الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٠

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 550

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 550 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 206685 / تحميل: 6189
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

روحي ، فنمت سويعات وانتبهت على عادتي في السحر للتهجد ، وإذا بيدي سالمة ، ولم أشعر بألم فيها»(٥٧) .

١٢ ـ زوجة أحد السادة الخطباء :

حدثني فضيلة الشيخ مدن فتيل قائلاً : كان لي جار في قم ، وكان هذا الجار من السادة الخطباء ، وكنت واقفاً معه على باب بيته ، فقال لي : إنظر إلى هذا البيت ، بنيته وأثثته فتراكمت عليّ الديون ، وفي ذلك الوقت بالذات أصيبت زوجتي بآلام شديدة في بطنها ، فأخذتها إلى الطبيب فلما كشف عليها ، قال : إنّها مصابة بالحصوة ، ويحتاج علاجها إلى عملية جراحية ، وهذه العملية تكلف أربعين الف تومان ، وكنت في ذلك الوقت لا أملك شيئاً ، فبقيت متحيراً وضاقت بيّ الدنيا ، إلى من أذهب؟ وفي النهاية إهتديت إلى التوسل بأمي فاطمة الزهراء عليها السلام ، ورأيت أحسن مكان للتوسل بها عند ضريح إبنتها السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام ، وصرت أتوسل بالزهراء عليها السلام وابنتها فاطمة المعصومة عليها السلام ، وصادف أن هناك شيخاً عالماً ، وكان على عهد قريب جاء من النجف ، فرآني أبكي وأتوسل ، فناداني وقال لي : يا بنيّ ماذا عندك؟ فأخبرته بقصة زوجتي. فقال : دواء زوجتك عندي في البيت وهلمى معي إلى البيت ، فسرت معه إلى بيته فأخرج لي قليلاً من تربة سيد الشهداء عليه السلام فقال لي : فقط تأكل زوجتك شيئاً من هذه التربة ، فسوف يمنّ الله عليها بالصحة والعافية. يقول السيد : أقسم بحق جدتي فاطمة عليها السلام ، بمجرد وضعت التربة في فمها وأكلتها ، وإذا هي تشعر بأنّ الحصوة قد خرجت من جسدها.

__________________

(٥٧) ـ الرضوي ، السيد محمد الرضي : التحفة الرضوية / ٣٠٦.

٦١

١٣ ـ أحمد عبد الواحد الزَيْن :

حدثني فضيلة الشيخ مدن فتيل قائلاً : خال زوجتي اسمه عبد الواحد بن الحاج عبد المهدي الزين ، صعد إلى سطح بيته ـ وكانت هذه القصة أثناء أيام عاشوراء ـ لإصلاح أنتل التلفزيون ، وصعد خلفه ابنه الأكبر (أحمد) ـ وكان طفلاً صغيراً عمره خمس سنوات ـ فبينما كان يصلح الأنتل أصابت إحدى حدائده عين الطفل ، وفي ذلك الوقت أحس بآلام شديدة ، وبعدها أخذه أبوه إلى مستشفى القطيف المركزي ، ولكن الطبيب أخطأ فوضع ضمادة على عينه ، مما زاد في آلام عينه ، فأخذه أبوه إلى طبيبة كانت تعالج في مستشفى الشويكة ، فلما كشفت الطبيبة ، رفعت الضمادة عن عين الطفل ، وقالت : إنّ الطبيب قد أخطأ في حق الولد ، المفروض أن لا يضع الضمادة ، فلما فحصت عينه ؛ قالت إنّ هذه الضربة سببت نزيفاً حاداً في عين الطفل ، ووصلت الضربة إلى داخل العين ، ونصحت والد الطفل أن يذهب به إلى مستشفى كبير ، حتى يعالج بقدر المستطاع ، فلما أخبرني بالقضية ؛ إتصلت بالدكتور عبد الرزاق آل سيف ، وكان يعمل في مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون بالرياض ، وبالفعل نسقت مع الدكتور ـ وطلب مني أن يحضر والد الطفل مع الطفل في يوم معين ـ ، فرتب له موعداً مع بروفسور أمريكي ، فلما كشف على عين الطفل ؛ قرر وقال لوالد الطفل : لا فائدة في علاجها لأنّها تالفة ؛ حيث وصلت الضربة إلى العدسة الداخلية ، ولكن كل ما أستطيع فعله أن أضع له عدسة خارجية لتجميل العين ، فرجع مع الطفل حزيناً ، وأخبرني بالقضية ، فقلت له : إذن نتوسل بالإمام الحسين عليه السلام وتربته الطاهرة ، وكنت ساكناً في شقة تملكها إمرأة كبيرة السن ، إسمها مليكة بنت المقدس الشيخ محمد صالح الماحوزي ، وهذه المرأة الصالحة

٦٢

جاورت في كربلاء المقدسة سنين طويلة ولهذا قصدتها ، وقلت : لعل عندها شيئاً من تربة الحسين عليه السلام ، وبالفعل إتصلت بها تلفونياً فأجابتني : نعم يا ولدي ، تعال وخذ هذه التربة ، فلما حضرت عندها ، أعطتني علبة كبريت فيها قليلاً من تربة الحسين عليه السلام وكانت لها رائحة زكية وعطرة جداً ، تختلف عن تربة الحسين عليه السلام التي نسجد عليها ، أخذت التربة الشريفة ، ووضعت شيئاً منها في الماء ، وجئت إلى بيت والد الطفل ، وكان الطفل في تلك الليلة يبكي من شدة الألم ، فقال أبوه وأمه : إنّ الآلام لا تسكن عنه ، دائماً يبكي. فتوسلنا بالإمام الحسين عليه السلام وقرأنا دعاء التربة الشريفة المخصوص ، وقطرت في عين الطفل بقطارة بعض النقاط ، فسبحان الله هدأ الطفل عن البكاء ونام ، فقال أبوه وأمه : هذه أول ليلة ينام بدون آلام ، وبعد ذلك قطرنا مرات ولعلها مرتين ، فأخذه أبوه إلى الدكتور الأمريكي ، فتفاجئ الطبيب أنّ الإصابة الداخلية إلتحمت ، وعادت العين كما كانت ، حتى العدسة الداخلية ، التي قال عنها أنّها تلفت عادت كما كانت ، وعادت العين من الخارج كما كانت على طبيعتها ، ثم قال الدكتور متجاهلاً : هل هذا الطفل المريض؟ إنّه ليس هو! فأخبروه : بأنه هو. فقال : العين عادت سليمة ، فبأي علاج عالجتموه؟ ليس في عالم الطب له علاج. يقول : فأخبرت المترجم أن يعلمه عن سر العلاج : إنّ عندنا إمام إسمه الإمام الحسين عليه السلام وتربته مباركة ، فوضعنا شيئاً من التربة في عينه ، والله سبحانه وتعالى مَنّ عليه بالصح والعافية ، والآن ـ ولله الحمد ـ الطفل ترك لبس النظارة ، وأنا لم أره إلى قبل أيام قلائل يلبس النظارة.

٦٣

١٤ ـ زوجة الحاج عبد الرضا الجعفري الخوزستاني :

حدثني الفاضل الخطيب الشيخ عبد الكريم الماربوري الخوزستاني ـ المجاور لثامن الأئمة الإمام الرضا عليه السلام ـ في عصر يوم الأحد الموافق ١٠ / ١٠ / ١٤٢٣ هـ ، في السنابس في البحرين ، بعد أن إلتمست منه التحدث عن بعض الكرامات التي سمعها للتربة الحسينية ، فذكر لي ما يلي : إنّ شخصاً اسمه السيد عبد الصاحب المحمّدِي ، ذهب لزيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، وكان عنده أقارب لهم علاقة بالكليدار ـ أي مسؤول الحرم ـ ، وكان من عادة مسؤولي الحرم يأتون بالتربة الشريفة من أماكن مخصوصة من كربلاء ، ويضعونها داخل الضريح لمدة سنة تقريباً (٥٨) ، ثم بعد ذلك يوزعونها في الحرم على العلماء والوجهاء والزائرين ، فحصل هذا السيد على شيء من تلك التربة ، وقد أصيبت

__________________

(٥٨) ـ قال السيد ابن طاووس في كتابه الإقبال / ٥٨٩ : «أقول : وكنت أجد جماعة من أصحابنا يأخذون التربة الشريفة من ضريح مولانا الحسين عليه السلام والصلاة والرضوان ، ليلة ثلاثة وعشرين من شهر رمضان ، فقلت لمن قلت منهم : هل وجدتم أثراً أو خبراً بأخذ هذه التربة في هذه الليلة؟ فقالوا : لا ، لكن نرجوا أن يكون ليلة القدر. فقلت : فما أراكم تتركون بعد هذه الليلة الدعاء في كل يوم بالظّفر بليلة القدر من تمام العشر الأخبر ، ولأنها لو كانت ليلة القدر على التقدير ، من أين عرفتم أن ليلة القدر المنيفة محل لأخذ التربة الشريفة ، ثم قلت : كان مقتضى المعقول ، وظواهر المنقول يقتضي أن يكون أخذ التربة للشفاء والدواء ، ودفع أنواع البلاء في وقت إطلاق الجوائز للأنام ؛ وهو يوم جوائز شهر الصيام ، ليسأل العبد يوم العيد أن يكون من جملة جوائزه التي ينعم الله جلّ جلاله بها عليه الإذن في أخذ تربة الحسين (ع) فيأتي أخذها في وقت إطلاق العطايا والمواهب الجزيلة ، مناسباً لإطلاق التربة المقدسة الجليلة». أقول : إن عامة المؤمنين إعتمدوا على المشهور بين العلماء ، أن ليلة القدر ؛ هي ليلة ثلاثة وعشرين ، ويحيونها بالعبادة لما ورد في فضلها من الأجر والمثوبة ، ومن ضمن الأعمال والأدعية لأخذ التربة للإستشفاء قراءة (إنا أنزلناه في ليلة القدر) ، فلعلّ بعض المؤمنين إعتمد على ذلك ، وأيضاً ما أشار إليه السيد ابن طاووس له ارتباط بذلك حيث أن من أعمال هذا اليوم المبارك زيارة سيد الشهداء (ع) ، وورد إستحباب الإفطار على القليل من تربة سيد الشهداء ، فلا مانع من أخذ التربة للاستشفاء في هذين الزمانين.

