الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٠

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 550

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 550 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 206802 / تحميل: 6196
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

وحيي، وخليفتي في أرضي ومثله في المحاسن للبرقي ( ج ٢؛ ٣١٤ - ٣١٥ ).

وفي كفاية الأثر ( ١٦ - ١٩ ) بسنده عن ابن عبّاس في حديث طويل - ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه أسماء الأئمّة لابن عبّاس - وفيه: قال ابن عبّاس: قلت: يا رسول الله، أسامي لم أسمع بهنّ قطّ!! قال لي: يا بن عبّاس، هم الأئمّة بعدي وإن قهروا، أمناء، معصومون، نجباء، أخيار، يا ابن عبّاس، من أتى يوم القيامة عارفا بحقّهم أخذت بيده فأدخلته الجنّة، يا بن عبّاس، من أنكرهم أو ردّ واحدا منهم فكأنّما قد أنكرني وردّني، ومن أنكرني وردّني فكأنّما أنكر الله وردّه ....

وفيه أيضا (٢٩) بسنده عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:

أهل بيتي أمان لأهل الأرض، كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، قيل: يا رسول الله، فالأئمّة بعدك من أهل بيتك؟ قال: نعم، الأئمّة بعدي اثنا عشر، تسعة من صلب الحسين، أمناء، معصومون، ومنّا مهديّ هذه الأئمّة، ألا إنّهم أهل بيتي، وعترتي من لحمي ودمي، ما بال أقوام يؤذونني فيهم، لا أنا لهم الله شفاعتي.

والقائم بأمري

في تفسير الإمام العسكريّعليه‌السلام ( ١٨٧ - ١٨٨ ) روىعليه‌السلام أنّ عبد الله بن سلام جاء يسائل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عند نزول قوله تعالى:( وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ ) (١) ، [ وبعد أن أوضح له النبي الوصاية والإمامة ]، قال ابن سلام: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله المصطفى، وأمينه المرتضى، وأميره على جميع الورى، وأشهد أنّ عليّا أخوه، وصفيه، ووصيّه، والقائم بأمره، المنجز لعداته، المؤدي لأماناته ....

وفي أمالي الصدوق (٤٦٨) بسنده عن الصادق، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: لمّا

__________________

(١) البقرة؛ ٩٩.

٤٤١

مرض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مرضه الّذي قبضه الله فيه اجتمع إليه أهل بيته وأصحابه، فقالوا: يا رسول الله، إن حدث بك حدث فمن لنا بعدك؟ ومن القائم فينا بأمرك؟ فلم يجبهم جوابا وسكت عنهم، فلمّا كان اليوم الثاني أعادوا عليه القول، فلم يجبهم عن شيء ممّا سألوه، فلمّا كان اليوم الثالث قالوا له: يا رسول الله، إن حدث بك حدث فمن لنا بعدك؟ ومن القائم فينا بأمرك؟ فقال لهمصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كان غدا هبط نجم من السماء في دار رجل من أصحابي، فانظروا من هو، فهو خليفتي عليكم من بعدي والقائم فيكم بأمري، ولم يكن فيهم أحد إلاّ وهو يطمع أن يقول له: أنت القائم من بعدي، فلمّا كان اليوم الرابع جلس كلّ رجل منهم في حجرته ينتظر هبوط النجم، إذا انقض نجم من السماء - قد غلب ضوءه على ضوء الدنيا - حتّى وقع في حجرة عليّ، فهاج القوم، وقالوا: والله لقد ضلّ هذا الرجل وغوى، وما ينطق في ابن عمّه إلاّ بالهوى، فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (١) إلى آخر السورة. وانظر رواية شأن النزول هذا بلفظ « القائم فيكم بأمري » في شواهد التنزيل ( ج ٢؛ ٢٧٩ - ٢٨٠ ). وقال ابن شهرآشوب في مناقبه ( ج ٣؛ ١٠ ) أبو جعفر بن بابويه في الأمالي، بطرق كثيرة، عن جويبر، عن الضحّاك، عن أبي هارون العبدي، عن ربيعة السعديّ، وعن أبي إسحاق الفزاريّ، عن جعفر بن محمّد، عن آبائهعليهم‌السلام ، كلّهم عن ابن عبّاس، وروى عن منصور بن الأسود، عن الصادق، عن آبائهعليهم‌السلام ، واللّفظ له، ثمّ ساق الخبر عن الصدوق.

وفي إرشاد القلوب (٣٣٧) في خبر حذيفة، قال: ثمّ أمر [ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ] خادمة لأم سلمة، فقال: اجمعي لي هؤلاء - يعني نساءه - فجمعتهن له في منزل أمّ سلمة، فقال لهنّ: اسمعن ما أقول لكنّ - وأشار بيده إلى عليّ بن أبي طالب، فقال لهنّ -: هذا أخي، ووصيّي، ووارثي، والقائم فيكن وفي الأمّة من بعدي ....

__________________

(١) النجم؛ ١ - ٤.

٤٤٢

وفي اليقين ( ٤٤٨ - ٤٥٢ ) بسند عن عليّعليه‌السلام ، قال: لمّا خطب أبو بكر، قام أبيّ بن كعب يوم جمعة، وكان أوّل يوم من شهر رمضان، فقال: يا معشر المهاجرين أو لستم تعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: عليّ المحيي لسنّتي، ومعلّم أمّتي، والقائم بحجّتي، وخير من أخلف بعدي ....

ويدلّ على هذا المطلب ما مرّ من أنّ عليّا خليفة النبي من بعده، ووصيّه ووزيره، ومولى المؤمنين، وغيرها ممّا مرّ، لكنّنا أثبتنا هنا بعض الروايات الواردة بلفظ « القائم بأمري ».

ولا يخفى أنّ عليّاعليه‌السلام القائم بأمر الله وأمر رسوله من بعده، والأئمّة كلّهم قائمون بأمر الله وحجّته ودينه؛ ففي أمالي الصدوق (٤٣٧) بسنده عن الرضا، عن آبائه، عن عليّعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أخبرني جبرئيلعليه‌السلام ، عن الله عزّ وجلّ، أنّه قال: عليّ بن أبي طالب حجّتي، وديّان ديني، أخرج من صلبه أئمّة يقومون بأمري، ويدعون إلى سبيلي، بهم أدفع العذاب عن عبادي وإمائي، وبهم أنزل رحمتي.

وفي الكافي ( ج ١؛ ٥٣٦ ) بسنده عن الحكم بن أبي نعيم، قال: أتيت أبا جعفر وهو بالمدينة قلت: إنّي جعلت لله عليّ نذرا وصياما وصدقة بين الركن والمقام، إن أنا لقيتك أن لا أخرج من المدينة حتّى أعلم أنّك قائم آل محمّد أم لا، فإن كنت أنت رابطتك، وإن لم تكن أنت سرت في الأرض فطلبت المعاش، فقالعليه‌السلام : يا حكم، كلّنا قائم بأمر الله، قلت: فأنت المهدي؟ قال: كلّنا نهدي إلى الله، قلت: فأنت صاحب السيف؟ قال: كلّنا صاحب السيف ووارث السيف، قلت: فأنت الّذي تقتل أعداء الله، ويعزّ بك أولياء الله، ويظهر بك دين الله؟ فقال: يا حكم، كيف أكون أنا وقد بلغت خمسا وأربعين سنة؟! وإنّ صاحب هذا الأمر أقرب عهدا باللبن منّي، وأخفّ على ظهر الدابة.

وفي إكمال الدين ( ج ٢؛ ٣٧٧ - ٣٧٨ ) بسنده عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: قلت لمحمّد بن عليّ بن موسىعليهم‌السلام : إنّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد، الّذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، فقالعليه‌السلام : يا أبا القاسم، ما منّا إلاّ هو قائم بأمر الله عزّ وجلّ، وهاد إلى دين الله، ولكنّ القائم الّذي يطهّر الله عزّ وجلّ به الأرض من

٤٤٣

أهل الكفر والجحود وهو في الاحتجاج (٤٤٩).

وفي معاني الأخبار ( ٩٦ - ١٠١ ) بسنده عن عبد العزيز بن مسلم، قال: كنّا مع الرضاعليه‌السلام بمرو، فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأداروا أمر الإمامة، وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيّدي فأعلمته خوضان الناس في ذلك، فتبسّمعليه‌السلام ، ثمّ قال: يا عبد العزيز، جهل القوم وخدعوا عن أديانهم [ ثمّ بين منزلة الإمام والإمامة وكثيرا من مطالبها، وقال في أواخر الحديث ]: فكيف لهم باختيار الإمام؟! والإمام عالم لا يجهل، داع لا ينكل كامل الحكم، مضطلع بالأمانة، عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله، وهو في عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ( ج ١؛ ١٧١ - ١٧٥ ) وأمالي الصدوق ( ٥٣٦ - ٥٤٠ ) وإكمال الدين ( ٦٧٥ - ٦٨١ ) والكافي ( ج ١؛ ١٩٨ - ٢٠٣ ).

والموفي بعهدي على سنّتي

أثبت الإمام عليّعليه‌السلام بسيرته العمليّة والعلميّة أنّه وفى بعهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبقي مستقيما على سنّته، فالتزم بكلّ وصايا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يرجع كافرا، وصبر على غصب حقّه، ولمّا أخبره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بشهادتهعليه‌السلام سأله: « أو على سلامة من ديني؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم، » كما سيأتي، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، وسار فيهم سيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بإجماع المسلمين، وقد مرّ بعض التزاماته بوصايا الرسول وعهده، وسيأتي الكثير منها، ونزيد هنا بعض النصوص المتعلّقة بالمطلب لئلاّ تخلو منها هذه الفقرة من الكلام.

ففي كشف اليقين (٢٨٣) عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ أخصمك بالنبوّة ولا نبوّة بعدي، وتخصم الناس بسبع ولا يحاجّك فيهن أحد من قريش: أنت أوّلهم إيمانا بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسويّة، وأعدلهم في الرعيّة، وأبصرهم في القضيّة، وأعظمهم عند الله يوم القيامة مزيّة. وهو في مناقب الخوارزمي (٦١) بسنده عن معاذ.

