الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 576

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 264210 / تحميل: 11784
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

بأنّنا سنذهب إلى مكّة هذا العام ، بل في المستقبل القريب. (وهذا ما حصل بالفعل).

الاعتراض الذي يمكن أن يرد على هذا التّفسير ، هو أنّ سورة بني إسرائيل من السور المكّية ، بينما حادثة الحديبية وقعت في العام السّادس للهجرة المباركة!!

ج : مجموعة من المفسّرين الشيعة والسنة ، نقلوا أنّ هذه الرؤيا إشارة للحادثة المعروفة والتي رأى فيها النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام أن عددا من القرود تصعد منبره وتنزل منه (تنزو على منبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) ، وقد حزنصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرا لهذا الأمر بحيث لم ير ضاحكا من بعدها إلّا قليلا (وقد تمّ تفسير هذه القرود التي تنزو على منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببني أمية الذين جلسوا مكان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الواحد تلو الآخر ، يقلّد بعضهم بعضا ، وكانوا ممسوخي الشخصية ، وقد جلبوا الفساد للحكومة الإسلامية ، وخلافة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ).

ونقل هذه الرّواية (الفخر الرازي) في التّفسير الكبير ، و (القرطبي) في تفسيره الجامع و (الطبرسي) في مجمع البيان ، وغيرهم.

ويقول الفيض الكاشاني في تفسير الصافي ، بأنّ هذه الرّواية من الرّوايات المعروفة في أوساط العامّة والخاصّة.

ثمة إشارة نلاحظ فيها ، إنّ التفاسير الثلاثة هذه في «الرؤيا» من الممكن أن تشترك جميعا في تفسير الآية ، ولكن التّفسير الثّاني كما أشرنا ـ لا ينطبق مع مكّية السورة. وبالنسبة للمقصود من الشجرة الملعونة فقد واجهتنا أيضا مجموعة من التفاسير التي يمكن أن نجمل القول بها في الآراء الآتية :

أ: الشجرة الملعونة التي ورد ذكرها في القرآن هي (شجرة الزقوم) وهي الشّجرة التي تنمو في الجحيم طبقا للآية (٦٤) من سورة الصافات في قوله تعالى( إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ) ولهذه الشجرة طعم مج ومؤذ ، وثمارها طعام

٤١

للمذنبين طبقا للآيات ٤٣ ـ ٤٦ من سورة الدخان( إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ، طَعامُ الْأَثِيمِ ، كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ ، كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ) وطعامها ليس كطعام الدنيا بل يشبه المعدن المذاب بالحرارة والذي يغلي في الأحشاء. وسيرد تفسيرها بشكل كامل في تفسير الآيات من سورة الدخان إن شاء الله.

إنّ شجرة الزقوم ـ بدون شك ـ لا تشبه أشجار الدنيا أبدا ، ولهذا السبب فإنّها تنمو في النار ، وطبيعي أنّنا لا ندرك هذه الأمور المتعلقة بالعالم الآخر إلّا على شكل أشباح وتصورات ذهنية.

لقد استهزأ المشركون بهذه التعابير والأوصاف القرآنية بسبب من جهلهم وعدم معرفتهم وعنادهم ، فأبو جهل ـ مثلا ـ كان يقول : إنّ محمّدا يهددكم بنار تحرق الأحجار، ثمّ يقول بعد ذلك بأنّ في النار أشجارا تنمو!

وينقل عن أبي جهل ـ أيضا ـ أنّه كان يهيئ التمر والسمن ويأكل منه ثمّ يقول لأصحابه : كلوا من هذا فإنّه الزقوم. (نقلا عن روح المعاني في تفسير الآية).

لهذا السبب فإنّ القرآن يعتبر الشجرة الملعونة في الآيات التي نبحثها ، وسيلة لاختبار الناس ، إذ كان المشركون يستهزئون بها ، بينما استيقنها المؤمنون الحقيقيون الذين كانوا يؤمنون بها.

ويمكن أن يطرح على هذا التّفسير السؤال الآتي : إنّ شجرة الزقوم لم تطرح في القرآن بعنوان الشجرة المعلونة؟

في الإجابة على ذلك نقول : يمكن أن يكون المقصود هو اللعن آكليها. بالإضافة إلى ذلك إنّه ما من شيء بعد رحمة الله سوى اللعن ، وطبيعي جدا أنّ مثل هذه الشجرة بعيدة جدّا عن رحمة الله.

ب : الشجرة الملعونة ، هم اليهود البغاة ، إذ أنّهم يشبهون الشجرة ذات الفروع والأوراق الكثيرة ، ولكنّهم مطرودون من مقام الرحمة الإلهية.

ج : جاء في الكثير من تفاسير الشيعة والسنة أنّ الشجرة الملعونة هم بنو

٤٢

أمية.

ينقل الفخر الرازي في تفسيره رواية في هذا المجال عن ابن عباس الذي أدرك الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واشتهر في التاريخ الإسلامي بكونه مفسرا للقرآن الكريم.

هذا التّفسير يتلاءم من جهة مع الرّواية التي ذكرناها أعلاه بخصوص رؤيا الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو أيضا يتلاءم مع الحديث المنقول عن عائشة والتي التفتت فيه إلى مروان وقالت له : «لعن الله أباك وأنت في صلبه ، فأنت بعض من لعنه الله»(١) .

ولكن مرّة أخرى يطرح هذا السؤال : في أي مكان من القرآن تمّ لعن بني أمية باعتبارهم الشجرة الخبيثة؟

في الجواب نقول : لقد تمّ ذلك في الآية (٢٦) من سورة إبراهيم عند الحديث عن الشجرة الخبيثة( وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ ) . وذلك للمفهوم الواسع للشجرة الخبيثة ، ولما ورد من روايات في تفسيرها بأنّ المقصود منها هم بنو أميّة ، ثمّ إنّ (الخبيثة) تقترن من حيث المعنى ب (الملعونة)(٢) .

وجدير بالذكر هنا ، أنّ الكثير من هذه التّفاسير أو كلّها لا تتعارض فيما بينها ، ومن الممكن أن تكون (الشجرة الملعونة) في القرآن إشارة إلى أي مجموعة منافقة وخبيثة ومطرودة من رحمة الله تعالى ومقام الربوبية ، خصوصا تلك المجاميع مثل بني أمية واليهود قساة القلب ، والمعاندين وكل الذين يسيرون على خطاهم. وشجرة الزقوم في القيامة تمثل الأشجار الخبيثة في العالم الآخر ، وكل هذه الأشجار الخبيثة (المجاميع المعنية) هي لاختبار وتمحيص المؤمنين الصادقين في الحياة الدنيا.

إنّ اليهود الذين سيطروا اليوم ـ زورا وغصبا ـ على المقدسات الإسلامية

__________________

(١) تفسير القرطبي ، المجلد السّادس ، ص ٣٩٠٢ ؛ وتفسير الفخر الرازي ، المجلد ٢٠ ، ص ٢٣٧.

(٢) يراجع تفسير نور الثقلين ، المجلد الثاني ، ص ٥٣٨.

٤٣

والذين يشعلون نار الفتنة والحرب في كل زاوية من زوايا العالم ، ويفتعلون العديد من الجرائم والمظالم بحق الشعوب ، إضافة إلى المنافقين الذين يتعاملون معهم تعاملا سياسيا وغير سياسي، وكذلك كل المتسلطين الذين يسيرون على خطى بني أمية في البلاد الإسلامية ، ويقفون ضدّ الإسلام ، ويبعدون المخلصين والمؤمنين من حركه المجتمع ، ويقومون بتسليط المجرمين والخبثاء على رقاب الناس ، ويقتلون أهل الحق والمجاهدين ، ويفتحون المجال لبقايا الجاهلية في استلام الأمور والتحكّم بالمقدرات إنّ هؤلاء جميعا هم فروع وأغصان وأوراق هذه الشجرة الخبيثة المعلونة ، وهم علامات اختبار ومواقع امتحان للمؤمنين ولعامّة الناس في هذه الحياة الدنيا.

٢ ـ أعذار منكري الإعجاز

إنّ بعض الجهلة والغافلين في عصرنا الحاضر ، يقولون : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تكن لديه من معجزة سوى القرآن الكريم ، ويقدمون مختلف الحجج من أجل إثبات أقوالهم ودعاواهم ، وممّا يحتجون به قوله تعالى :( وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ) حيث يعتبرونها دليلا على أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأت بمعجزة ، بخلاف باقي الأنبياء السابقين.

ولكن العجيب في أمر هؤلاء أنّهم التزموا بأوّل الآية وتركوا آخرها ، حيث تقول نهاية الآية( وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً ) هذا التعبير القرآني يوضح أنّ المعجزات تقع على نوعين :

القسم الأوّل : المعجزات التي لها ضرورة لإثبات صدق دعوة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتشوق المؤمنين ، وتخوّف المنكرين للنّبوة.

القسم الثّاني : المعجزات التي لها جانب اقتراحي ، أي إنّها تصدر من اقتراحات المعاندين وتنطلق من أمزجة ذوي الأعذار ، وفي تأريخ الأنبياء

٤٤

نماذج عديدة لهذه المعجزات ، التي وقع بعضها فعلا ، إلّا أنّ المنكرين والذين سبق لهم اقتراح هذه المعجزات كشرط لإيمانهم ، بقوا على إنكارهم ولم يؤمنوا بعد وقوع المعجزة ، لذلك أصيبوا بالبلاء والعذاب الإلهي. (لأنّه وقعت المعجزة المقترحة ولم يؤمن بها من اقترحها وطلبها فإنّه سيستحق العقاب الإلهي السريع).

بناء على ذلك ، فما نشاهده في الآية أعلاه والتي تخص الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما هي نفي للنوع الثّاني من المعجزات ، وليس للنوع الأوّل ، الذي يعتبر ملازما للنّبوة وضروريا لها.

صحيح أنّ القرآن يعتبر لوحده معجزة خالدة ، ويمكنه لوحده اثبات دعوى الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إذا لم تكن معه معجزة أخرى) ، ولكن ـ بدون شك ـ فإنّ القرآن يعتبر معجزة معنوية ، وهو أفضل شاهد بالنسبة لأهل الفكر ، ولكن لا يمكن إنكار أهمية أن تكون مع هذه المعجزة ، معجزات مادية محسوسة بالنسبة للأفراد العاديين وعموم الناس ، خاصّة وأن القرآن يتحدث مرارا عن مثل هذه المعجزات التي وقعت للأنبياء السابقين ، وهذا الحديث يعتبر ـ بحدّ ذاته ـ سببا في أن يطالب الناس رسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتقديم المعجزات التي تقع على منوال معجزات الأنبياء السابقين ، خصوصا وأنّ الناس كانوا يقولون لرسول الإسلام : كيف تدعي بأنّك أفضل الأنبياء وخاتمهم ولا تستطيع أن تقدّم لنا أصغر معجزة من معجزاتهم. (!!!)؟

إنّ أفضل جواب لهذا التساؤل هو مجيء رسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنماذج من معجزات الأنبياء السابقين ، والتواريخ الإسلامية المتواترة تؤكّد بأنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد جاء بمثل هذه المعجزات.

ففي القرآن تواجهنا نماذج لهذه المعجزات ، مثل التنبؤ بحوادث مختلفة ، أو نصرة الملائكة لجيش الإسلام على الأعداء ، وأمور خارقة أخرى لا سيما ما كان يقع في الحروب الإسلامية.

