الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٠

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 550

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 550 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 206798 / تحميل: 6196
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

يكون من العسير تشخيصها ، إلّا المؤمنين المتوكّلين على الله والمشمولين برحمته وحمايته :( إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ) (1) .

ولا بدّ من الانتباه إلى أنّ كلمة الشيطان تستبطن التمرّد والعناد والبعد عن كلّ خير وبركة. إلّا أنّ ذكر كلمة «مريد» (الفاقد لكلّ خير وسعادة) بعد كلمة الشيطان مباشرة ، هو تأكيد لتوضيح مصير من يتّبعه.

4 ـ تفسير عبارة( كُتِبَ عَلَيْهِ ) (2) .

واضح أنّ هذه العبارة تعني «الإلزام» ، سواء كانت في عالم الخلق أم في عالم التشريع. إلّا أنّه يجب أن لا نتصوّر أنّها تعني «الجبر» وأنّ الشياطين مجبورون على إضلال أتباعهم ليرسلوهم إلى دار البوار. بل إنّها نتيجة مؤكّدة لبرنامج اختاروه بمحض إرادتهم. فإبليس قائد الشياطين وكبيرهم خالف أمر الله وعنده بملء إرادته ، حتّى بلغت به الجرأة أن يعترض على ذات الله. فهو ضالّ ومضلّ وكذلك سائر الشياطين من الجنّ والإنس. وذلك كما نقول للمدمن على المخدرات : كتب على جبينه سوء الطالع والتعاسة ، فهل يعني ذلك جبرا؟!

* * *

__________________

(1) سورة الحجر ، 40.

(2) قال البعض : إنّ ضمير «عليه» يعود إلى الشيطان ، وقال آخرون : إنّه يعود إلى اتّباع الشيطان. كما يستنتج ذلك من عبارة «ومن الناس» أيضا ، إلّا أنّ ظاهره يؤكّد أنّه يعود إلى الشيطان ، لا سيّما وأنّ الضمير المتّصل بـ «من تولّاه» يعود إلى الشيطان أيضا.

٢٨١

الآيات

( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7) )

التّفسير

دليل المعاد في عالم الأجنّة والنّبات :

بما أنّ البحث في الآيات السابقة كان يدور حول تشكيك المخالفين للمبدأ والمعاد ، فالآيات محل البحث طرحت دليلين منطقيين قويّين لإثبات المعاد

٢٨٢

الجسماني : أحدهما التغيّرات التي تحدث في مراحل تكوين الجنين ، والآخر هو التغيّرات التي تحدث في الأرض عند خروج النبات.

والقرآن شرح صورا للمعاد ممّا يلمسه الناس في هذه الدنيا ، ويرونه بامّ أعينهم ، إلّا أنّهم لم ينتبهوا لذلك ، ليعلموا أنّ الحياة بعد الموت ليست ضربا من الخيال ، بل هي حادثة فعلا مشهودة للعيان ، والخطاب القرآني يعمّ جميع الناس بنوره( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) (1) كلّ ذلك من أجل أن نوضّح لكم حقيقة قدرتنا على القيام بأي عمل( لِنُبَيِّنَلَكُمْ ) .

فتبقى الأجنّة في الأرحام إلى مدّة معلومة نحن نحدّدها لتمرّ بمراحل تكاملها. ونسقط ما نريد منها فنخرجها من الأرحام في وسط الطريق قبل أن تكمل( وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ) ثمّ تبدأ الأجنّة مرحلة تطوّر جديدة. لنخرجكم أطفالا من أرحام أمّهاتكم.

( ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ) وبهذا تنتهي مرحلة حياتكم المحدّدة في بطون أمّهاتكم.

فتضعون أقدامكم في محيط أوسع مملوء بالنور والصفاء ، وإمكانات واسعة جدّا ، إلّا أنّ تكاملكم يستمرّ في قطع المسافات بسرعة لتبلغوا الهدف ، ألا وهو الرّشد والكمال الجسمي والعقلي.( ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ) .

وهنا يتبدّل الجهل إلى علم ، والضعف إلى قوّة ، والتبعيّة إلى الاستقلال ، لكن مسيرة حياتكم تطوى وتستمر فبعضكم يودّع الحياة بينما يستمرّ آخرون حتّى المرحلة الأخيرة من الحياة ، أي مرحلة الشيخوخة بعد تكاملهم :( وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ) .

أجل ، فالمرء يصل إلى مرحلة لا يتذكّر فيها شيئا ، حيث يسيطر عليه النسيان ،

__________________

(1) «المضغة» مشتقة من «المضغ» وتعني مقدارا من اللحم يمكن للإنسان مضغه في لقمة واحدة. وهذا تشبيه رائع للجنين في المرحلة التي تعقب مرحلة العلقة.

٢٨٣

ويصبح في وضع وكأنّه طفل( لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ) وهذا الضعف والخمول دليل على بلوغ المرء مرحلة انتقالية جديدة كما نجد ضعف التحام الثمرة بالشجرة حين تبلغ مرحلة النضج ممّا يدلّ على وصولها إلى مرحلة الانفصال.

وهذه التغيّرات المدهشة المتلاحقة التي تتحدّث عن قدرة الله تعالى غير المحدودة ، توضّح أنّ إحياء الموتى يسير على الله جلّت عظمته. وهناك بحوث تعرض لمراحل الحياة المختلفة هذه ، سنذكرها في الملاحظات القادمة.

ثمّ تتناول الآية بيان الدليل الثّاني أي حياة النباتات ، فتبيّن ما يلي : تنظر إلى الأرض في فصل الشتاء فتجدها جافّة وميتة ، فإذا سقط المطر وحلّ الربيع ، دبّت الحياة والحركة فيها ونبتت أنواع النباتات فيها ونمت( وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) (1) .

الآيتان اللاحقتان تشرحان ما توصّلنا إليه ، وذلك باستعراض خمس

* * *

ملاحظات

1 ـ إنّ ما استعرضته الآيات الخاصّة بالمراحل التي تسبق مراحل الحياة للإنسان وعالم النبات ، من أجل أن تعلموا أنّ الله تعالى حقّ( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ ) وبما أنّه هو الحقّ ، فالنظام الذي خلقه حقّ أيضا ، لهذا لا يمكن أن يكون

__________________

«الهامدة» تعني في الأصل النّار التي أطفئت ، ويطلق على الأرض التي جفّت نباتاتها وأصبحت دون حركة «مفردات الراغب الاصفهاني» والبعض الآخر قال : إنّ كلمة «هامدة» تطلق على الحدّ الفاصل بين الموت والحياة (تفسير في ظلال القرآن).

«اهتزّت» مشقّة من «الهزّ» وتعني تحرّكت بشدّة.

«ربت» مشقّة من «الربو». وتعني الزيادة والنمو ، كما أنّ كلمة «ربا» مشتقّة أيضا من «الربو».

«بهيج» تعني الجميل السّاحر السارّ.

٢٨٤

هذا الخلق دون هدف ، كما يذكر القرآن الكريم هذا المعنى في مورد آخر :( وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (1) .

وبما أنّ هذه الحياة ليست عبثا ، وأنّ لها هدفا ، وأنّنا لا نصل إلى تحقيق ذلك الهدف في حياتنا ، إذن نعلم من ذلك وجود المعاد والبعث حتما.

2 ـ إنّ هذا النظام الذي يسيطر على عالم الحياة يقول لنا( وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى ) .

إنّ الذي يلبس الأرض لباس الحياة ، ويغيّر النطفة التافهة إلى إنسان كامل ، ويمنح الحياة للأرض الميتة ، لقادر على أن يمنح الحياة للموتى ، فهل يمكن التردّد في قبول فكرة المعاد مع وجود كلّ هذه التشكيلات الحيّة الدائمة للخالق جلّ وعلا في هذا العالم(2) ؟

3 ـ الهدف الآخر هو أن نعلم( وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ولا يستحيل على قدرته شيء.

هل يمكن لأحد تحويل الأرض الميتة إلى نطفة؟ ويطوّر هذه النطفة التافهة في مراحل الحياة؟ ويلبسها كلّ يوم لباسا جديدا من الحياة! ويجعل الأرض الجافّة العديمة الروح خضراء زاهية تعلوها بهجة الحياة؟! أليس القادر على القيام بهذه الأعمال بقادر على أن يحيي الإنسان بعد موته؟!

4 ـ إنّ كلّ هذا لتعلموا أنّ ساعة نهاية هذا العالم وبداية عالم آخر ، ستحلّ بلا شكّ فيها( وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها ) .

5 ـ ثمّ إنّ كلّ هذا مقدّمة لنتيجة أخيرة هي( وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) .

__________________

(1) سورة ص ، 27.

