الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٠

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 550

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 550 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 206847 / تحميل: 6198
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

مُعْرِضُونَ ) .

إنّ عمل هؤلاء يدلّ على أنّ هذه الغفلة عمّت كلّ وجودهم ، وإلّا فكيف يمكن للإنسان أن يؤمن باقتراب الحساب الحساب الدقيق المتناهي في الدقّة ، ومع كلّ ذلك لا يكترث بالأمور ويرتكب أنواع الذنوب!!

كلمة (اقترب) لها دلالة على التأكيد أكثر من (قرب) وهي إشارة إلى أنّ هذا الحساب قد أصبح قريبا جدّا.

والتعبير بـ (الناس) وإن كان يشمل عموم الناس ظاهرا ، وهو يدلّ على أنّ الجميع في غفلة ، إلّا أنّ ممّا لا شكّ فيه أنّ الذين لهم قلوب واعية يقظة على الدوام ، ويفكّرون بالحساب ويعملون له فهم مستثنون من هذا العموم.

والجميل في الأمر أنّه يقول : اقترب الحساب للناس ، لا أنّ الناس اقتربوا للحساب ، فكأنّ الحساب يسرع لاستقبال الناس.

ثمّ إنّ الفرق بين «الغفلة» و «الإعراض» يمكن أن يكون من جهة أنّ هؤلاء غافلون عن اقتراب الحساب ، وهذه الغفلة هي تسبّب الإعراض عن آيات الله سبحانه ، فـ «الغفلة عن الحساب» علّة في الحقيقة ، و «الإعراض عن الحقّ» معلول لتلك العلّة. أو أنّ المراد هو الإعراض عن نفس الحساب ، وعن الاستعداد للإجابة في تلك المحكمة الكبرى ، أي إنّهم لمّا كانوا غافلين ، فإنّهم لا يهيّؤون أنفسهم لذلك ويعرضون عنه.

وهنا يأتي سؤال ، وهو : ما معنى اقتراب الحساب والقيامة؟

لقد قال البعض : إنّ المراد منه هو أنّ ما بقي من الدنيا قليل في مقابل ما مضى منها ، ولهذا فإنّ القيامة ستكون قريبة ـ قربا نسبيّا ـ خاصة وأنّه قد روي عن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «بعثت أنا والساعة كهاتين»(١) وأشار إلى السبابة

__________________

(١) مجمع البيان ، ذيل الآيات مورد البحث.

١٢١

والوسطى اللتين تقع إحداهما إلى جنب الأخرى.

وقال البعض الآخر : إنّ هذا التعبير لكون القيامة موجودة ، كما نرى ذلك في المثل السائر كلّ ما هو آت قريب.

ولا منافاة بين هذين التّفسيرين ويمكن أن تكون الآية إشارة إلى كلا الأمرين.

واحتمل بعض المفسّرين ـ كالقرطبي ـ أن يكون الحساب هنا إشارة إلى «القيامة الصغرى» ، أي الموت ، لأنّ جزءا من المحاسبة وجزاء الأعمال يصل إلى الإنسان حين الموت(١) إلّا أنّ ظاهر الآية ناظر إلى القيامة الكبرى.

ثمّ تبيّن الآية التالية علامة من علامات إعراض هؤلاء بهذه الصورة :( ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ) فلم يتّفق لهم أن يتدبّروا ساعة في كلام الله المجيد ، ويتأمّلوا في آياته بجدّية ، ويحتملوا ـ على الأقل ـ أن تكون مؤثّرة في حياتهم وعاقبة أمرهم ومصيرهم. فهم لا يفكّرون في الحساب الإلهي ، ولا في تحذيرات الله سبحانه.

وأساسا فإنّ أحد أسباب شقاء الجهلة والمتكبّرين هو اتّخاذهم النصائح ومواعظ الأخيار لهوا ولعبا دائما ، وهذا هو السبب في عدم تنبّههم من غفلتهم ، في حين أنّهم لو تعاملوا بصورة جديّة مع تلك النصائح ولو مرّة واحدة ، فربّما تغيّر مسير حياتهم في تلك اللحظة!

كلمة «ذكر» في الآية إشارة إلى كلّ كلام منبّه يوقظ الغافلين ، والتعبير بـ (محدث) إشارة إلى أنّ الكتب السماوية كانت تنزل الواحد تلو الآخر ، وتحتوي كلّ سورة من سور القرآن ، وكلّ آية من آياته محتوى جديدا ينفذ إلى قلوب الغافلين بطرق مختلفة ، لكن أي فائدة مع من يتّخذ كلّ ذلك هزوا؟

__________________

(١) تفسير القرطبي. الجزء ٦ ص ٤٣٠٧.

١٢٢

وأساسا ، فإنّ هؤلاء يفرقون من كلّ جديد ، ويتمسكّون ويفرحون لكلّ الخرافات القديمة التي ورثوها من الآباء والأجداد ، وكأنّهم قد تعاهدوا عهدا دائما على أن يخالفوا كلّ حقيقة جديدة ، مع أنّ أساس تكامل الإنسان مبتن على أن يواجه الإنسان كلّ يوم مسائل جديدة.

ثمّ تقول من أجل زيادة التأكيد :( لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) لأنّهم في الظاهر يتّخذون كلّ المسائل الجديّة لهوا ولعبا ـ كما تشير جملة «يلعبون» إلى ذلك ، حيث وردت بصيغة فعل مضارع مطلق ـ وهم في الباطن مشغولون باللهو والمسائل التي لا قيمة لها ، والتي تجعلهم في غفلة عن الواقع. ومن الطبيعي أنّ مثل هؤلاء الأشخاص سوف لا يجدون طريق السعادة ، ولا يوفّقون إليه.

ثمّ تشير إلى جانب من الخطط الشيطانيّة فتقول :( وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) (١) وإذا لم يكن سوى بشر اعتيادي ، فلا بدّ أن تكون أعماله الخارقة ونفوذ كلامه سحرا ، ولا يمكن أن يكون شيئا آخر :( أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ) ؟

قلنا : إنّ هذه السورة نزلت في مكّة ، وفي تلك الأيّام التيّ كان فيها أعداء الإسلام في غاية القوّة والمنعة ، فأي داع يدعوهم لإخفاء كلامهم ، بل وحتّى نجواهم؟ (وينبغي الالتفات إلى أنّ القرآن يقول إنّهم كانوا يخفون حتّى مناجاتهم).

قد يكون ذلك من أجل أنّ هؤلاء كانوا يتشاورون في المسائل التي تتّصف بالتخطيط والتآمر ، حتّى يظهروا أمام عامّة الناس موقفا واحدا ضدّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

إضافة إلى أنّ هؤلاء كانوا من ناحية القوّة متفوّقين حتما ، إلّا أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين كانوا من ناحية المنطق والقوّة ونفوذ الكلام أكثر تفوّقا ، وهذا التفوّق هو الذي دفع هؤلاء إلى أن يتشاوروا في الخفاء لانتخاب الأجوبة المصطنعة في

__________________

(١) في لغة العرب إذا كان الفعل اسما ظاهرا فيؤتى عادة بفعل مفرد ، إلّا أنّ هذه ليست قاعدة عامّة وثابتة ، بل يأتون ـ لعلل خاصّة ـ بالفعل بصيغة الجمع وبالفاعل اسما ظاهرا وجملة( وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) من هذا القبيل أيضا.

١٢٣

مقابل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

على كلّ حال ، فإنّ هؤلاء قد أكّدوا على مسألتين في أقوالهم : إحداهما : كون النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشرا ، والأخرى : تهمة السحر ، وستأتي الاتّهامات الاخرى في الآيات التالية أيضا ، ويتصدّى القرآن الكريم لجوابها.

إلّا أنّ القرآن يجيبهم بصورة عامّه على لسان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقول :( قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ ) فلا تتصوّروا أنّ نجواكم ومؤامراتكم المخفيّة تخفى عليه( وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) فهو يعلم كلّ شيء ، ومطّلع على كلّ شيء ، فلا يسمع كلامكم وحسب ، بل هو مطّلع حتى على الأفكار التّي تمرّ في أذهانكم ، والقرارات التي في صدوركم.

