الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 576

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 264254 / تحميل: 11786
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

في ذمته أو كان له مال تجدد له بعد الحجر ـ ولو بالاستدانة أو قبول الهدية مثلاً ـ أو أذن له الغرماء بدفع الثمن من ماله المحجور عليه.

مسألة 333 : تثبت الشفعة للشريك وإن كان سفيهاً أو صبياً أو مجنوناً فيأخذ لهم الولي بها ، بل إذا أخذ السفيه بها بإذن الولي صح. نعم إذا كان الولي هو الوصي أو الحاكم ليس له ذلك إلا مع رعاية الغبطة والمصلحة بخلاف الأب والجد فإنه تكفي فيهما رعاية عدم المفسدة كما هو الحال في سائر التصرفات.

مسألة 334 : إذا أسقط الولي عن الصبي أو المجنون أو السفيه حق الشفعة ـ مع رعاية ما تقدم ـ لم يكن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والعقل والرشد ، وكذا إذا لم يكن الأخذ بها مصلحة فلم يطالب. أما إذا ترك المطالبة بها مساهلة منه في حقهم فالظاهر أن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والعقل والرشد.

مسألة 335 : إذا كان المبيع مشتركاً بين الولي والمولى عليه فباع الولي سهم المولىّ عليه جاز له أن يأخذ بالشفعة لنفسه على الأقوى.

مسألة 336 : إذا باع الولي سهم نفسه جاز له أن يأخذ بالشفعة للمولى عليه ، وكذا الحكم في الوكيل إذا كان شريكاً مع الموكل.

١٠١

فصل

في الأخذ بالشفعة

مسألة 337 : الأخذ بالشفعة من الإنشائيات المعتبر فيها الإيقاع ويتحقق ذلك بالقول مثل أن يقول : أخذت المبيع الكذائي بثمنه ، وبالفعل مثل أن يدفع الثمن إلى المشتري ويستقل بالمبيع.

مسألة 338 : لا يجوز للشفيع أخذ بعض المبيع وترك بعضه الآخر بل إما أن يأخذ الجميع أو يدع الجميع.

مسألة 339 : الشفيع يتملك المبيع بإعطاء قدر الثمن إلى المشتري لا بأكثر منه ولا بأقل سواء أكانت قيمة المبيع السوقية مساوية للثمن أم زائدة أم ناقصة ، ولا يلزم أن يعطي عين الثمن في فرض التمكن منها بل له أن يعطي مثله إن كان مثلياً.

مسألة 340 : إذا كان الثمن قيمياً ففي ثبوت الشفعة للشريك بأن يأخذ المبيع بقيمة الثمن حين البيع إشكال ، فالأحوط له عدم الأخذ بالشفعة إلا برضى المشتري كما أن الأحوط للمشتري إجابته إذا أخذ بها.

مسألة 341 : إذا غرم المشتري شيئاً من أجرة الدلال أو غيرها أو تبرع بشيء للبائع من خلعة ونحوها لم يلزم الشفيع تداركه.

مسألة 342 : إذا حط البائع شيئاً من الثمن للمشتري بعد البيع لم يكن للشفيع تنقيصه.

مسألة 343 : الأقوى لزوم المبادرة إلى الأخذ بالشفعة فيسقط مع المماطلة والتأخير بلا عذر ولا يسقط إذا كان التأخير عن عذر ـ ولو كان عرفياً ـ كجهله بالبيع أو جهله باستحقاق الشفعة ، أو توهمه كثرة الثمن فبان قليلا ،

١٠٢

أو كون المشتري زيداً فبان عمراً ، أو أنه اشتراه لنفسه فبان لغيره أو العكس ، أو أنه واحد فبان اثنين أو العكس ، أوإن المبيع النصف بمائة فتبين أنه الربع بخمسين ، أو كون الثمن ذهباً فبان فضة ، أو لكونه محبوساً ظلماً أو بحق يعجز عن أدائه ، وكذا أمثال ذلك من الأعذار.

مسألة 344 : المبادرة اللازمة في استحقاق الأخذ بالشفعة يراد منها المبادرة على النحو المتعارف الذي جرت به العادة ، فإذا كان مشغولاً بعبادة واجبة أو مندوبة لم يجب عليه قطعها.

مسألة 345 : إذا كان مشغولاً بأكل أو شرب لم يجب قطعه ولا يجب عليه الإسراع في المشي.

مسألة 346 : يجوز له إن كان غائباً انتظار الرفقة إذا كان الطريق مخوفاً ، أو انتظار زوال الحر أو البرد إذا جرت العادة بانتظاره لمثله ، وقضاء وطره من الحمام إذا علم بالبيع وهو في الحمام وأمثال ذلك مما جرت العادة بفعله لمثله ، نعم يشكل مثل عيادة المريض وتشييع المؤمن ونحو ذلك إذا لم يكن تركه موجباً للطعن فيه وكذا الاشتغال بالنوافل ابتداءً ، والأظهر السقوط في كل مورد صدقت فيه المماطلة عرفاً.

مسألة 347 : إذا كان غائباً عن بلد البيع وعلم بوقوعه وكان يتمكن من الأخذ بالشفعة ولو بالتوكيل فلم يبادر إليه سقطت الشفعة.

مسألة 348 : لا ينتقل المبيع إلى الشفيع بمجرد قوله : ( أخذت بالشفعة ) مثلاً ، بل لابد من تعقبه بدفع الثمن إلا أن يرضى المشتري بالتأخير ، فإذا قال ذلك وهرب أو ماطل أو عجز عن دفع الثمن بقي المبيع على ملك المشتري لا أنه ينتقل بالقول إلى ملك الشفيع وبالعجز أو الهرب أو المماطلة يرجع إلى ملك المشتري.

مسألة 349 : إذا باع المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة لم تسقط بل

١٠٣

جاز للشفيع الأخذ من المشتري الأول بالثمن الأول فيبطل الثاني وتجزي الإجازة منه في صحته له ، وله الأخذ من المشتري الثاني بثمنه فيصح البيع الأول.

مسألة 350 : إذا زادت العقود على اثنين فإن أخذ بالأول بطل ما بعده ويصح مع إجازته ، وإن أخذ بالأخير صح ما قبله ، وإن أخذ بالمتوسط صح ما قبله وبطل ما بعده ويصح مع إجازته.

مسألة 351 : إذا تصرف المشتري في المبيع بوقف أو هبة غير معوضة أو بجعله صداقاً أو غير ذلك مما لا شفعة فيه كان للشفيع الأخذ بالشفعة بالنسبة إلى البيع فتبطل التصرفات اللاحقة له.

مسألة 352 : الشفعة من الحقوق فتسقط بالإسقاط ، ويجوز أخذ المال بإزاء إسقاطها وبإزاء عدم الأخذ بها ، لكن على الأول لا يسقط إلا بالإسقاط فإذا لم يسقطه وأخذ بالشفعة صح ولم يستحق المال المبذول ، بل الظاهر صحة الأخذ بالشفعة على الثاني أيضاً. ويصح الصلح على سقوطها فيسقط بذلك.

مسألة 353 : الظاهر أنه لا إشكال في أن حق الشفعة لا يقبل الانتقال إلى غير الشفيع.

مسألة 354 : إذا باع الشريك نصيبه قبل الأخذ بالشفعة فالظاهر سقوطها خصوصاً إذا كان بيعه بعد علمه بالشفعة.

مسألة 355 : المشهور اعتبار العلم بالثمن في جواز الأخذ بالشفعة ، فإذا أخذ بها وكان جاهلاً به لم يصح لكن الصحة لا تخلو من وجه.

مسألة 356 : إذا تلف تمام المبيع قبل الأخذ بالشفعة سقطت.

مسألة 357 : إذا تلف بعضه دون بعض لم تسقط وجاز له أخذ الباقي بتمام الثمن من دون ضمان على المشتري.

١٠٤

مسألة 358 : إذا كان التلف بعد الأخذ بالشفعة فإن كان التلف بفعل المشتري ضمنه.

مسألة 359 : إذا كان التلف بغير فعل المشتري ضمنه المشتري أيضاً فيما إذا كان التلف بعد المطالبة ومسامحة المشتري في الإقباض.