٤٥

٣ ـ ما العلاقة بين المنكرين سابقا والمنكرين لا حقا؟

قد يطرح أحيانا هذا السؤال حيث يبيّن القرآن ـ في الآيات أعلاه ـ أنّ السابقين اقترحوا معجزات معيّنة ثمّ لم يؤمنوا بعد وقوعها ، بل استمروا في تكذيبهم وإنكارهم وعنادهم، لذا فقد أصبح هذا سببا لعدم إجابة مقترحاتكم.

والسؤال هنا : هل أنّ تكذيب السابقين يكون سببا لحرمان الأجيال اللاحقة ، أي كيف يؤخذ هؤلاء بجريرة أولئك؟

الجواب على هذا السؤال واضح من خلال ما ذكرناه أعلاه ، حيث يسود هذا التعبير ويروج في أوساطنا ، إذ نقول ـ مثلا ـ لأحدهم : لا نستطيع أن نسلّم بحججك ، فإذا سأل الطرف الآخر : لماذا؟ فإنّنا نقول له : إنّ هناك سوابق كثيرة لهذا العمل ، فهناك من قدّم اقتراحات إلّا أنّهم لم يستسلموا للحق لما جاءهم ، لذا فإنّ وضعكم وظروفكم تشابه أولئك. إضافة لذلك ، فإنّكم توافقون أولئك الأقوام على أساليبهم ، بل وتدعمونها ، وأثبتم عمليا أنّكم لا ترغبون في البحث عن الحق والحقيقة ، بل إنّ هدفكم هو مجرّد العناد والتحجج والبقاء في طور المعاذير ، ثمّ تتبعون ذلك كلّه بالعناد والمكابرة والإنكار ، لذا فإنّ الرضوخ إلى مقترحاتكم وإجابتها لا معنى له.

فهؤلاء القوم ـ مثلا ـ عند ما أخبرهم الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّ أهل النّار يأكلون من شجرة تسمّى (زقوم) وتخرج في أصل الجحيم ولها أوصاف معينة ، بدأوا بالسخرية والاستهزاء ـ كما ذكرنا سابقا ـ فالبعض منهم كان يقول : إنّ الزقوم هو التمر والسمن ، وبعض كان يقول : كيف تنمو الأشجار في الجحيم المستعر من الحجارة؟ في حين أن المعنى واضح ولا يحتاج إلى مثل هذه المكابرة والعناد ، إذ أنّ الشجرة المقصودة لا تشبه أشجار هذه الدنيا.

* * *

٤٦

الآيات

( وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (٦٢) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (٦٤) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (٦٥) )

التّفسير

مكر إبليس :

هذه الآيات تشير إلى قضية امتناع إبليس عن إطاعة أمر الله في السجود لآدمعليه‌السلام ،والعاقبة السيئة التي انتهى إليها.

إنّ طرح هذه القضية بعد ما ذكر عن المشركين المعاندين هو إشارة ـ في

٤٧

الواقع ـ إلى أنّ الشيطان يعتبر نموذجا كاملا للاستكبار والكفر والعصيان. ثمّ انظروا إلى أين وصلت عاقبته ، لذا فإنّ من يتبعه سيصير إلى نفس العاقبة.

إضافة إلى ذلك ، فإنّ إصرار الضالين عميان القلوب على مخالفة الحق ، لا يعتبر مدعاة للعجب والدهشة ، لأنّ الشيطان استطاع ـ وفقا لما يستفاد من هذه الآيات ـ أن يغويهم بواسطة عدّة طرق ، وفي الواقع حقق فيهم قولته( لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) .

الآية تقول :( وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ ) . لقد قلنا سابقا في نهاية الآيات الخاصّة بخلق آدمعليه‌السلام : إنّ هذه السجدة التي أمر الله تعالى بها هي في الحقيقة نوع من الخضوع والتواضع بسبب عظمة خلق آدمعليه‌السلام وتميزه عن سائر الموجودات ، أو هي سجود للخالق جلّ وعلا في قبال خلقه لهذا المخلوق المتميز.

وقلنا هناك أيضا : إنّ إبليس وبرغم ذكره هنا ـ استثناء ـ مع الملائكة ، إلّا أنّه ـ بشهادة القرآن ـ لم يكن من الملائكة ، بل كان مخلوقا ماديا ومن الجن ، وقد أصبح في صف الملائكة بسبب عبادته لله.

على كل حال ، فقد سيطر الكبر والغرور على إبليس وتحكّمت الأنانية في عقله ، ظنا منه بأنّ التراب والطين اللذان يعتبران مصدرا لكل الخيرات ومنبعا للحياة أقل شأنا وأهمية عن النّار ، لذا اعترض على الخالق جلّ وعلا وقال :( قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً ) .

ولكنّه عند ما طرد ـ إلى الأبد ـ من حضرة الساحة الإلهية بسبب استكباره وطغيانه في مقابل أمر الله له ، قال :( قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً ) .(١)

__________________

(١) ذهب المفسّرين إلى إنّ حرف الكاف في كلمة (أرأيتك) زائد ، أو هو حرف للخطاب وقد جاء للتأكيد ، وجملة

٤٨

«أحتنكن» مشتقّة من «احتناك» وهي تعني قطع جذور شيء ما ، لذا فعند ما يأكل الجراد المزروعات تقول العرب : احتنك الجراد الزرع ، لذا فإنّ هذا القول يشير إلى أن إبليس سيحرف كل بني آدم عن طريق الله وطاعته ، إلّا القليل منهم.

ويحتمل أن تكون كلمة (احتنكن) مشتقة من (حنك) وهي المنطقة التي تحت البلعوم ، فعند ما يوضع الحبل في رقبة الحيوان تقول العرب (احتنك الدابة) ، وفي الواقع ، فإنّ الشيطان يريد أن يقول بأنّه سيضع حبل الوسوسة في أعناق الناس ويجرهم إلى طريق الغواية والضلال.

وهكذا كان ، فقد أعطي الشيطان إمكانية البقاء والفعالية حتى يتحقق الاختبار للجميع ، ويكون وجوده سببا لتمحيص واختبار المؤمنين الحقيقيين لأنّ الإنسان يشتدّ عزمه عند ما تهاجمه الحوادث ويقوى عوده في مواجهة الأعداء ، لذلك قالت الآية :( قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً ) . وبهذه الوسيلة للاختبار ينكشف الفاشل من الناجح في الامتحان الإلهي الكبير.

ثمّ ذكرت الآيات بعد ذلك ـ بأسلوب جميل ـ الطرق التي ينفذ منها الشيطان والأساليب التي يستخدمها في الوسوسة والإغواء فقالت :

( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ .)

( وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ .)

( وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ .)

( وَعِدْهُمْ .)

ثمّ يجيء التحذير الإلهي :( وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً .)

__________________

(أرأيتك) بمعنى (أخبرني) جوابها محذوف وتقديرها (أخبرني عن هذا الذي كرمته عليّ ، لم كرمته عليّ وقد خلقتني من نار؟). ولكن هناك احتمال آخر ، وهو أنّ (أرأيت) هي في نفس معناها الأصلي ولا يوجد محذوف في الجملة ، وبشكل عام تعطي هذا المعنى : هل لاحظت هذا الموجود الذي فضلته عليّ ، فإذا أبقيتني على قيد الحياة سترى بأنّي سأضل أكثر أبنائه. (احتمال الثّاني أوفق في تركيب الآية ومعناها).

٤٩

ثمّ اعلم أيّها الشيطان :( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً ) .

* * *

بحوث

١ ـ في معاني الكلمات

«استفزز» مشتقة من «استفزاز» وهي تعني الإثارة ؛ الإثارة السريعة والعادية ، ولكنّ الكلمة في الأصل تعني قطع شيء ما ، فالعرب تقول «تفزّز الثوب» إذا تقطّع أو انفصلت منه قطعة.

واستعمال هذه الكلمة هنا للدلالة على تحريك الشخص وإثارته لينقطع عن الحق يتوجه نحو الباطل.

«اجلب» مأخوذ من «إجلاب» وفي الأصل من «جلبة» وهي تعني الصرخة الشديدة ، والإجلاب تعني الطرد مع الأصوات والصرخات. وأمّا النهي عن «الجلب» الوارد في الرّوايات فهو إمّا أن يعني أنّ الذي يذهب إلى المزارع لجمع الزكاة يجب عليه أن لا يصيح ويصرخ بحيث يخيف الأحياء ، أو أنّه يعني أنّ على المتسابقين عند سباق الخيل أن لا يصرخوا في وجوه الخيل الأخرى لتكون لهم الأسبقية.

«خيل» لها معنيان ، فهي تعني «الخيول» وأيضا تعني (الخيالة) ، أمّا في هذه الآية فقد وردت للتدليل على المعنى الثّاني.

أمّا «رجل» فهي تعني معكوس (الخيالة) أي (جيش الرجّالة والمشاة) وبهذا يتكون جيش الشيطان من (الخيالة والرجّالة) من جنسه أو من غير جنسه ، وهذا يعني أنّ البعض يتأثر بسرعة بغواية الشيطان ويصبح من أعوانه ومساعديه

٥٠

فهؤلاء كالخيّالة. أمّا البعض الآخر فيتأثر ببطء وعلى مهل كالمشاة والرجّالة(١) !

٢ ـ وسائل الشيطان المختلفة في الوسوسة والإغواء

بالرغم من أنّ المخاطب في الآيات أعلاه هو الشيطان ، وأنّ الله جلّ جلاله يتوعده ويقول له : افعل كل ما تريده في سبيل غواية الناس ، واستخدم كل طرقك في ذلك ، إلّا أنّ هذا الوعيد ـ في الواقع ـ هو تهديد وتنبيه لنا نحن بني الإنسان حتى نعرف الطرق التي ينفذ منها الشيطان والوسائل التي يستخدمها في وساوسه وإغوائه.

الطريف في الأمر أنّ الآيات القرآنية أعلاه تشير إلى أربعة طرق وأساليب مهمّة وأساسية من أساليب الشيطان ، وتقول للإنسان : عليك بمراقبة نفسك من خلال الجوانب الأربعة هذه :

أ: البرامج التبليغية التي تجد دلالتها في التعبير القرآني( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) حيث اعتبر بعض المفسّرين أنّها تعني ـ فقط ـ أنغام الموسيقي الشهوانية المثيرة ، والأغاني المبتذلة ، ولكن هذا المعنى يتسع حتى يشمل جميع البرامج الدعائية التي تقود للانحراف والتي تستخدم ـ عادة ـ الأجهزة الصوتية والسمعية.

لهذا فإنّ أوّل برامج الشيطان هو الاستفادة من هذه الأجهزة. هذه القضية تتوضح في زماننا هذا أكثر ، لأنّ عالمنا اليوم هو عالم الأمواج الراديوية ، وعالم الدعاية والتبليغ الواسع ، سواء كان على الصعيد السمعي أو البصري. حيث أنّ الشياطين وأحزابهم في الشرق والغرب يعتمدون على هذه الأجهزة ويخصصون قسما كبيرا من ميزانيتهم للصرف في هذا الطريق حتى يستعمروا عبيد الله ، ويحرفوهم عن طريق الحق والاستقلال ، ويزيغوا بهم عن طريق الهداية والإيمان

__________________

(١) في معاني المفردات تراجع مفردات الراغب ، ومجمع البيان.