(2) يرى بعض المفسّرين في عبارة( أَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى ) إشارة إلى حياة الناس في القيامة. مع أنّ هذا المعنى تضمّنته عبارة( وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) أيضا ، مع فارق هو أنّ العبارة الأولى إشارة إلى أصل الحياة ، والثّانية إشارة إلى كيفية إحياء الموتى.

إلّا أنّ التّفسير الآخر الذي استندنا إليه بصورة أكثر ، هو أنّ عبارة ( أَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى ) إشارة إلى منح الله الحياة بشكل مستمر في هذه الدنيا ، ليكون دليلا على إمكان تحقّق ذلك يوم البعث.

٢٨٥

وهذه النتائج الخمس بعضها مقدّمة ، وبعضها ذو المقدّمة ، البعض منها إشارة إلى الإمكان ، والآخر إشارة إلى الوقوع ، ومترتّبة بعضها على بعض وكلّ يكمل صاحبه ، وجميعها ينتهي إلى نقطة واحدة ، هي أنّ البعث ليس ممكن فحسب ، بل إنّه سيقع حتما.

فالذين يشكّون في إمكان الحياة بعد الموت يشاهدون الصور المشابهة لها في حياة البشر والنباتات بامّ أعينهم. وهي تتكرّر كلّ يوم وكلّ عام.

وإذا شكّوا في قدرة الله فإنّ قدرة الله جعلتهم يشاهدون أمثلة بارزة لها بأعينهم. ألم يخلق الإنسان من تراب؟ ألا نشاهد كلّ عام احياء الأرض الميتة؟

فهل عجيب أمر حياة الأموات ثانية ونهوضهم من تراب؟

وإن شكّوا في وقوع مثل هذه الأمور ، فعليهم أن يعلموا أنّ النظام المسيطر على الخلق في العالم يدلّ على وجود هدف له ، وإلّا فإنّه باطل تافه ، والحياة القصيرة المملوءة بالآلام وخيبة الآمال غير جديرة بأن تكون هي الهدف الأخير لعالم الخلق.

وعلى هذا يجب أن يكون هناك عالم آخر ، وسيع ، خالد ، جدير بأن يعدّ هدفها للخلق.

* * *

بحوث

1 ـ مراحل حياة الإنسان السبع

الآيات السابقة شرحت حركة الإنسان في مسيرة ذات مراحل سبع ، لتبيّن البعث وتثبت إمكانه :

المرحلة الأولى : عند ما كان الإنسان ترابا ، وقد يراد به التراب الذي خلق منه آدمعليه‌السلام . كما قد يكون إشارة إلى أنّ جميع البشر ـ من تراب ، لأنّ جميع المواد

٢٨٦

الغذائية التي تكوّن النطفة وغذاءها ـ من بعد ـ من تراب. ولا شكّ في أنّ الماء يشكّل جزءا ملحوظا من جسم الإنسان ، والجزء الآخر من الأوكسجين والكاربون ، وليس من التراب ، إلّا أنّ العنصر الأساس الذي تتشكّل منه أعضاء الجسم مصدره التراب. إذن عبارة خلق الإنسان من تراب صحيحة حتما.

المرحلة الثّانية : (النطفة) : يتحوّل التراب ، هذا الموجود البسيط المهمل العديم الحسّ والحركة ، يتحوّل إلى نطفة تتألّف من أحياء مجهولة مثيرة تسمّى عند الرجل «أسپر» أو الحيمن وعند المرأة «أوول» أو البويضة وهي غاية في الصغر حتّى أنّها تبلغ الملايين في نطفة الرجل!

والمثير أنّ الإنسان يواصل عقب ولادته حركة تدريجيّة هادئة ، تأخذ في الغالب شكل «التكامل الكمّي» في الوقت الذي كانت حركته في الرحم «كيفيّة» ترافقها طفرات سريعة مغيّرة. والتغيّرات المتعاقبة للجنين في الرحم مدهشة إلى درجة يمكن تشبيهها بحشرة صغيرة بسيطة تتطوّر بعد أشهر قليلة إلى طائرة نفّاثة!

وقد تطوّرت وتوسّعت الدراسات عن «علم الأجنة» اليوم بحيث تمكّن علماؤه من دراسة الجنين في مراحله المختلفة ، وكشفوا عن أسرار هذه الظاهرة العجيبة في عالم الوجود. وعرضوا النتائج الباهرة التي توصّلوا إليها في دراساتهم عن الجنين.

وفي المرحلة الثّالثة يصبح الجنين علقة ، وتكون خلاياه كحبّات التوت ، بشكل قطعة دم خاثر متلاصقة ، يطلق عليها علميّا «مورولا». وبعد مضي مدّة قصيرة تظهر أخاديد التقسيم الصغيرة كبداية لتقسيم أجزاء الجنين ، ويطلق على الجنين في هذه المرحلة اسم «لاستولا».

وفي المرحلة الرّابعة يتّخذ الجنين شكل قطعة لحم ممضوغ ، دون أن تتّضح معالم الأعضاء فيه ، وفجأة تحدث تغييرات في قشرة «الجنين» وتتّخذ شكلا يلائم العمل المطلوب منه القيام به ، فتظهر أعضاء الجسم تدريجيّا ، ويسقط كلّ جنين

٢٨٧

لا يمكنه المرور بهذه المرحلة ، ويمكن أن تكون عبارة( مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) إشارة إلى هذه المرحلة ، أي أنّ الجنين يكون «كامل الخلقة» أو «ناقص الخلقة».

ومن المثير أنّ القرآن المجيد ذكر عبارة( لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ) بعد ذكر هذه المراحل الأربع ، مؤكّدا أنّ هذه التغييرات السريعة المدهشة التي تغيّر قطرة ماء صغيرة إلى إنسان كامل ، لدليل واضح على أنّ الله قادر على كلّ شيء.

ثمّ أشار القرآن الكريم إلى مرحلة الجنين الخامسة والسّادسة والسّابعة ، التي تلي الولادة أي «الطفولة» و «البلوغ» و «الشّيخوخة»(1) .

والجدير بالذكر أنّ ولادة الإنسان ـ من التراب ـ كائنا حيّا ، قفزة كبيرة ، ومراحل الجنين المختلفة قفزات متعاقبة ، وولادة الإنسان من بطن أمّه قفزة مهمّة جدّا ، وهكذا البلوغ والشيخوخة.

وتعبير القرآن عن يوم القيامة بالبعث ، قد يكون إشارة إلى مفهوم القفزة ذاتها التي تحدث يوم البعث أيضا. وما أجدرنا بالانتباه إلى أنّ القرآن تحدّث عن مراحل تكوّن الجنين قبل أن يظهر علم الأجنّة ، وحديثه عنها في ذلك الزمن دليل حيّ على أنّ هذا الكتاب العظيم إنّما هو وحي يوحى من قدرة قادرة هي التي أبدعت الطبيعة وما وراءها.

2 ـ المعاد الجسماني

ممّا لا شكّ فيه أنّ القرآن الكريم أينما تحدث عن البعث قصد بعث الإنسان جسما وروحا في العالم الأخروي ، والذين حصروا البعث في الروح وقالوا ببقائها هي وحدها لم يفقهوا آيات القرآن قطّ.

__________________

(1) الذي يثير الانتباه أنّ تعبير القرآن( ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ) عن ولادة الإنسان لم يرد بصيغة الجمع (أطفال) وفقا للقاعدة ، إلّا أنّ هذا التعبير (طفلا) يمكن أن يكون مصدرا يتساوى فيه المفرد والجمع ، أو أن يكون الهدف بيان النوع. وليس خصائص الأطفال ، فالفروق بين البشر في هذه المرحلة مخفية تبرز في المراحل اللاحقة.

٢٨٨

فهذه الآيات المباركة كالآية السابقة تصرّح بالمعاد الجسماني. وإلّا فما هو وجه التشابه بين المعاد الروحي ، ومراحل الجنين وإحياء الأرض الموات بنمو النباتات؟ ويؤكّد ذلك ختام الآيات التي نحن بصددها إذ تقول :( وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) والقبر موضع جسم الإنسان وليس روحه.

وأساسا فانّ تعجّب المشركين إنّما هو من البعث الجسماني ، فهم يقولون : كيف يمكن للإنسان أن يعود للحياة ثانية بعد ما صار ترابا؟ وبقاء الروح لم يكن شيئا عجبا ، لأنّه كان موضع قبول ورضى الأقوام الجاهلية.