٦٤

زوجة الحاج عبد الرضا الجعفري بمرض القلب ، وقد أخبر الحاج عبد الرضا السيد منصور الخراساني ؛ بأن زوجته تحتاج إلى علاج. فذهب إلى السيد عبد الصاحب فأخبره بذلك وقال له : أريد منك شيئاً من تربة الحسين عليه السلام فأعطاني شيئاً منها ، ثم أخذها الحاج عبد الرضا لعلاج زوجته ، فمنذ أن تناولتها شفيت من مرضها ، وهذه القضية قبل (١٢ ـ ١٤ سنة) ، أي في حدود عام ١٤٠٩ هـ أو ١٤١١ هـ.

١٥ ـ جعفر الخَلَدِي :

«أخبر ابن ناصر ، قال : أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال : أخبرنا ـ أبو الحسين ـ أحمد بن محمد العتيفي قال : سمعت أبا بكر ـ محمد بن الحسن بن عيدان الصيرفي يقول : سمعت جعفر الخلدي يقول : كان فيّ جرب عظم ، فتمسحت بتراب قبر الحسين ، فغفوت فانتبهت وليس عليَّ منه شيء»(٥٩) .

__________________

(٥٩) ـ ابن الجوزي ، أبو الفرج ، عبد الرحمن بن علي : المنتظم من تاريخ الأمم والملوك ، ج ٥ / ٣٤٦ ـ ٣٤٧.

٦٥
٦٦

ثانياً ـ حرز وأمان

١ ـ الأسدي

٢ ـ السيد محمد حجت الكوه كمري

٣ ـ المدرّسي والسبزواري

٤ ـ الفيض الكاشاني

٥ ـ عباس محمود العقّاد

٦ ـ المرأة التي قبلتها الأرض ببركة تربة الحسين عليه السلام

٧ ـ إمرأة إلتصقت يداها بضريح السيدة المعصومة وفكتا بتربة الحسين عليه السلام

٨ ـ سكون البحر عند تلاطم أمواجه

٩ ـ سكون نهر قم بعد الفيضان

١٠ ـ (باهو بكم) أرملة شجاع الدولة

١١ ـ الخواجات الإسماعيلية

١٢ ـ فتح علي شاه

٦٧
٦٨

إنّ للتربة الحسينية فوائد جَمّة ، فهي شفاء من كل داء ، وأمان من كل خوف ، ولذا إعتاد الشيعة الإمامية على تقديس هذه التربة الطاهرة ، إعتماداً على ما ورد عن أئمتهم عليهم السلام في فضل هذه التربة ، وقد سار على هذا النهج علماؤهم وعامتهم ، فقد نقل عن الشيخ أحمد بن فهد الحلي(٦٠) «من إلتزامه بعدم تلويث تربة كربلاء المقدسة ، وقضائه لحاجته في طابية ، وإرسالها إلى خارج كربلاء لإفراغها هناك»(٦١) . وإليك بعض النماذج كالتالي :

١ ـ الأسدي :

«قال هشام بن محمد : لما جرى الماء على قبر الحسين ؛ نَصَبَ بعد أربعين يوماً وانمحى أثر القبر ، فجاء أعرابي من بني أسد ، فجعل يأخذ قبضة قبضة من التراب ويشمه ، حتى وقع على قبر الحسين فبكى ، وقال بأبي وأمي ما كان أطيبك حياً ، وأطيب تربتك ميتاً ، ثم بكى وأنشأ يقول :

أرادوا ليخفوا قبره عن عداوة

وطيب تراب القبر دلّ على القبر(٦٢)

٢ ـ السيد محمد حُجّت الكُوه كمري(٦٣) :

«كان شديد المحبة والولاء لسيد الشهداء ، أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، ولدى إحتضاره ، وفي تلك الدقائق الأخبرة التي كان يفارق فيها الحياة ، أمر

__________________

(٦٠) ـ الشيخ احمد بن محمد بن فهد الحلي ، أحد أعلام الإمامية البارزين ، ولد في الحلّة عام ٧٥٧ هـ ، وتوفي عام ٨٤١ هـ ، ودفن في بستان قرب المخيم الحسيني بكربلاء. وكان صاحب الرياض ـ السيد علي الطباطبائي ـ يتبرك بمزاره كثيراً ، ويكثر الورود عليه.

(٦١) ـ الحكيمي ، الشيخ محمد رضا : تاريخ العلماء / ٣٢.

(٦٢) ـ ابن عساكر ، ابو القاسم علي بن الحسين : تاريخ مدينة دمشق ، ج ١٤ / ٢٤٥.

(٦٣) ـ من كبار الفقهاء ، وأعلام الفقه والأصول ، ولد عام ١٣١٠ هـ ، أخذ مقدماته في تبريز ، ثم هاجر إلى النجف الأشرف في عام ١٣٤٥ هـ ، عاد إلى قم المقدسة إلى أن مات بها عام ١٣٧٢ هـ.

٦٩

المؤمنين والعلماء الذين حوله أن يكسروا خاتمه الذي عليه ختمه الشريف ، لئلا يقع بأيدي من يسيئون الإستفادة من ختمه للرسائل. فتردد بعض محبيه في تنفيذ أمره ، لشدة رغبته في الإحتفاظ بالخاتم الذي كان يعني بالنسبة إليه من أجمل ذكرياته مع السيد ، فاستماح السيد بأن يسمح له بالإحتفاظ بالخاتم ، فرد عليه السيد قائلاً : إستخيروا القرآن الحكيم ، فإذا كانت الآية جيدة اعملوا بكلامي ، وإلا اعملوا ما شئتم. فلما استخاروا ؛ جاءت الآية الكريمة :( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ ) [الرعد / ١٤]. فأمر بكسر الخاتم ، وتَذوّق شيئاً من تربة الحسين عليه السلام ، وهو يقول : إنّها آخر زادي من الدنيا»(٦٤) .

٣ ـ المدَرِّسِي(٦٥) ، والسَبْزَوارِي(٦٦) :

«كان لدى المرحوم آية الله السيد محمد كاظم المدرسي (قده) بعض التراب الحسيني الأصيل ، الذي أخذه بنفسه من على قبر الإمام الشهيد سبط النبي المصطفى ، الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، في السنوات السابقة ، وكان ينقلب أحمر بلون الدم في كل عام في يوم عاشوراء ، حتى أنّ المرحوم كان يتأكد من ثبوت يوم العاشر من المحرم بهذه العَلَامَة. يقول ولده سماحة العلامة السيد عباس المدرسي (دام ظله) : حينما أنزلنا جثمان الوالد في القبر ، وكان ابن عمتي آية الله السيد محمد السبزواري ، نجل المرجع الراحل السيد

__________________

(٦٤) ـ البحراني ، الشيخ عبد العظيم المهتدي : قصص وخواطر / ٧٤ ـ ٧٥.

(٦٥) ـ والد الكاتبين المشهورين السيد محمد تقي والسيد هادي المدرسي.

(٦٦) ـ عالم جليل مجتهد من أساتذة النجف الأشرف على مستوى السطوح ، ولما هاجر من العراق إلى إيران بعد الإنتفاضة الشعبانية عام ١٤١٣ هـ ، بدأ التدريس على مستوى البحث الخارج ، ولد عام ١٣٦٤ هـ ، وتوفي إثر حادث مؤلم بين قم المقدسة وطهران ، في ذي القعدة عام ١٤١٤ هـ. ودفن في صحن السيدة المعصومة (ع).

٧٠

عبد الأعلى السبزواري ، على شفير القبر يتابع مراسيم الدفن والتلقين ، طلب مني شيئاً من تلك التربة الحسينية ليضعها تحت رأس المرحوم ، فلما ناولتها إيّاه وجدها كثيرة ، قال : إنّها كثيرة دعوا شيئاً منها لي ، فوضع من التربة قِسْمَاً في القبر ، وإستبقى البقية عنده. ورُبّما قال : نصف لي ونصف لخالي. وسبحان الله الذي لا يحمد على مكروه سواه ، إنتهينا من الدفن وعاد الحاضرون إلى بيوتهم ، لنعود إلى مراسيم اليوم الثالث بعد الدفن. وكان السيد محمد السبزواري من العائدين إلى قم ، وقد باغته المنية أثناء الطريق في حادث مروري مؤلم جداً ، وكان حزننا بفقده الأليم بعد فقد والدنا مضاعفاً ، ودفنا المرحوم السبزواري بقرب المرحوم الوالد ، ووضعنا معه في القبر شيئاً من نفس التربة الحسينية ، التي إحتفظ بها لنفسه قبل يومين ، وكانت عائلته الكريمة قد جلبتها معها من طهران لهذا الغرض»(٦٧) .

٤ ـ الفَيْض الكَاشَانِي(٦٨) :

«وقد أرسل الفرِنْج في زمان الشاه عباس شخصاً من قبل سلطانهم ، وكتب للسلطان الصفوي أن يدعو علماء مذهبه لمناظرة رسوله ، لمناظرته في أمر ال دين والمذهب ، فإن أجاب عليهم فأدخل في ديننا ، وكان عمل ذلك المرسل أن يصف كل شيء يؤخذ في اليد. فجمع السلطان العلماء وكان على رأسهم الملا

__________________

(٦٧) ـ البحراني ، عبد العظيم المهتدي : قصص وخواطر / ٥٧٨ ـ ٥٧٩.

(٦٨) ـ هو محمد بن مرتضى بن محمود ، المدعو بالمولى محسن الكاشاني ، الملقب بالفيض ، المحدث الفاضل والحكيم العارف ، والفقيه المتبحر ، أحد نوابغ العلم في القرن الحادي عشر ، ولد في عام ١٠٠٧ هـ ، ونشأ في قم ، وانتقل إلى كاشان ، ثم نزل شيراز بعد سماعه بورود العلامة السيد ماجد البحراني هناك. ألف كتباً في كثير من العلوم المختلفة ، مما يقارب مائتي كتاب ، وتوفي في مدينة كاشان سنة ١٠٩١ هـ.