وفي كنز العمال ( ج ٦؛ ٣٩٣ ) بسنده عن ابن عبّاس، قال: سمعت عمر بن الخطّاب يقول:

٤٤٤

كفّوا عن ذكر عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فلقد رأيت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه خصالا، لئن تكون لي واحدة منهنّ في آل الخطّاب أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة في نفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانتهيت إلى باب أمّ سلمة وعليّعليه‌السلام قائم على الباب، فقلنا: أردنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالعليه‌السلام : يخرج إليكم، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فثرنا إليه، فاتّكأ على عليّ بن أبي طالب، ثمّ ضرب بيده على منكبه، ثمّ قال: إنّك مخاصم تخاصم، أنت أوّل المؤمنين إيمانا، وأعلمهم بأيّام الله، وأوفاهم بعهده، وأقسمهم بالسويّة، وأرأفهم بالرعيّة، وأعظمهم رزيّة، وأنت عاضدي، وغاسلي، ودافني، والمتقدّم إلى كلّ شديدة وكريهة، ولن ترجع بعدي كافرا، وأنت تتقدّمني بلواء الحمد، وتذود عن حوضي.

وفي كنز جامع الفوائد (٥٠) كما نقله عنه في بحار الأنوار ( ج ٢٣؛ ٢٢١ - ٢٢٢ ) عن شيخ الطائفة، بإسناده عن إبراهيم النخعي، عن ابن عبّاس، قال: دخلت على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقلت: يا أبا الحسن، أخبرني بما أوصى إليك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: سأخبركم، إنّ الله اصطفى لكم الدين وارتضاه، وأتمّ نعمته عليكم، وكنتم أحقّ بها وأهلها، وإنّ الله أوحى إلى نبيّة أن يوصي إليّ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ احفظ وصيّتي، وارع ذمامي، وأوف بعهدي، وأنجز عداتي، واقض ديني، وأحي سنّتي، وادع إلى ملّتي، لأنّ الله اصطفاني واختارني، فذكرت دعوة أخي موسى، فقلت: اللهمّ اجعل لي وزيرا من أهلي كما جعلت هارون من موسى، فأوحى الله عزّ وجلّ إليّ: أنّ عليّا وزيرك وناصرك والخليفة من بعدك، يا عليّ، أنت من أئمّة الهدى وأولادك منك ....

وفي اليقين ( ٢٩٨ - ٣٠١ ) عن محمّد بن العبّاس بن مروان، بسنده عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام في قوله عزّ وجلّ( ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى ) (١) إلى قوله:( إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى ) (٢) : فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أسري به إلى ربّه عزّ وجلّ، قال: وقف بي جبرئيل فناداني

__________________

(١) النجم؛ ٦.

(٢) النجم؛ ١٦.

٤٤٥

ربّي عزّ وجلّ: أسألك عمّا أنا أعلم به منك، من خلّفت في الأرض بعدك؟ قلت: خير أهلها لها، أخي وابن عمّي، وناصر دينك يا ربّ، والغاضب لمحارمك إذا استحلّت، ولنبيّك غضب غضب النمر إذا جدل، عليّ بن أبي طالب، قال: صدقت يا محمّد، إنّي اصطفيتك بالنبوّة، وبعثتك بالرسالة، وامتحنت عليّا بالبلاغ والشهادة إلى أمّتك، وجعلته حجّة في الأرض معك وبعدك، وهو نور أوليائي، ووليّ من أطاعني، وهو الكلمة الّتي ألزمتها المتّقين، يا محمّد، وزوّجته فاطمة، وإنّه وصيّك، ووارثك، ووزيرك، وغاسل عورتك، وناصر دينك، والمقتول على سنّتي وسنّتك، يقتله شقيّ هذه الأمّة، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ثمّ أمرني ربّي بأمور وأشياء أمرني أن أكتمها، ولم يأذن لي في إخبار أصحابي بها وهو في تفسير البرهان ( ج ٤؛ ٢٥٠ - ٢٥١ ) ونقله المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٣٦؛ ١٦٣ ) عن كنز جامع الفوائد.

وفي أمالي الطوسي ( ٣٥١ - ٣٥٢ ) بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: قال أبي: دفع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الراية يوم خيبر إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وقال له: أنت الآخذ بسنّتي، والذابّ عن ملّتي ....

وفي كشف الغمّة ( ج ١؛ ٣٣٣ ) بالإسناد عن نافع مولى ابن عمر، قال: قلت لابن عمر: من خير الناس بعد رسول الله؟ قال: عليّ، سدّ أبواب المسجد وترك باب عليّ، وقال: لك في هذا المسجد مالي، وعليك فيه ما عليّ، وأنت وارثي، ووصيّي، تقضي ديني، وتنجز عداتي، وتقتل على سنّتي، كذب من زعم أنّه يبغضك ويحبّني. وانظر هذه الرواية مسندة إلى نافع في مناقب ابن المغازلي (٢٦١).

وفي بحار الأنوار ( ج ٢٧؛ ١٠٣ ) عن فضائل ابن شاذان، بالإسناد يرفعه إلى جابر بن عبد الله الأنصاريّ، أنّه قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جالسا في المسجد، إذ أقبل عليّ والحسن عن يمينه والحسين عن شماله، فقام النبي وقبّل عليّا وألزمه صدره، وقبّل الحسن وأجلسه على فخذه الأيمن، وقبّل الحسين وأجلسه على فخذه الأيسر ثمّ قال: أيّها الناس إنّ الله، باهى بهما وبأبيهما وبأمّهما وبالأبرار من ولدهما الملائكة جميعا، ثمّ قال: اللهمّ إنّي أحبّهم وأحبّ

٤٤٦

من يحبّهم، اللهمّ من أطاعني فيهم وحفظ وصيّتي فارحمه برحمتك يا أرحم الراحمين، فإنّهم أهلي، والقوّامون بديني، والمحيون لسنّتي، والتالون لكتاب ربّي، فطاعتهم طاعتي، ومعصيتهم معصيتي.

فعلي والأئمّة من ولدهعليهم‌السلام كلّهم وفوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عهده، ومضوا عليه، وإنّهم المحيون لسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد وفوا لرسول الله بعهده وماتوا على سنّته، وذلك واضح من سيرتهم وما أسلفنا وسنأتي به من نصوص، وما ذكرناه يدلّ على ذلك دلالة قطعيّة.

أوّل الناس بي إيمانا

ثبت في كتب المسلمين جميعا أنّ عليّاعليه‌السلام أوّل من أسلم، وعارضته السياسة البكريّة والعمريّة والعثمانيّة والأمويّة بأحاديث مفادها أنّ أبا بكر أوّل من أسلم، فلم يقبلها الكثير من منصفي علماء العامّة طبقا لما هو الحقّ، وأمّا من تلقّاها بالقبول، فاضطرّ أن يقول: إنّ عليّا أوّلهم من الصبيان، وأبا بكر أوّلهم من الرجال، وخديجة أمّ المؤمنين أوّلهم من النساء، وعلى كلّ حال، فلم يستطع منكر أن ينكر أنّ عليّا أوّل من أسلم، وفوق ذلك ثبوت أنّه أوّل من آمن بالله ورسوله، وقد نصّت على ذلك روايات الفريقين، فيكون أوّل من أسلم من باب الأولى.

قال ابن حجر في الصواعق المحرقة (٧٢): قال ابن عبّاس وأنس وزيد بن أرقم وسلمان الفارسي، وجماعة: أنّه أوّل من أسلم، ونقل بعضهم الإجماع عليه.

ففي أمالي الطوسي (١٤٨) بسنده عن أبي ذرّ الغفاريّ، قال: إنّي سمعته وهو يقول: عليّ أوّل من آمن بي.

وفيه أيضا (٢١٠) بسنده عن أبي ذرّ وسلمان، قالا: أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال: هذا أوّل من آمن بي. وهو في روضة الواعظين ( ج ١؛ ١١٥ ).

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٦ ) عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: يا عليّ أنت أوّل المسلمين إسلاما، وأوّل المؤمنين إيمانا.

٤٤٧

وفي أمالي الصدوق (٢٨) بسنده عن جابر بن عبد الله في حديث طويل، قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وهو [ عليّ ] أوّل من آمن وصدّقني.

وفي بشارة المصطفى ( ١٠٣، ١٠٨ ) بسنده عن أبي ذرّ الغفاريّ، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: عليّ أوّل من آمن بي.

وفي نهج البلاغة ( ج ١؛ ١٠٥ - ١٠٦ ) من كلام للإمام عليّعليه‌السلام ، قال فيه: ألا وإنّه سيأمركم [ أي معاوية ] بسبّي والبراءة منّي، فأمّا السبّ فسبّوني؛ فإنّه لي زكاة ولكم نجاة، وأمّا البراءة فلا تتبرّءوا منّي؛ فإنّي ولدت على الفطرة، وسبقت إلى الإيمان والهجرة.

وفي كتاب سليم بن قيس (١٩٨) من كلام لقيس بن سعد مع معاوية، قال فيه: إنّ الله بعث محمّدا رحمة للعالمين، فبعثه إلى الناس كافّة فكان أوّل من صدّقه وآمن به ابن عمّه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ...

وفي أمالي الطوسي (١٥٦) بسنده عن العبّاس بن عبد المطّلب، قال: إنّ عليّا أوّل من آمن بالله.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٥٥ ) قال: قال ابن عبّاس: إنّما سمّي أمير المؤمنين لأنّه أوّل الناس إيمانا.

وفي خصائص النسائي (٤٦) بسنده عن عمرو بن عبّاد بن عبد الله، قال: قال عليّعليه‌السلام : أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصدّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كاذب، آمنت قبل الناس سبع سنين. وروى قريبا منه في ( ص؛ ٤٧ ) بسنده عن عبد الله بن أبي الهذيل. وروى قريبا منه سبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص (١٠٨) عن مسند أحمد بسنده عن حبّة العرني، عن عليّعليه‌السلام .