٥١

والتقوى ، ويجعلون منهم عبيدا تابعين لا حول لهم ولا قوة.

ب : الاستفادة من القوة العسكرية : وهذا لا يخص زماننا حيث أنّ الشياطين يستخدمون القوّة العسكرية لأجل الحصول على مناطق للنفوذ. إنّ الأداة العسكرية تعتبر أداة خطرة لكل الظالمين والمستكبرين في العالم. فهؤلاء وفي لحظة واحدة يصرخون في قواتهم العسكرية ويرسلونها إلى المناطق التي تحاول الحصول على حريتها واستقلالها وتسعى إلى الاعتماد بقوات على قدراتها الخاصّة.

وفي عصرنا الحاضر نرى أنّهم نظّموا ما يسمونه بقوات (التدخل السريع) والذي هو نفس مفهوم (الإجلاب) القرآني ، وهذا يعني أنّهم جعلوا جزءا من قواتهم العسكرية على شكل قوات خاصّة كي يستطيعوا إرسالها في أسرع وقت إلى أي منطقة من مناطق العالم تتعرض فيها مصالحهم غير المشروعة للخطر ، لكي يقضوا بواسطة هذه القوات على أي حركة تطالب بالحق وتنادي بالاستقلال.

وقبل أن تصل القوات السريعة الخاصّة هذه ، يكون هؤلاء قد هيأوا الأرضية بواسطة جواسيسهم الماهرين ، والذين هم في الواقع كناية عن جيش المشاة (الرجّالة).

إنّ هؤلاء في مخططاتهم هذه قد غفلوا عن أنّ الله سبحانه وتعالى قد وعد أولياءه الحقيقيين ـ في نفس هذه الآيات ـ بأنّ الشيطان وجيشه لا يستطيع أن يسيطر عليهم.

ج : البرامج الاقتصادية ذات الظاهر الإنساني : من أساليب الشيطان الأخرى المؤثرة في النفوذ والغواية ، هي المشاركة في الأموال والأنفس ، وهنا نرى أيضا : أنّ بعض المفسّرين يخصص هذه المشاركة ب (الربا). أمّا المشاركة في الأولاد فيحصر معناها بـ «الأولاد غير الشرعين»(١) .

__________________

(١) وردت روايات متعدّدة في أنّ مشاركة الشيطان في الأولاد تعني الأبناء غير الشرعيين ، أو المنعقدة نطفتهم من مال حرام ، أو انعقاد النطفة في لحظة غفلة الوالدين عن الخالق ، ولكن ـ كما قلنا مرّات ـ إنّ هذه التفاسير تبيّن جانبا من المصداق الواضح وهي ليست دليلا على حصر المعنى. (راجع تفسير نور الثقلين ، المجلد الثّالث ، صفحة ١٨٤).

٥٢

في حين أنّ هاتين الكلمتين لهما معاني أوسع ، إذ تشمل جميع الأموال المستحصلة عن طريق الحرام ، والأبناء غير الشرعيين وغيرهم. فمثلا في زماننا الحاضر نشاهد أنّ الشياطين المستكبرين يقترحون دائما استثمار وتأسيس الشركات ، وإيجاد مختلف المصانع والمصالح الاقتصادية في الدول الضعيفة ، وتحت غطاء هذه الشركات تتم مختلف أشكال النشاطات الخطرة والضارّة بالبلد المستضعف ، حيث يرسل الشياطين جواسيسهم تحت عنوان خبراء فنيين أو مستشارين اقتصاديين أو مهندسين تقنيين ، ويقوم هؤلاء جميعا بامتصاص خيرات البلد الذين هم فيه بأبرع الحيل وأظرفها ، ويقفون حائلا بين البلد وبين تحقيقه لاستقلاله الاقتصادي على بنية اقتصادية تحتية حقيقية.

وعن طريق تأسيس المدارس والجامعات والمكتبات والمستشفيات والمراكز السياحية ، فإنّهم يشاركون هذه الدول الضعيفة في أبنائها حيث يحاولون أن يستميلوا هؤلاء نحوهم ، وأحيانا عن طريق توفير (المنح الدراسية) لشباب ، فإنّهم يقومون (بجلبهم) نحو ثقافتهم ويشاركونهم في أفكارهم ، وما يترتب على ذلك من فساد العقيدة.

ومن الأساليب الرائجة والمخربة لهؤلاء الشياطين إيجاد مراكز الفساد تحت غطاء الفنادق العالمية وإيجاد المناطق الترفيهية ودور السينما والافلام المبتذلة وأمثال ذلك ، حيث لا تكون هذه الوسائل أدوات لترويج الفحشاء وزيادة أولاد الزنا فحسب ، بل تؤدي إلى انحراف جيل الشباب وتميّعهم وتغرّبهم ، وتصنع منهم أشخاصا فاقدين للإرادة. وكلما أمعنا النظر في دسائسهم ومكرهم تكشفت لنا الأخطار الكبيرة الكامنة في هذه الوساوس الشيطانية.

د : برامج التخريب النفسي : من البرامج الأخرى التي يتبعها الشياطين ،

٥٣

الاستفادة من الوعود والأمنيات الكاذبة التي يطلقونها بمختلف الحيل ، فهؤلاء الشياطين يعدّون مجموعة ماهرة ومتمكنة من علماء النفس لغواية الناس البسطاء منهم والأذكياء ، كلا بما يناسب وضعه ، ففي بعض الأحيان يصورون لهم حالهم بأنّهم سيصبحون قريبا من الدول المتمدنة والكبيرة ، أو أنّ شبابهم لا مثيل له ، ويستطيع الشباب في بلدانهم أن يصل من خلال إتباعه برامجهم إلى أوج العظمة ، وهكذا في بلدانهم يغرقوهم في هذه الخيالات الواهية التي تتلخّص في جملة( وَعِدْهُمْ ) .

في أحيان أخرى يسلك الشياطين طريقا معكوسة ، إذ يصوّرون للبلد بأنّه لا يستطيع مطلقا مواجهة القوى الكبرى ، وأنّهم متأخرون عن هذه القوى بمائة عام أو أكثر ، وبهذا الأسلوب تزرع المبررات النفسية لاستمرار التخلف وعدم انطلاق جهود البلد الضعيف نحو العمل والبناء الحقيقي.

بالطبع هذه القصّة لها بدايات بعيدة ، وطرق نفوذ الشيطان فيها لا تنحصر بواحد أو اثنتين.

ولكنّ (عباد الله) الحقيقيين والمخلصين ، وبالاتكاء على الوعد القرآني القاطع بالنصر ، والذي تضمنته هذه الآيات ، سيقومون بمحاربة الشياطين ولا يسمحون بالتردد يساور أنفسهم ، وهم يعلمون ـ برغم الأصوات الكثيرة للشياطين ـ أنّهم سينتصرون ، وإنّهم بصبرهم وصمودهم وبإيمانهم وتوكلهم على الله سوف يفشلون الخطط الشيطانية ، وذلك قوله تعالى :( وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً ) .

٣ ـ أمّا لماذا خلق الله الشيطان؟ فقد بحثنا ذلك في الآية (٣٩) من سورة البقرة. وفيما يخص وساوس الشيطان وأشكالها ولبوساتها ، ومعنى الشيطان في القرآن ، فقد بحثنا كل ذلك في ذيل الآية (١٣) من سورة الأعراف. والآية (٣٩) من سورة البقرة من هذا التّفسير.

* * *

٥٤

الآيات

( رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٦٦) وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (٦٧) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (٦٨) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (٦٩) )

التّفسير

لماذا الكفران مع كلّ هذه النعم؟

هذه الآيات تابعت البحوث السابقة في مجال التوحيد ومحاربة الشرك ، ودخلت في البحث من خلال طريقين مختلفين ، هما : طريق الاستدلال والبرهان ، وطريق الوجدان ومخاطبة الإنسان من الداخل.

ففي البداية تشير الآية إلى التوحيد الاستدلالي فتقول :( رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي

٥٥

لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ ) .

طبعا هناك أنظمة لأجل حركة الفلك في البحار ، فمن جانب ينبغي وجود الماء بشكل يصلح لمسير السفن ، ومن جانب آخر لا بدّ من توفر بعض الأشياء التي تكون أخف من الماء كي يمكن لها أن تطفو على سطحه ، وإذا كانت أثقل فيمكن صناعتها بشكل بحيث تكون أخف من الماء وتستطيع أن تتحمّل وزن الأحمال الثقيلة والأعداد الكثيرة من البشر. ومن جانب ثالث يلزم وجود القوّة المحرّكة والّتي كان الهواء يمثلها في السابق ، حيث كان البحّارة يستفيدون من حركة التيارات الهوائية فوق المحيطات والبحار لتحديد أوقات وسرعة واتجاه السفن ، واليوم يستفاد من طاقة البخار وأشكال الطاقة الأخرى في حركة السفن.

من جانب آخر ينبغي وجود أسلوب لتحديد الطرق ، وهذا الأسلوب كان سابقا يعتمد على الشمس والنجوم في السماء ، أمّا اليوم فإنّ السفن تستفيد من البوصلات والخرائط والإحداثيات الدقيقة. على أي حال ، إذا لم تتوافر هذه الشروط الأربعة ولم يكن ثمّة تنسيق بينها فإنّ حركة السفن تصبح أمرا مستحيلا ، ولا يكون الإنسان قادرا على الاستفادة من هذه الوسيلة المهمّة.

تعلمون ـ طبعا ـ بأنّ السفن تعتبر أضخم وسيلة لحمل الإنسان ، واليوم فإنّ هناك من السفن العملاقة ما يكون بعضها بمساحة مدينة صغيرة.

ثمّ يضيف تعالى :( لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ) . حتى تساعدكم في أسفاركم ونقل أموالكم وتجارتكم وتعينكم في كل ما يخص أمور دنياكم ودينكم. أمّا لماذا؟ فلأنّ الله تبارك وتعالى( إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً ) .

من هذا التوحيد الاستدلالى والذي يعكس جانبا صغيرا من نظام الخلق ، وعلم وقدرة وحكمة الخالق جلّ وعلا ، تنتقل الآية إلى أسلوب الاستدلال الفطري فتقول : لا تنسوا( وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ) .

أن يضل أي شيء من دون الله ، لأنّ ضرر البحر إذا وقع ، كالطوفان وغيره

٥٦

يذهب بكل الحواجز وأستار التقليد والتعصّب اللاصقة على صفاء الفطرة الإنسانية،لينكشف نور الفطرة الذي هو نور التوحيد والإيمان والعبودية لله دون غيره.

نعم في هذه اللحظات ، في لحظات الضرّ ينقطع الإنسان عن جميع المعبودات التصورية والوهمية والخيالية التي سبق وأن أعطاها قوّة بسبب أوهامه ، وتمحى من ذهنه فاعليتها ووجودها وتتلاشى وتذوب تماما كما يذوب الجليد في شمس الصيف ولا يبقى حين ذاك سوى نور الأنوار نور الله جلّ جلاله.