3 ـ ما هو «أرذل العمر»؟

«الأرذل» مشتقّة من «رذل» أي المنحطّ وغير المرغوب فيه. ويقصد بـ «أرذل العمر» تلك المرحلة من عمر الإنسان التي هي أكثر انحطاطا وغير مرغوب فيها لما يفقده فيها الإنسان من القوّة والذاكرة ، ولما يغلبه فيها من الضعف والانفعال ، حتّى تراه يغتاظ من أدنى شيء ، ويرضى ويفرح لا يسر شيء ، ويفقد سعة صدره وصبره ، وربّما قام بحركات طفولية. مع فارق بينه وبين الطفل وهو أنّ الناس لا يتوقّعون منه ذلك ، لأنّه ليس طفلا ، مضافا إلى أنّ الطفل يؤمل في أن يكبر وينضج جسديّا ونفسيّا وتزول عنه هذه الحركات الصبيانية ، لهذا يتركوا أحرارا في ممارستها ، وليس كذلك في الفرد المسنّ ، أي أنّ الطفل ليس لديه شيء ليفقده ، ولكن المسنّ يفقد رأس مال حياته بذلك. وعلى هذا فإنّ وضع الشيوخ المعمّرين يثير الشفقة والأسى عند مقارنته بوضع الأطفال.

وجاء في بعض الأحاديث أنّ أرذل العمر هو الذي يبلغ مائة عام وأكثر(1) وقد تعني هذه العبارة نوع الأشخاص ، وإلّا فهناك من يبلغ هذه الحالة وسنّهم أقل من

__________________

(1) تفسير نور الثقلين ، المجلّد الثّالث ، الصفحة 472.

٢٨٩

مائة عام. كما أنّ هناك أشخاصا تجاوزت أعمارهم مائة عام وهم بكامل وعيهم وذكائهم. وتندر مشاهدة من يصابون بهذه الحالة بين العلماء الذين شغلتهم المعارف والبحوث.

وما أولانا بدعاء الله تعالى أن يحفظنا من هذه الحالة! وما أجدرنا أن ننهي غرورنا وغفلتنا بمجرد الفكر بهذه العاقبة! علينا أن نفكّر ماذا كنّا وعلى ماذا أصبحنا وماذا سنكون؟

* * *

٢٩٠

الآيات

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (8) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (9) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (10) )

التّفسير

الجدال بالباطل مرّة أخرى :

تتحدّث هذه الآيات أيضا عمّن يجادلون في المبدأ والمعاد جدالا خاويا لا أساس له ، في البداية يقول القرآن المجيد :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ ) .

وعبارة( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) هي ذاتها التي ذكرت في آية سابقة ، وإعادتها تبيّن لنا أنّ العبارة الأولى إشارة إلى مجموعة من الناس ، والثّانية إلى مجموعة أخرى. وبعض المفسّرين يرى أنّ الفرق بين هاتين المجموعتين من الناس هو أنّ الآية السابقة الذكر دالّة على وضع الأتباع الضالّين الغافلين ، في

٢٩١

وقت تكون فيه هذه الآية دالّة على قادة هذه المجموعة الضالّة(1) .

وعبارة( لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ) تبيّن هدف هذه المجموعة ، ألّا وهو تضليل الآخرين ، وهذا دليل واضح على الفرق بينهما ، مثلما توضّح هذا المعنى عبارة( يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ ) في الآيات السابقة التي تتحدّث عن اتّباع الشياطين.

ولكن ما الفرق بين «العلم» و «الهدى» و «الكتاب المنير»؟

للمفسّرين آراء في هذا المجال أقربها إلى العقل هو أنّ «العلم» إشارة إلى الاستدلال العقلي. و «الهدى» إشارة إلى إرشاد القادة الرّبانيين. و «الكتاب المنير» إشارة إلى الكتب السماويّة ، أي أنّها تعني الأدلّة الثلاثة المعروفة «الكتاب» و «السنّة» و «الدليل العقلي». وأمّا الإجماع فإنّه يعود إلى السنّة طبقا لدراسات العلماء ، وقد جمعت هذه الأدلّة الأربعة في هذه العبارة أيضا.

ويحتمل بعض المفسّرين أنّ «الهدى» إشارة إلى الإرشادات المعنوية التي يكتسبها الإنسان في ظلّ بناء الذات وتهذيب النفس وتقواه. «وبالطبع يمكن ضمّ هذا المعنى إلى ما تقدّم آنفا».

ويمكن أن يكون الجدال العلمي مثمرا إذا استند إلى أحد الأدلّة : العقل ، أو الكتاب ، أو السنّة.

ثمّ يتطرّق القرآن المجيد في جملة قصيرة عميقة المعنى إلى أحد أسباب ضلال هؤلاء القادة ، فيقول :( ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ) إنّهم يريدون أن يضلّوا الناس عن سبيل الله بغرورهم وعدم اهتمامهم بكلام الله وبالأدلّة العقليّة الواضحة.

«ثاني» مشتقّة من «ثني» بمعنى التواء و «عطف» تعني «جانب» فالجملة تعني ثني الجانب ، أي الإعراض عن الشيء وعدم الاهتمام به.

__________________

(1) تفسير الميزان ، والتّفسير الكبير للفخر الرازي ، في تفسير الآيات موضع البحث.

٢٩٢

ويمكن أن تكون عبارة «ليضلّ» هدف هذا الإعراض ، أي إنّهم (قادة الضلال) يستخفّون بآيات الله والهداية الإلهيّة لتضليل الناس. ويمكن أن تكون نتيجة لذلك. أي أنّ محصّلة الإعراض وعدم الاهتمام هو صدّ الناس عن سبيل الحقّ. ويعقب القرآن ذلك ببيان عقابهم الشديد في الدنيا والآخرة بهذه الصورة :( لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ ) .

ونقول له :( ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ ) و( أَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) لا يعاقب الله أحدا بلا ذنب ، ولا يضاعف عقاب أحد دون سبب ، فهو العدل المطلق سبحانه(1) .

وهذه الآية من الآيات التي تنفي مذهب الجبريّة ، وتثبت مبدأ العدالة في أفعال الله تعالى. (للمزيد من التفصيل راجع تفسير الآية (182) من سورة آل عمران).

* * *

__________________

(1) «ظلّام» صيغة مبالغة تعني كثير الظلم. وطبيعي أنّ الله لا يظلم أبدا لا كثيرا ولا قليلا ، ويمكن أن يكون استخدام هذا التعبير هنا إشارة إلى أنّ العقاب دون مبرّر من قبل الله تعالى ـ جلّ عن ذلك وعلا علوّا كبيرا ـ مصداق ظلم كبير.

٢٩٣

الآيات

( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (14) )

التّفسير

الواقف على حافّة وادي الكفر

تحدّثت الآيات السابقة عن مجموعتين : الأتباع الضالّين ، والقادة المضلّين.

أمّا هذه الآيات ، فتتحدّث عن مجموعة ثالثة هم ضعاف الإيمان. قال القرآن المجيد عن هذه المجموعة :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ) أي إنّ بعض الناس يعبد الله بلقلقة لسان ، وإنّ إيمانه ضعيف جدّا. ولم يدخل الإيمان إلى قلبه.

٢٩٤

وعبارة «على حرف» ربّما تكون إشارة إلى أنّ إيمانهم باللسان فقط ، وأنّ قلوبهم لم تر بصيصا من نوره إلّا قليلا ، وقد تكون إشارة إلى أنّ هذه المجموعة تحيا على هامش الإيمان والإسلام وليس في عمقه ، فأحد معاني «الحرف» هو حافّة الجبل والأشياء الاخرى. والذي يقف على الحافّة لا يمكنه أن يستقرّ. فهو قلق في موقفه هذا ، يمكن أن يقع بهزّة خفيفة ، وهكذا ضعاف الإيمان الذين يفقدون إيمانهم بأدنى سبب.

ثمّ تناول القرآن الكريم عدم ثبات الإيمان لدى هؤلاء الأشخاص( فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ ) (1) إنّهم يطمئنون إذا ضحكت لهم الدنيا وغمرتهم بخيراتها! ويعتبرون ذلك دليلا على أحقّية الإسلام.

إلّا أنّهم يتغيّرون ويتّجهون إلى الكفر إن امتحنوا بالمشاكل والقلق والفقر ، فالدين والإيمان لديهم وسيلة للحصول على ما يبتغون في هذه الدنيا ، فإن تمّ ما يبغونه كان الدين حقّا ، وإلّا فلا.

وذكر «ابن عبّاس» ومفسّرون قدماء سبب نزول هذه الآية : «أنّها نزلت في أعراب كانوا يقدمون على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة مهاجرين من باديتهم ، فكان أحدهم إذا صحّ بها جسمه ونتجت فرسه مهرا حسنا. وولدت امرأته غلاما وكثر ماله وماشيته ، رضي به واطمأنّ إليه ، وإن أصابه وجع وولدت امرأته أنثى أو أجهضت فرسه أو ذهب ماله أو تأخّرت عنه الصدقة ، أتاه الشيطان وقال له : ما جاءتك هذه الشور إلّا بسبب هذا الدين. فينقلب عن دينه»(2) .

