الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 576

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 576 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 264183 / تحميل: 11781
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

الصغيرة (الحصى).

«قاصف» بمعنى المحطّم ، وهي هنا تشير إلى العاصفة الشديدة التي تقلع كل شيء من مكانه.

«تبيع» بمعنى تابع ، وهي تشير هنا إلى الشخص الذي ينهض للمطالبة بالدم ، وثمن الدم والثأر ويستمر في ذلك.

* * *

٦١

الآيات

( وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (٧٠) يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧١) وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٧٢) )

التّفسير

الإنسان سيّد الموجودات :

إنّ واحدة من أبرز طرق الهداية والتربية ، هي التنويه بشخصية الإنسان ومكانته ومواهبه ، لذا فإنّ القرآن الكريم وبعد بحوثه عن المشركين والمنحرفين في الآيات السابقة ، يقوم هنا بتبيان الشخصية الممتازة للإنسان والمواهب التي منحها إيّاها ربّ العالمين ، لكي لا يلوّث الإنسان جوهره الثمين ، ولا يبيع نفسه بثمن بخس ، حيث يقول تعالى( وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ ) .

ثمّ تشير الآيات القرآنية إلى ثلاثة أقسام من المواهب الإلهية التي حباها الله لبني البشر، هذه المواهب هي أوّلا :( وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) .

٦٢

ثمّ قوله تعالى :( وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ) ومع الالتفات إلى سعة مفهوم (الطيب) الذي يشمل كل موجود طيب وطاهر تتّضح عظمة وشمولية هذه النعمة الإلهية الكبيرة.

أمّا القسم الثّالث من المواهب فينص عليه قوله تعالى :( وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً ) .

* * *

بحوث

أوّلا : وسيلة النقل أوّل نعمة للإنسان

الملاحظة التي تلفت النظر هنا ، هي : لماذا اختار الله قضية الحركة على اليابسة وفي البحار ، وأشار إليها أوّلا من بين جميع المواهب الأخرى التي وهبها للإنسان؟

قد يكون ذلك بسبب أنّ الاستفادة من الطيبات وأنواع الأرزاق لا يحدث بدون الحركة ، حيث أنّ حركة الإنسان على سطح الكرة الأرضية تحتاج إلى وسيلة نقل ، إذ أنّ الحركة هي مقدمة لأي بركة.

أو أنّ السبب قد يكون لإظهار سلطة الإنسان على الكرة الأرضية الواسعة بما في ذلك البحار والصحاري. إذ أنّ لكل نوع من أنواع الموجودات سلطة على جزء محدود من الأرض ، أمّا الإنسان فإنّه يحكم الكرة الأرضية ببحارها وصحاريها وهوائها.

ثانيا ، تكريم الإنسان من قبل الخالق

بأي شيء كرّم الله الإنسان؟ الآية تقول بشكل مجمل( وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ ) .

بين المفسّرين كلام كثير عن مصداق هذا التكريم ، فالبعض يعز والسبب لقوّة

٦٣

العقل والمنطق والاستعدادات المختلفة وحرية الإرادة. أمّا البعض الآخر فيعز وذلك إلى الجسم المتزن والجسد العمودي ، والبعض يربط ذلك بالأصابع التي يستطيع الإنسان القيام بواسطتها بمختلف الأعمال الدقيقة ، وأيضا تمنحه القدرة على الكتابة.

والبعض يعتقد أنّ التكريم يعود إلى أنّ الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يأكل طعامه بيده.

وهناك من يقول : إنّ السبب يعود إلى سلطة الإنسان على جميع الكائنات الأرضية.

وهناك من المفسّرين من يعزو التكريم إلى قدرة الإنسان على معرفة الله ، والقدرة أيضا على إطاعة أوامره.

لكن من الواضح أنّ جميع هذه المواهب موجودة في الإنسان ولا يوجد تضاد بينها ، لذا فإنّ تكريم الخالق لهذا المخلوق الكريم يتجلّى من خلال جميع هذه المواهب وغيرها.

خلاصة القول : إنّ الإنسان له امتيازات كثيرة على باقي المخلوقات ، وهذه الامتيازات الواحدة منها أعظم من الأخرى ، فمضافا إلى الامتيازات الجسمية ، فإنّ روح الإنسان لها مجموعة واسعة من الاستعدادات والقدرات الكبيرة التي توهله لطي مسيرة التكامل بشكل غير محدود.

ثالثا : الفرق بين (كرّمنا) و (فضّلنا)

هناك آراء كثيرة حول التفاوت بين (كرّمنا) و (فضّلنا) فالبعض يقول : إنّ (كرّمنا) هي إشارة إلى المواهب التي أعطاها الله ذاتا للإنسان ، بينما (فضّلنا) إشارة إلى الفضائل التي اكتسبها الإنسان بسبب توفيق الله.

هناك احتمال قوي بأنّ (كرّمنا) إشارة إلى الجوانب المادية ، أمّا (فضّلنا) فهي

٦٤

إشارة إلى المواهب المعنوية ، لأنّ كلمة (فضّلنا) غالبا ما تأتي في القرآن بهذا المعنى.

رابعا : ما معنى كلمة (كثير) في الآية؟

بعض المفسّرين يعتبرون الآية الآنفة دليلا على أفضلية الملائكة على بني الإنسان ، فالقرآن يقول بأنّ الإنسان مفضّل على أكثر المخلوقات ، وتبقى مجموعة لا يكون الإنسان أفضل منها ، وهذه المجموعة ليست سوى الملائكة.

ولكن بملاحظة آيات خلق آدم وسجود الملائكة وتعليمهم (الأسماء) من قبل آدم ، لا يبقى شك في أنّ الإنسان أفضل من الملائكة.

لذا فإنّ كلمة (كثير) تعني هنا (جميع). وكما يقول المفسّر الكبير الشّيخ الطبرسي في مجمع البيان ، فإنّ استخدام كلمة (كثير) بمعنى (جميع) يعتبر عاديا وواردا في القرآن الكريم وفي لغة العرب.

وهكذا يكون معنى الجملة حسب تفسير الطبرسي لها هو : «إنّا فضلناهم على من خلقناهم ، وهم كثير».

فالقرآن يقول عن الشياطين في الآية (٢٢٣) من سورة الشعراء :( وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ ) بينما من البديهي أنّ كل الشياطين كاذبين وليس أكثرهم ، وإنّما استخدمت الآية (كثير) بمعنى (الجميع).

على أي حال ، إذا اعتبرنا المعنى خلافا للظاهر ، فإنّ آيات خلق الإنسان ستكون قرينة واضحة لذلك.

خامسا : لماذا كان الإنسان أفضل المخلوقات؟

لا يعد الجواب على هذا السؤال معقدا ، إذ أنّنا نعلم أنّ الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يتكون من قوى مختلفة ، مادية ومعنوية ، جسمية وروحية ، وينمو

٦٥

وسط المتضادات ، وله استعدادات غير محدودة للتكامل والتقدّم.

وهناك حديث معروف للإمام عليعليه‌السلام وهو شاهد على ما نقول ، إذ يقول فيهعليه‌السلام : «إنّ اللهعزوجل ركّب في الملائكة عقلا بلا شهوة ، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل ، وركّب في بني آدم كلتيهما ، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة ، ومن غلبت شهوته عقله فهو شرّ من البهائم»(١) .

وهنا يبقى سؤال واحد : هل أنّ جميع البشر أفضل من الملائكة ، في حين يوجد بين البشر الكفار والمجرمون والظالمون ، وهؤلاء يعتبرون من أسوأ خلق الله بعبارة أخرى : هل أنّ كلمة (بني آدم) في الآية تنطبق على جميع البشر أم على قسم منهم؟

يمكن تلخيص الإجابة على هذا السؤال في جملة واحدة هي : نعم جميع البشر أفضل، ولكن بالقوة والاستعداد ، يعني أنّ الجميع يملك الأرضية ليكون أفضل ، ولكنّهم إذا لم يستفيدوا من هذه الأرضية والقابلية المودعة فيهم ، وسقطوا في الهاوية ، فإنّ ذلك يكون بسببهم ويعود عليهم فقط.

وبالرغم من أنّ أفضلية الإنسان هي في المجالات المعنوية والإنسانية ، ولكن بعض العلماء ذكر أنّ الإنسان قد يكون أقوى من سائر الإحياء حتى من جهة القوّة الجسمية بالرغم من أنّه يعتبر ضعيفا في مناحي أخرى.