٧١

محسن الفيض ، فقال الملّا محسن للسفير الأفرنجي : ألم يكن عند السلطان عالم ليرسله حتى أرسل مثلك من العوام ، ليناظر العلماء؟

فقال له : أنت لا تستطيع أن تتخلص مني ، فخذ شيئاً بيدك لأقول : فأخذ الملا محسن سبحة من تربة سيد الشهداء عليه السلام ، فسبّح الأفرنجي في بحر التفكير وأطال ، فقال له الملّا محسن : ما لك عجزت؟ فقال له : لم أعجز ، لكن حسب طريقتي أرى أنّ في يدك قطعة تربة الجنة ، فقلت : كيف يمكن أن تصل يدك تربة الجنة؟ فقال له الملا محسن: صدقت فإنّ في يدي قبضة من تربة الجنة ، وهي هذه السبحة من تربة القبر المطهر لإبن بنت نبينا الإمام ، فظهرت حقانية ديننا وبطلان دينك ، فأسلم الرجل»(٦٩) .

٥ ـ عَبّاس محمود العَقّاد(٧٠) :

يقول الكاتب العلّامة الشيخ علي الكورَانِي : «سألت صديقنا محمد خليفة التونسي : عن إعتقاد أستاذه عباس محمود العقاد بأهل البيت (عليهم السلام)؟

فقال لي : إنّه كان شديد الإعتقاد بهم وبكراماتهم ، وأحكي لك قصة وحكى : أنّه ذهب إلى العقاد يوماً فبادره قائلاً : تعالى يا سي محمد خليفة شُوف كرامة عمك الحسين ـ لأنّ محمد خليفة التونسي حسني ـ اليوم ، ثم أخذ بيدي إلى غرفة داخل بيته وقال : أنظر فقلت : ماذا؟ قال : هنا فإذا زجاج الشبك مكسور قلت : ماذا؟

__________________

(٦٩) ـ التنكابني ، الميرزا محمد بن سليمان ، قصص العلماء / ٣٤٥ (ترجمة مالك وهبي).

(٧٠) ـ صحفي وشاعر وناقد مصري ، دعا إلى التجديد في الأدب ، متأثراً بمطالعاته الواسعة في الأدب الإنكليزي ، يعتبر من أغرز الكتاب المصريين إنتاجاً ، ولد عام ١٨٨٩ م ، وتوفي عام ١٩٦٤ م.

٧٢

قال : كنت واقفاً هنا ـ أي رأسه مقابل الزجاج المكسور ـ أتكلم بالتلفون ، فوقعت هذه العلبة ـ وهي علبة فيها قطعة من ستار ضريح الحسين عليه السلام ، وشيء من تربته أهدوها له في زيارة لكربلاء ـ ومن إحترامي لها إنحنيت إلى الأرض وأخذتها وفي تلك اللحظة التي إنحنيت جاءت الرصاصة من متخاصمين في الشارع ، وأصابت الزجاج مقابل رأسي تماماً ...!!»(٧١) .

٦ ـ المرأة التي قبلتها الأرض ببركة تربة الحسين عليه السلام :

«الحسن بن يوسف بن المطَهّر ـ العلّامة ـ في (منتهى المطلب) رفعه قال : إنّ إمرأة كانت تزني وتوضع أولادها وتحرقهم بالنار خوفاً من أهلها ، ولم يعلم به غير أمها ، فلما ماتت دفنت فانكشف التراب عنها ولم تقبلها الأرض ، فنقلت من ذلك المكان إلى غيره فجرى لها ذلك ، فجاء أهلها إلى الصادق عليه السلام وحكوا له القصة ، فقال لأمها : ما كانت تصنع هذه في حياتها من المعاصي؟ فأخبرته بباطن أمرها. فقال الصادق عليه السلام : إنّ الأرض لا تقبل هذه ؛ لأنّها كانت تعذّب خلق الله بعذاب الله ، إجعلوا في قبرها شيئاً من تربة الحسين عليه السلام ، ففعلوا ذلك بها فسترها الله»(٧٢) .

أقول : أشار إلى هذه القصة بعض الفقهاء في مبحث دفن الميت ، نذكر منهم ما يلي :

١ ـ الشيخ محمد حسن النجفي في (جواهر الكلام ـ ج ٤ / ٣٠٥).

٢ ـ المحقق الكَرْكِيّ في (جامع المقاصد ـ ج ١ / ٤٤٠).

٣ ـ السيد محمد الموسوي العاملي في (مدارك الأحكام ـ ج ١ / ١٤٠).

__________________

(٧١) ـ عن موقع هجر على الإنترنت.

(٧٢) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد حسن : وسائل الشيعة ، ج ٢ / ٧٤٢ (باب ١٢ من أبواب التكفين ـ الحديث ١).

٧٣

٤ ـ الشيخ يوسف البحراني في (الحدائق الناضرة ـ ج ٤ / ١١٢).

٧ ـ إمرأة إلتصقت يداها بضريح السيدة المعصومة عليها السلام وفكتا بتربة الحسين عليه السلام :

«الناس يجتمعون عند ضريح السيدة المعصومة عليها السلام ، ويلتفون حول إمرأة قد إلتصقت يداها بالضريح ، ولا تستطيع فكاكها ، إنّها إمرأة فاجرة كان تمسك بأطراف الضريح وتغرر بشابة لتسوقها إلى الحرام ، فهي تهتك حرمة المكان الشريف ، فكان أن عاقبتها السيدة المعصومة (عليها السلام) ، فإلصاق يديها بشباك الضريح ، ولحلّ المشكلة لجأوا إلى أحد مراجع ذلك العصر(٧٣) فأمرهم بوضع شيء من تربة الإمام الحسين عليه السلام في الماء ، ثم يُصَبْ على يدي تلك المرأة ، فوضعوا ما أمرهم به ، وما أن صَبُّوا ذلك الماء الممزوج بتربة سيد الشهداء ، على يديها إلا وانفكتا عن الضريح.

ولكنّ هذه الفاجرة على أثر تلك الحادثة كانت قد فقدت وعيها ، ولهذا كانت تجوب الشواع ولاأسواق والأزقة هائمة على وجهها ، فكانت بذلك عبرة لمن يعتبر ، إلى أن جاء يوم دهستها فيه سيارة ، فختمت حياتها السوداء بذلك»(٧٤) .

٨ ـ سكون البحر عند تلاطم أمواجه :

قال الكَفْعَمِي (طاب ثراه) في هامش (المصباح) : «ومما جُرِّبَ لسكون البحر أن يرمي فيه شيئاً من تربة الحسين (عليه السلام). وذكر رحمه الله أيضاً فيه ـ عن كتاب (طريق النجاة) : أخبرني جماعة ثقاة : إنّ نفراً من البحارة

__________________

(٧٣) ـ السيد محمد الحجة ، المتوفى عام ١٣٧٢ هـ.

(٧٤) ـ هاشم ، السيد ابو الحسن : سيدة عشّ آل محمد / ١٢٢.

٧٤

عصفت بهم الرياح حتى خافوا الغرق ، ورمى شخص منهم شيئاً من التربة الحسينية في البحر ، فسكن بإذن الله تعالى.

وأضاف رحمه الله : ركبت في بحر الحرير نحواً من عشرين يوماً مع جماعة ، فهاج ماء البحر حتى ظننا الغرق ، وكان معي شيء من التربة الحسينية على مُشَرِّفها السلام والتحية ، فألقيتها في البحر فسكن بإذن الله تعالى ، وكان في البحر مركب غير مركبنا بمرأى منا ، فغرق جميع من فيه غير رجلين نجيا على لوحين»(٧٥) .

وقال السيد محمد الرضوي : «حدثني أوثق الناس عندي وأورعهم السيد العلّامة الوالد (طاب ثراه) إنّ ذلك من المجربات. وحدثني أيضاً العلّامة الكبير الشيخ الجليل محمد علي الغَرَوِي الأرْدُوبَادِي (طاب ثراه) ، عن ثقة قُفْقَازِي قال : ركبت في بحر الخزر ، فهاج ماء البحر وأشرفنا على الهلاك ، فجاءني الريّان وطلب مني التربة الحسينية ، فلم أفهم كلامه ؛ لأنّه كان يتكلم باللغة الروسية ، فأشار إلى التربة الحسينية ووضع يده على فيه وعلى عينيه ، فأشار إلى قداستها وأنّها تُقبّل وتوضع على العينين ، فأخرجت التربة الحسينية وألقيتها في البحر فسكن ماؤها ، ونجينا من الغرق ، وأمنا من العطب»(٧٦) .

باخرة تنجو من الغرق ببركة تربة الحسين عليه السلام :

«بواسطة فضيلة الشيخ جهاد ال خَيّاط من الكويت ، روى لي عن عمه السيد علي الموسوي ، الملقب بـ(گلاف) ؛ أي نجّار البواخر ، وهو إصْفَهانِي الأصل من منطقة (آب ملخ) ، قريب (سميرم) ، من محافظة إصْفَهَان.

__________________

(٧٥) ـ الرضوي ، السيد محمد الرضي : التحفة الرضوية / ٣٠٥ ـ ٣٠٦.

(٧٦) ـ نفس المصدر.

٧٥

يقول : منذ صغري ذهبت إلى الكويت ، وكان عمري آنذاك حدود سبع سنوات ، ونشأت هناك وزاولت أعمالاً مختلفة منها التجارة ، ثم أصبحت أعمل في تجارة البواخر وتعميرها ، وقد إتفق لي في أحد السنين ، أن نذهب إلى الهند مع مجموعة من ال تجار ، ولم يكن في الباخرة إلا أنا وشخص آخر على مذهب الشيعة الإمامية ، وأما الباقي ؛ كلهم من أهل السنة. يقول السيد الگلاف : ونحن في وسط البحر وإذا ارتفع بنا موج البحر ، وأوشكنا على الهلاك والغرق ، قال لي صاحبي الشيعي : سيد علي ، هل لديك شيء من تربة الحسين؟

قلت له : نعم ، فأعطيته التربة ، فأخذ منها شيئاً ورماه في البحر ، وإذا البحر يسكن والأمواج تهدأ كاملاً ، وتسير الباخرة ببركة تربة الحسين عليه السلام ، وتصل بسلام»(٧٧) .