بعد ذكر نوعين من تذرّعات المخالفين ، يتطرّق القرآن إلى ذكر أربعة أنواع أخرى منها ، فيقول :( بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ ) (١) وهم يعتقدون أنّها حقيقة.

وقد يغيّرون كلامهم هذا أحيانا فيقولون :( بَلِ افْتَراهُ ) ونسبه إلى الله.

ويقولون أحيانا :( بَلْ هُوَ شاعِرٌ ) ، وهذه الآيات مجموعة من خيالاته الشعرية.

وفي المرحلة الرّابعة يقولون : إنّا نتجاوز عن كلّ ذلك فإذا كان مرسلا من الله حقّا( فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ) .

إنّ التحقيق في هذه الادّعاءات المتضادّة المتناقضة في حقّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيوضّح أنّها بنفسها دليل على أنّهم لم يكونوا طلّاب حقّ ، بل كان هدفهم خلق الأعذار ، وإخراج خصمهم من الحلبة بأيّة قيمة وثمن ، وبأي صورة كانت.

فهم يعتبرونه ساحرا تارة ، وأخرى شاعرا ، وثالثة مفتريا ، وأخرى إنسانا

__________________

(١) «أضغاث» جمع ضغث ، وهو حزمة الحطب أو الأعشاب اليابسة وما شاكل ذلك ، و «الأحلام» جمع حلم وهو المنام والرؤية ، ولمّا كان جمع حزمة حطب يحتاج أن يجمعوا عدّة أشياء متفرّقة إلى بعضها ، فإنّ هذا التعبير اطلق على المنامات المضطربة المتفرّقة.

١٢٤

يختلط الأمر عليه ويهجر ـ والعياذ بالله ـ فهو يحسب مناماته المضطربة وحيا!

ويقولون حينا : لماذا أنت بشر؟ ويتذرّعون أحيانا بطلب معجزة جديدة مع كلّ تلك المعاجز.

إذا لم يكن لدينا دليل على بطلان كلامهم إلّا هذا الاضطراب والتمزّق ، فإنّه كاف لوحده ، ولكنّنا سنرى في الآيات التالية أنّ القرآن سيجيبهم جوابا حاسما من طرق أخرى أيضا.

* * *

ملاحظة :

هل القرآن محدث؟

لقد أورد جمع من المفسّرين في ذيل الآيات ـ لوجود كلمة (محدث) في الآية الثّانية من الآيات محلّ البحث ـ بحوثا جمّة حول كون كلام الله حادثا أم قديما؟ وهي نفس المسألة التي أثيرت في زمن خلفاء بني العبّاس وصارت مثارا للجدل لسنين طويلة ، وكانت قد لفتت انتباه وأفكار جماعة من العلماء.

إلّا أنّنا نعلم اليوم جيدا أنّ معظم هذا الموضوع كان يراد منه الإشغال السياسي ليهتمّ به علماء الإسلام ، وينصرفوا عن المسائل الضروريّة والأساسيّة التي تتعلّق بشؤون الحكومة وكيفيّة حياة الناس ، وحقائق الإسلام الأصيلة.

واليوم اتّضح لنا تماما أنّ المراد من كلام الله محتواه ومضمونه ، وهو قديم قطعا ، أي إنّه كان دائما في علم الله ، وإنّ علم الله الواسع كان محيطا بالقرآن على الدوام. وإذا كان المراد منه هذه الألفاظ والكلمات ، وهذا الوحي الذي نزل على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا شكّ في أنّه حادث.

أي عاقل يقول : إنّ ألفاظ القرآن وكلماته أزليّة؟ أو أنّ نزول الوحي على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن من بداية أمر الرسالة؟ وبناء على هذا فأنتم تلاحظون بأنّ

١٢٥

المسألة واضحة وضوح الشمس في جميع أبعادها.

وبتعبير آخر فإنّ القرآن يحتوي على ألفاظ ومعان : فألفاظه حادثة قطعا ، ومعانية قديمة قطعا ، وعلى هذا فلا مجال للبحث والمناقشة.

ثمّ إنّ أيّ مشكلة علميّة واجتماعية وسياسيّة وأخلاقية في المجتمع الإسلامي يحلّها هذا البحث آنذاك؟ ولماذا خدع بعض العلماء السابقين بأساليب الحكّام المكرة المتآمرين الخداعة؟

ولهذا نرى أنّ بعض أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام بعد بيان هذه المسألة ، قد حذّروا هؤلاء من هذه البحوث ، ودعوهم إلى الابتعاد والامتناع عنها(١) .

__________________

(١) نور الثقلين الجزء ٣ ص ٤١٢.

١٢٦

الآيات

( ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (٨) ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩) لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠) )

التّفسير

كلّ الأنبياء كانوا بشراً:

قلنا : إنّ ستّة إشكالات وإيرادات قد أعيد ذكرها في الآيات السابقة ، وهذه الآيات التي نبحثها تجيب عنها ، تارة بصورة عامّة جامعة ، وأخرى تجيب عن بعضها بالخصوص.

أشارت الآية الأولى إلى المعجزات المقترحة لأولئك ، ونقصد منها : المعجزات المقترحة حسب أهوائهم تذرّعا ، فنقول : إنّ جميع المدن والقرى التي

١٢٧

أهلكناها سابقا كانت قد طلبت مثل هذه المعاجز ، ولكن لمّا استجيب طلبهم كذّبوا بها ، فهل يؤمن هؤلاء؟ :( ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ) ؟ وهي تنذرهم بصورة ضمنيّة بأنّ الآيات لو تحقّقت على ما اقترحتم ثمّ لم تؤمنوا ، فإنّ فناءكم حتمي!

ويحتمل أيضا في تفسير هذه الآية أنّ القرآن يشير ـ في هذه الآية ـ إلى كلّ إشكالات هؤلاء المتناقضة ويقول : إنّ هذا التعامل مع دعوة الأنبياء الحقيقيين ليس جديدا ، فإنّ الأفراد العنودين كانوا يتوسّلون دائما بهذه الأساليب ، ولم تكن عاقبة عملهم وأمرهم إلّا الكفر ، ثمّ الهلاك والعذاب الأليم.

ثمّ تطرّقت الآية التالية إلى جواب الإشكال الأوّل ـ خاصة ـ حول كون النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشرا ، فتقول : إنّك لست الوحيد في كونك نبيّا ، وفي نفس الوقت أنت بشر( وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ ) فإنّ هذه حقيقة تاريخيّة يعرفها الجميع( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) .

من هم أهل الذكر؟

لا شكّ أنّ( أَهْلَ الذِّكْرِ ) تشمل من الناحية اللغوية كلّ العلماء والمطّلعين ، والآية أعلاه تبيّن قانونا عقلائيّا عامّا في مسألة (رجوع الجاهل إلى العالم) فإنّ مورد ومصداق الآية وإن كان علماء أهل الكتاب ، إلّا أنّ هذا لا يمنع من عمومية القانون. ولهذه العلّة استدلّ علماء وفقهاء الإسلام بهذه الآية في مسألة «جواز تقليد المجتهدين المسلمين».

وإذا رأينا في بعض الرّوايات التي وصلتنا عن أهل البيتعليهم‌السلام بأنّ( أَهْلَ الذِّكْرِ ) قد فسّرت بعليعليه‌السلام أو سائر الأئمّةعليهم‌السلام ، فلا يعني ذلك الحصر ، بل هو بيان لأوضح مصاديق هذا القانون الكلّي. ولزيادة الإيضاح حول هذا الموضوع ، اقرأ تفسير الآية (٤٣) من سورة النحل من هذا الكتاب.

١٢٨

ثمّ تعطي الآية التالية توضيحا أكثر حول كون الأنبياء بشرا ، فتقول :( وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ ) . وجملة( لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ ) إشارة إلى ما جاء في موضع آخر من القرآن في نفس هذا الموضوع :( وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ ) (١) .

وجملة( ما كانُوا خالِدِينَ ) أيضا تكملة لنفس هذا المعنى ، لأنّ المشركين كانوا يقولون : كان من الأفضل أن يرسل ملك مكان البشر ، ملك له الخلود ، ولا تمتدّ إليه يد الموت! فأجابهم القرآن بأنّ أيّا من الأنبياء السابقين لم يكتب له الخلود حتّى يكتب لرسول الله (محمّد) الخلود و «البقاء في هذه الدنيا».