«الكسيس كاريل» مؤلف كتاب (الإنسان ذلك المجهول) يقول في كتابه واصفا قدرات الإنسان : «انّ جسم الإنسان من المتانة والإحكام والدّقة بحيث أنّه يقاوم كل أشكال التعب والعقبات التي يتعرض لها الوجود الإنساني من قلّة غذاء ، وسهر وتعب ، وهموم زائدة ، وأشكال المرض والألم والمعاناة ، وهو في ثباته ومقاومته للأشكال الآنفة يبدي استعدادا استثنائيا يبعث على الحيرة والعجب ، حتى أنّنا نستطيع أن نقول : إنّ الوجود الإنساني في تكوينه الروحي

__________________

(١) نور الثقلين ، المجلد الثّالث ، صفحة ١٨٨.

٦٦

والجسدي هو أثبت الموجودات من ذوي الأرواح وأكثرها نشاطا واستعدادا في مضمار الفاعلية الفكرية والجسدية التي يتضمّنها والتي أدّت إلى تشييد المدنية الراهنة بكل مظاهرها»(١) .

الآية التي بعدها تشير إلى موهبة أخرى من المواهب الإلهية التي حباها الله للإنسان ، ورتّبت عليه المسؤوليات الثقيلة بسبب هذه المواهب.

ففي البداية تشير الآية إلى قضية القيادة ودورها في مستقبل البشر فتقول :( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ) يعني أنّ الذين اعتقدوا بقيادة الأنبياء وأوصيائهم ومن ينوب عنهم في كل زمان وعصر ، سوف يكونون مع قادتهم ويحشرون معهم ، أمّا الذين انتخبوا الشيطان وأئمّة الضلال والظالمين والمستكبرين قادة لهم ، فإنّهم سيكونون معهم ويحشرون معهم.

خلاصة القول : إنّ الارتباط بين القيادة والأتباع في هذا العالم سوف ينعكس بشكل كامل في العالم الآخر ، وطبقا لهذا الأمر سيتم تحديد الفرق الناجية ، والأخرى التي تستحق العذاب.

بالرغم من أنّ بعض المفسّرين قد حصر كلمة (إمام) ب (الأنبياء) والبعض الآخر حصرها بمعنى (الكتب السماوية) والبعض الثّالث ب (العلماء) ، إلّا أنّ من الواضع أنّ كلمة (إمام) في هذا المكان لها معنى أوسع ، وتشمل أية قيادة سواء تمثّلت بالأنبياء أو أئمّة الهدى أو العلماء أو الكتاب والسنة. ويدخل في معنى الكلمة أيضا أئمّة الكفر والضلال ، وبهذا الترتيب فإنّ كل إنسان سيسلك في الاخرة مسار القائد الذي انتخبه لنفسه في الدنيا اماما وقائدا.

هذا التعبير والإشارة إلى دور الإمامة وكونها من أسباب تكامل الإنسان ، يعتبر في نفس الوقت تحذيرا لكل البشرية كي تدقق في انتخاب القيادة ، ولا تعطي أزمّة وجودها الفكري والحياتي بيد أي شخص كان.

__________________

(١) الإنسان ذلك المجهول ، الكسيس كارل ، ص ٧٣ ـ ٧٤.

٦٧

ثمّ تقسم الآية الناس يوم القيامة إلى قسمين :( فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) (١) . أمّا القسم الآخر فهو : من كان في الدنيا أعمى القلب :( وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى ) . وطبيعي أن يكون هؤلاء العميان القلب أضل من جميع المخلوقات( وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) فهؤلاء لا يوفقون في هذه الدنيا لسلوك طريق الهداية ، ولا هم في الآخرة من أصحاب الجنّة والسعادة ، لأنّهم أغمضوا عيونهم عن جميع الحقائق وحرّموا أنفسهم من رؤية الحق وآيات الله وكل ما يؤدي إلى هدايتهم ، ويقود إلى خلاصهم من المواهب العظيمة التي أعطاهم الله إيّاها ، ولأنّ الآخرة هي صورة منعكسة لوجود الإنسان في هذه الدنيا ، إذن ليس ثمّة من عجب في أن يحشر هؤلاء العميان بنفس الصورة في يوم الحشر والقيامة.

* * *

بحوث

١ ـ دور القيادة في حياة البشر

الحياة الاجتماعية للبشر في الدنيا لا يمكن أن تنفصل عن القيادة أو أن تستغني عنها، لأنّ تحديد مسير مجموعة معينة يحتاج دائما إلى قيادة ، وعادة لا يمكن سلوك طريق التكامل بدون وجود قيادة ، وهذا هو سر إرسال الأنبياء وانتخاب الأوصياء لهم.

وفي علوم العقائد والكلام ، يستفاد أيضا من (قاعدة اللطف) في إثبات لزوم بعث الأنبياء ولزوم وجود الإمام في كل زمان ، وذلك لأهمية دور القائد في تنظيم المجتمع ، ومنع الانحرافات ، وبنفس المقدار الذي يقوم به القائد الإلهي والعالم

__________________

(١) (فتيل) تعني الخيط الرقيق الموجود في شق نوى التمر ، وفي المقابل فإن (نقير) تعني مؤخرة نوى التمر ، بينما تعني (قطمير) الطبقة الرقيقة التي تغطي نوى التمر. وكل هذه التعابير كناية عن الشيء الصغير جدّا والحقير.

٦٨

والصالح بإيصال الإنسان إلى هدفه النهائي بشكل سهل وسريع ، فإنّ التسليم لقيادة أئمّة الكفر والضلال والانقياد لهم يؤديان بالإنسان إلى الهاوية والشقاء.

وفي تفسير هذه الآية تتضمّن المصادر الإسلامية أحاديث متعدّدة توضح مفهومها وتبيّن الغرض من الإمامة.

ففي حديث تنقله الشيعة والسنة عن الإمام علي بن موسى الرّضاعليه‌السلام بأسناد صحيحة أنّه نقل عن آبائه عن جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حول تفسير هذه الآية قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يدعى كل أناس بإمام زمانهم وكتاب ربّهم وسنة نبيّهم».(١)

ونقرأ عن الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام قوله : «ألا تحمدون الله! إذا كان يوم القيامة فدعي كل قوم إلى من يتولونه ودعينا إلى رسول الله وفزعتم إلينا فإلى أين ترون يذهب بكم؟ إلى الجنّة وربّ الكعبة ـ قالها ثلاثا».(٢)

٢ ـ تكريم بني آدم

(بني آدم) وردت في القرآن الكريم كعنوان للإنسان مقرونة بالمدح والاحترام ، في حين أنّ كلمة (إنسان) ذكرت مع صفات مثل : ظلوم ، جهول ، هلوع ، ضعيف ، طاغي ، وما شابهها من الأوصاف. وهذا يدل على أن بني آدم صفة للإنسان المتربي ، أو على الأقل الذي له استعدادات إيجابية (إن افتخار آدم وتفضيله على الملائكة يؤيد هذا المعنى لبني آدم). في حين أنّ كلمة (إنسان) وردت بشكل مطلق ، وأحيانا تشير إلى الصفات السلبية.

لذا فإنّ الآيات التي نبحثها استخدمت كلمة (بني آدم) لأنّ الحديث فيها هو عن الكرامة وأفضلية الإنسان. (هناك بحث مفصل حول معنى الإنسان في القرآن الكريم يمكن مراجعته في تفسيرنا هذا ذيل الآية ١١ من سورة يونس).

__________________

(١) مجمع البيان عند تفسير الآية.

(٢) المصدر السّابق.

٦٩

٣ ـ دور القيادة في الإسلام

في الحديث المعروف عن الإمام محمّد بن علي الباقرعليهما‌السلام ينقل أنّه عند ما كان يتحدث عن الأركان الأساسية في الإسلام ذكر (الولاية) كخامس وأهم ركن ، في حين الصلاة التي توضح العلاقة بين الخالق والخلق ، والصيام الذي هو رمز محاربة الشهوات ، والزكاة التي تحدّد العلاقة بين الخلق والخالق ، والحج الذي يكشف الجانب الاجتماعي في الإسلام ، اعتبرت الأركان الأربعة الأساسية الأخرى. ثمّ يضيف الإمام الباقرعليه‌السلام «ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية» لماذا؟ لأنّ تنفيد الأركان الأخرى لن يتحقق إلّا في ظل هذا الأصل ، أي في ظل الولاية(١) .

ولهذا السبب بالذات روي عن الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله «من مات بغير إمام مات ميتة الجاهلية»(٢) .

التأريخ يشهد أنّ بعض الأمم تكون في الصف الأوّل بين دول العالم وأممه بسبب قيادتها العظيمة والكفوءة ، ولكن نفس الأمّة تنهار وتسقط في الهاوية ، برغم امتلاكها لنفس القوى البشرية والمصادر الأخرى ، إذا كانت قيادتها ضعيفة وغير كفوءة.

