الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 576

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 264366 / تحميل: 11788
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

أو عنه من اصل التركة.

(السادسة): من جعل دابته أو جاريته هديا لبيت الله بيع ذلك وصرف ثمنه في معونة الحاج والزائرين.

(السابعة): روى اسحاق بن عمار عن أبي ابراهيمعليه‌السلام في رجل كانت عليه حجة الاسلام فأراد أن يحج، فقيل له: تزوج ثم حج، قال: (إن تزوجت قبل أن أحج فغلامي حر، فبدأ بالنكاح، فقال: تحرر الغلام) وفيه اشكال إلا أن يكون نذرا.

(الثامنة): روى رفاعة عن أبي عبداللهعليه‌السلام في رجل نذر الحج ولم يكن له مال فحج عن غيره أيجزي عن نذره؟ قال: (نعم) وفيه اشكال إلا أن يقصد ذلك بالنذر.

(التاسعة): قيل من نذر ألا يبيع خادما أبدا لزمه الوفاء وإن احتاج إلى ثمنه، وهو استنادا إلى رواية مرسلة.

(العاشرة): العهد كاليمين يلزم حيث تلزم.

ولو تعلق بما الاعود(١) مخالفته دينا أو دنيا خالف إن شاء، ولا إثم ولا كفارة.

كتاب الصيد والذبائح

يؤكل من الصيد ما قتله السيف والرمح والسهم والمعراض اذا خرق، ولو اصاب السهم معترضا حل إن كان فيه حديدة، ولو خلا منها لم يؤكل الا أن يكون حادا فيخترق وكذا ما يقتله الكلب المعلم دون غيره من الجوارح.

ولا يؤكل ما قتله الفهد وغيره من جوارح البهائم.

ولا ما قتله العقاب وغيره من جوارح

____________________ ___

(١) الاكثر فائدة ونفعا.

(*)

٢٤١

الطير إلا أن يذكى.

وإدراك ذكاته بأن يجده ورجله تركض أو عينه تطرف.

وضابطه حركة الحيوان.

ويشترط في الكلب أن يكون معلما يسترسل إذا أغري وينزجر إذا زجر وألا يعتاد أكل صيده، ولا عبرة بالندرة.

ويعتبر في المرسل أن يكون مسلما أو بحكمه قاصدا بارساله الصيد مسميا عند الارسال.

فلو ترك التسمية عامدا لم يؤكل صيده، ويؤكل لو نسي اذا اعتقد الوجوب.

ولو ارسل وسمى غيره لم يؤكل صيده الا أن يذكيه، ويعتبر ألا (يغيب) عنه، فلو غاب وحياته مستقرة ثم وجده مقتولا أو ميتا لم يؤكل.

وكذا السهم ما لم يعلم أنه القاتل ويجوز الاصطياد بالشرك والحبالة وغيرهما من الآلة و بالجوارح لكن لا يحل منه إلا ما ذكي.

والصيد ما كان ممتنعا، ولو قتل بالسهم فرخاأوقتل الكلب طفلا(١) غير ممتنع لم يحل ولو رمى طائرا فقتله وفرخا لم يطر حل الطائر دون فرخه.

مسائل: من أحكام الصيد: (الاولى): اذا تقاطعته الكلاب قبل إدراكه حل.

(الثانية): لو رماه بسهم فتردى من جبل أو وقع في ماء فمات لم يحل وينبغي هنا اشتراط استقرار الحياة(٢) .

____________________ ___

(١) الطفل: المولود، وولد كل وحشية أيضا طفل.

اه‍ مختار الصحاح.

(٢) هذا استدراك على الحكم السابق، لانه يفيد عدم حله سواء أكان قبل موته مستقر الحياة ام لا.

مع ان عدم الحل انما هو حكم خاص بمستقر الحياة قبل التردي وبعد الاصابة والسهم.

ويدل على ذلك عبارته فيس شرائع الاسلام وهذا نصها: (ولو رمى صيدا فتردى من جبل او وقع في ماء فمات، لم يحل لاحتمال ان يكون موته من السقطة نعم لو صير حياته غير مستقرة، حل لانه يجري مجرى المذبوح).

(*)

٢٤٢

(الثالثة): لو قطعه السيف اثنين فلم يتحركا حلا، ولو تحرك أحدهما فهو الحلال ان كانت حياته مستقرة لكن بعد التذكية.

ولو لم تكن مستقرة حلا.

وفي رواية يؤكل الاكبر دون الاصغر وهي شاذة.

ولو اخذت الحبالة منه قطعة فهي ميتة.

(الرابعة): اذا أدرك الصيد وفيه حياة مستقرة ولا آلة ليذكيه لم يحل حتى يذكى.

وفي رواية جميل: يدع الكلب حتى يقتله.

(الخامسة): لو ارسل كلبه فأرسل كافر كلبه فقتلا صيدا، أو مسلم لم يسم او لم يقصد الصيد، لم يحل.

(السادسة): لو رمى صيدا فأصاب غيره حل.

ولو رمى لا للصيد فقتل صيدا لم يحل.

(السابعة): اذا كان الطير مالكا جناحه فهو لصائده الا أن يعرف مالكه فيرده اليه.

ولو كان مقصوصا لم يؤخذ لان له مالكا.

ويكره أن يرمي الصيد بما هو اكبر منه ولو اتفق قيل يحرم والاشبه الكراهية.

وكذا يكره أخذ الفراخ من اعشاشها.

والصيد بكلب علمه مجوسي.

وصيد السمك يوم الجمعة قبل الصلاة.

وصيد الوحش والطير بالليل.

والذبائح: تستدعي بيان فصول: (الاول): الذابح: ويشترط فيه الاسلام أو حكمه ولو كان انثى.

وفي الكتابي روايتان، أشهرهما: المنع.

وفي رواية ثالثة: اذا سمعت تسميته فكل والافضل أن يليه المؤمن.

نعم لا تحل ذبيحة المعادي لاهل البيتعليهم‌السلام .

(الثاني): الآلة ولا تصح الا بالحديد مع القدرة، ويجوز بغيره مما يغري الاوداج عند الضرورة، ولو مروة او ليطة أو زجاجة.

وفي الظفر والسن مع الضرورة تردد.

(الثالث): الكيفية: وهي قطع الاعضاء الاربعة: المرئ، والودجان،

٢٤٣

والحلقوم، وفي الرواية: إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس.

ويكفي في النحر الطعن في الثغرة: ويشترط استقبال القبلة بالذبيحة مع الامكان، والتسمية، فلو أخل بأحدهما عمدا لم يحل، ولو كان نسيانا حل، ويشترط نحر الابل وذبح ما عداها.

فلو نحر المذبوح أو ذبح المنحور لم يحل.

ولا يحل حتى يتحرك بعد التذكية حركة الحي، وأدناه أن يتحرك الذنب أو تطرف العين ويخرج الدم المعتدل، وقيل: يكفي الحركة، وقيل: يكفى أحدهما، وهو أشبه.

وفي ابانة الرأس بالذبح قولان، المروي: أنها تحرم ولو سبقت السكين فأبانته لم تحرم الذبيحة.

ويستحب في الغنم ربط يدي المذبوح واحدى رجليه وامساك صوفه أو شعره حتى يبرد.

وفي البقر عقد يديه ورجليه واطلاق ذنبه.

وفي الابل ربط أخفافه إلى ابطيه.

وفي الطير ارساله.

ويكره الذباحة ليلا، ونخع الذبيحة(١) وقلب السكين في الذبح، وأن يذبح حيوانا وآخر ينظر اليه، وأن يذبح بيده ما رباه من النعم.

ويحرم سلخ الذبيحة قبل بردها.

وقيل يكره، وهو أشبه.

ويلحق به أحكام: (الاول): ما يباع في أسواق المسلمين يجوز ابتياعه من غير تفحص.

(الثاني): ما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان كالمستعصي والمتردي في بئر يجوز عقره بالسيف وغيره مما يخرج اذا خشي تلفه.

(الثالث): ذكاة السمك: اخراجه من الماء حيا.

ولا يعتبر في المخرج الاسلام ولا التسمية، ولو وثب او نضب عنه الماء فأخذ حيا حل.

وقيل:

____________________ ___

(١) نخعت الشاة نخعا من باب نخع: جاوزت بالسكين منتهى الذبح إلى النخاع اه‍. مصباح.

(*)

٢٤٤

يكفي ادراكه يضطرب، ولو صيد وأعيد في الماء فمات لم يحل وان كان في الآلة.

وكذا الجراد ذكاته أخذه حيا.

ولا يشترط اسلام الآخذ ولا التسمية ولا يحل ما يموت قبل اخذه.

وكذا لو أحرقه قبل اخذه.

ولا يحل منه ما لم يستقل بالطيران.

(الرابع): ذكاة الجنين ذكاة أمه إذا تمت خلقته.

وقيل: يشترط مع إشعاره ألا تلجه الروح وفيه بعد.

ولو خرج حيا لم يحل إلا بالتذكية.

كتاب الاطعمة والاشربة

والنظر فيه يستدعي أقساما: (الاول): في حيوان البحر: ولا يؤكل منه إلا سمك له فلس ولو زال عنه كالكنعت.

ويؤكل الربيثا والاربيان والطمر والطبراني والايلامي.

ولا يؤكل السلحفاة، ولا الضفادع ولا السرطان.

وفي الجري روايتان، أشهرها التحريم.

وفي الزمار والمارماهي والرهو، روايتان.

والوجه: الكراهية.

ولو وجد في جوف سمكة سمكة أخرى حلت ان كانت مما يؤكل.

ولو قذفت الحية تضطرب، فهي حلال ان لم تنسلخ فلوسها.