وفي أنساب الأشراف ( ج ٢؛ ١٤٦ ) بسنده عن معاذة العدويّة، قالت: سمعت عليّا على منبر البصرة يقول: أنا الصّديق الأكبر، آمنت بالله قبل أن يؤمن أبو بكر. وهو في الإرشاد للمفيد (٢١) بزيادة « وأسلمت قبل أن يسلم ».

وفي الإصابة ( ج ٤؛ ١٧١ ) بسنده عن أبي ليلى الغفاريّ، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

٤٤٨

يقول: سيكون من بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب، فإنّه أوّل من آمن بي، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمّة، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين.

وفي مناقب الخوارزمي (١٩) بسنده إلى هارون الرشيد، عن جدّه، عن عبد الله بن عبّاس، قال: سمعت عمر بن الخطّاب وعنده جماعة، فتذاكروا السابقين إلى الإسلام، فقال عمر: أمّا عليّعليه‌السلام فسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: فيه ثلاث خصال، لوددت أنّ لي واحدة منهنّ، فكان أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من أصحابه، إذ ضرب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يده على منكب عليّ، فقال: يا عليّ أنت أوّل المؤمنين إيمانا، وأوّل المسلمين إسلاما، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى. وأخرج نحوه المتّقي الهنديّ في كنز العمّال ( ج ٦؛ ٣٩٣ ) بسنده عن ابن عبّاس.

وانظر كشف الغمّة ( ج ١؛ ٧٩ - ٨٠ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٥، ٧٥ ) وأمالي الصدوق (١٧٢) وبشارة المصطفى ( ٩١، ١٢٢، ١٢٥ ) والخصال (٥٧٢) وكشف اليقين (٢٨٣) وكتاب سليم بن قيس ( ١٨٥ - ١٨٦ ) ونظم درر السمطين (٨٢) وفرائد السمطين ( ج ١؛ ٢٢٣ ) وتاريخ دمشق ( ج ١؛ ٥٣ / الحديث ٩٠ و ٦٣ / الحديث ٩٨ و ١١٧ / الحديث ١٦٠ ) وكنز العمال ( ج ٦؛ ٣٩٥ ) ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ( ج ٥؛ ٣٣ - ٣٤ ) والمعارف (١٦٩) ووسيلة المآل (٢١١) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٠٣ ) وأسنى المطالب (٢٠) وأسد الغابة ( ج ٤؛ ١٩ ) والرياض النضرة ( ج ٢؛ ١٥٧ ) ومناقب ابن المغازلي (١٩٤) ومناقب الخوارزمي (٦١) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٥٦ - ٦٢ ).

وانظر تخريجاته أيضا في كتاب فضائل الخمسة ( ج ١؛ ٢٢٦ - ٢٣٠ ) وقادتنا ( ج ١؛ ٦٥ - ٧٧ )

وآخرهم عهدا عند الموت

في الإرشاد ( ٢٣ - ٢٤ ) بسنده عن أبي هارون، قال: أتيت أبا سعيد الخدريّ، فقلت له: هل شهدت بدرا؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لفاطمةعليها‌السلام وقد جاءته ذات

٤٤٩

يوم تبكي، وتقول: يا رسول الله عيّرتني نساء قريش بفقر عليّعليه‌السلام ، فقال لها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما ترضين يا فاطمة أنّي زوّجتك أقدمهم سلما وأكثرهم علما يا فاطمة، إنّ لعليّ ثمانية أضراس قواطع، لم يجعل لأحد من الأوّلين والآخرين مثلها: هو أخي في الدنيا والآخرة، وليس ذلك لأحد من الناس وهو أوّل من آمن بي، وآخر الناس عهدا بي، وهو وصيّي ووارث الوصيّين. وروى الطبرسي مثله في إعلام الورى (١٦٣).

وفي كشف الغمّة ( ج ١؛ ٨٠ ) قال: ونقلت من كتاب اليواقيت لأبي عمر الزاهد، عن ليلى الغفاريّة، قالت: كنت امرأة أخرج مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أداوي الجرحى، فلمّا كان يوم الجمل أقبلت مع عليّعليه‌السلام ، فلمّا فرغ دخلت على زينب عشيّة، فقلت: حدّثيني، هل سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الرجل شيئا؟ قالت: نعم، دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال رسول الله: إنّ هذا أوّل الناس إيمانا، وأوّل الناس لقاء لي يوم القيامة، وآخر الناس بي عهدا عند الموت.

وفي أمالي الطوسيّ ( ٤٦٣ - ٤٧٢ ) بأسانيده عن أبي رافع وعمّار وهند بن أبي هالة، في حديث طويل قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في آخره: يا عليّ، أنت أوّل هذه الأمّة إيمانا بالله ورسوله، وأوّلهم هجرة إلى الله ورسوله، وآخرهم عهدا برسوله، لا يحبّك - والّذي نفسي بيده - إلاّ مؤمن قد امتحن الله قلبه للإيمان، ولا يبغضك إلاّ منافق أو كافر.

وفي الاحتجاج (١٨٤) من كتاب لمحمّد بن أبي بكر يحتجّ فيه على معاوية، قال فيه: فكيف - لك الويل - تعدل عن عليّعليه‌السلام ؟! وهو وارث علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووصيّه، وأوّل الناس له اتّباعا، وآخرهم به عهدا ...

والروايات في ذلك من طرق الإماميّة كثيرة، أغنانا عن سردها والإطالة فيها ما سيأتي من تغسيل عليّ وتكفينه ودفنه للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو آخر الناس به عهدا، وروى ابن سعد في طبقاته ( ج ٢؛ ٣٠٣ ) أنّ المغيرة بن شعبة ألقى في قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - بعد أن خرجوا - خاتمه لينزل فيه، فقال عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : إنّما ألقيت خاتمك لكي تنزل فيه، فيقال: نزل في قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والّذي نفسي بيده لا تنزل فيه أبدا، ومنعه.

٤٥٠

وقال عليّعليه‌السلام في ندبته الشجيّة الرائعة الّتي وجّهها إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد دفنه للزهراءعليها‌السلام ، قائلا: السلام عليك يا رسول الله عنّي، والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك، والبائتة في الثرى ببقعتك، والمختار لها سرعة اللّحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري، وعفا عن سيّدة نساء العالمين تجلّدي، إلاّ أنّ لي في التأسّي بسنّتك في فرقتك موضع تعزّ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك، وفاضت نفسك بين نحري وصدري ...

انظر هذه الندبة في الكافي ( ج ١؛ ٤٥٨ - ٤٥٩ ) وأمالي المفيد ( ٢٨١ - ٢٨٣ ) وأمالي الطوسي ( ١٠٩ - ١١٠ ) ودلائل الإمامة ( ٤٧ - ٤٨ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٣٦٤ ) وبشارة المصطفى (٢٥٩) وتذكرة الخواص (٣١٩).

وقالت أمّ سلمة -رضي‌الله‌عنها - كما في مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٦ ) عن مسند أبي يعلى، وفضائل أحمد، عن أمّ سلمة في خبر: والّذي تحلف به أمّ سلمة، إنّه كان آخر الناس عهدا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّعليه‌السلام ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعثه في حاجة غداة قبض، فكان يقول: جاء عليّ؟ ثلاث مرّات، قالت: فجاء قبل طلوع الشمس، فخرجنا من البيت لما عرفنا أنّ له إليه حاجة، فأكبّ عليه عليّعليه‌السلام ، فكان آخر الناس به عهدا، وجعل يسارّه ويناجيه. وقد مرّ هذا الخبر في صدر الطّرفة التاسعة عشر فراجعه. وفي بعض المصادر روي الحديث بلفظ « أقرب الناس عهدا ». فهو الأقرب بالنسبة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والآخر بالنسبة لسائر المسلمين؛ باعتبار بقاء عليّعليه‌السلام آخرهم مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في تغسيله وتكفينه ودفنه.

وقد نقلت المصادر التاريخيّة والمناقبيّة والمجاميع الحديثيّة شعر العبّاس بن عبد المطلب بعد بيعة السقيفة، وفيه يقول:

ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرف

عن هاشم ثمّ منها عن أبي حسن

أليس أوّل من صلّى لقبلتكم

وأعلم الناس بالقرآن والسنن

وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن

جبريل عون له في الغسل والكفن

وروي الشعر أيضا بلفظ « وآخر الناس عهدا ». انظر الشعر في كتاب سليم بن قيس (٧٨) ومناقب الخوارزمي (٨) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ٦٧ ). وهو في الإرشاد (٢٢) منسوب

٤٥١

لخزيمة بن ثابت الأنصاريّ، وفي تاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ١٢٤ ) منسوب لعتبة بن أبي لهب.

وفي الخصائص للنسائي (١٣٠) بسنده عن المغيرة، عن أمّ المؤمنين أمّ سلمة: إنّ أقرب الناس عهدا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّعليه‌السلام . ورواه الحاكم في المستدرك ( ج ٣؛ ١٣٨ ).

وروى الذهبي في ميزان الاعتدال ( ج ٤؛ ٢١٧ / الحديث ٨٩١٠ ) بسنده عن ليلى الغفاريّة، قالت: كنت أخرج مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مغازيه أداوي الجرحى، وأقوم على المرضى، فلمّا خرج عليّعليه‌السلام إلى البصرة خرجت معه، فلمّا رأيت عائشة واقفة دخلني الشكّ، فأتيتها، فقلت: هل سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فضيلة في عليّعليه‌السلام ؟ قالت: نعم، دخل عليّعليه‌السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو على فراشي، وعليه جرد قطيفة، فجلس عليّ بيننا، فقلت له: أما وجدت مكانا هو أوسع لك من هذا؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عائشة! دعي أخي، فإنّه أوّل الناس إسلاما، وآخر الناس بي عهدا عند الموت، وأوّل الناس لي لقيا يوم القيامة. ورواه ابن حجر في لسان الميزان ( ج ٦؛ ١٢٧ ) بتفاوت.

