الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 576

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 264399 / تحميل: 11789
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦) )

التّفسير

دعاء زكريا المستجاب :

مرّة أخرى نواجه الحروف المقطعة في بداية هذه السورة ، ولما كنّا قد بحثنا تفسير هذه الحروف المقطعة بصورة مفصلة في بداية ثلاث سور مختلفة فيما سبق ـ سورة البقرة وآل عمران والأعراف ـ فلا نرى حاجة للتكرار هنا.

ولكن ما ينبغي اضافته هنا هو وجود طائفتين من الرّوايات في المصادر الإسلامية تتعلق بالحروف المقطعة في هذه السورة.

الأولى : تقول بأن كل حرف من هذه الحروف يشير إلى اسم من أسماء الله الحسنى ، فالكاف يشير إلى الكافي ، وهو من أسماء الله الحسنى ، والهاء تشير إلى

٤٠١

الهادي ، والياء إشارة إلى الولي ، والعين إشارة إلى العالم ، والصاد إشارة إلى صادق الوعد(١) .

الثّانية : تفسر هذه الحروف المقطعة بحادثة ثورة الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء ، فالكاف إشارة إلى كربلاء ، والهاء إشارة إلى هلاك عترة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والياء إشارة إلى يزيد، والعين إشارة إلى مسألة العطش ، والصاد إشارة إلى صبر وثبات الحسين وأصحابه المضحين(٢) .

وكما قلنا مرارا ، فإن لآيات القرآن أنوار معان مختلفة ، وتبيّن أحيانا مفاهيم من الماضي والمستقبل ، ومع تنوعها واختلافها فإنّه لا يوجد تناقض بينها ، في حين أننا إذا حصرنا المعنى وفسّرناه تفسيرا واحدا ، فمن الممكن أن نبتلى بإشكالات من ناحية وضع وسبب نزول الآية وزمانه.

وبعد ذكر الحروف المقطعة ، تشرع الكلمات الأولى من قصّة زكرياعليه‌السلام فتقول:( ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ) (٣) . وفي ذلك الوقت الذي كان زكرياعليه‌السلام مغتما ومتألما فيه من عدم إنجاب الولد ، توجه إلى رحمة ربّه :( إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا ) بحيث لم يسمعه أحد ، وذكر في دعائه وهن وضعف العظام باعتبارها عمود بدن الإنسان ودعامته وأقوى جزء من اجزائه :( قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ) .

إن تشبيه آثار الكبر بالشعلة التي عمت كل الرأس تشبيه جميل ، لأنّ خاصية شعلة النّار أنّها تتسع بسرعة ، وتلتهم كل ما يحيط بها.

ومن جهة ثانية فإنّ شعلة النّار لها بريق وضياء يجلب الانتباه من بعيد.

ومن ناحية ثالثة ، فإنّ النّار إذا اشتعلت في محل له ، فإنّ الشيء الذي يبقي

__________________

(١) نور الثقلين ، الجزء ٣ ، ص ٣٢٠.

(٢) المصدر السّابق.

(٣) كلمة «ذكر» خبر لمبتدأ محذوف ، وعليه فالتقدير : هذا ذكر رحمة ربّك.

٤٠٢

منه هو الرماد فقط.

لقد شبه زكريا نزول الكبر ، وبياض كل شعر رأسه باشتعال النّار ، والرماد الأبيض الذي تتركه ، وهذا التشبيه جميل وبليغ جدا.

ثمّ يضيف :( وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ) فقد عودتني دائما ـ فيما مضى ـ على استجابة أدعيتي ، ولم تحرمني منها أبدا ، والآن وقد أصبحت كبيرا وعاجزا فأجدني أحوج من السابق إلى أن تستجيب دعائي ولا تخيبّني.

إنّ الشقاء هنا بمعنى التعب والأذى أي إنّي لم أتعب ولم أتأذّ في طلباتي منك ، لأنّك كنت تقضيها بسرعة.

ثمّ يبيّن حاجته :( وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي ) أي إنّي أخشى من أقربائي أن يسلكوا سبيل الانحراف والظلم( وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) أي مرضيا عندك.

* * *

بحوث

١ ـ المراد من الإرث

لقد قدم المفسّرون الإسلاميون بحوثا كثيرة حول الإجابة عن هذا السؤال ، فالبعض يعتقد أنّ الإرث هنا يعني الإرث في الأموال ، والبعض اعتبره إشارة إلى مقام النبوة ، وبعض آخر احتمل أن يكون المراد معنى جامعا شاملا لكلا الرأيين السابقين.

وقد اختار كثير من علماء الشيعة المعنى الأوّل ، في حين ذهب جماعة من علماء العامّة إلى المعنى الثّاني ، والبعض الآخر ـ كسيد قطب في (في ظلال القرآن) ، والآلوسي في روح المعاني ـ اختاروا المعنى الثّالث.

إنّ الذين حصروا المراد في الإرث في المال استندوا إلى ظهور كلمة الإرث

٤٠٣

في هذا المعنى ، لأن هذه الكلمة إذا كانت مجرّدة عن القرائن الأخرى ، فإنّها تعني إرث الأموال ، أمّا في موارد استعمالها في بعض آيات القرآن في الأمور المعنوية ، كالآية (٣٢) من سورة فاطر :( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ) فلوجود القرائن في مثل هذه الموارد.

إضافة إلى أنّه يستفاد من قسم من الرّوايات أن هدايا ونذورا كثيرة كانت تجلب إلى الأحبار ـ وهم علماء اليهود ـ في زمان بني إسرائيل ، وكان زكريا رئيس الأحبار(١) .

وإذا تجاوزنا ذلك ، فإن زوجة زكريا كانت من أسرة سليمان بن داود ، وبملاحظة الثروة الطائلة لسليمان بن داود ، فقد كان لها نصيب منها.

لقد كان زكريا خائفا من وقوع هذه الأموال بأيدي أناس غير صالحين ، وانتهازيين ، أو أن تقع بأيدي الفساق والفجرة ، فتكون بنفسها سببا لنشوء وانتشار الفساد في المجتمع ، لذلك طلب من ربّه أن يرزقه ولدا صالحا ليرث هذه الأموال وينظر فيها ، ويصرفها في أفضل الموارد.

الرّواية المعروفة المروية عن فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، والتي استدلت فيها بهذه الآية من أجل استرجاع فدك ، هي شاهد آخر على هذا المدعى.

ينقل العلّامة الطبرسي في كتاب الإحتجاج عن سيدة النساءعليها‌السلام : إنّه عند ما صمم الخليفة الأوّل على منع فاطمة الزهراءعليها‌السلام فدكا ، وبلغ ذلك فاطمة ، حضرت عنده وقالت : «يا أبا بكر! أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئا فريا! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا:إذ قال رب هب( لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ؟ ) (٢) .

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٣٢٣.

(٢) نور الثقلين ، الجزء ٣ ، ص ٣٢٤ (نقلا عن الإحتجاج).