إنّ الآية تعبّر عن قانون عام ، عرفه كلّ من جرّب ذلك ، حيث تؤدي المشاكل والصعوبات الحادة التي يمرّ بها الإنسان ـ ويصل السكين العظم ـ إلى الغاء كل الأسباب الظاهرية التي كان يتعلق بها الإنسان ، وتنعدم فاعلية العلل المادية التي كان يتشبث بها ، وتنقطع كل الأسباب ، إلّا السبب الذي يصل الإنسان بمصدر العلم والقدرة المطلقتين ، والذي هو ـ لوحده سبحانه وتعالى ـ قادر على حال أعقد المشكلات ليس مهمّا هنا ما الذي نسمّي فيه هذه الحالة ، وإنّما المهم أنّ نعلم أن قلب الإنسان في هذه الحالة ينفتح على الأمل بالخلاص ، وتغمر القلب بنور خاص لطيف. وهذه المنعطفات هي واحدة من أقرب الطرق إلى الله ، إنّها طريق ينبع من داخل الروح ومن سويداء القلب.(١)

ثمّ تضيف الآية :( فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً ) .

مرّة أخرى تغطي حجب الغرور والغفلة والتعصب هذا النور الإلهي ، ويغطي غبار العصيان والذنوب وملاهي الحياة المادية فطرة الإنسان ووجدانه.

ولكن هل تظنون أنّ الله لا يستطيع أن ينزل بكم عقابه الشديد وأنتم على

__________________

(١) طالع الشّرح الكامل للتوحيد الفطري في كتاب (خالق العالم) ، ولا حظه أيضا في نهاية الآية (١٤) من سورة النحل حيث أشرنا إلى هذه المسألة.

٥٧

اليابسة وفي قلب الحصاري والبراري؟

لذلك تقول الآية( أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ ) ثمّ أضافت :( أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً ) ، حيث تغشيكم عاصفة محمّلة بالحصى والحجارة وتدفنكم تحتها ولا تجدون من ينقذكم منها (وفي ذلك من العذاب ما هو أشدّ من الغرق في البحر).

إنّ المتجولين في الصحاري وأهل البوادي يدركون أكثر من غيرهم رهبة هذا التهديد الرّباني والوعيد القرآني ، إذ يعرفون كيف تؤدي ثورة الكثبان الرملية في الصحراء إلى دفع الرمال والأحجار إلى غير مواقعها لتشكّل تلالا تدفن في ثناياها وبطونها قوافل الجمال ومن عليها.

بعد ذلك تضيف الآية مذكّرة أمثال هؤلاء بأنّكم هل تظنون أنّ هذه هي المرّة الأخيرة التي تحتاجون فيها إلى السفر في البحر :( أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً ) ، أي لا أحد حينئذ يطالب بدمكم ويثأر لكم منّا.

* * *

بحوث

١ ـ الشّخصية المتقلّبة

إنّ الكثير من الناس لا يذكرون الله إلّا عند بروز المشاكل. وينسونه في الرخاء ، إنّ نسيان الله في حياة هؤلاء هو القاعدة والأصل ، أي أنّه صار طبيعة ، ثانية لهؤلاء ، لذا فإنّ ذكر الله بالنسبة لهؤلاء والالتفات إلى وقائع الحياة الحقّة تعتبر حالة استثنائية في وجودهم ، تحتاج في حضورها إلى عوامل إضافية ، فما دامت هذه العوامل الإضافية موجودة فهم يذكرون الله ، أمّا إذا زالت فسوف يرجعون إلى طبيعتهم المنحرفة وينسون الله.

٥٨

والخلاصة ، أنّنا لا نجد من الناس بصورة عامّة من لا يلجأ إلى الله ولا يخضع له عند ما تضغطه المشاكل الحادّة والصعبة ، ولكن ينبغي أن نعرف أن الوعي وذكر الله تعالى في مثل هذه الظروف في مثل هذه والذي نستطيع أن نصفه بالوعي الإجباري ، هو وعي عديم الفائدة.

إنّ المؤمنين والمسلمين الحقيقيين ، يذكرون الله في الراحة والبلاء والسلامة والمرض والفقر والغنى ، في السجن وعلى كرسي الحكم ، وفي أي وضع كان. إنّ تغيير الأوضاع وتبدّل الحالات لا يغيّر هؤلاء. إنّ أرواحهم كبيرة بحيث تستوعب كل هذه الأمور ، مثلهم في ذلك علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، حيث كانت عبادته وزهده ومتابعته لأمور الفقراء لا تختلف عند وجوده في السلطة ، أو عند ما كان جليس بيته.

أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ـ يقول في وصف المتقين : «نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء»(١) .

وخلاصة القول : إنّ الإيمان والارتباط بالله وعبادته والتوسل به والتوبة إليه والتسليم له سبحانه وتعالى ، كل هذه الأمور تكون مهمّة وثمينة وذات أثر عند ما تكون دائمية وثابتة ، أمّا الإيمان الموسمي والتوبة والعبادات الموسمية ، والتي تفرضها حالات خاصّة يمرّ بها الإنسان ويبغي من خلالها جلب بعض المنافع له ، فليس لها أثر ولا قيمة. والآيات القرآنية توبخ أمثال هؤلاء الأشخاص دائما.

٢ ـ لا يمكن الهروب من حكومة الله

البعض يتوجه إلى الله (مثل عبدة الأصنام في الجاهلية) عند ما يكون في وسط البحر أو عند ما يكون على هاوية السقوط والخطر أو في حال مرض

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة رقم ١٩٣.

٥٩

شديد ، في حين أنّنا إذا فكّرنا بشكل صحيح نرى أنّ الإنسان معرض للخطر والضرر في كل الأزمنة والحالات والأوقات ، فالبحر والبر والصحراء والمرض والهاوية وغيرها ، هي في الواقع متساوية الخطورة. إنّ هزة أرضية واحدة يمكنها أن تدمّر بيتنا الآمن الهاديء ، وإنّ تخثرا بسيطا في الدم يمكنه أن يغلق مسير الدم في الشريان الأبهر فيؤثر على القلب أو على الدماغ فتحدث السكتة القلبية أو الدماغية ، وبعد ثانية واحدة يكون الموت هو المصير المحتوم. مع وجود كل هذه الأمور نعلم أنّ الغفلة عن الله تعالى كم هي مجانبة للصواب!!

قد يقوم هنا أنصار نظرية تعليل الإيمان ـ والدين بشكل عام ـ على أساس الخوف، بتبرير هذه الحالة بقولهم : طالما أنّ الخوف في الإنسان غريزي وفطري ، فإنّ خوفه من العوامل الطبيعية يجعل الإنسان يتوجه نحو الخالق. ومثل هذه الحالات والأوضاع التي تحدثت عنها الآيات تدعم هذا التصوّر وتعضده.

الآيات القرآنية أجابت على هذه الأوهام ، إذ أبانت أنّ القرآن لم يجعل ـ أبدا ـ معرفة الخالق قائمة على هذه الأمور ، بل إنّ الأساس هو قراءة في نظام الكون والوجود ومعرفة الله تعالى من خلال هذا الخلق. وحتى في الآيات أعلاه نرى أنّها ذكرت أوّلا الإيمان الاستدلالي قبل ذكر التوحيد والإيمان الفطري ، وفي الواقع فإنّها تعتبر هذه الحوادث بمثابة تذكير بالخالق لا من أجل معرفته ، إذ أن معرفته لطلاب الحق تتوضح من خلال أسلوب الاستدلال وعن طريق الفطرة.

ثالثا : معاني الكلمات

«يزجي» مأخوذة من «إزجاء» وهي تعني تحريك شيء ما بشكل مستمر.

«حاصب» تعني الهواء الذي يحرّك معه الأحجار الصغيرة ثمّ تضرب الواحدة بعد الأخرى مكانا معينا ، وهي مشتقّة أصلا من (حصباء) التي تعني الأحجار

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

طهرت تغسل رأسها بالخطمي؟ فقال: يجزيها الماء "(١) .

٢٧٥٩ - وروى جميل عنه عليه السلام أنه قال " في الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية إنها تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة ثم تقيم حتى تطهر فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة "(٢) .

٢٧٦٠ - وروى صفوان، عن إسحاق بن عمار قال: " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن المرأة تجئ متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتى تخرج إلى عرفات، فقال: تصير حجة مفردة وعليها دم اضحيتها "(٣) .

٢٧٦١ - وروى صفوان، عن عبدالرحمن بن الحجاج قال: " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل كانت معه امرأة فقدمت مكة وهي لا تصلي فلم تطهر إلا يوم التروية وطهرت وطافت بالبيت ولم تسع بن الصفا والمروة(٤) حتى شخصت إلى عرفات هل تعتد بذلك الطواف أو تعيد قبل الصفا والمروة؟ قال: تعتد بذلك الطواف الاول وتبني عليه"(٥) .

٢٧٦٢ - وروى أبان، عن زرارة قال: " سألته عن امرأة طافت بالبيت فحاضت

___________________________________

(١) يدل على استحباب اجتناب المحرمة من الخطمى. (م ت)

(٢) يدل على أنها إذا قدمت مكة وهى حائض تجعل عمرتها حجة وتحج وتعتمر بعده.

(٣) رواه الشيخ ره في الاستبصار ج ٢ ص ٣١٠: وفيه " عليها دم تهريقه وهى اضحيتها " وقال الشيخ محمولة على الاستحباب دون الوجوب لانه إذا فاتتها المتعة صارت حجتها مفردة وليس على المفرد هدى انتهى، وقيل: لعل في العدول عن الهدى إلى الاضحية اشعارا بان ذلك على الاستحباب.

(٤) اما لضيق الوقت أو لنسيان، وقيل: ظاهر العبارة مشعر بأنه لم يفت منها من أفعال العمرة الا السعى فتكون قد قصرت وأحرمت بالحج.

(٥) الظاهر أنها قصرت وأحلت وأهلت بالحج ولم تسع فحينئذ تقضى السعى ولو طافت وذهبت إلى عرفات فيمكن أن تصير حجها مفردا ويكون عدم الاحتياج إلى الطواف لذلك، أو يكون مغتفرا بالنظر إلى المعذور الجاهل أو أحدهما وهو الاظهر من الخبر. (م ت)

٣٨١

قبل أن تصلي الركعتين فقال: ليس عليها إذا طهرت إلا الركعتين وقد قضت الطواف "(١) .

٢٧٦٣ - وروى أبان، عن فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: " إذا طافت المرأة طواف النساء فطافت أكثر من النصف فحاضت نفرت إن شاء‌ت "(٣) .

٢٧٦٤ - وروى صفوان، عن إسحاق بن عمار قال: " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن جارية لم تحض خرجت مع زوجها وأهلها فحاضت فاستحيت أن تعلم أهلها وزوجها حتى قضت المناسك وهي على تلك الحالة وواقعها زوجها ورجعت إلى الكوفة، فقالت لاهلها: قد كان من الامر كذا وكذا، فقال: عليها سوق بدنة والحج من قابل(٣) وليس على زوجها شئ ".

٢٧٦٥ - وروى فضالة بن أيوب، عن الكاهلي قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن النساء في إحرامهن، فقال: يصلحن ما أردن أن يصلحن(٤) فإذا وردن الشجرة أهللن بالحج ولبين عند الميل أول البيداء، ثم يؤتى بهن مكة يبادر بهن الطواف السعي(٥) فإذا قضين طوافهن وسعيهن قصرن وجازت(٦) متعة، ثم أهللن يوم التروية بالحج

___________________________________

(١) يدل على أنها إذا حاضت بعد الطواف وقبل الصلاة صحت متعتها.

(٢) قال العلامة المجلسى رحمه الله: لعل الاوفق باصول الاصحاب حمله على الاستنابة في بقية الطواف وان كان ظاهر الخبر الاجتزاء بذلك كظاهر كلام الشيخ في التهذيب (ج ١ ص ٥٦٠ والعلامة في التحرير والاحوط الاستنابة.