ولا يؤكل الطافي وهو الذي يموت في الماء وان كان في شبكة او حظيرة.

ولو اختلط الحي فيهما بالميت حل والاجتناب أحوط.

ولا يؤكل جلال السمك حتى يطعم علفا طاهرا يوما وليلة.

وبيض السمك المحرم مثله. ولو اشتبه أكل منه الخشن لا الاملس.

(الثاني): في البهائم: ويؤكل من الانسية: النعم، ويكره الخيل والحمر وكراهية البغل أشد.

ويحرم الجلال منها على الاصح وهو ما يأكل عذرة

٢٤٥

الانسان محضا.

ويحل مع الاستبراء بأن يربط ويطعم العلف.

وفي كميته اختلاف، محصله: استبراء الناقة بأربعين يوما والبقرة بعشرين، والشاة بعشرة.

ويؤكل من الوحشية البقر، والكباش الجبلية، والحمر، والغزلان، واليحامير.

ويحرم كل ما له ناب، وضابطه: ما يفترس كالاسد.

والثعلب، ويحرم الارنب، والضب، واليربوع، والحشار: كالفأرة، والقنفذ، والحية، والخنافس، والصراصر، وبنات الوردان، والقمل.

(القسم الثالث): في الطير: ويحرم منه ما كان سبعا كالبازي والرخمة.

وفي الغراب روايتان، والوجه: الكراهية.

ويتأكد في الابقع.

ويحرم من الطير ما كان صفيفه أكثر من دفيفه، وما ليس له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية.

ويحرم الخفاش والطاووس.

وفي الخطاف تردد.

والكراهية أشبه.

ويكره الفاختة والقبرة.

وأغلظ من ذلك كراهية الهدهد، والصرد، والصوام، والشقراق.

ولو كان أحد المحللة جلالا حرم حتى يستبرأ، فالبطة وما أشبهها بخمسة أيام.

والدجاجة ثلاثة أيام، ويحرم الزنابير، والذباب، والبق والبرغوث، وبيض ما لا يؤكل لحمه.

ولو اشتبه اكل منه ما اختلف طرفاه وترك ما اتفق.

مسألتان: (الاولى): اذا شرب المحلل لبن الخنزيرة كره.

ولو اشتد به عظمه حرم لحمه ولحم نسله.

(الثانية): لو شرب خمرا لم يحرم بل يغسل، ولا يؤكل ما في جوفه.

ولو شرب بولا لم يحرم وغسل ما في جوفه.

(القسم الرابع): في الجامد وهو خمسة: (الاول): الميتات: والانتفاع بها محرم.

ويحل منها ما لا تحله الحياة إذا

٢٤٦

كان الحيوان طاهرا في حال الحياة وهو عشرة: الصوف، والشعر، والوبر، والريش، والقرن، والعظم، والسن، والظلف، والبيض اذا اكتسى القشر الاعلى، والانفحة.

وفي اللبن روايتان، والاشبه التحريم.

(الثاني): ما يحرم من الذبيحة وهو خمسة: القضيب، والانثيان، والطحال، والفرث، والدم.

وفي المثانة والمرارة تردد، أشبهه: التحريم للاستخباث.

وفي الفرج، والعلباء، والنخاع، وذات الاشاجع، والغدد، وخرزة الدماغ، والحدق خلاف، أشبهه: الكراهية.

وتكره الكلى، والقلب والعروق.

واذا شوى الطحال مثقوبا فما تحته حرام وإلا فهو حلال(١) .

(الثالث): الاعيان النجسة: كالعذرات وما أبين من حي، والعجين اذا عجن بالماء النجس، وفيه رواية بالجواز بعد خبزه، لان النار قد طهرته.

(الرابع): الطين: وهو حرام إلا طين قبر الحسينعليه‌السلام للاستشفاء ولا يتجاوز قدر الحمصة.

(الخامس): السموم القاتلة، قليلها وكثيرها، وما يقتل كثيره فالمحرم ما بلغ ذلك الحد.

(القسم الخامس): في المائعات.

والمحرم خمسة: (الاول): الخمر، وكل مسكر، والعصير اذا غلا.

(الثاني): الدم.

وكذا العلقة ولو في البيضة، وفي نجاستها تردد، أشبه: النجاسة.

ولو وقع قليل دم في قدر وهي تغلي، لم يحرق المرق، ولا ما فيها اذا ذهب بالغليان.

ومن الاصحاب من منع من المائع وأوجب غسل التوابل وهو

____________________ ___

(١) ولو شوى الطحال مع اللحم، ولم يكن مثقوبا لم يحرم اللحم، وكذا لو كان اللحم فوقه، أما لو كان مصقوبا. وكان اللحم تحته حرم (*)

٢٤٧

حسن، كما لو وقع غيره من النجاسة.

(الثالث): كل مانع لاقته نجاسة فقد نجس، كالخمر، والدم، والميتة، والكافر الحربي.

وفي الذمي روايتان، أشهرهما: النجاسة.

وفي رواية: اذا اضطر إلى مؤاكلته أمره بغسل يده وهي متروكة.

ولو كان ما وقعت فيه النجاسة جامدا ألقي ما يكتنف النجاسة وحل ما عداه.

ولو كان المائع دهنا جاز بيعه للاستصباح به تحت السماء خاصة لا تحت الاظلة.

ولا يحل ما يقطع من أليات الغنم، ولا يستصبح بما يذاب منها، وما يموت فيه ما له نفس سائلة من المائع نجس دون ما لا نفس له.

(الرابع): ابوال ما لا يؤكل لحمه.

وهل يحرم بول ما يؤكل لحمه؟ قيل: نعم، إلا بول الابل، والتحليل أشبه.

(الخامس): ألبان الحيوان المحرم كاللبوة، والذئبة، والهرة، ويكره ما كان لحمه مكروها كالاتن حليبه وجامده.

(القسم السادس): في اللواحق، وهي سبع: (الاولى): شعر الخنزير نجس سواء أخذ من حي او ميت على الاظهر.

فان اضطر استعمل ما دسم فيه وغسل يده.

ويجوز الاستقاء بجلود الميتة ولا يصلى بمائها.

(الثانية): اذا وجد لحم فاشتبه ألقي في النار فان انقبض فهو ذكي وان انبسط فهو ميتة.

ولو اختلط الذكي بالميتة اجتنبا.

وفي رواية الحلبي: يباع ممن يستحل الميتة.

على الاصح.

(الثالثة): لا يأكل الانسان من مال غيره إلا باذنه.

وقد رخص مع عدم الاذن في الاكل من بيوت من تضمنته الآية اذا لم يعلم الكراهية.

وكذا ما يمر الانسان به من ثمرة النخل.

وفي ثمرة الزرع والشجر تردد.

ولا يقصد ولا يحمل.

٢٤٨

(الرابعة): من شرب خمرا او شيئا نجسا، فبصاقه طاهر ما لم يكن متغيرا بالنجاسة.

(الخامسة): اذا باع ذمي خمرا ثم أسلم فله قبض ثمنها.

(السادسة): الخمر تحل إذا انقلبت خلا، ولو كان بعلاج، ولا تحل لو ألقي فيها خل استهلكها.

وقيل: لو ألقي في الخل خمر من اناء فيه خمر لم يحل حتى يصير ذلك الخمر خلا وهو متروك.

(السابعة): لا يحرم الربوبات والاشربة وان شم منها رائحة المسكر.

ويكره الاسلاف في العصير.

وأن يستأمن على طبخه من يستحله قبل أن يذهب ثلثاه، والاستشفاء بمياه الجبال الحارة التي يشم منها رائحة الكبريت.

كتاب الغصب

والنظر في امور: (الاول): الغصب هو الاستقلال باثبات اليد على مال الغير عدوانا.

ولا يضمن لو منع المالك من امساك الدابة المرسلة.

وكذا لو منعه من القعود على بساطه ويصح(١) غصب العقار كالمنقول ويضمن بالاستقلال به.

ولو سكن الدار قهرا مع صاحبها ففي الضمان قولان، ولو قلنا بالضمان ضمن النصف.

ويضمن حمل الدابة لو غصبها.

وكذا الامة.

ولو تعاقبت الايدي على المغصوب فالضمان على الكل.

ويتخير المالك.

والحر لا يضمن ولو كان صغيرا لكن لو أصابه تلف بسبب الغاصب ضمنه.

ولو كان لا بسببه كالموت ولدغ الحية فقولان.

ولو حبس

____________________ ___

(١) أي: يتحقق ويتصور. اه‍ من الشرح الكبير.

(*)

٢٤٩

صانعا لم يضمن اجرته.

ولو انتفع به ضمن اجرة الانتفاع.

ولا يضمن الخمر لو غصبت من مسلم ويضمنها لو غصبها من ذمي، وكذا الخنزير.

ولو فتح بابا على مال ضمن السارق دونه.

ولو أزال القيد عن فرس فشرد او عن عبد مجنون فأبق ضمن.

ولا يضمن لو أزاله عن عاقل.

(الثاني): في الاحكام: يجب رد المغصوب وإن تعسر كالخشبة في البناء واللوح في السفينة.

ولو عاب(١) ضمن الارش.

ولو تلف او تعذر العود ضمن مثله إن كان متساوي الاجزاء.

وقيمته يوم الغصب إن كان مختلفا. وقيل: أعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف، وفيه وجه آخر. ومع رده لا يرد زيادة القيمة السوقية. وترد الزيادة لزيادة في العين او الصفة. ولو كان المغصوب دابة فعابت، ردها مع الارش.