ثمّ ألم يكن عرب الجاهلية غارقين في جهلهم وفسادهم وذلتهم وانحطاطهم ، وكانوا نهشة الآكل ، بسبب عدم امتلاكهم لقائد كفوء ، ولكن ما إن ظهرت القيادة الإلهية الرّبانية المتمثلة بالهادي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى سلك نفس القوم طريق العظمة والتكامل بسرعة كبيرة بحيث أدهش العالم ، وهذا يكشف عن دور القائد في ذلك الزمان وهذا الزمان وفي كل زمان.

__________________

(١) قال الباقرعليه‌السلام «بني الإسلام على خمس ، على الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والولاية ، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية» عن أصول الكافي ، ج ٢ ، ص ١٥.

(٢) عن نور الثقلين ، المجلد الثّالث ، صفحة ١٩٤ ، وكذلك مصادر أخرى.

٧٠

طبعا لقد جعل الله للبشرية قائدا لإنقاذ وهداية البشر في كل عصر وزمان ، حيث تقتضي حكمته أن لا تطبّق السعادة إلّا مع وجود ضامن تنفيذي لها. والمهم أن تتعرف المجتمعات على قيادتها وأن لا يقعوا في شباك القادة الضالين والفاسدين ، حيث تكون النجاة من مخالبهم أمرا صعبا للغاية.

وهذه هي فلسفة عقيدة الشيعة بضرورة وجود إمام معصوم في كل زمان ، كما يقول الإمام عليعليه‌السلام : «اللهم بلى لا تخلوا الأرض من قائم لله بحجّة ، إمّا ظاهرا مشهورا وإمّا خائفا مغمورا ، لئلا تبطل حجج الله وبيناته»(١) .

وهناك بحث في نهاية الآية (١٢٤) من سورة البقرة ، حول معنى الإمامة وأهميتها في دنيا الإنسان.

٤ ـ عميان القلوب

في القرآن الكريم تعابير لطيفة في وصف المشركين والظالمين ، حيث يصفهم هنا ب (الأعمى) وهذا الوصف كناية عن الحقيقة التي تقول بأنّ الحق يكون واضحا دوما وفي متناول البصر إذا كانت هناك عين بصيرة تنظر ، العين التي تشاهد آيات الله في هذا العالم الواسع ، العين التي تعتبر الدروس المكتوبة على صفحات التأريخ ؛ العين التي تشاهد عاقبة الظالمين والمستكبرين ، العين التي تنظر الحق دون غيره.

أمّا عند ما تكون هناك ستائر وحجب الجهل والغرور والتعصّب والعناد والشهوة أمام هذه العين ، فإنّها لا تستطيع مشاهدة جمال الحق بالرغم من أنّه غير محجوب بستار.

وفي حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام في تفسير الآية نقرأ : «من لم يدله خلق السماوات والأرض ، واختلاف الليل والنهار ، ودوران الفلك والشمس والقمر

__________________

(١) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ١٤٧.

٧١

والآيات العجيبات ، على أن وراء ذلك أمر أعظم منه ، فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا»(١) .

وجاء في روايات مختلفة في تفسير هذه الآية أنّها تعني الشخص الذي يكون مستطيعا للحج ولكنّه لا يؤديه حتى نهاية عمره(٢) .

وبدون شك فإنّ هذا المعنى هو أحد مصاديق الآية وليس كلّها. وقد يكون ذكر هذا المصداق والتأكيد عليه من زاوية دفع المسلمين للمشاركة فيه لمشاهدة هذا الاجتماع الإسلامي العظيم ، بما يحويه من أسرار عبادية ومصالح سياسية تتجلى لعين الإنسان يحضر الموسم ، ويتعلم الحقائق الكثيرة والمتعدّدة منه.

وفي روايات أخرى ورد أنّ «شرّ العمى عمى القلب»(٣) .

على أي حال ـ كما قلنا سابقا ـ فإنّ عالم القيامة ، هو انعكاس لهذا العالم في كل ما يحويه وجودنا من أفكار ومواقف ومشاعر وأعمال. لذلك نقرأ في الآيات ١٢٤ ـ ١٢٦ من سورة طه ، قوله تعالى :( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً. قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى ) .

* * *

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ١٩٦.

(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ١٩٦ ـ ١٩٧.

(٣) المصدر السابق.

٧٢

الآيات

( وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣) وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (٧٤) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (٧٥) )

سبب النّزول

لقد ذكرت أسباب مختلفة لنزول هذه الآيات ، إلّا أنّ بعض هذه الأسباب لا يتلائم مع تأريخ النّزول ، وبما أن أسباب النّزول هذه قد أفاد منها بعض المنحرفين لأغراض خاصّة ، لذلك سوف نقوم هنا بذكرها جميعا :

ذكر العلّامة الطبرسي في (مجمع البيان) خمسة آراء في هذا المجال ، وهي :

الرأي الأوّل : قالت قريش للرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ندعك تلمس الحجر الأسود حتى تحترم آلهتنا ، وقال الرّسول في قلبه : إنّ الله يعلم نفرتي من أصنامهم وإنكاري لها ، فما المانع من أن أنظر إلى هذه الآلة باحترام ظاهرا حتى يسمحوا لي باستلام الحجر الأسود. وهنا أنزل الله تبارك وتعالى الآيات أعلاه التي نهت الرّسول عن هذا الأمر.

٧٣

الرأي الثّاني : اقترحت قريش على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يترك الاستهانة بآلهتهم والاستخفاف بعقولهم ، وأن يبعد عنه العبيد من أصحابه وذوي الأصول المتواضعة ، والرائحة الكريهة ، لكي تحضر قريش مجلسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويستمعون إليه ، فطمع الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إسلامهم ، فنزلت الآيات أعلاه تحذّر من هذا الأمر.

الرأي الثّالث : عند ما حطّم الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأصنام التي كانت موجودة في المسجد الحرام ، اقترحت قريش عليه أن يبقي الصنم الموضوع على جبل المروة قرب بيت الله ، فوافق الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في البداية على هذه الاقتراح لكي يحقق من خلاله بعض مصالح الدعوة ، إلّا أنّه بعد ذلك عدل عن هذا الأمر وأعطى أوامرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتحطيم هذا الصنم ، وعند ما نزلت الآيات أعلاه.

الرأي الرّابع : إنّ مجموعة من قبيلة (ثقيف) وفدت على النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعرضت عليه ثلاثة شروط لمبايعته ، وكان شرطهم ، الأوّل : أن لا يركعوا ولا يسجدوا عند الصلاة ، وثانيا : أن لا يحطموا أصنامهم بأيديهم بل يقوم الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك. أمّا الشرط الثّالث : فقد طلبوا فيه من رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يسمح لهم ببقاء صنم (اللات) بينهم لمدّة سنة.

وقد أجابهم الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن لا فائدة في دين لا ركوع ولا سجود فيه ، وأمّا تحطيم الأصنام فإذا كنتم ترغبون في القيام بذلك فافعلوا ، وإلّا فنحن نقوم به ، أمّا الاستمرار في عبادة اللات لسنة أخرى ، فلا أسمح بذلك.

بعد ذلك قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتوضأ ، فالتفت عمر بن الخطاب وقال : ما بالكم آذيتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّه لا يدع الأصنام في أرض العرب. إلّا أنّ ثقيف أصرّت على مطالبها ، حتى نزلت الآيات الآنفة.

الرأي الخامس : إنّ وفد ثقيف طلب من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يمهلهم سنة حتى يستلموا الهدايا المرسلة إلى الأصنام ، وبعد ذلك يكسرون الأصنام ويسلمون ، فهمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإمهالهم وإجابتهم إلى ما أرادوا لو لا نزول الآيات أعلاه التي نهت عن إجابة طلبهم بشدّة.

٧٤

وهناك أسباب أخرى للنزول تشبه الآراء التي ذكرناها.

أقول : لا حاجة لبيان ضعف هذه الآراء إذ أنّ بطلان أكثر هذه الآراء كامن فيها ، لأنّ مجيء وفود القبائل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطلباتهم وتحطيم الأصنام ، كل هذه الأمور إنّما تمّت بعد فتح مكّة في العام الثّامن للهجرة ، في حين أنّ هذه السورة نزلت قبل هجرة الرّسول ، وفي وقت لم يكن فيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمتلك القدرة الظاهرية التي تفرض على المشركين التواضع لمقامه ، وسوف نقوم بتوضيح أكثر لا حقّا.