٤٠٤

أمّا الذين يعتقدون بأن الإرث هنا هو الإرث المعنوي ، فقد تمسكوا بقرائن في نفس الآية ، أو خارجة عنها ، مثل :

١ ـ يبدو من البعيد أن نبيّا كبيرا كزكريا ، وفي ذلك السن الكبير ، يمكن أن تشغل فكره مسألة ميراث ثروته ، خاصّة وأنّه يضيف بعد جملة( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) جملة( وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) ، ولا شك أن هذه الجملة إشارة إلى الصفات المعنوية لذلك الوارث.

٢ ـ إنّ الله سبحانه لما بشره بولادة يحيى في الآيات القادمة ، فإنّه ذكر صفات ومقامات معنوية عظيمة ، ومن جملتها مقام النبوة.

٣ ـ إن الآية (٣٨) من سورة آل عمران بينت السبب الذي دفع زكريا إلى هذا الطلب والدعاء ، وأنّه فكر في ذلك عند ما شاهد مقامات مريم حيث كان يأتيها رزقها من طعام الجنّة في محرابها بلطف الله :( هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ ) .

٤ ـ ورد في بعض الأحاديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يؤيد أن الإرث هنا يراد به الإرث المعنوي ، وخلاصة الحديث أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام روى عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ عيسى بن مريم مرّ على قبر كان صاحبه يعذب ، ومرّ عليه في العام الثّاني فرأى صاحب ذلك القبر لا يعذب ، فسأله ربّه عن ذلك ، فأوحى الله إليه أنّه لصاحب هذا القبر ولد صالح قد أصلح طريقا وآوى يتيما ، فغفر الله له بعمل ولده. ثمّ قال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ميراث الله من عبده المؤمن ولد يعبده من بعده» ، ثمّ تلا الإمام الصادق عند نقله هذا الحديث الآية المرتبطة بزكريا :( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) (١) .

فإن قيل : إن ظاهر كلمة الإرث هو إرث الأموال.

فيقال في الجواب : إن هذا الظهور ليس قطعيا ، لأنّ هذه الكلمة قد استعملت

__________________

(١) نور الثقلين ، الجزء ٣ ، ص ٣٢٣ و ٣٢٤.

٤٠٥

في القرآن مرارا في الإرث المعنوي ، كالآية (٣٢) من سورة فاطر ، والآية (٥٣) من سورة المؤمن. إضافة إلى أنّنا لو فرضنا أنّها خلاف الظاهر ، فإنّ هذا الإشكال سيزول بوجود القرائن.

إلّا أنّ أنصار الرأي الأوّل يستطيعون أن يناقشوا هذه الاستدلالات ، بأنّ ما كان يشغل فكر زكريا ـ نبي الله الكبير ـ هي مسألة الأموال ، ولم تكن تشغله كمسألة شخصية ، بل باعتبارها مصدرا لفساد أو صلاح المجتمع ؛ لأنّ بني إسرائيل ـ وكما قيل أعلاه ـ كانوا يأتون بالهدايا والنذور الكثيرة إلى الأحبار فكانت تودع عند زكريا ، وربما كانت هناك أموالا متبقية من قبل زوجته التي كانت من أسرة سليمان ، ومن البديهي أن وجود شخص غير صالح يتولى هذه الأموال قد يؤدي إلى مفاسد عظيمة ، وهذا هو الذي كان يقلق زكريا.

وأمّا الصفات المعنوية التي ذكرت ليحيى في هذه الآيات والآيات الأخرى ، فإنّها تؤيد ما ذكرنا ، وتنسجم معه ، لأنّه أراد أن تقع هذه الثروة العظيمة بيد رجل صالح يستفيد منها في سبيل المجتمع.

إلّا أنّنا نعتقد بأنا إذا توصلنا من مجموع المباحث أعلاه إلى هذه النتيجة ، وهي أن للإرث هنا مفهوما ومعنى واسعا يشمل إرث الأموال كما يشمل إرث المقامات المعنوية ، فسوف لا يكون هناك مورد خلاف ، لأنّ لكل رأي قرائنه ، وإذ لاحظنا الآيات السابقة واللاحقة ومجموع الرّوايات ، فإنّ هذا التّفسير يبدو أقرب للصواب.

أمّا جملة( إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي ) فإنّها مناسبة لكلا المعنيين ، لأنّ الأشخاص الفاسدين إذ تولوا أمر هذه الأموال ، فإنّهم سيكونون مصدر قلق حقا ، وإذا وقعت زمام الأمور وقيادة الناس المعنوية بيد أناس منحرفين ، فإنّ ذلك أيضا يثير المخاوف،وعلى هذا فإنّ خوف زكريا يمكن توجيهه في كلا الصورتين. وحديث فاطمة الزهراءعليها‌السلام يناسب هذا المعنى أيضا.

٤٠٦

٢ ـ ماذا تعني كلمة «نادى»؟

في قوله تعالى( إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا ) طرح هذا السؤال بين المفسّرين ، وهو أن «نادى» تعني الدعاء بصوت عال ، في حين أن «خفيا» تعني الإخفات وخفض الصوت ، وهذان المعنيان لا يناسب أحدهما الآخر.

إلا أننا إذا علمنا أن «خفيا» لا تعني الإخفات ، بل تعني الإخفاء ، فسيكون من الممكن أن زكريا حين خلوته ، حيث لا يوجد أحد سواه ، كان ينادي ويدعو الله بصوت عال.

والبعض قال : إن طلبه هذا كان في جوف الليل حيث كان الناس يغطون في النوم(١) .

والبعض الآخر اعتبر قوله تعالى :( فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ ) التي ستأتي في الآيات التالية ، دليلا على وقوع هذا الدعاء في الخلوة(٢) .

٣ ـ( وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ )

إنّ زكريا قال :( وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) ، وذلك لأنّ زوجته كانت خالة مريم أو عيسى ، ويتصل نسبها بيعقوب ، لأنّها كانت من أسرة سليمان بن داود ، وهو من أولاد يهودا بن يعقوب(٣) .

* * *

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ج ٦ ، ذيل الآية مورد البحث.

(٢) تفسير الميزان الجزء ١٤ ، ذيل الآية.

(٣) مجمع البيان ، الجزء ٦ ، ذيل الآية.

٤٠٧

الآيات

( يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١) )

التّفسير

بلوغ زكريا أمله :

تبيّن هذه الآيات استجابة دعاء زكرياعليه‌السلام من قبل الله تعالى استجابة ممزوجة بلطفه الكريم وعنايته الخاصّة ، وتبدأ بهذه الجملة :( يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) .

كم هو رائع وجميل أن يستجيب الله دعاء عبده بهذه الصورة ، ويطلعه

٤٠٨

ببشارته على تحقيق مراده ، وفي مقابل طلب الولد فإنّه يعطيه مولدا ذكرا ، ويسميه أيضا بنفسه ، ويضيف إلى ذلك أنّ هذا الولد قد تفرد بأمور لم يسبقه أحد بها. لأنّ قوله :( لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) وإن كانت تعني ظاهرا بأن أحدا لم يسم باسمه لحد ولادته ، لكن لما لم يكن الاسم لوحده دليلا على شخصية أحد ، فسيصبح من المعلوم أنّ المراد من الاسم هنا هو المسمّى ، أي أحدا قبله لم يكن يمتلك هذه الامتيازات ، كما ذهب الراغب الأصفهاني إلى هذا المعنى ـ بصراحة ـ في مفرداته.