ويتساوى بهيمة القاضي والشوكي، ولو كان عبدا وكان الغاصب هو الجاني رده ودية الجناية ان كانت مقدرة. وفيه قول آخر. ولو مزج الزيت بمثله رد العين. وكذا لو كان بأجود منه، ولو كان بأدون ضمن المثل. ولو زادت قيمة المغصوب فهو لمالكه، أما لو كانت الزيادة لانضياف عين كالصبغ والآلة في الابنية أخذ العين الزائدة ورد الاصل، ويضمن الارش ان نقص.

(الثالث): في اللواحق، وهي ستة.

(الاولى): فوائد المغصوب للمالك منفصلة كانت كالولد أو متصلة كالصوف والسمن، او منفعة كأجرة السكنى وركوب الدابة.

ولا يضمن من الزيادة المتصلة ما لم تزد به القيمة كما لو سمن المغصوب وقيمته واحدة.

(الثانية): لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد او يضمنه وما يحدث من منافعه وما يزاد في قيمته لزيادة صفة فيه.

(الثالثة): اذا اشتراه عالما بالغصب فهو كالغاصب ولا يرجع المشتري بالثمن البائع بما يضمن، ولو كان جاهلا دفع العين إلى مالكها ويرجع بالثمن على البائع

____________________ ___

(١) عاب المتاع: صار ذا عبث.

٢٥٠

وبجميع ما عرمه مما لم يحصل له في مقابلته عوض كقيمة الولد.

وفي الرجوع بما يضمن من المنافع كعوض الثمرة وأجرة السكنى تردد.

(الرابعة): اذا غصب حبا فزرعه، او بيضة فأفرخت، او خمرا فخللها، فالكل للمغصوب منه.

(الخامسة): اذا غصب أرضا فزرعها فالزرع لصاحبه وعليه أجرة الارض ولصاحبها ازالة الغرس والزامه طم الحفرة والارش ان نقصت.

ولو بذل صاحب الارض قيمة الغرس لم تجب اجابته.

(السادسة): لو تلف المغصوب واختلفا في القيمة فالقول قول الغاصب.

وقيل: قول المغصوب منه.

كتاب الشفعة

وهي: استحقاق في حصة الشريك لانتقالها بالبيع.

والنظر فيه يستدعي امورا: (الاول): ما تثبت فيه: وتثبت في الارضين والمساكن إجماعا.

وهل ثثبت فيما ينقل كالثياب والامتعة؟ فيه قولان، والاشبه: الاقتصار على موضع الاجماع.

وتثبت في النخل والشجر والابنية تبعا للارض، وفي ثبوتها في الحيوان قولان، المروي: انها لا تثبت.

ومن فقهائنا من أثبتها في العبد دون غيره.

ولا تثبت فيما لا ينقسم كالعضايد والحمامات والنهر والطريق الضيق على الاشبه.

ويشترط انتقاله بالبيع فلا تثبت لو انتقل بهبة او صلح او صداق او صدقة او اقرار.

ولو كان الوقف مشاعا مع طلق فباع صاحب الطلق لم تثبت للموقوف عليه.

وقال المرتضى: تثبت، وهو أشبه.

(الثاني): في الشفيع، وهو كل شريك بحصة مشاعة قادر على الثمن(١) .

____________________ ___

(١) في شرائع الاسلام: ويشترط فيه الاسلام اذا كان المشتري مسلما.

(*)

٢٥١

فلا تثبت للذمي على مسلم.

ولا بالجوار.

ولا لعاجز عن الثمن.

ولا فيما قسم وميز إلا بالشركة في الطريق او النهر اذا بيع أحدهما او هما مع الشقص.

وتثبت بين شريكن. ولا تثبت لما زاد على أشهر الروايتين.

ولو ادعى غيبة الثمن أجل ثلاثة أيام، فان لم يحضره بطلت.

ولو قال انه في بلد آخر، أجل بقدر وصوله وثلاثة أيام ما لم يتضرر المشتري.

وتثبت للغائب والسفيه والمجنون والصبي ويأخذ لهم الولي مع الغبطة، ولو ترك الولي فبلغ الصبي او افاق المجنون فله الاخذ.

(الثالث): في كيفية الاخذ: ويأخذ بمثل الثمن الذي وقع عليه العقد، ولو لم يكن الثمن مثليا كالرقيق والجواهر اخذه بقيمته.

وقيل: تسقط الشفعة استنادا إلى رواية فيها احتمال.

وللشفيع المطالبة في الحال. ولو أخر لا لعذر بطلت شفعته.

وفيه قول آخر. ولو كان لعذر لم يبطل. وكذا لو توهم زيادة ثمن أو جنسا من الثمن فبان غيره. ويأخذ الشفيع من المشتري ودركه عليه.

ولو انهدم المسكن او عاب بغير فعل المشتري أخذ الشفيع بالثمن او ترك.

وان كان بفعل المشتري أخذ بحصته من الثمن.

ولو اشترى بثمن مؤجل قيل: هو بالخيار بين الاخذ عاجلا، والتأخير، وأخذه بالثمن في محله.

وفي النهاية يأخذ الشقص ويكون الثمن مؤجلا ويلزم كفيلا إن لم يكن مليئا وهو أشبه.

ولو دفع الشفيع الثمن قبل حلوله لم يلزم البائع أخذ ولو ترك الشفيع قبل البيع لم تبطل.

أما لو شهد على البائع او بارك للمشتري او للبائع او أذن في البيع ففيه التردد.

والسقوط أشبه. ومن اللواحق مسألتان: (الولى): قال الشيخ: الشفعة لا تورث.

وقال المفيد، وعلم الهدى: تورث، وهو أشبه.

ولو عفا أحد الورثة عن نصيبه أخذه الباقون ولم تسقط.

(الثانية): لو اختلف المشتري والشفيع في الثمن فالقول قول المشتري مع يمينه لانه ينتزع الشئ من يده.

٢٥٢

كتاب احياء الموات

والعامر ملك لاربابه لا يجوز التصرف فيه إلا باذنهم.

وكذا ما به صلاح العامر كالطريق والشرب والمراح.

والموات ما لا ينتفع به لعطلته مما لم يجر عليه ملك او ملك وباد اهله، فهو للامام لا يجوز احياؤه إلا باذنه، ومع اذنه يملك بالاحياء.

ولو كان الامام غائبا فمن سبق إلى إحيائه كان أحق به، ومع وجوده له رفع يده.

ويشترط في التملك بالاحياء: ألا يكون في يد مسلم.

ولا حريما لعامر.

ولا مشعرا للعبادة كعرفة ومنى.

ولا مقطعا(١) ولا محجرا، والتحجير يفيد أولوية لا ملكا مثل أن ينصب عليها مرزابا.

واما الاحياء فلا تقدير للشرع فيه ويرجع في كيفيته إلى العادة.

ويلحق بهذا مسائل: (الاولى): الطريق المبتكر في المباح إذا تشاح أهله فحده: خمسة أذرع، وفي رواية سبعة أذرع.

(الثانية): حريم بئر المعطن: أربعون ذراعا.

والناضح ستون ذراعا.

والعين الف ذراع.

وفي الصلبة خمسمائة.

(الثالثة): من باع نخلا واستثنى واحدة كان له المدخل اليها والمخرج ومدى جرائدها.

(الرابعة): اذا تشاح أهل الوادي في مائه حبسه الاعلى للنخل إلى الكعب.

وللزرع إلى الشراك.

ثم يسرحه إلى الذي يليه.

____________________ ___

(١) كما أقطع النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله الدار وارضا بحضرموت.

(*)

٢٥٣

(الخامسة): يجوز للانسان أن يحمي المرعى في ملكه خاصة.

وللامام مطلقا.

(السادسة): لو كان له رحا على نهر لغيره لم يجز له أن يعدل بالماء عنها الا برضاء صاحبها.

(السابعة): من اشترى دارا فيها زيادة من الطريق ففي رواية: ان كان ذلك فيما اشترى فلا بأس.

وفي النهاية إن لم يتميز لم يكن له عليه شئ.

وان تميز رده ورجع على البائع بالدرك، والرواية ضعيفة، وتفصيل النهاية في موضع المنع، والوجه: البطلان.

وعلى تقدير الامتياز يفسخ إن شاء ما لم يعلم.

(الثامنة): من له نصيب في قناة او نهر جاز له بيعه بما شاء.

(التاسعة): روى اسحاق بن عمار عن العبد الصالح(١) في رجل لم يزل في يده ويد آبائه دار، وقد علم أنها ليست لهم ولا يظن مجئ صاحبها.

قال: ما أحب أن يبيع ما ليس له، ويجوز أن يبيع سكناه.

والرواية مرسلة، وفي طريقها: الحسن بن سماعة، وهو واقفي، وفي النهاية يبيع تصرفه فيها، ولا يبيع أصلها، ويمكن تنزيلها على أرض عاطلة أحياها غير المالك باذنه فللمحيي التصرف والاصل للمالك.

____________________ ___

(١) هو الامام أبوابراهيم موسى بن جعفر الكاظم (ع).

(*)

٢٥٤

كتاب اللقطة

وأقسامها ثلاثة: (الاول): في اللقيط: وهو كل صبي او مجنون ضائع لا كافل له.

ويشترط في الملتقط التكليف.

وفي اشتراط الاسلام تردد.

ولا يلتقط المملوك إلا باذن مولاه.

وأخذ اللقيط مستحب واللقيط في دار الاسلام حر، وفي دار الشرك رق.

واذا لم يتول أحدا فعاقلته ووارثه: الامام اذا لم يكن له وارث ويقبل اقراره على نفسه بالرقية مع بلوغه ورشده.

واذا وجد الملتقط سلطانا استعان به على نفقته فان لم يجد استعان بالمسلمين.

فان تعذر الامر أنفق الملتقط ورجع عليه اذا نوى الرجوع.

ولو تبرع لم يرجع.

القسم الثاني - في الضوال: وهي كل حيوان مملوك ضائع.