(٣) سوق بدنة حمل على ما إذا كانت عالمة بالحكم واستحيت عن اظهار ذلك (المرآة) والحج بسبب أنها كانت محرمة لم تحل لان الطوافين اللذين وقع منها كانا باطلين لعدم الطهارة لكن الجماع وقع بعد الموقفين الا أن يقال عمرة التمتع بمنزلة جزء الحج فكانها كانت في العمرة لعدم التحلل فيكون قبل المشعر كما في الرواية وقبل الموقفين كما قاله الاصحاب أو لان حجها كانت باطلة فليزم عليها حجة الاسلام لا حج العقوبة وهو الاظهر. (م ت)

(٤) يعنى من حلق العانة أو نتفها والنورة وغير ذلك ولما قبح ذكر بعض هذه الاشياء عبر عنه بهذه العبارة. (م ت)

(٥) لئلا يحصل الحيض بالتأخير. (م ت)

(٦) في بعض النسخ " صارت ".

٣٨٢

وكانت عمرة وحجة، وإن اعتللن كن على حجهن(١) ولم يفردن حجهن ".

٢٧٦٦ - وروى حريز، عن محمد بن مسلم قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن امرأة طافت ثلاثة أطوف أو أقل من ذلك ثم رأت دما، فقال: تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت منه واعتدت بما مضى "(٢) .

وروى العلاء، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام مثله.

قال مصنف هذا الكتاب - رضي الله عنه -: وبهذا الحديث افتي دون الحديث الذي رواه:

٢٧٦٧ - ابن مسكان، عن إبراهيم بن إسحاق، عمن سأل أبا عبدالله عليه السلام " عن امرأة طافت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت، قال: تتم طوافها وليس عليها غيره، ومتعتها تامة، ولها أن تطوف بين الصفا والمروة لانها زادت على النصف وقد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج، وإن هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف بعد الحج فان أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلى الجعر انه أو إلى التنعيم فلتعتمر "(٣) .

لان هذا الحديث إسناده منقطع والحديث الاول رخصة ورحمة، وإسناده متصل وإنما لا تسعى الحائض التي حاضت قبل الاحرام بين الصفا والمروة وتقضي المناسك

___________________________________

(١) أى حج التمتع بقرينة " ولم يفردن حجهن " ويحتمل أن يكون المراد حج الافراد وقوله " ولم يفردن " أى في أول الامر بل ان حصل العذر أفردن.(م ت)

(٢) قال المولى المجلسى رحمه الله: يدل على الاكتفاء بالثلاث وان لم يتجاوز النصف.

وحمله الشيخ على طواف النافلة وقال: ان طواف الفريضة متى نقص عن النصف يجب على صاحبه استينافه من أوله ولا يجوز البناء عليه ان كان أقل من النصف ويجوز في النافلة البناء.

(٣) ذكر المصنف للمعارضة خبرا واحدا مع أنه وردت أخبار كمرسل الكلينى عن أحمد بن عمر الحلال عن أبى الحسن عليه السلام وما رواه في الضعيف عن أبى بصير عن أبى عبدالله عليه السلام في الكافى ج ٤ ص ٤٤٨ و ٤٤٩، وما رواه الشيخ في الضعيف عن سعيد الاعرج عن الصادق عليه السلام في التهذيب ج ١ ص ٥٥٩.

٣٨٣

كلها لانها لا تقدر أن تقف بعرفة إلا عشية عرفة ولا بالمشعر(١) إلا يوم النحر ولا ترمي الجمار إلا بمنى(٢) وهذا إذا طهرت قضته.

باب الوقت الذى إذا أدركه الانسان يكون مدركا للتمتع  (٣)

٢٧٦٨ - روى ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، ومرازم، وشعيب عن أبي عبدالله عليه السلام " في الرجل المتمتع يدخل ليلة عرفة فيطوف ويسعى ثم يحرم(٤) فيأتي منى فقال: لا بأس ".

٢٧٦٩ - وروى الحسين بن سعيد(٥) عن حماد، عن محمد بن ميمون قال: " قدم أبوالحسن عليه السلام متمتعا ليلة عرفة فطاف وأحل وأتى بعض جواريه، ثم أهل

___________________________________

(١) لعل مراده أنه إذا حاضت قبل السعى أو قبل احرام الحج انما تؤخر السعى وتقضيه بعد، بخلاف مناسك الحج فانها تفعلها حائضا لان لافعال الحج أوقاته معينة لا يمكن تجاوزها فليس لها أن تؤخرها إلى أن تطهر فهى مقدورة فيها بخلاف السعى (سلطان) أقول: روى الشيخ في الاستبصار ج ٢ ص ٣١٤ مسندا عن عمر بن يزيد قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الطامث، قال تقضى المناسك كلها غير أنها لا تطوف بين الصفا والمروة، قال: قلت: فان بعض ما تقضى من المناسك أعظم من الصفا والمروة والموقف فما بالها تقضى المناسك ولا تطوف بين الصفا والمروة؟ قال: لان الصفا والمروة تطوف بهما إذا شاء‌ت، وان هذه المواقف لا تقدر أن تقضيها إذا فاتها ".

(٢) كل ذلك في الايام المخصوصة.

(٣) وسيأتى الكلام فيه ان شاء الله تعالى.

(٤) في الكافى ج ٤ ص ٤٤٣ ثم يحل ثم يحرم ".

(٥) في أكثر النسخ " روى الحلبى عن أحدهما عن حماد، عن محمد بن ميمون " وهو تصحيف والصواب ما في بعض النسخ كما في الكافى والتهذيب ولذا اخترناه في المتن.

٣٨٤

بالحج وخرج "(١) .

٢٧٧٠ - وروي عن أبي بصير قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " المرأة تجئ متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة، فقال عليه السلام: إن كانت تعلم أنها تطهر وتطوف وتحل من إحرامها وتلحق الناس بمنى فلتفعل ".

٢٧٧١ - وروى النضر، عن شعيب العقرقوفي قال: " خرجت أنا وحديد فانتهينا إلى البستان(٢) يوم التروية فتقدمت على حمار فقدمت مكة وطفت وسعيت وأحللت من تمتعي، ثم أحرمت بالحج، وقدم حديد من الليل فكتبت إلى أبي الحسن عليه السلام استفتيته في أمره، فكتب إلي: مره يطوف ويسعى ويحل من متعته ويحرم بالحج ويلحق الناس بمنى ولا يبيتن بمكة "(٣) .

٢٧٧٢ - وروى الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن ضريس الكناسي عن أبي جعفر عليه السلام قال: " سألته عن رجل خرج متمتعا بعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر، فقال: يقيم بمكة على إحرامه ويقطع التلبية حين يدخل الحرم فيطوف بالبيت ويسعى ويلحق رأسه ويذبح شاته، ثم ينصرف إلى أهله، ثم قال: هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه أن يحله حيث حبسه، فإن لم يشترط فإن عليه الحج والعمرة من قابل "(٤) .

___________________________________

(١) أى خرج إلى منى والخبر يدل على ادراك التمتع بادراك ليلة عرفة.

(٢) هو وادى فاطمة أو قرية النارنج أو غيرهما، ويوم التروية هو الثامن من ذى الحجة. (م ت)

(٣) النهى للكراهة لاستحباب البيتوتة بمنى مهما أمكن ولو ببعض الليل.

(٤) ذكر هذا الخبر في باب الاشتراط في الاحرام أو في الباب الذى بعده أنسب، و قال في المدارك: استشكل العلامة في المنتهى بان الحج الفائت ان كان واجبا لم يسقط فرضه في العام المقبل بمجرد الاشتراط، وان لم يكن واجبا لم يجب بترك الاشتراط، قال: والوجه في هذه الرواية حمل الزام الحج في القابل مع ترك الاشتراط على شدة الاستحباب وهو حسن وقوله: " ويحلق رأسه " أى يأتى بعمرة مفردة، وقوله " ويذبح شاته " الظاهر أن المراد بهادم الاضحية.

٣٨٥

باب الوقت الذى متى أدركه الانسان كان مدركا للحج

٢٧٧٣ - روى ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " من أدرك المشعر الحرام على خمسة من الناس فقد أدرك الحج "(١) .

٢٧٧٤ - وروى ابن أبي عمير، عن جميل بن دارج عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " من أدرك الموقف بجمع يوم النحر من قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج "(٢) .

٢٧٧٥ - وروى عبدالله بن المغيرة، عن إسحق بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " من أدرك المشعر الحرام(٣) قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج ".

ورواه إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام(٤) .

٢٧٧٦ - وروى معاوية بن عمار قال: قال لي أبو عبدالله عليه السلام: " إذا ادرك الزوال(٥) فقد أدرك الموقف ".

___________________________________

(١) الظاهر أنه كناية عن ادراك آخر وقت الوقوف بالمشعر حيث هب الناس، ويدل على ادراك الحج باضطرارى المشعر.

وفى بعض النسخ " وعليه خمسة من الناس ".

(٢) يعنى أنه لا يفوت حجة من حيث فوت الوقوف بالمشعر حيث أدرك وقوفه الاضطرارى وهو بعد طلوع الشمس إلى الزوال، لا أنه يكفى عن جميع المناسك.

قال العلامة رحمه الله في القواعد: لو أدرك عرفة اختيارا والمزدلفة اضطرارا أو بالعكس أو أحدهما اختيارا صح حجه، ولو أدرك الاضطراريين فالاقرب الصحة، ولو أدرك أحد الاضطراريين خاصة بطل ويتخلل من فاته الحج بعمرة مفردة ثم يقضيه واجبا مع وجوبه كما فاته والاندبا ويسقط باقى الافعال عنه لكن يستحب له الاقامة بمنى أيام التشريق ثم يعتمر للتخلل.

(٣) رواه الكلينى ج ٤ ص ٤٧٦ بزيادة ههنا وهى " وعليه خمسة من الناس ".

(٤) لعله رواه الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٥٣٠ في الصحيح عن محمد بن أبى عمير عن عبدالله بن المغيرة قال: " جاء‌نا رجل بمنى فقال: انى لم أدرك الناس بالموقفين جميعا فقال عبدالله بن المغيرة: فلا حج لك وسأل اسحاق بن عمار فلم يجبه، فدخل اسحاق على أبى الحسن عليه السلام فسأله عن ذلك فقال: إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج ".

(٥) أى كان قبل الزوال في المشعر.

٣٨٦

باب تقديم طواف الحج وطواف النساء قبل السعى وقبل الخروج إلى منى (١)

٢٧٧٧ - روى إسحاق بن عمار، عن سماعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: " سألته عن رجل طاف طواف الحج وطواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا والمروة، قال: لا يضره يطوف بين الصفا والمروة وقد فرغ من حجة "(٢) .

٢٧٧٨ - وروى بان أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي الحسن عليه السلام " في تعجيل الطواف قبل الخروج إلى منى فقال: هما سواء أخر ذلك أو قدمه(٣) " يعنى المتمتع(٤) .

٢٧٧٩ - وروى ابن بكير، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، وروى جميل عن أبي عبدالله عليه السلام أنهما سألاهما " عن المتمتع يقدم طوافه وسعيه في الحج، فقالا: هما سيان قدمت أو أخرت".