* * *

التّفسير

بما أنّ الآيات السابقة كانت تبحث حول الشرك والمشركين ، لذا فإنّ الآيات التي نبحثها تحذّر الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من وساوس وإغواءات هذه المجموعة ، حيث لا يجوز أن يبدي أدنى ضعف في محاربة الشرك وعبادة الأصنام ، بل يجب الاستمرار بصلابة أكبر.

في البداية تقول الآية أنّ وساوس المشركين كادت أن تؤثر فيك :( وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ) .

ثمّ بعد ذلك تضيف أنّه لو لا نور العصمة وأنّ الله تعالى ثبّتك على الحق :( وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ) .

وأخيرا لو أنّك ركنت إليهم فسوف يكون جزاءك ضعف عذاب المشركين في الحياة الدنيا ، وضعف عذابهم في الآخرة :( إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً ) .

* * *

٧٥

بحوث

١ ـ هل أبدى الرّسول ليونة إزاء المشركين؟

بالرغم من أنّ بعض السطحيين أرادوا الاستفادة من هذه الآيات لنفي العصمة عن الأنبياء ، وقالوا أنّه طبقا للآيات أعلاه وأسباب النّزول المرتبطة بها إنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أبدى ليونة إزاء عبدة الأصنام ، وأنّ الله عاتبه على ذلك. إلّا أنّ هذه الآيات صريحة في افهام مقصودها بحيث لا تحتاج إلى شواهد أخرى على بطلان هذا النوع من التفكير ، لأنّ الآية الثّانية تقول وبصراحة :( وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ) . ومفهوم التثبيت الإلهي (والذي نعتبره بأنّه العصمة) أنّه منع رسولاللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من التوجه إلى مزالق عبدة الأصنام ، ولا يعني ظاهر الآية ـ في حال ـ أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مال إلى المشركين ، ثمّ نهي عن ذلك بوحي من الله تعالى.

وتوضيح ذلك ، إن الآية الأولى والثّانية هما في الحقيقة إشارة إلى حالتين مختلفتين للرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الحالة الأولى هي الحالة البشرية والإنسانية والتي تجلّت بشكل واضح في الآية الأولى ، وبمقتضى هذه الحالة يمكن تأثير وساوس الأعداء في الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصّة إذا كانت ثمّة مرجحات في إظهار الليونة والتوجّه إليهم ، من قبيل رغبتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أن يسلم زعماء الشرك بعد إظهار الليونة ، أو أن يمنع بذلك سفك الدماء ، والآية تكشف عن احتمال وقوع الإنسان العادي ومهما كان قويا تحت تأثير الأعداء.

أمّا الآية الثّانية فهي ذات طبيعة معنوية ، إذ هي تبيّن العصمة الإلهية ولطفه الخاص سبحانه وتعالى الذي يشمل به الأنبياء خصوصا نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما يمر بمنعطفات ومزالق دقيقة.

والنتيجة أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالطبع البشري قد وصل إلى حافة القبول ببعض وساوس الأعداء ، إلّا أن التأييد الإلهي (العصمة) ثبته وحفظه وأنقذه من الانزلاق.

٧٦

وهذا التعبير نفسه نقرأه في سورة يوسف حيث جاء البرهان الإلهي في أدق اللحظات وأخطرها ، في مقابل الإغواء الخطير وغير الاعتيادي لامرأة العزيز ، حيث قوله تعالى في الآية (٢٤) من سورة يوسف :( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ ، كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) .

وفي اعتقادنا أنّ الآيات أعلاه ليست لا تصلح أن تكون دليلا على نفي العصمة وحسب ، بل هي واحدة من الآيات التي تدل على العصمة ، لأنّ التثبيت الإلهي هذا (والذي هو كناية عن العصمة أو التثبيت أو التثبيت الفكري والعاطفي والسلوكي) لا يخص فقط هذه الحالة ، وهذا الموقف ، بل هو يشمل الحالات المشابهة الأخرى ، وعلى هذا الأساس تعتبر الآية شاهدا على عصمة الأنبياء والقادة الإلهيين.

أمّا الآية الثالثة التي نبحثها والتي تقول :( إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً ) فهي دليل على صحة البحوث الخاصّة بعصمة الأنبياء ، حيث أنّ العصمة ليست حالة جبرية يلتزم فيها النّبي بلا ارادة منه أو وعي ، وإنّما هي توأم مع نوع من الوعي الذاتي والتي تنفذ مع الحرية ، لذا فإنّ ارتكاب ذنب في مثل هذه الحالات ليس محالا عقلا ، ولكن هذا الإيمان والوعي الخاص سوف يمنعان صدور الذنب ، فلا تتحقق المعصية عملا ، ولو فرضنا تحققها في الخارج فإنّه سينال عقوبات الجزاء الإلهي (دقق في ذلك)(١) .

٢ ـ لماذا العذاب المضاعف؟

من الواضح أنّه كلما زاد مقام الإنسان من حيث العلم والوعي والمعرفة والإيمان ، ازدادت قيمة وعمق الأعمال الخيرة التي يقوم بها ، وبدرجة نسبة

__________________

(١) يمكن ملاحظة المزيد من التفاصيل عن الموضوع في كتاب (القادة الكبار).

٧٧

الوعي العلم والمعرفة ، وطبعا سيكون ثوابها أكثر ، لذا فإنّنا نقرأ في بعض الرّوايات : (إنّ الثواب على قدر العقل)(١) .

أمّا الثواب والعقاب فسوف يزداد تبعا لهذه النسبة ، فإذا ارتكب إنسان أمّي وضعيف الإيمان ذنبا كبيرا ، فهذا ليس بالأمر العجيب ، ولهذا السبب سيكون جزاؤه أخف ، أمّا إذا قام عالم مؤمن بارتكاب ذنب صغير فإنّ جزاءه في مقابل ذلك سيكون أشد من جزاء الأمي في قبال ذنبه الكبير.

لهذا السبب بالذات نقرأ في الآيتين (٣٠ ـ ٣١) من سورة الأحزاب خطابا بهذا المضمون إلى نساء النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث يقول تعالى :( يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً ) .

وفي الرّوايات نقرأ هذا المفهوم : «يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد»(٢) .

هذه الآيات تشير إلى هذه الحقيقة ، فهي تقول للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا أظهرت ميلا (وحاشاه) نحو الشرك والمشركين فإنّ عقابك سيتضاعف في هذه الدنيا وفي الآخرة.

٣ ـ معنى (الضعف)

يجب الانتباه إلى هذه الملاحظة ، وهي أن كلمة (ضعف) في اللغة العربية ليس المقصود بها مرّتين فقط ، بل مرّتان وعدّة مرّات أيضا.

يقول الفيروزآبادي ، (العالم اللغوي المعروف في القرن الثّامن الهجري) في

__________________

(١) أصول الكافي ، ج ١ ، كتاب العقل والجهل ، ص ٩ ، حديث ٨.

(٢) أصول الكافي ، ج ١ ، ص ٣٧.

٧٨

القاموس : يقال في بعض الأحيان «ضعف شيء معين» وهي تعني المرّتين والثلاث مرّات وما شابهها ، لأنّ هذه الكلمة تعني الإضافة غير المحدودة.

الدليل على هذا القول ، أنّ الآيات القرآنية ـ وفي خصوص الحسنات ـ تقول:( إِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها ) (١) وفي موقع آخر تقول :( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ) (٢) .

وفي الرّوايات الإسلامية ورد عن الإمام جعفر الصّادقعليه‌السلام قوله في تفسير الآية (٢٦١) من سورة البقرة : «إذا أحسن المؤمن عمله ضاعف الله عمله بكل حسنة سبعمائة ضعف ، وذلك قول الله( وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ ) (٣) .

ولكن هذا الكلام لا يمنع من أن تطلق هذه الكلمة على «التثنية» بمعنى الضعفين. أو عند ما تذكر على شكل مضاف فإنّها تعني ثلاثة أضعاف مثلا نقول : ضعف الواحد.

٤ ـ تفسير جملة( إِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً )

المشهور بين المفسّرين أنّ القرآن يعني بالآية هذه أنّك إذا أظهرت توجها للمشركين فسوف يعتبرونك صديقا لهم. إلّا أنّ بعض المفسّرين يعتبر أنّ معنى الجملة ، أن المشركين سيعتبرونك ـ يا رسول الله ـ فقيرا لهم ومحتاجا إليهم. إذ في المعنى الأوّل (خليل) مأخوذة من (خلّة) على وزن (قلّة) وتعني الصداقة. أمّا في المعنى الثّاني فإنّ (خلّة) على وزن (غلّة) وتعني العوز والفقر والحاجة. لكن من الواضح أنّ الصحيح هو المعنى الأوّل.