وانظر مسند أحمد ( ج ٦؛ ٣٠٠ ) وكفاية الطالب (٢٦٣) وتاريخ دمشق ( ج ٣؛ ١٥ / الحديث ١٠٢٧ ) و ( ١٧ / الحديث ١٠٣١ ) ومناقب الخوارزمي (٢٩) ووسيلة المآل (٢٣٩) وتذكرة الخواص (٤٢) والإصابة ( ج ٤؛ ٤٠٣ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٨٠ ) وغيرها من المصادر. وانظر كتاب قادتنا ( ج ٤؛ ٧٣ - ٧٦ ).

وأوّلهم لي لقاء يوم القيامة

في كشف الغمّة ( ج ١؛ ٨٠ ) قال الأربليرحمه‌الله : ونقلت من كتاب اليواقيت لأبي عمر الزاهد، عن ليلى الغفاريّة، قالت: كنت امرأة أخرج مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أداوي الجرحى، فلمّا كان يوم الجمل أقبلت مع عليّعليه‌السلام ، فلمّا دخلت على زينب عشية، فقلت: حدّثيني هل سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الرجل شيئا؟ قالت: نعم، دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو وعائشة على فراش وعليها قطيفة، قالت: فأقعى عليّعليه‌السلام كجلسة الأعرابي، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ هذا أوّل الناس إيمانا، وأوّل الناس لقاء لي يوم القيامة، وآخر الناس بي

٤٥٢

عهدا عند الموت.

وفي بشارة المصطفى (١٥٢) بسنده عن أبي ليلى الغفاريّ، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: سيكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب، فإنّه أوّل من يراني، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمّة؛ يفرق بين الحقّ والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين.

وفي أسد الغابة ( ج ٥؛ ٢٨٧ ) مسندا عن أبي ليلى الغفاريّ، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ستكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فإنّه أوّل من يراني، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمّة؛ يفرق بين الحقّ والباطل، وهو يعسوب المؤمنين. وهو في الإصابة ( ج ٤؛ ١٧١ ) بزيادة « والمال يعسوب المنافقين ». وذكره ابن عبد البرّ في الاستيعاب المطبوع بهامش الاصابة ( ج ٤؛ ١٧٠ ). وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٠٢ ) فقال: وعن أبي ذرّ وسلمان، قالا: أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليّعليه‌السلام فقال: إنّ هذا أوّل من آمن بي، وهذا أوّل من يصافحني يوم القيامة، وساق الحديث كما تقدّم عن أبي ليلى، قال: « ورواه الطبراني والبزّار ».

وفي الإصابة ( ج ٤؛ ٤٠٢ ) قال: وأخرج ابن منده، من رواية عليّ بن هاشم بن البريد، حدّثني أبي، حدّثنا موسى بن القاسم، حدّثتني ليلى الغفاريّة، قالت: كنت أغزو مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأداوي الجرحى وأقوم على المرضى، فلمّا خرج عليّعليه‌السلام إلى البصرة خرجت معه، فلمّا رأيت عائشة أتيتها فقلت: هل سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فضيلة في عليّعليه‌السلام ؟ قالت: نعم، دخل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو معي، وعليه جرد قطيفة، فجلس بيننا، فقلت: أما وجدت مكانا هو أوسع لك من هذا؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عائشة! دعي لي أخي، فإنّه أوّل الناس إسلاما، وآخر الناس بي عهدا، وأوّل الناس لي لقيا يوم القيامة.

وأوّليّة عليّعليه‌السلام في ملاقاته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومصافحته، مثبتة في كتب الفريقين، وقد مرّ بعضها، وإليك بعضا من الروايات الذاكرة بأنّهعليه‌السلام أوّل من يصافح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة، وهو معنى آخر لكونه أوّل من يلاقيه.

٤٥٣

ففي أمالي الطوسي ( ١٤٧ - ١٤٨ ) بسنده عن أبي سخيلة، قال: حججت أنا وسلمان الفارسي، فمررنا بالربذة، وجلسنا إلى أبي ذرّ الغفاريّ، فقال لنا: إنّه ستكون بعدي فتنة، ولا بدّ منها، فعليكم بكتاب الله والشيخ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فالزموهما، فأشهد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّي سمعته وهو يقول: عليّ أوّل من آمن بي، وأوّل من صدّقني، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمّة، يفرق بين الحقّ والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين.

وانظر أوّليّته في المصافحة في أمالي الطوسي أيضا (٢٥٠) ومعاني الأخبار ( ٤٠١ - ٤٠٢ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٦ ) واليقين (٥١٢) عن كتاب فضائل أمير المؤمنين لعثمان بن أحمد المعروف بابن السمّاك و (٥١١) عن كتاب سنة الأربعين لفضل الله الراونديّ، و ٥٠٩ عن كفاية الطالب (١٨٧) بسنده عن ابن عبّاس، والإرشاد ( ٢١ - ٢٢ ) وتاريخ بغداد ( ج ٩؛ ٤٥٣ ) وروضة الواعظين (١١٥) وأمالي الصدوق (١٧٢).

والأحاديث في ذلك كثيرة جدّا في كتب الفريقين يضاف إليها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : أنت أوّل من تنشقّ عنه الأرض معي، كما في بحار الأنوار ( ٣٩: ٢١١ ).

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت أوّل من ينشق عنه القبر معي. بحار الأنوار ( ج ٤٠؛ ٢٥، ٣٧ ) و ( ج ٧٧؛ ٦٠ ).

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا أوّل من يخرج من قبره وعليّ معي. بحار الأنوار ( ج ٣٩؛ ٢٣٠ ).

إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة في أنّه أوّل من يلقاه، وأوّل من يصافحه، وأوّل من ينشقّ عنه التراب والقبر مع رسول الله، وانظر فضائل الخمسة ( ج ٣؛ ١١١ - ١١٣ ) تحت عنوان « إنّ عليّا أوّل من تنشقّ عنه الأرض، وأوّل من يرى النبي، وأوّل من يصافحه ».

ألا ومن أمّ قوما إمامة عمياء - وفي الأمّة من هو أعلم منه - فقد كفر

هذا المطلب يحكم به العقل قبل النقل، لأنّ ترك الأعلم، والتصدّي للإمامة وأمورها بلا هدى ولا برهان ولا دليل من الله ورسوله، ما هو إلاّ الكفر والضلال، ومع ذلك، فقد

٤٥٤

وردت روايات صريحة في هذا المطلب.

ففي تفسير العياشي ( ج ٢؛ ٩٠ - ٩١ ) عن عبد الملك بن عتبة الهاشمي، عن أبي عبد الله، عن أبيهعليهما‌السلام قال: قال: من ضرب الناس بسيفه، ودعاهم إلى نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه، فهو ضالّ متكلّف.

وفي الغيبة للنعماني: ١١٥ بسنده عن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: من خرج يدعو الناس، وفيهم من هو أعلم منه، فهو ضالّ مبتدع، ومن ادّعى الإمامة من الله، وليس بإمام، فهو كافر.

وفي فقه الرضاعليه‌السلام (٥٢) قال: وأروي « من دعا الناس إلى نفسه، وفيهم من هو أعلم منه، فهو مبتدع ضالّ ».

وفي أمالي الطوسي (٥٦٠) بسنده عن أبي عمر زاذان في حديث ذكر فيه خطبة الإمام الحسنعليه‌السلام بعد صلحه مع معاوية، قال فيها: وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما ولّت أمّة أمرها رجلا، وفيهم من هو أعلم منه، إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتّى يرجعوا إلى ما تركوا. ونقله المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٧٢؛ ١٥٥ ) عن كتاب البرهان، بسنده عن عليّ ابن الحسينعليهما‌السلام في خبر طويل، أنّه قال: قال الحسن بن عليّعليهما‌السلام ورواه مثله. ورواه في المسترشد (٦٠٠) بسنده عن الباقرعليه‌السلام ، وهو في المسترشد أيضا (٦٠١) بسند آخر.

ويدلّ عليه ما في التحصين (٥٦٩) عن كتاب « نور الهدى » بسنده عن ابن عبّاس، في حديث قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : فأنت يا عليّ أمير من في السماء، وأمير من في الأرض، ولا يتقدّمك بعدي إلاّ كافر، ولا يتخلّف عنك بعدي إلاّ كافر، وإنّ أهل السماوات يسمّونك أمير المؤمنين. ونقله ابن طاوس في كتاب اليقين ( ٢٤١ - ٢٤٢ ) عن « المائة حديث » بنفس السند عن ابن عبّاس.

وفي كتاب التهاب نيران الأحزان (١٦) قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في عليّعليه‌السلام : ملعون ملعون من قدّم أو تقدّم عليه.

وانظر ما تقدّم في الطّرفة السادسة عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اعلموا أنّي لا أقدّم على عليّ أحدا،

٤٥٥

فمن تقدّمه فهو ظالم »، وقوله في الطّرفة الحادية عشر: « إنّ عليّا هو العلم، فمن قصر دون العلم فقد ضلّ، ومن تقدّمه تقدّم إلى النار ».

من كانت له عندي عدة فليأت فيها عليّ بن أبي طالب؛ فإنّه ضامن لذلك كلّه، حتّى لا يبقى لأحد عليّ تباعة

انظر ما تقدّم من تخريجات الطّرفة السابعة، حيث أعطى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تراثه لعليّعليه‌السلام على أن يقضي دين النبي وينجز عداته.

ونزيد هنا بعض ما يتعلق بإنجار عليّعليه‌السلام عدات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ففي كتاب سليم بن قيس ( ١٢١ - ١٢٢ ) قول عليّعليه‌السلام : ألا ترى يا طلحة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي وأنتم تسمعون: يا أخي إنّه لا يقضي ديني ولا يبرئ ذمّتي غيرك، أنت تبرئ ذمّتي وتقاتل على سنّتي.

وفي الخرائج والجرائح (١٦٩) عن أبي حمزة الثمالي، عن السجاد، عن أبيهعليه‌السلام : كان عليّعليه‌السلام ينادي: من كان له عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عدة أو دين فليأتني، فكان كلّ من أتاه يطلب دينا أو عدة يرفع مصلاّه فيجد كذلك تحته، فيدفع إليه.

وفي نظم درر السمطين (٩٨) عن الاعمش، عن المنهال، عن عباية، عن عليّعليه‌السلام قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ يقضي ديني، وينجز موعدي، وخير من أخلف بعدي من أهلي.

