئن قبضتك لاصيرنك إلى كرامتي ".

باب تهنئة القادم من الحج

٢٥١٢ - قال الصادق عليه السلام: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقول للقادم من مكة: قبل الله منك، وأخلف عليك نفقتك، وغفر ذنبك ".

باب ثواب معانقة الحاج

٢٥١٣ - في رواية أبي الحسين الاسدي رضي الله عنه قال: قال الصادق عليه السلام

___________________________________

(١) كذا وفى المحاسن ص ٣٧٤ " اللهم انى أسألك خيرها وأعوذ بك من شرها، اللهم أطعمنا من جناها وأعذنا من وبائها وحببنا إلى أهلها، وحبب صالحى أهلها الينا ".

وفى بعض نسخه " اطعمنا من خانها " وقال بعضهم: الظاهر أن المراد بالخان الخوان.

(٢) كان من رجال الصادق عليه السلام وكأنه عبدالله بن سعيد.

(٣) أى المرض المقدر عليه كالعقدة

٢٩٩

" من عانق حاجا بغباره كان كأنما استلم الحجر الاسود".

باب النوادر

٢٥١٤ - روي عن جابر بن عبدالله الانصاري قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يطرق الرجل أهله ليلا إذا جاء من الغيبة حتى يؤذنهم "(١) .

٢٥١٥ - وقال عليه السلام: " السفر قطعة من العذاب، فإذا قضى أحدكم سفره فليسرع الاياب إلى أهله "(٢) .

٢٥١٦ - وقال الصادق عليه السلام: " سير المنازل ينفد الزاد، ويسيئ الاخلاق، ويخلق الثياب، والسير ثمانية عشر"(٣) .

٢٥١٧ - وروى عبدالله بن ميمون باسناده(٤) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ضللتم الطريق فتيامنوا"(٥) .

___________________________________

(١) يدل على كراهة دخول المسافر منزله في الليل الا أن يعلمهم.

وروى " أنه دخل رجل منزله في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله ورأى ابنه نائما مع زوجته فتوهم أنه أجنبى فقتله، فلما سمعه صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك ".

(٢) رواه البرقى ص ٣٧٧ عن النوفلى عن السكونى باسناده قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله.

(٣) رواه البرقى عن أبيه عن أبن أبى نجران عمن ذكره عن أبى عبدالله عليه السلام.

والظاهر أن المراد به أن السير للتنزه والتفرج ينبغى أن لا يصير إلى المنازل، وهى ثمانية فراسخ بل نهايته ثمانية عشر ميلا ستة فراسخ فان الزائد عليها ينفد الزاد لان الانسان لا يتهيأ غالبا لها ما يكفيها بخلاف السفر ويسيئ اخلاق المصاحبين ويتسخ ثيابهم وتبلى بخلاف ما إذا كان قريبا فانه يرطب الدماغ ويخرج البدن والروح من الكلال. (م ت)

(٤) يعنى عن أبى عبدالله عن آبائه عليهم السلام عن النبى صلى الله عليه وآله كما في المحاسن ص ٣٦٢.

(٥) " فتيامنوا " أى توجهوا إلى جانب يمينكم. (م ت)

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

«وما أهل النهر منهم ببعيد» يعنيعليه‌السلام الخوارج(١) .

وفي حديث ثالث هنا إشارة خاصّة إلى الرهبان (الرجال والنساء الذين يتركون الدنيا) والمجاميع التي ابتدعت البدع من المسلمين(٢) .

وهناك قسم من الرّوايات تفسّر الآية ب (الذين ينكرون ولاية أمير المؤمنين الإمام عليعليه‌السلام )(٣) .

أليس الرهبان الذي يعيشون كل عمرهم في زاوية من الزوايا (في الدير مثلا) ويعانون أنواع الحرمان ، ويمتنعون عن الزواج والأكل والملابس الجيدة ، ويفضلون سكنى الدير على كل شيء وهم يظنون أنّ هذه الحياة تقرّبهم إلى الله ، أليس هؤلاء مصداقا واضحا للأخسرين أعمالا؟!

هل هناك مذهب أو دين إلهي يمكن أن يدعو إلى خلاف قانون العقل والفطرة ، أي يدعو الإنسان الاجتماعي إلى الابتعاد عن الحياة ، ويعتبر هذا العمل مصدرا للتقرب إلى الله تعالى؟!