لا شك في وجود أنبياء كبار قبل يحيى ، بل وأسمى منه ، إلّا أنّه لا مانع مطلقا من أن يكون ليحيى خصوصيات تختص به ، كما ستأتي الإشارة إلى ذلك فيما بعد.

أمّا زكريا الذي كان يرى أن الأسباب الظاهرية لا تساعد على الوصول إلى مثل هذه الأمنية ، فإنّه طلب توضيحا لهذه الحالة من الله سبحانه :( قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ) .

«عاقر» في الأصل من لفظة «عقر» بمعنى الجذر والنهاية ، أو بمعنى الحبس ، وإنّما يقال للمرأة : عاقر ، لأنّ قابليتها على الولادة قد انتهت ، أو لأنّ إنجاب الأولاد محبوس عنها.

«العتيّ» تعني الشخص الذي نحل جسمه وضعف هيكله ، وهي الحالة التي تظهر على الإنسان عند شيخوخته.

إلّا أنّ زكريا سمع في جواب سؤاله قول الله سبحانه :( قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ) (١) .

إن هذه ليست بالمسألة العجيبة ، أن يولد مولود من رجل طاعن في السن

__________________

(١) المعروف بين المفسّرين أن عبارة (كذلك) هي في تقدير (الأمر كذلك). ويحتمل كذلك أن (كذلك) متعلقة بما بعدها ويصبح معناها : كذلك قال ربّك.

٤٠٩

مثلك ، وامرأة عقيم ظاهرا( وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً ) ، فإنّ الله قادر على أن يخلق كل شيء من العدم ، فلا عجب أن يتلطف عليك بولد في هذا السن وفي هذه الظروف.

ولا شك أنّ المبشر والمتكلم في الآية الأولى هو الله سبحانه ، إلّا أن البحث في أنّه هو المتكلم في الآية الثّالثة :( قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ) .

ذهب البعض بأنّ المتكلم هم الملائكة الذين كانوا واسطة لتبشير زكريا ، والآية (٣٩) من سورة آل عمران يمكن أن تكون شاهدا على ذلك :( فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى ) .

لكن الظاهر هو أنّ المتكلم في كل هذه الأحوال هو الله سبحانه ، ولا دليل ـ أو سبب ـ يدفعنا إلى تغييره عن ظاهره ، وإذا كانت الملائكة وسائط لنقل البشارة ، فلا مانع ـ أبدا ـ من أن ينسب الله أصل هذا الإعلان والبشارة إلى نفسه ، خاصّة وأنّنا نقرأ في الآية (٤٠) من سورة آل عمران :( قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ) .

وقد سرّ زكريا وفرح كثيرا لدى سماعه هذه البشارة ، وغمر نفسه نور الأمل ، لكن لما كان هذا النداء بالنسبة إليه مصيريا ومهما جدا ، فإنّه طلب من ربّه آية على هذا العمل:( قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً ) .

لا شك أنّ زكريا كان مؤمنا بوعد الله ، وكان مطمئنا لذلك ، إلّا أنّه لزيادة الاطمئنان ـ كما أنّ إبراهيم الذي كان مؤمنا بالمعاد طلب مشاهدة صورة وكيفية المعاد في هذه الحياة ليطمئن قلبه ـ طلب من ربّه مثل هذه العلامة والآية ، فخاطبه الله :( قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا ) واشغل لسانك بذكر الله ومناجاته.

لكن ، أية آية عجيبة هذه! آية تنسجم من جهة مع حال مناجاته ودعائه ، ومن جهة أخرى فإنّها تعزله عن جميع الخلائق وتقطعه إلى الله حتى يشكر الله

٤١٠

على هذه النعمة الكبيرة ، ويتوجه إلى مناجاة الله أكثر فأكثر.

إن هذه آية واضحة على أن إنسانا يمتلك لسانا سليما ، وقدرة على كل نوع من المناجاة مع الله ، ومع ذلك لا تكون له القدرة على التحدث أمام الناس!

بعد هذه البشارة والآية الواضحة ، خرج زكريا من محراب عبادته إلى الناس ، فكلّمهم بالإشارة :( فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) لأنّ النعمة الكبيرة التي منّ الله بها على زكريا قد أخذت بأطراف القوم ، وكان لها تأثير على مصير ومستقبل كل هؤلاء ، ولهذا فقد كان من المناسب أن يهبّ الجميع لشكر الله بتسبيحه ومدحه وثنائه.

وإذا تجاوزنا ذلك ، فإنّ بإمكان هذه الموهبة التي تعتبر إعجازا أن تحكّم أسس الإيمان في قلوب الناس ، وكانت هذه أيضا موهبة أخرى.

* * *

بحثان

١ ـ يحيىعليه‌السلام النّبي المتألّه الورع

لقد ورد اسم «يحيى» في القرآن الكريم خمس مرات ـ في سور آل عمران ، والأنعام، ومريم ، والأنبياء ـ فهو واحد من أنبياء الله الكبار ، ومن جملة امتيازاته ومختصاته أنّه وصل إلى مقام النّبوة في مرحلة الطفولة ، فإنّ الله سبحانه قد أعطاه عقلا وذكاء وقّادا ودراية واسعة في هذا العمر بحيث أصبح مؤهلا لتقبل هذا المنصب.

ومن خصائص هذا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي أشار إليها القرآن في الآية (٣٩) من سورة آل عمران ، وصفه بالحصور ، كما قلنا في ذيل تلك الآية ، فإنّ «الحصور» من مادة الحصر ، بمعنى وقوع الشخص في المحاصرة ، وهي تعني هنا ـ طبقا لبعض الرّوايات ـ الامتناع عن الزواج.

٤١١

لقد كان هذا العمل امتيازا بالنسبة له ، من جهة أنّه يبيّن نهاية العفة والطهارة ، أو أنّه كان ـ نتيجة ظروف الحياة الخاصّة ـ مضطرا إلى الأسفار المتعددة من أجل نشر الدين الإلهي والدعوة إليه ، واضطر كذلك إلى أن يعيش حياة العزوبة كعيسى بن مريمعليه‌السلام .

وهناك تفسير قريب من الصواب أيضا ، وهو أن الحصور ـ في الآية المذكورة ـ تعني الشخص الذي ترك شهوات الدنيا وملذاتها ، وهذا في الواقع مرتبة عالية من الزهد(١) .

على كل حال ، فإنّ المستفاد من المصادر الإسلامية والمسيحية أن يحيى كان بن خالة عيسى.

فقد صرّحت المصادر المسيحية بأنّ يحيى غسل المسيحعليه‌السلام غسل التعميد ، ولذلك يسمّونه (يحيى المعمد) ـ وغسل التعميد غسل خاص يغسل المسيحيون أولادهم به ، ويعتقدون أنّه يطهرهم من الذنوب ـ ولما أظهر المسيح نبوته آمن به يحيى.

لا شك أن يحيى لم يكن له كتاب سماوي خاص ، وما نقرأه في الآيات التالية من أنّه( يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ ) إشارة إلى التوراة ، وهي كتاب موسىعليه‌السلام .

وهناك جماعة يتبعون يحيى ، وينسبون له كتابا ، وربما كان (الصابئون الموحدون) من أتباع يحيى(٢) .