مسألة 360 : في انتقال الشفعة إلى الوراث إشكال وعلى تقدير الانتقال ليس لبعض الورثة الأخذ بها ما لم يوافقه الباقون.

مسألة 361 : إذا أسقط الشفيع حقه قبل البيع لم يسقط ، وكذا إذا شهد على البيع أو بارك للمشتري إلا أن تقوم القرينة على إرادة الإسقاط بالمباركة بعد البيع.

مسألة 362 : إذا كانت العين مشتركة بين حاضر وغائب وكانت حصة الغائب بيد ثالث فعرضها للبيع بدعوى الوكالة عن الغائب جاز الشراء منه والتصرف فيه ما لم يعلم كذبه في دعواه ، وهل يجوز للشريك الحاضر الأخذ بالشفعة بعد إطلاعه على البيع؟ إشكال ، وإن كان الجواز أقرب فإذا حضر الغائب وصدق فهو ، وإن أنكر كان القول قوله بيمينه ما لم يكن مخالفاً للظاهر فإذا حلف انتزع الحصة من يد الشفيع وكان له عليه الأجرة إن كانت ذات منفعة مستوفاة أو غيرها على تفصيل تقدم في المسألة (78) ، فإن دفعها إلى المالك رجع بها على مدعي الوكالة.

مسألة 363 : إذا كان الثمن مؤجلاً جاز للشفيع الأخذ بالشفعة بالثمن المؤجل ، والظاهر جواز إلزامه بالكفيل ، ويجوز أيضاً الأخذ بالثمن حالاً إن رضي المشتري به أو كان شرط التأجيل للمشتري على البائع.

مسألة 364 : إذا تقايل المتبايعان قبل أخذ الشريك بالشفعة فالمشهور عدم سقوطها بالإقالة ، بل لو أخذ الشفيع بها كشف ذلك عن بطلان الإقالة فيكون نماء المبيع بعدها للمشتري ونماء الثمن للبائع كما كان الحال قبلها

١٠٥

كذلك ، ولكن لا يبعد سقوطها حينئذ ، وأما لو كان التقايل بعد أخذ الشريك بالشفعة لم يمنع ذلك عن صحة الإقالة فيرجع البائع بعوض المبيع إلى المشتري.

مسألة 365 : إذا كان للبائع خيار رد العين فالظاهر أن الشفعة لا تسقط به لكن البائع إذا فسخ قبل أخذ الشريك بالشفعة يرجع المبيع إليه ولا شفعة وإن فسخ بعده رجع بالمثل أو القيمة ، وهكذا الحكم في سائر الخيارات الثابتة للبائع أو المشتري غير ما يسقط بخروج العين عن ملك المشتري كخيار العيب.

مسألة 366 : إذا كانت العين معيبة فإن علمه المشتري فلا خيار له ولا أرش ، فإذا أخذ الشفيع بالشفعة فإن كان عالماً به فلا شيء له وإن كان جاهلاً كان له الخيار في الرد وليس له اختيار الأرش ، وأذا كان المشتري جاهلاً كان له الرد فإن لم يمكن ـ ولو لأخذ الشريك بالشفعة قبل ذلك ـ كان له الأرش ، وأما الشفيع الجاهل بالعيب حين أخذه بالشفعة فيتخير بين الرد إلى المشتري وبين مطالبته بالأرش حتى وإن كان قد أسقطه عن البائع على الأقرب.

مسألة 367 : إذا اتفق اطلاع المشتري على العيب بعد أخذ الشفيع فالظاهر أن له أخذ الأرش وعليه دفعه إلى الشفيع ، وأذا اطلع الشفيع عليه دون المشتري فليس له مطالبة البائع بالأرش بل له إعلام المشتري بالحال ويتخير بين رد العين المعيبة إليه وبين مطالبته بالأرش.

١٠٦

كتاب الإجارة

١٠٧
١٠٨

وهي المعاوضة على المنفعة عملاً كانت أو غيره ، فالأول مثل إجارة الخياط للخياطة ، والثاني مثل إجارة الدار.

وفيه فصول :

فصل في شروطها

مسألة 368 : لابد فيها من الإيجاب والقبول ، فالإيجاب مثل قول الخياط : آجرتك نفسي ، وقول صاحب الدار : آجرتك داري ، والقبول مثل قول المستأجر : قبلت ، ويجوز وقوع الإيجاب من المستأجر ، مثل : استأجرتك لتخيط ثوبي وأستأجرت دارك ، فيقول المؤجر : قبلت ، ويكفي في الأخرس الإشارة المفهمة للإيجار أو الاستئجار.

مسألة 369 : تجري المعاطاة في الإجارة ـ كما تجري في البيع ـ فلو سلّم المؤجر ماله للمستأجر بقصد الإيجار وقبضه المستأجر بقصد الاستئجار صحت الإجارة.

مسألة 370 : يشترط في صحة الإجارة أمور بعضها في المتعاقدين ، وبعضها في العين المستأجرة ، وبعضها في المنفعة المقصودة بالإجارة ، وبعضها في الأجرة.

١٠٩

( شرائط المتعاقدين )

يشترط في المؤجر والمستأجر أن يكون كل منهما بالغاً عاقلا مختارا ، كما يشترط في المؤجر أن يكون مالكا للمنفعة المقصودة بالإيجار وفي المستأجر أن يكون مالكاً للأجرة ، ويشترط فيهما أن لا يكونا محجورين لسفه أو تفليس ، فلا تصح إجارة الصبي والمجنون والمكره ـ إلا أن يكون الإكراه بحق ـ كما لا تصح إجارة الفضولي ، ولا إجارة السفيه أمواله مطلقاً ، ولا إجارة المفلس أمواله التي حجر عليها.

مسألة 371 : إذا أجر السفيه نفسه لعمل فالأظهر بطلان الإجارة ـ ما لم تتعقب بإجازة الولي ـ وأما إذا آجر المفلس نفسه فالأظهر صحتها.

مسألة 372 : إذا لم يكن المؤجر مالكاً للمنفعة ـ ولم يكن ولياً ولا وكيلاً ـ توقفت صحة الإجارة على إجازة المالك ، وأذا كان محجوراً عليه لسفه توقفت صحتها على إجازة الولي ، وإن كان محجوراً عليه لفلس توقفت صحتها على إجازة الغرماء ، وإن كان مكرهاً توقفت صحتها على الرضا لا بداعي الإكراه.

( شرائط العين المستأجرة )

وهي أمور :

1 ـ التعيين ، فلا يصح إجارة المبهم كما لو قال : ( آجرتك إحدى دوري ) نعم يصح إجارة الكلي في المعين كسيارة من عدة سيارات متماثلة.

2 ـ المعلومية ، فإن كانت عيناً معينة فإما بالمشاهدة وأما بذكر الأوصاف التي تختلف بها الرغبات في إجارتها لو كانت غائبة ، وكذا لو كانت كلية.

١١٠

3 ـ التمكن من التسليم ، فلا تصح الإجارة من دونه حتى مع الضميمة على الأحوط ، نعم يكفي تمكن المستأجر من الاستيلاء على العين المستأجرة فتصح إجارة الدابة الشاردة مثلاً إذا كان المستأجر قادراً على أخذها.

4 ـ إمكان الانتفاع بها مع بقاء عينها ، فلا تصح إجارة الخبز ونحوه من المأكولات للأكل.

5 ـ قابليتها للانتفاع المقصود من الإجارة ، فلا تصح إجارة الأرض للزراعة إذا لم يكن المطر وافياً ولم يمكن سقيها من النهر أو غيره.

( شرائط المنفعة المقصودة بالإجارة )

وهي أمور :

1 ـ أن تكون محللة ، فلو انحصرت منافع المال في الحرام أو اشترط الانتفاع بخصوص المحرم منها ، أو أوقع العقد مبنياً على ذلك بطلت الإجارة ، كما لو آجر الدكان بشرط أن يباع أو يحفظ فيه الخمر ، أو آجر الحيوان بشرط أن يحمل الخمر عليه.

2 ـ أن تكون لها مالية يبذل المال بإزائها عند العقلاء على الأحوط.