وفي مناقب الخوارزمي (٢٧) بإسناده عن أنس، عن سلمان الفارسي، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ بن أبي طالب ينجز عداتي، ويقضي ديني.

هذا، وقد روى ابن سعد في طبقاته ( ج ٢؛ ٣١٩ ) بسنده عن عبد الواحد بن أبي عون: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا توفّي أمر عليّ صائحا يصيح: من كان له عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عدة أو دين فليأتني، فكان يبعث كلّ عام عند العقبة يوم النحر من يصيح بذلك، حتّى توفّي عليّعليه‌السلام ، ثمّ كان الحسن بن عليّعليهما‌السلام يفعل ذلك حتّى توفّي، ثمّ كان الحسينعليه‌السلام يفعل ذلك، وانقطع ذلك بعده، رضوان الله عليهم وسلامه. قال ابن أبي عون: فلا يأتي أحد من خلق الله إلى عليّ بحقّ

٤٥٦

ولا باطل إلاّ أعطاه.

وفي الخصال (٥٥١) في احتجاج أمير المؤمنينعليه‌السلام على أبي بكر بثلاث وأربعين خصلة، رواه بسنده عن أبي سعيد الورّاق، عن أبيه، عن الصادق، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام ، قال: فأنشدك بالله أنا ضمنت دين رسول الله، وناديت في الموسم بإنجاز موعده أم أنت؟! قال: بل أنت.

قال محقق الخصال: وقد أخرجه في كنز العمال ( ج ٦؛ ٣٩٦ ) وقال أخرجه أحمد وابن جرير وصحّحه.

وانظر إثبات الوصيّة (٩٩) وأمالي المفيد ( ٦١، ١٧٤ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ١٣٢ ) و ( ج ٣؛ ٢١٤ ) والمسترشد ( ٢١٥، ٢٦٢، ٣٤٤، ٦٣٤ ) وكشف اليقين ( ٢٥٥ - ٢٥٦ ) ودلائل الإمامة (١٠٦) وأمالي الصدوق (٢٥٢) وأمالي الطوسي ( ٥٤٥، ٥٥٠ ) وكفاية الأثر ( ٢٠، ٧٥ - ٧٦، ١٢١، ١٣٥ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ٣٣٣ ) وشرح الأخبار ( ج ١؛ ١١٣ - ١١٥ ) وتفسير فرات ( ١٥٤، ٥٤٥ ) وتفسير الإمام العسكريّ (١٧٨) والتهاب نيران الاحزان (٤٠) واليقين ( ١٣٧، ٢٢٧ ) وبشارة المصطفى ( ٥٤، ٥٨، ٥٩ ) والخصال ( ٥٥١، ٥٧٢ - ٥٨٠ ) وتفسير القمّي ( ج ٢؛ ١٠٩ ) والتحصين (٦٠٧) ومناقب الخوارزمي (٢١٠) وفرائد السمطين ( ج ١؛ ٥٠ ) وطبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٣١٩ ) وكنز العمال ( ج ٦؛ ١٥٥ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١١٣، ١٢١ ) وفيض القدير للمناويّ ( ج ٤؛ ٣٥٩ ) وكنز الحقائق (٩٢) ومناقب ابن المغازلي ( ٢٣٨، ٢٦١ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٧٩ ) وتذكرة الخواص (٨٦).

٤٥٧

٤٥٨

الطّرفة الحادية والعشرون

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرفة - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٨٧ - ٤٨٨ ) والعلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٨٨ - ٨٩ ) بأدنى تفاوت.

مضمون هذه الطّرفة، وما مرّ في الطّرفة السابقة من قوله « لا ترجعنّ بعدي كفّارا » واحد؛ لأنّ نهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الصحابة عن رجوعهم كفّارا فيه معنى الإخبار بوقوع ذلك المنهي عنه هنا، وذلك كثير في لسان العرب وكلامهم، مثل قول الشاعر:

لا ألفينّك بعد الموت تندبني

وفي حياتي ما زوّدتني زادي(١)

فصورته النهي، ومعناه الإخبار، أي إنّني سألفينك بعد الموت تندبني.

ومثل هذا ما ورد في نهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عائشة عن الخروج في قوله: « ليت شعري أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب، تنبحها كلاب الحوأب، إيّاك أن تكونيها يا عائشة » فهذا النهي فيه معنى الإخبار بخروجها على إمام زمانها، ومقاتلتها إيّاه.

ويدلّ على هذا المراد حديث الحوض وارتداد الصحابة كما سيأتي، ويدلّ عليه الخلاف والتخاصم والقتال الّذي حدث بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتذييل الحديث بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لئن فعلتم لتجدنّي في كتيبة أضرب وجوهكم »، وأوضحها دلالة ما في تفسير القمّي ( ج ١؛ ١٧٢ ) بسنده عن الصادقعليه‌السلام ، حيث روى خطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في منى في حجّة الوداع، وفيها

__________________

(١) مروج الذهب ٣؛ ٢٥.

٤٥٩

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألا لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف على الدنيا، فإن فعلتم ذلك - ولتفعلنّ - لتجدوني في كتيبة بين جبرئيل وميكائيل أضرب وجوهكم بالسيف، ثمّ التفتصلى‌الله‌عليه‌وآله عن يمينه فسكت ساعة، ثمّ قال: إن شاء الله، أو عليّ بن أبي طالب ». فنهاهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبر بأنّهم سيتركون أمره ويرجعون كفّارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف.

وفي كشف اليقين ( ١٦١ - ١٦٢ ) عن علقمة والأسود، عن أبي أيّوب الأنصاريّ في خبر، قال فيه: ودخل عمّار فسلّم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرحّب به، وقال: إنّه سيكون من بعدي في أمّتي هنات، حتّى يختلف السيف فيما بينهم، وحتّى يقتل بعضهم بعضا، وحتّى يبرأ بعضهم من بعض، فإذا رأيت ذلك، فعليك بهذا الأصلع عن يميني عليّ بن أبي طالب، فإن سلك الناس كلّهم واديا وسلك عليّ واديا، فاسلك وادي عليّ وخلّ عن الناس، إنّ عليّا لا يردّك عن هدى، ولا يدلّك على ردى، يا عمّار طاعة عليّ طاعتي، وطاعتي طاعة الله. وهو في الطرائف ( ج ١؛ ١٠١ - ١٠٢ ) ومناقب الخوارزمي ( ١٢٤ - ١٢٥ ).

وفي الإرشاد (٩٦) قال: ثمّ كان ممّا أكّدصلى‌الله‌عليه‌وآله لهعليه‌السلام من الفضل، وتخصصه منه بجليل رتبته، ما تلا حجّة الوداع من الأمور المتجدّدة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان فيما ذكره من ذلك ما جاءت به الرواة على الاتفاق والاجتماع، من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيّها الناس إنّي فرطكم على الحوض، ألا وإنّي سائلكم عن الثقلين أيّها الناس، لا ألفينكم بعدي ترجعون كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض، فتلقوني في كتيبة كمجرّ السيل الجرار، ألا وإنّ عليّ بن أبي طالب أخي، ووصيّي، يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله.

وفي شواهد التنزيل ( ج ١؛ ٥٢٦ - ٥٢٧ ) بسنده عن عبد الله بن عبّاس، وجابر بن عبد الله الأنصاري أنّهما سمعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في حجّة الوداع - وهو بمنى -: لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض، وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفنّي في كتيبة يضاربونكم، فغمز جبرئيل من خلفه منكبه الأيسر، فالتفت فقال: أو عليّ، أو عليّ، فنزلت هذه الآية( قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَإِنَّا عَلى

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

سبحانه وتعالى.

ثمّ يأمر الله الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتّباع سياسة اللين في الدعوة إلى الهدى ودين الحقّ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ) أي ادفع عدوانهم وسيّئاتهم بالعفو والصفح والإحسان ، وكلامهم البذيء بالكلام المنطقي الموزون :( نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ ) .

والله يعلم أنّ أعمالهم القبيحة وكلامهم البديء وأذاهم القاسي يؤلم الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلّا أنّهعزوجل يدعو إلى عدم الرّد بالمثل ، بل يوجب أن يكون الردّ بالتي هي أحسن. وهذا خير سبيل لإيقاظ الغافلين والمخدوعين.

ثمّ نقرأ أمرا ربّانيا بالاستعاذة بالله من مكائد الشيطان( وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ ) . إنّه دعاء بالإنقاذ من تربّص الشيطان ومكره الخفي ، ولا يقف الدعاء عند همزات الشياطين بل يستمرّ في الاستعاذة من حضورهم عنده( وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ) أي حضور الشياطين في اجتماعات النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي يؤدّي إلى إغفال المجتمعين وإضلالهم.

ملاحظتان

١ ـ ما معنى همزات الشياطين؟

«الهمزات» جمع «همزة» بمعنى التحريك بقوّة ، وقد أطلقت هذه التسمية على حرف الهمزة ، لأنّها تؤدّي إلى حركة قويّة في نهاية الحلق.

وقال بعض المفسّرين : إنّ «الهمز» و «الغمز» و «الرمز» بمعنى واحد. إلّا أنّ الرمز ذو مرحلة خفيفة ، والغمز أشدّ منها. والهمز ، نهايتها في الشدّة(١) .

وبما أنّ الشياطين صيغة جمع ، فهي تضمّ شياطين الجنّ والإنس ، ظاهرها وخفيّها. ونقرأ في تفسير علي بن إبراهيم أنّ الإمامعليه‌السلام قال في معنى الآية :( قُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ ) : هو ما يقع في قلبك من وسوسة

__________________

(١) تفسير أبو الفتوح الرازي.

٥٠١

الشيطان»(١) .

فإذا كان الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع عصمته ومنزلته السامية عند الله ، يدعوه سبحانه بهذا الدعاء ، فما بالك بمسؤولية الآخرين؟ يجب أن يدعوا الله ألّا يكلهم إلى أنفسهم طرفة عين. وليس فقط ألّا يقعوا تحت تأثير همزات الشياطين ، بل ألّا يحضرهم الشياطين في مجالسهم. فعلى محبّي الحقّ والذّابين عنه وناشديه أن يفوّضوا أمرهم إلى الله ، ليحفظهم من وساوس الشياطين ومكائدهم.