الظمأ الشديد ومطر غزير ينجيهم من الهلاك.

«وذكر لي الشيخ جهاد أيضاً حادثة أخرى عن عمه مفادها : أنّ السيد (گلاف) كان في إحدى سفراته راجعاً من الهند إلى الكويت ، وقد ضلّوا الطريق ، ونفذ ماء الشرب عندهم وقد أشرفوا على الهلاك مما اضطروا إلى شرب ماء البحر المالح ولكن من دون جدوى.

كانت الباخرة التي تقلهمم محملة بـ(جوز الهند) ، فأخذ كابتن السفينة يعطي لكل واحد من الركاب (جوزة واحدة) ؛ ليشرب ما فيها من الماء ، ومع هذا فقد أوشك (الجوز) الذي في الباخرة على النفاذ. يقول السيد علي گلاف : ونحن في هذه الحيرة ، ولا ندري مصيرنا إلى أين يكون ، فبادر أحدنا إلى أخذ شيء من تربة الإمام الحسين عليه السلام ورماه في البحر ، وإذا بسحابة ملئت السماء ،

__________________

(٧٧) ـ الغفار ، الشيخ عبد الرسول : كرامات الإمام الحسين ، ج ٣ / ١٠٨ ـ ١٠٩.

٧٦

فامطرت مطراً غزيراً بحيث جمعنا ذلك الماء ـ ماء المطر ـ واستفدنا منه ، بل واهتدينا إلى الطريق ووصلنا إلى الكويت بسلام»(٧٨) .

٩ ـ سكون نهر قم بعد الفيضان :

يُنقل عن سماحة آية الله العظمى الشيخ بَهْجَت حفظه الله(٧٩) : «من كرامات المرحوم الشيخ عبد الكريم الحَائِرِي(٨٠) ، أن فاض نهر قم في إحدى السنين وطغى فيه الماء بسبب الأمطار الغزيرة ، وارتفع مستوى الماء إلى حافة جسر (علي خاني) ، بحيث إنّ البعض كانوا يتوضأون من مياه النهر وهم على الجسر ، ولهذا سارع خُدّام مسجد الإمام (الواقع قريباً من النهر) إلى جمع سجّاد المسجد حذراً من وصول الماء إليها ، وعندها : ذهب الشيخ عبد الكريم الحائري إلى الجسر المذكور ، وأخذ مقداراً من تربة سيد الشهداء عليه السلام بيده وقرأ عليها شيئاً ثم رماها في الماء ، فأخذ مستوى المياه ينفخض بالتدريج من ذلك الوقت ، وبعد عدّة ساعات إنخفض مستوى المياه عدّة أمتار»(٨١) .

__________________

(٧٨) ـ المصدر السابق.

(٧٩) ـ الشيخ محمد تقي بهجت الغروي ، من الفقهاء المعاصرين المعروفين بالإتجاه العرفاني. ولد في إيران عام ١٣٣٤ هـ ، هاجر إلى قم المقدسة ودرس فيها بعض مراحله العلمية ، ثم هاجر إلى النجف الأشرف وحضر أبحاث : أغا ضياء الدين العراقي ، والميرزا النائيني ، والشيخ محمد كاظم الشيرازي والسيد أبو الحسن الإصفهاني ، والسيد علي القاضي (العارف المشهور) ، والسيد حسين البادكوبي (أستاذ الفلسفة) ثم رجع إلى قم المقدسة وبدأ البحث الخارج منذ عام ١٦٤ هـ وما زال بها.

(٨٠) ـ مؤسس الحوزة العلمية في قم المقدسة ، ومن كبار فقهاء عصره ، ولد في إيران عام ١٢٧٦ هـ ، هاجر إلى سامراء وحضر أبحاث : المجدد السيد محمد حسن الشيرازي ، والميرزا محمد تقي ، والسيد محمد الفشاركي ، والشيخ إبراهيم المحلاتي. وحضر في النجف أبحاث الشيخ محمد كاظم الخراساني. واتجه إلى كربلاء وإشتغل بالتدريس ، ثم رجع إلى إيران وإستقر في قم المقدسة ، توفي سنة ١٣٥٥ هـ.

(٨١) ـ إعداد لجنة وترجمة ونشر آثار الشيخ بهجت : نوادر وكرامات أسئلة ومراجعات في مدرسة الشيخ بهجت ، ج ٢ / ١٠٤.

٧٧

١٠ ـ (باهو بكم) أرملة شجاع الدولة :

ذكر جعفر الخليلي في كتابه (موسوعة العتبات المقدسة) : «ويذكر الدكتور هوليستر في كتابه (شيعة الهند) ـ المار ذكره) ـ : أنّ تربة كربلاء يقدسها الشيعة دون غيرها من ترب العتبات المقدسة الأخرى. فهم يتمنون الدفن فيها والتبرك بها. ويروي بالمناسبة أنّ (باهو بكم) أرملة شجاع الدولة : أحد ملوك أوده المعروفين (تسنم الملك في ١٧٥٣ م) ، وكانت قد أحضرت لنفسها مقداراً من تراب كربلاء قبل أن يتوفاها الله ، لأجل أن يفرش في قبرها عندما تدفن فيه ، فتم لها ذلك ، وظل ألف قارئ من القراء يقرأون القرآن على قبرها من المساء حتى الصباح عدّة أيام»(٨٢) .

١١ ـ الخَواجَات الإسماعيلية :

ذكر جعفر الخليلي في كتابه (موسوعة العتبات المقدسة) : «ويروى كذلك عن الخواجات الإسلماعيلية في الهند ، أنّ الفرد منهم قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة عند الموت ، يقطرون له ويرطبون شفتيه بشيء من الماء الذي تحل فيه التربة المستوردة من كربلاء ، ثم يرشون على وجهه وعنقه وصدره مثل هذا الماء كذلك ، ليجنبوه الألم الذي قد يعانيه في سكرات الموت على ما يقولون»(٨٣) .

١٢ ـ فَتْح علي شَاه :

قال الشيخ مُروِّج الإسلام في كتابه (الكرامات الرضوية) : «توفي في ١٩ جمادي الآخر ١٢٥٠ هـ ، في قصره (هفت دست) خارج اصفهان ، حملت

__________________

(٨٢) ـ الخليلي ، جعفر بن الشيخ أسد الله : موسوعة العتبات المقدسة ، ج ١٣ / ٣٦٩ ـ ٣٧٠.

(٨٣) ـ نفس المصدر.

٧٨

جنازته إلى قم ، ودفن في القبر الذي كان قد أعدّه لنفسه قبل سنة من وفاته ، وأمر بجلب خمسين منّاً من تراب كربلاء ووضعوها فيه»(٨٤) .

__________________

(٨٤) ـ مروج الإسلام ، علي أكبر : الكرامات الرضوية ، ج ١ / ١٦٩.

٧٩
٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

والسنّة أو نقلوه باعتباره تفسير لها(١) .

وكلمتا «ركّع» وهي جمع للراكع ، و «السجود» وهي جمع ساجد ، لم يرد بينهما واو العطف ، بل ذكرتا وصفا لتقارب هاتان العبادتان.

وبعد إعداد البيت للعبادة ، أمر الله تعالى إبراهيمعليه‌السلام :( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) .

كلمة «أذّن» مشتقة من «الأذان» أي «الإعلان». و «رجال» جمع «راجل» أي «ماشي». و «الضامر» تعني الحيوان الضعيف. و «الفجّ» في الأصل تعني المسافة بين جبلين ، ثمّ أطلقت على الطرق الواسعة و «العميق» تعني هنا «البعيد».

جاء في حديث رواه علي بن إبراهيم في تفسيره : عند ما تسلّم إبراهيمعليه‌السلام هذا الأمر الربّاني قال : إنّ أذاني لا يصل إلى أسماع الناس ، فأجابه سبحانه وتعالى (عليك الأذان وعليّ البلاغ)! فصعد إبراهيمعليه‌السلام موضع المقام ووضع إصبعيه في أذنيه وقال : يا أيّها الناس كتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق فأجيبوا ربّكم. وأبلغ اللهعزوجل نداءه أسماع جميع الناس حتّى الذين في أصلاب آبائهم وأرحام أمّهاتهم ، فردّوا : لبيّك اللهمّ لبّيك! وإنّ جميع الذين يشاركون في مراسم الحجّ منذ ذلك اليوم وحتّى يوم القيامة ، هم من الذين لبّوا دعوة إبراهيمعليه‌السلام (٢) .

وقد ذكرت الآية هنا الحجّاج المشاة أوّلا ، ثمّ الراكبين ، لأنّهم أفضل منزلة عند الله ، بسبب ما يتحمّلون من صعاب السفر أكثر من غيرهم ، ولهذا السبب قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «للحاج الراكب بكلّ خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة ، وللحاج الماشي بكلّ خطوة يخطوها سبعمائة حسنة»(٣) .

__________________

(١) يراجع تفسير الآية موضع البحث في تفاسير الميزان ، وفي ظلال القرآن ، والتبيان ، ومجمع البيان ، والتّفسير الكبير للفخر الرازي.

(٢) بتلخيص ، عن تفسير علي بن إبراهيم حسبما نقله تفسير نور الثقلين ، المجلّد الثّالث ، ٤٨٨. والآلوسي في روح المعاني ، والفخر الرازي ، في التّفسير الكبير في تفسير الآية موضع البحث مع بعض الفارق.

(٣) تفسير «روح المعاني» ، و «مجمع البيان» ، و «الفخر الرازي».

٣٢١

أو أنّ هذه المنزلة جاءت لتحديد أهميّة حجّ بيت الله الحرام ، الذي يجب أن يتمّ بأي أسلوب وبأيّة إمكانات. وأن لا ينتظر الحاج مركبا له.