على كلّ حال ، فلا شكّ ـ كما قلنا ذلك مرارا ـ في أنّه يجب أن يكون قائد البشر ومرشدهم من جنسهم ، بنفس تلك الغرائز والعواطف والأحاسيس والحاجات والعلاقات حتّى يحسّ بآلامهم وعذابهم ، ولينتخب أفضل طرق العلاج باستلهامه من معلوماته ليكون قدوة وأسوة لكلّ البشر ، ويقيم الحجّة على الجميع.

ثمّ تحذّر الآية وتهدّد المنكرين المتعصّبين العنودين ، فتقول : إنّا كنا قد وعدنا رسلنا بل ننقذهم من قبضة الأعداء ، ونبطل كيد أولئك الأشرار( ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ ) .

أجل ، فكما أنّ سنّتنا كانت إختيار قادة البشر من بين أفراد البشر ، كذلك كانت سنّتنا أن نحميهم من مكائد المخالفين ، وإذا لم تؤثّر المواعظ والنصائح المتلاحقة أثرها في المخالفين ، فإنّنا سنطهّر الأرض من وجودهم القذر.

ومن المعلوم أنّ المراد من «ومن نشاء» : الإرادة التي تدور حول معيار الإيمان والعمل الصالح ، كما أنّ من الواضح أيضا أنّ المراد من «المسرفين» هنا هم الذين أسرفوا في حقّ أنفسهم ومجتمعهم الذي يعيشون فيه عن طريق إنكار

__________________

(١) الفرقان ، ٧.

١٢٩

الآيات الإلهيّة وتكذيب الأنبياء ، ولهذا نرى القرآن في موضع آخر يقول :( كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ) (١) .

أمّا آخر آية من الآيات مورد البحث ، فتجيب ـ مرّة أخرى ـ في جملة قصيرة عميقة المعنى عن أكثر إشكالات المشركين ، فتقول :( لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) فإنّ كلّ من يتدبّر آيات هذا الكتاب الذي هو أساس التذكّر وحياة القلب ، وحركة الفكر ، وطهارة المجتمع ، سيعلم جيدا أنّه معجزة واضحة وخالدة ، ومع وجود هذه المعجزة البيّنة التي تظهر فيها آثار الإعجاز من جهات مختلفة من جهة الجاذبيّة الخارقة ، ومن جهة المحتوى ، الأحكام والقوانين ، العقائد والمعارف ، وو فهل لا زلتم بانتظار معجزة أخرى؟ أي معجزة تقدر أن تثبت أحقّية دعوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحسن من هذه المعجزة؟

وفضلا عمّا مرّ ، فإنّ آيات هذا الكتاب تصرخ بأنّها ليست سحرا ، بل هي حقائق وتعليمات غنيّة المحتوى وجذّابة ، أتقولون بعد ذلك أنّها سحر؟

هل يمكن أن توصف هذه الآيات بأنّها أضغاث أحلام؟ فأين هي الأحلام المضطربة التي لا معنى لها من هذا الكلام المنسجم الموزون؟ وأين الثرى من الثريّا؟

هل يمكن أن تعتبر تلك الآيات كذبا وافتراء مع أنّ آثار الصدق بادية في كلّ مكان منها؟

أم أنّ من جاء بها كان شاعرا ، في حين أنّ الشعر يدور حول محور الخيال ، وآيات هذا الكتاب تدور كلّها حول محور الواقعيّات والحقائق؟

وبكلمة قصيرة ، إنّ الدقّة والبحث في هذا الكتاب يثبت أنّ هذه الادّعاءات متضادّة متناقضة غير منسجمة ، وهي كلام المغرضين الجهلة.

__________________

(١) يونس ، ١٠٣.

١٣٠

واختلف المفسّرون في معنى كلمة «ذكركم» في الآية آنفة الذكر ، وذكروا لها تفاسير مختلفة.

فذهب بعضهم : إنّ المراد هو أنّ آيات القرآن منبع الوعي والتذكّر بين أفراد المجتمع ، كما يقول القرآن في موضع آخر :( فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ ) (١) .

وقال آخرون : إنّ المراد أنّ هذا القرآن سيرفع اسمكم ومكانتكم في الدنيا ، أي إنّه أساس عزّكم وشرفكم أيّها المؤمنون والمسلمون ، أو أنتم أيّها العرب الذين نزل القرآن بلسانكم ، وإذا أخذ منكم فسوف لا يكون لكم اسم ولا رسم في العالم.

والبعض الآخر قالوا : إنّ المقصود هو أنّه قد ذكر في هذا القرآن كلّ ما تحتاجون إليه في أمور الدين والدنيا ، أو في مجال مكارم الأخلاق.

وبالرغم من أنّ هذه التفاسير لا ينافي بعضها بعضا ، ويمكن أن تكون مجتمعة في تعبير «ذكركم» ، إلّا أنّ التّفسير الأوّل يبدو هو الأظهر.

فإن قيل : كيف يكون هذا القرآن أساس الوعي واليقظة ، في حين أنّ كثيرا من المشركين قد سمعوه فلم ينتبهوا؟

قلنا : إنّ كون القرآن موقظا ومنبّها لا يعني إجباره الناس على هذا الوعي ، بل إنّ الوعي مشروط بأن يريد الإنسان ويصمّم ، وأن يفتح نوافذ قلبه أمام القرآن.

* * *

__________________

(١) سورة ق ، ٤٥.

١٣١

الآيات

( وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (١٥) )

التّفسير

كيف وقع الظّالمون في قبضة العذاب؟

تبيّن هذه الآيات مصير المشركين والكافرين مع مقارنته بمصير الأقوام الماضين ، وذلك بعد البحث الذي مرّ حول هؤلاء. فتقول الآية الاولى :( وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ ) .

فمع ملاحظة أنّ «القسم» يعني الكسر المقترن بالشدّة ، بل ورد أحيانا بمعنى التفتيت والتقطيع ، ومع ملاحظة التأكيد على ظلم هذه الأقوام وجورها ، فإنّها توحي بأنّ الله سبحانه قد أعدّ أشدّ العقاب والانتقام للأقوام الظالمين الجائرين.

وتشير الآية ضمنا إلى أنّكم إذا درستم تاريخ السابقين وبحثتم فيه فستعلمون

١٣٢

بأنّ تهديدات نبي الإسلام لم تكن مزاحا أو اعتباطا ، بل هي حقيقة مرّة يجب أن تفكّروا فيها.

عند ذلك توضّح الآية حال هؤلاء عند ما تتّسع دائرة العذاب لتشمل ديارهم العامرة ، وعجزهم أمام العقاب الإلهي ، فتقول :( فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ ) (١) تماما كفلول جيش منهزم يرون سيوف العدو مسلولة وراءهم فيتفرقّون في كلّ جانب.

إلّا أنّه يقال لهؤلاء من باب التوبيخ والتقريع :( لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ ) .

إنّ هذه العبارة قد تكون إشارة إلى أنّ هؤلاء حينما كانوا غارقين في تلك النعمة الوفيرة ، كان السائلون وطالبو الحاجات يتردّدون دائما إلى أبوابهم ، يأتون والأمل يقدمهم ، ويرجعون بالخيبة والحرمان ، فالآية تقول لهم : ارجعوا وأعيدوا ذلك المشهد اللعين. وهذا في الحقيقة نوع من الاستهزاء والملامة.

واحتمل بعض المفسّرين أن تكون جملة( لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ ) إشارة إلى قدرة وثروة هؤلاء في الدنيا ، حيث كانوا يجلسون في زاوية وعلائم الابّهة والكبرياء بادية عليهم ، وكان الخدم يأتون إليهم ويحضرون عندهم بصورة متوالية ويسألون إن كان لديهم أمر أو عمل يقومون به.

أمّا من هو قائل هذا الكلام؟ فلم تصرّح الآية به ، فمن الممكن أن يكون نداء بواسطة ملائكة الله ، أو أنبيائه ورسله ، أو نداء صادر من داخل ضميرهم الخفي ووجدانهم.

في الحقيقة إنّه نداء إلهي يقول لهؤلاء : لا تفرّوا وارجعوا ، وكان يصل إليهم بإحدى هذه الطرق الثلاث.