إنّ الذين أوجدوا البدع في دين الله من قبيل التثليث في مقابل توحيد الله الواحد الأحد ، واعتبروا المسيح بن مريم ابن الله ، وأدخلوا خرافات أخرى في دين الله ، ظنا منهم بأنّهم يحسنون صنعا ، أليس هؤلاء وأمثالهم هم أخسر الناس؟!

ألا يعتبر خوارج «النهروان» من أخسر الناس ، وهم المجموعة الجاهلة التي ارتكبت أعظم الذنوب (مثل قتل الإمام عليعليه‌السلام ) ظنا منهم أنّ هذا الأمر سيقربهم من الله ، بل واعتبروا أنّ الجنّة مخصوصة لهم؟!

الخلاصة : إنّ الآية لها مفهوم واسع ، إذ تشمل أقواما كثيرين في السابق والحاضر والمستقبل.

__________________

(١) المصدر السّابق.

(٢) المصدر السّابق.

(٣) المصدر السّابق.

٣٨١

والآن نصل إلى هذا السؤال : ما هو مصدر هذا الانحراف الخطير؟

إنّ التعصب القوي والغرور والتكبير وحب الذات ، هي من أهم العوامل التي تقود إلى مثل هذه التصورات الخاطئة. وفي بعض الأحيان يكون التملق ، أو الانطواء على النفس لفترة معينة سببا لظهور هذه الحالة ، حيث يتصوّر الإنسان أنّ كل أعماله الخاطئة المنحرفة هي أعمال جميلة ، بحيث يشعر بالفخر والغرور والمباهاة بدلا من إحساس الخجل والشعور بالعار بسبب أعماله القبيحة. يقول القرآن في مكان آخر واصفا هذه الحالة :( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ) (١) وفي آيات أخرى ، نقرأ أنّ الشيطان هو الذي يزيّن للإنسان سيئاته حسنات ، ويمنيهم بالغلبة والنصر ، كما في قوله تعالى :( وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ ) (٢) .

ويقول القرآن بعد قصّة برج فرعون المعروف :( وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ ) . والآية تعليق على عمل فرعون عند ما طلب من هامان أن يبني له برجا ليطّلع بزعمه إلى إله موسى كما في الآيتين (٣٦ ـ ٣٧) من سورة غافر.

٢ ـ ماذا يعني لقاء الله؟

بالرغم من أنّ بعض أشباه العلماء يستفيدون من أمثال هذه الآيات إمكانية رؤية الخالق جلّ وعلا في العالم الآخر ، ويفسّرون لقاء الله باللقاء الحسي ، إلّا أنّه من المعلوم بداهة أنّ اللقاء الحسي يقتضي تجسيم الخالق جلّ وعلا ، والتجسيم يقتضي التحديد والحاجة ، والمحدود المحتاج يكون قابلا للفناء ، والكل يعرف ويؤمن بأنّ هذه الصفات لا تنطبق على الله تعالى.

لذا فإنّ القصد من اللقاء أو الرؤيا في الآيات القرآنية ليس الرؤية الحسية ، بل

__________________

(١) فاطر ، ٨.

(٢) الأنفال ، ٤٨.

٣٨٢

الرؤية الباطنية المعنوية.

يعني أنّ الإنسان في يوم القيامة يشاهد آثار الخالق أكثر وأفضل من أي زمان ، لذا فإنّه ينظر إليه بوضوح ، بعين القلب الواعي البصير. لهذا السبب ـ ووفقا للآيات القرآنية ـ فإنّه حتى أشد الناس إنكارا للخالق وأكثرهم عنادا ، سوف يقر يوم القيامة بوجود الخالق ، وأنّه لا مجال لإنكاره(١) .

بعض المفسّرين اعتبر هذا المفهوم (لقاء الله) مشاهدة النعم والثواب ، وأيضا العذاب والعقاب الإلهي وفي ذلك تكون كلمة الثواب والعقاب مقدّرة في الآية.

وبالرغم من أن هذان التّفسيران لا تعارض بينهما ، إلّا أنّ التّفسير الأوّل يبدو أظهر وأوضح.