__________________

(١) النساء ، ٤٠.

(٢) الأنعام ، ١٦٠.

(٣) تفسير العياشي وفقا لما نقله صاحب الميزان ، ج ٢ ، ص ٤٢٤.

٧٩

٥ ـ إلهي لا تكلني إلى نفسي

في المصادر الإسلامية نقرأ أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ما نزلت هذه الآيات قرأ هذا الدعاء «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا».

وهذا الدعاء المهم لرسول الهدىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعطينا درسا مهمّا ، وهو أنّه يجب أن نذكر الله دائما ونلتجئ إليه ، ونعتمد على لطفه ، حيث أنّ الأنبياء المعصومين لم يسلموا من المزالق بدون نصرة الله وتثبيته لهم ، إذن فكيف بنا نحن مع كل ما يحيطنا من أشكال الوسوسة والإغواء الشيطاني!!

* * *

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

[٢٠٣] وبآخر ، عن عبد الله بن عباس ، إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ وليّ كل مؤمن من بعدي.

[٢٠٤] وبآخر عن البراء بن عازب ، إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أخذ بعضد عليعليه‌السلام فأقامه ، ثم قال : هذا وليكم من بعدي والى الله من والاه وعادى من يعاديه. قال : فقام عمر بن الخطاب إليه. فقال : يهنيك يا ابن أبي طالب ، أصبحت ، أو قال : أمسيت(١) ولي كل مسلم.

[٢٠٥] وبآخر عن بريدة ، إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي وليكم من بعدي.

[٢٠٦] وبآخر عن عمار بن ياسر رحمة الله عليه إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب فمن تولاه فقد تولاني ومن تولاني فقد تولى الله عز وجل.

[٢٠٧] وبآخر ، الحسين بن الحكم بن مسلم الحبري ، باسناده عن سلمان الفارسي ( رضوان الله عليه ) ، انه قال : كنت عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده جماعة من أصحابه إذ وقف أعرابي [ من بني عامر وسلم ] فقال : والله يا محمد لقد آمنت بك من قبل أن أراك ، وصدقتك من قبل أن ألقاك ، وقد بلغني عنك أمر ، فأردت سماعه منك. فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وما الذي بلغك عني يا أعرابي؟ قال : دعوتنا الى أن نشهد أن لا إله إلا الله والى. الإقرار بأنك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأجبناك ، وإلى الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد ، فأجبناك ، ثم لم ترض حتى دعوت الناس إلى حبّ ابن عمّك علي وولايته ، فذلك فرض علينا من الأرض أم الله فرضه من السماء؟

__________________

(١) وفي غاية المرام ص ٨٤ : أصبحت وأمسيت.

٢٢١

قال : فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بل الله عز وجل فرضه من السماء(١) .

قال الأعرابي : فان كان الله عز وجل فرضه ، فحدّثني به يا رسول الله.

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أعرابي أني اعطيت في علي خمس خصال الواحدة منها خير من الدنيا بحذافيرها ، يا أعرابي ألا انبئك بهن؟

قال : بلى يا رسول الله.

قال : كنت يوم بدر جالسا وقد انقضت الغزاة فهبط عليّ جبرائيلعليه‌السلام ، فقال : يا محمد إن الله تعالى يقرؤك السلام ، ويقول لك : إني آليت على نفسي بنفسي ألا الهم حب علي ، إلا من أحببته ، فمن أحببته ألهمته ذلك ، ومن أبغضته ألهمته بغضه وعداوته.

يا أعرابي ألا انبئك بالثانية؟

قال : بلى يا رسول الله.

قال : كنت يوم أحد جالسا ، وقد فرغت من جهاز عمي حمزة فاذا أنا بجبرائيلعليه‌السلام وقد هبط عليّ ، فقال : يا محمد ، الله تعالى يقرؤك السلام ، ويقول لك : اني فرضت الصلاة ووضعتها عن العليل(٢) ، والزكاة ووضعتها عن المقسر ، والصوم فوضعته عن المسافر ، والحج ووضعته عن المقتر(٣) ، والجهاد فوضعته عمّن له عذر وفرضت ولاية علي ومحبته على جميع الخلق ، فلم أعط أحدا فيها رخصة

__________________

(١) وفي الفضائل لابن شاذان : ص ١٤٧ بل فرضه الله تعالى في السماوات على أهل السماوات والأرض.

(٢) وهو المريض ، ووضعناها بمعنى خففت من أحكامها لعلّة مرضه بأحكام مرنة ملائمة لحاله.

(٣) الفقير.

٢٢٢

طرفة عين.

[ ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ] يا أعرابي ألا انبئك بالثالثة؟

قال : بلى.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : ما خلق الله عز وجل شيئا إلا جعل له سيدا ، فالنسر سيد الطيور(٢) والثور سيد البهائم والأسد سيد السباع وإسرافيل سيد الملائكة ويوم الجمعة سيد الأيام وشهر رمضان سيد الشهور(٣) وأنا سيد الأنبياء وعلي سيد الأوصياء.

[ ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ] يا أعرابي ، إلا انبئك بالرابعة؟

قال : بلى يا رسول الله.

قال : يا أعرابي : إن الله عز وجل خلق حبّ علي شجرة أصلها في الجنة وأغصانها في الدنيا ، فمن تعلّق بغصن من أغصانها في الدنيا أورده الجنة ، وبغض علي شجرة أصلها في النار وأغصانها في الدنيا ، فمن تعلّق بغصن من أغصانها في الدنيا أورده في النار.

[ ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ] يا أعرابي ألا انبئك بالخامسة؟

قال : بلى يا رسول الله.

قال : إذا كان يوم القيامة يؤتى بمنبري فينصب عن يمين العرش ويؤتى بمنبر إبراهيمعليه‌السلام فينصب عن يمين العرش. يا أعرابي والعرش له يمينان ، فمنبري عن يمين ، ومنبر إبراهيم عن يمين ثم يؤتى بكرسي عال مشرف فينصب بين المنبرين المعروف بكرسيّ الكرامة

__________________

(١) وفي بحار الأنوار ٢٧ / ١٢٩ : إنه ما أنزل الله كتابا ولا خلق الله ...

(٢) وفي الأصل : الطير.

(٣) وفي الفضائل ص ١٤٧ أضاف : وآدم سيد البشر.

٢٢٣

لعلي ، وأنا عن يمين العرش على منبري وإبراهيم على منبره وعلي على كرسيّ الكرامة وأصحابي حولي ، وشيعة علي حوله فما رأيت أحسن من حبيب بين خليلين.

يا أعرابي : أحبب عليا حق حبّه ، فما هبط عليّ جبرائيل إلا سألني عن علي وشيعته ، ولا عرج من عندي إلا قال أقرئ مني عليا أمير المؤمنينعليه‌السلام السّلام.

[ فعند ذلك قال الأعرابي : سمعا وطاعة لله ولرسوله ولابن عمه علي بن أبي طالب ](١) .

[٢٠٨] وبآخر ، أبو بصير ، عن أبي جعفر محمد بن عليعليه‌السلام ، إنه قال : إذا مات العبد المؤمن من أهل ولايتنا وصار الى قبره دخل معه قبره ست حور منهن حورة أحسنهن وجها وأطيبهن ريحا وأنظفهن هيئة ، حورة تكون عند رأسه ، وتكون الاخرى منهن عن يمينه ، والاخرى عن يساره ، والاخرى من خلفه ، والاخرى عن قدامه ، والاخرى عند رجليه ، فيمنعنه من حيث ما أتى من الجهات ويؤنسنه في قبره ، فيقول الميت من أنتنّ ، جزاكنّ الله خيرا. فتقول التي عن يمينه : أنا الصلاة ، وتقول التي عن يساره : أنا الزكاة ، وتقول التي بين يديه : أنا الصيام ، وتقول التي من خلفه : أنا الحج والعمرة ، وتقول التي عند رجليه : أنا الجهاد وأنا من وصلته من إخوانك ، وتقول التي عند رأسه وهي أحسنهن : أنا الولاية لعليعليه‌السلام والائمة من ذرّيته.

[٢٠٩] وبآخر ، معاذ بن مسلم ، قال : دخلت مع أخي عمرو ، على أبي عبد الله ( جعفر بن محمدعليه‌السلام ) ، فقلت له : جعلت فداك هذا

__________________

(١) هذه الزيادة موجودة في الفضائل لابن شاذان ص ١٤٧.