3 ـ تعيين نوع المنفعة إذا كانت للعين منافع متعددة ، فلو أجر حيواناً قابلاً للركوب ولحمل الأثقال وجب تعيين حق المستأجر من الركوب أو الحمل أو كليهما.

4 ـ معلومية المنفعة ، وهي أما بتعيين المدة مثل سكنى الدار سنة أو شهراً ، وأما بتعيين المسافة مثل ركوب السيارة فرسخاً أو فرسخين ، وأما بتعيين العمل كخياطة الثوب المعين على كيفية معينة أو سياقة السيارة إلى مكة أو غيرها من البلاد المعروفة من طريق معين.

١١١

ولابد في الأولين من تعيين الزمان ، فإذا استأجر الدار للسكنى سنة ، والسيارة للركوب فرسخا من دون تعيين الزمان ، بطلت الإجارة ، إلا أن تكون قرينة على التعيين كالإطلاق الذي هو قرينة على التعجيل.

مسألة 373 : لا يعتبر تعيين الزمان في الإجارة على الخياطة ونحوها من الأعمال ، فيجب الإتيان به متى طالب المستأجر ، هذا إذا لم تختلف الأغراض باختلاف الأزمنة التي يقع فيها العمل ، والا فلابد من تعيين الزمان فيه أيضاً.

( شرائط الأجرة )

يعتبر في الأجرة معلوميتها ، فإذا كانت من المكيل أو الموزون أو المعدود لابد من معرفتها بالكيل أو الوزن أو العد ، وما يعرف منها بالمشاهدة لابد من مشاهدته أو وصفه على نحو ترتفع الجهالة.

ويجوز أن تكون الأجرة عيناً خارجية أو كلياً في الذمة ، أو عملاً أو منفعة أو حقاً قابلاً للنقل والانتقال كحق التحجير.

مسألة 374 : إذا استأجر سيارة للحمل فلابد من تعيين الحمل ، وأذا استأجر دراجة للركوب فلابد من تعيين الراكب ، وأذا استأجر ماكنة لحرث جريب من الأرض فلابد من تعيين الأرض. نعم إذا كان اختلاف الراكب أو الحمل أو الأرض لا يوجب اختلافاً في الأغراض النوعية لم يجب التعيين.

مسألة 375 : إذا قال آجرتك الدار شهراً أو شهرين أو قال آجرتك كل شهر بدرهم مهما أقمت فيها بطلت الإجارة ، وأذا قال : آجرتك شهراً بدرهم فإن زدت فبحسابه صح في الشهر الأول وبطل في غيره ، هذا إذا كان بعنوان الإجارة ، أما إذا كان بعنوان الجعالة بأن يجعل المنفعة لمن يعطيه درهماً أو كان من قبيل الإباحة بالعوض بأن يبيح المنفعة لمن يعطيه درهما فلا

١١٢

بأس.

مسألة 376 : إذا قال : إن خطت هذا الثوب بدرز فلك درهم وإن خطته بدرزين فلك درهمان ، فإن قصد الجعالة كما هو الظاهر صح وإن قصد الإجارة بطل ، وكذا إن قال : إن خطته هذا اليوم فلك درهم وإن خطته غداً فلك نصف درهم. والفرق بين الإجارة والجعالة أن في الإجارة تشتغل ذمة العامل بالعمل للمستأجر حين العقد وكذا تشتغل ذمة المستأجر بالعوض ولأجل ذلك صارت عقداً وليس ذلك في الجعالة فإن اشتغال ذمة المالك بالعوض يكون بعد عمل العامل من دون اشتغال لذمة العامل بالعمل أبداً ، ولأجل ذلك صارت إيقاعا.

مسألة 377 : إذا استأجره على عمل مقيد بقيد خاص من زمان أو مكان أو آلة أو وصف فجاء به على خلاف القيد لم يستحق شيئاً على عمله ، فإن لم يمكن العمل ثانياً تخير المستأجر بين فسخ الإجارة وبين مطالبة الأجير بأجرة المثل للعمل المستأجر عليه فإن طالبه بها لزمه إعطاؤه أجرة المثل ، وإن أمكن العمل ثانياً وجب الإتيان به على النهج الذي وقعت عليه الإجارة.

مسألة 378 : إذا استأجره على عمل بشرط ، بأن كان إنشاء الشرط في ضمن عقد الإجارة أو وقع العقد مبنياً عليه فلم يتحقق الشرط ، كما إذا استأجره ليوصله إلى مكان معين وشرط عليه أن يوصله في وقت محدد فأوصله ولكن في غير ذلك الوقت أو استأجره على خياطة ثوبه وأشترط عليه قراءة سورة من القرآن فخاط الثوب ولم يقرأ السورة ـ كان له فسخ الإجارة وعليه حينئذ أجرة المثل وله إمضاؤها ودفع الأجرة المسماة ، والفرق بين القيد والشرط أن متعلق الإجارة في موارد التقييد حصة خاصة مغايرة لسائر الحصص وأما في موارد الاشتراط فمتعلق الإجارة هو طبيعي العمل ولكن العقد معلق على التزام الطرف بتحقق أمر كالإيصال في الوقت المحدد أو القراءة في المثالين ، ولازم

١١٣

ذلك أن يكون التزامه بالعقد مشروطاً بنفس تحقق الملتزم به ، ومعنى ذلك جعل الخيار لنفسه على تقدير عدم تحققه.

مسألة 379 : إذا استأجر سيارة إلى «كربلاء» مثلاً بدرهم وأشترط له على نفسه أنه إن أوصله المؤجر نهاراً أعطاه درهمين صح.

مسألة 380 : لو استأجر سيارة مثلاً إلى مسافة بدرهمين وأشترط على المؤجر أن يعطيه درهماً واحداً إن لم يوصله نهاراً صح ذلك.

مسألة 381 : إذا استأجر سيارة على أن يوصله المؤجر نهاراً بدرهمين أو ليلاً بدرهم بحيث تكون الإجارة على أحد الأمرين مردداً بينهما فالإجارة باطلة.

مسألة 382 : إذا استأجره على أن يوصله إلى «كربلاء» وكان من نيته زيارة ليلة النصف من شعبان ولكن لم يذكر ذلك في العقد ولم تكن قرينة على التعيين استحق الأجرة وإن لم يوصله ليلة النصف من شعبان.

١١٤

فصل

في مسائل تتعلق بلزوم الإجارة

مسألة 383 : الإجارة من العقود اللازمة لا تنفسخ إلا بالتراضي بين الطرفين أو يكون للفاسخ الخيار ، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الإجارة منشأة باللفظ أو بالمعاطاة.

مسألة 384 : إذا باع المالك العين المستأجرة قبل تمام مدة الإجارة لم تنفسخ الإجارة بل تنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدة الإجارة وإذا كان المشتري جاهلاً بالإجارة أو معتقداً قلة المدة فتبين زيادتها كان له فسخ البيع وليس له المطالبة بالأرش ، وإذا فسخت الإجارة رجعت المنفعة إلى البائع.

مسألة 385 : لا فرق فيما ذكرناه من عدم انفساخ الإجارة بالبيع بين أن يكون البيع على المستأجر وغيره ، فلو استأجر داراً ثم اشتراها بقيت الإجارة على حالها ويكون ملكه للمنفعة في بقية المدة بسبب الإجارة لا من جهة تبعية العين فلو انفسخت الإجارة رجعت المنفعة في بقية المدة إلى البائع ، ولو فسخ البيع بأحد أسبابه بقي ملك المشتري المستأجر للمنفعة على حاله.

مسألة 386 : إذا باع المالك العين على شخص وأجرها وكيله مدة معينة على شخص آخر واقترن البيع والإجارة زماناً صحا جميعاً فيكون المبيع للمشتري مسلوب المنفعة مدة الإجارة ويثبت الخيار له حينئذ.

مسألة 387 : لا تبطل الإجارة بموت المؤجر ولا بموت المستأجر حتى فيما إذا استأجر داراً على أن يسكنها بنفسه فمات ، فإنه لا تبطل الإجارة بموته

١١٥

ولكن يثبت للمؤجر مع التخلف خيار الفسخ ، نعم إذا اعتبر سكناه على وجه القيدية تبطل بموته.