٢ ـ ردّ السيّئة بالحسنة

من أبرز السبل المؤثّرة في مكافحة الأعداء الأشدّاء والمعاندين ردّ السيّئة بالحسنة ، فذلك يوقظ مشاعرهم ، فيحاسبون أنفسهم على ما اقترفوه من أعمال سيّئة ، ويعودون للصواب غالبا. ونجد في سيرة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأئمّة الهدىعليهم‌السلام هذا المنهج بشكل واضح ، حيث يردّون سيّئات الجنازة بالإحسان إليهم والإنعام عليهم ، فيكسبون ودّهم ، ويفجّرون في جوارحهم استجابة للحقّ ، ورفضا للباطل.

وقد ذكر القرآن المجيد هذه السيرة للمسلمين مرارا باعتبارها مبدأ أساسيّا لاقتلاع السيّئات ، ففي الآية الرّابعة والثلاثين من سورة فصّلت نقرأ( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) .

والجدير بالذكر أنّ هذا الأمر خاص بحالات لا يسيء العدو الاستفادة من هذا المبدأ ، ويرى إحسانهم إليه أو عفوهم عنه ضعفا منهم ، فيزداد جرأة على العدوان والظلم.

وهذه السيرة لا تعني مساومة الأعداء أو التسليم لهم. وهذا قد يكون السبب في أنّ اللهعزوجل أمر الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذكر هذه التوصية مباشرة بالتعوّذ به من همزات الشياطين وحضورهم حوله.

* * *

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، المجلد الثّالث ، صفحة ٥٥٢.

٥٠٢

الآيتان

( حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠) )

التّفسير

طلب المستحيل :

تابعت هاتان الآيتان ما تناولته الآيات السابقة من عناد المشركين والمذنبين وتمسكهم بالباطل ، فتناولت حالهم الوخيم حين الموت. وأنّهم يستمرّون في باطلهم :( حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ ) (١) .

حينما يجبر المذنب والمشرك على ترك الدنيا لينتقل إلى عالم آخر ، تزول عنه حجب الغفلة والغرور ، فيرى بأمّ عينه مصيره المؤلم ، فلا مال ولا جاه ، فقد عاد كلّ ما يعنيه هباء في هباء ، وهو يشاهد اليوم عاقبة أمره ، وما ارتكبه من ذنوب

__________________

(١) «حتّى» هي في الواقع غاية لجملة محذوفة ، ويفهم من العبارات السابقة أن تقديرها : إنّهم يستمرّون على هذا الحال حتّى إذا جاء أحدهم الموت ، ويستدلّ على ذلك من عبارة «نحن أعلم بما يصفون» التي استفيد منها في الآيتين السابقتين (فتأمّلوا جيدا).

٥٠٣

ومعاص ، فيرتفع صراخه وعويله( قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ) .

ارجعني يا ربّ( لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ) . ولكن قانون الخلق العادل لا يسمح بمثل هذه العودة ، لا يسمح بعودة الصالح ولا الطالح ، فيأتيه النداء الدامغ( كَلَّا ) .

( إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها ) . كلام لم يصدر من أعماقه. لم يصدر بإرادته ، إنّه يشبه كلام امرئ مسيء يردّد إذا أحسّ بالعقاب ، أو كلام قاتل حين إعدامه. ومتى هدأت العاصفة بوجههم عادوا لسابق أعمالهم القبيحة. وهذا يشبه ما ورد في الآية الثامنة والعشرين من سورة الأنعام( وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ ) .

وتشير الآية في نهايتها إلى عالم البرزخ الغامض بعبارة قصيرة ذات دلالة كبيرة( وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) .

* * *

بحوث

١ ـ من هو المخاطب في قوله تعالى :( رَبِّ ارْجِعُونِ ) ؟

بملاحظة كلمة «ربّ» التي هي مخفّف «ربّي» بمعنى إلهي ، تشير بداية الجملة إلى أنّ المخاطب هو الله سبحانه وتعالى ، إلّا أنّ مجيء «ارجعون» بصيغة الجمع يمنع أن يكون المخاطب هو اللهعزوجل . وهذا التعبيران في الجملة السابقة يثيران سؤالا وتساؤلا.

يرى عدد من المفسّرين أنّ المخاطب هو الله ، وصيغة الجمع هنا للاحترام والتعظيم. ولكن استعمال صيغة الجمع في مخاطبة المفرد ليس مألوفا في العربية ، خاصّة فيما مضى ، ولا نظير له في القرآن المجيد ، وبهذا يتّضح ضعف هذا

٥٠٤

التّفسير(١) .

وقال عدد آخر من المفسّرين : إنّ المخاطب هم الملائكة المكلّفون بقبض الأرواح. وكلمة «ربّ» نوع من الاستعانة بالله ، وهذا مألوف في حياتنا اليوميّة حيث يستغيث المرء بالله في الشدائد ، ثمّ يستنجد الناس ويصرخ : «يا ربّ! يا ربّ! انقذوني ، عجّلوا بمساعدتي» ويبدو هذا التّفسير أقرب إلى الصواب.

٢ ـ تفسير عبارة( فِيما تَرَكْتُ )

قرأنا في الآيات السابقة أنّ الكفّار يستنجدون بالله ليرجعهم إلى الدنيا ليعملوا صالحا فيما تركوا من الأعمال.

ويرى البعض في قوله تعالى :( فِيما تَرَكْتُ ) إشارة إلى أموال تركوها ، لاستعمال تعبير «تركة الميت» بصورة اعتيادية.

وروي حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام يؤكّد هذا المعنى إذ يقول : «من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم ، وهو قوله تعالى :( رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ) (٢) .

بينما يرى آخرون أنّ لها معنى أوسع ، هو إشارة إلى جميع الأعمال الصالحة التي تركها الإنسان. فيكون المعنى : رباه! أرجعني لاعوّض ما تركته من عمل صالح.

ولا يناقض الحديث السابق مع هذا التّفسير الشامل وهو مصداق واضح له ، علما بأنّ هؤلاء الأشخاص يندمون على ما فاتهم من فرص ، لهذا يرغبون في الرجوع إلى الحياة ليستفيدوا منها في العمل الصالح.

__________________

(١) يرى بعض المفسّرين في الآية التاسعة من سورة القصص في عبارة زوجة فرعون( قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ ) التي نطقت بها حين أخرج موسى من الماء نموذجا لهذا التعبير ، حيث في البداية كان المخاطب فرعون وآخر العبارة خاطبت حاشية فرعون وجنوده الذين كلّفوا بقتل أبناء بني إسرائيل.

(٢) الكافي ، وثواب الأعمال ، ومن لا يحضره الفقيه (حسبما نقله تفسير نور الثقلين ، المجلّد الثّالث ، ص ٥٥٢).

٥٠٥

ويبدو أنّ التّفسير الثّاني أقرب إلى الصواب ، وكلمة «لعليّ» الواردة في جملة( لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً ) يمكن أن تكون علامة على عدم اطمئنان هؤلاء المنحرفين من مستقبلهم ، وأنّ الندامة نتيجة لظروف خاصّة ، تظهر حين موتهم ، ولو عادوا إلى الدنيا لواصلوا أعمالهم ذاتها. وهذا هو عين الحقيقة.

٣ ـ ما الذي تنفيه «كلّا»؟

تأتي «كلّا» في العربية بمعنى الحيلولة ، وإبطال أثر أقوال المخاطب. وتقابل بالضبط كلمة «أي» التي تستخدم لتصديق الكلام.

وفي الجواب عن السؤال الوارد آنفا ، قال البعض : إنّ «كلّا» تنفي طلب الكفّار الرجوع إلى الحياة الدنيا ، أي إنّ طريق العودة ، مغلق ، ولا يمكنكم العودة أبدا.

وقال البعض الآخر : إنّ هذه الكلمة جاءت لنفي ادّعاءاتهم القائلة : لو عدنا إلى الدنيا لعوّضنا ما فاتنا من أعمال صالحة ، فيقال لهم : ما هذا إلّا ادّعاء باطل ، ولو عدتم لواصلتم العمل بنفس نهجكم السابق.

ولا ضير في أن تكون هذه الكلمة ـ في الوقت ذاته ـ إشارة إلى نفي إثنين من المعاني. كما يجب ملاحظة أنّ هذا الطلب ـ رغم وروده في الآية محل البحث من قبل المشركين فقط ـ ليس خاصّا بهم ، بل هو طلب جميع المذنبين والظالمين والمنحرفين ، إذ يندمون على ما فاتهم لحظة موتهم ، حين يرون مصيرهم الأليم ماثلا لأعينهم ، فيرجون الله ليعيدهم إلى الحياة الدنيا ، إلّا أنّ الله يزجرهم بقوله : «كلّا».

٤ ـ ما هو عالم البرزخ؟

وأين هو؟

وما هو الدليل لإثبات وجود هذا العالم بين الدنيا والآخرة؟

وهل يكون البرزخ للجميع ، أم لمجموعة معيّنة؟

٥٠٦

وأخيرا ماذا سيكون وضع المؤمنين والصالحين والكفّار والمسيئين فيه؟

هذه أسئلة أشارت الآيات والأحاديث السابقة إليها ، لهذا نجيب عنها حسبما يسمح به وضع هذا الكتاب.

تعني كلمة «البرزخ» في الأصل الشيء الذي يقع حائلا بين شيئين ، ثمّ استعملت لكلّ ما يقع بين أمرين. ولهذا أتت كلمة البرزخ للدلالة على عالم يقع بين عالم الدنيا والآخرة.

والدليل على وجود عالم البرزخ ، أو عالم القبر ، أو عالم الأرواح ، نجده في الأدلّة النقلية ، فقد دلّ عليه صريح آيات القرآن أحيانا وظاهرها أحيانا أخرى.