أمّا عبارة «ضامر» فتعني الحيوان الضعيف ، إشارة إلى أنّ هذا الطريق يجعل الحيوان هزيلا ، لأنّه يجتاز صحاري جافة محرقة لا زرع فيها ولا ماء ، واستعدادا لتحمل الصعاب في هذا الطريق.

أو يكون المراد أنّ على الحاج إختيار جواد قوي سريع صابر ، رشيق ضامر ، متدرّب على السير في مثل هذه الطرق ، ولا فائدة ترجى من الحيوان المنعم في هذا الطريق. (مثلما لا يمكن للرجال المترفين اجتياز هذا الطريق).

أمّا عبارة( مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) فهي إشارة إلى توجّه الحجاج إلى الكعبة ، ليس فقط من الأماكن القريبة ، بل يشمل ذلك الحجّاج من الأماكن البعيدة أيضا. كلمة «كلّ» لا تعني هنا الاستغراق والشمول ، بل الكثرة.

ويذكر المفسّر المشهور أبو الفتوح الرازي في تفسيره لهذه الآية حياة مثيرة لرجل يدعى «أبو القاسم بشر بن محمّد» فيقول : رأيت حين الطواف شيخا هزيلا بدت عليه آثار السفر ، ورسم التعب علائمه على جبينه. تقدّمت إليه وسألته من أين أنت؟ أجاب : من فجّ عميق طال قطعه خمسة أعوام! فأصبحت شيخا هزيلا من شدّة تعب السفر وآلامه ، فقلت : والله لهي مشقّة ، إلّا أنّها طاعة خالصة وحبّ عميق لله تعالى.

فسّره ذلك ثمّ أنشد :

زر من هويت وإن شطّت بك الدار

وحال من دونه حجب وأستار!

لا يمنعنّك بعد من زيارته

إنّ المحبّ لمن يهواه زوّار!

حقّا إنّ جاذبية بيت الله هي بدرجة تجعل القلوب الطافحة بالإيمان تهوى

٣٢٢

إليه من جميع الأنحاء ، قربت أم بعدت ، تجذب الشاب والشيخ والصغير والكبير ، من كلّ أمّة ومكان ، بعيدا أم قريبا ، الكل يلبّون الله يأتونه عشّاقا ليروا مظاهر ذات الله الطاهرة في تلك الأرض المقدّسة بأعينهم ، ويشعروا برحمته التي لا حدود لها من أعماق وجودهم(١) .

وتناولت الآية التالية فلسفة الحجّ في عبارة موجزة ذات دلالات عديدة فقالت :( لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ ) . أي أنّ على الناس الحجّ إلى هذه الأرض المقدّسة ، ليروا منافع لهم بأم أعينهم.

وقد ذكر المفسّرون لكلمة المنافع الواردة في الآية عدّة معان ، إلّا أنّه لا تحديد لمعناها كما يبدو من ظاهر الآية ، فهي تشمل جميع المنافع والبركات المعنوية والمكاسب المادية ، وكلّ عائد فردي واجتماعي وفلسفة سياسيّة واقتصادية وأخلاقية. فما أحرى المسلمين أن يتوجّهوا من أنحاء العالم إلى مكّة ليشهدوا هذه المنافع! إنّها لعبارة جميلة! ما أولاهم أن يجعلهم الله شهودا على منافعهم! ليروا بأعينهم ما سمعوه بآذانهم!

وعلى هذا ذكر في كتاب الكافي حديثا عن الإمام الصادقعليه‌السلام في الردّ على استفسار ربيع بن خيثم عن كلمة المنافع ، منافع الدنيا أو منافع الآخرة؟ فقال : «الكل»(٢) .

وسنتناول بإسهاب شرح هذه المنافع في ملاحظاتنا على هذه الآية إن شاء الله.

ثمّ تضيف الآية :( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ

__________________

(١) يقول العالم الفاضل العلامة الشعراني رضى الله عنه : إن ذلك ليس عجيبا بالنسبة للذين يأتون إلى مكة من الأندلس أو المغرب أو من أنحاء نائية في الصين أو من استرالية. حيث يستغرق سفرهم زمنا طويلا يصل إلى عدة أشهر نظرا لوسائط النقل التي كانت تستعمل آنذاك وافتقاد الطرق للأمن (إضافة إلى ذلك كان البعض من المتولهين ببيت الله يتعرضون إلى السرقة في الطريق فيضطرون إلى العمل من أجل إعداد مؤنة باقي الطريق إلى بيت الله الحرام).

(٢) تفسير نور الثقلين ، المجلد الثالث ، الصفحة ٤٨٨ نقلا عن كتاب الكافي.

٣٢٣

الْأَنْعامِ ) أي أنّه على المسلمين أن يحجّوا إلى البيت ويقدّموا القرابين من المواشي التي رزقهم الله ، وأن يذكروا اسم الله عليها حين الذبح في أيّام محدّدة معروفة. وبما أنّ الاهتمام الأساس في مراسم الحجّ ، ينصب على الحالات التي يرتبط فيها الإنسان بربّه ليعكس جوهر هذه العبادة العظيمة ، تقيّد الآية المذكورة تقديم القربان بذكر اسم الله على الاضحية فقط ، وهو أحد الشروط لقبولها من لدن العلي القدير. وهذا الذكر إشارة إلى توجّه الحاج إلى الله كلّ التوجّه عند تقديم الأضحية ، وهمّه كسب رضى الله وقبوله القربان ، كما أنّ الاستفادة من لحم الضحية تقع ضمن هذا التوجّه.

وفي الحقيقة يعتبر تقديم الأضاحي رمزا لإعلان الحاج استعداده للتضحية بنفسه في سبيل الله ، على نحو ما ذكر من قصّة إبراهيمعليه‌السلام ومحاولة التضحية بابنه إسماعيلعليه‌السلام . إنّ الحجّاج بعملهم هذا يعلنون استعدادهم للإيثار والتضحية في سبيل الله حتّى بأنفسهم.

وعلى كلّ حال فإنّ القرآن بهذا الكلام ينفي أسلوب المشركين الذين كانوا يذكرون أسماء الأصنام التي يعبدونها على أضاحيهم ، ليحيلوا هذه المراسم التوحيديّة إلى شرك بالله. وجاء في ختام الآية :( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ ) .

كما يمكن أنّ تفسّر هذه الآية بأنّ القصد من ذكر اسم الله في( أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ ) هو التكبير والحمد لله ربّ العالمين لما أنعم علينا من نعم لا تعدّ ولا تحصى.

خاصة بما رزقنا من بهيمة الأنعام التي نستفيد في حياتنا من جميع أجزاء أبدانها(١) .

* * *

__________________

(١) في التّفسير الأوّل (أي ذكر اسم الله على الأضحية) تكون «على» هنا للاستعلاء ، أمّا في التّفسير الثّاني (أي الذكر المطلق لاسم الله تعالى في هذه الأيّام) فإنّ «على» تعني «من أجل» فالفرق بين هذين التّفسيرين كبير ، سنشير إليه في الملاحظات.

٣٢٤

بحوث

١ ـ ما هي الأيّام المعلومات؟

يأمرنا الله سبحانه وتعالى ـ في الآيات السابقة ـ أن نذكره في( أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ ) . وجاء ذلك أيضا في سورة البقرة الآية (٢٠٣) بشكل آخر( وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ ) . فما هي الأيّام المعلومات؟ وهل تطابق في معناها الأيّام المعدودات ، أمّ لا؟

اختلف المفسّرون في هذه الأيّام ، كما اختلفت الرّوايات التي ذكرت بهذا الصدد : حيث يرى بعض المفسّرين ـ ويستندون إلى بعض الأحاديث الإسلامية ـ أنّه يقصد بـ «الأيّام المعلومات» الأيّام العشرة الأولى من ذي الحجّة ، وأمّا «الأيّام المعدودات» فهي «أيّام التشريق» أي اليوم الحادي عشر والثّاني عشر والثّالث عشر من ذي الحجّة. الأيّام التي تشرق فيها القلوب.

أمّا المجموعة الثّانية من المفسّرين فقد استندوا إلى أحاديث أخرى فقالوا : إنّ العبارتين تشيران إلى أيّام التشريق التي تعتبر هي الأيّام الثلاثة ذاتها ، وأحيانا يضاف إليها اليوم العاشر أي عيد الأضحى.

وعبارة( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) التي جاءت في سورة البقرة ، تدلّ على أنّ أيّام التشريق ليست أكثر من ثلاثة أيّام ، لأنّ التعجيل فيها يحدث نقصا في أيّامها فتصبح يومين.

ومع ملاحظة أنّ التضحية جاءت في الآيات ـ موضع البحث ـ بعد ذكر الأيّام المعلومات. ونعلم أنّ تقديم الأضاحي يتمّ في اليوم العاشر من ذي الحجّة ، فإنّ ذلك يؤكّد أنّ الأيّام المعلومات هي الأيّام العشرة الأولى من ذي الحجّة التي تنتهي بيوم الأضحى. وعلى هذا يقوى دليل التّفسير الأوّل القائل باختلاف معنى الأيّام المعلومات والأيّام المعدودات.

٣٢٥

ومع الأخذ بوحدة المعاني التي تضمنّتها الآيتان ، يبدو أنّ الأرجح في هذه القضيّة القول بأنّ الآيتين تشيران إلى موضوع واحد ، وهدفهما الاهتمام بذكر الله في أيّام معيّنة تبدأ من العاشر من ذي الحجّة وتنتهي بالثّالث عشر منه. ومن الطبيعي أن تكون إحدى الحالات التي يجب ذكر اسم الله فيها ، هي حين تقديم الأضاحي(١) .

٢ ـ ذكر الله في أرض «منى»

جاء في روايات عديدة أنّ ذكر الله في هذه الأيّام تكبير خاص يذكر بعد إتمام صلاة ظهر يوم عيد الأضحى ، ويستمر ذكر هذا التكبير في خمس عشرة صلاة (أي ينتهي بعد صلاة صبح اليوم الثّالث عشر) وهو كما يلي :

«الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا ، والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام»(٢) .