مسألة 388 : إذا أجر نفسه للعمل بنفسه فمات قبل إنجازه بطلت الإجارة ، نعم إذا تعمد ترك الإتيان به قبل موته لم تبطل الإجارة بل يتخير المستأجر بين الفسخ وبين المطالبة بأجرة مثل العمل.

مسألة 389 : إذا لم يكن المؤجر مالكا للعين المستأجرة بل مالكا لمنفعتها ما دام حياً ـ بوصية مثلاً ـ فمات أثناء مدة الأجارة بطلت حينئذ بالنسبة إلى المدة الباقية ، نعم لما كانت المنفعة في بقية المدة لورثة الموصي فلهم أن يجيزوها بالنسبة إلى تلك المدة فتقع لهم الإجارة وتكون لهم الأجرة.

مسألة 390 : إذا أجر البطن السابق من الموقوف عليهم العين الموقوفة فانقرضوا قبل انتهاء مدة الإجارة بطلت بالنسبة إلى بقية المدة إذا لم تجزها الطبقة المتأخرة ، وفي صورة أخذ الطبقة الأولى للأجرة كلها يكون للمستأجر استرجاع مقدار إجارة المدة الباقية منها من أموال الطبقة الأولى ، وأما إذا أجرها المتولي ـ سواء أكان هو البطن السابق أم غيره ـ ملاحظاً بذلك مصلحة الوقف لم تبطل بموته ، وكذا إذا أجرها لمصلحة البطون اللاحقة إذا كانت له ولاية على ذلك فأنها تصح ويكون للبطون اللاحقة حصتهم من الأجرة.

مسألة 391 : إذا أجر نفسه للعمل أما بالإتيان به مباشرة أو تسبيباً فمات قبل ذلك بطلت الإجارة على تفصيل تقدم في المسألة (388) ، وأما إذا تقبل العمل الكلي في ذمته من دون التقييد بذلك فمات قبل تحقيقه لم تبطل المعاملة بل يجب أداء العمل من تركته كسائر الديون.

مسألة 392 : إذا أجر الولي مال الطفل مدة ، وبلغ الطفل أثناءها كانت صحة الإجارة بالنسبة إلى ما بعد بلوغه موقوفة على إجازته حتى فيما إذا كان

١١٦

عدم جعل ما بعد البلوغ جزءاً من مدة الإيجار على خلاف مصلحة الطفل ، وهكذا الحكم فيما إذا أجر الولي الطفل نفسه إلى مدة فبلغ أثناءها ، نعم إذا كان امتداد مدة الإيجار إلى ما بعد البلوغ هو مقتضى مصلحة ملزمة شرعاً بحيث يعلم عدم رضا الشارع بتركها صح الإيجار كذلك بإذن الحاكم الشرعي ولم يكن للطفل أن يفسخه بعد بلوغه.

مسألة 393 : إذا أجرت المرأة نفسها للخدمة مدة معينة فتزوجت في أثنائها لم تبطل الإجارة وإن كانت الخدمة منافية لحق الزوج.

مسألة 394 : إذا أجرت نفسها بعد التزويج توقفت صحة الإجارة على إجازة الزوج فيما ينافي حقه ونفذت الإجارة فيما لا ينافي حقه.

مسألة 395 : إذا وجد المستأجر في العين المستأجرة عيباً فإن كان عالما به حين العقد فلا أثر له وإن كان جاهلاً به فإن كان موجباً لفوات بعض المنفعة كخراب بعض بيوت الدار قسطت الأجرة ورجع على المالك بما يقابل المنفعة الفائتة وله فسخ العقد من أصله ، هذا إذا لم يكن الخراب قابلاً للانتفاع أصلاً ولو بغير السكنى وإلا لم يكن له إلا خيار العيب. وإن كان العيب موجباً لنقص في المنفعة كبطء سير السيارة كان له الخيار في الفسخ وليس له مطالبة الأرش ، وإن لم يوجب العيب شيئا من ذلك لكن يوجب نقص الأجرة ككون السيارة مخسوفة البدنة كان له الخيار أيضاً ، وإن لم يوجب ذلك أيضاً فلا خيار. هذا إذا كانت العين شخصية أما إذا كانت كلية وكان المقبوض معيباً كان له المطالبة بالصحيح ولا خيار في الفسخ ، وإذا تعذر الصحيح كان له الخيار في أصل العقد.

مسألة 396 : إذا وجد المؤجر عيباً في الأجرة وكان جاهلاً به كان له الفسخ وليس له المطالبة بالأرش وإذا كانت الأجرة كلية فقبض فرداً معيباً منها فليس له فسخ العقد بل له المطالبة بالصحيح فإن تعذر كان له الفسخ.

١١٧

مسألة 397 : يجري في الإجارة خيار الغبن ـ على تفصيل تقدم نظيره في البيع ـ كما يجري فيها خيار العيب وخيار الشرط ـ حتى للأجنبي ـ ومنه خيار شرط رد العوض نظير شرط رد الثمن ، وكذا خيار تخلف الشرط الصريح أو الارتكازي ومنه خيار تبعض الصفقة وتعذر التسليم والتفليس والتدليس والشركة ، ولا يجري فيها خيار المجلس ولا خيار الحيوان ولا خيار التأخير على النحو المتقدم في البيع ، نعم مع التأخير في تسليم أحد العوضين عن الحد المتعارف يثبت الخيار للطرف.

مسألة 398 : إذا حصل الفسخ في عقد الإيجار ابتداء المدة فلا إشكال وإذا حصل أثناء المدة فإن لم يكن الخيار مجعولاً للفاسخ على نحو يقتضي التبعيض وبطلان الإجارة بالنسبة إلى ما بقي خاصة ـ كما هو الحال في شرط الخيار غالباً ـ فالأقوى كونه موجباً لانفساخ العقد في جميع المدة فيرجع المستأجر بتمام المسمى ويكون للمؤجر أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى.

١١٨

فصل

في أحكام التسليم في الإجارة

مسألة 399 : إذا وقع عقد الإجارة ملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان والعمل في الإجارة على الأعمال بنفس العقد وكذا المؤجر والأجير يملكان الأجرة بنفس العقد ، لكن ليس للمستأجر المطالبة بالمنفعة والعمل مع تأجيل الأجرة وعدم تسليمها إلا إذا كان قد شرط ذلك صريحاً أو كانت العادة جارية عليه ، كما أنه ليس للأجير والمؤجر المطالبة بالأجرة مع عدم تسليم العمل والمنفعة إلا إذا كانا قد اشترطا تقديم الأجرة وإن كان لأجل جريان العادة.

مسألة 400 : يجب على كل منهما تسليم ما عليه تسليمه في الزمان الذي يقتضيه العقد ، ولكن وجوب التسليم على كل منهما مشروط بعدم امتناع الآخر ، ولو امتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة مع بذل المستأجر الأجرة جاز للمستأجر إجباره على تسليم العين كما جاز له الفسخ وأخذ الأجرة إذا كان قد دفعها وله إبقاء الإجارة والمطالبة بقيمة المنفعة الفائتة ، وكذا إذا دفع المؤجر العين ثم أخذها من المستأجر بلا فصل أو في أثناء المدة ، ومع الفسخ في الأثناء يرجع بتمام الأجرة وعليه أجرة المثل لما مضى ، وكذا الحكم فيما إذا امتنع المستأجر من تسليم الأجرة مع بذل المؤجر للعين المستأجرة.

مسألة 401 : تسليم المنفعة يكون بتسليم العين ، وتسليم العمل فيما لا يتعلق بعين للمستأجر في يد الأجير يكون بإتمامه ، وفيما يتعلق بعين له في يد الأجير يكون بإتمام العمل فيها مع تسليمها ـ على تقدير عدم تلفها ـ

١١٩

إلى المستأجر.

مسألة 402 : إذا كان العمل المستأجر عليه في العين التي هي بيد الأجير فتلفت العين بعد تمام العمل قبل دفعها إلى المستأجر من غير تفريط استحق الأجير المطالبة بالأجرة ، فإذا كان أجيراً على خياطة ثوب فتلف بعد الخياطة وقبل دفعه إلى المستأجر استحق مطالبة الأجرة فإذا كان الثوب مضموناً على الأجير استحق عليه المالك قيمة الثوب مخيطاً وإلا لم يستحق عليه شيئا.