__________________

(١) «الركض» يأتي بمعنى ركض الإنسان بنفسه ، أو بمعنى إركاض المركب والدابّة ، ويأتي أحيانا بمعنى ضرب الرجل على الأرض مثل( ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ ) سورة ص ـ ٤٢.

١٣٣

والجميل هنا أنّه قد ركّز على المسكن خاصّة من بين كلّ النعم الماديّة ، وربّما كان ذلك بسبب أنّ أوّل وسائل استقرار الإنسان هو وجود سكن مناسب. أو أنّ الإنسان يصرف أكثر مورد حياته في بيته ، وكذلك فإنّ أشدّ تعلّقه إنّما يكون بمسكنه.

على كلّ حال ، فإنّ هؤلاء يعون في هذا الوقت حقيقة الأمر ، ويرون ما كانوا يظنّونه مزاحا من قبل قد تجلّى أمامهم بصورة جديّة تماما ، فتعلو صرختهم :( قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ ) .

إلّا أنّ هذا الوعي الاضطراري للإنسان عند ما يواجه مشاهد العذاب لا قيمة له ، ولا يؤثّر في تغيير مصير هؤلاء ، ولذلك فإنّ القرآن في آخر آية من الآيات محلّ البحث يضيف :( فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً ) فيلقونهم على الأرض كالزرع المحصود ، وتبدّل مدينتهم التي غمرتها الحياة والحركة والعمران إلى قبور مهدّمة مظلمة ، فيصبحوا( خامِدِينَ ) (١) .

* * *

__________________

(١) خامد من مادّة الخمود ، بمعنى انطفاء النّار ، ثمّ أطلقت على كلّ شيء يفقد حركته وفاعليّته ونشاطه.

١٣٤

الآيات

( وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨) )

التّفسير

خلق السّماء والأرض ليس لهوا :

لمّا كانت الآيات السابقة قد عكست هذه الحقيقة وهي : إنّ الظالمين الذين لا إيمان لهم لا يعتقدون بوجود هدف وغاية من خلقهم إلّا الأكل والشرب والملذّات ، ويظنّون أنّ العالم بلا هدف ، القرآن الكريم يقول في الآيات التي نبحثها من أجل إبطال هذا النوع من التفكير ، وإثبات وجود هدف عال وسام من وراء خلق كلّ العالم ، وخاصّة البشر :( وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ) .

إنّ هذه الأرض الواسعة ، وهذه السّماء المترامية الأطراف ، وكلّ هذه الموجودات المتنوعة البديعة التي توجد في ساحتها تبيّن أنّ هدفا مهمّا في خلقها

١٣٥

... نعم ، إنّ الهدف هو بيان قدرة الخالق الجليل ، وإبراز جانب من عظمته من جهة ، ومن جهة أخرى ليكون دليلا على المعاد ، وإلّا فإنّ كلّ هذه الضجّة والغوغاء إن كانت لبضعة أيّام فلا معنى لها.

هل يمكن أن يبني الإنسان قصرا في وسط صحراء ، ويجهّزه بكلّ الوسائل ، وذلك من أجل أن يستريح فيه ساعة واحدة ـ طول عمره ـ عند مروره عليه؟

بعبارة موجزة : إذا نظرنا إلى هذا العالم العظيم من منظار الكفّار ، فسنراه لا فائدة فيه ولا هدف منه ، والإيمان بالمبدأ والمعاد هو الذي يجعل له معنى وغاية.

ثمّ تقول الآية التالية : الآن وقد ثبت أنّ العالم له هدف فإنّه لا ريب في أنّ الهدف من هذا الخلق لم يكن أن يلهو الله سبحانه وتعالى عن ذلك ، فإنّ هذا اللهو غير معقول ، فـ( لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ ) .

«اللعب» يعني العمل الغير هادف ، و «اللهو» إشارة إلى الأهداف غير المعقولة والملاهي.

هذه الآية تبيّن حقيقتين :

الأولى : أنّه بملاحظة كلمة (لو) ، وهي في لغة العرب للامتناع ، فهي تشير إلى أنّ من المحال أن يكون هدف الله هو اللهو.

والأخرى : إنّه على فرض أنّ الهدف هو اللهو ، فيجب أن يكون لهوا مناسبا لذاته ، كأن يكون من عالم المجردات وأمثال ذلك ، لا من عالم المادّة المحدود(١) .

ثمّ تقول بلهجة قاطعة من أجل إبطال أوهام الجاهلين الذين يظنّون عدم

__________________

(١) اعتبر بعض المفسّرين الآيات إعلاء إشارة إلى نفي عقائد المسيحيين ، أي اعتقدوا أنّ اللهو بمعنى الزوج والزوجة والولد. وقالوا : إنّ الآية تجيب هؤلاء وتقول : إنّنا إذا كنّا نريد أن نختار الصاحبة والولد فلم نكن ننتخبهما من جنس البشر.

إلّا أنّ هذا التّفسير لا يبدو مناسبا من عدّة جهات ، ومن جملتها أنّ ارتباط الآيات أعلاه بالآيات السابقة سينقطع ، والأخرى أنّ كلمة «اللهو» وخاصة إذا كانت بعد كلمة اللعب ، تعني التسليّ لا المرأة والولد.

١٣٦

هدفيّة الدنيا ، بل هي للهو واللعب فقط : إنّ هذا العالم مجموعة من الحقّ والواقع ، ولم يقم أساسه على الباطل( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ ) .

وتقول في النهاية :( وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ) وتتحدّثون عن عدم هدفية الخلق.

أي إنّنا نجعل الأدلّة العقليّة والاستدلالات الواضحة والمعجزات البيّنة إلى جانب ظنون وأوهام اللاهدفيين ، لتتبخّر وتتلاشى هذه الأوهام في نظر العلماء وأصحاب الفكر والرأي.

إنّ أدلّة معرفة الله واضحة ، وأدلّة وجود المعاد بيّنة ، وبراهين أحقيّة الأنبياء جليّة ، والحقّ يمكن تمييزه عن الباطل تماما إذا لم يكن الشخص من المعاندين.

وممّا يستحقّ الانتباه أنّ جملة «نقذف» من مادّة (قذف) بمعنى الإلقاء ، وخاصّة الإلقاء من طريق بعيد ، ولمّا كان للقذف من بعيد سرعة وقوّة أكثر ، فإنّ هذا التعبير يبيّن قدرة انتصار الحقّ على الباطل. وكلمة «على» أيضا مؤيّدة لهذا المعنى.

وجملة «يدمغه» على قول الراغب كسر «الجمجمة والدماغ» ، وتعتبر أكثر نقطة في بدن الإنسان حسّاسيّة ، وهو تعبير بليغ عن غلبة جند الحقّ غلبة واضحة قاطعة.

والتعبير بـ (إذا) توحي بأنّا حتّى في الموارد التي لا ينتظر ولا يتوقّع انتصار الحقّ فيها ، فإنّنا سنجري هذه السنّة. والتعبير بـ «زاهق» والذي يعني الشيء المضمحل ، تأكيد على هذا المقصود.

وأمّا أنّ جملتي (نقذف) و (يدمغ) قد جاء تا بصيغة الفعل المضارع ، فهو دليل على استمرار هذه السنّة.

* * *

١٣٧

بحث

الهدف من الخلق :

في الوقت الذي لا يعترف المادّيون بهدف للخلق ، لأنّهم يعتقدون أنّ الطبيعة الفاقدة للعقل والشعور والهدف هي التي ابتدأت الخلق ، ولهذا فإنّهم يؤيّدون اللغوية وعدم الفائدة في مجموعة الوجود ، فإنّ الفلاسفة الإلهيين وإتباع الأديان جميعا يعتقدون بوجود هدف سام للمخلوقات ، لأنّ المبدئ للخلق قادر وحكيم وعالم ، فمن المستحيل أن يقوم بعمل لا فائدة فيه.