وممّا يلفت النظر أنّ القرآن الكريم يعبّر عن إقبال الدنيا على هؤلاء الأشخاص بالخير. وعن إدبارها بالفتنة (وسيلة الامتحان) ولم يطلق عليها كلمة

__________________

(1) كلمة «انقلب» في جملة «انقلب على وجهه» تعني التراجع. ويمكن أن تكون إشارة إلى ترك الإيمان تماما ، حتّى إنّه لا يعود إليه. فهو غريب عن الإيمان دوما.

(2) تفسير الفخر الرازي ، المجلّد الثّالث والعشرون ، ص 13 ، وتفسير القرطبي ، المجلّد السادس ، ص 4409.

٢٩٥

الشّر ، إشارة إلى أنّ هذه الأحداث غير المرتقبة ليست شرّا ولا سوءا وإنّما هي وسيلة للامتحان.

ويضيف القرآن المجيد في الختام ـ( خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ) و( ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ ) مؤكّدا أنّ أفدح الضرر وأفظع الخسران ، هو أن يفقد الإنسان دينه ودنياه. وهؤلاء الأشخاص الذين يقيسون الحقّ بإقبال الدنيا عليهم ينظرون إلى الدين وفق مصالحهم الخاصّة ، وهذه الفئة موجودة بكثرة في كلّ مجتمع ، وإيمانها مزيج بالشرك وعبادة الأصنام ، إلّا أنّ أصنامهم هي وأزواجهم وأبناؤهم وأموالهم ومواشيهم ، ومثل هذا الإيمان أضعف من بيت العنكبوت!

وهناك مفسّرون يرون أنّ هذه الآية تشير إلى المنافقين ، لكن إذا اعتبرنا أنّ المنافق هو من لا يملك ذرّة من الإيمان ، فإنّ ذلك يخالف ظاهر هذه الآية ، فعبارة «يعبد الله» و «اطمأنّ به» و «انقلب على وجهه» تبيّن أنّه ذو إيمان ضعيف قبل هذا.

أمّا إذا قصد بالمنافق من يملك قليلا من الإيمان ، فلا يعارض ما قلناه ، ويمكن قبوله.

وتشير الآية التالية إلى إعتقاد هذه الفئة الخليط بالشرك ، خاصة بعد الانحراف عن صراط التوحيد والإيمان بالله ، فتقول :( يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ) أي إذا كان هذا الإنسان يسعى إلى تحقيق مصالحه الماديّة والابتعاد عن الخسائر ويرى صحّة الدين في إقبال الدنيا عليه ، وبطلانه في إدبارها عنه. فلما ذا يتوجّه إلى أصنام لا يؤمّل منها خير ، ولا يخاف منها ضرر.

فهي أشياء لا فائدة فيها ، ولا أثر لها في مصير البشر؟! أجل( ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ ) . إنّ هؤلاء ليبتعدون عن الصراط المستقيم بعدا حتّى لا ترجى عودتهم إلى الحقّ إلّا رجاء ضعيفا جدّا.

ويوسّع القرآن الكريم هذا المعنى فيقول :( يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ ) .

لأنّ هذا المعبود المختلق ينزل بفكرهم إلى الحضيض في هذه الدنيا ، ويدفعهم

٢٩٦

نحو الخرافات والجهل ، ويدعهم في الآخرة في نار جهنّم ، بل هم كما تقول الآية 98 من سورة الأنبياء :( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) .

وتضيف الآية في الختام( لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) فما أسوأه ناصرا ومعينا ، وما أسوأه مؤنسا ومعاشرا.

وهنا يثار سؤال ، فالآية السابقة تنفي كلّ فائدة ونفع من هذه الأصنام وكلّ ضرر ، وهذه الآية تقول إنّ ضررها أقرب من نفعها! فكيف ينسجم الحكمان؟

في الجواب عن ذلك نقول : إنّ ذلك أمر اعتيادي في المخاطبة ، ففي مرحلة لا يعتبرون لشيء فائدة وتأثير يذكر ثمّ يترقّى إلى الحال في مرحلة أخرى فيعدّونه مصدر الضرر. كأن نقول : لا تصادق فلانا ، فلا نفع فيه لدينك ولا لدنياك.

وبعدها نتقدّم فنقول إنّما هو : (أي هذا الصديق) سبب لتعاستك وافتضاحك. وهنا تجد إضافة إلى كون الأصنام لا ضرر فيها لأعداء المشركين ، لأنّها غير قادرة على الإضرار بأعدائهم كما يتوقّعون منها ، ولكنّها تتضمّن ضررا حتميّا لأتباعها.

كما أنّ صيغة «أفعل التفضيل» في كلمة «أقرب» كما قلنا سابقا : تعني عدم اتّصاف طرفي المقارنة بصفة معينّة. وقد يكون الطرف الأضعف فاقدا لأيّة صفة ، كأن نقول : ساعة صبر عن الذنب خير من نار جهنّم (وليس معنى ذلك أنّ نار جهنّم فيها خير ، إلّا أنّ الصبر أفضل منها ،).

وقد اختار هذا الرأي عدد من كبار المفسّرين كالشيخ الطوسي في «التبيان» والطبرسي في «مجمع البيان».

واحتمل البعض كالفخر الرازي في تفسير الآية بأنّ كلّ واحدة من هاتين الآيتين إشارة إلى مجموعة من الأصنام ، فالآية الأولى تخصّ الأصنام الحجرية والخشبية ، وأمّا الآية الثّانية فتخصّ الطواغيت والبشر المتعالين أشباه الأصنام.

فالمجموعة الأولى لا تضرّ ولا تنفع ، بل هي بالتأكيد خالية من أيّة صفة. أمّا المجموعة الثّانية «أئمّة الضلال» فإنّهم يضرّون ولا ينفعون. وإذا كان فيهم خير

٢٩٧

قليل فضرّهم كبير جدّا ، وعبارة( لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) تؤكّد ذلك ، وعليه فلا تناقض بين الآيتين(1) .

وختام الآية المباركة نلحظ مقارنة بين الخير والشرّ كما هو دأب القرآن الكريم لتتّضح النتائج بشكل أكبر ، فتقول الآية :( إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ) . فعاقبتهم معلومة ومنهج تفكير هم وسلوكهم واضح فمولاهم هو الله تعالى ، ورفاقهم وجلساؤهم في الآخرة هم الأنبياء والصالحون والملائكة ، وأنّ الله سبحانه يثيب المؤمنين العاملين للصالحات ، جنّات تجري من تحتها الأنهار ، لينعموا بالسعادة والسرور جزاء استقامتهم على الحقّ واستجابتهم له في الحياة الدنيا( إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ ) .

وثوابهم يسير عليه ـ جلّ وعلا ـ يسر عقاب الذين ظلموا أنفسهم بإيثار الباطل على الحقّ ، وبعبادتهم الأصنام من دون الله سبحانه.

وفي هذه المقارنة نلاحظ طائفة من الناس لم يؤمنوا إلّا بلسانهم ، فهم على جانب من الدين وينحرفون بأدنى وسوسة ، وليس لهم عمل صالح ، أمّا المؤمنون الحقيقيّون فإيمانهم راسخ ولا تزعزعه العواطف ومثمر هذا من جهة ومن جهة أخرى فلئن كان مولى الخاسرين لا ينفع ولا يضرّ ، فإنّ مولى الصالحين على كلّ شيء قدير. ولئن خسر الظالمون كلّ شيء ، فقد ربح المهتدون خير الدنيا وسعادة الآخرة.

* * *

__________________

(1) بعض المفسّرين الأفاضل كمفسّر الميزان فسّر عبارة «يدعو» بمعنى «يقول» إلّا أنّ ذلك لا يطابق ظاهر الآية.

٢٩٨

الآيات

( مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (15) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) )

سبب النّزول

روى بعض المفسّرين حول سبب نزول الآية الأولى من هذه الآيات ، أنّها نزلت في نفر من أسد وغطفان قالوا : نخاف أنّ الله لا ينصر محمّدا ، فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود فلا يميروننا. فحذّرتهم هذه الآية ووبّختهم بشدّة.

وقال آخرون : إنّها نزلت في قوم من المسلمين لشدّة غيظهم وحنقهم على المشركين ، يستبطئون ما وعد الله رسوله من النصر ، فنزلت هذه الآية(1) تلومهم

__________________

(1) أبو الفتوح الرازي ، وكذلك الفخر الرازي في تفسير هما الآيات موضع البحث.

٢٩٩

على عدم صبرهم.

التّفسير

البعث نهاية جميع الخلافات :

بما أنّ الآيات السابقة كانت تتحدّث عن ضعفاء الإيمان ، فإنّ الآيات مورد البحث ترسم لنا صورة أخرى عن هؤلاء فتقول :( مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ ) .