٢٧٨٠ - وروى صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمار قال: " سألت أبا إبراهيم

___________________________________

(١) دأب المصنف غير دأب الاصحاب في ذكر المناسك أولا ثم بيان أحكامها بل ذكر أولا أحكامها ثم ساق المناسك لاشتمالها على الادعية والاداب الكثيرة. (م ت)

(٢) حمل على الناسى وفى الجاهل خلاف ويمكن الاستدلال بهذا الخبر على عدم وجوب الاعادة عليه أيضا (المرآة) وقال المولى المجلسى رحمه الله: يدل على عدم الاعتداد بطواف النساء إذا وقع قبل السعى، ويؤيده ما رواه الكلينى ج ٤ ص ٥١٢ عن أحمد بن محمد عمن ذكره قال: قلت لابى الحسن عليه السلام: " جعلت فداك متمتع زار البيت فطاف طواف النساء ثم سعى؟ فقال: لا يكون السعى الا قبل طواف النساء، فقلت: عليه شئ؟ فقال: لا يكون السعى الا قبل طواف النساء ".

(٣) قد حمل على ذوى الاعذار

(٤) الظاهر أنه من كلام حفص ويحتمل كونه من المصنف، والاول أظهر.

٣٨٧

عليه السلام عن المتمتع إذا كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض يعجل الطواف للحج قبل أن يأتي منى؟ قال: نعم من هو هكذا يعجل.

قال: وسألته عن رجل يحرم بالحج من مكة ثم يرى البيت خاليا فيطوف به قبل أن يخرج، عليه شئ؟ فقال: لا "(١) .

باب تأخير الزيارة  (٢)

٢٧٨١ - روي عن إسحاق بن عمار قال: " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن زيارة البيت تؤخر إلى يوم الثالث(٣) ؟ فقال: تعجيلها أحب إلي وليس به بأس إن أخرته(٤) ".

٢٧٨٢ - وفي رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " لا بأس بأن تؤخر زيارة البيت إلى يوم النفر "(٥) .

٢٧٨٣ - وروى عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سألته

___________________________________

(١) المشهور أنه يجوز للمفرد والقارن تقديم الطواف على الوقوف بعرفة اختيارا ويجوز للمتمتع اضطرارا كخوف الحيض والنفاس للاخبار: اذ الروايات المذكورة مطلقة الا رواية اسحاق بن عمار فانها تشعر بجواز ذلك للمضطر، ويمكن حمل ما في الروايات عليها أيضا (سلطان) أقول: روى الكلينى ج ٤ ص ٤٥٧ خبر اسحاق وفيه زيادة " قلت: المفرد بالحج إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة يعجل طواف النساء؟ فقال: لا انما طواف النساء بعد ما يأتى منى " والخبر يدل على جواز التقديم بل على وجوبه مع العذر وظاهر التتمة الاطلاق.

(٢) يسمى طواف الزيادة زيادة لان الحاج يأتى من منى فييزور البيت ولا يقيم بمكة بل يرجع إلى منى.

والاولى أن يطوف بالبيت يوم النحر بعد الاتيان بمناسك منى ولو لم يتيسر فالحادى عشر، ولا ينبغى تأخيره عنه وقيل بالحرمة كما في روضة المتيقن.

(٣) أى ثالث النحر وهو الثانى عشر.

(٤) يدل على جواز التأخير واستحباب التعجيل. (م ت)

(٥) رواه الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٥١٨ بزيادة وهى " انما يستحب تعجيل ذلك مخافة

٣٨٨

عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، فقال: لا بأس أنا ربما أخرته حتى تذهب أيام التشريق ولكن لا يقرب النساء والطيب "(١) .

٢٧٨٤ - وروى هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سألته عمن نسي زيارة البيت حتى يرجع إلى أهله، فقال: لا يضره إذا كان قد قضى مناسكه "(٢) .

٢٧٨٥ - وروى هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " لا بأس إن أخرت زيارة البيت إلى أن تذهب أيام التشريق إلا أنك لا تقرب النساء ولا الطيب ".

باب حكم من نسى طواف النساء

٦ ٢٧٨ - روى معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: " رجل نسي طواف النساء حتى رجع إلى أهله، قال: يأمر أن يقضى عنه إن لم يحج فإنه لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت "(٣) .

___________________________________

(١) قال الشيخ بعد نقله في الاستبصار ج ٢ ص ٢٩١: فالوجه في هذه الاخبار أن نحملها على غير المتمتع فانه موسع له تأخير ذلك عن النحر وغده، يدل على ذلك ما رواه الحسين ابن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن فضالة، عن معاوية بن عمار عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر أو من الغد ولا يؤخر، والمفرد والقارن ليسا سواء موسع عليهما " على أنه يكره للمتمتع تأخير ذلك أكثر من يومين وان لم يكن ذلك مفسدا للحج يدل على ذلك ما رواه الكلينى في الحسن كالصحيح عن معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام " في زيارة البيت يوم النحر قال: زره فان شغلت فلا يضرك أن تزور البيت من الغد ولا توخر أن تزور من يومك فانه يكره للمتمتع أن يؤخره وموسع للمفرد أن يؤخره ".

(٢) يدل على اغتفار النسيان في ترك الطواف.

ولعل المراد أنه لا يفسد حجه فيعود اليه وجوبا مع المكنة ومع التعذر يستنيب كما في شرح اللمعة، وقد حمل على طواف الوداع

(٣) مروى في الكافى ج ٤ ص ٥١٣ بتقديم وتأخير وزيادة فيه هكذا " قال لا تحل له النساء حتى يزور البيت وقال: يأمر أن يقضى عنه ان لم يحج فان توفى قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره ".

٣٨٩

٢٧٨٧ - وروى ابن أبي عمير، عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز قال: " كنت عند أبي عبدالله عليه السلام بمكة فدخل عليه رجل فقال: أصلحك الله إن معنا امرأة حائضا ولم تطف طواف النساء ويأبي الجمال أن يقيم عليها، قال: فاطرق وهو يقول: لا تستطيع ان تتخلف عن اصحابها ولا يقيم عليها جمالها، ثم رفع رأسه إليه فقال: تمضى.

فقد تم حجها "(١) .

٢٧٨٨ - وروى ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام " في رجل كان عليه طواف النساء وحده فطاف منه خمسة أشواط بالبيت ثم غمزه بطنه فخاف أن يبدره، فخرج إلى منزله فنفض(٢) ثم غشي جاريته؟ قال: يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت تمام ما بقي عليه من طوافه ويستغفر ربه ولا يعود "(٣) .

__________________________________

(١) لعله محمول على الاستنابة للعذر كما هو المقطوع به في كلام الاصحاب (المرآة) و قال سلطان العلماء: لعله محمول على عدم استطاعتها الاستنابة وعدم قدرتها على العود، ويمكن أن يكون المراد عدم فساد حجها وان لزم عليها قضاء الطواف.

(٢) في بعض النسخ " فشخص " أى خرج من مكة، وفى بعضها " فنقض " أى وضوء‌ه، وفى بعضها " فشقص " وفى الكافى مثل ما في المتن وقال الفيض رحمه الله " فنفض " بالفاء والضاد المعجمة كناية عن قضاء الحاجة انتهى.

ولعل النفض كناية عن التغوط كانه ينفض عن نفسه النجاسة أو عن الاستنجاء.

في النهاية " ابغنى أحجارا أستنفض بها " أى أستنجى بها وهو من نفض الثوب لان المستنجى ينفض عن نفسه الاذى بالحجر أى يزيله ويدفعه.

(٣) زاد في الكافى ج ٤ ص ٣٧٩ " وان كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشى فقد أفسد حجه وعليه بدنة ويغتسل ثم يعود فيطوف أسبوعا " وقال في المدارك بعد ايراد تلك الرواية: هى صريحة في انتفاء الكفارة بالوقاع بعد الخمسة بل مقتضى مفهوم الشرط في قوله " وان كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط " الانتفاء إذا وقع ذلك بعد تجاوز الثلاثة، وما ذكره في المنتهى من أن هذا المفهوم معارض بمفهوم الخمسة غير جيد اذ ليس هناك مفهوم وانما وقع السؤال عن تلك المادة والاقتصار في الجواب على بيان حكم المسئول عنه لا يقتضى نفى الحكم عما عداه، والقول بالاكتفاء في ذلك بمجاوزه النصف للشيخ في النهاية ونقل عن ابن ادريس انه اعتبر مجاوزة النصف في صحة الطواف والبناء عليه لاسقوط الكفارة، وما ذكره ابن ادريس من ثبوت الكفارة قبل اكمال السبع لا يخلو من قوة وان كان اعتبار الخمسة لا يخلو من رجحان.

٣٩٠

٢٧٨٩ - وروى ابن محبوب، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام " في رجل نسي طواف النساء، قال: إذا زاد على النصف وخرج ناسيا أمر من يطوف عنه، وله أن يقرب النساء إذا زاد على النصف"(١) .

وروي فيمن ترك طواف النساء انه إن كان طاف الوداع فهو طواف النساء(٢) .

باب انقضاء مشى الماشي

٢٧٩٠ - روي الحسين بن سعيد، عن إسماعيل بن همام المكي، عن أبي الحسن الرضا عن أبيه عليهما السلام قال: قال أبوعبدالله عليه السلام " في الذي عليه المشي إذا رمى الجمرة زار البيت راكبا"(٣) .

__________________________________

(١) أى لا يفسد حجه بالمواقعة لما تقدم.

(٢) روى الكلينى ج ٤ ص ٥١٣ في الموثق كالصحيح وكذا الشيخ في التهذيب عن اسحاق ابن عمار عن أبى عبدالله عليه السلام.

قال: " لو لا ما من الله عزوجل على الناس من طواف النساء لرجع الرجل إلى أهله وليس له أهله " ومعناه ظاهر والاظهر طواف الوداع بدل طواف النساء كما في التهذيب ويظهر من كلام المصنف هنا.

وحمل على من نسى طواف النساء وطاف طواف الوداع، وقال الفيض رحمه الله: يعنى أن العامة وان لم يوجبوا طواف النساء ولا يأتون به الا أن طوافهم للوداع ينوب مناب طواف النساء وبه تحل لهم النساء، وهذا مما من الله تعالى به عليهم، أو المراد من نسى طواف النساء وطاف طواف الوداع فهو قائم له مقامه بفضل الله ومنه في حل النساء وان لزمه التدارك انتهى، وقال الاستاذ: الالتزام به بالنسبة إلى العارفى المعتقد وجوب هذا الطواف مشكل، وقال في كشف اللثام " يمكن اختصاصه بالعامة الذين لا يعرفون وجوب طواف النساء والمنة على المؤمنين بالنسبة إلى نسائهم الغير العارف منهن " أقول: وهكذا بالنسبة إلى طهارة مولد من يستبصر منهم وقد كان متولدا من أب لم يطف طواف النساء.

(٣) زاد في الكافى ج ٤ ص ٤٥٧ " وليس عليه شئ ". وقوله " زار البيت راكبا " هذا يحتمل أمرين أحدهما أراد زيارة البيت لطواف الحج لانه المعروف بطواف الزيارة وهذا يخالف القولين معا (أن آخر منتهى أفعاله الواجبة وهى رمى الجمار، والآخر هو المشهور أن آخره طواف النساء) فليزم اطراحها، والثانى أن يحمل رمى الجمار على الجميع، ويحتمل زيارة البيت على معناه اللغوى أو على طواف الوداع ونحوها وهذا هو الاظهر.