وأخذه في صورة الجواز مكروه.

ومع تحقق التلف مستحب.

فالبعير لا يؤخذ ولو أخذ ضمنه الآخذ وكذا حكم الدابة والبقرة.

ويؤخذ لو تركه صاحبه من جهد في غير كلا ولا ماء، ويملكه الآخذ.

والشاة إن وجدت في الفلاة أخذها الواجد لانها لا تمنع من ضرر السباع ويضمنها وفي رواية ضعيفة: يحبسها عنده ثلاثة أيام فان جاء صاحبها والا تصدق بثمنها.

وينفق الواجد على الضالة ان لم يتفق سلطان ينفق من بيت المال.

وهل يرجع على المالك؟ الاشبه: نعم، ولو كان للضالة نفع كالظهر او اللبن قال الشيخ في النهاية: كان بازاء ما انفق، والوجه التقاص.

القسم الثالث - وفيه ثلاث فصول: (الاول): اللقطة: كل مال ضائع أخذ ولا يد عليه فما دون الدرهم ينتفع به بغير تعريف.

وفي قدر الدرهم روايتان، وما كان ازيد، فان وجده في الحرم كره أخذه وقيل يحرم ولا يحل أخذه إلا مع نية التعريف، ويعرف حولا فان جاء صاحبه

٢٥٥

والا تصدق به عنه او استبقاه أمانة، ولا يملك.

ولو تصدق به بعد الحول فكره المالك لم يضمن الملتقط على الاشهر.

وان وجده في غير الحرم يعرف حولا.

ثم الملتقط بالخيار بين التملك والصدقة و ابقائها أمانة.

ولو تصدق بها فكره المالك ضمن الملتقط ولو كانت مما لا يبقى كالطعام قومها عند الوجدان وضمنها وانتفع بها وان شاء دفعها إلى الحاكم، ولا ضمان.

ويكره أخذ الادواة، والمخصرة، والنعلين.

والشظاظ، والعصا، والوتد، والحبل، والعقال، وأشباهها.

مسائل: (الاولى): ما يوجد في خربة او فلاة او تحت الارض فهو لواجده.

ولو وجده في ارض لها او بائع ولو كان مدفونا، عرفه المالك او البائع فان عرفه فهو أحق به إلا كان للواجد.

وكذا ما يجده في دابته.

ولو وجد في جوف سمكة قال الشيخ: أخذه بلا تعريف.

(الثانية): ما وجده في صندوقه او داره فهو له، ولو شاركه في التصرف كان كاللقطة اذا أنكره.

(الثالثة): لا تملك اللقطة بحول الحول وان عرفها ما لم ينو التملك.

وقيل: تملك بمضي الحول.

(الثاني): الملتقط من له أهلية الاكتساب.

فلو التقط الصبي او المجنون جاز ويتولى الولي التعريف.

وفي المملوك تردد، أشبهه: الجواز.

وكذا المكاتب، والمدبر، وام الولد.

(الثالث): في الاحكام وهي ثلاثة: (الاول): لا يدفع اللقطة الا بالبينة.

ولا يكفي الوصف، وقيل: يكفي في الاموال الباطنة كالذهب والفضة، وهو حسن.

(الثاني) لا بأس بجعل الآبق فان عينه لزم بالرد، وان لم يعينه ففي رد العبد من المصر: دينار، ومن خارج البلد: أربعة دنانير، على رواية ضعيفة يؤيدها

٢٥٦

الشهرة وألحق الشيخان: البعير، وفيما عداهما أجرة المثل.

(الثالث): لا يضمن الملتقط في الحول لقطة ولا لقيطا ولا ضالة ما لم يفرط.

كتابب المواريث والنظر في المقدمات، والمقاصد، واللواحق والمقدمات ثلاث: (الاولى): في موجبات الارث، وهي: نسب، وسبب.

فالنسب ثلاث مراتب: ١ - الابوان، والولد وإن نزل.

٢ - والاجداد وإن علوا، الاخوة وأولادهم وإن نزلوا.

٣ - والاعمام والاخوال.

والسبب قسمان: زوجية وولاء.

والولاء ثلاث مراتب: ولاء العتق، ثم ولاء تضمن الجريرة(١) ثم ولاء الامامة.

(الثانية): في موانع الارث، وهى ثلاثة: الكفر، والرق، والقتل.

أما الكفر فانه يمنع في طرف الوارث.

فلا يرث الكافر مسلما، حربيا كان الكافر او ذميا او مرتدا ويرث الكافر أصليا ومرتدا فميراث المسلم لوارثه المسلم انفرد بالنسب او شاركه الكافر او كان أقرب حتى لو كان ضامن جريرة مع ولد كافر فالميراث للضامن.

ولو لم يكن وارث مسلم فميراثه للامام.

والكافر يرثه المسلم ان اتفق ولا يرثه الكافر إلا اذا لم يكن وارث مسلم.

ولو كان وارث مسلم كان أحق بالارث وان بعد وقرب الكافر، واذا أسلم الكافر، على ميراث قبل قسمته شارك إن كان مساويا في النسب وحاز الميراث إن كان أولى سواء كان الموروث مسلما او كافرا.

____________________ ___

(١) هو المعروف عند فقهاء السنة بولاء الموالاة.

(*)

٢٥٧

ولو كان الوارث المسلم واحدا لم يزاحمه الكافر وان أسلم لانه لا تتحقق هنا قسمة.

مسائل: (الاولي): الزوج المسلم أحق بميراث زوجته من ذوي قرابتها الكفار، كافرة كانت أو مسلمة، له النصف بالزوجية والباقي بالرد وللزوجة المسلمة الربع مع الورثة الكفار والباقي للامام.

ولو أسلموا او أسلم أحدهم، قال الشيخ: يزد عليهم ما فضل عن سهم الزوجية، وفيه تردد.

(الثانية): روى مالك بن أعين عن أبي جعفرعليه‌السلام في نصراني مات وله ابن أخ وابن أخت مسلمان وأولاد صغار: لابن الاخ الثلثان، ولابن الاخت الثلث، وينفقان على الاولاد بالنسبة فان أسلم الصغار دفع المال إلى الامام فان بلغوا على الاسلام دفعة الامام اليهم.

فان لم يبقوا دفع إلى ابن الاخ الثلثين والى ابن الاخت الثلث.

(الثالث): اذا كان أحد أبوي الصغير مسلما الحق به فلو بلغ أجبر على الاسلام.

ولو أبى كان كالمرتد.

(الرابعة) المسلمون يتوارثون وان اختلفت آراؤهم، وكذا الكفار وان اختلفت مللهم.

(الخامسة): المرتد عن فطرة(١) يقتل ولا يستتاب، وتعتد امرأته عدة الوفاة.

وتقسم أمواله.

ومن ليس عن فطرة يستتاب.

فان تاب والا يقتل وتعتد زوجته عدة الطلاق مع الحياة وعدة الوفاة لامعها.

والمرأة لا تقتل بل تحبس وتضرب أوقات الصلاة حتى تتوب ولو كانت عن فطرة.

(السادسة): لو مات المرتد كان ميراثه لوارثه المسلم.

ولو لم يكن وارث الا كافرا كان ميراثه للامام على الاظهر.

وأما القتل فيمنع الوارث من الارث اذا كان عمدا ظلما ولا يمنع لو كان خطأ.

____________________ ___

(١) هو من كان أبواه مسلمين عند بدء الحمل به.

(*)

٢٥٨

وقال الشيخان: يمنع من الدية حسب.

ولو اجتمع القاتل وغيره فالميراث لغير القاتل وان بعد، سواء تقرب بالقاتل او بغيره.

ولو لم يكن وارث سوى القاتل فالارث للامام.

وهنا مسائل: (الاولى): الدية كأموال الميت تقضي منها ديونه وتنفذ وصاياه وان قتل عمدا إذا أخذت الدية(١) .

وهل للديان منع الوارث من القصاص؟ الوجه: لا، وفي رواية لهم المنع حتى يضمن الوارث الدين.

(الثانية): يرث الدية من يتقرب بالاب ذكرانا أو اناثا، الزوج والزوجة ولا يرث من يتقرب بالام، وقيل: يرثها من يرث المال.

(الثالثة): اذا لم يكن للمقتول عمدا وارث سوى الامام فله القود أو الدية مع التراضي وليس له العفو، وقيل: له العفو.

أما الرق، فيمنع في الوارث والموروث.

ولو اجتمع مع الحر فالميراث للحر دونه ولو بعد وقرب المملوك، ولو أعتق على ميراث قبل القسمة شارك ان كان مساويا وحاز الارث ان كان أولى ولو كان الوارث واحدا فأعتق الرق لم يرث وان كان أقرب لانه لا قسمة، ولو لم يكن وارث سوى المملوك أجبر مولاه على أخذ قيمته وينعتق ليحوز الارث.

ولو قصر المال عن قيمته لم يفك.

وقيل: يفك ويسعى في باقيه ويفك الابوان والاولاد دون غيرهما وقيل: يفك ذو القرابة.

وفيه رواية ضعيفة.

وفي الزوج والزوجة تردد.

ولا يرث المدبر ولا ام الولد ولا المكاتب المشروط.

ومن تحرر بعضه يرث بما فيه من الحرية ويمنع بما فيه من الرقية.

المقدمة الثالثة: في السهام: وهي ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان

____________________ ___

(١) يريد اذا صولح على القصاص عليهما.

(*)

٢٥٩

والثلث، والسدس.

فالنصف للزوج مع عدم الولد وإن نزل، وللبنت، والاخت للاب والام أو للاب.

والربع للزوج مع الولد وإن نزل وللزوجة مع عدمه.

والثمن للزوجة مع الولد وإن نزل.