أي من يظنّ أنّ الله لا ينصر نبيّه في الدنيا والآخرة ، وهو غارق في غضبه ، فليعمل ما يشاء ، وليشدّ هذا الشخص حبلا من سقف منزله ويعلّق نفسه حتّى ينقطع نفسه ويبلغ حافّة الموت ، فهل ينتهي غضبه؟!

لقد اختار هذا التّفسير عدد كبير من المفسّرين ، أو ذكروه كاحتمال يستحقّ الاهتمام به(1) .

الضمير في قوله سبحانه :( لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ ) بحسب هذا التّفسير يعود إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و «السّماء» تعني سقف المنزل (لأنّ كلّ شيء فوقنا يطلق عليه سماء). أمّا عبارة «ليقطع» فتعني قطع النفس والوصول إلى حافّة الموت.

واحتمل البعض احتمالات أخرى في تفسير هذه الآية لا حاجة لذكرها ، ما عدا تفسيرين منها يستحقّان الاهتمام ، وهما :

1 ـ إنّ السّماء يقصد بها السّماء الحقيقيّة ، وبناء على هذا الرأي : فإنّ الأشخاص الذين يظنّون أنّ الله لا ينصر نبيّه ، ليذهبوا إلى السّماء وليشدّوا بها حبلا ويعلّقوا أنفسهم بينها وبين الأرض حتّى تنقطع أنفسهم. (أو يقطعوا الحبل الذي تعلّقوا به كي يسقطوا) ولينظروا إلى أنفسهم هل انتهى غضبهم؟!

__________________

(1) تراجع تفاسير «مجمع البيان» و «التبيان» و «الميزان» و «الفخر الرازي» و «أبو الفتوح الرازي» و «تفسير الصافي» و «القرطبي» في تفسير الآية التي يدور حولها البحث.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

ولا يلتزم بأي قانون ومنطق تجاههم؟!

فهل يمكن ردع هؤلاء المجانين بغير لغة السلاح والقوّة؟!

وهذا ينطبق على من يقول لنا : لماذا لا تساومون الكيان الصهيوني وتفاوضونه؟

الكيان الصهيوني الذي انتهك جميع القوانين الدولية وقرارات المنظمات الدولية التي أقرّتها شعوب العالم ، وسحق ويسحق جميع القوانين البشرية والتعاليم السماوية ، هل يعترف بالمنطق؟!

الكيان الصهيوني الذي قصف المدارس والمستشفيات بالقنابل المحرقة ، فقتل آلاف الأطفال والنساء والشيوخ الآمنين الأبرياء وجعلهم إربا إربا! كيف يخاطب بالمنطق؟

وهكذا الأمر بالنسبة للذين يرون في المعبد والمسجد الذي يبثّ الوعي بين الناس ويقود حركة الجماهير ، منافسا لمصالحه غير المشروعة؟! ويعملون بما لديهم من قوّة لهدمه! فهل يمكن التفاوض سلميّا معهم؟! وإذا نظرنا إلى المجتمع الإنساني نظرة واقعية ووضعنا القضايا الفكرية جانبا ، فلا نجد مفرّا من اللجوء إلى القوّة والسلاح؟!

وليس هذا عجزا في منطقنا ، بل لعدم استعداد الجبابرة لقبول المنطق السليم ، ومتى وجدنا المنطق فاعلا لجأنا إليه.

٢ ـ من هم الذين وعدهم الله بالنصر؟

إنّه لمن الخطأ الإعتقاد بأنّ نصر الله المؤمنين ووعدهم بالدفاع عنهم ـ الذي جاء في الآيات السابقة ومن آيات قرآنية أخرى ـ بعيد عن سنّة الله في خلقه وقوانين الحياة!

ليس الأمر هكذا ، فالله يعدّ بنصرة الذين يعبئون جميع طاقاتهم ليدخلوا

٣٦١

ميدان القتال بكلّ قوّة ، ولهذا نطالع في الآيات السالفة :( لَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ) . فلا يدفع الله الظالمين بإمداداته الغيبيّة وبقدرة الصواعق والزلازل التي يبعثها إلّا في حالات استثنائية ، إنّما يدفع شرّهم عن المؤمنين بمن يدافع عنهم ، أي المؤمنين الحقيقيين.

وعليه فلا يعني الوعد الإلهي بالنصر رفع المسؤولية والتكاسل والتواكل بالاعتماد على ما وعد الله للمؤمنين ، بل يجب التحرّك الواسع لضمان النصر الإلهي وتهيئة مستلزماته.

والجدير بالذكر أنّ هذه المجموعة من المؤمنين لا يتوجّهون إلى الله قبل النصر فقط ، بل بعد النصر أيضا ، فهم( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ ) يوطّدون علاقتهم مع الله. والنصر لديهم وسيلة لنشر الحقّ والعدل ومكارم الأخلاق.

وخصّصت بعض الرّوايات الآية السابقة بالمهدي (عجّل الله فرجه) وأصحابه أو بآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشكل عامّ ، فقد جاء في حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام حين تفسير الآية( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ) قال : إنّ هذه الآية( الَّذِينَ إِنْ ) نزلت في آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمهدي (عج) وأصحابه «يملّكهم الله مشارق الأرض ومغاربها ، ويظهر الدين ويميت الله به وبأصحابه البدع والباطل ، كما أمات الشقاة الحقّ ، حتّى لا يرى أين الظلم ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر»(١) .

وقد وردت أحاديث أخرى في هذا المجال ، وهي عبارة عن مصاديق بارزة للآية ولا تمنع عموم الآية ، لا يمكنها منع ، فمفهوم الآية الواسع يشمل جميع المؤمنين والمجاهدين في سبيل الله.

__________________

(١) تفسير علي بن إبراهيم (حسبما نقله تفسير نور الثقلين ، المجلّد الثّالث ، ص ٥٠٦).

٣٦٢

٣ ـ «المحسنين» ، «المخبتين» ، «أنصار الله».

وتأمر الآيات المذكورة أعلاه والتي قبلها أحيانا بتبشير «المحسنين» ، ثمّ تعرفّهم أنّهم من المؤمنين ، وليسوا من الخونة الكفّار

وأحيانا أخرى تتكلّم حول «المخبتين» (المتواضعين) وتصفهم بأنّهم خشّع في الصلاة ، صابرون على المصائب منفقون ممّا وهبهم الله.

وتعدّد هذه الآيات كذلك ميزات «أنصار الله» الذين لا يطغون عند انتصارهم ، بل يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

وخلاصة هذه الآيات تكشف لنا أنّ المؤمنين الصادقين لهم جميع هذه الخصائص ، فهم من جهة أقوياء في عقيدتهم والتزامهم المسؤولية ، ومن جهة ثانية برهنوا على أنّهم أقوياء ومستقيمون في علاقتهم مع الخالق والخلق وفي مكافحة الفساد.

* * *

٣٦٣

الآيات

( وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (٤٢) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٤) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (٤٥) )

التّفسير

بئر معطّلة وقصر مشيد!

لقد صدر أمر الجهاد للمسلمين بعد أن ذاقوا ـ كما ذكرت الآيات السابقة ـ مرارة المحنة التي فرضها عليهم أعداء الإسلام الذين آذوهم وطردوهم من منازلهم لا لذنب ارتكبوه ، بل لتوحيدهم الله سبحانه وتعالى.

وقد طمأنت الآيات ـ موضع البحث ـ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين وخفّفت عنهم من جهة ، وبيّنت لهم أنّ العاقبة السيّئة تنتظر الكفرة من جهة أخرى ، فقالت :( وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ ) .

أي إذا كذّبك هؤلاء القوم فلا تبتئس ولا تحزن ، فالأقوام السابقة قد كذّبت

٣٦٤

رسلها أيضا ، وأضافت :( وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ ) .

وكذلك كذّب أهالي مدينة «مدين» نبيّهم «شعيب» ، وكذّب فرعون وقومه نبيّهم «موسى»( وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى ) .

وإنّ هذه المعارضة والتكذيب لن تؤثّر في روحك الطاهرة ونفسك المطمئنة ، مثلما لم تؤثّر في أنبياء كبار قبلك ولم تعق مسيرتهم التوحيديّة ودعوتهم إلى الحقّ والعدل قطّ.

إلّا أنّ هؤلاء الكفرة الأغبياء يتصوّرون إمكانية مواصلة هذه الأساليب المخزية.( فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ) أجل ، أمهل الله الكافرين ليؤدّوا امتحانهم وليتمّ الحجّة عليهم فأغرقهم بنعمته ، ثمّ حاسبهم حسابا عسيرا.( فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ ) (١) ورأيت كيف أنكرت عليهم أعمالهم ، وبيّنت لهم أعمالهم القبيحة ، لقد سلبت منهم نعمتي وجعلتهم على أسوأ حال سلبتهم سعادتهم الدنيوية وعوّضتهم بالموت.