كذا ذكره سلطان العلماء رحمه الله في حواشى شرح اللمعة.

وقال المولى المجلسى رحمه الله ظاهره جمرة العقبة كما رواه على بن أبى حمزة (في الكافى ج ٤ ص ٤٥٦) عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " سألته متى ينقطع مشى الماشى؟ قال: إذا رمى جمرة العقبة وحلق رأسه فقد انقطع مشيه فليزر راكبا " ويمكن أن يكون الوجه خروجه من الاحرام وكان الركوب مرجوحا فتحلل منه أيضا.

٣٩١

٢٧٩١ - وروي " أن من نذر أن يمشي إلى بيت الله حافيا مشى، فإذا تعب ركب "(١) .

٢٧٩٢ - وروي " أنه يمشي من خلف المقام "(٢) .

باب حكم من قطع عليه الطواف بصلاة أو غيرها

٢٧٩٣ - روى يونس بن يعقوب قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " رأيت في ثوبي شيئا من دم وأنا أطوف، قال: فاعرف الموضع ثم اخرج فاغسله، ثم عد فابن

___________________________________

(١) رواه الكلينى في الحسن كالصحيح ج ٤ ص ٤٥٨ عن أبى عبدالله عليه السلام، وظاهره عدم انعقاد النذر في الحفاء لعدم رجحانه، بل يجب عليه المشى على أى وجه كان لرجحانه، ويحتمل على بعد أن يكون المراد فليمش حافيا والاول موافق لما فهمه الاصحاب وقال في الدروس: لا ينعقد نذر الحفاء في المشى (المرآة) وقال المولى المجلسى: يدل على مرجوحية الحفاء وعلى تعلق النذر بالمطلق إذا كان القيد مرجوحا.

(٢) قال الفيض رحمه الله لعل المراد بالمشى من خلف المقام مشيه من خلف مقام ابراهيم نحو البيت والاجتزاء به فانه أقل ما يفى به نذره ولهذا اقتصر عليه.

وقال المولى المجلسى رحمه الله: يمكن أن يكون المراد به أنه إذا تعلق النذر بالحج فلا يجب عليه المشى في العمرة بل يمشى بعدما أحرم بالحج من مقام ابراهيم عليه السلام إلى أن يرمى الجمرة وأن يكون المراد به أنه مالم يأت إلى المسجد الحرام للطواف فهو في الاحرام وهو مقدمة الحج فاذا وصل إلى الطواف فيطوف ماشيا ويصلى ثم يشرع في المشى إلى انقضائه، هذا إذا لم يكن مراده في النذر مشى الطريق كما هو المتعارف أن من ينذر الحج ماشيا يقصد به الطريق بل لا يخطر بباله أصل العمرة والحج.

٣٩٢

على طوافك "(١) .

٢٧٩٤ - وروى ابن المغيرة، عن عبدالله بن سنان قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل كان في طواف النساء(٢) فاقيمت الصلاة، قال: يصلي معهم الفريضة(٣) فإذا فرغ بنى من حيث بلغ "(٤) .

٢٧٩٥ - وفي نوادر ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام أنه

___________________________________

(١) يدل على وجوب طهارة الثوب أو استحبابها في الطواف وعدم الاعادة في صورة الجهل أو النسيان وفى هامش الوافى: " يمكن أن يستأنس به لاشتراط الطهارة من الخبث واختلفوا فيه وذهب ابن الجنيد وابن حمزة إلى كراهيه الطواف في الثوب النجس سواء كانت النجاسة معفوا عنها أم لا قاله الفاضل التونى في حاشية الروضة " وفى التهذيب باسناده عن يونس بن يعقوب قال " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف، قال: ينظر الموضع الذى رأى فيه الدم فيعرفه ثم يخرج فيغسله، ثم يعود فيتم طوافه " و عن البزنطى، عن بعض أصحابه عن أبى عبدالله عليه السلام قال: قلت له: " رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه، فقال: أجزأه الطواف فيه ثم ينزعه ويصلى في ثوب طاهر " وقوله " فابن على طوافك " سواء تجاوز عن النصف أو لا، ويمكن تخصيصه بالاول.

(٢) في الكافى ج ٤ ص ٤١٥، في طواف الفريضة " لكن مروى في التهذيب عن محمد بن يعقوب كما في المتن.

(٣) يعنى مع العامة تقية ولا يدل على الجواز أو الرجحان بدونها وظاهره الوجوب (م ت) وصرح المحقق في النافع بجواز القطع لصلاة الفريضة والبناء وان لم يبلغ النصف وربما ظهر من كلام العلامة في المنتهى دعوى الاجماع على ذلك فما ذكره الشهيد من نسبة هذا القول إلى الندرة عجيب.(المدارك).

(٤) كذا في جميع النسخ التى عندنا " والصواب " من حيث قطع " كما في الكافى والتهذيب ج ١ ص ٤٨١ وهامش نسخة مما عندى من نسخ الفقيه.

٣٩٣

قال: " في الرجل يطوف فتعرض له الحاجة، قال: لا بأس بأن يذهب في حاجته أو حاجة غيره ويقطع الطواف، وإذا أراد أن يستريح في طوافه(١) ويقعد فلا بأس به فإذا رجع بنى على طوافه وإن كان أقل من النصف "(٢) .

٢٧٩٦ - وروي عن عبدالرحمن بن الحجاج قال: " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يكون في الطواف قد طاف بعضه وبقي عليه بعضه(٣) فيخرج من الطواف إلى الحجر أو إلى بعض المسجد إذا كان لم يوتر فيوتر فيرجع فيتم طوافه أفترى ذلك أفضل أم يتم الطواف ثم يوتر وإن أسفر بعض الاسفار؟ فقال: ابدأ بالوتر واقطع الطواف إذا خفت ثم ائت الطواف "(٤) .

٢٧٩٧ - وروى ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري عن أبي عبدالله عليه السلام " فيمن كان يطوف بالبيت فيعرض له دخول الكعبة فدخلها، قال: يستقبل طوافه "(٥) .

___________________________________

(١) قوله " في طوافه " كذا، وليس في التهذيبين ولا في روضة المتقين.

(٢) قوله " فاذا رجع بنى على طوافه " مبنى على كون طوافه طواف نافلة لورود أخبار بأن من قطع طواف الفريضة ان كان تجاوز النصف فليبن وان لم يتجاوز فليستأنف، منها حسنة أبان بن تغلب عن أبى عبدالله عليه السلام " في رجل طاف شوطا أو شوطين ثم خرج مع رجل في حاجة، فقال: ان كان طواف نافلة بنى عليه وان كان طواف فريضة لم يبن عليه " واطلاق بعض الاخبار يقتضى جواز القطع في طواف الفريضة والبناء مطلقا ان كان لحاجة ولعل الاستيناف في طواف الفريضة أحوط وأحوط منه الاتمام ثم الاستيناف ان لم يتجاوز النصف.

(٣) زاد في الكافى ج ٤ ص ٤١٥ ههنا " فيطلع الفجر " ولعل المراد به الفجر الاول.

(٤) في الكافى والتهذيب " ثم أتم الطواف " ولعل السهو من النساخ، فيدل على جواز القطع للوتر إذا خاف فوت الوقت بالاسفار والتنوير، وعلى البناء على الطواف وان لم يتجاوز النصف. (م ت)

(٥) يدل على اعادة الطواف لو قطعه لدخول البيت سواء كان قبل مجاوزة النصف أو بعده ويؤيده ما في الكافى ج ٤ ص ٤١٤ في الموثق كالصحيح عن عمران الحلبى قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط من الفريضة ثم وجد خلوة من البيت فدخله كيف يصنع؟ فقال: يقضى طوافه وقد خالف السنة فليعد طوافه " والسؤال وان كان قبل مجاوزة النصف لكن الاعتبار بعموم الجواب، والتقييد بمخالفة السنة أى لم يقطعه رسول الله صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام لدخول البيت، ويمكن أن يكون المراد بمخالفة السنة القطع قبل مجاوزة النصف وهكذا فهمه أكثر الاصحاب وحملوا الاطلاق عليه، لكن الاول أظهر وان كان الاحوط البناء بعد المجاوزة والاعادة خروجا من الخلاف وعملا بالاخبار مهما أمكن (م ت)

٣٩٤

٢٧٩٨ - وروى حماد بن عثمان، عن حبيب بن مظاهر(١) قال: " ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا واحدا، فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه فخرجت فغسلته، ثم جثت فابتدأت الطواف فذكرت ذلك لابي عبدالله عليه السلام فقال: بئسما صنعت كان ينبغي لك أن تبني على ما طفت، ثم قال: إما أنه ليس عليك شئ "(٢) .

٢٧٩٩ - وروي عن صفوان الجمال قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " الرجل يأتي أخاه وهو في الطواف، فقال: يخرج معه في حاجته ثم يرجع ويبني على على طوافه "(٣) .

باب السهو في الطواف

٢٨٠٠ - روى صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمار قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " رجل طاف بالكعبة ثم خرج فطاف بين الصفا والمروة فبينا هو يطوف إذ ذكر أنه قد ترك بعض طوافه بالبيت، قال: يرجع إلى البيت ويتم طوافه ثم يرجع إلى الصفا والمروة فيتم ما بقي "(٤) .

___________________________________

(١) مجهول لكن لا يضر لاجماع العصابة على صحة ما صح عن حماد.

وتوهم أن المراد بأبى عبدالله، الحسين بن على عليهما السلام وبحبيب حبيب بن مظاهر المشهور في غاية البعد.

(٢) يدل على البناء لازالة النجاسة ولو كان قبل المجاوزة وعلى معذورية الجاهل فانه لو لم يكن معذورا لكان الواجب عليه الاعادة لزيادة الشوط عمدا كما سيجيئ. (م ت)

(٣) حمل على النافلة لما في الكافى ج ٤ ص ٤١٣ في الحسن كالصحيح عن أبان بن تغلب وقد تقدم ص ٣٩٤.

(٤) يدل على البناء في الطواف والسعى وان لم يتجاوز النصف وهو أحد القولين في المسألة ذهب اليه الشيخ في التهذيب والمحقق في النافع والعلامة في جملة من كتبه.

والقول الاخر وهو الاشهر بين المتأخرين أنه ان تجاوز النصف في الطواف والسعى يبنى عليهما والا يستأنفهما، ثم ان ظاهر الخبر أنه لا يعيد ركعتى الطواف مع البناء وكلام الاكثر في ذلك مجمل.(المرآة)

٣٩٥

٢٨٠١ - وروي عن أبي أيوب قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط طواف الفريضة قال: فليضم إليها ستا ثم يصلى أربع ركعات "(١) .

وفي خبر آخر(٢) إن الفريضة هي الطواف الثاني والركعتان الاوليان لطواف الفريضة، والركعتان الاخريان والطواف الاول تطوع(٣) .

٢٨٠٢ - وفي رواية القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سئل وأنا حاضر عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط، فقال: نافلة أو فريضة؟ فقال: فريضة، قال: يضيف إليها ستة فإذا فرغ صلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ثم يخرج إلى الصفا والمروة ويطوف بهما، فإذا فرغ صلى ركعتين اخراوين فكان طواف نافلة وطواف فريضة ".