٣ ـ وزن الأعمال

ليس بنا حاجة إلى أن نفسّر قضية وزن الأعمال عن طريق تجسيم الأعمال والقول بأنّ عمل الإنسان سيتحوّل هناك إلى جسم وله وزن ، ذلك لأنّ الوزن له معنى واسع يشمل أية مقايسة ، فمثلا نقول للأشخاص عديمي الشخصية أنّهم أشخاص لا وزن لهم ، أو أنّهم أشخاص خفيفون ، ونعني بذلك ضعف شخصيتهم وليس القلّة في وزنهم الجسمي.

والجميل هنا أنّ الاية تصف الأخسرين أعمالا بأنّنا لم نضع لهم يوم القيامة ميزانا للقياس. ولكن هل تتعارض هذه الآية مع قوله تعالى في الآية (٨) من سورة الأعراف:( وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ ) ؟

طبعا لا ، لأنّ الوزن يخصّ الأشخاص الذين قاموا بأعمال تستحق الوزن ، أمّا الشخص الذي لا يساوي وجوده وأعماله وأفكاره حتى جناح بعوضة ، فهل هو بحاجة إلى الوزن؟!

__________________

(١) يمكن مراجعة سورة المؤمنون ، الآية ١٠٦ فما فوق.

٣٨٣

لهذا السبب نقرأ في رواية معروفة عن النّبي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن جناح بعوضة»(١) .

لماذا؟ لأنّ أعمال مثل هؤلاء وأفكارهم وشخصيتهم كانت في الحياة الدنيا عديمة الأهمية والفائدة.

ومن هنا يتّضح أنّ الناس هناك على عدّة أنواع هي :

١ ـ مجموعة تكون مثقلة بالحسنات والأعمال الصالحة بحيث لا تحتاج إلى الوزن والحساب في أعمالها ، بل تدخل الجنّة بدون حساب.

٢ ـ مجموعة ثانية من الذين حبطت أعمالهم ، أو ليس لهم أي عمل الصالح ، وهذه لا تحتاج إلى وزن أيضا ، بل تدخل النّار بدون حساب.

٣ ـ أمّا المجموعة الثّالثة ، فهي التي تملك السيئات والحسنات ، وهذه يشملها الوزن والحساب. وقد يكون أكثر الناس من هذه الفئة.

٤ ـ تفسير قوله تعالى :( لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً )

(حول) على وزن (علل) لها معنى مصدري وتعني التحوّل ونقل المكان ، وكما قلنا في تفسير الآيات ، فإنّ الفردوس بستان الجنة توجد فيه أفضل النعم والمواهب الإلهية ، ولهذا السبب فإنّها تعتبر أفضل مناطق ذلك العالم ، حيث أنّ الساكنين فيها لا يتمنون أبدا الانتقال منها إلى مكان آخر.

وقد يقول البعض : إنّ الحياة قد تكون هناك رتيبة وراكدة ، وهذا بحد ذاته نقص وعيب كبير فيها؟!

في الجواب نقول : ليس ثمة مانع من أن يكون التحوّل والتكامل في نفس المكان ، إذا توافرت أسباب التكامل واجتمعت هناك ، وهي ـ قطعا ـ متوافرة. وفي ظل الأعمال التي قام بها الإنسان في هذه الدنيا ، فإنّ الإنسان ـ من خلال

__________________

(١) عن تفسير مجمع البيان ، في تفسيره للآية.

٣٨٤

المواهب الإلهية هناك ـ سوف يستمر في طريق تكامله بشكل دائم ومستمر.

وسنقوم إن شاء الله بشرح أفضل لتكامل الإنسان حتى في الجنّة ، وذلك في نهاية الآيات التي تناسب الموضوع.

٥ ـ الفردوس لمن؟

قلنا : إنّ «الفردوس»(١) أفضل مناطق الجنة ، ولا يسكنه سوى المؤمنين وذوي الأعمال الصالحة ، إذا سيكون السؤال : من يسكن الأقسام الأخرى في الجنة ، إذا كانت الجنة مكانا للمؤمنين وحسب وممنوعة على غيرهم؟

في الجواب نقول : إنّ الفردوس لا تشمل كل مؤمن ذي عمل الصالح ، بل هي لمن بلغ درجة عالية من الإيمان والعمل الصالح ، وهذه المرتبة هي المعيار للوصول إلى الفردوس بالرغم من أنّ ظاهر الآية مطلق ، إلّا أنّ الانتباه إلى معنى الفردوس يقيّد الإطلاق المذكور.