آخر الآية موضع البحث يبيّن الله تعالى كيفيّة عقاب الكفّار بجملة موجزة ذات دلالة واسعة( فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ ) وأضافت الآية أنّ سقف بيوتها قد باتت أسفل البناء :( فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها ) .

أي إنّ الواقعة كانت شديدة حتّى أنّ السقوف انهارت أوّلا ثمّ الجدران على السقوف( وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ ) فما أكثر الآبار الرويّة بمياهها العذبة ، ولكنّها غارت في الأرض بعد هلاك أصحابها فأصبحت معطّلة لا نفع فيها.

( وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ) (٢) أجل ما أكثر القصور المشيدة التي ارتفعت شاهقة وزينت ،

__________________

(١) النكير تعني الإنكار وهنا تعني فرض العقاب.

(٢) «المشيد» مشتقّة من «شيد» على وزن «عيد» ذات معنيين : أوّلهما الارتفاع ، والثّاني الجصّ ، فتعني لفظة «قصر مشيد» القصر المرتفع.

والمعنى الثّاني القصر الذي بني على أسس ثابتة قويّة ليصان من حوادث الزمان ، وبما أنّ معظم منازل ذلك العصر تبنى من اللبن ، فإنّ المنزل الذي يبنى بالجصّ يكون أقوى من هذه البيوت ويكون متميّزا عنها.

٣٦٥

إلّا أنّها أضحت خرائب بعد أن هلك أصحابها ، والنتيجة إنّهم تركوا مساكنهم وقصورهم المجلّلة ، وأهملوا مياههم وعيونهم التي كانت مصدر حياتهم وعمران أراضيهم وذهبوا. وكذلك الآبار الغنيّة بالماء أصبحت معطّلة لا ماء فيها.

* * *

ملاحظة

ممّا يلفت النظر التّفسير الذي ورد عن أهل البيتعليهم‌السلام حيث فسّروا( وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ ) بالعلماء الذين لا يستفيد منهم المجتمع ، فبقيت علومهم معطّلة.

فقد روي عن الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام في تفسير عبارة( وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ) قوله :«البئر المعطّلة الإمام الصامت ، والقصر المشيد الإمام الناطق» وبهذا المعنى روي أيضا عن الإمام الصادقعليه‌السلام (١) .

وهذا التّفسير نوع من التشبيه (مثلما يشبه المهدي (عج) ناشر العدل في العالم بالماء المعيّن) أي إنّ الإمام عند ما يستقرّ في دست الحكم يكون كالقصر المشيد ، يجلب انتباه الداني والبعيد ويكون ملجأ للجميع. وإذا أبعد عن الحكم وتخلّى الناس عنه ، احتلّ مكانه من لا يستحقّه فيكون عندها كبئر امتلأت ماء ، إلّا أنّها معطّلة لا يستفاد منها فلا تروي عطشانا ولا تسقي زرعا.

ما أحسن ما أنشد الشاعر العربي :

بئر معطّلة وقصر مشرف

مثل لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستطرف

فالقصر مجدهم الذي لا يرتقى

والبئر علمهم الذي لا ينزف(٢)

* * *

__________________

(١) تفسير البرهان ، المجلّد الثّالث ، صفحة ـ ٣٠.

(٢) المصدر السابق.

٣٦٦

الآيات

( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨) )

التّفسير

السير في الأرض والعبرة :

تحدّثت الآيات السابقة عن الأقوام الظالمة التي عاقبها الله على ما اقترفت أيديهم فدمّر أحياءهم ، وأكّدت الآية الأولى هذه القضيّة فقالت :( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها ) .

أجل ، تحدّثنا عن خرائب قصور الظلمة ، ومنازل الجبابرة المهدّمة ، وعبدة الدنيا ، فلكلّ واحد منها ألف لسان يحكي لنا بسكونه المسيطر عليه ما حدث في

٣٦٧

زواياه من ظلم وفسق وجور ، ويحدّثنا عن ألف حادثة وحادثة.

إنّ هذه الخرائب كتب ناطقة تتحدّث عن ماضي هؤلاء الأقوام ، ونتائج أعمالهم وسلوكهم في الحياة ، وعن أعمالهم المشؤومة ، وأخيرا عن العقاب الذي صبّه الله عليهم!

إنّ آثار قصور الجبابرة تبعث في روح الإنسان التفكّر والاتّعاظ ، حيث يعوّضنا أحيانا عن مطالعة كتاب ضخم ، ومع أنّ أصل التاريخ يعيد نفسه ، فانّ هذه الآثار تجسّد للإنسان مستقبله أمام عينيه. أجل ، إنّ دراسة آثار القدماء تجعل آذاننا صاغية وأنظارنا ثاقبة. ولهذا السبب يحثّ القرآن المجيد ـ في كثير من آياته ـ المؤمنين على السياحة ، سياحة إلهيّة أخلاقية فيها عبرة لأنفسنا وعظة نحصّلها من دراسة إيوان المدائن وقصور الفراعنة. فمرّة نمرّ عبر دجلة إلى المدائن ، وقد نسكب الدمع بغزارة دجلة على أرض المدائن ، لنسمع نصائح جديدة من شقوق خرائب القصور التي كان عمّارها الملوك الجبابرة ، ولنأخذ منها الدروس والعبر(١) .

ولإيضاح حقيقة هذا الكلام بشكل أفضل قال القرآن المجيد :( فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) .

إنّ الذين يفقدون بصرهم لا يفقدون بصيرتهم ، بل تراهم أحيانا أكثر وعيا من الآخرين. أمّا العمي فهم الذين تعمى قلوبهم ، فلا يدركون الحقيقة أبدا! لهذا يقول الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «شرّ العمى ، عمى القلب! وأعمى العمى عمى القلب»(٢) .

ونطالح حديثا للرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتاب غوالي اللآلي «إذا أراد الله بعبد خيرا فتح عين قلبه فيشاهد بها ما كان غائبا عنه»(٣) .

__________________

(١) شرحنا في تفسير الآية (١٣٧) من سورة آل عمران بإسهاب دراسة تاريخ القدماء عن طريق السياحة والسير في الأرض.

(٢) نور الثقلين ، المجلّد الثّالث ، ص ٥٠٨.

(٣) المصدر السابق ، ص ٥٠٩.

٣٦٨

وهنا يثار سؤال : كيف يقال أنّ القلوب التي في الصدور تدرك الحقائق ، في وقت نعلم فيه أنّ القلب مضخّة للدم ليس إلّا؟!

وقد أجبنا عن هذا في تفسير الآية السابقة من سورة البقرة ، وخلاصته أنّ أحد معاني القلب هو العقل ، ومن معاني الصدر ذات الإنسان.

إضافة إلى أنّ القلب مظهر العواطف ، وكلّما تأثّرت العواطف والإدراكات الروحيّة في الإنسان ، فإنّ أوّل أثرها ينعكس على القلب فتزداد نبضاته ويسرع الدم في جريانه ، ويمنح الجسم نشاطا وحيوية جديدة ، فتنسب الظواهر الروحية إلى القلب ، لأنّه أوّل من يتأثّر بها في جسم الإنسان. (فتأمّلوا جيدا).

وممّا يلفت النظر أنّ الآية المذكورة أعلاه نسبت سبل إدراك الإنسان إلى القلب (العقل) والأذنين ، إشارة إلى أنّه لا سبيل ثالث لإدراك الأشياء والحقائق.

فإمّا أن يتفاعل مع الحدث في أعماق روحه ويسعى لتحليل المسائل بنفسه فيصل إلى النتيجة المتوخّاة ، وإمّا أن يسمع النصيحة من المشفقين الهداة وأنبياء الله وأهل الحقّ ، أو يصل إلى الحقائق عن طريق هذين السبيلين(١) .

وترسم الآية الثّانية ـ موضع البحث ـ صورة أخرى لجهل الأغبياء وعديمي الإيمان فتقول :( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ ) فردّ عليهم ألّا تعجلوا( وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ ) . و «العجول» هو من يخشى فوات الفرصة من يده ، وانتهاء إمكاناتها.

أمّا الله القادر على كلّ شيء منذ الأزل ، فلا حاجة له بالعجلة ، فهو قادر دوما على الوفاء بما عد ، فلا فرق عنده بين الساعة واليوم والسنة :( وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) .

وسواء أكان حقّا أم باطلا تكرارهم القول : لماذا لم ينزل الله علينا البلاء.

فليعلموا أنّ العذاب يترقّبهم وسينزل عليهم قريبا. فإن أمهلهم الله ، فإنّ ذلك ليعيدوا

__________________

(١) عن تفسير الميزان ، المجلّد الرّابع عشر ، صفحة ٤٢٦.

٣٦٩

النظر في أعمالهم ، وسيغلق باب التوبة بعد نزول العذاب ولا سبيل للنجاة حينذاك.