٢٢٤

أخي يريد أن يسمع منك. فقال له : سل عمّا شئت.

فقال : أسألك عن الذي لا يقبل الله عز وجل من العباد غيره ، ولا يعذرهم على جهله؟

قالعليه‌السلام : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمّدا رسول الله والطهارة والصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان وحجّ البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلا والجهاد لمن قدر عليه والائتمار(١) مع ذلك بأئمة الحق من آل محمّد عليه وعليهم أفضل الصلاة.

قال له عمرو : سمّهم لي جعلت فداك.

قالعليه‌السلام : علي أمير المؤمنين ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، ويعطي الله الخير من يشاء.

قال له : فأنت جعلت فداك؟ قال : يجري لآخرنا ما جرى لأوّلنا ، ومحمد وعلي أفضلنا.

[٢١٠] أبو صالح ، عن عبد الله بن عباس ، إنه قال في قول الله عز وجل «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ » (٢) . قال : أتى عبد الله بن سلام ورهط من أهل الكتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند صلاة الظهر ، فقالوا : يا رسول الله ، إن بيوتنا قاصية ولا نجد محدثا دون أهل المسجد ، وإن قومنا لما رأونا قد آمنا بالله ورسوله وتركنا دينهم أظهروا لنا العداوة وأقسموا أن لا يخالطونا ولا يجالسونا ولا يكلّمونا وتبرّءوا منا ومن ولايتنا و[ قاطعونا ] ، فشقّ ذلك علينا.

فبيناهم يشكون ذلك الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ انزل عليه : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) الآية ». فقرأها رسول الله صلّى الله

__________________

(١) الافتداء.

(٢) المائدة : ٥٥

٢٢٥

عليه وآله. فقالوا : رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين ، وأذّن بلال لصلاة الظهر.

فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى المسجد والناس يصلّون ، ومسكين يسأل ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل أعطاك أحد شيئا؟

قال : نعم. قال : ما ذا؟ قال : خاتم فضة. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أعطاك؟ قال : ذلك الرجل القائم ـ وأومى الى علي ـ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وعلى أيّ حال أعطاك؟ قال : وهو راكع مررت به ، وأنا أسأل ، فاستلّه(١) من إصبعه وناولني إياه. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الله أكبر(٢) .

[٢١١] وفي إسناد آخر ، إنه لما فرغ من الصلاة دعا علياعليه‌السلام فبشره بما أنزل الله فيه وما أوجب من ولايته.

[٢١٢] وبآخر عن علي بن عامر ، يرفعه الى أبي معشر ، قال : دخلت الرحبة ، فاذا عليعليه‌السلام بين يديه مال مصبوب وهو يقول : والذي فلق الحبة وبرىء النسمة لا يموت عبدا وهو يحبني إلا جئت أنا وهو كهاتين يوم القيامة ـ وجمع المسبحتين من يديه جمعا ـ ولا أقول كهاتين ـ وجمع بين

__________________

(١) استلّه أي : استخرجه من إصبعه.

(٢) روى عمار بن موسى الساباطي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام إن الخاتم الذي تصدق به أمير المؤمنينعليه‌السلام وزن أربعة مثاقيل حلقته من فضة ـ وفضته خمسة مثاقيل ـ وهو من ياقوتة حمراء ، وثمنه خراج الشام ، وخراج الشام ثلاثمائة حمل من فضة وأربعة أحمال من ذهب ، وكان الخاتم لمران بن طوق ، قتله أمير المؤمنين ـ في الجهاد ـ وأخذ الخاتم من إصبعه ، وأتى به الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جملة الغنائم وأمره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأخذ الخاتم.

قال الغزالي في كتاب سرّ العالمين : إن الخاتم الذي تصدق به أمير المؤمنين كان خاتم سليمان بن داود.

قال الشيخ الطوسي : إن التصدق بالخاتم كان في اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجة.

٢٢٦

المسبحة والوسطى من يده اليمنى ـ وقال : أنا يعسوب المؤمنين ووليهم ، وهذا ـ وأشار الى المال ـ يعسوب المنافقين ومقصدهم ، فبي يلوذ المؤمنون ، وبهذا يلوذ المنافقون.

[٢١٣] وعن جعفر بن سليمان الهاشمي ، يرفعه الى عمر بن الخطاب ، إنه قال : أحبّوا الأشراف وتودّدوهم ، واتقوا على أعراضكم السفلة ، ولا يتم إسلام مسلم حتى يتولّى علي بن أبي طالب.

[٢١٤] الحسين بن الحكم الحبري ، يرفعه الى أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله عليه ، إنه قال : بينما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمشي وعليعليه‌السلام معه في بعض طرق الجبانة ، إذ عرضت لهما جنازة رثة الهيئة قليلة التبع ، فوقف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى انتهوا بها إليه ، فقال : قفوا ، من هذا الميت؟ فقالوا : يا رسول الله هذا عبد لنبي الرياح(١) كان كثير الاسراف على نفسه فجفاه الناس ، فلما مات قلّ تبعه. قال : أصلّيتم عليه؟ قالوا : لا. فقال : امضوا. ومضى معهم حتى انتهوا إلى موضع فيه سعة. فقال : أنزلوه. فأنزلوه ، فصلّى عليه ، ثم مشى معهم الى قبره ، فدفنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسوّى عليه التراب ، فلما تفرقوا ، قال لعليعليه‌السلام : أما سمعت ما قال هؤلاء القوم في هذا الميت؟ قال : بلى يا رسول الله ، ولكني أخبرك عنه إنه والله ما استقبلني قط إلا قال لي : يا مولاي أنا والله أحبك وأتولاّك. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فبها والله أدرك ما أدرك لقد رأيت معه قبيلا من الملائكة(٢) يشيّعون جنازته.

__________________

(١) وفي البحار ٣٩ / ٢٨٩ : هذا رياح غلام آل النجار.

(٢) وفي البحار أيضا : شيّعه سبعون ألف قبيل من الملائكة كل قبيل سبعون الف ملك.

٢٢٧

[٢١٥] وعن [ الحسين ](١) أيضا ، باسناده ، عن أبي هارون العبدي ، قال : كنت أرى رأي الخوارج الى أن جلست يوما الى أبي سعيد الخدري ، قال : ألا إن الاسلام بني على خمس ، فأخذ الناس بأربع وتركوا واحدة ، فقلت : وما هي يا أبا سعيد؟ قال : أما الأربع التي عمل بها الناس فالصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج ، فأما التي تركوها فولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام . قلت : ما تقول ، هي مفروضة؟ قال : إي والله مفروضة.

[٢١٦] وبآخر عنه ، يرفعه الى زيد بن أرقم والبراء بن عازب ، إنهما قالا : سمعنا أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي ، لعن الله من ادعى الى غير أبيه ، ولعن الله من انتمى الى غير مواليه ، الولد للفراش وللعاهر الحجر ، ليس لوارث وصيه إلا وقد سمعتم مني ورأيتموني ، فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار ، ألا وأني فرطكم على الحوض ومكاثر بكم الامم يوم القيامة ، ولأستنقذن من النار رجل ، وليستنقذن من يدي آخرون ، فأقول : يا رب أصحابي ، فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، ألا إن الله وليي وأنا ولي كل مؤمن ومؤمنة ، ومن كنت مولاه فعلي مولاه.

[٢١٧] وبآخر ، سعد بن ظريف ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال : بينا عليعليه‌السلام يصلّي إذ مرّ به سائل ، فرمى إليه بخاتمه وهو راكع ، فلما فرغ من صلاته أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : يا علي ، ما صنعت في صلاتك؟ فأخبره. فقال : إن الله تعالى أنزل فيك آيتين وتلا عليه قوله : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا » الى قوله : «هُمُ

__________________

(١) وفي الأصل : الحسن. وفي نسخة ـ ب ـ الحسين بن الحكم.

٢٢٨

الْغالِبُونَ » (١) .

[٢١٨] وبآخر ، محمد بن جرير الطبري ، باسناده ، عن عبد الله بن مسعود ، إنه قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو آخذ بيد عليعليه‌السلام وهو يقول : هذا ولي من أنا وليه ، عاديت من عاداه وسالمت من سالمه(٢) .

[٢١٩] وبآخر ، أبو نعيم ( الفضل بن دكين ) عن سفيان بن عيينة ، قال : سألت أبا عبد الله ( جعفر بن محمد )عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ » (٣) .