لقد كان بين يحيى وعيسى جوانب مشتركة ، كالزهد الخارق غير المألوف ، وترك الزواج للأسباب التي ذكرت ، وولادتهما التي تحمل طابع الإعجاز ، وكذلك

__________________

(١) لقد بحثنا مفصلا في أنّ ترك الزواج لا يمكن أن يكون فضيلة لوحده ، وأنّ قانون الإسلام يؤكّد في هذا المجال على الزواج ، في الجزء الثّاني ذيل الآية (٣٩) من آل عمران من هذا التّفسير.

(٢) أعلام القرآن ، ص ٦٦٧.

٤١٢

النسب القريب جدّا.

ويستفاد من الرّوايات الإسلامية ، أن بين الحسينعليه‌السلام ويحيىعليه‌السلام جهات مشتركة ، ولذلك فقد روي الإمام زين العابدين علي بن الحسينعليه‌السلام أنّه قال : «خرجنا مع الحسين بن عليعليه‌السلام ، فما نزل منزلا ولا رحل منه إلّا ذكر يحيى بن زكريا وقتله ، وقال : ومن هو ان الدنيا على الله أنّ رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل»(١) .

كما أن شهادة الحسينعليه‌السلام تشبه شهادة يحيىعليه‌السلام من عدّة جهات أيضا ، وسنذكر كيفية قتل يحيى فيما بعد.

وكذلك فإنّ اسم الحسينعليه‌السلام كاسم يحيىعليه‌السلام لم يسبقه به أحد ، ومدّة حملهما كانت أقل من المعتاد.

٢ ـ ما معنى كلمة «المحراب»؟

«المحراب» محل خاص في مكان العبادة يجعل للإمام أو الوجهاء والمبرزين ، وقد ذكروا علتين لهذه التسمية :

الأولى : أنّها من مادة «حرب» ، لأنّ المحراب في الحقيقة محل لمحاربة الشيطان وهوى النفس.

والثّانية : أنّ المحراب في اللغة بمعنى مكان الصدارة في المجلس ، ولما كان مكان المحراب في صدر المعبد فقد سمي بهذا الاسم.

يقول البعض : إنّ المحراب كان عند بني إسرائيل بعكس ما هو المتعارف عندنا ، حيث كان في مكان أعلى من سطح الأرض حيث يرتقى اليه بعدّة

__________________

(١) نور الثقلين ، الجزء ٣ ، ص ٣٢٤.

٤١٣

درجات. وكانوا يحيطونه بالجدران بحيث تصعب رؤية الذين يتعبدون في داخل المحراب ، ويؤيد ذلك ما ورد في الآية :( فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ ) والتي قرأناها في الآيات محل البحث ، ومع ملاحظة كلمة «على» التي ستعمل عادة للدلالة على الجهة العليا يتّضح هذا المطلب أكثر.

* * *

٤١٤

الآيات

( يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥) )

التّفسير

صفات يحيىعليه‌السلام البارزة :

رأينا في الآيات السابقة كيف أنّ الله سبحانه منّ على زكريا عند كبره بيحيى ، وبعد ذلك فإنّ أوّل ما نلاحظه في هذه الآيات هو الأمر الإلهي المهم الذي يخاطب يحيى :( يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ ) .

المشهور بين المفسّرين أنّ المراد من الكتاب هنا هو التوراة ، حتى ادعوا الإجماع على ذلك(١) .

إلّا أنّ البعض احتمل أن يكون له كتاب خاص كزبور داود ، وهو طبعا ليس

__________________

(١) يراجع تفسير القرطبي والآلوسي في تفسير هذه الآية.

٤١٥

كتابا متضمنا لدين جديد ومذهب مستحدث(١) . غير أن الاحتمال الأوّل هو الأقوى كما يبدو.

وعلى أي حال ، فإنّ المراد من أخذ الكتاب بقوة هو إجراء وتنفيذ ما جاء في كتاب التوراة السماوي بكل حزم واقتدار وتصميم راسخ ، وإرادة حديدية ، وأن يعمل بكل ما فيه، وأن يستعين بكل القوى المادية والمعنوية في سبيل نشره وتعميمه.

إنّ من القواعد المسلّمة أنّه لا يمكن تطبيق أي كتاب ودين بدون قوة وقدرة وحزن أتباعه وأنصاره ، وهذا درس لكل المؤمنين ، وكل السالكين والسائرين في طريق الله.

يحيى وصفاته العشرة :

ثمّ أشار القرآن الكريم إلى المواهب العشرة التي منحها الله ليحيى والتي اكتسبها بتوفيق الله :

١ ـ( وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) . وهو أمر النّبوة والعقل والذكاء والدراية.

٢ ـ( وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا ) والحنان في الأصل بمعنى الرحمة والشفقة والمحبّة وإظهار العلاقة والمودّة للآخرين.

٣ ـ( وَزَكاةً ) أي أعطيناه روحا طاهرة وزكية ، وبالرغم من أنّ المفسّرين فسروا الزكاة بمعان مختلفة ، فبعضهم فسّرها بالعمل الصالح ، وآخر بالطاعة والإخلاص ، وثالث ببر الوالدين والإحسان إليهما ، ورابع بحسن السمعة والذكر ، وخامس بطهارة الأنصار ، إلّا أنّ الظاهر هو أنّ للزكاة معنى واسعا وشاملا يتضمن كل هذه الأعمال والصفات الطاهرة الصالحة.

٤ ـ( وَكانَ تَقِيًّا ) فكان يجتنب كل ما يخالف الأوامر الالهية.

__________________

(١) يراجع تفسير الميزان في ذيل الآية.

٤١٦

٥ ـ( وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ ) .

٦ ـ( وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً ) فلم يكن رجلا ظالما ومتكبرا وانانيّا.

٧ ـ ولم يكن( عَصِيًّا ) ولم يقترف ذنبا ومعصية.

٨ ، ٩ ، ١٠ ـ ولما كان جامعا لكل هذه الصفات البارزة ، والأوسمة الكبيرة ، فإن الله سبحانه قد سلّم عليه في ثلاثة مواطن :( وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ ، وَيَوْمَ يَمُوتُ ، وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ) .

* * *

بحوث

١ ـ خذ الكتاب السماوي بقوة واقتدار!

إنّ لكلمة «قوة» في قوله :( يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ ) ـ كما تقدم ـ معنى واسعا جمعت فيه كل القدرات والطاقات المادية والمعنوية ، الروحية الجسمية ، وهذا بحد ذاته يبيّن ويوضح هذه الحقيقة ، وهي أنّ الدين الإلهي والإسلام والقرآن لا يمكن أن تحفظ بالضعف والتخاذل والمهادنة اللين ، بل يجب أن تصان بقوّة وتجعل في قلعة القدرة المنيعة.

إنّ المخاطب هنا وإن كان يحيى ، إلّا أنّه قد ورد هذا التعبير بالنسبة إلى غيره من الأنبياء في موارد أخرى من القرآن المجيد ، ففي الآية (١٤٥) من سورة الأعراف أمر موسى بأن يأخذ التوراة بقوة :( فَخُذْها بِقُوَّةٍ ) .