لذلك عند ما تتحدث سورة المؤمنون عن صفات ورثة الفردوس فإنّها تبيّن الحد الأعلى لصفات المؤمنين والذي لا يكون موجودا عند جميع الأفراد. وهذا دليل آخر على أنّ سكنة الفردوس يملكون صفات ممتازة بالإضافة إلى شرطي الإيمان والعمل الصالح.

لذلك رأينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث سابق ، يعلمنا بأنّنا عند ما نطلب الجنّة ، فعلينا أن ندعو لنيل الفردوس بالخصوص ، لأنّها أكمل وأفضل منازل الجنّة.

وهذه إشارة إلى ضرورة أن تنصرف همة المؤمن ـ في كل الأمور ـ إلى أعلى حد ، وحتى في الجنة عليه أن لا يقنع بمراحلها الدنيا بالرغم ممّا في هذه المراحل

__________________

(١) ذهب بعض إلى أن هذه الكلمة مأخوذة من اللغة الرومية في الأصل ، وذهب آخرون الى أن جذورها حبشية انتقلت الى العربية (تفسير الفخر الرازي وتفسير مجمع البيان).

٣٨٥

من نعم ومواهب.

وطبيعي أنّ الذي يطلب هذه المنزلة من الله لا بدّ وأن يكون قد أعدّ نفسه لها ، وعليه أن يبذل كل سعيه وجهده لكسب أفضل الصفات وأرضى الأعمال.

ومن ذلك يعلم أن من يقول بأن المهم هو أن أدخل الجنّة حتى في أدنى درجة منها هو شخص يفتقد للهمة العالية للمؤمنين الحقيقيين.

* * *

٣٨٦

الآيتان

( قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠) )

سبب النّزول

عن ابن عباس قال : «قالت اليهود لما قال لهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) قالوا : وكيف وقد أوتينا التوراة ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا؟ فنزل قوله تعالى :( قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ ) .

وقيل أيضا : قالت اليهود : إنّك أوتيت الحكمة ، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ، ثمّ زعمت ـ والمخاطب هنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أنّك لا علم لك بالروح؟

فأمره الله تعالى أن يجيبهم بأنّي وإن أوتيت القرآن وأوتيتم التوراة فهي بالنسبة إلى كلمات الله تعالى قليلة»(١) .

__________________

(١) تفسير القرطبي ، المجلد ١١ ـ ١٢ ، صفحة ٦٨ ـ ٦٩. وكذلك تفسير الصافي أثناء الحديث عن الآية.

٣٨٧

التّفسير

الذين يأملون لقاء الله :

الآيات أعلاه في نفس الوقت الذي تبحث بحثا مستقلا ، إلّا أنّها متصلة مع بحوث هذه السورة ، حيث أنّ كل قصة من القصص الثلاث الواردة في السورة ، تكشف الستار عن مواضيع جديدة وعجيبة ، وكأنّما القرآن يريد أن يقول في هذه الآيات : إنّ الاطلاع على قصّة أصحاب الكهف ، وموسى والخضر ، وذي القرنين ، يعتبر لا شيء إزاء علم الله غير المحدود ، لأنّ علمه سبحانه وتعالى ومعرفته تشمل كافة الكائنات وعالم الوجود في الماضي والحاضر والمستقبل.

القرآن الكريم يخاطب الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أوّل آية نبحثها بقوله :( قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً ) .

«مداد» تعني الحبر ، أو أي مادة ملونة تساعد في الكتابة ، وهي في الأصل مأخوذة من «مدّ» بمعنى السحب ، حيث تتوضح خطوط الكتابة بسحب القلم(١) .

(كلمات) جمع كلمة ، وهي في الأصل تعني الألفاظ التي يتمّ التحدّث بها ، أو بعبارة أخرى : الكلمة لفظ يدل على المعنى ، وبما أنّ كل موجود من موجودات هذا العالم هو دليل على علم وقدرة الخالق ، لذا فإنّه يطلق في بعض الأحيان على كل موجود اسم (كلمة الله) ويختص هذا التعبير أكثر بالموجودات المهمّة العظيمة.، فبالنسبة للمسيح عيسىعليه‌السلام يقول القرآن الكريم :( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ ) (٢) .