فنظر أبي كالمتعجب ، فقال لي : يا سفيان ، كيف سألتني عن هذه الآية وما سألني عنها أحد غيرك؟

ولقد سألت عنها أبي محمد بن عليعليه‌السلام فقال لي : بابني كيف سألتني عن هذه الآية وما سألني أحد غيرك؟

ولقد سألت عنها أبي علي بن الحسينعليه‌السلام فقال لي مثل ذلك.

وإنه سأل عنها أباه الحسين بن عليعليه‌السلام فقال له مثل ذلك.

وإنه سأل عنها أباه علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال له مثل

__________________

(١) الآيتين في سورة المائدة الآية ٥٥ و ٥٦( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ ) .

(٢) ولقد أجاد المؤلف حيث أشار في ارجوزته الى هذا المعنى :

ثم دعاه بينهم إليه

وقال وهو رافع يديه

يا ربّ وال اليوم من والاه

وعاد يا ذا العرش من عاداه

(٣) الشعراء : ٢٠٤. ( الارجوزة المختارة ص ١٠٧ ).

٢٢٩

ذلك ، وانه قال لأبيه عليعليه‌السلام ، إذ قال ذلك له : أردت أن تخبرني عنها فيمن انزلت؟

قال : نعم ، لما رجعنا من حجة الوداع نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خم ، فقال : معاشر الناس ، اني مسئول عنكم وانتم مسئولون عني ، فما أنتم قائلون؟

قالوا : نشهد إنك لرسول الله ، بلّغت رسالة ربك ونصحت لامّتك وعبدت ربك حتى أتاك اليقين ، فجزاك الله عنا من نبي خيرا.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأنتم ، فجزاكم الله عني خيرا ، فلقد صدقتموني وأعنتموني على تبليغ وحي الله عز وجل ورسالته ، وجاهدتم معي فجزاكم الله عني خيرا.

ثم أخذ بيدي فرفعها كأنها مروحة ، وقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأنا وليّ جميعهم؟

قالوا : نعم.

قال : من كنت مولاه فهذا مولاه. هل سمعتم وأطعتم.

قالوا : نعم.

قال : اللهمّ اشهد.

فقام نعمان بن الحارث الفهري(١) فقال : يا رسول الله أتيتنا فذكرت لنا إنك رسول الله إلينا ، فقلنا لك : أعن الله ذلك؟ قلت :

نعم ، فصدّقناك.

ثم أتيتنا بالفرائض ـ وذكرت كل فريضة منها ـ فقلنا لك : أعن الله هذا؟ قلت : نعم ، فصدّقناك.

__________________

(١) وفي البحار ذكر أنه الحارث بن النعمان الفهري راجع تخريج الاحاديث.

٢٣٠

ثم أخذت الآن بيد ابن عمك هذا ، فأمرتنا بولايته ، فالله أمرك بهذا؟ قال : نعم والله عز وجل أمرني أن أقول ذلك لكم.

فقال كلمة يعنى بها التكذيب ، ثم ولّى مغضبا ، وهو يقول : اللهمّ إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. ثم أتى ناقته ، فحلّ عقالها ، وركبها ، فانطلق يريد أهله ، فأصابته حجارة من السماء [ فسقطت في رأسه وخرجت من دبره وسقط ميتا ](١) .

وفي رواية اخرى : نار فقتلته قبل أن يصل الى أهله ، فأنزل الله عز وجل :( أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ ) (٢) .

[٢٢٠] وبآخر عيسى بن عبد الله بن عمر ، قال : كنت جالسا عند أبي عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام فسمع الرعد ، فقال : سبحان من سبّحت له.

ثم قال : يا أبا محمد أخبرني أبي عن أبيه عن جده ، عن الصدّيق الأكبر عليعليه‌السلام إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

أوصي من آمن بي وصدقني ، بولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام فإن ولاءه ولائي ، وولائي ولاءه ، أمر أمرني به ربي عز وجل ، وعهد عهده إليّ ، وأمرني أن أبلغكموه وإن منكم من ينقصه حقّه ويركب عقّه.

قالوا : يا رسول الله أولا تعرّفنا بهم؟

قال : أما إني قد عرفتهم ، ولكن امرت بالإعراض عنهم لأمر هو كائن ، وكفى بالمرء منكم ما في قلبه لعليعليه‌السلام .

__________________

(١) هذه الزيادة موجودة في بحار الأنوار ٣٧ / ١٧٦.

(٢) الشعراء : ٢٠٤.

٢٣١

[٢٢١] وبآخر ، مسعر عن طلحة بن عميرة ، قال : شهدت علياعليه‌السلام على المنبر ، وحول المنبر اثنا عشر رجلا من أصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : اناشدكم الله من كانت لي عنده شهادة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا قام فأداها.

فقام القوم فذكروا قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من كنت مولاه فعلي مولاه » ، وكان فيهم أنس بن مالك ، فلم يقم ، ولم يقل شيئا.

فقال له عليعليه‌السلام : يا أنس بن مالك ، ما منعك أن تقوم فتشهد بما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال : يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت.

فقال عليعليه‌السلام : اللهمّ إن كان كاذبا فابتله ببياض لا تواريه العمامة.

قال طلحة : فو الله ما متّ حتى رأيتها نكتة(١) بين عينيه من برص أصابه.

[٢٢٢] وبآخر في حديث آخر عن زيد بن أرقم(٢) ، قد ذكرناه فيما تقدم إنه قال : أنشد عليعليه‌السلام الناس [ في المسجد ] : من سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « من كنت مولاه فعلي مولاه » ، إلا قام فشهد.

فقام جماعة ، فشهدوا ، وكنت فيمن كتم ، فعمي بصري ، وكان يحدث بذلك بعد أن عمي.

[٢٢٣] وبآخر ، محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبي عبيدة عن عمار بن ياسر ، عن أبيه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أوصي من آمن

__________________

(١) النكتة ونكت ونكات : النقطة البيضاء في الأسود.

(٢) وفي نسخة ـ ب ـ عن بريدة.

٢٣٢

بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب ، فمن تولاه فقد تولاني ، ومن تولاني فقد تولى الله ، ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله ، ومن أبغض الله يوشك أن يأخذه عقاب.

[٢٢٤] وبآخر ، عن عباس ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله عليه إنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا سيد الناس(١) ولا فخر ، وعليّ سيد المؤمنين ولا فخر ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه.

[٢٢٥] وبآخر سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة عن عليعليه‌السلام ، إنه قال : في قوله الله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ » (٢) .

قال : [ ناكبون ] عن ولايتنا أهل البيت.

[٢٢٦] وقالعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً » (٣) .

قال : في ولايتنا أهل البيت.

[٢٢٧] وبآخر ، أبو حمزة ، عن ابن عباس ، إنه قال في قوله الله عز وجل : «رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً » (٤) .

قال : الدخول في الولاية.

«وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً » قال : الجنة.

[٢٢٨] وبآخر ، الشعبي عن ابن عباس ، إنه قال في قوله الله تعالى :

__________________

(١) وفي نسخة ـ أ ـ سيد البشر.

(٢) المؤمنون : ٧٤.

( ٣ ـ ٤ ) البقرة : ٢٠٨ و ٢٠١.

٢٣٣

  «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ » (١) .

قال : يوقف الناس على الصراط فيسألون عن ولاية عليعليه‌السلام .

[٢٢٩] وبآخر ، يزيد بن عبد الملك ، عن علي بن الحسينعليه‌السلام ، إنه قال : في قول الله تعالى : «بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً » (٢) .

قال : من ولاية علي أمير المؤمنين والأوصياء من ولدهعليهم‌السلام أجمعين.

[٢٣٠] وبآخر ، زيد بن المنذر عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين صلوات الله عليهم أجمعين إنه قال ـ في قوله تعالى ـ : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما ) ( يُحْيِيكُمْ » (٣) .

قال : ولاية عليعليه‌السلام .

[٢٣١] وبآخر ، داود بن سرحان ، قال : سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله تعالى : «فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ » (٤) .

قال : ذلك علي بن أبي طالبعليه‌السلام إذا رأوا ما أزلفه(٥) الله عز وجل به لديه ، ومنزلة ومكانه من الله جلّ ثناؤه أكلوا اكفهم على ما فرطوا فيه من ولايتهعليه‌السلام .

[٢٣٢] وبآخر ، أبو حذيفة عن هلقام ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال

__________________

(١) الصافات : ٢٤.

(٢) البقرة : ٩٠.

(٣) الأنفال : ٢٤.

(٤) الملك : ٢٧.

(٥) أزلفه : قربه ، والزلفى : القربة والمنزلة ( مختار الصحاح ص ٢٧٣ ).