والثلثان للبنتين فصاعدا وللاختين فصاعدا للاب والام، أو للاب والثلث للام مع عدم من يحجبها من الولد وان نزل او الاخوة، وللاثنين فصاعدا من ولد الام.

والسدس لكل واحد من الابوين مع الولد وإن نزل.

وللام مع من يحجبها عن الزائد.

وللواحد من كلالة الام ذكرا كان او انثى.

والنصف يجتمع مع مثله، مع الربع، والثمن، ومع الثلث والسدس.

ولا يجتمع الربع مع الثمن.

ويجتمع الربع مع الثلثين والثلث والسدس.

ويجتمع الثمن مع الثلثين والسدس.

ولا يجتمع مع الثلث، ولا الثلث مع السدس.

مسألتان: (الاولى): التعصيب باطل.

وفاضل التركة يرد على ذوي السهام عدا الزوج والزوجة.

والام مع وجود من يحجبها على تفصيل يأتي: (الثانية) لاعول في الفرائض لاستحالة أن يفرض الله سبحانه في مال ما لا يفي بل يدخل النقص على البنت او البنتين، او على الاب او من يتقرب به.

وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وأما المقاصد فثلاثة:

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

«سورة طه»

فضل سورة طه

وردت روايات عديدة حول عظمة وأهمية هذه السورة في المصادر الإسلامية.

فعن النّبي الأكرم اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن الله تعالى قرأ طه ويس قبل أن يخلق آدم بألفي عام ، فلمّا سمعت الملائكة القرآن قالوا : طوبى لأمّة ينزل هذا عليها ، وطوبى لأجواف تحمل هذا ، وطوبى لألسن تكلّم بهذا»(١) .

وفي حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «لا تدعوا قراءة سورة طه ، فإنّ الله يحبّها ، ويحبّ من قرأها ، ومن أدمن قراءتها أعطاه الله يوم القيامة كتابه بيمينه ، ولم يحاسبه بما عمل في الإسلام ، وأعطي في الآخرة من الأجر حتى يرضى»(٢) .

وفي حديث آخر عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأها أعطي يوم القيامة ثواب المهاجرين والأنصار»(٣) .

ونرى من اللازم أن نكرر هذه الحقيقة ، وهي أنّ كل هذه المكافئات والهبات العظيمة التي وصلت إلينا عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّةعليهم‌السلام مقابل تلاوة سور القرآن ، لا تعني ولا تريد أن كل هذه النتائج تعود على الإنسان بالتلاوة فقط ، بل المراد أن

__________________

(١) مجمع البيان ، الجزء ٧ ، ص ١.

(٢) تفسير النور الثقلين ، الجزء ٣ ، ص ٣٦٧.

(٣) مجمع البيان ، ج ٧ ، ص ١.

٥٢١

تكون التلاوة مقدمة للتفكر والتدبر ، التفكر الذي تتجلى آثاره في كل أعمال وأقوال الإنسان ، وإذا أخذنا المحتوى الإجمالي لهذه السورة بنظر الإعتبار ، فإننا سنرى أنّ للرّوايات تناسبا كاملا مع محتوى هذه السورة.

محتوى السّورة

إنّ سورة (طه) برأي جميع المفسّرين نزلت في مكّة ، وأكثر ما يتحدث محتواها عن المبدأ والمعاد كسائر السور المكّية ، ويذكر نتائج التوحيد وتعاسات الشرك.

في القسم الأوّل ، تشير هذه السورة إشارة قصيرة إلى عظمة القرآن ، وبعض صفات الله الجلالية والجمالية.

أمّا قسم الثّاني الذي يتضمّن أكثر من ثمانين آية ـ فيتحدث عن قصة موسىعليه‌السلام ، من حين بعثته ، إلى نهوضه لمقارعة فرعون الجبار وأعوانه ، إلى مواجهة السحرة وإيمانهم. ثمّ إغراق الله فرعون وأتباعه بصورة إعجازية ، ونجاة موسى والذين آمنوا به.

ثمّ تبيّن حادثة عبادة بني إسرائيل للعجل ، والمواجهة بين هارون وموسى وبين بني إسرائيل.

وفي القسم الثّالث جاءت بعض المسائل حول المعاد ، وجانب من خصوصيات القيامة.

وفي القسم الرّابع الحديث عن القرآن وعظمته.

وفي القسم الخامس تصف الآيات قصّة آدم وحواء في الجنّة ، ثمّ حادثة وسوسة إبليس، وأخيرا هبوطهما إلى الأرض.

وفي القسم الأخير ، تبيّن السورة المواعظ والنصائح ، لكل المؤمنين ، مع توجيه الخطاب في كثير من الآيات إلى نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

* * *

٥٢٢

الآيات

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ )

( طه (١) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (٢) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (٣) تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (٤) الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (٦) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (٧) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (٨) )

سبب النّزول

وردت روايات كثيرة في سبب نزول الآيات الأولى من هذه السورة ، يستفاد من مجموعها أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزول الوحي والقرآن كان يعبد الله كثيرا ، وخاصّة أنّه كان يكثر القيام والوقوف في العبادة حتى تورمت قدماه ، وكان من شدّة التعب أحيانا يستند في وقوفه على أحدى قدميه ، ثمّ يستند على الأخرى حينا آخر ، وحينا على كعب قدمه ، وآخر على أصابع رجله(١) ، فنزلت الآيات المذكورة وأمرت النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا يحمل نفسه كل هذا التعب والمشقّة.

__________________

(١) لمزيد الاطلاع على هذه الرّوايات ، راجع : تفسير نور الثقلين ، والدر المنثور ، بداية سورة طه.

٥٢٣

التّفسير

لا تجهد نفسك إلى هذا الحد :

مرّة أخرى نواجه الحروف المقطعة في بداية هذه السورة ، والتي تثير حبّ الاستطاع لدى الإنسان :

لقد بحثنا في تفسير الحروف المقطعة في القرآن في بداية ثلاث سور بحثا كافيا(١) ، غير أنّنا نرى أن من اللازم أن نضيف هنا هذا المبحث ، وهو أن من الممكن أن يكون لكل هذه الحروف المقطعة ـ أو على الأقل لقسم منها ـ معان ومفاهيم خاصّة ، تماما كالكلمة الواحدة التي تتضمّن محتوى معينا.

إنّنا نلاقي في كثير من الرّوايات وكلمات المفسّرين في بداية هذه السورة وسورة «يس» هذا البحث ، وهو أن «طه» تعني : يا رجل ، ونرى كلمة «طه» في بعض شعر العرب أيضا ، ولها معنى شبيه ب (يا رجل) أو قريب منه ، ويمكن أن تعود هذه الأشعار إلى بداية ظهور الإسلام ، أو إلى ما قبل الإسلام(٢) .

وقد نقل لنا أحد المطلعين أن بعض علماء الغرب الملمين بالدراسات الإسلامية ، يعممون هذه النظرية على كل الحروف المقطعة في القرآن ، ويعتقدون أن الحروف المقطعة في بداية كل سورة هي كلمة لها معنى خاص ، أصبح بعضها متروكا مع مرور الزمن ، ووصل إلينا البعض ، وإلّا فإنّ من المستبعد أن مشركي العرب يسمعون الحروف المقطعة ولا يفهمون منها شيئا ، ولا يدركون لها معنى ، ثمّ لا نراهم يسخرون ولا يستهزءون منها ، في حين أنّه لا يرى ولا يلاحظ في أي من التواريخ أنّ هؤلاء الحمقى المتتبعين للعيوب والهفوات قد اتخذوا الحروف المقطعة وسيلة للقيام بردود فعل ضدها وضد الإسلام.

وطبعا من الصعب قبول هذا الرأي بصورة عامّة ، وبالنسبة إلى كل حروف

__________________

(١) بداية سورة البقرة وآل عمران والأعراف من التّفسير الأمثل.

(٢) تفسير مجمع البيان ، ذيل الآية مورد البحث.

٥٢٤

القرآن المقطعة ، إلّا أنّه يمكن قبوله في البعض منها ، وقد بحث هذا الموضوع أيضا في الكتب الإسلامية.

وممّا يلفت النظر ، وهو أنّنا نقرأ في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «إنّ طه من أسماء النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومعناه : يا طالب الحق الهادي إليه» ويظهر من هذا الحديث أنّ طه مركب من حرفين رمزيين ، فالطاء إشارة إلى طالب الحق ، والهاء إلى الهادي إليه ، ونحن نعلم أن استعمال الحروف الرمزية وعلامات الاختصار فيما مضى وفي يومنا هذا أمر طبيعي وكثير الاستعمال ، خاصّة في عصرنا الحاضر فإنّه كثير التداول والاستعمال جدّا.

وآخر كلام في هذا الباب هو أنّ (طه) ك (يس) قد أصبحت تدريجيا وبمرور الزمان اسما خاصا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى أنّهم يسمون آل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آل طه أيضا ، وعبّر عن الإمام المهدي عجل الله فرجه في دعاء الندبة ب (يا بن طه).

ثمّ تقول الآية :( ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ) فصحيح أن العبادة والتقرب إلى الله عن طريق مناجاته من أفضل العبادات ، إلّا أنّ لكل عمل حسابا ومقدارا ، وللعبادة أيضا مقدارها ، فلا يجب أن تجهد نفسك بالعبادة حتى تتورم قدماك ، وبالتالي ستضعف قوتك وتعجز عن التبليغ والجهاد.

وينبغي الالتفات إلى أن «تشقى» مأخوذة من مادة الشقاء ضد السعادة ، إلّا أنّ هذه المادة ، وكما يقول الراغب في المفردات ، تأتي أحيانا بمعنى المشقّة والتعب ، والمراد في الآية هذا المعنى ، كما يحكون ذلك أيضا في أسباب النّزول.