وفي الآية (٦٣ و ٩٣) من سورة البقرة يلاحظ أنّ الخطاب موجه لجميع بني إسرائيل:( خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ ) وهو يوحي بأن هذا الحكم عام يشمل الجميع ، ولا يخص شخصا أو أشخاصا معينين.

وقد ورد هذا المفهوم بتعبير آخر في الآية (٦٠) من سورة الأنفال :( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) .

٤١٧

وعلى كل حال ، فإنّ هذه الآية تعتبر جوابا لمن يظن أنّه بالإمكان تنفيذ عمل أو تحقيق غاية من موقعه الضعف ، أو يريد حل المشاكل عن طريق المساومة في كل الظروف.

٢ ـ ثلاثة أيّام صعبة في مصير الإنسان

إنّ التعبير ب( سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ) يبيّن أن في تاريخ حياة الإنسان وانتقاله من عالم إلى عالم آخر ثلاثة أيّام صعبة : يوم يضع قدمه في هذه الدنيا:( يَوْمَ وُلِدَ ) ويوم موته وانتقاله إلى عالم البرزخ( وَيَوْمَ يَمُوتُ ) ويوم بعثه في العالم الآخر( وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ) ولما كان من الطبيعي أن تكون هذه الأيّام مرافقة للاضطرابات والقلق ، فإنّ الله سبحانه يكتنف خاصّة عباده بسلامه وعافيته ، ويجعل هؤلاء في ظل حمايته ومنعته في هذه المراحل العسيرة الثلاثة.

وبالرغم من أنّ هذا التعبير قد ورد في القرآن في موردين فقط ، في حق يحيى وفي حق عيسىعليه‌السلام ، إلّا أنّ التعبير القرآن في شأن يحيى امتيازا خاصّا ، لأنّ المتكلم بهذا الكلام هو الله سبحانه ، في حين أنّ المسيحعليه‌السلام هو المتكلم في حق نفسه.

ومن الواضح أنّ الأفراد الذين يكونون في أوضاع وأحوال تشابه أحوال هذين العظيمين ستعمهم وتظللهم هذه السلامة.

ومن البديع أن نقرأ في رواية عن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : «إنّ أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن : يوم يلد ويخرج من بطن أمه فيرى الدنيا ، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها ، ويوم يبعث حيا فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا ، وقد سلم الله على يحيىعليه‌السلام في هذه الثلاثة مواطن وآمن روعته ، فقال :

٤١٨

وسلام عليه ...»(١) .

٣ ـ النّبوة في الطفولة

صحيح أنّ مرحلة النضج العقلي للإنسان لها حدّ معين عادة ، إلّا أنّه يوجد أفراد استثنائيون بين البشر دائما ، فأي مانع من أن يختصر الله هذه المرحلة لبعض عباده لمصالح ما ، ويجعلها تتلخص في سنوات أقل؟ كما أن مرور سنة أو سنتين على الولادة أمر محتم من أجل التمكن من النطق عادة ، في حين أنّنا نعلم أنّ عيسىعليه‌السلام قد تكلم في أيّامه الأولى ، وكان كلاما عميق المحتوى من شأنه أن يصدر ـ عادة عن أناس كبار في السن ، كما سيأتي في تفسير الآيات القادمة إن شاء الله تعالى.

من هنا يتّضح عدم صحة الإشكال الذي طرحه بعض الأفراد حول بعض أئمة الشيعة ، بأنّه كيف تسلّم بعضهم أمور الإمامة في سن صغيرة؟

نطالع في رواية عن علي بن أسباط ، أحد أصحاب الإمام الجواد محمّد بن علي النقيعليه‌السلام أنّه قال : رأيت أبا جعفرعليه‌السلام وقد خرج عليّ ، فأجدت النظر إليه ، وجعلت أنظر إلى رأسه ورجليه لأصف قامته لأصحابنا بمصر ، فبينا أنا كذلك قعد فقال : «يا عليّ، إنّ الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النّبوة ، قد يقول( وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) ، وقد يقول( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ) و( بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ) فقد يجوز أن يؤتى الحكمة وهو صبي ، ويجوز أن يؤتى الحكمة وهو ابن أربعين»(٢) .

كما أنّ هذه الآية تتضمن جوابا مفحما لأولئك المعترضين الذين يقولون : إنّ علياعليه‌السلام لم يكن أوّل من آمن بالنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الرجال ، لأنّه كان ابن عشر سنين في ذلك اليوم ، ولا يقبل إيمان صبي في العاشرة من عمره!

__________________

(١) تفسير البرهان ، ج ٣ ، ص ٧.

(٢) نور الثقلين ، الجزء ٣ ، ص ٣٢٥.

٤١٩

ولا بأس من ذكر الرّواية الشريفة عن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام ، وهي أن جماعة من الأطفال قالوا للرضاعليه‌السلام أيّام طفولته : أذهب بنا نلعب ، قال : «ما للعب خلقنا» وهذا ما أنزل الله تعالى( وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) (١) .

يجب الالتفات إلى أن اللعب هنا هو الإشتغال بما لا فائدة فيه ، وبتعبير آخر لا هدف يطلب منه ، لكن قد يستتبع اللعب واللهو ـ أحيانا ـ هدفا منطقيا وعقلائيا ويسعى إليه ، فمن البديهي أن لهذا اللعب حكما مستثنى.

٤ ـ شهادة يحيى

لم تكن ولادة يحيى عجيبة ومذهلة لوحدها ، بل إنّ موته أيضا كان عجيبا من عدّة جهات ، وقد ذكر أغلب المؤرخين المسلمين ، وكذلك المصادر المسيحية ، مجرى هذه الشهادة على هذه النحو ، بالرغم من وجود اختلاف يسير في خصوصياتها بين هذه المراجع:

لقد أصبح يحيى ضحية للعلاقات غير الشرعية لأحد طواغيت زمانه مع أحد محارمه ، حيث تعلق «هروديس» ملك فلسطين اللاهث وراء شهواته ببنت أخته «هروديا» وهام في غرامها ، وألهب جمالها قلبه بنار العشق ، ولذلك صمم على الزواج منها!

فبلغ هذا الخبر نبي الله العظيم يحيىعليه‌السلام ، فأعلن بصراحة أنّ هذا الزواج غير شرعي ومخالف لتعليمات التوراة ، وسأقف امام مثل هذا العمل.

لقد انتشر صخب وضوضاء هذه المسألة في كل أرجاء المدينة ، وسمعت تلك الفتاة (هيروديا) بذلك ، فكانت ترى يحيى أكبر عائق في طريقها ، ولذلك صممت على الانتقام منه في فرصة مناسبة لترفع هذا المانع من طريق شهواتها وميولها ، فعمقت علاقتها بخالها ووطدتها ، وجعلت من جمالها مصيدة له ، وقد

__________________

(١) نور الثقلين ، الجزء ٣ ، ص ٣٢٥.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

فالأمراض الجسميّة تبرز سماتها وأعراضها على الجسم في صورٍ مِن الشحوب والهزال والانهيار.