وهنا ينقدح هذا السؤال : ما هو الهدف؟

قد نتوهّم أحيانا نتيجة قياس الله سبحانه على ذواتنا وأنفسنا ونتساءل : هل كان الله محتاجا وينقصه شيء ، وكان يريد بخلق الوجود ، ومن جملته الإنسان ، أن يسدّ ذلك النقص ويرفع تلك الحاجة؟

هل هو محتاج لعبادتنا ودعائنا ومناجاتنا؟ هل كان يريد أن يعرف فخلق الخلق ليعرف؟

إلّا أنّ هذا كما قلنا خطأ كبير ناشئ من المقارنة بين الله وخلقه ، في حين أنّ هذه المقارنة والقياس غير الصحيح هو أكبر سدّ ومانع في بحث معرفة صفات الله ، ولذلك فإنّ أوّل أصل في هذا البحث هو أن نعلم أنّ الله سبحانه لا يشبهنا في أي شيء.

فالإنسان موجود محدود من كلّ النواحي ، ولذلك فإنّ كلّ مساعينا هي من أجل رفع نواقصنا واحتياجاتنا ، ندرس لنتعلّم فنمحو نقص جهلنا ، ونسعى للعمل والكسب لدفع الفقر ونكسب الثروة ، نهيّئ الجيوش والقوى لنسدّ النقص في قوانا أمام العدوّ ، وحتّى في الأمور المعنوية أو تهذيب النفس أو التكامل المعنوي والروحي ، فإنّ السعي والجدّ في كلّ ذلك من أجل رفع النواقص

ولكن ، هل من المعقول أن يقوم الوجود المطلق غير المتناهي في كلّ الجهات

١٣٨

(فعلمه وقدرته وقوّته غير محدودة ، ولا يعاني أي نقص في الوجود) بعمل لرفع حاجته؟

يتّضح من هذا التحليل أنّ الخلق ليس عبثا من جهة ، ومن جهة أخرى فإنّ الهدف من الخلق لا يعود إلى الخالق. وهنا يمكن أن نصل ببساطة إلى نتيجة ، وهي : أنّ الهدف ، حتما وبلا شكّ ، أمر يرتبط بنا.

ومع ملاحظة هذه المقدّمة يمكن التوصّل إلى أنّ هدف الخلقة هو تكاملنا وارتقاؤنا ولا شيء سواه.

وبتعبير آخر فإنّ عالم الوجود بمثابة مدرسة لتكاملنا في مجال العلم.

ودار حضانة لتربية وتهذيب نفوسنا.

ومتجر لكسب الموارد المعنوية ، وأرض زراعية غنيّة صالحة لإنتاج أنواع المحصولات الإنسانية.

أجل «الدنيا مزرعة الآخرة الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار غنى لمن تزوّد منها ، ودار موعظة لمن اتّعظ بها»(١) .

إنّ هذه القافلة قد تحركت من عالم العدم ، وهي تسير دائما إلى ما لا نهاية له.

ويشير القرآن المجيد إشارات قصيرة عميقة المعنى جدّا في آيات مختلفة إلى وجود هدف معيّن من الخلق من جهة ، ومن جهة أخرى فإنّه يشخّص هذا الهدف ويوضّحه.

فيقول في الجانب الأوّل :( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً ) (٢) .

( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ ) (٣) .

__________________

(١) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، رقم ١٣١.

(٢) القيامة ، ٣٦

(٣) المؤمنون ، ١١٥

١٣٩

( وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (١) .

وفي الجانب الآخر ، فإنّه جعل هدف الخلق في بعض الآيات عبودية الله وعبادته :( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) (٢) ، ومن البديهي أنّ العبادة منهج لتربية الإنسان في الأبعاد المختلفة العبادة بمعناها الشمولي التي هي التسليم لأمر الله ستهب روح الإنسان تكاملا في الأبعاد المختلفة ، وقد بيّنا تفصيله في ذيل الآيات المرتبطة بالعبادات المختلفة.

ويقول : أحيانا إنّ الهدف من الخلقة هو إيقاظكم وتوعيتكم وتقوية إيمانكم واعتقادكم:( اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٣) .

ويقول تارة : إنّ الهدف من الخلق هو اختبار حسن عملكم :( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (٤) .

إنّ الآيات الثلاث آنفة الذكر والتي يشير كلّ منها إلى بعد من أبعاد وجود الإنسان الثلاث ـ بعد الوعي والإيمان ، وبعد الأخلاق ، وبعد العمل ـ تبيّن هدف الخلق التكاملي الذي يعود على الإنسان نفسه.

ويجدر أن نشير إلى هذه «اللطيفة» ، وهي أنّه لمّا كانت آيات القرآن غير حاوية لكلمة التكامل ، فإنّ بعضا يتصوّر أنّها من الأفكار المستوردة ، إلّا أنّ الردّ على مثل هذا التصّور أو الإشكال واضح ، لأنّنا لسنا في صدد الألفاظ الخاصّة ، فمفهوم التكامل ومصاديقه جليّة في الآيات آنفة الذكر ، ترى ألم يكن العلم مصداقه الواضح أم لم يكن الارتقاء في العبودية وحسن العمل من مصاديقه!

__________________

(١) سورة ص ، ٢٧.

(٢) الذاريات ، ٥٦.

(٣) الطلاق ، ١٢.

(٤) الملك. ٢.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

بمنى دون مكة(١) ، فإن لم يتمكن منها صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو عند أهله(٢) ، والأحوط الاولى أن تكون متواليات(٣) .

ويجري هذا الحكم في من أفاض من عرفات نسياناً أو جهلا منه بالحكم، فيجب عليه الرجوع بعد العلم أوالتذكر، فإن لم يرجع حينئذ فعليه الكفارة على الاحوط(٤) .

مسألة ٢٧٦: إن جملة من مناسك الحج كالوقوف في عرفات وفي المزدلفة ورمي الجمار والمبيت بمنى، بما أن لها أياما وليالي خاصة من شهر ذي الحجة الحرام، فوظيفة المكلف أن يتحرى رؤية هلال هذا الشهر ليتسنى له الإتيان بمناسك حجه في أوقاتها.

وإذا ثبت الهلال عند قاضي الديار المقدسة، وحكم على طبقه،

____________________

رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس، قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في أهله.

(١) كما هو ظاهر صحيحة ضريس، اذ قولهعليه‌السلام «ينحرها يوم النحر» كناية عن النحر في منى والقرينة واضحة فتدبر.

(٢) للصحيحة المتقدمة.

(٣) خروجا عن خلاف المحقق في الشرائع وصاحب الجواهر.

(٤) وجه الاحتياط أن موضوع الكفارة في النصوص الافاضة العمدية، وبإطلاقها قد تكون شاملة للمقام وهو لايخلو من قوة.

٢٤١

وفرض مخالفته للموازين الشرعية، فقد يقال بحجيته حكمه في حق من يحتمل مطابقته مع الواقع، فيلزمه متابعته وترتيب آثار ثبوت الهلال فيما يرتبط بمناسك حجه من الوقوفين وغيرهما، فإذا فعل ذلك حكم بصحة حجه وإلا كان محكوما بالفساد.

بل قد يقال بالاجتزاء بمتابعة حكمه حتى فيما لم يحتمل مطابقته مع الواقع في خصوص ماتقتضي التقية الجري على وفقه.

ولكن كلا القولين في غاية الإشكال(١) ، وعلى هذا فإن تيسر للمكلف أداء أعمال الحج في أوقاتها الخاصة حسبما تقتضيه الطرق المقررة لثبوت الهلال وأتى بها صح حجه مطلقا على الأظهر.

وإن لم يأت بها كذلك - ولو لعذر - فإن ترك أيضا اتباع رأي القاضي في الوقوفين فلا شك في فساد حجه، وأما مع اتباعه ففي صحة حجه إشكال.

____________________

(١) للقصور في دلالة النصوص، وجزم السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته بالاجزاء في صورة احتمال المخالفة، وفصل بعض الاساتذة في صورة العلم بالخلاف بين كون التقية مستوعبة للوقت او لا، فيجزي في الاول دون الثاني وله شواهد في باب الصلاة، ويمكن استشعار الصحة مطلقا من معتبرة ابي الجارود عن ابي جعفرعليه‌السلام قال: الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس والصوم يوم يصوم الناس.

٢٤٢

الوقوف في المزدلفة

وهو الثالث من واجبات حجّ التمتع.

والمزدلفة اسم لمكان يقال له: المشعر الحرام، وحدّ الموقف من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر، وهذه كلها حدود المشعر وليست بموقف إلا عند الزحام وضيق الموقف، فإنه يجوز حينئذ الارتفاع الى المأزمين(١) .