وهناك تفاسير أخرى لعبارة( وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) غير ما ذكرنا (وهو تساوي اليوم الواحد والألف سنة بالنسبة إلى قدرته تعالى) منها : قد يلزم ألف عام لإنجازك عملا ما ، والله تعالى ينجزه في يوم أو بعض يوم ، لهذا فإنّ عقابه لا يحتاج إلى مقدّمات كثيرة.

وتفسير آخر يقول : إنّ يوما من أيّام الآخرة كألف عام في الدنيا ، وإنّ جزاء ربّك وعقابه يزداد بهذه النسبة ، لهذا نقرأ في الحديث التالي : «إنّ الفقراء يدخلون الجنّة قبل الأغنياء بنصف يوم ، خمسمائة عام»(١) .

وفي آخر آية نجد تأكيدا على ما سبق أن ذكرته الآيات الآنفة الذكر من إنذار الكفّار المعاندين بأنّه ما أكثر القرى والبلاد التي أمهلناها ولم ننزل العذاب عليها ليفيقوا من غفلتهم ، ولمّا لم يفيقوا وينتبهوا أمهلناهم مرّة أخرى ليغرقوا في النعيم والرفاهية ، وفجأة نزل عليهم العذاب :( وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها ) .

إنّ أولئك الأقوام كانوا مثلكم يشكّون من تأخّر العذاب عليهم ، ويسخرون من وعيد الأنبياء ، ولا يرونه إلّا باطلا ، إلّا أنّهم ابتلوا بالعذاب أخيرا ولم ينفعهم صراخهم أبدا( وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ ) أجل كلّ الأمور تعود إلى الله ، وتبقى جميع الثروات فيكون الله وارثها.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، في تفسير هذه الآية.

٣٧٠

الآيات

( قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٥١) )

التّفسير

الرزق الكريم :

تحدّثت الآيات السابق عن تعجيل الكفر والعذاب الإلهي ، وإنّ ذلك ليس من شأن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنّما يرتبط بمشيئة الله تعالى ، فأوّل آية من الآيات أعلاه تقول :( قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) .

يخاطب سبحانه وتعالى الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيأمره أن ينذر الناس بعذاب الله إن تخلّفوا عن طاعته.

وممّا لا شكّ فيه أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نذير بشير ، وتأكيد الآية هنا لصفة النذير جاء لملاءمة ذلك مع الخاطبين الكفّار المعاندين الذين يستهزئون بعقاب الله.

وترسم الآيتان التاليتان صورة للبشرى وأخرى للإنذار ، لأنّ رحمة الله واسعة ، فتقدّم على عقاب الله. تتحدّث أوّلا عن البشرى( فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا

٣٧١

الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) يتطهّرون بماء المغفرة الإلهيّة أوّلا ، فتطمئن ضمائرهم ، ثمّ تشملهم نعم الله ورحمته.

عبارة «رزق كريم» (مع ملاحظة أنّ كلمة «كريم» تطلق على أي موجود شريف وثمين) ذات مفهوم واسع يضمّ جميع الأنعم المادية والمعنوية.

أجل ، إنّ الله الكريم يمنّ على عباده المؤمنين الصالحين بأنواع من الرزق الكريم في تلك المنازل الكريمة ، يقول الراغب الاصفهاني في مفرداته : لا يقال الكرم إلّا في المحاسن ، كمن ينفق مالا في تجهيز جيش في سبيل الله ، أو تحمّل حمالة ترقئ دماء قوم. فعلى هذا لا يطلق الكرم على الإحسان الجزئي.

وفسّر البعض الرزق الكريم بالرزق الدائم الذي لا عيب ولا نقص فيه.

وقال آخرون : إنّه الرزق الذي يليق بالمؤمنين الصالحين ، ولا يخفى أنّ المراد من ذلك شامل ويضمّ جميع هذه المعاني. وأضافت الآية السابقة( وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ ) أي إنّ الذين حاولوا تخريب الآيات الإلهيّة ومحوها ، وكانوا يعتقدون بأنّ لهم القدرة على مغالبة إرادة الله المطلقة ، فهم أصحاب الجحيم(١) .

«جحيم» من مادّة «جحم» بمعنى شدّة توقّد النّار ، وتقال كذلك لشدّة الغضب ، فعلى هذا تطلق كلمة (الجحيم) على المكان المشتعل بالنيران ، وهي هنا تشير إلى نار الآخرة.

* * *

__________________

(١) «سعوا» مشتقّة من «السعي» وتعني في الأساس الهرولة ، وهنا المحاولة في تخريب الآيات الإلهية ومحوها. أمّا «المعاجزون» فمتشقّة من «العجز» وتعني هنا الذي يحاول الغلبة على قدرة الله غير المحدودة. وتصوّر بعض المفسّرين أنّ هذا الاحتمال لا يمكنه أن يكون لأي أحد يريد تعجيز الله وقهر إرادته ، وعلى هذا فإنّ كلمة «المعاجزين» نسبوها إلى النّبي والمؤمنين. في الوقت الذي استخدم هذا التعبير في آيات قرآنية أخرى لله ، سورة الجن الآيات (١٢) والتوبة الآية (٢ و ٣) وتعني عمل شخص يتظاهر بقدرته ليس إلّا.

٣٧٢

الآيات

( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤) )

التّفسير

وساوس الشّياطين في مساعي الأنبياء :

تناولت الآيات السابقة محاولات المشركين والكفرة لمحو التعاليم الإلهيّة والاستهزاء بها ، أمّا الآيات موضع البحث فقد تضمّنت تحذيرا مهمّا حيث قالت : إنّ هذه المؤامرات ليست جديدة ، فالشياطين دأبوا منذ البداية على إلقاء وساوسهم ضدّ الأنبياء.

٣٧٣

في البداية تقول الآية :( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى ) أمرا لصالح الدين والمجتمع وفكّر في خطّة لتطوير العمل( أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) إلّا أنّ الله لم يترك نبيّه وحده إزاء إلقاءات الشياطين( فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ ) .

إنّ هذا العمل يسير على الله تعالى ، لأنّه عليم بجميع هذه المؤامرات الدنيئة ، ويعرف كيف يحبطها( وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) .

إلّا أنّ المؤامرات الشيطانية التي كان يحيكها المشركون والكفرة ، كانت تشكّل ساحة لامتحان المؤمنين والمتآمرين في آن واحد ، إذ تضيف الآية( لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ) .

( وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ ) فهم بعيدون عن الحقّ لشدّة عداوتهم وعنادهم.

وكذلك الهدف من هذا البرنامج :( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ) . وطبيعي أنّ الله لا يترك المؤمنين الواعين المطالبين بحقوقهم والمدافعين عن الحقّ وحدهم في هذا الطريق الوعر( وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) .

* * *

بحوث

١ ـ المراد من إلقاءات الشيطان

ما ذكرناه في تفسير الآيات المذكورة أعلاه كان تنسيقا مع آراء بعض الباحثين ، إلّا أنّ هناك احتمالات أخرى في تفسير الآية ، منها أنّ عبارة «تمنّى» و «أمنية» تعني التلاوة والقراءة ، كما جاءت في أشعار العرب بهذا المعنى. لهذا فإنّ تفسير آية( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ) كان الشياطين (خاصّة شياطين

٣٧٤

الإنس) يلقون بكلمات خلال قراءة كلام الله على الناس لتشويش الأفكار ، ولإبطال أثر القرآن في الهداية والنجاة. إلّا أنّ اللهعزوجل كان يمحو أثر هذه الإلقاءات ويثبت آياته. وينسجم هذا التّفسير مع عبارة( ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ ) وكذلك يساير (وفقا لبعض التبريرات) أسطورة الغرانيق التي سيرد ذكرها.

ولم تستعمل «تمنّي ، وأمنية» بمعنى التلاوة إلّا نادرا ، ولم ترد في القرآن بهذا المعنى قطّ. «تمنّي» مشتقة من «منى» على وزن «مشى» وأصلها تعني التقدير والفرض. وسمّيت نطفة الرجل بـ «المني» لأنّ تقدير كيان الفرد يفرض فيها. ويقال للموت «منيّة» لأنّه يحلّ فيه الأجل المقدّر للإنسان ، ولهذا تستعمل كلمة «تمنّى» لما يصوّره الإنسان في مخيّلته والتي يطمح إلى تحقّقها. وخلاصة القول : إنّ أصل هذه الكلمة هي التقدير والفرض والتصوّر ، أينما استخدمت.

ويمكن ربط معنى التلاوة بهذه الكلمة ، فيقال : التلاوة تشمل التقدير والتصوّر للكلمات ، إلّا أنّها رابطة بعيدة لا أثر لها في كلمات العرب.