ثمّ تبيّن الآية الأخرى الهدف من نزول القرآن فتقول :( إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى ) .إنّ التعبير بـ «تذكرة» من جهة ، وب «من يخشى» من جهة أخرى يشير إلى واقع لا يمكن إنكاره ، وهو : إن التذكرة توحي بأن أسس ومقومات كل التعليمات الإلهية موجودة في أعماق روح الإنسان وطبيعته ، وتعليمات الأنبياء تجعلها مثمرة ، وتوصلها إلى حد النضج ، كما نذكّر أحيانا بمطلب وأمر ما.

٥٢٥

لا نقول : إنّ الإنسان كان يعلم كل العلوم من قبل وزالت من ذاكرته ، وإن أثر التعليم في هذا العالم هو التذكير فحسب ـ كما ينقلون ذلك عن أفلاطون ـ بل نقول : إنّ مادتها الأصلية قد أخفيت في طينة الآدمي (دققوا ذلك).

إنّ تعبير «من يخشى» يبيّن أن نوعا من الإحساس بالمسؤولية ، والذي سمّاه القرآن بالخشية ، إذا لم يكن موجودا في الإنسان ، فسوف لا يقبل الحقائق ، لأنّ قابلية القابل شرط في حمل ونمو كل بذرة وحبة. وهذا التعبير في الحقيقة شبيه بما نقرؤه في أوّل سورة البقرة:( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) .

ثمّ تتطرق الآيات إلى التعريف بالله تعالى المنزل للقرآن ، لتتضح عظمة القرآن من خلال معرفته ، فتقول :( تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى ) (١) .

إنّ هذا التعبير في الحقيقة إشارة إلى ابتداء وانتهاء نزول القرآن ، انتهاؤه إلى الأرض وابتداؤه من السماوات ، وإذا لم تصف هنا كلمة «وما بينهما» ـ كما في بعض الآيات الأخرى من القرآن ـ فربّما كان لهذا السبب ، وهو أنّ الهدف كان بيان الابتداء والانتهاء.

على كل حال ، فإنّ من المعلوم أنّ الله الذي عمت قدرته وتدبيره وحكمته كل أرجاء الأرض السماء ، إذا أنزل كتابا ، فكم سيكون غني المحتوى ، وجنيّ الثمر؟!

ثمّ تستمر في تعريف الله المنزل للقرآن فتقول :( الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) وكما قلنا سابقا في تفسير الآية :( ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ) (٢) ، فإنّ كلمة عرش تقال للشيء الذي له سقف ، وأحيانا تطلق على نفس السقف ، أو على الأسرة المرتفعة القوائم كأسرة وكراسي السلاطين ، وفي قصة سليمان نقرأ :

__________________

(١) هناك بحث بين المفسّرين في محل (تنزيلا) من الإعراب ، غير أن الأصح أنّها مفعول مطلق لفعل مجهول محذوف ، وكان التقدير : نزل تنزيلا ممن خلق الأرض.

(٢) الأعراف ، ٥٤.

٥٢٦

( أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها ) (١) .

من البديهي أنّ الله سبحانه ليس له عرش ، ولا محكومة كحكام البشر ، بل المراد من عرش الله كل عالم الوجود الذي يعتبر عرشه ، وبناء على هذا فإنّ قوله تعالى :( اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ) كناية عن تسلط الله ، وإحاطته الكاملة بعالم الوجود ، ونفوذ أمره وتدبيره في جميع أنحاء العالم.

وأساسا فإنّ كلمة «عرش» في لغة العرب ، كناية عن القدرة غالبا ، فنقول مثلا: إن فلانا قد أنزلوه من العرش ، أو أزاحوه عنه ، فهذا يعني أنّهم قد أنهوا حكمه وقدرته ، أو نقول : ثل عرشه.

وعلى كل حال ، فإنّ من السخف أن يتوهم الإنسان من هذا التعبير جسمية الله سبحانه.

ثمّ تتحدث عن مالكية الله بعد حاكميته فتقول :( لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى ) .

«الثرى» في الأصل بمعنى التراب الرطب ، ولما كانت قشرة الأرض ـ فقط ـ هي التي تجف نتيجة لأشعة الشمس وهبوب الرياح ، وتبقى الطبقة السفلى ـ غالبا ـ رطبة ، فإنّه يقال لهذه الطبقة : ثرى ، وعلى هذا فإن( وَما تَحْتَ الثَّرى ) تعني أعماق الأرض وجوفها ، وكلها مملوكة لمالك الملك وخالق عالم الوجود.

إلى هنا بينت ثلاثة أركان من أركان صفات الله : الركن الأوّل : «خالقيته» ، والثّاني: «حاكميته» ، والثّالث : «مالكيته».

وأشارت الآية التالية إلى الرّكن الرّابع ، أي : «العالمية» ، فقالت : «( وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى ) . وهناك نقاش وبحث بين المفسّرين في المراد من «أخفى» هنا :

فذهب بعضهم إلى أنّ السر هو أن يتحدث إنسان مع آخر بصورة خفية ،

__________________

(١) النمل ، ٣٨.

٥٢٧

وأخفى : هو أن يحتفظ الإنسان بذلك القول والأمر في قلبه ولا يحدث به أحدا.

وذهب آخرون : إن «السر» هو ما أضمره الإنسان في قلبه ، و «أخفى» هو الذي لم يخطر على باله ، إلّا أنّ الله سبحانه مطلع عليه وعالم به.

وقال ثالث : إنّ «السر» هو ما يقوم به الإنسان من عمل في الخفاء ، وأخفى:هي النية التي في قلبه.

وقال رابع : إن (السر) يعني أسرار الناس ، و (أخفى) هي الأسرار التي في ذات الله المقدسة.

في حديث عن الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام : «السر ما أخفيته في نفسك ، وأخفى ما خطر ببالك ثمّ أنسيته»(١) . إنّ هذه الحديث يمكن أن يكون إشارة إلى أن ما يتعلمه الإنسان يودع في مخزن الحافظة ، غاية الأمر أن ارتباط الإنسان قد ينقطع أحيانا مع زاوية من هذا المخزن ، فتنتج حالة النسيان ، ولذلك فإنّه إذا ما تذكر ذلك المنسي بطريقة ما، فسيرى هذا المطلب واضحا ومعروفا لديه ، وبناء على هذا فإن ما ينساه الإنسان هو أخفى أسراره التي أخفيت في زوايا الحافظة ، وقطع ارتباطه بها بصورة مؤقتة ، أو دائمة.

ولكن لا مانع على كل حال من أن تجمع كل هذه التفاسير التي ذكرت أعلاه في مفهوم الكلمة ومعناها الواسع. وعلى هذا فقد رسمت صورة واضحة عن علم الله اللامتناهي، وعرف منزل القرآن من مجموع الآيات أعلاه معرفة إجمالية في الأبعاد الأربعة : الخلقة ، والحكومة ، والمالكية ، والعلم.

والآية التالية ربّما تشير إلى ما ذكرنا :( اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ) . وكما قلنا في تفسير الآية (٨٠) من سورة الأعراف ، فإنّ التعبير بالأسماء الحسنى قد ورد مرارا وتكرارا في الآيات القرآنية ، وفي كتب الحديث ومن البديهي أن كل أسماء الله حسنة ، ولكن لما كانت لبعض أسماء الله وصفاته أهمية أكبر ، فقد

__________________

(١) مجمع البيان ، ذيل الآية مورد البحث.

٥٢٨

سمّيت بالأسماء الحسنى.

ونقرأ في كثير من الرّوايات التي وصلتنا عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّةعليهم‌السلام أن لله (٩٩) اسما ، وكل من دعاه بهذه الأسماء يستجاب دعاؤه ، وكل من أحصاها فهو من أهل الجنّة. ويلاحظ هذا المضمون أيضا في مراجع الحديث المعروفة عند أهل السنة أيضا.

ويبدو أنّ المراد من إحصاء هذه الأسماء هو التخلق بصفاتها ، لا مجرّد ذكر ألفاظها ، ولا شك أن من تخلق بصفة العالم والقادر ، أو الرحيم والغفور وأمثالها ، وسطعت في وجوده أشعة وقبسات من هذه الصفات الإلهية العظيمة ، فإنّه من أهل الجنة ، وممن يستجاب دعاؤه.

ولمزيد الإيضاح راجع الآية (١٨٠) من سورة الأعراف من هذا التّفسير.

* * *

٥٢٩

الآيات

( وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (١٠) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٢) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (١٥) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (١٦) )

التّفسير

نار في الجانب الآخر من الصحراء!

من هنا تبدأ قصّة نبي الله الكبير موسىعليه‌السلام ، وتفصيل الجوانب المهمّة من هذه القصة المليئة بالأحداث سيأتي في أكثر من ثمانين آية ، لتكون تهدئة ومواساة وتسلية لخاطر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين الذين كانوا يعانون خلال تلك الفترة في

٥٣٠

مكّة ضغوطا شديدة من الأعداء ، ليعلموا أن هذه القوى الشيطانية لا طاقة لها في مقاومة قدرة الله ، وأنّ كل هذه الخطط والمؤامرات رسم على الماء.

وكذلك ليعتبروا بهذه الواقعة المليئة بالعبر والمواعظ ، ويستمروا في طريقهم في توحيد الله وعبادته ، ومحاربة فراعنة وسحرة كل عصر وزمان ، وكذلك مجاهدة الانحرافات الداخلية والرغبات المنحرفة تلك العبر التي تستطيع أن يكون دليلا ومرشدا لهم في مسيرتهم الجهادية.