والآية موضع البحث( وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ظاهرة في وجود عالم البرزخ. رغم أنّ البعث رغب في القول بأنّ كلمة «البرزخ» في هذه الآية تعني العائق والمانع من العودة إلى الدنيا ، غير أنّ هذا المعنى يبدو غريبا ، لأنّ عبارة( إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) دليل على وقوع عالم البرزخ بين الدنيا والآخرة ، وليس بين الإنسان والدنيا.

ومن الآيات التي تصرّح بوجود مثل هذا العالم ، الآيات الخاصّة بحياة الشهداء ، مثل( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) الآية (١٦٩) من سورة آل عمران ، والخطاب فيها موجّه إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . أمّا الآية (١٥٤) من سورة البقرة فإنّها خطاب لجميع المؤمنين :( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ ) .

وعالم «البرزخ» ليس للمؤمنين ذوي الدرجة الرفيعة كالشهداء فقط ، بل للكفّار الطغاة كفرعون وأعوانه أيضا ، وهذا ما صرّحت به الآية (٤٦) من سورة المؤمن( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ ) .

وذكرت آيات أخرى عالم البرزخ ولكن لا تصل إلى صراحة وظهور الآيات

٥٠٧

السابقة.

وما يجب الانتباه إليه في موضع البرزخ هو أنّ الآيات ـ باستثناء الآية التي نحن بصددها والتي ذكرته بشكل عامّ ـ استعرضت البرزخ بشكل خاصّ ، كما في ذكره عن الشهداء أو آل فرعون.

إلّا أنّ الواضح أنّه لا خصوصيّة لآل فرعون لأنّ في العالم الكثير من أمثالهم ، ولا للشهداء ، لأنّ القرآن الكريم اعتبر النّبيّين والصدّيقين والصالحين مع الشهداء ، كما جاء في الآية (٦٩) من سورة النساء( فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ ) .

ولنا حديث عن كون البرزخ لعامّة الناس أو لفئة منهم ، سنورده في ختام هذا البحث إن شاء الله.

أمّا الرّوايات : فهناك أحاديث كثيرة في كتب الفريقين الشيعة والسنّة تتحدّث بعبارات مختلفة عن عالم البرزخ ، وعالم القبر ، وعالم الأرواح. أي تتحدّث عن العالم الذي يفصل بين الدنيا والآخرة ، ومنها :

١ ـ جاء في حديث معروف ذكر في الكلمات القصار في نهج البلاغة أنّ عليّاعليه‌السلام حينما وصل إلى جبانة الكوفة عند عودته من حرب صفين ، توجّه إلى القبور ونادى الأموات قائلا : «يا أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة والقبور المظلمة! يا أهل التربة! يا أهل القربة! يا أهل الوحدة! يا أهل الوحشة! أنتم لنا فرط سابق ونحن لكم تبع لا حق! أمّا الدور فقد سكنت ، وأمّا الأزواج فقد نكحت ، وأمّا الأموال فقد قسّمت ، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم»؟

ثمّ التفت إلى أصحابه فقال : «أما لو اذن لهم في الكلام لأخبروكم أنّ خير الزاد التقوى»(١) .

__________________

(١) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، رقم «١٣٠».

٥٠٨

وبهذا يتّضح عدم إمكان حمل هذه العبارات على المجاز والكناية ، بل هي تخبرنا عن حقيقة وجود حياة البرزخ بعد الموت ، وتمكّن الموتى ـ لو سمح لهم ـ من الحديث إلينا.

٢ ـ ونقرأ حديثا آخر رواه الأصبغ بن نباتة يذكر فيه أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أنّه خرج من الكوفة ، ومرّ حتّى أتى الغريين فجازه ، فلحقناه وهو مستلق على الأرض بجسده ، ليس تحته ثوب.

فقال له : قنبر : يا أمير المؤمنين ألا أبسط ثوبي تحتك؟

قال : لا ، هل هي إلّا تربة مؤمن أو مزاحمته في مجلسه؟

قال الأصبغ : فقلت : يا أمير المؤمنين ، تربة مؤمن قد عرفناه كانت أو تكون.

فما مزاحمته في مجلسه؟

فقال : «يا ابن نباتة ، لو كشف لكم لرأيتم (في المختصر المطبوع ص ٤ : لألفيتم) أرواح في هذا الظهر حلقا يتزاورون ويتحدّثون ، إنّ في هذا الظهر روح كلّ مؤمن ، وبوادي برهوت نسمة كلّ كافر»(١) .

٣ – وجاء في حديث آخر عن الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام قوله : «إنّ القبر إمّا روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النّار»(٢) .

٤ – وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام : «البرزخ القبر وهو الثواب والعقاب بين الدنيا والآخرة والله ما نخاف عليكم إلّا البرزخ»(٣) .

٥ – وجاء في كتاب الكافي أنّه سئل الإمام : وما البرزخ؟ فأجابه : «القبر من حين موته إلى يوم القيامة»(٤) .

__________________

(١) بحار الأنوار ، المجلّد السادس ، صفحة ٢٤٣.

(٢) تفسير نور الثقلين ، المجلّد الثّاني ، صفحة ٥٥٣.

(٣) المصدر السابق.

(٤) المصدر السابق ، صفحة ٥٥٤.

٥٠٩

٦ ـ وروى الشيخ الكلينيرحمه‌الله في الكافي عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي ولّاد الحنّاط ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : قلت له : جعلت فداك ، يروون أنّ أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش ، فقال: «لا ، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير ، ولكن في أبدان كأبدانهم»(١) .

هذا الحديث يشير إلى مصير روح الإنسان ، فهي من جهة تشبه هذا الجسم المادّي ، إلّا أنّه يمتلك نوعا من التجرّد البرزخي.

٧ ـ كما نقرأ في حديث آخر جاء في كتاب الكافي عن الإمام الصادقعليه‌السلام : سألته عن أرواح المؤمنين فأجاب : «في حجرات في الجنّة ، يأكلون من طعامها ويشربون من شرابها. ويقولون ربّنا أقم لنا الساعة وأنجز لنا ما وعدتنا»(٢) .

٨ ـ روى صاحب الكافي عن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن درست بن أبي منصور ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «إنّ الأرواح في صفة الأجساد في شجرة في الجنّة تعارف ، فإذا تساءل قدّمت الروح على الأرواح تقول : دعوها فإنّها قد أفلتت من هول عظيم ، ثمّ يسألونها : ما فعل فلان؟ وما فعل فلان؟ فإن قالت لهم : تركته حيّا ارتجوه ، وإن قالت لهم : قد هلك ، قالوا : قد هوى هوى»(٣) .

تقصد الأحاديث أعلاه بالجنّة والنّار البرزخيتين ، وليس العائدتين ليوم القيامة ، والفرق بينهما كبير.

والأحاديث في هذا المجال عديدة ، وقد رتّبت في أبواب مختلفة نشير إلى قسم منها :

__________________

(١) كتاب الكافي ، حسبما نقله بحار الأنوار ، المجلّد السادس ، صفحة ٢٦٨.

(٢) بحار الأنوار ، المجلّد السادس ، صفحة ٢٦٩.

(٣) المصدر السابق.

٥١٠

أحاديث تتحدّث عن سؤال القبر وعذابه.

وأحاديث تتناول اتّصال الأرواح مع أسرها ومشاهدة وضعهم.

أحاديث تتحدّث عن ليلة المعراج واتّصال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أرواح الأنبياء والمرسلين.

أحاديث تنصّ على ابتلاء الإنسان بنتائج أعماله سواء كانت طيّبة أمّ سيّئة.

بعد موته وأمثالها(١) .

البرزخ والاتّصال بعالم الأرواح

رغم أنّ الكثير ممّن يدّعون بأنّهم على اتّصال بعالم الأرواح كاذبون ، أو أنّهم يعانون نوعا من الوهم والخيال ، لكن ثبت أنّ الاتّصال بعالم الأرواح ممكن ، وقد تحقّق فعلا لبعض العلماء ، حتّى أنّهم توصّلوا إلى بعض الحقائق عن طريق الأرواح.

وهذه القضيّة بذاتها دليل واضح على وجود عالم البرزخ وحقيقته ، فهي تبيّن أنّ بعد عالم الدنيا والموت وقبل القيامة في الآخرة ، هناك عالم آخر قائم بذاته(٢) .

كما أنّ الأدلّة العقليّة لإثبات تجرّد الروح وبقائها بعد فناء الجسم بنفسها دليل آخر على وجود عالم البرزخ (فتأمّلوا جيدا).

صورة عن عالم البرزخ

يتّفق علماء الإسلام على أصل وجود البرزخ وما يقع فيه من نعمة ونقمة مع بعض اختلافات جزئيّة بين هؤلاء العلماء ، ويتّفق علماء السنّة والشيعة على وجود البرزخ باستثناء عدد قليل غير ملحوظ.

__________________

(١) جمع هذه الأحاديث المرحوم السيّد عبد الله شبّر في كتاب سمّاه «تسلية الفوائد في بيان الموت والمعاد».

(٢) للاطلاع أكثر بهذا الصدد ، راجع مسألة الاتّصال بالأرواح في كتاب (عودة الروح والاتّصال بها) وكتاب (العالم بعد الموت).

٥١١

والدليل على الاتّفاق بين هؤلاء العلماء واضح ، وهو تصريح الآيات القرآنية بوجود البرزخ وما فيه من نعمة وعذاب ، كما أسلفنا. ومنها ما صرّح بذلك في الحديث عن الشهداء :( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (١) وليس فقط هذه المجموعة من الصالحين قد أنعم الله عليها ، بل إنّ مجموعة من أسوأ الطغاة والمجرمين يعذّبهم الله ، كما أنّ تعذيب آل فرعون بعد الموت وقبل القيامة قد أشارت إليه الآية ٤٦ من سورة غافر (المؤمن).