أمّا العلل النفسيّة والروحيّة فإنّ مضاعفاتها لا يتبيّنها إلاّ العارفون مِن الناس، حيث تبدو في صورٍ مقيتة مِن جموح النفس، وتمرّدها على الحقّ، ونزوعها إلى الآثام والمنكرات، وهيامها بحبّ المادّة وتقديسها وعبادتها، ونبذها للقيم الروحيّة ومثلها العليا، ممّا يوجِب مسخها وهبوطها إلى درك الحيوان.

مِن أجل ذلك كانت العِلَل الروحيّة والنفسيّة أصعب علاجاً، وأشدّ عناءً من العلل الجسميّة، لعُسر علاج الأُولى، ويُسرّ الثانية في الغالب.

وكانت عناية الحكماء والأولياء بتهذيب النفس، وتربية الوجدان أضعاف عنايتهم بالجسَد.

وهذا ما يحتم على كلّ واعٍ مستنير أن يعني بتركيز نفسه، وتصعيد كفاءتها، وتهذيب ملكاتها، ووقايتها مِن الشذوذ والانحراف، وذلك برعاية حقوقها، وحسن سياستها وتوجيهها.

وإليك طرَفاً مِن طلائع حقوق النفس:

١ - تثقيف النفس:

وذلك: بتنويرها بالمعرفة الإلهيّة والعقيدة الحقّة، وتزويدها بالمعارف النافعة، التي تنير للإنسان سبُل الهداية وتوجّهه وجهة الخير والسداد. وهذه هي

٥٠١

أسمى غايات النفس وأشواقها.

فهي تصبو إلى العقيدة، وتهفو إلى الإيمان باللّه عزّ وجل، وتتعشّق العِلم، وتهفو إلى استجلاء الحقائق، واستكشاف أسرار الكون وألغاز الحياة. تتطلّع إلى ذلك تطلّع الظمآن إلى الماء، وتلتمس الذي لنفسها كما يلتمسه هو سَواءً بسواء، فإنْ ظفَرَت بذلك أحسّت بالطمأنينة والارتياح، وإنْ فقدَته شعَرت بالقلق والسأم.

٢ - إصلاح السريرة:

للإنسان صورتان: صورة ظاهريّة تتمثّل في إطار جسده المادّي، وصورة باطنيّة تتمثّل فيها خصائصه النفسيّة، وسجاياه الخلقيّة.

وكما تكون الصورة الظاهريّة هدفاً للمدح أو الذمّ، ومدعاة للحبِّ أو الكره نظراً لصفاتها الجميلة أو القبيحة.

كذلك الصورة الباطنيّة يعروها المدح والذم، وتبعث على الإعجاب أو الاستنكار، تبعاً لما تتّسم به مِن طيبةٍ أو خُبث، مِن تلألؤٍ أو ظلامٍ.

وكما يهتمّ العقلاء بتجميل صورهم المادّية، وإظهارها بالمظهر اللائق الجذّاب، كذلك يجدوا الاهتمام بتجميل صورهم الباطنيّة، وتزيينها بالطيبة وصفاء السريرة وجمال الخلق. لتغدو وضّاءة مشعّة بألوان الخير والجمال. وذلك بتطهيرها مِن أوضار الرياء والنفاق، والحسَد والمكر ونحوها من السجايا الهابطة المقتية.

٥٠٢

من أجل ذلك حرّض أهل البيتعليهم‌السلام على تهذيب النفس وإصلاح السريرة، وحسن الطوية ؛ لتكون ينبوعاً ثرّاً فيّاضاً بشرف الفضائل وحُسن الأخلاق.

فعن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : كانت الفقهاء والحكماء إذا كاتَب بعضهم بعضاً، كتبوا بثلاثٍ ليس معهن رابعة:

مَن كانت الآخرة همّه كفاه اللّه همّه مِن الدنيا، ومَن أصلَح سريرته أصلح اللّه علانِيَته، ومَن أصلح فيما بينه وبين اللّه عزّ وجل أصلح اللّه له فيما بينه وين الناس )(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ( ما مِن عبدٍ يسرّ خيراً، إلاّ لم تذهب الأيّام حتّى يظهر اللّه له خيراً، وما مِن عبدٍ يسرّ شراً، إلاّ لم تذهب الأيّام حتّى يظهر اللّه له شرّاً )(٢) .

وعنهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيأتي على الناس زمان، تخبث فيه سرائرهم، وتحسن فيه علانيتهم، طمعاً في الدنيا، لا يريدون به ما عند ربهم، يكون دينهم رياءً، لا يخالطهم خوف، يعمّهم اللّه بعقاب، فيدعونه دعاء الغريق، فلا يستجيب لهم )(٣).

_____________________

(١) البحار م ١٤ ج ٢ ص ٢٠٤ عن الخصال والأمالي وثواب الأعمال للصدوق (ره).

(٢) الوافي ج ٣ ص ١٤٧ عن الكافي.

(٣) الوافي ج ٣ ص ١٤٨ عن الكافي.

٥٠٣

٣ - ضبط النفس:

تنزع النفس بغزائرها وشهواتها إلى الشذوذ والانحراف، وتخدع أربابها بسحرها الفاتن وأهوائها المضلّة، حتّى تجمح بهم في متاهات الغواية والضلال:( إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي ) ( يوسف: ٥٣ ).

وهذا ما يُحفّز كلّ واعٍ مستنير، أنْ يُعني بضبط نفسه، والسيطرة عليها وتحصينها ضد المعاصي والآثام، وترويضها على طاعة اللّه تعالى، وأتباع شرعته ومنهاجه.

وقد حثّ القرآن الكريم علي ضبط النفس، والحدّ مِن جماحها وتوجيهها شطر الخير والصلاح.

قال تعالى:( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) ( الشمس: ٧ - ١٠ ).

وقال تعالى:( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) ( النازعات: ٤١).

( فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ) ( النازعات: ٣٧).

وهكذا حرّض أهل البيتعليهم‌السلام على ضبط النفس، وقمع نزَواتها، معتبرين ذلك أفضل صور الجهاد.

فعن موسى بن جعفر عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث سريّة، فلمّا رجعوا

٥٠٤

قال: مرحباً بقومٍ قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر. قيل: يا رسول اللّه، وما الجهاد الأكبر ؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : جهاد النفس.

ثمّ قال: أفضل الجهاد مَن جاهد نفسه التي بين جنبيه )(١).

وعن عبد اللّه بن الحسن، عن أُمّه فاطمة بنت الحسين بن عليّعليه‌السلام عن أبيهاعليه‌السلام قال:

( قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وآله ): ثلاث خصال، مَن كُن فيه، استكمل خصال الإيمان: الذي إذا رضيَ لم يُدخله رضاه في إثمٍ ولا باطل، وإذا غضِب لم يُخرجه الغضَب مِن الحقّ، وإذا قدر لم يتعاط ما ليس له )(٢).

٤ - محاسبة النفس:

والمراد منها هو: محاسبة النفس في كلّ يوم عمّا عملته مِن الطاعات والمعاصي، والموازنة بينهما، فإنْ رجُحت كفّة الطاعات، شكَر المُحاسب اللّه على توفيقه لها، وفوزه بشرف طاعته ورضاه.

وإنْ رجُحت كفّة المعاصي أدّب المحاسب نفسه بالتقريع والتأنيب على إغفال الطاعة، والنزوع للآثام.