ويمكن تقسيم مجموع الآيات التي تحدثت عن موسى وبني إسرائيل والفراعنة في هذه السورة إلى أربعة أقسام :

القسم الأوّل : يتحدث عن بداية نبوة موسى وبعثته ، وأوّل ومضات الوحي ، وبتعبير آخر : فإنّ البحث يدور حول مرحلة قصيرة المدة غنية المحتوى وقضاها موسى في الوادي المقدس في تلك الصحراء المظلمة المقفرة.

القسم الثّاني : يتحدث عن دعوة موسى وأخيه هارون لفرعون ـ وملئه ـ إلى دين التوحيد ، ثمّ اشتباكهما بالأعداء.

القسم الثّالث : يبحث عن خروج موسى وبني إسرائيل من مصر ، وكيفية نجاتهم من قبضة فرعون وأتباعه ، وغرق هؤلاء وهلاكهم.

القسم الرّابع : ويتحدث حول الاتجاهات الانحرافية الشديدة لبني إسرائيل عن دين التوحيد إلى الشرك ، وقبول وساوس السامري ، ومواجهة موسى الحازمة لهذا الانحراف.

ونعود الآن إلى الآيات مورد البحث ، والتي ترتبط بالقسم الأوّل. فهذه الآيات تقول بتعبير رقيق وجذاب :( وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى ) ؟ ومن البديهي أن هذا الاستفهام ليس هدفه تحصيل الخبر ، فهو سبحانه مطلع على جميع الأسرار ، بل هو «استفهام تقريري»، وبتعبير آخر فإنّ هذا الاستفهام ، مقدمة لبيان خبر مهم ، كما نقول في مكالماتنا اليومية حينما نريد أن نبدأ بذكر خبر مهم : أسمعت هذا

٥٣١

الخبر الذي ...؟

ثمّ تقول :( إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً ) فبملاحظة أن «القبس» يعني الشعلة القليلة التي تؤخذ من النار ، وبملاحظة أن مشاهدة النار في الصحاري تدل عادة على أن جماعة قد اجتمعوا حولها ، أو أنّهم وضعوها على مرتفع حتى لا تضل القوافل الطريق في الليل ، وأيضا بملاحظة أن «مكثوا» ـ من مادة مكث ـ تعني التوقف القصير ، فمن مجموع هذه التعابير يستفاد أن موسى وزوجته وابنه كانوا يقطعون الصحراء في ليلة ظلماء ليلة كانت مظلمة وباردة كان موسى قد ضل الطريق فيها ، فجلبت انتباهه شعلة نار من بعيد ، وبمجرد رؤيتها قال لأهله : قفوا هنا قليلا فقد رأيت نارا سأذهب إليها حتى آتيكم منها بقبس ، أو أجد الطريق بواسطة النار أو من اجتمع حولها.

ونقرأ في التواريخ أنّ موسىعليه‌السلام عند ما انتهت مدّة عقده مع «شعيب» في «مدين» ، حمل زوجته وابنه وأغنامه وسار من مدين إلى مصر ، فضلّ الطريق ، وكانت ليلة مظلمة ، فتفرقت أغنامه في الصحراء ، فأراد أن يشعل نارا في ذلك الليل البارد ليتدفأ هو وأهله ، وحاول إشعال النار فلم يفلح ، وفي هذه الأثناء عصفت بزوجته آلام الوضع!

لقد حاصره سيل من الحوادث الصعبة وفي هذه الأثناء لاح لعينيه ضياء من بعيد، إلّا أنّه لم يكن نارا ، بل كان نورا إلهيا ، وظن موسى أنّه نار ، فسعى نحوها علّه يجد من يهديه في تلك الصحراء إلى الطريق ، أو يأخذ لأهله جذوة منها(١) .

والآن لنسمع بقية الحادثة من القرآن الكريم :

( فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً ) . ويستفاد من الآية (٣٠) من سورة القصص ، أن موسى قد سمع هذا النداء

__________________

(١) مجمع البيان ، ذيل الآية مورد البحث.

٥٣٢

من جهة شجرة كانت هناك :( نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ) يستفاد من مجموع هذين التعبيرين أن موسى لما اقترب شاهد النار في داخل الشجرة ـ ويقول المفسّرون أنّها كانت شجرة العناب ـ وهذا بنفسه كان قرينة واضحة على أن هذه النار ليست نارا عادية ، بل إنّ هذا النور الإلهي الذي ليس لم يحترق الشجرة وحسب ، بل إنّه منسجم معها ومعروف ، ألا وهو نور الحياة!

وقد هام موسى لدى سماعه هذا النداء المحيي للروح :( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ) وأحاطت بكل وجوده لذة لا يمكن وصفها ، فمن هذا الذي يتحدث معي؟ إنّه ربّي الذي جللني بالفخر الكلمة( رَبُّكَ ) ليعلمني بأنّي قد تربيت وترعرعت منذ نعومة أظفاري وإلى الآن في ظل رحمته وعنايته ، وأصبحت مهيئا لرحمة عظيمة.

لقد أمر أن يخلع نعليه ، لأنّه قد وضع قدمه في أرض مقدسة الأرض التي تجلى فيها النور الإلهي ، ويسمع فيها نداء الله ، ويتحمل مسئولية الرسالة ، فيجب أن يخطو في الأرض بمنتهى الخضوع والتواضع ، وهذا هو سبب خلعه النعل عن رجله.

بناء على هذا ، فإنّ البحث المفصل الذي بحثه بعض المفسّرين حول خلع النعل ـ ونقلوا أقوالا عن المفسّرين ـ يبدو زائدا. طبعا لقد نقلت روايات في باب تأويل هذه الآية سنبحثها في مقطع البحوث.

إنّ التعبير ب (طوى) إمّا لأنّ اسم تلك الأرض كان أرض طوى ، كما قال ذلك أغلب المفسّرين ، ولأن «طوى» في الأصل بمعنى الإحاطة ، وهنا كناية عن أن البركات المعنوية التي أحاطت هذه الأرض من كل جانب ، ولهذا عبر عنها في الآية (٣٠) من سورة القصص بأنّها «البقعة المباركة».

ثمّ سمع هذا الكلام من نفس المتكلم :( وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى ) ومن بعدها تلقى موسى أوّل جمله من الوحي على شكل ثلاثة أمور :( إِنَّنِي أَنَا

٥٣٣

اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) شرعت هذه الآية في بيان أهم أصل لدعوة الأنبياء في هذه الآية ، ألا وهو مسألة التوحيد ، وبعدها ذكرت موضوع عبادة الله الواحد كثمرة لشجرة الإيمان والتوحيد ، ثمّ أصدرت له أمر الصلاة بعد ذلك ، وهي تعني أكبر عبادة وأهم ارتباط بين الخلق والخالق ، وأكثر الطرق تأثيرا في عدم الغفلة عن الذات المقدسة.

إنّ هذه الأوامر الثلاثة ، مع أمر الرسالة الذي ورد في الآية السابقة ، ومسألة المعاد التي تأتي في الآية التالية ، تشكّل مجموعة كامله ومضغوطة من أصول الدين وفروعه ، وتكملها بالأمر بالاستقامة الذي سيأتي في آخر الآيات مورد البحث.

ولما كان المعاد هو الأصل والأساس الثّاني ، فبعد ذكر التوحيد وأغصانه وفروعه ، أضافت الآية التالية :( إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى ) .

في هذه الجملة نقطتان يجب الالتفات إليهما :

الأولى : إن معنى جملة( أَكادُ أُخْفِيها ) : يقرب أن أخفي تاريخ قيام القيامة ، ولازم هذا التعبير أنّي لم أخفه من قبل ، ونحن نعلم بصريح كثير من آيات القرآن ، أن أحدا لم يطلع على تاريخ القيامة ، كما في الآية (١٨٧) من سورة الأعراف حيث نقرأ :( يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي ) .

لقد بحث المفسّرون هذا الموضوع ، فالكثير منهم يعتقد أن هذا التعبير نوع من المبالغة ومعناه : إن وقت بدء وقيام القيامة مخفي ومجهول إلى الحد الذي أكاد أخفيه حتى عن نفسي. وقد وردت في هذا الباب رواية أيضا ، ويحتمل أن هذه الفئة من المفسّرين قد اقتبسوا رأيهم من تلك الرّواية.

والتّفسير الآخر هو أن مشتقات (كاد) لا تعني دائما الاقتراب ، بل تأتي أحيانا بمعنى التأكيد ، ولذلك فإنّ بعض المفسّرين فسر (أكاد) ب (أريد) وقد جاء

٥٣٤

هذا المعنى صريحا في بعض متون اللغة(١) .

والنقطة الأخرى : إنّ علّة إخفاء تاريخ القيامة حسب الآية ، هي :( لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى ) وبتعبير آخر : فإنّ كون الساعة مخفية سيوجد نوعا من حرية العمل للجميع. ومن جهة أخرى فإن وقتها لما لم يكن معلوما بدقة ، ويحتمل أن يكون في أي وقت وساعة ، فإنّ نتيجة هذا الخفاء هي حالة الاستعداد الدائم والتقبل السريع للبرامج التربوية ، كما قالوا في فلسفة إخفاء ليلة القدر : إن المراد أن يحيى الناس كل ليالي السنة ، أو كل ليالي شهر رمضان المبارك ، ويتوجهوا إلى الله سبحانه.

وأشارت الآية الأخيرة إلى أصل أساس يضمن نتفيذ كل البرامج العقائدية والتربوية ، فتقول :( فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ ) والّا فسوف ثملك( فَتَرْدى ) فأصمد في مقابل الكافرين ووساوسهم وعراقيلهم ، ولا تدع للخوف من كثرتهم ومؤامرتهم وخططهم الخبيثة إلى قبلك سبيلا ، ولا تشك مطلقا في أحقية دعوتك وأصالة دينك نتيجة هذه الضوضاء.