كما نصّت بعض الأحاديث على أنّ التكبير في المرّات الخمسة عشر خاص بالذين هم بأرض «منى» في أيّام الحجّ ، أمّا من كانوا في المناطق الاخرى فعليهم ذكر هذا التكبير عقب عشر صلوات (يبدأ من بعد صلاة الظهر من يوم العيد ، وينتهي بصلاة صبح اليوم الثّاني عشر)(٣) والأحاديث الخاصّة بالتكبير دليل آخر على أنّ الذكر في الآيات السابقة عامّ وليس محدّدا بتقديم الأضاحي. رغم أنّ هذا المفهوم الكلّي يشمل هذا المصداق أيضا.

__________________

(١) وعليه يزول الخلاف بين هاتين المجموعتين من المفسّرين في تفسير عبارة «ويذكر اسم الله» حيث خصّصت أولاها ذكر اسم الله بتقديم الأضاحي ، والأخرى جعلت مفهومه عامّا ، وبهذا يكون التّفسير الأوّل مصداقا للتفسير الثّاني ، ويكون التّفسير الثّاني ذا مفهوم واسع وعام.

(٢) ورد الحديث السابق عن الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام وقد ذكر في بحار الأنوار ، المجلّد ٩٩ ، صفحة ٣٠٦.

(٣) بحار الأنوار ، المجلّد ٩٩ ، صفحة ٣٠٧.

٣٢٦

٣ ـ فلسفة الحجّ وأسراره العميقة!

إنّ لشعائر الحجّ ـ كما هو الحال بالنسبة للعبادات الاخرى ـ بركات كثيرة جدّا في نفسيّة الفرد والمجتمع الإسلامي. ويمكنها ـ إن أجريت وفق أسلوب صحيح ـ أن تحدث في المجتمعات الإسلامية تبدّلا جديدا كلّ عام.

وتمتاز هذه المناسك بأربعة أبعاد مهمّة :

١ ـ البعد الأخلاقي للحج :

أهمّ جانب في فلسفة الحجّ التغيّر الأخلاقي نحو الأحسن الذي يحصل عند الناس ، فمراسم الإحرام تبعد الإنسان بشكل تامّ عن الأمور المادية والامتيازات الظاهرية والألبسة الفاخرة ، ومع تحريم الملذّات ، وبناء الذات الذي يعتبر من واجبات المحرم يبتعد الفرد عن عالم المادّة ، ويدخل إلى عالم النور والصفاء والتسامي الروحي. وترى الإنسان قد ارتاح فجأة من عبء الامتيازات الموهومة ، والدرجات والرتب والنياشين.

ثمّ تلي عمليّة الإحرام مراسم الحجّ الاخرى تباعا ، وفيها تتوطّد علاقة الإنسان الروحيّة مع خالقه ـ لحظة بعد أخرى ـ وتتوثّق. فينقطع عن ماضيه الأسود المملوء آثاما وذنوبا ، ويتّصل بمستقبل واضح كلّه نور وصفاء. خاصّة أنّ مراسم الحجّ تثير في الإنسان اهتماما كبيرا ـ في كلّ خطوة يخطوها ـ بإبراهيمعليه‌السلام محطّم الأصنام ، وإسماعيلعليه‌السلام ذبيح الله. وأمّه هاجرعليها‌السلام . ويتجلّى للحجّاج جهادهم وتضحياتهم ، إضافة إلى كون أرض مكّة عامّة ، والمسجد الحرام وبيت الكعبة ومحلّ الطواف حولها خاصّة ، تذكر الحاجّ بالرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقادة الإسلام العظام وجهاد المسلمين في صدر الإسلام ، فيتعمّق أثر هذه الثورة الأخلاقية بدرجة يشاهد فيها الحاج في كلّ زاوية من زوايا المسجد الحرام وأرض مكّة المقدّسة وجه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعليعليه‌السلام ، وسائر قادة المسلمين ، ويسمع قعقعة سيوفهم وصهيل خيولهم.

أجل ، إنّ هذه الأمور كلّها تتّحد وتتضامن لتمهّد لثورة أخلاقية في القلوب

٣٢٧

المستعدّة. وبشكل لا يمكن وصفه تفتح في حياة الفرد صفحة جديدة. ولهذا نصّت الأحاديث الإسلامية على أنّ الذي يؤدّي الحجّ تامّا صحيحا «يخرج من ذنوبه كهيئته يوم ولدته أمّه»(١) !

فالحجّ ولادة ثانية للمسلم. يستهلّ بها حياة إنسانية جديدة ، ولا حاجة هناك لإعادة القول بأنّ هذه البركات وتأثيرها وما نشير إليه بعد هذا ليست نصيب من اقتنع من مكاسب الحجّ بقشرته ورمي اللب جانبا. كما أنّها ليست نصيب من يعتبر الحجّ سياحة للتنفيس عن الخاطر ، أو للتظاهر والرياء ، أو طريقا للحصول على متاع شخصي دنيوي ، وهو في الحقيقة لم يتوصّل إلى معنى الحج الحقيقي ، فكان نصيبه ما يستحقّه!

٢ ـ البعد السياسي للحجّ

ذكر أحد كبار فقهاء المسلمين أنّ مراسم الحجّ في الوقت الذي تستبطن أخلص وأعمق العبادات ، هي أكثر الوسائل أثرا في التقدّم نحو الأهداف السياسيّة الإسلامية. فجوهر العبادة التوجّه إلى الله ، وجوهر السياسة التوجّه إلى خلق الله ، وهذان الأمران امتزجا في الحجّ بدرجة أصبحا كنسيج واحد.

إنّ الحجّ عامل مؤثّر في وحدة صفوف المسلمين.

الحجّ عامل مهمّ في مكافحة التعصّب القومي والعنصري والتقوقع في حدود جغرافية.

والحجّ وسيلة لتحطيم الرقابة التي تفرضها الأنظمة الظالمة ، وتدمير هذه الأنظمة المتسلّطة على رقاب الشعوب الإسلامية.

والحجّ وسيلة لنقل الأنباء السياسية للبلدان الإسلامية من نقطة إلى أخرى.

__________________

(١) بحار الأنوار ، المجلّد ٩٩ ، الصفحة ٢٦.

٣٢٨

وأخيرا الحجّ عامل مؤثّر في تحطيم قيود العبودية والاستعمار وتحرير المسلمين.

ولهذا السبب كان موسم الحجّ زمن الجبابرة كبني أميّة وبني العبّاس الذين كانوا يسيطرون على الأراضي الإسلامية المقدّسة ، ويراقبون كلّ تحرّك تحرّري إسلامي ليقمعوه بقوّة ، كان الموسم متنفّسا للحرية ولاتّصال فئات المجتمع الإسلامي الكبير بعضها مع بعض ، لطرح القضايا السياسيّة المختلفة التي تهمّ كلّ مسلم.

وعلى هذا الأساس قال أمير المؤمنين عليعليه‌السلام في معرض حديثه عن فلسفة الفرائض والعبادات «الحجّ تقوية للدّين»(١) .

كما أنّ أحد السياسيين الأجانب المشهورين قال : «الويل للمسلمين إن لم يعرفوا معنى الحجّ ، والويل لأعدائهم إذا أدرك المسلمون معنى الحجّ»!

واعتبرت الأحاديث الإسلامية الحجّ جهاد الضعفاء ، إذ يمكن للشيوخ والنساء الضعيفات المشاركة في الحجّ ليظهروا عظمة الامّة الإسلامية. وليدخلوا الرعب في قلوب أعداء الإسلام بمشاركتهم في صفوف المصلّين المتراصّة في دوائر تحيط ببيت الله الحرام. وهي توحّد الله وتكبّره.

٣ ـ البعد الثقافي للحجّ

يمكن أن يؤدّي التقاء المسلمين أيّام الحجّ دورا فعّالا في التبادل الثقافي في المجتمع الإسلامي ، خاصّة إذا لا حظنا أنّ اجتماع الحجّ العظيم يمثّل بشكل حقيقي فئات المسلمين من أنحاء العالم ، حيث لا تصنّع في المشاركة في حجّ بيت الله الحرام ، فالحجّاج جاؤوا من شتّى المجموعات والعناصر والقوميات ، وقد اجتمعوا رغم اختلاف ألسنتهم.

__________________

(١) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، رقم ٢٥٢.

٣٢٩

لهذا ذكرت الأحاديث الإسلامية أنّ من فوائد الحجّ نشر أخبار آثار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أنحاء العالم الإسلامي ، يقول «هشام بن الحكم» أحد أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام المخلصين نقلا عن هذا الإمام العظيمعليه‌السلام أنّه قال حول فلسفة الحجّ والطواف حول الكعبة : «إنّ الله خلق الخلق وأمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين ، ومصلحتهم من أمر دنياهم ، فجعل فيه الاجتماع من الشرق والغرب ، وليتعارفوا ولينزع كلّ قوم من التجارات من بلد إلى بلد ، ولتعرف آثار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعرف أخباره ويذكر لا ينسى»(١) .

ولهذا السبب كان المسلمون يجدون في الحجّ متنفّسا من جور الخلفاء والسلاطين الظلمة الذين منعوا المسلمين من نشر هذه الأحكام ، لحلّ مشاكلهم بالاجتماع بأئمّة الهدىعليهم‌السلام في المدينة المنوّرة ومكّة المكرّمة ، وبكبار علماء المسلمين ، لينهلوا من مناهل القرآن النقيّة والسنّة النبويّة الشريفة.

ومن جهة ثانية يمكن أن يكون الحجّ مؤتمرا ثقافيا إسلاميا يحضره مفكّرو العالم الإسلامي في أيّام الحجّ في مكّة المكرّمة ، ليتحاوروا فيما بينهم ويعرضوا نظرياتهم وأفكارهم على الآخرين.

وقد أصبحت الحدود بين البلدان الإسلامية ـ الآن ـ سببا لتشتّت ثقافتهم الأصيلة ، واقتصار تفكير مسلمي كلّ بلد بأنفسهم فقط ، حتّى تقطّعت أواصر المجتمع الإسلامي الموحّد. بينما يستطيع الحجّ أن يغيّر هذا الوضع.