مسألة 403 : يجوز للأجير بعد إتمام العمل حبس العين إلى أن يستوفي الأجرة ، وإذا حبسها لذلك فتلفت من غير تفريط لم يضمن.

مسألة 404 : تبطل الإجارة بسقوط العين المستأجرة عن قابلية الانتفاع منها بالمنفعة الخاصة المملوكة ، فإذا استأجر داراً سنة ـ مثلاً ـ فانهدمت قبل دخول السنة أو بعد دخولها بلا فصل بطلت الإجارة ، وإذا انهدمت أثناء السنة تبطل الإجارة بالنسبة إلى المدة الباقية وكان للمستأجر الخيار في فسخ الإيجار ، فإن فسخ رجع على المؤجر بتمام الأجرة المسماة وعليه له أجرة المثل بالنسبة إلى المدة الماضية ، وإن لم يفسخ قسطت الأجرة بالنسبة وكان للمالك حصة من الأجرة بنسبة المدة الماضية.

مسألة 405 : إذا استأجر داراً فانهدم قسم منها ، فإن كانت بحيث لو أعيد بناء القسم المهدوم على الوجه المتعارف لعدت بعد التعمير مغايرة لما قبله في النظر العرفي كان حكمه ما تقدم في المسألة السابقة ، وإن لم تعد كذلك فإن أقدم المؤجر على تعميرها فوراً على وجه لا يتلف شيء من منفعتها عرفاً لم تبطل الإجارة ولم يكن للمستأجر حق الفسخ ، وإن لم يقدم على ذلك وكان قادراً عليه فللمستأجر الزامه به ـ فإن لم يفعل كان له مطالبته بأجرة مثل المنفعة الفائتة كما إن له الخيار في فسخ الإجارة رأساً ـ ولو مع

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

«وما أهل النهر منهم ببعيد» يعنيعليه‌السلام الخوارج(١) .

وفي حديث ثالث هنا إشارة خاصّة إلى الرهبان (الرجال والنساء الذين يتركون الدنيا) والمجاميع التي ابتدعت البدع من المسلمين(٢) .

وهناك قسم من الرّوايات تفسّر الآية ب (الذين ينكرون ولاية أمير المؤمنين الإمام عليعليه‌السلام )(٣) .

أليس الرهبان الذي يعيشون كل عمرهم في زاوية من الزوايا (في الدير مثلا) ويعانون أنواع الحرمان ، ويمتنعون عن الزواج والأكل والملابس الجيدة ، ويفضلون سكنى الدير على كل شيء وهم يظنون أنّ هذه الحياة تقرّبهم إلى الله ، أليس هؤلاء مصداقا واضحا للأخسرين أعمالا؟!

هل هناك مذهب أو دين إلهي يمكن أن يدعو إلى خلاف قانون العقل والفطرة ، أي يدعو الإنسان الاجتماعي إلى الابتعاد عن الحياة ، ويعتبر هذا العمل مصدرا للتقرب إلى الله تعالى؟!

إنّ الذين أوجدوا البدع في دين الله من قبيل التثليث في مقابل توحيد الله الواحد الأحد ، واعتبروا المسيح بن مريم ابن الله ، وأدخلوا خرافات أخرى في دين الله ، ظنا منهم بأنّهم يحسنون صنعا ، أليس هؤلاء وأمثالهم هم أخسر الناس؟!

ألا يعتبر خوارج «النهروان» من أخسر الناس ، وهم المجموعة الجاهلة التي ارتكبت أعظم الذنوب (مثل قتل الإمام عليعليه‌السلام ) ظنا منهم أنّ هذا الأمر سيقربهم من الله ، بل واعتبروا أنّ الجنّة مخصوصة لهم؟!

الخلاصة : إنّ الآية لها مفهوم واسع ، إذ تشمل أقواما كثيرين في السابق والحاضر والمستقبل.

__________________

(١) المصدر السّابق.

(٢) المصدر السّابق.

(٣) المصدر السّابق.

٣٨١

والآن نصل إلى هذا السؤال : ما هو مصدر هذا الانحراف الخطير؟

إنّ التعصب القوي والغرور والتكبير وحب الذات ، هي من أهم العوامل التي تقود إلى مثل هذه التصورات الخاطئة. وفي بعض الأحيان يكون التملق ، أو الانطواء على النفس لفترة معينة سببا لظهور هذه الحالة ، حيث يتصوّر الإنسان أنّ كل أعماله الخاطئة المنحرفة هي أعمال جميلة ، بحيث يشعر بالفخر والغرور والمباهاة بدلا من إحساس الخجل والشعور بالعار بسبب أعماله القبيحة. يقول القرآن في مكان آخر واصفا هذه الحالة :( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ) (١) وفي آيات أخرى ، نقرأ أنّ الشيطان هو الذي يزيّن للإنسان سيئاته حسنات ، ويمنيهم بالغلبة والنصر ، كما في قوله تعالى :( وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ ) (٢) .

ويقول القرآن بعد قصّة برج فرعون المعروف :( وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ ) . والآية تعليق على عمل فرعون عند ما طلب من هامان أن يبني له برجا ليطّلع بزعمه إلى إله موسى كما في الآيتين (٣٦ ـ ٣٧) من سورة غافر.

٢ ـ ماذا يعني لقاء الله؟

بالرغم من أنّ بعض أشباه العلماء يستفيدون من أمثال هذه الآيات إمكانية رؤية الخالق جلّ وعلا في العالم الآخر ، ويفسّرون لقاء الله باللقاء الحسي ، إلّا أنّه من المعلوم بداهة أنّ اللقاء الحسي يقتضي تجسيم الخالق جلّ وعلا ، والتجسيم يقتضي التحديد والحاجة ، والمحدود المحتاج يكون قابلا للفناء ، والكل يعرف ويؤمن بأنّ هذه الصفات لا تنطبق على الله تعالى.

لذا فإنّ القصد من اللقاء أو الرؤيا في الآيات القرآنية ليس الرؤية الحسية ، بل

__________________

(١) فاطر ، ٨.

(٢) الأنفال ، ٤٨.

٣٨٢

الرؤية الباطنية المعنوية.

يعني أنّ الإنسان في يوم القيامة يشاهد آثار الخالق أكثر وأفضل من أي زمان ، لذا فإنّه ينظر إليه بوضوح ، بعين القلب الواعي البصير. لهذا السبب ـ ووفقا للآيات القرآنية ـ فإنّه حتى أشد الناس إنكارا للخالق وأكثرهم عنادا ، سوف يقر يوم القيامة بوجود الخالق ، وأنّه لا مجال لإنكاره(١) .

بعض المفسّرين اعتبر هذا المفهوم (لقاء الله) مشاهدة النعم والثواب ، وأيضا العذاب والعقاب الإلهي وفي ذلك تكون كلمة الثواب والعقاب مقدّرة في الآية.

وبالرغم من أن هذان التّفسيران لا تعارض بينهما ، إلّا أنّ التّفسير الأوّل يبدو أظهر وأوضح.

٣ ـ وزن الأعمال

ليس بنا حاجة إلى أن نفسّر قضية وزن الأعمال عن طريق تجسيم الأعمال والقول بأنّ عمل الإنسان سيتحوّل هناك إلى جسم وله وزن ، ذلك لأنّ الوزن له معنى واسع يشمل أية مقايسة ، فمثلا نقول للأشخاص عديمي الشخصية أنّهم أشخاص لا وزن لهم ، أو أنّهم أشخاص خفيفون ، ونعني بذلك ضعف شخصيتهم وليس القلّة في وزنهم الجسمي.

والجميل هنا أنّ الاية تصف الأخسرين أعمالا بأنّنا لم نضع لهم يوم القيامة ميزانا للقياس. ولكن هل تتعارض هذه الآية مع قوله تعالى في الآية (٨) من سورة الأعراف:( وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ ) ؟

طبعا لا ، لأنّ الوزن يخصّ الأشخاص الذين قاموا بأعمال تستحق الوزن ، أمّا الشخص الذي لا يساوي وجوده وأعماله وأفكاره حتى جناح بعوضة ، فهل هو بحاجة إلى الوزن؟!