__________________

(١) نقل الفخر الرازي في معنى (مداد) إضافة إلى ما ذكر معنى آخر ، وهو «الزيت» الذي يوضع في المصباح ويكون سببا للنور ، والاثنان يرجعان إلى معنى واحد.

(٢) النساء ، ١٧١.

٣٨٨

وفي الآية التي نبحثها فإنّ (كلمة) قد استخدمت بهذا المعنى ، أي إشارة إلى موجودات عالم الوجود التي تدل كل واحدة فيه على الصفات المختلفة لله تبارك وتعالى.

وفي الحقيقة إن القرآن يلفت أنظارنا في هذه الآية إلى هذه الحقيقة وهي : لا تظنّوا أنّ عالم الوجود محدود بما تشاهدونه أو تعلمونه أو تحسّونه ، بل هو على قدر من السعة والعظمة بحيث لو أنّ البحار تتحول إلى حبر ، وتكتب صفاته وخصائصه ، فإنّها ـ أي البحار ـ ستجف قبل أن تحصي موجودات عالم الوجود.

ومن الضروري الالتفات هنا إلى أنّ كلمة البحر يراد بها الجنس وكذلك كلمة (مثل) في قوله :( وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً ) فإنّه يراد بها الجنس أيضا ، وهذه إشارة إلى أنّنا مهما أضفنا من أمثال هذه البحار إليها فإنّ الكلمات الإلهية لا تنتهي ولا تنفد.

ولهذا السبب فليس ثمّة تعارض بين هذه الآية وما ورد في سورة لقمان حيث قوله تعالى في الآية (٢٧) :( وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ ) . يعني أنّ هذه الأقلام ستتكسر والمحابر ستجف حتى آخر قطرة ، ومع ذلك فإنّ أسرار المخلوقات وحقائق عالم الوجود لا تنتهي.

وينبغي الانتباه هنا إلى أنّ الآية أعلاه في الوقت الذي تجسّد فيه سعة عالم الوجود اللامتناهية في الماضي والحاضر والمستقبل ، فإنّها توضّح ـ أيضا ـ العلم المطلق وغير المحدود للخالق جلّ وعلا ، لأنّنا نعلم أنّ الله سبحانه وتعالى يحيط علمه بما كان موجودا في عالم الوجود ، وبما سيكون موجودا. وفي الوقت الذي يعتبر فيه علم الله تعالى «علما حضوريا» فإنّه لا يفترق عن وجود هذه الموجودات. (فدقق في ذلك).

إذن نستطيع أن نقول : لو أنّ جميع المحيطات وبحار الأرض تحولت إلى

٣٨٩

حبر ومداد ، ولو أنّ كافة الأشجار تحولت إلى أقلام ، فإنّ ذلك كلّه لا يستطيع الإحاطة بما موجود في عالم الخالق جلّ وعلا.

توضيح لمفهوم اللانهاية :

يقوم القرآن الكريم بتجسيد العدد اللانهائي ويقرب معنى العلم المطلق غير المحدود لله تعالى ، ويقرب سعة عالم الوجود العظيم إلى أفكارنا. وقد استخدم القرآن في ذلك توضيحا بليغا للغاية ، وذكر أرقاما حيّة وذات روح.

ترى هل هناك أعداد حيّة وأخرى ميتة؟

نعم ، ففي الرياضيات إذا وضعت الأصفار إلى يمين العدد الصحيح فهي لا تعبّر في الواقع سوى عن أعداد ميتة لا تستطيع أن تجسّد عظمة شيء معين.

الأشخاص الذين يهتمون بالقضايا الرياضية والحسابية يعرفون أنّ العدد الواحد (كرقم واحد مثلا) لو وضع أمامه من الجهة اليمنى أصفارا بطول كيلومتر واحد ، فسيكون عدد عظيم جدّا ومحيّر ولا يمكن تصوّر عظمته ، ولكن لمن؟ للاشخاص الرياضيين لا عامّة الناس الذين لا يستطيعون تصور العظمة في هذا الرقم.

العدد الحي هو العدد الذي تنشغل أفكارنا به ، ويجسّد الحقائق كما هي ويملك روحا ولسانا وعظمة.