مسألة ٢٧٧: يجب على الحاجّ - بعد الإفاضة من عرفات - أن يبيت شطرا من ليلة العيد بمزدلفة حتى يصبح بها، والاحوط أن يبقى فيها إلى طلوع الشمس(٢) ، وإن كان الاظهر جواز الإفاضة منها إلى وادي

____________________

(١) ففي موثقة سماعة قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ فقال: يرتفعون إلى وادي محسر، قلت: فإذا كثر الناس بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ قال: يرتفعون إلى المأزمين، قلت: فإذا كانوا بالموقف وكثروا وضاق عليهم كيف يصنعون ؟ فقال: يرتفعون إلى الجبل.

(٢) تبعا للاكثر.

٢٤٣

محسر قبل الطلوع بقليل(١) .

نعم لايجوز تجاوز الوادي إلى منى قبل أن تطلع الشمس(٢) .

مسألة ٢٧٨: الوقوف في تمام الوقت المذكور وإن كان واجباً في حال الاختيار إلا أن الركن منه هو الوقوف في الجملة.

فإذا وقف بالمزدلفة مقدارا من ليلة العيد ثم أفاض قبل طلوع الفجر صح حجه على الاظهر وعليه كفارة شاة إن كان عالماً، وإن كان جاهلا فلا شيء عليه(٣) .

____________________

(١) تشهد له صحيحة هشام عنهعليه‌السلام قال: لاتجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس »، وفي موثقة اسحاق قال: سألت أبا ابراهيمعليه‌السلام أي ساعة أحب إليك أن أفيض من جمع ؟ قال: قبل أن تطلع الشمس بقليل فهو أحب الساعات إليّ، قلت: فان مكثنا حتى تطلع الشمس ؟ قال: لابأس »، ومثلها صحيحة معاوية بن حكيم، وعن ابن مهزيار عمن حدثه عن حماد عن جميل عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس وسائر الناس إن شاءوا عجلوا وإن شاءوا أخروا »، وفي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: ثم أفض حيث يشرق لك ثبير وترى الابل مواضع أخفافها.

(٢) كما هو مقتضي صحيحة هشام.

(٣) تدل عليه صحيحة مسمع عن ابي ابراهيمعليه‌السلام في رجل

=

٢٤٤

وإذا وقف مقدارا مما بين الطلوعين ولم يقف الباقي ولو متعمداً صح حجه أيضا ولاكفارة عليه وإن كان آثما(١) .

مسألة ٢٧٩: يستثنى من وجوب الوقوف بالمزدلفة بالمقدار المتقدم الخائف والصبيان والنساء والضعفاء - كالشيوخ والمرضى - ومن يتولى شؤونهم، فإنه يجوز لهؤلاء الاكتفاء بالوقوف فيها ليلة العيد والإفاضة منها إلى منى قبل طلوع الفجر(٢) .

مسألة ٢٨٠: يعتبر في الوقوف بالمزدلفة نية القربة والخلوص(٣) ، كما يعتبر فيه أن يكون عن قصد نظير مامر في الوقوف بعرفات.

مسألة ٢٨١: من لم يدرك الوقوف الاختياري - الوقوف في الليل والوقوف فيما بين الطلوعين - في المزدلفة لنسيان أولعذر آخر أجزأه

____________________

=

وقف مع الناس بجمع، ثم أفاض قبل أن يفيض الناس، قال: إن كان جاهلا فلا شيء عليه، وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة» وهي كما ترى ظاهر في وجوب الكفارة على من أفاض قبل الفجر مطلقا حتى الجاهل، لوجه المقابلة فتدبر.

(١) اما عدم الكفارة فلعدم الدليل، واما الاثم فلترك الواجب.

(٢) بلا خلاف في ذلك لجملة من النصوص.

(٣) لكونها عبادة متقومة بذلك.

٢٤٥

الوقوف الاضطراري(١) - الوقوف قليلا فيما بين طلوع الشمس الى زوالها يوم العيد - ولو تركه عمداً فسد حجه(٢) .

إدراك الوقوفين أو أحدهما

تقدم أن كلاً من الوقوفين - الوقوف في عرفات والوقوف في المزدلفة - ينقسم الى قسمين: اختياري واضطراري، فإذا أدرك المكلف الاختياري من الوقوفين كليهما فلا إشكال، وإن فاته ذلك لعذر فله صور:

الاولى: أن لايدرك شيئا من الوقوفين - الاختياري منهما والاضطراري - أصلا، ففي هذه الصورة يبطل حجه ويجب عليه الإتيان بعمرة مفردة بنفس إحرام الحج(٣) .

وإذا كان حجه حجة الإسلام وجب عليه اداء الحج بعد ذلك

____________________

(١) بلا خلاف في ذلك للنصوص.

(٢) لتركه الركن بترك بدله الاضطراري.

(٣) نصاً واجماعاً.

٢٤٦

فيما اذا كانت استطاعته باقية أو كان الحج مستقراً في ذمته(١) .

الثانية: أن يدرك الوقوف الاختياري في عرفات والاضطراري في المزدلفة.

الثالثة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات والاختياري في المزدلفة.

ففي هاتين الصورتين يصحّ حجه بلا إشكال(٢) .

الرابعة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في كل من عرفات والمزدلفة، والاظهر في هذه الصورة صحة حجه(٣) ، وإن كان الاحوط إعادته(٤) بعد ذلك كما في الحالة المتقدمة في الصورة الاولى(٥) .

____________________

(١) ووجهه ظاهر.

(٢) للنص والاجماع.

(٣) لقولهعليه‌السلام في صحيحة العطار: إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر، فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجمع ووجدهم قد أفاضوا، فليقف قليلا بالمشعر الحرام وليلحق الناس بمنى ولاشيء عليه.

(٤) والظاهر أنه لاوجه لهذا الاحتياط، إلا أن يكون خروجا عن خلاف من تردد او حكم بالبطلان.

(٥) اذا كانت استطاعته باقية او كان الحج مستقرا عليه.

٢٤٧

الخامسة: أن يدرك الوقوف الاختياري في المزدلفة فقط، ففي هذه الصورةيصح حجه أيضا(١) .

السادسة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في المزدلفة فقط والاظهر في هذه الصورة بطلان الحج(٢) وانقلابه الى عمرة مفردة.

____________________

(١) بلا خلاف في ذلك وتدل عليه جملة من النصوص منها صحيحة معاوية المتقدمة.

(٢) كما هو المشهور، لجملة من النصوص الصريحة الصحيحة، وفي قبالها طائفة اخرى تدل على الصحة بالاطلاق، فيرفع اليد عنها تقديما للنص على الظاهر، اذ لسان الثانية «من ادرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج» فبإطلاقها تشمل من لم يدرك عرفات اصلا، اما لسان الاولى ففي صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن الرجل يأتي بعدما يفيض الناس من عرفات، فقال: ان كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا، فلايتم حجه حتى يأتي عرفات، وإن قدم رجل وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله تعالى أعذر لعبده فقد تم حجه اذا ادرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس، فان لم يدرك المشعر الحرام، فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل » وهى ناصة على بطلان من أدرك المشعر الاضطراري كما لايخفي.

وذهب بعض الاساتذة الى التفصيل بين حج التمتع والافراد، فذهب الى

=

٢٤٨

السابعة: أن يدرك الوقوف الاختياري في عرفات فقط، والأظهر في هذه الصورة أيضا بطلان الحج(١) فينقلب حجه الى

____________________

=

الصحة في الاول والبطلان في الثاني، لكون أدلة الصحة بعضها صريح في التمتع والاخر مطلق، وأدلة البطلان بعضها مقيد بالافراد والاخر مطلق من حيث نوعية الحج، ففي صحيحة حريز قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن رجل مفرد للحج فاته الموقفان جميعا، فقال له الى طلوع الشمس يوم النحر فان طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل » ومثلها رواية اسحاق.

وفي صحيحة جميل: من أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج، ومن ادرك يوم عرفة قبل زوال الشمس فقد أدرك المتعة.

(١) خلافا للمشهور والمعروف بين الاصحاب، وفي الجواهر نفى الخلاف المحقق في صحة الاجتزاء به بل في المنتهى أنه موضع وفاق، تبعا لعدة من النصوص.