__________________

(١) يمكن مراجعة سورة المؤمنون ، الآية ١٠٦ فما فوق.

٣٨٣

لهذا السبب نقرأ في رواية معروفة عن النّبي قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن جناح بعوضة»(١) .

لماذا؟ لأنّ أعمال مثل هؤلاء وأفكارهم وشخصيتهم كانت في الحياة الدنيا عديمة الأهمية والفائدة.

ومن هنا يتّضح أنّ الناس هناك على عدّة أنواع هي :

١ ـ مجموعة تكون مثقلة بالحسنات والأعمال الصالحة بحيث لا تحتاج إلى الوزن والحساب في أعمالها ، بل تدخل الجنّة بدون حساب.

٢ ـ مجموعة ثانية من الذين حبطت أعمالهم ، أو ليس لهم أي عمل الصالح ، وهذه لا تحتاج إلى وزن أيضا ، بل تدخل النّار بدون حساب.

٣ ـ أمّا المجموعة الثّالثة ، فهي التي تملك السيئات والحسنات ، وهذه يشملها الوزن والحساب. وقد يكون أكثر الناس من هذه الفئة.

٤ ـ تفسير قوله تعالى :( لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً )

(حول) على وزن (علل) لها معنى مصدري وتعني التحوّل ونقل المكان ، وكما قلنا في تفسير الآيات ، فإنّ الفردوس بستان الجنة توجد فيه أفضل النعم والمواهب الإلهية ، ولهذا السبب فإنّها تعتبر أفضل مناطق ذلك العالم ، حيث أنّ الساكنين فيها لا يتمنون أبدا الانتقال منها إلى مكان آخر.

وقد يقول البعض : إنّ الحياة قد تكون هناك رتيبة وراكدة ، وهذا بحد ذاته نقص وعيب كبير فيها؟!

في الجواب نقول : ليس ثمة مانع من أن يكون التحوّل والتكامل في نفس المكان ، إذا توافرت أسباب التكامل واجتمعت هناك ، وهي ـ قطعا ـ متوافرة. وفي ظل الأعمال التي قام بها الإنسان في هذه الدنيا ، فإنّ الإنسان ـ من خلال

__________________

(١) عن تفسير مجمع البيان ، في تفسيره للآية.

٣٨٤

المواهب الإلهية هناك ـ سوف يستمر في طريق تكامله بشكل دائم ومستمر.

وسنقوم إن شاء الله بشرح أفضل لتكامل الإنسان حتى في الجنّة ، وذلك في نهاية الآيات التي تناسب الموضوع.

٥ ـ الفردوس لمن؟

قلنا : إنّ «الفردوس»(١) أفضل مناطق الجنة ، ولا يسكنه سوى المؤمنين وذوي الأعمال الصالحة ، إذا سيكون السؤال : من يسكن الأقسام الأخرى في الجنة ، إذا كانت الجنة مكانا للمؤمنين وحسب وممنوعة على غيرهم؟

في الجواب نقول : إنّ الفردوس لا تشمل كل مؤمن ذي عمل الصالح ، بل هي لمن بلغ درجة عالية من الإيمان والعمل الصالح ، وهذه المرتبة هي المعيار للوصول إلى الفردوس بالرغم من أنّ ظاهر الآية مطلق ، إلّا أنّ الانتباه إلى معنى الفردوس يقيّد الإطلاق المذكور.

لذلك عند ما تتحدث سورة المؤمنون عن صفات ورثة الفردوس فإنّها تبيّن الحد الأعلى لصفات المؤمنين والذي لا يكون موجودا عند جميع الأفراد. وهذا دليل آخر على أنّ سكنة الفردوس يملكون صفات ممتازة بالإضافة إلى شرطي الإيمان والعمل الصالح.

لذلك رأينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث سابق ، يعلمنا بأنّنا عند ما نطلب الجنّة ، فعلينا أن ندعو لنيل الفردوس بالخصوص ، لأنّها أكمل وأفضل منازل الجنّة.

وهذه إشارة إلى ضرورة أن تنصرف همة المؤمن ـ في كل الأمور ـ إلى أعلى حد ، وحتى في الجنة عليه أن لا يقنع بمراحلها الدنيا بالرغم ممّا في هذه المراحل

__________________

(١) ذهب بعض إلى أن هذه الكلمة مأخوذة من اللغة الرومية في الأصل ، وذهب آخرون الى أن جذورها حبشية انتقلت الى العربية (تفسير الفخر الرازي وتفسير مجمع البيان).

٣٨٥

من نعم ومواهب.

وطبيعي أنّ الذي يطلب هذه المنزلة من الله لا بدّ وأن يكون قد أعدّ نفسه لها ، وعليه أن يبذل كل سعيه وجهده لكسب أفضل الصفات وأرضى الأعمال.

ومن ذلك يعلم أن من يقول بأن المهم هو أن أدخل الجنّة حتى في أدنى درجة منها هو شخص يفتقد للهمة العالية للمؤمنين الحقيقيين.

* * *

٣٨٦

الآيتان

( قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠) )

سبب النّزول

عن ابن عباس قال : «قالت اليهود لما قال لهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) قالوا : وكيف وقد أوتينا التوراة ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا؟ فنزل قوله تعالى :( قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ ) .

وقيل أيضا : قالت اليهود : إنّك أوتيت الحكمة ، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ، ثمّ زعمت ـ والمخاطب هنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أنّك لا علم لك بالروح؟

فأمره الله تعالى أن يجيبهم بأنّي وإن أوتيت القرآن وأوتيتم التوراة فهي بالنسبة إلى كلمات الله تعالى قليلة»(١) .

__________________

(١) تفسير القرطبي ، المجلد ١١ ـ ١٢ ، صفحة ٦٨ ـ ٦٩. وكذلك تفسير الصافي أثناء الحديث عن الآية.

٣٨٧

التّفسير

الذين يأملون لقاء الله :

الآيات أعلاه في نفس الوقت الذي تبحث بحثا مستقلا ، إلّا أنّها متصلة مع بحوث هذه السورة ، حيث أنّ كل قصة من القصص الثلاث الواردة في السورة ، تكشف الستار عن مواضيع جديدة وعجيبة ، وكأنّما القرآن يريد أن يقول في هذه الآيات : إنّ الاطلاع على قصّة أصحاب الكهف ، وموسى والخضر ، وذي القرنين ، يعتبر لا شيء إزاء علم الله غير المحدود ، لأنّ علمه سبحانه وتعالى ومعرفته تشمل كافة الكائنات وعالم الوجود في الماضي والحاضر والمستقبل.

القرآن الكريم يخاطب الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أوّل آية نبحثها بقوله :( قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً ) .

«مداد» تعني الحبر ، أو أي مادة ملونة تساعد في الكتابة ، وهي في الأصل مأخوذة من «مدّ» بمعنى السحب ، حيث تتوضح خطوط الكتابة بسحب القلم(١) .

(كلمات) جمع كلمة ، وهي في الأصل تعني الألفاظ التي يتمّ التحدّث بها ، أو بعبارة أخرى : الكلمة لفظ يدل على المعنى ، وبما أنّ كل موجود من موجودات هذا العالم هو دليل على علم وقدرة الخالق ، لذا فإنّه يطلق في بعض الأحيان على كل موجود اسم (كلمة الله) ويختص هذا التعبير أكثر بالموجودات المهمّة العظيمة.، فبالنسبة للمسيح عيسىعليه‌السلام يقول القرآن الكريم :( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ ) (٢) .

__________________

(١) نقل الفخر الرازي في معنى (مداد) إضافة إلى ما ذكر معنى آخر ، وهو «الزيت» الذي يوضع في المصباح ويكون سببا للنور ، والاثنان يرجعان إلى معنى واحد.

(٢) النساء ، ١٧١.

٣٨٨

وفي الآية التي نبحثها فإنّ (كلمة) قد استخدمت بهذا المعنى ، أي إشارة إلى موجودات عالم الوجود التي تدل كل واحدة فيه على الصفات المختلفة لله تبارك وتعالى.