قال الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام : ( ليس منا من لم يحاسب

_____________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ١٩٧ عن معاني الأخبار للصدوق.

(٢) سفينة البحار ج ٢ ص ٥٥٠ عن الخصال للصدوق.

٥٠٥

نفسه في كلّ يوم، فإنْ عمل حسنةً استزاد اللّه تعالى، وإنْ عمل سيّئة استغفر اللّه تعالى منها وتاب إليه )(١).

وقد بحثت هذا الموضوع في القسم الأوّل مِن هذا الكتاب فراجعه هناك.

هذه لمحات خاطفة مِن حقوق النفس، تفاديت الإطناب فيها خَشية السأم والملل.

وقد وقع الفراغ مِن هذه الأبحاث على يد مؤلّفها مهدي ابن المغفور له العلاّمة الحجّة السيّد علي الصدر ابن آية اللّه العظمى السيّد حسن الصدر- أعلى اللّه مقامهما - في ليلة الأربعاء ١٧ شوّال سنة ١٣٩٠ هجريّه والحمد للّه أوّلاً وآخراً.

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٦٢ عن الكافي.

٥٠٦

فهرست تفصيلی

القسم الأوّل - الأخلاق العامّة ١

مُقدمَة الكِتَابَ.. ٥

حُسن الخُلق. ١١

سُوء الخلق: ١٩

الأخلاق بين الاستقامة والانحراف: ٢٠

علاج سوء الخلق: ٢٢

الصـدق. ٢٣

مآثر الصدق: ٢٤

أقسام الصدق: ٢٦

الكذِب.. ٢٧

مساوئ الكذِب: ٢٨

دواعي الكذِب: ٢٩

أنواع الكذب: ٣٠

أضرار اليمين الكاذبة وشهادة الزور: ٣١

علاج الكذب: ٣٣

مسوّغات الكذب: ٣٤

الحِلْم وكظم الغيظ. ٣٥

الغضَب.. ٤٣

بواعِث الغضَب: ٤٤

أضرار الغضب: ٤٥

الغضب بين المدح والذم: ٤٥

علاج الغضب: ٤٦

التواضع. ٤٩

التكبّر ٥٥

مساوئ التكبّر: ٥٧

بواعث التكبّر: ٥٨

٥٠٧

درجات التكبّر: ٥٩

أنواع التكبّر: ٦٠

علاج التكبّر: ٦٠

القناعة ٦٣

محاسن القناعة: ٦٤

الحِرص.. ٦٧

مساوئ الحرص: ٦٨

علاج الحرص: ٦٩

الكـرَم ٧١

محاسن الكرَم: ٧٢

مجالات الكرَم: ٧٣

بواعِث الكرَم: ٧٥

الإيثـار ٧٧

البُخـل. ٨٠

مساوئ البُخل: ٨١

صور البُخل: ٨٢

علاج البُخل: ٨٢

العفّة ٨٨

حقيقة العفّة: ٨٩

الاعتدال المطلوب: ٨٩

محاسن العفّة: ٩٠

الشره ٩١

مساوئ الشره: ٩٢

علاج الشرَه: ٩٣

الأمانة والخيانة ٩٥

محاسن الأمانة ومساوئ الخيانة: ٩٦

صوَر الخيانة: ٩٧

٥٠٨

التآخي. ٩٩

التآخي الروحي: ٩٩

العصبيّة ١٠٤

حقيقة العصبيّة: ١٠٦

غوائل العصبية: ١٠٧

العدل. ١٠٨

أنواع العدل: ١٠٩

محاسن العدل: ١١١

الظلم. ١١٦

أنواع الظلم: ١١٩

وخامة الظلم: ١٢٣

علاج الظلم: ١٢٤

الإخلاص.. ١٢٦

فضيلة الإخلاص: ١٢٧

عوائق الإخلاص: ١٢٨

كيف نكسب الإخلاص: ١٢٩

الرياء ١٣١

أقسام الرياء ١٣٣

دواعي الرياء: ١٣٣

حقائق: ١٣٤

مساوئ الرياء: ١٣٦

علاج الرياء: ١٣٧

علاج الرياء العمَلي: ١٣٧

العُجُب.. ١٣٩

مساوئ العجُب: ١٤١

علاج العُجُب: ١٤١

٥٠٩

اليقين. ١٤٣

خصائص الموقنين: ١٤٥

درجات الايمان: ١٤٦

أنواع الايمان: ١٤٧

الصبر. ١٥٠

أقسام الصبر. ١٥٢

(١) الصبر على المكاره والنوائب: ١٥٢

(٢) الصبر على طاعة اللّه والتصبّر عن عصيانه: ١٥٦

(٣) الصبر على النِّعَم: ١٥٧

محاسن الصبر: ١٥٨

كيف تكسب الصبر: ١٥٩

الشُّكر ١٦١

أقسام الشكر: ١٦٣

فضيلة الشكر: ١٦٤

كيف نتحلّى بالشكر: ١٦٦

التوكّل. ١٦٨

حقيقة التوكّل: ١٧٠

درجات التوكّل: ١٧١

محاسن التوكّل: ١٧٢

كيف تكسب التوكّل: ١٧٣

الخوف من اللّه تعالى. ١٧٦

الخوف بين المدّ والجزر: ١٧٨

محاسن الخوف: ١٧٨

كيف نستشعر الخوف: ١٨٠

طرف مِن قَصص الخائفين: ١٨١

الرجاء من اللّه تعالى. ١٨٣

واقع الرجاء ١٨٩

٥١٠

الحكمة في الترجّي والتخويف.. ١٩٠

الغرور ١٩٢

( أ ) الاغترار بالدنيا ١٩٣

القانون الخالد: ١٩٦

مساوئ الاغترار بالدنيا: ١٩٩

علاج هذا الغرور: ٢٠٠

( ب ) غرور العلم. ٢٠٤

( ج ) غرور الجاه ٢٠٧

الجاه بين المدح والذم: ٢٠٩

(د) غرور المال. ٢١٠

المال بين المدح والذم: ٢١١

( هـ ) غرور النسب.. ٢١٣

الحسَد. ٢١٥

بواعث الحسَد: ٢١٦

مساوئ الحسَد: ٢١٨

علاج الحسَد: ٢١٩

الغيبة ٢٢١

التصامُم عن الغيبة: ٢٢٢

بواعث الغيبة: ٢٢٣

مساوئ الغيبة: ٢٢٤

مسوّغات الغيبة: ٢٢٥

علاج الغيبة: ٢٢٧

كفّارة الغيبة: ٢٢٧

البهتان. ٢٢٩

النميمة ٢٣٠

بواعث النميمة: ٢٣٢

مساوئ النميمة: ٢٣٢

٥١١

كيف تعامل النمّام: ٢٣٢

السعاية: ٢٣٤

الفُحش والسَّب والقَذف.. ٢٣٥

بواعِث البَذاء ٢٣٨

مساوئ المُهاتَرات: ٢٣٨

السُّخرية ٢٣٩

الكلِم الطيّب.. ٢٤١