ففي صحيحة الخثعمي عن ابي عبداللهعليه‌السلام أنه قال في رجل لم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتى أتي منى، قال: ألم ير الناس؟ ألم ينكر منى حين دخلها ؟ قلت: فإنه جهل ذلك، قال: يرجع، قلت: إن ذلك قد فاته، قال: لابأس.

وفي صحيحة معاوية قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : مملوك اعتق يوم عرفة ؟ قال: إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج»، وفي صحيحته

=

٢٤٩

العمرة المفردة، ويستثنى من ذلك ما إذا مر بمزدلفة في الوقت الاختياري في طريقه الى منى، ولكن لم يقصد الوقوف بها جهلا منه بالحكم، فإنه لايبعد صحة حجه حينئذ إذا كان قد ذكر الله تعالى عند مروره بها(١) .

____________________

=

الاخرى عنهعليه‌السلام في مملوك اعتق يوم عرفة، قال: اذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج، وإن فاته الموقفان فقد فاته الحج، ويتم حجه ويستأنف حجة الإسلام فيما بعد » فدلالتها صريحة بل نص في اجزاء أحد الموقفين ولاخصوصية قطعا للعبد اذ قولهعليه‌السلام «اذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج » حكم كلي أحد موارده العبد المعتوق ليلة عرفة.

أما قولهعليه‌السلام في حسنة الحلبي « اذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج » فهو قابل للتقييد، أو الحمل على أن الانسان اذ قدم وقد فاتته المزدلفة فقد فاته الحج بخلاف ما اذا قدم وقد فاته عرفات فإن الحج لايفوت بفواته، فهي في مقام تحديد آخر مايمكن أن يدرك به الحج، فما عليه المشهور هو المعتمد خلافا للعلامة وغيره من المعاصرين، والله العالم.

(١) ففي صحيحة ابن حكيم قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : أصلحك الله الرجل الاعجمي والمرأة الضعيفة تكونان مع الجمال الاعرابي، فإذا أفاض بهم من عرفات مر بهم كما هو إلى منى لم ينزل بهم جمعا، قال: أليس قد صلوا بها، فقد أجزأهم، قلت: فإن لم يصلوا بها ؟ قال: فذكروا الله فيها، فإن كانوا ذكروا الله فيها فقد أجزأهم.

٢٥٠

الثامنة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات فقط، ففي هذه الصورة يبطل حجه(١) وينقلب الى العمرة المفردة.

منى وواجباتها

يجب على الحاج بعد الوقوف في المزدلفة الإفاضة الى منى، لاداء الأعمال الواجبة هناك، وهي كما نذكرها تفصيلا ثلاثة:

١ - رمي جمرة العقبة

الرابع - من واجبات الحج -: رمي جمرة العقبة يوم النحر ويعتبر فيه أمور:

١ - نية القربة والخلوص.

٢ - أن يكون الرمي بسبع حصيات، ولايجزىء الأقل من ذلك، كما لايجزىء رمي غيرها من الأجسام.

٣ - أن يكون رمي الحصيات واحد بعد واحدة، فلا يجزىء

____________________

(١) لعدم الدليل على الصحة.

٢٥١

رمي اثنتين أو أكثر مرة واحدة.

٤ - أن تصل الحصيات إلى الجمرة فلا يحسب مالا يصل(١) .

٥ - أن يكون وصولها الى الجمرة بسبب الرمي، فلا يجزىء وضعها عليها(٢) .

٦ - أن يكون كل من الاصابة والرمي بفعله(٣) ، فلو كانت الحصاة بيده فصدمه حيوان أو انسان وألقيت إلى الجمرة لم يكف، وكذا لو ألقاها فوقعت على حيوان أو انسان فتحرك فحصلت الإصابة بحركته(٤) .

نعم، إذا لاقت الحصاة في طريقها شيئا ثم أصابت الجمرة - ولو بصدمته كما لو وقعت على أرض صلبة فطفرت فأصابتها - فالظاهر الإجزاء(٥) .

____________________

(١) نصاً واجماعاً وسيرةً في كل مامر.

(٢) لعدم تحقق الرمي.

(٣) ووجه واضح.

(٤) ففي صحيحة معاوية: اذا رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها.

(٥) تشهد له صحيحة معاوية وفيها: وإن اصابت انساناً أو جملاً ثم وقعت على الجمار أجزأك.

٢٥٢

٧ - أن يكون الرمي بيده(١) ، فلو رمى الحصيات بفمه أو رجله لم يجزئه، وكذا لو رماها بآلة - كالمقلاع - على الاحوط(٢) .

٨ - أن يكون الرمي بين طلوع الشمس وغروبها(٣) ، ويجزىء للنساء وسائر من رخص لهم الإفاضة من المشعر في الليل أن يرموا بالليل (ليلة العيد).

* مسألة ٢٨٢: من يتولى شؤون المعذورين والنساء اذا استغني عن مرافقته لهم في نهار يوم العيد بمقدار الرمي لم يجزئه الرمي ليلا(٤) .

____________________

(١) لانصراف الرمي إليه وهو القدر المتيقن، مؤيدا ببعض النصوص، ففي مصححة أبي بصير قال: قال ابو عبداللهعليه‌السلام : خذ حصى الجمار بيدك اليسرى وارم باليمنى »، وفي صحيحة البزنطي عن ابي الحسنعليه‌السلام قال: حصى الجمار تكون مثل الأنملة - الى ان قال - تخذفهن خذفا وتضعها على الإبهام وتدفعها بظفر السبابة.

(٢) وجه التوقف صدق الرمي باليد، مع مخالفتها للسيرة الجارية والعادة المتبعة من زمان المعصومين الى الان.

(٣) نصاً واجماعاً.

(٤) لعدم العذر الموجب لجواز الرمي ليلا.

٢٥٣

مسألة ٢٨٣: إذا شك في الاصابة وعدمها بنى على العدم(١) إلا مع التجاوز عن المحل، كما إذا كان الشك بعد الذبح أو الحلق أو بعد دخول الليل(٢) .

مسألة ٢٨٤: يعتبر في الحصيات أمران:

١ - أن تكون من الحرم سوى المسجد الحرام ومسجد الخيف(٣) ، والافضل أخذها من المشعر(٤) .

٢ - أن تكون أبكاراً على الاحوط(٥) ، بمعنى أن لاتكون

____________________

(١) اذ الاصل عدم الاصابة.

(٢) لقاعدة الفراغ وكذا التجاوز.

(٣) لقولهعليه‌السلام في معتبرة حنان: يجزيك أن تأخذ حصى الجمار من الحرم كله، إلا من المسجد الحرام ومسجد الخيف.

(٤) لقولهعليه‌السلام في صحيحة معاوية: خذ حصى الجمار من جمع، وإن أخذته من رحلك بمنى أجزأك.

(٥) بلاخلاف وقد ادعي عليه الاجماع، وتدل عليه عدة من النصوص:

ففي مرسلة حريز عمن أخبره عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته من أين ينبغي أخذ حصى الجمار ؟ قال: لاتأخذ من موضعين: من خارج الحرم ومن حصى الجمار، ولابأس بأخذه من سائر الحرم.

وفي حسنة عبد الاعلى عنهعليه‌السلام في حديث: لاتأخذ من حصى

=

٢٥٤

مستعملة في الرمي قبل ذلك، ويستحب فيها أن تكون ملوّنة ومنقّطة ورخوة، وإن يكون حجمها بمقدار أنملة، وإن يكون الرامي راجلا، وعلى طهارة(١) .

مسألة ٢٨٥: إذا زيد على الجمرة في ارتفاعها ففي الاجتزاء برمي المقدار الزائد اشكال(٢) ، فالاحوط أن يرمي المقدار الذي كان سابقا، فإن لم يتمكن من ذلك رمى المقدار الزائد بنفسه واستناب شخصا آخر لرمي المقدار المزيد عليه، ولافرق في ذلك بين العالم

____________________

=

الجمار » وزاد عليه الصدوق «الذي قد رمي».

وحيث ان هذه النصوص على مذاق الاعلام ضعيفة السند وعدم انجبار الرواية بعمل المشهور فالمقام يقتضي الاحتياط.