وفي الحقيقة إن القرآن يلفت أنظارنا في هذه الآية إلى هذه الحقيقة وهي : لا تظنّوا أنّ عالم الوجود محدود بما تشاهدونه أو تعلمونه أو تحسّونه ، بل هو على قدر من السعة والعظمة بحيث لو أنّ البحار تتحول إلى حبر ، وتكتب صفاته وخصائصه ، فإنّها ـ أي البحار ـ ستجف قبل أن تحصي موجودات عالم الوجود.

ومن الضروري الالتفات هنا إلى أنّ كلمة البحر يراد بها الجنس وكذلك كلمة (مثل) في قوله :( وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً ) فإنّه يراد بها الجنس أيضا ، وهذه إشارة إلى أنّنا مهما أضفنا من أمثال هذه البحار إليها فإنّ الكلمات الإلهية لا تنتهي ولا تنفد.

ولهذا السبب فليس ثمّة تعارض بين هذه الآية وما ورد في سورة لقمان حيث قوله تعالى في الآية (٢٧) :( وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ ) . يعني أنّ هذه الأقلام ستتكسر والمحابر ستجف حتى آخر قطرة ، ومع ذلك فإنّ أسرار المخلوقات وحقائق عالم الوجود لا تنتهي.

وينبغي الانتباه هنا إلى أنّ الآية أعلاه في الوقت الذي تجسّد فيه سعة عالم الوجود اللامتناهية في الماضي والحاضر والمستقبل ، فإنّها توضّح ـ أيضا ـ العلم المطلق وغير المحدود للخالق جلّ وعلا ، لأنّنا نعلم أنّ الله سبحانه وتعالى يحيط علمه بما كان موجودا في عالم الوجود ، وبما سيكون موجودا. وفي الوقت الذي يعتبر فيه علم الله تعالى «علما حضوريا» فإنّه لا يفترق عن وجود هذه الموجودات. (فدقق في ذلك).

إذن نستطيع أن نقول : لو أنّ جميع المحيطات وبحار الأرض تحولت إلى

٣٨٩

حبر ومداد ، ولو أنّ كافة الأشجار تحولت إلى أقلام ، فإنّ ذلك كلّه لا يستطيع الإحاطة بما موجود في عالم الخالق جلّ وعلا.

توضيح لمفهوم اللانهاية :

يقوم القرآن الكريم بتجسيد العدد اللانهائي ويقرب معنى العلم المطلق غير المحدود لله تعالى ، ويقرب سعة عالم الوجود العظيم إلى أفكارنا. وقد استخدم القرآن في ذلك توضيحا بليغا للغاية ، وذكر أرقاما حيّة وذات روح.

ترى هل هناك أعداد حيّة وأخرى ميتة؟

نعم ، ففي الرياضيات إذا وضعت الأصفار إلى يمين العدد الصحيح فهي لا تعبّر في الواقع سوى عن أعداد ميتة لا تستطيع أن تجسّد عظمة شيء معين.

الأشخاص الذين يهتمون بالقضايا الرياضية والحسابية يعرفون أنّ العدد الواحد (كرقم واحد مثلا) لو وضع أمامه من الجهة اليمنى أصفارا بطول كيلومتر واحد ، فسيكون عدد عظيم جدّا ومحيّر ولا يمكن تصوّر عظمته ، ولكن لمن؟ للاشخاص الرياضيين لا عامّة الناس الذين لا يستطيعون تصور العظمة في هذا الرقم.

العدد الحي هو العدد الذي تنشغل أفكارنا به ، ويجسّد الحقائق كما هي ويملك روحا ولسانا وعظمة.

والقرآن الكريم بدلا من أن يقول : إنّ مخلوقات عالم الوجود تتجاوز في كثرتها الرقم الذي تقع على يمينه مئات الكيلو مترات من الأصفار ، يقول : إذا تحولت جميع الأشجار إلى أقلام ، وكل البحار إلى مواد وحبر ، فإنّ الأقلام ستتكسر ومياه البحار ستنتهي ، ولا تنتهي أسرار ورموز وحقائق عالم الوجود ، هذه الأسرار التي يحيط بها جميعا علم الله تعالى.

فكروا جيدا وتأملوا المقدار الذي يستطيع أن يكتبه القلم ، ثمّ ما هو عدد

٣٩٠

الأقلام التي يمكن صناعتها من غصن واحد صغير من شجرة معينة؟

ومعلوم أن باستطاعتنا صناعة آلاف بل حتى ملايين الأقلام من شجرة كبيرة عظيمة، ولنا أن نتصوّر الكمية من الأقلام التي يمكن صنعها من أشجار الأرض جميعا وغاباتها!

من الجهة الثّانية لنا أن نتصوّر عدد الكلمات التي يمكن كتابتها من قطرة حبر واحدة، ثمّ علينا أن نتصوّر ما نستطيع كتابته من حوض واحد ، فبحيرة واحدة ، فبحر واحد ، فمحيط ، ومن ثمّ جميع بحار الأرض ومحيطاتها!

إنّ الحصيلة ـ بلا شك ـ ستكون رقما عجيبا وخياليا!! وتتوضح عظمة المثال القرآني إذا عرفنا أنّ رقم (سبع) ليس للتحديد ، بل هو إشارة للكثرة ، ومعنى هذا الكلام أنّنا لو أضفنا لهذا العدد أضعافه من البحار ، فإنّ كلمات الله لا تنفد.

والآن لنتصور الحيوية والروح الدافقة في هذا العدد ، والشاهد الحي الذي يبعث اليقظة في روح الإنسان ، ويشغل فكره ويجعله يفكّر في آفاق اللانهاية!

إنّ العدد الذي يتضمنه المثال القرآني يحس بعظمته الجميع سواء كانوا رياضيين أو أميين.

نعم ، إنّ علم الله تعالى هو أعلى وأوسع من هذا العدد.

علم غير محدود ولا متناهي.

علم يشمل كل الوجود ، سابقا وحاضرا ومستقبلا ، وهو يضم في طياته كل الأسرار والحقائق!

الآية الثّانية في البحث والتي هي آخر آية في سورة الكهف ، عبارة عن مجموعة من الأسس والأصول للاعتقادات الدينية ، التي تتركز في التوحيد والمعاد ورسالة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . والآية في مضمونها إشارة إلى نفس المضمون الذي ورد في بداية السورة المباركة. ففي البداية تحدّثت السورة عن الله والوحي

٣٩١

والجزاء والقيامة ، والآية الأخيرة هي خلاصة لمجموع ما ورد في السورة ، التي اشتملت في قسم مهم منها على الأصول الثلاثة الآنفة باعتبارها محاور للسورة.

ولأنّ قضية النبوة قد اقترنت مع أشكال من الغلو والمبالغة على طول التأريخ ، لذا فإنّ الآية تقول :( قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ ) .

وهذا التعبير القرآني نسف جميع الامتيازات المقرونة بالشرك التي تخرج الأنبياء من صفة البشرية إلى صفة الألوهية.

ثمّ تشير الآية إلى قضية التوحيد من بين جميع القضايا الأخرى في والوحي الالهي حيث تقول :( أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ) .

أمّا لماذا تمت الإشارة إلى هذه القضية؟ فذلك لأنّ التوحيد هو خلاصة جميع المعتقدات ، وغاية كل البرامج الفردية والاجتماعية التي تجلب السعادة للإنسان.

وفي مكان آخر ، أشرنا إلى أنّ التوحيد ليس أصلا من أصول الدين وحسب ، وإنّما هو خلاصة لجميع أصول وفروع الإسلام.

لو أردنا ـ على سبيل المثال ـ أن نشبّه التعليمات الإسلامية من الأصول والفروع على أنّها قطع من الجواهر ، عندها نستطيع أن نقول : إنّ التوحيد هو السلك والخيط الذي يربط جميع هذه القطع إلى بعضها البعض ليتشكّل من المجموع قلادة جميلة وثمينة.

وإذا أردنا أن نشبّه التعليمات الإسلامية أصولا وفروعا بأعضاء الجسم ، فإنّ التوحيد سيكون روح الإنسان التي تهب الحياة لكافة الأعضاء.