وما أجمل ما قاله الإمام الصادقعليه‌السلام في ختام الحديث السابق الذي رواه هشام بن الحكم : «ولو كان كلّ قوم إنّما يتكلّمون على بلادهم وما فيها هلكوا ، وخربت البلاد ، وسقطت الجلب والأرباح ، وعميت الأخبار»(٢) .

__________________

(١) وسائل الشيعة ، المجلّد الثامن ، الصفحة ٩.

(٢) المصدر السابق.

٣٣٠

٤ ـ البعد الاقتصادي للحجّ

خلافا لما يراه البعض ، فإنّ مؤتمر الحجّ العظيم يمكن أن يستفاد منه في تقوية أسس الإقتصاد في البلدان الإسلامية. بل إنّه وفق أحاديث إسلامية معتبرة يشكّل البعد الاقتصادي جزءا مهمّا من فلسفة الحجّ.

فما المانع من وضع أسس سوق مشتركة إسلامية خلال اجتماع الحجّ العظيم ، ليوسّع المسلمون مجال التبادل التجاري فيما بينهم بشكل تعود منافعهم إليهم لا إلى أعدائهم. ومن أجل تحرير اقتصادهم من التبعية الأجنبية ، وهذا العمل عبادة وجهاد في سبيل الله ، ولا يمكن أن يكون حبّا للدنيا وطمعا فيها.

ولذا أشار الإمام الصادقعليه‌السلام في الحديث السابق خلال شرحه فلسفة الحجّ ، إلى هذا الموضوع بصراحة باعتبار أنّ أحد أهداف الحجّ ، تقوية العلاقات التجارية بين المسلمين.

وجاء في حديث آخر للإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير الآية (١٩٨) من سورة البقرة( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ) . قالعليه‌السلام : «فإذا أحلّ الرجل من إحرامه وقضى فليشتر وليبيع في الموسم»(١) .

وكما يبدو فإنّ هذا العمل لا إشكال فيه ، بل فيه ثواب وأجر.

وبهذا المعنى جاء في نهاية حديث عن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام لبيان فلسفة الحجّ بشكل مسهب : (ليشهدوا منافع لهم)(٢) إشارة إلى المنافع المعنوية والماديّة. والأخيرة على رأي بعضهم معنوية أيضا.

فالحجّ باختصار عبادة عظيمة لو أستفيد منها بشكل صحيح في تشكيل مؤتمرات متعدّدة سياسيّة وثقافية واقتصادية ، لحلّ مشاكل العالم الإسلامي ، ومفتاحا لحلّ معضلات المسلمين ، وقد يكون هو المراد من حديث الإمام الصادق

__________________

(١) تفسير العياشي ، حسبما جاء في تفسير الميزان ، المجلّد الثّاني ، ص ٨٦.

(٢) بحار الأنوار ، ج ٩٩ ، ص ٣٢.

٣٣١

عليه‌السلام حيث قال : «لا يزال الدين قائما ما قامت الكعبة»(١) .

كما قال الإمام عليعليه‌السلام «الله الله في بيت ربّكم ، لا تخلوه ما بقيتم فإنّه إن ترك لم تناظروا»(٢) أي لا يمهلكم الله إن تركتم بيت ربّكم خاليا.

ولأهميّة هذا الموضوع الذي خصّص له باب في الأحاديث الإسلامية تحت عنوان «وجوب إجبار الوالي الناس على الحجّ» فإذا أراد المسلمون تعطيل الحجّ في عام من الأعوام ، فعلى الحكومات الإسلامية أن ترسلهم بالقوّة إلى مكّة(٣) .

٤ ـ ما هو مصير لحوم الأضاحي في عصرنا؟

يستفاد من الآية السالفة الذكر أنّ الهدف من تقديم الأضحية ، إضافة إلى الجوانب المعنوية والروحية والتقرّب إلى الله تعالى ، يشمل الاستفادة من لحومها ومنح قسم منها إلى الفقراء والمحتاجين.

وتحريم الإسراف في الإسلام ليس خافيا على أحد ، فقد أكدّه القرآن والحديث والدليل العقلي. ومن هذا كلّه نستنتج عدم جواز ترك اللحوم على الأرض في «منى» ولا يجوز دفنها ، إذ أنّ وجوب تقديم الأضاحي لا يقصد به هذه الأعمال فيجب نقل لحومها إلى مناطق أخرى بحاجة إليها إن لم نجد محتاجين في «منى» ليستفاد منها على أفضل وجه ، وهذا هو مقتضى الجمع بين الأدلّة والبراهين.

ولكنّنا نجد ـ ومع الأسف ـ أنّ الكثير من المسلمين عملوا بالحكم الأوّل ، ونسوا العمل بالحكم الثّاني ، ولذا نشهد في كلّ عام تلف الآلاف المؤلّفة من لحوم الأضاحي التي بإمكانها أن تكون منبع غذائي مهمّ لشرائح المحرومين في

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٨ ، ص ١٤.

(٢) نهج البلاغة ، الوصيّة ، ٤٧.

(٣) وسائل الشيعة ، ج ٨ ، ص ١٥.

٣٣٢

المجتمعات الإسلامية ، ولكنّها تترك في تلك الأرض المقدّسة بحالة سلبية ومزعجة جدّا. وقد تحدّث لحدّ الآن الكثير من المفكّرين وعلماء المسلمين حول هذا الموضوع مع المسؤولين في المملكة العربية السعودية ، وحتّى أنّهم تبرّعوا بتكاليف حفظها ونقلها إلى المؤسّسات المختصّة ، ولكن جمود وتحجّر رجال الدين الوهّابيين من جهة ، وعدم اهتمام المسؤولين في الحكومة السعودية من جهة أخرى كانت مانعا لتنفيذ هذا المشروع.

ومع غضّ النظر عن مسألة حرمة الإسراف التي هي من الثوابت في التفكير الإسلامي ، فإنّ منظر المذابح يوم عيد الأضحى في الحجّ حاليا بشع وغير منطقي إلى درجة يثير علامات الاستفهام لدى كلّ ضعيف الإيمان حول شعيرة الحجّ بالكامل ، ويعطي للأعداء مبرّرا قويّا للطعن والتقبيح غافلين عن أنّ هذه المسألة هي نتيجة جهل وإهمال رجال الدين الوهّابيين والسلطات السعودية ، فعلى هذا ، فإنّ عظمة الإسلام وأصالة مناسك الحجّ توجب على المسلمين من جميع مناطق العالم أن يمارسوا الضغط على المسؤولين في تلك الدولة لإنهاء هذه الحالة الموحشة ، وتنفيذ الحكم الإسلامي في هذه المسألة.

وإذا وردت أحاديث إسلامية في حرمة إخراج لحوم الأضاحي من أرض «منى» أو من «حرم مكّة» فإنّ ذلك يعود إلى زمن كان فيه في مكّة المكرّمة عدد كاف من المستهلكين والمستحقّين.

ولهذا ورد في حديث صحيح الإسناد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّ أحد أصحابه سأله عن هذا الموضوع ، فأجاب : «كنّا نقول لا يخرج منها بشيء لحاجة الناس إليه ، فأمّا اليوم فقد كثر الناس فلا بأس بإخراجه»(١) .

* * *

__________________

(١) وسائل الشيعة ، المجلّد العاشر ، الصفحة ١٥٠ (أبواب الذبح الباب ٤٢ الحديث ٥).

٣٣٣

الآيتان

( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) )

التّفسير

تتابع هذه الآيات البحث السابق عن مناسك الحجّ مشيرة إلى جانب آخر من هذه المناسك ، فتقول أوّلا :( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) أي ليطّهروا أجسامهم من الأوساخ والتلوّث ، ثمّ ليوفوا ما عليهم من نذور. و( لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) أي يطوفوا بذلك البيت الذي صانه الله عن المصائب والكوارث وحرّره.

وكلمة «تفث» تعني ـ كما قال كبار اللغويين والمفسّرين ـ القذارة وما يلتصق بالجسم وزوائده كالأظافر والشعر. ويقول البعض : إنّ أصلها يعني القذارة التي تحت الأظافر وأمثالها(١) . ورغم إنكار بعض اللغويين لوجود مثل هذا الاشتقاق

__________________

(١) عن قاموس اللغة ، ومفردات الراغب الاصفهاني ، وكنز العرفان ، وتفسير مجمع البيان ، وتفاسير أخرى.

٣٣٤

في اللغة العربية ، إلّا أنّ الراغب الاصفهاني نقل كلام بدويّ قاله بحقّ أحد الأشخاص القذرين : «ما أتفثك وأدرنك» دليلا على عربية هذه الكلمة ووجود اشتقاق لها في اللغة العربية.

وقد فسّرت( لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) في الأحاديث الإسلامية بتقليم الأظافر وتطهير البدن ونزع الإحرام. وبتعبير آخر : تشير هذه العبارة إلى برنامج «التقصير» الذي يعدّ من مناسك الحجّ. وجاء في أحاديث إسلامية أخرى بمعنى حلاقة الرأس التي تعتبر أحد أساليب «التقصير».

كما جاء في «كنز العرفان» حديث رواه ابن عبّاس في تفسير هذه الآية : «القصد إنجاز مشاعر الحجّ كلّها»(١) إلّا أنّه لا سند لدينا لحديث ابن عبّاس هذا.

والذي يلفت النظر في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه فسّر عبارة( لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) بلقاء الإمام ، وعند ما سأله الراوي عبد الله بن سنان عن توضيح لهذه المسألة قال: «إنّ للقرآن ظاهرا وباطنا»(٢) .

وهذا الحديث ربّما كان إشارة إلى ملاحظة تستحقّ الاهتمام. وهي أنّ حجّاج بيت الله الحرام يتطهّرون عقب مناسك الحجّ ليزيلوا الأوساخ عن أبدانهم ، فعليهم أن يطهّروا أرواحهم أيضا بلقاء الإمامعليه‌السلام ، خاصّة وأنّ الخلفاء الجبابرة كانوا يمنعون لقاء المسلمين لإمامهم في الظروف العادية. لهذا تكون أيّام الحجّ خير فرصة للقاء الإمام ، وبهذا المعنى نقرأ حديثا للإمام الباقرعليه‌السلام قال فيه : «تمام الحجّ لقاء الإمام»(٣) .