غوائل الذنوب.. ٢٤٦

التوبة ٢٥٣

حقيقة التوبة: ٢٥٣

فضائل التوبة: ٢٥٤

وجوب التوبة وفوريّتها: ٢٥٧

تجديد التوبة: ٢٥٨

منهاج التوبة: ٢٦٠

قبول التوبة: ٢٦١

أشواق التوبة: ٢٦٢

محاسبة النفس ومراقبتها ٢٦٣

دستور المحاسبة: ٢٦٥

اغتنام فرصة العمر: ٢٦٧

العمل الصالح. ٢٧٢

طاعة اللّه وتقواه: ٢٧٦

حقيقة الطاعة والتقوى: ٢٧٩

الثبات على المبدأ ٢٨٣

القسم الثاني - في الحقوق والواجبات.. ٢٩٣

تمهيد. ٢٩٥

الحقوق الإلهيّة ٢٩٩

١ - العبادة: ٣٠٠

٥١٢

٢ - الطاعة: ٣٠٢

٣ - الشكر: ٣٠٣

٤ - التوكّل: ٣٠٤

حقوق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.... ٣٠٥

١ - طاعته: ٣٠٦

٢ - محبّته: ٣٠٧

٣ - الصلاة عليه: ٣١٠

٤ - مودّة أهل بيته الطاهرين: ٣١٣

حقوق الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام.... ٣٢٠

فضلهم: ٣٢٠

١ - معرفتهم: ٣٢٠

٢ - موالاتهم: ٣٢٢

٣ - طاعتهم: ٣٢٤

٤ - أداء حقّهم مِن الخُمس: ٣٢٦

٥ - الإحسان إلى ذرّيتهم: ٣٢٧

٦ - مدحهم ونشر فضلهم: ٣٢٨

٧ - زيارة مشاهدهم: ٣٣٢

حقُوق العلماء ٣٣٥

فضل العلم والعلماء: ٣٣٥

١ - توقيرهم: ٣٣٨

٢ - بِرّهم: ٣٣٩

٣ - الاهتداء بهم: ٣٤٠

حقوق الأساتذة والطلاب.. ٣٤٣

حقوق الطلاّب.. ٣٤٥

حقوق الوالدين والأولاد ٣٤٩

حقوق الوالدين. ٣٤٩

برّ الوالدين: ٣٥٠

٥١٣

عقوق الوالدين. ٣٥٥

مساوئ العقوق: ٣٥٧

حقوق الأولاد: ٣٦٠

حكمة التأديب: ٣٦٣

المدرسة الأولى للطفل: ٣٦٣

منهاج التأديب: ٣٦٤

الحقوق الزوجيّة ٣٦٦

فضل الزواج. ٣٦٦

١ - فوائد الزواج: ٣٦٧

٢ - ومِن منافع الزواج: ٣٦٨

٣ - ومِن آثار الزواج: ٣٦٨

السعادة الزوجيّة: ٣٦٩

الزوج المثالي: ٣٦٩

الزوجة المثاليّة: ٣٧١

رعاية الحقوق: ٣٧٢

حقوق الزوج. ٣٧٣

١ - الطاعة: ٣٧٣

٢ - المداراة: ٣٧٥

٣ - الصيانة: ٣٧٨

حقوق الزوجة ٣٧٩

١ - النفقة: ٣٧٩

التوسعة على العيال: ٣٨٠

٢ - حسن العشرة: ٣٨١

٣ - الحماية: ٣٨٢

الحقوق المزيّفة ٣٨٣

١ - السفور: ٣٨٤

الأضرار الخُلقيّة: ٣٨٥

٥١٤

الأضرار الصحيّة: ٣٨٨

الأضرار الاجتماعيّة: ٣٨٩

منزلة المرأة في الإسلام ٣٩٨

المرأة في التاريخ القديم. ٣٩٩

المرأة في المجتمع العربي الجاهلي: ٤٠١

المرأة في الحضارة الغربية الحديثة: ٤٠٢

تحرير المرأة في الإسلام ٤٠٣

المساواة بين الرجل والمرأة ٤١٢

التمايز بين الجنسين. ٤١٧

١ - القوامة: ٤١٨

٢ - إيثار الرجل على المرأة في الإرث: ٤١٩

٣- الشهادة: ٤٢٠

٤ - تعدّد الزوجات: ٤٢١

أ - المبرّرات: ٤٢٣

ب - الحروب: ٤٢٥

الطلاق في الإسلام ٤٢٧

حقوق الأقرباء ٤٣١

فضل الأقرباء: ٤٣١

صلة الرحم: ٤٣١

خصائص صلة الرحم: ٤٣٤

قطيعة الرحم: ٤٣٥

مساوئ قطيعة الرحم: ٤٣٨

حقوق الأصدقاء ٤٣٩

فضل الأصدقاء ٤٣٩

واقع الصداقة والأصدقاء: ٤٤٠

اختيار الصديق: ٤٤٢

خِلال الصديق المثالي: ٤٤٣

٥١٥

مقاييس الحبّ.. ٤٤٧

الصداقة بين المدّ والجزر: ٤٤٨

حقوق الأصدقاء: ٤٤٩

١ - الرعاية الماديّة: ٤٤٩

٢ - الرعاية الأدبيّة: ٤٥١

٣ - المداراة: ٤٥٢

الاعتدال في حبّ الصديق والثقة به: ٤٥٦

حقوق الجِوار ٤٥٨

التآزر والتعاطف: ٤٥٨

حقوق الجار: ٤٦٠

حقوق المجتمع الإسلامي. ٤٦٢

فضل المجتمع الإسلامي: ٤٦٢

حقوق المجتمع الإسلامي: ٤٦٤

١ - حقُّ الحياة: ٤٦٤

٢ - حقُّ الكرامة: ٤٦٥

٣ - حقُّ الحريّة: ٤٦٩

أ - الحريّة الدينيّة: ٤٦٩

ب - الحريّة المدنيّة: ٤٧٠

ج - حريّة الدعوة الإسلاميّة: ٤٧٠

٤ - حقُّ المساواة: ٤٧١

المساواة في الإسلام ٤٧٣

٥ - حقّ العِلم: ٤٧٨

٦ - حقّ الملكيّة: ٤٧٩

٧ - حق الرعاية الإسلاميّة: ٤٨١

أ - إطعامه وسقيه: ٤٨٢

ب - إكساء المؤمن: ٤٨٣

ج - قضاء حاجة المؤمن: ٤٨٤

٥١٦

د - مسرّة المؤمن: ٤٨٥

هـ - زيارة المؤمن: ٤٨٦

الحاكمون وواجباتهم. ٤٨٧

حقوق الرعيّة على الحاكم: ٤٩٠

أ - العدل: ٤٩٠

ب - الصلاح: ٤٩١

ج - الرفق: ٤٩١

مظاهر الرفق: ٤٩٢

آثار الرفق: ٤٩٣

د - اختبار الأعوان: ٤٩٣

هـ - محاسبة العمّال والموظفين: ٤٩٤

و - إسعاد الرعيّة: ٤٩٤

حقوق الحاكم على الرعيّة ٤٩٥

حاجات الجسم والنفس.. ٤٩٩

حقوق الجسَد: ٥٠٠

حقوق النفس: ٥٠٠

١ - تثقيف النفس: ٥٠١

٢ - إصلاح السريرة: ٥٠٢

٣ - ضبط النفس: ٥٠٤

٤ - محاسبة النفس: ٥٠٥

٥١٧

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576