(١) كل ذلك تبعاً لجملة من النصوص فراجع.

(٢) الظاهر من جملة من الروايات ان الواجب هو رمي موضع الجمرة الذي تمثل فيه الشيطان لابراهيمعليه‌السلام ، فرمي المقدار الزائد على ماكان يصدق عليه أنه رمي لموضع الجمرة، إذ البناء ماهو إلا رمز لهذا الشعار وإنه في هذا الموضع لافي آخر، مضافا الى تجدد البناء مرات عديدة طوال التاريخ - بل في عصر الائمةعليهم‌السلام - وهذا امر لايمكن ان ينكر، إذ استمرار عملية الرمي يستلزم منه تهشم الجمرة في السنة الواحدة فضلا عن السنوات المتعاقبة، ولم نر في اسئلة الرواة مايثير الشك في ذلك.

٢٥٥

والجاهل والناسي.

* مسألة ٢٨٦: الجدار الخلفي لجمرةالعقبة الذي أزيل أخيراً لايجتزى به على الاحوط إن لم يكن أقوى(١) .

* مسألة ٢٨٧: لايعتبر الكون في منى عند القيام برمي جمرة العقبة، فلا مانع من الوقوف حال الرمي بعيداً عنها من جهة وجهها(٢) ، بل يستحب أن يقف الرامي بعيداً بمقدار عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعاً.

مسألة ٢٨٨: إذا لم يرم يوم العيد لعارض من نسيان أو جهل بالحكم أو غيرهما لزمه التدارك متى ارتفع العارض(٣) ، ولو كان

____________________

(١) وذهب السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته الى الاجتزاء.

(٢) لعدم إشتراطه في النصوص.

(٣) تشهد له صحيحة معاوية قال: سألت ابا عبداللهعليه‌السلام ماقولك في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت الى مكة ؟ قال: فلترجع ولترم الجمار، كما كانت ترمي والرجل كذلك » ومقتضى اطلاق وجوب الرجوع للرمي وإن كان بعد ايام التشريق، وذهب المشهور بل لم ينقل الخلاف من وجوب الرجوع مادامت لم تنقضي ايام التشريق، تمسكاً بحسنة عمر بن يزيد عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال: من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل، فان لم يحج رمى عنه

=

٢٥٦

ارتفاعه في الليل أخر التدارك الى النهار، إذا لم يكن ممن رخص له الرمي ليلا كماسيأتي في رمي الجمار.

والظاهر وجوب التدارك عند ارتفاع العارض مادام الحاج بمنى، بل وفي مكة، حتى ولو كان ذلك بعد اليوم الثالث عشر، وإن كان الأحوط في هذه الصورة أن يعيد الرمي في السنة القادمة بنفسه إن حج أوبنائبه إن لم يحج(١) .

وإذا ارتفع العارض بعد خروجه من مكة فلا يجب عليه الرجوع(٢) ، بل يرمي في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه على الاحوط

____________________

=

وليه، فإن لم يكن له ولي استعان برجل من المسلمين يرمي عنه، فانه لايكون رمي الجمار إلا في أيام التشريق » وتوقف بعض الاعلام فيها لضعف سندها لوجود محمد بن عمر بن يزيد وهو لم يوثق، لكن يمكن اعتبار حاله لانه من اصحابنا المصنفين وقد ذكره الشيخ والنجاشي مع عدم طعن الاخير فيه وهو من أمارات الحسن اذ من دأبه الطعن او المدح.

(١) خروجا عن خلاف المشهور، وعملا بإطلاق صحيحة معاوية.

(٢) تشهد له صحيحة معاوية وفيها: فان نسيها حتى اتى مكة، قال: يرجع فيرمي متفرقا يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت: فانه نسي أو جهل حتى فاته وخرج، قال: ليس عليه أن يعيد.

٢٥٧

الاولى(١) .

مسألة ٢٨٩: إذا لم يرم يوم العيد نسياناً أو جهلاً، فعلم أو تذكر بعد الطواف فتداركه لم تجب عليه إعادة الطواف(٢) ، وإن كانت الإعادة أحوط(٣) .

وأما اذا كان الترك لعارض آخر - سوى الجهل او النسيان - فالظاهر بطلان طوافه، فيجب عليه أن يعيده بعد تدارك الرمي(٤) .

٢ - الذبح أو النحر في منى

وهو الخامس من واجبات حج التمتع.

ويعتبر فيه قصد القربة والخلوص، وعدم تقديمه على نهار يوم العيد إلا للخائف ن فإنه يجوز له الذبح والنحر في ليلته(٥) ، ويجب

____________________

(١) لحسنة ابن يزيد وإطلاق صحيحه معاوية المتقدمة.

(٢) لعدم الامر به في النصوص.

(٣) رعاية للترتيب.

(٤) لاخلاله بالترتيب الواجب.

(٥) لقولهعليه‌السلام في صحيحة ابن سنان: لا بأس أن يرمي الخائف بالليل ويضحي ويفيض بالليل.

٢٥٨

الإتيان به بعد الرمي على الاحوط(١) ، ولكن لو قدمه عليه جهلا أو نسيانا صح ولم يحتج إلى الاعادة(٢) .

ويجب أن يكون الذبح أو النحر بمنى(٣) ، وإن لم يمكن ذلك لكثرة الحجاج وضيق منى عن استيعاب جميعهم، فلا يبعد جواز الذبح أو النحر بوادي محسر(٤) ، وإن كان الاحوط تركه مالم يحرز

____________________

(١) ذهب الشيخ في الخلاف وابو الصلاح في الكافي وابن ابي عقيل وابن ادريس الى استحباب الترتيب بين اعمال منى الثلاثة، وقرّبه العلامة في المختلف، تمسكا بصحيحة ابن سنان قال: سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحي، قال: لابأس وليس عليه شيء ولايعودن.

وذهب الاكثر الى وجوب الترتيب للروايات البيانية التي ظاهرها ذلك وسيأتي بيانه في الحلق والتقصير فراجع.

(٢) نصاً واجماعاً.

(٣) نصاً واجماعاً.

(٤) تشهد له موثقة سماعة قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ فقال: يرتفعون إلى وادي محسر، قلت: فإذا كثر الناس بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ قال: يرتفعون إلى المأزمين، قلت: فإذا كانوا بالموقف وكثروا وضاق عليهم كيف يصنعون ؟ فقال: يرتفعون إلى الجبل.

فإذا جاز الوقوف والمبيت بوادي محسر بدلا عن منى في ظرف الضيق

=

٢٥٩

عدم التمكن من الذبح أو النحر بمنى الى آخر أيام التشريق(١) .

مسألة ٢٩٠: الأحوط أن يكون الذبح أو النحر يوم العيد، وإن كان الاقوى جواز تأخيره إلى آخر أيام التشريق(٢) ، والأحوط عدم الذبح في الليل مطلقا(٣) حتى الليالي المتوسطات بين أيام التشريق إلا

____________________

=

جاز ترتيب بقية الاحكام من الذبح والحلق، إذ الضيق كما يتحقق من الوقوف والمبيت بها يتحقق أيضا من الذبح فيها كما لايخفي، بل لعله اكثر مصداقية من المبيت لكثرة ماكان يضحى من الانعام الثلاثة في يوم العيد وهذه الكثرة تتطلب مساحات كبيرة من أرض منى.

(١) لعله لجواز تأخير الذبح الى اخر ايام التشريق اختيارا.

(٢) وذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والمصباح الى ان وقت النحر او الذبح طول ذي الحجة، ومثله في الغنية والسرائر وهو ظاهر المهذب، لاطلاقات الادلة ومفهوم الشرط في حسنة الكرخي عن أبي عبداللهعليه‌السلام في رجل قدم بهديه مكة في العشر، فقال: إن كان هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكة إن شاء، وإن كان قد أشعره أو قلده فلا ينحره إلا يوم الاضحى »، وصريح صحيحة ابي بصير عن أحدهماعليهما‌السلام قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد مايهدي، حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة، أيذبح أو يصوم، قال: بل يصوم، فإن أيام الذبح قد مضت»، مضافا إلى القصور في ادلة التعيين.

(٣) بل الظاهر ذلك، لقولهعليه‌السلام في صحيحة ابن سنان: لابأس

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550