وقد أثبتنا في بحوثنا حول المعاد والنبوة أنّ هذين الأصلين لا ينفصلان عن التوحيد. يعني : عند ما نعرف الخالق بجميع صفاته ، فإنّنا نعلم أنّ مثل هذا الخالق يجب أن يرسل الأنبياء ، وتقتضي حكمته وعدالته أن توجد محكمة عادلة وأن يكون هناك بعثا.

٣٩٢

والمسائل الاجتماعية ، وكل المجتمع الإنساني وما يرتبط به ، ينبغي أن يكون فيه شعاع من التوحيد حتى يتوحد وينتظم ويستقر.

لهذا السبب نقرأ في الأحاديث القدسية إن : «كلمة لا اله إلّا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي».

وكل منّا قد سمع أيضا أن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في بداية الإسلام : (قولوا لا إله إلّا الله تفلحوا).

الجملة الثّالثة في الآية الكريمة تشير إلى قضية البعث وتربطها بالتوحيد بواسطة (فاء التفريع) حيث تقول :( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً ) .

بالرغم من أن لقاء الله بمعنى المشاهدة الباطنية ورؤية الذات المقدسة بعين البصيرة هو أمر ممكن في هذه الدنيا بالنسبة للمؤمنين الحقيقيين ، إلّا أنّ هذه القضية تكتسب جانبا عاما يوم القيامة بسبب مشاهدة الآثار الكبيرة والواضحة والصريحة للخالق تبارك وتعالى. لذا فإنّ القرآن استخدام هذا التعبير في خصوص يوم القيامة.

من جانب آخر ، فإنّ الإنسان الذي ينتظر أمرا معينا ، ويأمل شيئا ما ، فمن الطبيعي أن يهيء نفسه ويعدّها لاستقبال ذلك الأمر. أمّا الشخص الذي يدّعي ولا يستعد ، وينتظر ولا يعمل ، فهو في الواقع مدع كاذب لا غير.

لهذا السبب فإنّ الآية أعلاه تقول :( فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً ) وردت بصيغة الأمر ، الأمر الذي يلازمه الرجاء والأمل بانتظار لقاء الله.

وفي آخر جملة ثمّة توضيح للعمل الصالح في جملة قصيرة ، هي قوله تعالى :( وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) .

بعبارة أخرى : لا يكون العمل صالحا ما لم تتجلى فيه حقيقة الإخلاص.

فالهدف الإلهي يعطي لعمل الإنسان عمقا ونورانية خاصّة ، ويوجهه الوجهة

٣٩٣

الصحيحة ، وعند ما نفقد الإخلاص يكون العمل ذا جنبة ظاهرية حيث يشير إلى المنافع الخاصّة ، ويفقد عمقه وأصالته ووجهته الصحيحة.

في الحقيقة إنّ العمل الصالح الذي ينبع من أهداف إلهية ، ويمتزج بالإخلاص ويتفاعل معه ، هو الذي يكون جوازا للقاء الله تبارك وتعالى.

وقد أشرنا سابقا إلى أنّ العمل الصالح له مفهوم واسع للغاية ، وهو يشمل أي برنامج مفيد وبنّاء ، فردي واجتماعي ، وفي أي قضية من قضايا الحياة.

الإخلاص أو روح العمل الصالح :

أعطت الرّوايات الإسلامية مكانة خاصّة لقضية «النية» ، والإسلام في العادة يقر بقبول الأعمال بملاحظة النية والهدف من العمل.

الحديث المشهور عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا عمل إلّا بنية» بيان واضح لهذه الحقيقة.

وبعد (النية) هناك (الإخلاص) ، فلو اقترن العمل بالإخلاص فسيكون عملا ثمينا للغاية ، وبدون الإخلاص هو لا قيمة له. والإخلاص هو أن تكون الدوافع الإنسانية خالية من أي نوع من أنواع الشوائب ، ويمكن أن نسمّي الإخلاص بـ «توحيد النية» يعني التفكير بالله وبرضاه في جميع الأمور والحالات.

والطريف في الأمر هنا هو ما ورد في سبب نزول هذه الآية من أنّ رجلا جاء إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إنّي أتصدق وأصل الرحم ، ولا أصنع ذلك إلّا لله ، فيذكر ذلك منّي،وأحمد عليه فيسرّني ذلك ، وأعجب به. فسكت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يقل شيئا ، فنزلت الآية :( فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) (١) .

إنّ المقصود من هذه الرّواية ليس الفرح أو السرور اللاإرادي ، بل هي الحالة

__________________

(١) مجمع البيان في تفسير الآية. وكذلك تفسير القرطبي.

٣٩٤

التي يكون فيها الفرح والسرور هدفا لعمل الإنسان ، أو الحالة التي تؤدي إلى عدم خلوص النية.

فالعمل الخالص يعتبر مهما في الإسلام إلى الحد الذي يقول فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أخلص لله أربعين يوما فجّر الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه»(١) .

دعاء الختام :

إلهي ، اجعل نياتنا خالصة في جميع أعمالنا بحيث لا نفكّر بأحد سواك ، ولا نعدوك إلى غيرك واجعل ما نريده وما لا نريده تبعا لطاعتك ورضاك آمين ربّ العالمين.

نهاية سورة الكهف

__________________

(١) سفينة البحار ، ج ١ ، ص ٤٠٨.

٣٩٥
٣٩٦

سورة مريم

مكّية

وعدد آياتها ثمان وتسعون آية

٣٩٧
٣٩٨

«سورة مريم»

محتوى السورة :

لهذه السورة من جهة المحتوى عدة أقسام مهمّة :

١ ـ يشكل القسم الذي يتحدث عن قصص زكريا ومريم والمسيحعليهم‌السلام ويحيي وإبراهيمعليهما‌السلام بطل التوحيد ، وولده إسماعيل ، وإدريس وبعض آخر من كبار أنبياء الله ، الجزء الأهم في هذه السورة ، ويحتوي على أمور تربوية لها خصوصيات مهمّة.

٢ ـ الجزء الثّاني من هذه السورة ـ والذي يأتي بعد القسم الأوّل من حيث الاهمية ـ عبارة عن المسائل المرتبطة بالقيامة ، وكيفية البعث ، ومصير المجرمين ، وثواب المتقين ، وأمثال ذلك.

٣ ـ القسم الثّالث ، وهو المواعظ والنصائح التي تكمل ـ في الواقع ـ الأقسام السابقة.

٤ ـ وأخيرا ، فإنّ آخر قسم عبارة عن الإشارات المرتبطة بالقرآن ، ونفي الولد عن الله سبحانه ، ومسألة الشفاعة ، وتشكل بمجموعها برنامجا تربويا مؤثرا من أجل دفع النفوس الإنسانية إلى الإيمان والطهارة والتقوى.

فضل السورة :

روي عن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأها أعطي من الأجر بعدد من صدّق

٣٩٩

بزكريا وكذب به ، ويحيي ومريم وموسى وعيسى وهارون وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل عشر حسنات ، وبعدد من ادعى لله ولدا ، وبعدد من لم يدع ولدا»(١) .

إن هذا الحديث ـ في الحقيقة ـ دعوة إلى السعي ت والجد في خطين مختلفين : خط مساندة ودعم النّبي والطاهرين والخيرين ، وخط محاربة المشركين والمنحرفين والفاسقين ، لأنا نعلم أن هذه المكافئات والعطايا الجزيلة لا تعطى لمن يتلفظ كلمات السورة بلسانه فقط ، ولا يعمل بأوامرها ، بل إن هذه الألفاظ المقدسة مقدمة للعمل.

ونقرأ في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «من أدمن قراءة سورة مريم لم يمت في الدنيا حتى يصيب منها ما يغنيه في نفسه وماله وولده»(٢) .

إن هذا الغنى وعدم الاحتياج ـ حتما ـ قبس من وجود محتوى السورة وسريانها في أعماق روح الإنسان ، وانعكاسها من خلال أعماله وأقواله وسلوكه.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان الجزء ٣ ، ص ٥٠٠.

(٢) المصدر السابق.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576