٢٣٤

في قول الله تعالى : «فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ »(١) .

قال : من دفعهم لولاية أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

[٢٣٣] وبآخر ، أبان بن عثمان ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى :( وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ » (٢) .

قال : هو وعد تواعد الله به من كذب بولاية علي أمير المؤمنين.

[٢٣٤] وبآخر ، جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : لما أنزل الله تعالى على رسول الله محمد صلوات الله عليه وآله : «إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ » (٣) .

قال لعليعليه‌السلام : المجرمون ، ـ يا علي ـ المكذبون بولايتك.

[٢٣٥] وبآخر ، عن عمر بن اذينه ، عن جعفر بن محمد عن أبيه صلوات الله عليهم إنه قال في قول الله عز وجل : «أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ » (٤) .

قال : يقول : أفتطمعون أن يقرّوا لكم بالولاية ، وهم يحرّفون الكلم عن مواضعه.

[٢٣٦] وبآخر ، جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام إنه قال في قول الله [ تعالى ] : «أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ ، فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ » (٥) .

قال : قد كذبوا والله فريقا من آل محمد وفتلوا فريقا.

[٢٣٧] وبآخر ، ثابت الثمالي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قوله الله تعالى : «أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ » (٦) .

__________________

(١) ص : ١٧.

(٢) المزمل : ١١.

(٣) المدثر : ٤٢.

(٤) البقرة : ٧٥.

(٥) البقرة : ٨٧.

(٦) البقرة : ١١٤.

٢٣٥

قال : يعني الولاية لا يقولوا بها إلا وهم يخافون على أنفسهم إظهار القول بها.

[٢٣٨] وبآخر ، جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال : في قول الله عز وجل «وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ » (١) .

قال : مسلمون بولاية عليعليه‌السلام .

[٢٣٩] وبآخر ، محمد بن سلام ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله عز وجل : «قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ » (٢) قال : إن الله عز وجل أوحى الى نبيه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمره بالصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد فلما فعلوا ذلك وأقاموه ، وكان آخر ما فعلوه منه الحج معه حجة الوداع وقام فيهم بولاية عليعليه‌السلام .

قال قوم : الى متى يلزمنا محمد هذه الفرائض شيئا بعد شيء؟

فأنزل الله تعالى قل : «إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ » يعني الولاية لأمير المؤمنين صلوات الله عليه.

[٢٤٠] وبآخر ، عبد الصمد بن بشير ، عن عطيّة عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال : لما كان يوم غدير خم ، وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في عليعليه‌السلام ـ ما قال ، اجتمع جنود إبليس إليه ، فقالوا : ما هذا الأمر الذي حدث كنّا نظن أن محمّدا إذا مضى تفرق هؤلاء ، فنراه قد عقد هذا الأمر لآخر من بعده. فقال لهم : إن أصحابه لا يفوا له بما عقد عليهم.

قال عطية : ثم قال لي أبو جعفرعليه‌السلام : أتدري أين هو من كتاب الله تعالى؟

__________________

(١) البقرة : ١٣٢

(٢) السبأ : ٤٦.

٢٣٦

قلت : لا.

قال : هو قوله تعالى : «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » (١) .

[٢٤١] وبآخر ، يعقوب بن المطلب ، عن أبي جعفر محمد بن عليعليه‌السلام ، إنه قال : في قول الله عز وجل : «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ » (٢) .

قال : لا تعدلوا عن ولايتنا فتهلكوا في الدنيا والآخرة

[٢٤٢] وبآخر ، إبراهيم بن عمر الصنعاني ، عن أبي جعفر ( محمد بن علي بن الحسينعليه‌السلام ) ، إنه قال : في قول الله عز وجل : «سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى » (٣) .

قال : لا يقول بولايتنا إلا من يخشى الله تعالى.

[٢٤٣] فضيل بن الرسان ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى » (٤) .

قال : نعينك على تبليغ الرسالة بمعرفة حق الأوصياءعليهم‌السلام .

[٢٤٤] وبآخر ، جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام إنه قال في قول الله [ عز وجل ] : «يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ ».

قال : يعني بولاية عليعليه‌السلام .

«وَإِنْ تَكْفُرُوا ) ـ يعني بولايته ـ( فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً » (٥)

__________________

(١) السبأ : ٢٠.

(٢) البقرة : ١٩٥.

(٣) الأعلى : ١٠.

(٤) الأعلى : ٨.

(٥) النساء : ١٧٠.

٢٣٧

[٢٤٥] وبآخر ، الفضل بن بشار ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا » (١) .

يعني الائمةعليهم‌السلام .

[٢٤٦] وعنهعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ » (٢) .

قال : يعني الولاية.

[٢٤٧] وبآخر ، حميد بن جابر بن العبدي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها » (٣) قال : يعني الولاية «لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ ».

قال : لأرواحهم «وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ » يوم القيامة.

[٢٤٨] وبآخر ، أبو الجارود ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ » (٤) .

يقول : الى ولاية عليعليه‌السلام ، فإنّ استجابتكم له في ولاية عليعليه‌السلام أجمع لأمركم.

[٢٤٩] وبآخر ، عن ابن عمر عن أبي جعفر عن أبيه ، إنه قال في قول الله تعالى : «وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها » (٥) .

قال : بالإقرار بالولاية ، فلتعبدوا ، أتعستم فيها بالجحود.

__________________

(١) المائدة : ٥٥.

(٢) المائدة : ٦٨.

(٣) الأعراف : ٤٠.

(٤) الأنفال : ٢٤.

(٥) آل عمران : ١٠٣.

٢٣٨

[٢٥٠] وبآخر ، جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام [ إنه ] قال : نزل جبرائيلعليه‌السلام علي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الآية : «فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً »(١) .

قال : بولاية عليعليه‌السلام .

[٢٥١] وبآخر ، عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى » (٢) ، قال : هو التارك لحقنا ، المضيع لما افترضه الله تعالى عليه من ولايتنا.

«وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى » ، قال : يقول ليس عليك يا محمد ألا يصلي ويزكي ويصوم ، فانه إن عمل أعمال الخير كلها وأتى بالفرائض بأسرها ثم لم يقبل بولاية الأوصياء لم يزن ما عمل عند الله سبحانه جناح بعوضة.

[٢٥٢] وبآخر ، أبو الجارود ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا » (٣) .

قال : علم الله عز وجل إنهم سيفترقون بعد نبيهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويختلفون ، فنهاهم الله عن التفرق كما نهى من كان قبله وأمرهم أن يجتمعوا على ولاية آل محمدعليهم‌السلام ولا يتفرقوا.

[٢٥٣] وبآخر ، محمد بن زيد ، عن أبيه ، قال : سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله تعالى : «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها » (٤) ، أهي للمسلمين عامة؟.

قال : الحسنة : ولاية علي أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

[٢٥٤] وبآخر ، خيثمة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله

__________________

(١) الإسراء : ٨٩.

(٢) عبس : ٥.

(٣) آل عمران : ١٠٣.

(٤) الأنعام : ١٦٠.

٢٣٩

تعالى : «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى » (١) .

قال : العروة الوثقى هي : ولاية عليعليه‌السلام والقول بإمامته والبراءة من أعدائه ، والطاغوت أعداء آل محمّدعليهم‌السلام .

[٢٥٥] وبآخر ، جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن عليعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله عز وجل : «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ » (٢) ، قال : الذين كفروا بولاية عليعليه‌السلام وأوصياء رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين.

[٢٥٦] وبآخر ، أبو حمزة ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمدعليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : «هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ » (٣) ، قال : ولاية عليعليه‌السلام وولايتنا من بعده.

[٢٥٧] وبآخر ، خالد بن يزيد ، عنهعليه‌السلام ، إنه قال : في قول الله تعالى : «فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ » (٤) ، قال : في القول بالولاية.

[٢٥٨] وبآخر ، حسّان الجمّال ، قال : حملت أبا عبد الله ( جعفر بن محمدعليه‌السلام ) من المدينة الى مكة ، فلما انتهى إلى غدير خم ، نظر الى المسجد ، فقال : ترى عن يسار المسجد ذاك؟

قلت : نعم.

قال : كان موضع قدمي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أخذ بيد عليعليه‌السلام ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه.

ونظر الى الجانب الأيمن ، فقال : هاهنا كان فسطاط أربعة من

__________________

(١) البقرة : ٢٥٦.

(٢) البقرة : ٦.

(٣) الكهف : ٤٤.

(٤) التغابن : ١٦.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576