٢٨٠٣ - وروي عن الحسن بن عطية(٤) قال: " سأله سليمان بن خالد وأنا

___________________________________

(١) " فليضم اليها ستا " ليصير طوافين ويكون الاول فريضة والثانى نافلة، " ثم يصلى أربع ركعات " أى بعد الطواف أو ركعتين للفريضة بعده وركعتين للنافلة بعد السعى، وحمل على الزيادة ناسيا. (م ت)

(٢) يعنى يستفاد من خبر آخر.

(٣) قال صاحب المدارك: لم نقف على هذه الرواية مسندة ولعله أشار بها إلى رواية زرارة.

وهى ما رواه الشيخ في الاستبصار ج ٢ ص ٢١٩ في الصحيح عن أبى جعفر عليه السلام أو أبى عبدالله عليه السلام (كما في التهذيب) قال: " ان عليا عليه السلام طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة وبنى على واحد وأضاف اليها ستا، ثم صلى ركعتين خلف المقام ثم خرج إلى الصفا والمروة فلما فرغ من السعى بينهما رجع فصلى ركعتين اللتين تركه في المقام الاول ".

ثم قال السيد (ره): مقتضى هذه الرواية وقوع السهو من الامام عليه السلام وقد قطع ابن بابوية بامكانه.

وفيه دلالة على ايقاع صلاة الفريضة قبل السعى وصلاة النافلة بعده.

(٤) الحسن بن عطية الحناط كوفى مولى ثقة روى عن أبى عبدالله عليه السلام.

ولم يذكر المصنف طريقه اليه لكن رواه الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٤٨٧ في الصحيح والكلينى في الكافى ج ٤ ص ٤١٨ في الحسن كالصحيح.

٣٩٦

معه عن رجل طاف بالبيت ستة أشواط فقال أبوعبدالله عليه السلام: وكيف يطوف ستة أشواط؟ فقال: استقبل الحجر، فقال: الله أكبر وعقد واحدا(١) فقال: يطوف شوطا، قال سليمان: فإن فاته ذلك حتى أتى أهله؟ قال: يأمر من يطوف عنه "(٢) .

٢٨٠٤ - وروى عنه رفاعة أنه قال " في رجل لا يدري ستة طاف أو سبعة، قال: يبني على يقينه"(٣) .

٢٨٠٥ - وسئل(٤) " عن رجل لا يدري ثلاثة طاف أو أربعة، قال: طواف نافلة أو فريضة؟ قال: أجبني فيهما جميعا قال: إن كان طواف نافلة فابن على ما شئت، وإن كان طواف فريضة فأعد الطواف ".

فان طفت بالبيت طواف الفريضة ولم تدر ستة طفت أو سبعة فأعد طوافك، فإن خرجت وفاتك ذلك فليس عليك شئ(٥)

___________________________________

(١) أى كان منشأ غلطه أنه حين ابتدأ الشوط عقد واحدا، فلما كملت الستة عقد السبعة فظن أنه قد أكمل السبعة.

(٢) يدل على أنه إذا ترك الشوط الواحد ناسيا ورجع إلى أهله لا يلزمه الرجوع ويأمر من يطوف عنه، وعدى المحقق وجماعة هذا الحكم إلى كل من جاز النصف وقال في المدارك: هذا هو المشهور ولم أقف على رواية تدل عليه، والمعتمد البناء ان كان المنقوص شوطا واحدا وكان النقص على وجه الجهل والنسيان والاستيناف مطلقا في غيره انتهى، ويظهر من كلام العلامة في التحرير أنه أيضا اقتصر على مورد الرواية ولم يتعد (المرآة) وقال المولى المجلسى: قوله " حتى أتى أهله " أى رجع إلى بلده ولا يمكنه أو يتعسر عليه الذهاب إلى مكة فيستنيب من يطوف عنه هذا الشوط المنسى، والاحوط أن يبلى النائب به محرما.

(٣) أى على الاقل ويحمل على النافلة أو على البطلان والاعادة حتى يحصل له اليقين. (م ت)

(٤) يمكن أن يكون تتمة خبر رفاعة فيكون صحيحا وأن يكون خبرا آخر. (م ت)

(٥) يؤيده في الكافى ج ٤ ص ٤١٦ في الصحيح عن منصور بن حازم قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر ستة أم سبعة، قال: فليعد طوافه، قلت: ففاته؟ قال: ما أرى عليه شيئا والاعادة أحب إلى وأفضل ".

وقال العلامة المجلسى رحمه الله: لا خلاف بين الاصحاب في أنه لا عبرة بالشك بعد الفراغ من الطواف مطلقا، والمشهور أنه لو شك في النقصان في أثناء الطواف يعيد طوافه ان كان فرضا وذهب المفيد وعلى بن بابويه وأبوالصلاح وابن الجنيد وبعض المتأخرين إلى أنه يبنى على الاقل وهو قوى، ولا يبعد حمل أخبار الاستيناف على الاستحباب بقرينة قوله عليه السلام " ما أرى عليه شيئا " بأن يحمل على أنه قد أتى بما شك فيه أو على أن حكم الشك غير حكم ترك الطواف رأسا، وربما يحمل على أنه لا يجب عليه العود بنفسه بل يبعث نائبا وعوده بنفسه أفضل، ولا يخفى بعده.

وقال المحقق الاردبيلى قدس سره: لو كانت الاعادة واجبة لكان عليه شئ ولم يسقط بمجرد الخروج وفوته فالحمل على الاستحباب حمل جيد.

٣٩٧

باب ما يجب على من اختصر شوطا في الحجر (١)

٢٨٠٦ - روى ابن مسكان، عن الحلبي قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر كيف يصنع؟ قال، يعيد الطواف الواحد "(٢) .

٢٨٠٧ - وفي رواية معاوية بن عمار عنه عليه السلام أنه قال: " من اختصر في الحجر

___________________________________

(١) المراد به أنه يجب أن يكون الطواف حول البيت والحجر، لا بمعنى أن الحجر داخل في البيت لما تقدم في الاخبار الصحيحة أنه ليس من البيت ولا قلامة ظفر منه بل لانه كما يجب على الطائف الطواف بالبيت كذلك يجب أن يطوف على حجر اسماعيل تعبدا أو تأسيا بالنبى صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام، فلو دخل في الحجر وخرج منه وطاف على الكعبة فقط كان ذلك الشوط باطلا ويجب الاتيان بشوط آخر من الركن الذى فيه الحجر الاسود كما ابتدء أولا ويختم به. (م ت)

(٢) مروى في التهذيب ج ١ ص ٤٧٧ وفيه " يعيد ذلك الشوط "، قال في المدارك: هل يجب على من اختصر شوطا في الحجر اعادة ذلك الشوط وحده أو اعادة الطواف من رأس، الاصح الاول لصحيحة الحلبى حيث قال: " يعيد ذلك الشوط " ونحوه روى الحسن بن عطية (في المصدر) ولا يكفى اتمام الشوط من موضع سلوك الحجر بل يجب البداء‌ة من الحجر الاسود لانه الظاهر من الشوط، ولقوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمار " فليعد طوافه من الحجر الاسود "، ولا ينافى ما ذكرنا من الاكتفاء باعادة الشوط خاصة رواية ابراهيم بن سفيان الاتية لانه غير صريح في توجه الامر إلى اعادة الطواف من أصله فيحتمل تعلقه باعادة ذلك الشوط.

٣٩٨

الطواف فليعد طوافه من الحجر الاسود "(١) .

٢٨٠٨ - وروى الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن سفيان قال: " كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام امرأة طافت طواف الحج فلما كانت في الشوط السابع اختصرت فطافت في الحجر وصلت ركعتي الفريضة وسعت وطافت طواف النساء ثم أتت منى؟ فكتب عليه السلام: تعيد "(٢) .

باب ما جاء في الطواف خلف المقام  (٣)

٢٨٠٩ - روى أبان، عن محمد بن علي الحلبي قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الطواف خلف المقام، قال: ما أحب ذلك وما أرى به بأسا، فلا تفعله إلا أن لا تجد منه بدا "(٤) .

باب ما يجب على من طاف أو قضى شيئا من المناسك على غير وضوء

٢٨١٠ - روي عن معاوية بن عمار قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: " لا بأس بأن

___________________________________

(١) ظاهره الاكتفاء باعادة الشوط، ويدل على أنه لا يكفى اتمام الشوط من حيث سلوك الحجر بل لا بد من الرجوع إلى الحجر واستيناف الشوط كما ذكره الاصحاب. (المرآة)

(٢) يحتمل تعلقه باعادة الطواف من أصله أو باعادة ذلك الشوط كما مر.

(٣) المشهور بين الاصحاب أنه لا بد أن يكون الطواف بين البيت والمقام ويكون من المسافة من الجوانب الثلاثة الاخر أيضا بمقدار تلك المسافة، والمسافة جانب الحجر من الحجر لا من الكعبة فلو بعد عن تلك المسافة ولو بخطوة كان باطلا. (م ت)

(٤) " ما أرى به بأسا " أى في الضرورة أو مطلقا " الا أن لا تجد منه بدا " ظاهره كراهة الخروج عن الحد وحمل على الحرمة، أو في النافلة والاحتياط ظاهر. (م ت)

٣٩٩

تقضي المناسك كلها على غير وضؤ إلا الطواف بالبيت، والوضوء أفضل "(١) .

٢٨١١ - وروى العلاء، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: " سألته عن رجل طاف الفريضة وهو على غير طهر، قال: يتوضأ ويعيد طوافه: فان كان تطوعا توضأ(٢) وصلى ركعتين".

٢٨١٢ - وفي رواية عبيد بن زرارة عنه عليه السلام أنه قال: لا بأس بأن يطوف الرجل النافلة على غير وضوء ثم يتوضأ ويصلي، وإن طاف متعمدأ على غير وضوء فليتوضأ وليصل "(٣) ومن طاف تطوعا وصلى ركعتين على غير وضوء فليعد الركعتين ولا يعد الطواف.

٢٨١٣ - وروى صفوان، عن يحيى الازرق قال: قلت لابي الحسن عليه السلام: " رجل سعى بين الصفا والمروة فسعى ثلاثة أشواط أو أربعة ثم بال ثم أتم سعيه بغير وضوء، فقال: لا بأس ولو أتم مناسكه بوضوء كان أحب إلي"(٤) .

___________________________________

(١) أجمع الاصحاب على اشتراط الطهارة في الطواف الواجب، واختلفوا في المندوب والمشهور عدمه والاستحباب كما في سائر المناسك، وقوله: " والوضوء أفضل " أى في غير الطواف بقرينة استثناء الطواف (م ت) ونقل عن أبى الصلاح الاشتراط لاطلاق بعض الروايات.

(٢) يدل كالسابق على اشتراط الطهارة في الواجب دون المندوب وعلى اشتراطها للصلاة المندوبة. (م ت)

(٣) لعل هذا لرفع توهم أن الكلام السابق مخصوص بالسهو (سلطان) والخبر في التهذيب ج ١ ص ٤٨٠ إلى هنا.

والباقى يمكن أن يكون من تتمة الخبر أو من كلام المصنف أخذه من صحيحة حريز عن أبى عبدالله عليه السلام " في رجل طاف تطوعا وصلى ركعتين وهو على غير وضوء، فقال: يعيد الركعتين ولا يعيد الطواف " راجع التهذيب ج ١ ص ٤٨٠.

(٤) نقل عن ابن أبى عقيل القول بوجوب الطهارة للسعى والمشهور الاستحباب.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576