والقرآن الكريم بدلا من أن يقول : إنّ مخلوقات عالم الوجود تتجاوز في كثرتها الرقم الذي تقع على يمينه مئات الكيلو مترات من الأصفار ، يقول : إذا تحولت جميع الأشجار إلى أقلام ، وكل البحار إلى مواد وحبر ، فإنّ الأقلام ستتكسر ومياه البحار ستنتهي ، ولا تنتهي أسرار ورموز وحقائق عالم الوجود ، هذه الأسرار التي يحيط بها جميعا علم الله تعالى.

فكروا جيدا وتأملوا المقدار الذي يستطيع أن يكتبه القلم ، ثمّ ما هو عدد

٣٩٠

الأقلام التي يمكن صناعتها من غصن واحد صغير من شجرة معينة؟

ومعلوم أن باستطاعتنا صناعة آلاف بل حتى ملايين الأقلام من شجرة كبيرة عظيمة، ولنا أن نتصوّر الكمية من الأقلام التي يمكن صنعها من أشجار الأرض جميعا وغاباتها!

من الجهة الثّانية لنا أن نتصوّر عدد الكلمات التي يمكن كتابتها من قطرة حبر واحدة، ثمّ علينا أن نتصوّر ما نستطيع كتابته من حوض واحد ، فبحيرة واحدة ، فبحر واحد ، فمحيط ، ومن ثمّ جميع بحار الأرض ومحيطاتها!

إنّ الحصيلة ـ بلا شك ـ ستكون رقما عجيبا وخياليا!! وتتوضح عظمة المثال القرآني إذا عرفنا أنّ رقم (سبع) ليس للتحديد ، بل هو إشارة للكثرة ، ومعنى هذا الكلام أنّنا لو أضفنا لهذا العدد أضعافه من البحار ، فإنّ كلمات الله لا تنفد.

والآن لنتصور الحيوية والروح الدافقة في هذا العدد ، والشاهد الحي الذي يبعث اليقظة في روح الإنسان ، ويشغل فكره ويجعله يفكّر في آفاق اللانهاية!

إنّ العدد الذي يتضمنه المثال القرآني يحس بعظمته الجميع سواء كانوا رياضيين أو أميين.

نعم ، إنّ علم الله تعالى هو أعلى وأوسع من هذا العدد.

علم غير محدود ولا متناهي.

علم يشمل كل الوجود ، سابقا وحاضرا ومستقبلا ، وهو يضم في طياته كل الأسرار والحقائق!

الآية الثّانية في البحث والتي هي آخر آية في سورة الكهف ، عبارة عن مجموعة من الأسس والأصول للاعتقادات الدينية ، التي تتركز في التوحيد والمعاد ورسالة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . والآية في مضمونها إشارة إلى نفس المضمون الذي ورد في بداية السورة المباركة. ففي البداية تحدّثت السورة عن الله والوحي

٣٩١

والجزاء والقيامة ، والآية الأخيرة هي خلاصة لمجموع ما ورد في السورة ، التي اشتملت في قسم مهم منها على الأصول الثلاثة الآنفة باعتبارها محاور للسورة.

ولأنّ قضية النبوة قد اقترنت مع أشكال من الغلو والمبالغة على طول التأريخ ، لذا فإنّ الآية تقول :( قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ ) .

وهذا التعبير القرآني نسف جميع الامتيازات المقرونة بالشرك التي تخرج الأنبياء من صفة البشرية إلى صفة الألوهية.

ثمّ تشير الآية إلى قضية التوحيد من بين جميع القضايا الأخرى في والوحي الالهي حيث تقول :( أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ) .

أمّا لماذا تمت الإشارة إلى هذه القضية؟ فذلك لأنّ التوحيد هو خلاصة جميع المعتقدات ، وغاية كل البرامج الفردية والاجتماعية التي تجلب السعادة للإنسان.

وفي مكان آخر ، أشرنا إلى أنّ التوحيد ليس أصلا من أصول الدين وحسب ، وإنّما هو خلاصة لجميع أصول وفروع الإسلام.

لو أردنا ـ على سبيل المثال ـ أن نشبّه التعليمات الإسلامية من الأصول والفروع على أنّها قطع من الجواهر ، عندها نستطيع أن نقول : إنّ التوحيد هو السلك والخيط الذي يربط جميع هذه القطع إلى بعضها البعض ليتشكّل من المجموع قلادة جميلة وثمينة.