وكلاهما ـ في الحقيقة ـ تطهير ، أحدهما تطهير لظاهر البدن من القذارة والأوساخ ، والآخر تطهير باطني من الجهل والمفاسد الأخلاقية.

__________________

(١) كنز العرفان ، المجلّد الأوّل ، ص ٢٧٠.

(٢) نور الثقلين ، المجلّد الثّالث ، صفحة ٤٩٢.

(٣) وسائل الشيعة المجلّد ، العاشر ، الصفحة ٢٥٥ (أبواب المزار الباب الثّاني الحديث الثّاني عشر).

٣٣٥

أمّا «الوفاء بالنذر» فيعني أنّ كثيرا من الناس ينذرون تقديم أضاحي إضافيّة في الحجّ ، أو التصدّق بمال ، أو القيام بعمل خيري في أيّام الحجّ ، ولكنّهم ينسون ويغفلون عن كلّ ذلك عند وصولهم إلى مكّة ، لهذا أكّد القرآن عليهم الوفاء بالنذور ، وإلّا يقصّروا في ذلك(١) .

أمّا لماذا سمّيت الكعبة بالبيت العتيق؟

«العتيق» مشتقّة من «العتق» أي التحرّر من قيود العبودية ، وربّما كان ذلك لأنّ الكعبة تحرّرت من قيود ملكية عباد الله ، ولم يكن لها مالك إلّا الله ، كما حرّرت من قيد سيطرة الجبابرة كأبرهة.

ومن معاني «العتيق» أيضا الشيء الكريم الثمين ، وهذا المعنى يتجسّد في الكعبة بوضوح. ومن المعاني الاخرى للعتيق «القديم» يقول الراغب الاصفهاني : العتيق المتقدّم في الزمان أو المكان أو الرتبة. وهذا المعنى أيضا واضح بالنسبة للكعبة ، فهي أقدم مكان يوحّد فيه الله. وبحسب ما جاء في القرآن( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ) (٢) وعلى كلّ حال فلا مانع من إطلاق العتيق على بيت الله بعد ملاحظة ما تتضمّنه هذه الكلمة من معان ، أشار كلّ مفسّر إلى جانب منها. أو ذكرت الأحاديث المختلفة جوانب أخرى من معانيها.

أمّا المراد من «الطواف» الوارد في آخر الآية المذكور أعلاه فهناك بحث بين المفسّرين (هناك طوفان ـ بعد مراسم عيد الأضحى في منى ـ على الحجّاج أن يقوموا بهما ، الطواف الأوّل يدعي «طواف الزيارة» ، والثّاني «طواف النساء»).

يرى بعض الفقهاء والمفسّرين أنّ مفهوم الطواف عام هنا ، لأنّ الآية لم تتضمّن

__________________

(١) احتمل بعض المفسّرين القصد من النذور القيام بمشاعر الحجّ ، إلّا أنّه بمراجعة حالات استعمال كلمة النذر في القرآن المجيد ، يتّضح لنا أنّه يقصد المعنى المتداول من كلمة النذر ، لهذا فإنّ استخدامها في مناسك الحجّ دون دليل ، خلافا لمعناها الظاهر.

(٢) آل عمران ، ٩٦.

٣٣٦

قيودا أو شرطا ما ، فهي تضمّ طواف الحجّ وطواف النساء ، حتّى أنّها تشمل طواف العمرة أيضا(١) .

في وقت يرى مفسّرون آخرون أنّ الآية تقصد طواف الزيارة فقط ، الذي يجب على الحاج بعد إحلاله من إحرام الحجّ(٢) .

إلّا أنّ الأحاديث الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام تفيد أنّ القصد هنا طواف النساء ، ففي حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) قال : «طواف النساء»(٣) .

كما روي عن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام حديث بهذا المعنى(٤) .

وهذا الطواف يسمّى عند أهل السنّة طواف الوداع.

ومع ملاحظة هذه الأحاديث يبدو التّفسير الأخير هو الأقوى ، خاصّة إذا عبّر بهذا المعنى أيضا في تفسير( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) . حيث يجب إضافة إلى تطهير البدن من القذارة والشعر الزائد ، استعمال العطر أيضا. ومن المعلوم أنّه لا يجوز استعمال العطور في الحجّ إلّا بعد إتمام الطواف والسعي ، أو عند ما لا يكون طواف بذمّة الحاج إلّا طواف النساء.

وأشارت الآية الأخيرة إلى خلاصة ما بحثته الآيات السالفة الذكر ، حيث تبدأ بكلمة «ذلك» التي لها جملة محذوفة تقديرها «كذلك أمر الحجّ والمناسك» ثمّ تضيف تأكيدا لأهميّة الواجبات التي شرحت( وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ) .

والمقصود هنا بـ «الحرمات» ـ طبعا ـ أعمال ومناسك الحجّ ، ويمكن أن

__________________

(١) كنز العرفان ، المجلّد الأوّل ، الصفحة ٢٧١.

(٢) مجمع البيان نقلها في تفسير الآية ـ موضع البحث ـ عن بعض المفسّرين لم يذكر أسماءهم.

(٣) وسائل الشيعة المجلّد التاسع الصفحة ٣٩٠ أبواب الطواف الباب الثّاني.

(٤) المصدر السابق.

٣٣٧

يضاف إليها احترام الكعبة خاصة والحرم المكّي عامّة. وعلى هذا فإنّ تفسير هذه الآية باختصاصها بالمحرّمات ـ أي كلّ ما نهى الله عنه ـ أو جميع الواجبات ، مخالف لظاهر الآية. كما يجب الانتباه إلى أنّ «حرمات» جمع «حرمة» وهي في الأصل الشيء الذي يجب أن تحفظ حرمته ، وألّا تنتهك هذه الحرمة أبدا.

ثمّ تشير هذه الآية وتناسبا مع أحكام الإحرام إلى حليّة المواشي ، حيث تقول :( وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) .

عبارة( إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) يمكن أن تكون إشارة إلى تحريم الصيد على المحرم الذي شرع في سورة المائدة الآية (٩٥) حيث تقول :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) .

كما قد تكون إشارة إلى عبارة جاءت في نهاية الآية ـ موضع البحث ـ تخصّ تحريم الأضحية التي تذبح للأصنام التي كانت متداولة زمن الجاهلية. لأنّ تذكية الحيوان يشترط فيها ذكر اسم الله عليه عند الذبح ، ولا يجوز ذكر اسم الصنم أو أي اسم آخر عليه.

وفي ختام هذه الآية ورد أمران يخصّان مراسم الحجّ ومكافحة العادات الجاهلية :

الأوّل يقول :( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ ) و «الأوثان» جمع «وثن» على وكن «كفن» وتعني الأحجار التي كانت تعبد زمن الجاهلية ، وهنا جاءت كلمة الأوثان إيضاحا لكلمة «رجس» التي ذكرت في الآية ، حيث تقول :( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ ) . ثمّ تليها عبارة( مِنَ الْأَوْثانِ ) أي الرجس هو ذاته الأوثان.

كما تجب ملاحظة أنّ عبدة الأوثان زمن الجاهلية كانوا يلطّخونها بدماء الأضاحي ، فيحصل مشهد تقشّعر الأبدان من بشاعته ، وقد يكون التعبير السابق إشارة إلى هذا المعنى أيضا.

٣٣٨

والأمر الثّاني هو( وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) أي الكلام الباطل الذي لا أساس له من الصحّة.

مسألة : ما معنى( قَوْلَ الزُّورِ ) ؟

يرى بعض المفسّرين أنّه إشارة إلى كيفيّة تلبية المشركين في مراسم الحجّ في زمن الجاهلية ، لأنّهم يلبّون بشكل يتضمّن الشرك بعينه ، ويبعدونه من صورته التوحيديّة ، فقد كانوا يردّدون : «لبّيك لا شريك لك ، إلّا شريكا هو لك! تملكه وما ملك!».

حقّا إنّه كلام باطل ودليل على( قَوْلَ الزُّورِ ) الذي يعني في الأصل : الكلام الكاذب ، والباطل ، والبعيد عن حدود الاعتدال.

ومع هذا فإنّ اهتمام الآية المذكورة بأعمال المشركين في مراسم الحجّ على زمن الجاهلية ، لا يمنع من تعميمها على بطلان أيّة عبادة للأصنام بأيّة صورة كانت ، واجتناب أي قول باطل مهما كانت صورته.

ولهذا فسّرت بعض الأحاديث الأوثان بلعبة الشطرنج ، وقول الزور بالغناء ، والشهادة بالباطل. وفي الحقيقة فإنّ ذلك بيان لبعض أفراد ذلك الكلّي ، وليس القصد منه حصر معنى الآية بهذه المصاديق فقط. وجاء في حديث للرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبة ألقاها على المسلمين «أيّها الناس ، عدلت شهادة الزور بالشرك بالله ، ثمّ قرأ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) .

إنّ هذا الحديث أيضا إشارة إلى سعة مفهوم هذه الآية.

* * *

٣٣٩

الآيات

( حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣) )

التّفسير

تعظيم شعائر الله دليل على تقوى القلوب :

عقّبت الآيات هنا المسألة التي أكدّها آخر الآيات السابقة ، وهي مسألة التوحيد ، واجتناب أي صنم وعبادة الأوثان. حيث تقول( حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ) (١) أي أقيموا مراسم الحجّ والتلبية في حالة تخلصون فيها النيّة لله وحده لا يخالطها أي شرك أبدا.

«حنفاء» جمع «حنيف» أي الذي استقام وابتعد عن الضلال والانحراف ، أو

__________________

(١) «حنفاء» و «غير مشركين». كلاهما حال لضمير «فاجتنبوا» ، و «اجتنبوا» في الآية السابقة.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550