الملفت للنظر أنّ جملة «لا يؤمن» وردت هنا بصيغة المضارع ، وجملة «واتبع هواه» بصيغة الماضي ، وهي في الحقيقة أشارت إلى هذه النكتة ، وهي أن عدم إيمان منكري القيامة ينبع من أتباع هوى النفس ، فهم يريدون أن يكونوا أحرارا ويفعلون ما تشتهي أنفسهم ، فأي شيء أحسن من أن ينكروا القيامة حتى لا تخدش حرية ميولهم وأهوائهم!

* * *

__________________

(١) نقرأ في قاموس اللغة ، مادة كاد : وتكون بمعنى أراد ، أكاد أخفيها : أريد.

٥٣٥

بحوث

١ ـ المراد من قوله تعالى :( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ )

وكما قلنا ، فإن ظاهر الآية أنّ موسىعليه‌السلام قد أمر بخلع نعليه احتراما لتلك الأرض المقدسة ، وأن يسير بكل خضوع وتواضع في ذلك الوادي ليسمع كلام الحق ، وأمر الرسالة.

إلّا أنّ بعض المفسّرين قالوا تبعا لبعض الرّوايات : إنّ سبب ذلك هو أن جلد ذلك النعل كان من جلد حيوان ميت.

إنّ هذا الكلام إضافة إلى أنّه يبدو بعيدا بحد ذاته ، لأنّه لا دليل على أن موسىعليه‌السلام كان يستعمل مثل هذه الجلود والنعال الملوثة ، فإن الرّواية التي رويت عن الناحية المقدسة ، صاحب الزمان ـ أرواحنا له الفداء ـ تنفي هذا التّفسير نفيا شديدا(١) . ويلاحظ في التوراة الحالية أيضا ، سفر الخروج ، الفصل الثّالث ، نفس التعبير الذي يوجد في القرآن.

البعض الآخر من الرّوايات يشير إلى تأويل الآية وبطونها : «فاخلع نعليك : أي خوفيك : خوفك من ضياع أهلك ، وخوفك من فرعون»(٢) .

وفي حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام فيما يتعلق بهذا الجانب والزمن من حياة موسىعليه‌السلام حيث يقول : «كن لما لا ترجوا أرجى منك لما ترجو ، فإن موسى بن عمران خرج ليقبس لأهله نارا فرجع إليهم وهو رسول نبي»(٣) ! وهي إشارة إلى أن الإنسان كثيرا ما يأمل أن يصل إلى شيء لكنه لا يصل إليه ، إلّا أن أشياء أهم لا أمل له في نيلها تتهيأ له بفضل الله.

وقد نقل هذا المعنى أيضا عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام (٤) .

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٣٧٣.

(٢) المصدر السابق ، ص ٣٧٤.

(٣) المصدر السابق.

(٤) سفينة البحار ، الجزء الأول ، ص ٥١٣.

٥٣٦

٢ ـ جواب عن سؤال ،

يطرح بعض المفسّرين هنا سؤالا ، وهو : كيف ومن أين علم موسى أنّ الصوت الذي يسمعه صادر من الله سبحانه وتعالى؟ ومن أين تيقن أن الله كلّفه بهذه المهمّة؟

وهذا السؤال يمكن طرحه في شأن سائر الأنبياء أيضا ، ويمكن الإجابة عنه بطريقين:الأوّل : إنّه يحصل للأنبياء في تلك الحالة نوع من المكاشفة الباطنية والإحساس الداخلي تبلغهم وتوصلهم إلى القطع واليقين الكامل ، وتزيل عنهم كل أنواع الشك والشبهة.

والثّاني : إنّ من الممكن أن تكون بداية الوحي مقترنة بأمور خارقة للعادة ، لا يمكن أن تقع وتتمّ إلا بقوة الله ، كما أن موسىعليه‌السلام شاهد النار في الشجرة الخضراء ، ومن هذا فهم أن المسألة إلهية وإعجازية.

وينبغي أن نذكّر بهذا الموضوع أيضا ، وهو أن سماع كلام الله سبحانه وبلا واسطة ، لا يعني أن لله حنجرة وصوتا ، بل إنّه يخلق بقدرته الكاملة أمواج الصوت في الفضاء ، ويتكلم مع أنبيائه عن هذا الطريق ، ولما كانت نبوة موسىعليه‌السلام قد بدأت بهذه الكيفية ، فقد لقب ب (كليم الله).

٣ ـ الصلاة أفضل وسيلة لذكر الله

أشير في الآيات ـ محل البحث ـ إلى واحدة من أهم أسرار الصلاة ، وهي أن الإنسان يحتاج في حياته في هذا العالم ـ وبسبب العوامل المؤدية إلى الغفلة ـ إلى عمل يذكّره بالله والقيامة ودعوة الأنبياء وهدف الخلق في فترات زمنية مختلفة ، كي يحفظه من الغرق في دوامة الغفلة والجهل ، وتقوم الصلاة بهذه الوظيفة المهمّة.

إنّ الإنسان يستيقظ في الصباح من النوم ذلك النوم الذي عزله عن كل

٥٣٧

موجودات العالم ، ويريد أن يبدأ نشاطه الحياتي ، فقبل كل شيء يتوجه إلى الصلاة ، ويصفي قلبه وروحه بذكر الله ، ويستمد منه القوّة والمدد ، ويستعد للجد والسعي الممتزج بالصدق والمودة.

وعند ما يغرق في زحمة الأعمال اليومية ، وتمضي عدة ساعات وقد نسي ذكر الله ، وفجأة يحين الظهر ، ويسمع صوت المؤذن : الله أكبر! حي على الصلاة! فيتوجه إلى الصلاة ويقف بين يدي ربّه ويناجيه ، وإذا كان غبار الغفلة قد استقر على قلبه فإنّه يغسله بهذه الصلاة ، ومن هنا يقول الله سبحانه لموسى في أوّل الأوامر في بداية الوحي :( وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) .

وممّا يجلب الانتباه أنّ هذه الآية تقول :( وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) أمّا الآية (٢٨) من سورة الرعد فتقول :( أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) والآيات (٢٧ ـ ٣٠) من سورة الفجر تقول :( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ) وإذا جعلنا هذه الآيات الثلاثة جنبا إلى جنب فسنفهم جيدا أن الصلاة تذكر الإنسان بالله ، وذكر الله يجعل نفسه مطمئنة ، ونفسه المطمئنة ستوصله إلى مقام العباد المخلصين والجنّة الخالدة.

* * *

٥٣٨

الآيات

( وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣) )

التّفسير

عصا موسى واليد البيضاء :

لا شك أنّ الأنبياء يحتاجون إلى المعجزة لإثبات ارتباطهم بالله ، وإلّا فإنّ أي واحد يستطيع أن يدعي النّبوة ، وبناء على هذا فإن معرفة الأنبياء الحقيقيين من المزيفين لا يتيسر إلّا عن طريق المعجزة. وهذه المعجزة يمكن أن تكون بذاتها دعوة وكتابا سماويا للنّبي ، ويمكن أن تكون أمورا أخرى من قبيل المعجزات الحسية والجسمية ، إضافة إلى أن المعجزة مؤثرة في نفس النّبي ، فهي تزيد من عزيمته وإيمانه وثباته.

على كل حال ، فإن موسىعليه‌السلام بعد تلقيه أمر النّبوة ، يجب أن يتلقى دليلها

٥٣٩

وسندها أيضا ، وهكذا تلقّى موسىعليه‌السلام في تلك الليلة المليئة بالذكريات والحوادث معجزتين كبيرتين من الله ، ويبيّن القرآن الكريم هذه الحادثة فيقول :( وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى ) ؟

إنّ هذا السؤال البسيط المقترن باللطف والمحبة ، إضافة إلى أنّه بثّ الطمانينة في نفس موسىعليه‌السلام الذي كان غارقا حينئذ في دوامة من الاضطراب والهيجان فإنّه كان مقدمة لحادثة مهمّة.

فأجاب موسى :( قالَ هِيَ عَصايَ ) ولما كان راغبا في أن يستمر في حديثه مع محبوبه الذي فتح الباب بوجهه لأوّل مرّة ، وربّما كان يظن أيضا أن قوله :( هِيَ عَصايَ ) غير كاف ، فأراد أن يبيّن آثارها وفوائدها فأضاف :( أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُ ) (١) ( بِها عَلى غَنَمِي ) أي أضرب بها على أغصان الشجر فتتساقط أوراقها لتأكلها الأغنام( وَلِيَ فِيها مَآرِبُ ) (٢) ( أُخْرى ) .

من المعلوم ما للعصا لأصحابها من فوائد ، فهم يستعملونها أحيانا كسلاح للدفاع عن أنفسهم أمام الحيوانات المؤذية والأعداء ، وأحيانا يصنعون منها مظلة في الصحراء تقيهم حرّ الشمس ، وأحيانا أخرى يربطون بها وعاء أو دلوا ويسحبون الماء من البئر العميق.

عل كل حال ، فإنّ موسى غط في تفكير عميق : أي سؤال هذا في هذا المجلس العظيم ، وأي جواب أعطيه؟ وماذا كانت تلك الأوامر؟ ولماذا هذا السؤال؟

وفجأة( قالَ أَلْقِها يا مُوسى فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى ) . «تسعى» من مادة السعي أي المشي السريع الذي لا يصل إلى الركض.

__________________

(١) «أهش» من مادة هشّ ـ بفتح الهاء ـ أي ضرب أوراق الشجر وتساقطها.

(٢) «مآرب» جمع مأربة ، أي الحاجة والمقصد.

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576