وإذا أردنا أن نشبّه التعليمات الإسلامية أصولا وفروعا بأعضاء الجسم ، فإنّ التوحيد سيكون روح الإنسان التي تهب الحياة لكافة الأعضاء.

وقد أثبتنا في بحوثنا حول المعاد والنبوة أنّ هذين الأصلين لا ينفصلان عن التوحيد. يعني : عند ما نعرف الخالق بجميع صفاته ، فإنّنا نعلم أنّ مثل هذا الخالق يجب أن يرسل الأنبياء ، وتقتضي حكمته وعدالته أن توجد محكمة عادلة وأن يكون هناك بعثا.

٣٩٢

والمسائل الاجتماعية ، وكل المجتمع الإنساني وما يرتبط به ، ينبغي أن يكون فيه شعاع من التوحيد حتى يتوحد وينتظم ويستقر.

لهذا السبب نقرأ في الأحاديث القدسية إن : «كلمة لا اله إلّا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي».

وكل منّا قد سمع أيضا أن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في بداية الإسلام : (قولوا لا إله إلّا الله تفلحوا).

الجملة الثّالثة في الآية الكريمة تشير إلى قضية البعث وتربطها بالتوحيد بواسطة (فاء التفريع) حيث تقول :( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً ) .

بالرغم من أن لقاء الله بمعنى المشاهدة الباطنية ورؤية الذات المقدسة بعين البصيرة هو أمر ممكن في هذه الدنيا بالنسبة للمؤمنين الحقيقيين ، إلّا أنّ هذه القضية تكتسب جانبا عاما يوم القيامة بسبب مشاهدة الآثار الكبيرة والواضحة والصريحة للخالق تبارك وتعالى. لذا فإنّ القرآن استخدام هذا التعبير في خصوص يوم القيامة.

من جانب آخر ، فإنّ الإنسان الذي ينتظر أمرا معينا ، ويأمل شيئا ما ، فمن الطبيعي أن يهيء نفسه ويعدّها لاستقبال ذلك الأمر. أمّا الشخص الذي يدّعي ولا يستعد ، وينتظر ولا يعمل ، فهو في الواقع مدع كاذب لا غير.

لهذا السبب فإنّ الآية أعلاه تقول :( فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً ) وردت بصيغة الأمر ، الأمر الذي يلازمه الرجاء والأمل بانتظار لقاء الله.

وفي آخر جملة ثمّة توضيح للعمل الصالح في جملة قصيرة ، هي قوله تعالى :( وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) .

بعبارة أخرى : لا يكون العمل صالحا ما لم تتجلى فيه حقيقة الإخلاص.

فالهدف الإلهي يعطي لعمل الإنسان عمقا ونورانية خاصّة ، ويوجهه الوجهة

٣٩٣

الصحيحة ، وعند ما نفقد الإخلاص يكون العمل ذا جنبة ظاهرية حيث يشير إلى المنافع الخاصّة ، ويفقد عمقه وأصالته ووجهته الصحيحة.

في الحقيقة إنّ العمل الصالح الذي ينبع من أهداف إلهية ، ويمتزج بالإخلاص ويتفاعل معه ، هو الذي يكون جوازا للقاء الله تبارك وتعالى.

وقد أشرنا سابقا إلى أنّ العمل الصالح له مفهوم واسع للغاية ، وهو يشمل أي برنامج مفيد وبنّاء ، فردي واجتماعي ، وفي أي قضية من قضايا الحياة.

الإخلاص أو روح العمل الصالح :

أعطت الرّوايات الإسلامية مكانة خاصّة لقضية «النية» ، والإسلام في العادة يقر بقبول الأعمال بملاحظة النية والهدف من العمل.

الحديث المشهور عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا عمل إلّا بنية» بيان واضح لهذه الحقيقة.

وبعد (النية) هناك (الإخلاص) ، فلو اقترن العمل بالإخلاص فسيكون عملا ثمينا للغاية ، وبدون الإخلاص هو لا قيمة له. والإخلاص هو أن تكون الدوافع الإنسانية خالية من أي نوع من أنواع الشوائب ، ويمكن أن نسمّي الإخلاص بـ «توحيد النية» يعني التفكير بالله وبرضاه في جميع الأمور والحالات.