أمّا المعنى الذي ذكرناه لتفسير الآية (برامج الأنبياء ومخطّطاتهم للوصول إلى الأهداف الإلهيّة) فإنّه يناسب المعنى الأصلي للكلمة «تمنّى».

وثالث احتمال في تفسير الآية أعلاه هو ما ذكره بعض المفسّرين ورأى فيه أنّه إشارة إلى بعض الأخطار والوساوس الشيطانية التي تلقى في لحظة عبارة في أذهان الأنبياء الطاهرة النيّرة.

وبما أنّهم معصومون ومنصورون بقوّة غيبيّة وإمدادات إلهيّة ، فإنّ الله يمحو أثر هذه الإلقاءات من أفكارهم ويهديهم إلى الصراط المستقيم.

إلّا أنّ هذا التّفسير لا ينسجم مع الآيتين الثّانية والثّالثة ممّا نحن بصدده ، والقرآن اعتبر هذه الإلقاءات الشيطانية وسيلة إمتحان للكفرة والمؤمنين الواعين على السواء ، ولا أثر لها في قلوب الأنبياء لما يمحو الله عنها من إلقاءات الشياطين.

٣٧٥

وبهذا تتّضح ملاءمة التّفسير الأوّل أكثر من غيره ، وهي إشارة إلى نشاط الشياطين وما يلقونه على الأنبياء لتعويق عملهم البنّاء ، غير أنّ الله يبطل ما يفعلون ويمحو ما يلقون.

٢ ـ اسطورة الغرانيق المختلفة!

جاء في بعض كتب السنّة رواية عجيبة تنسب إلى ابن عبّاس ، مفادها أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مشغولا بتلاوة سورة «النجم» في مكّة المكرّمة ، وعند ما بلغ الآيات التي جاء فيها ذكر أسماء أصنام المشركين( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ) ألقى الشيطان على النّبي هاتين الجملتين وجعلهما على لسانه : (تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهنّ لترتجى!) أي إنّهن طيور جميلة ذات منزلة رفيعة ومنها ترتجى الشفاعة(١) !

وقد فرح المشركون بذلك ، وقالوا : إنّ محمّدا لم يذكر آلهتنا بخير حتّى الآن.

فسجد محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسجدوا هم أيضا ، فنزل جبرائيلعليه‌السلام على الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محذّرا من أنّه لم ينزل هاتين الآيتين وأنّهما من إلقاءات الشيطان. وهنا أنزل عليه الآيات موضع البحث( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ) محذّرا الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين(٢) . ورغم أنّ عددا من أعداء الإسلام نقلوا هذا الحديث وأضافوا عليه ما يحلو لهم للمساس برسالة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقرآن ، إلّا أنّه مختلق يبغي النيل من القرآن وأحاديث الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وهناك أدلّة دامغة عديدة تؤكّد اختلاق شياطين الإنس لهذا الحديث :

أوّلا : ذكر الباحثون ضعف رواته وعدم الثقة بهم ، ولا دليل على أنّه من رواية

__________________

(١) «الغرانيق» جمع غرنوق ، على وزن بهلول ، طائر يعيش في الماء أبيض أو أسود اللون ، كما جاء بمعان أخرى «قاموس اللغة».

(٢) جاء ذكر هذا الحديث نقلا عن جماعة من حفّاظ أهل السنّة في تفسير الميزان.

٣٧٦

ابن عبّاس. وقد صنّف محمّد بن إسحاق كتابا أكّد فيه اختلاق الزنادقة لهذا الحديث(١) .

ثانيا : ذكرت الكتب الإسلامية أحاديث عديدة عن نزول سورة النجم وسجود النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين ، ولم تذكر شيئا عن هذا الحديث المختلق. وهذا يدلّ على إضافة هذه الجملة إليه فيما بعد(٢) .

ثالثا : تنفي آيات مطلع سورة النجم بصراحة هذه الخرافة( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ) .

كيف تنسجم هذه الاسطورة مع هذه الآية التي نزّهت وعصمت الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

رابعا : استنكرت الآيات التالية للآية التي سمّت أوثان المشركين والأصنام ، وبيّنت قبحها وسخفها ، فقد ذكرت بصراحة( إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ ) وقد جاءهم من ربّهم الهدى ، ومع كلّ هذا الذّم للأصنام ، كيف يمكن مدحها؟! إضافة إلى أنّ القرآن المجيد ذكر بصراحة أنّ الله يحفظه من كلّ تحريف( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) (٣) .

خامسا : إنّ جهاد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأصنام جهاد مستمر طوال حياته ولم يقبل المساومة قطّ.

وقد رفض الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأوثان ، وبرهنت سيرته المطهّرة على استنكارها والتصدّي لها ، حتّى في أصعب الظروف ، فكيف ينطق بمثل هذه الكلمات؟!

سادسا : إنّ الكثير من غير المسلمين الذين لا يعتقدون بأنّ النّبي محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) التّفسير الكبير للفخر الرازي ، المجلّد الثّالث والعشرون ، صفحة ٥٠.

(٢) المصدر السابق.

(٣) سورة الحجر ، ٩.

٣٧٧

مرسل من الله ، يعترفون بأنّه إنسان مفكّر واع حقّق أعطم الانتصارات. فهل يمكن لمن شعاره الأساس «لا إله إلّا الله» ، وجهاده الرافض لأيّ نوع من أنواع الشرك والوثنيّة. وحياته برهان على الإباء ورفض الأصنام ، يترك فجأة سيرته تلك ليشيد بالأوثان؟!

ومن كلّ هذا نستنتج أنّ اسطورة الغرانيق من وضع أعداء سذّج ومخالفين لا يخافون الله ، اختلقوا هذا الحديث لإضعاف منزلة القرآن والرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لهذا نفى جميع الباحثين الإسلاميين من السنّة والشيعة هذا الحديث بقوّة واعتبروه مختلقا(١) .

وذكر بعض المفسّرين تبريرا لهذه الإضافة بالقول : على فرض صحّة الحديث ، إلّا أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتلو سورة النجم وبلغ( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ) استغلّ بعض المشركين المعاندين هذه الفرصة ، فنادى بلحن خاص «تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهن لترتجى» فأشكلوا على الناس بالتشويش على كلام الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . إلّا أنّ الآيات اللاحقة ردّتهم بإدانتها الشديدة لعبادة الأصنام(٢) .

ويتّضح أنّ بعضهم وجد في اسطورة الغرانيق نوعا من الرغبة لدى الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كسب الوثنيين إلى صفوف المسلمين ، إلّا أنّ هذا القول يعني ارتكاب هؤلاء المفسّرين خطأ كبيرا ، ويدلّ على أنّ هؤلاء المسوّغين للوثنية لم يدركوا موقف الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إزاءها ، رغم أنّ المشهود تاريخيّا هو رفض الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العطاء السخيّ من المشركين مقابل العدول عن رسالته الإسلامية

أو أنّ هؤلاء المبرّرين يتجاهلون ذلك متعمّدين.

__________________

(١) مجمع البيان ، تفسير الفخر الرازي ، القرطبي ، في ظلال القرآن ، تفسير الصافي ، روح المعاني ، والميزان ، وتفاسير أخرى للآيات موضع البحث.

(٢) تفسير القرطبي ، المجلّد السابع ، صفحة ٤٤٧ ـ والمرحوم الطبرسي في مجمع البيان ذكره أيضا كأمر محتمل.

٣٧٨

٣ ـ الفرق بين الرّسول والنبي!

هناك أقوال كثيرة في الفرق بين «الرسول» و «النبي» ، وأكثرها قبولا أنّ كلمة الرّسول تطلق على أنبياء لهم رسالات من الله أمروا بنشرها بين الناس ، وألّا يألوا أي جهد في هذا الطريق ، وأن يتحمّلوا الصعاب ولا يبالوا بالتضحية بأرواحهم من أجل رسالتهم.

أمّا كلمة «النبي» فقد اشتّقت من «نبّأ» وهو الذي ينبأ بالوحي الإلهي رغم أنّه لم يكلّف بإبلاغه بشكل واسع. فهو كالطبيب يراجعه المرضى للعلاج وطلب الدواء ، ولكلّ نبي مهمّة تختلف عن مهمة الآخر ، وذلك بمقتضى الأحوال والبيئة التي يعيشها كلّ واحد منهم(١) .

* * *

__________________

(١) تحدّثنا في هذا أيضا في تفسير الآية (١٢٤) من سورة البقرة.

٣٧٩

الآيات

( وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (٥٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٥٧) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٥٨) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (٥٩) )

التّفسير

الرّزق الحسن :

تحدّثت الآيات السابقة عن محاولات المخالفين في محو الآيات الإلهيّة ، أمّا الآيات التي نقف في ضوئها ، فأشارت إلى هذه المحاولات من قبل أشخاص متعصّبين قساة.

تقول الآية الأولى :( وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550