والطريف في الأمر هنا هو ما ورد في سبب نزول هذه الآية من أنّ رجلا جاء إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إنّي أتصدق وأصل الرحم ، ولا أصنع ذلك إلّا لله ، فيذكر ذلك منّي،وأحمد عليه فيسرّني ذلك ، وأعجب به. فسكت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يقل شيئا ، فنزلت الآية :( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (١) .

إنّ المقصود من هذه الرّواية ليس الفرح أو السرور اللاإرادي ، بل هي الحالة

__________________

(١) مجمع البيان في تفسير الآية. وكذلك تفسير القرطبي.

٣٩٤

التي يكون فيها الفرح والسرور هدفا لعمل الإنسان ، أو الحالة التي تؤدي إلى عدم خلوص النية.

فالعمل الخالص يعتبر مهما في الإسلام إلى الحد الذي يقول فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أخلص لله أربعين يوما فجّر الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه»(١) .

دعاء الختام :

إلهي ، اجعل نياتنا خالصة في جميع أعمالنا بحيث لا نفكّر بأحد سواك ، ولا نعدوك إلى غيرك واجعل ما نريده وما لا نريده تبعا لطاعتك ورضاك آمين ربّ العالمين.

نهاية سورة الكهف

__________________

(١) سفينة البحار ، ج ١ ، ص ٤٠٨.

٣٩٥
٣٩٦

سورة مريم

مكّية

وعدد آياتها ثمان وتسعون آية

٣٩٧
٣٩٨

«سورة مريم»

محتوى السورة :

لهذه السورة من جهة المحتوى عدة أقسام مهمّة :

١ ـ يشكل القسم الذي يتحدث عن قصص زكريا ومريم والمسيحعليهم‌السلام ويحيي وإبراهيمعليهما‌السلام بطل التوحيد ، وولده إسماعيل ، وإدريس وبعض آخر من كبار أنبياء الله ، الجزء الأهم في هذه السورة ، ويحتوي على أمور تربوية لها خصوصيات مهمّة.

٢ ـ الجزء الثّاني من هذه السورة ـ والذي يأتي بعد القسم الأوّل من حيث الاهمية ـ عبارة عن المسائل المرتبطة بالقيامة ، وكيفية البعث ، ومصير المجرمين ، وثواب المتقين ، وأمثال ذلك.

٣ ـ القسم الثّالث ، وهو المواعظ والنصائح التي تكمل ـ في الواقع ـ الأقسام السابقة.

٤ ـ وأخيرا ، فإنّ آخر قسم عبارة عن الإشارات المرتبطة بالقرآن ، ونفي الولد عن الله سبحانه ، ومسألة الشفاعة ، وتشكل بمجموعها برنامجا تربويا مؤثرا من أجل دفع النفوس الإنسانية إلى الإيمان والطهارة والتقوى.

فضل السورة :

روي عن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأها أعطي من الأجر بعدد من صدّق

٣٩٩

بزكريا وكذب به ، ويحيي ومريم وموسى وعيسى وهارون وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل عشر حسنات ، وبعدد من ادعى لله ولدا ، وبعدد من لم يدع ولدا»(١) .

إن هذا الحديث ـ في الحقيقة ـ دعوة إلى السعي ت والجد في خطين مختلفين : خط مساندة ودعم النّبي والطاهرين والخيرين ، وخط محاربة المشركين والمنحرفين والفاسقين ، لأنا نعلم أن هذه المكافئات والعطايا الجزيلة لا تعطى لمن يتلفظ كلمات السورة بلسانه فقط ، ولا يعمل بأوامرها ، بل إن هذه الألفاظ المقدسة مقدمة للعمل.

ونقرأ في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «من أدمن قراءة سورة مريم لم يمت في الدنيا حتى يصيب منها ما يغنيه في نفسه وماله وولده»(٢) .

إن هذا الغنى وعدم الاحتياج ـ حتما ـ قبس من وجود محتوى السورة وسريانها في أعماق روح الإنسان ، وانعكاسها من خلال أعماله وأقواله وسلوكه.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان الجزء ٣ ، ص ٥٠٠.

(٢) المصدر السابق.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576