والأحاديث متواترة بهذا الصدد ، فلا نقاش في وجود عالم البرزخ أساسا ، والمهمّ أن نعرف حياة البرزخ وشكلها ، فقد ذكرت له صورة مختلفة ، أوضحها أنّ أرواح البشر بعد ترك هذه الدنيا ، تدخل أجساما لطيفة سامية عن آثار هذه المادّة القذرة ، إلّا أنّها على شكل أجسامنا ، ويقال لكلّ منها (الجسم المثالي) وهو ليس مجردا تمام التجرية ، ولا هو مادّيا محضا. إنّه يمتاز بتجرّد برزخي معيّن ، وشبّهه بعضهم بما عليه الروح في أثناء ما يراه النائم ، إذ تسرّ الروح رؤية النعم ، وتعذّبها مشاهدة المناظر المؤلمة ، ولذلك أثّر في جسمنا هذا ، إذ نبكي عند رؤية حلم مزعج ، ونفزع مذعورين من هول ما نرى ، أو نضحك من أعماقنا من طرافة ما نحلم به في نومنا.

ويرى جماعة أنّ الروح تقوم بنشاط في الجسم المثالي ، بل يرون أكثر من ذلك ، ألا وهو قدرة الأرواح القويّة على اكتساب حالة التجرّد البرزخي في يقظة الإنسان أيضا. أي تنفصل الروح عن الجسم. وتتحرّك في الجسم المثالي برغبتها أو بالتنويم المغناطيسي ، تتحرّك في العالم لتطّلع على بعض القضايا(٢) .

__________________

(١) سورة آل عمران ، ١٦٩ و ١٧٠.

(٢) يصرّح العلّامة المجلسي في تناوله هذا الموضوع في بحار الأنوار : إنّ تشبيه البرزخ بالحلم وما يتراءى للإنسان وارد في

٥١٢

بل إنّ البعض قال بوجود الجسم المثالي في جسم كلّ إنسان ، وإنّه ينفصل عنه في بداية الحياة البرزخية ، ويمكن أن يقع ذلك كما قلنا في هذه الدنيا.

وإذا رفضنا جميع هذه الصفات للجسم المثالي ، فلا يمكن نفي الموضوع أصلا ، بسبب إشارة أحاديث عديدة إليه ، ولانعدام المانع العقلي منه.

وبهذا يتّضح جواب الاعتراض القائل بأنّ الإعتقاد بالجسم المثالي يستوجب الإعتقاد بالتناسخ ، الذي يعني انتقال الروح من جسم إلى آخر.

لقد ردّ الشيخ البهائي هذا الإحتجاج بوضوح ، فقال : إنّ التناسخ الذي يرى بطلانه جميع المسلمين ، هو عودة الروح بعد تفسّخ الجسم الذي كانت فيه إلى جسم آخر في هذه الدنيا.

أمّا اختصاص الروح بالجسم المثالي في عالم البرزخ حتّى يوم القيامة ، ثمّ عودتها إلى الجسم الأوّل بأمر من الله تعالى لا علاقة له بالتناسخ ، والسبب أنّنا ننفي التناسخ بشدّة ونكفّر الذي يعتقد به ، هو قولهم بأزليّة الأرواح وانتقالها الدائمي من جسم إلى آخر ، وإنكارهم المعاد الجسماني في عالم الآخرة(١) .

والقول بوجود الجسم المثالي في باطن الجسم المادّي يجلي الجواب عن هذا الإشكال ، إذ لا تنتقل الروح من جسم إلى آخر ، بل تترك بعض قوالبها ، وتستمرّ في قالب آخر في حياتها البرزخية.

والسؤال الآخر هو أنّه يفهم من آيات قرآنية أن لا حياة برزخية لمجموعة من الناس ، كما جاء في الآية الخامسة والخمسين والسادسة والخمسين من سورة الروم!( يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ ، وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ

__________________

أكثر من الروآيات ، ويمكن أن تكون للنفوس القوية السامية عدة أجسام مثالية ، وبهذا تفسر الأحاديث القائلة بحضور الأئمة الميامين لدى المحتضرين حين نزعهم الأخير. (بحار الأنوار ، المجلد السادس ، صفحة ٢٦١).

(١) بحار الأنوار ، المجلد السادس ، صفحة ٢٧٧.

٥١٣

وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) .

وجواب هذا الاعتراض ، جاء في أحاديث فحواها أنّ الناس ثلاث فئات : فئة مؤمنة مخلصة في إيمانها ، وفئة مخلصة في كفرها ، وفئة متوسطة ومستضعفة.

وإنّ عالم البرزخ خاص بالفئتين الأولى والثّانية ، أمّا الثّالثة فتعبر عالم البرزخ في حالة من عدم الاطلاع (لاطلاع أوسع على هذه الأحاديث يراجع المجلّد السادس من بحار الأنوار ، بحث أحوال البرزخ والقبر).

* * *

٥١٤

الآيات

( فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (١٠٣) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (١٠٤) )

التّفسير

جانب من عقاب المسيئين :

تحدّث الآيات السابقة عن عالم البرزخ ، وأعقبتها آيات تناولت القيامة بالبحث ، وتناولت كذلك جانبا من وضع المذنبين في عالم الآخرة.

فهي تقول أوّلا :( فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ ) من المعلوم ـ بالاستناد إلى آيات القرآن الكريم ـ أنّ النفخ في الصور يجري مرّتين. أولاهما في نهاية هذا العالم ، حيث يموت من في الأرض والسماوات.

وفي ثانيتهما يبدأ بعث من في القبور ، ليعودوا لحياة جديدة ، وليستعدّوا للحساب والجزاء.

٥١٥

«النفخ في الصور» يعني النفخ في البوق ، إلّا أنّ هذه العبارة لها مفهوم خاصّ سنبيّنه إن شاء الله في شرح الآية ٦٨ من سورة الزمر.

وعلى كلّ حال ، فإنّ الآية السابقة أشارت إلى ظاهرتين من ظواهر يوم القيامة :

أولاهما : انتهاء مسألة النسب ، لأنّ رابطة الاسرة والقبيلة التي تسود حياة الناس في هذا العالم تؤدّي في كثير من الحالات إلى نجاة المذنبين من العقاب ، إذ يستنجدون بأقربائهم في حلّ مشاكلهم. أمّا الوضع يوم القيامة فيختلف ، حيث كلّ إنسان وعمله ، فلا معين له ، ولا نفع في ولده ، أو أخيه ، أو والده.

وثانيتهما : سيطرة الخوف على الجميع ، فلا يسأل أحد عن حال غيره بسبب الخوف الشديد من العقاب الإلهي ، هو يوم كما أطّلعنا عليه في مطلع سورة الحجّ :

( يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ ) كما يحتمل أن تقصد عبارة( وَلا يَتَساءَلُونَ ) عدم طلب أحدهم العون من الآخر ، لأنّهم جميعا يعرفون عدم جدوى ذلك.

وقال بعض المفسّرين : إنّ المراد من هذه العبارة هي عدم السؤال عن الأنساب فهي تأكيد لقوله تعالى :( فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ ) .

ويبدو التّفسير الأوّل أوضح من غيره ، رغم عدم التناقض فيما بينها ، ويمكن أن تشير العبارة السابقة إلى هذه المعاني كلّها.

ورأى مفسّرون آخرون أنّه يستفاد من عدّة آيات تساؤل الناس يوم القيامة ، كما جاء في الآية (٢٧) من سورة الصافات ، حيث تساءل المذنبون لدى مواجهة النّار( وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ ) . كما تحدّثت هذه السورة في الآية الخمسين عن أهل الجنّة ساعة استقرارهم في الجنّة متقابلين ، فقالت :( فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ ) إنّهم تساءلوا عن رفاق لهم في الحياة الدنيا انحرفوا

٥١٦

عن السبيل السوي فاقتيدوا إلى النّار.

كما جاء نظير هذا المعنى في الآية (٢٥) من سورة الطور ، فكيف تنسجم هذه الآيات مع الآية موضع البحث ، وهي تنصّ على عدم تساؤل الناس يوم القيامة؟.

لو دقّقنا مليّا في مضمون الآيات محلّ البحث لاتّضح لنا جواب هذا السؤال ، فالآيات الخاصّة بإثبات سؤال بعضهم للآخر إنّما تتحدّث في حالة استقرارهم في الجنّة ، أو في النّار. في وقت تنفي الآيات محل البحث تساؤل الناس حين البعث ، حيث يسيطر الرعب على الجميع. حتّى أنّ الناس ينسون جميع من حولهم ويذهلون عنهم من هول الحشر. وبتعبير آخر : للقيامة مواقف ولكلّ موقف شأن معيّن ، والإشكال المذكور نجم عن عدم تشخيص هذه المواقف.

وبعد وقوع القيامة تبدأ مرحلة الحساب وقياس الأعمال بميزان خاصّ بيوم القيامة :( فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) .

«الموازين» جمع «ميزان» وهو وسيلة للقياس. وكما قلنا سابقا : إنّ الميزان لا يعني ما نعرفه في هذه الدنيا لوزن الموادّ ، إنّ الميزان في هذه الآية يعني وسيلة ملائمة لقياس قيمة أعمال الإنسان ، أي : للميزان مفهوم واسع يشمل جميع وسائل القياس. وكما ورد في الأحاديث المختلفة أنّه ميزان تقاس به الأعمال والناس ، وهم قادة الإسلام الكبار ، في الحديث : «إنّ أمير المؤمنين والأئمّة من ذريته هم الموازين»(١) .

وعلى هذا فإنّ الرسل وأوصياءهم هم الذين يقاس الناس وأعمالهم بهم ، ليتبيّن إلى أي درجة يشبهونهم. وبهذا يتميّز الناس ثقيلهم من خفيفهم ، وثمينهم من تافههم ، وعالمهم من جاهلهم. كما يتّضح لنا سرّ ذكر الموازين بصيغة الجمع ، لأنّ قادة الناس الكبار في السابق ـ وهم موازين القياس ـ قد تعدّدوا في التاريخ.

__________________

(١) بحار الأنوار ، المجلّد السابع ، صفحة ٢٥١ (الطبعة الجديدة).

٥١٧

ويمكن أن يكون الأنبياء والأئمّة وعباد الله المخلصون قدوة في مجال معيّن أو أكثر على وفق الظروف التي مرّوا بها ، فاشتهروا ببعض الصفات دون أخرى ، فواحدهم ميزان بما اشتهر به من حسنات وخصال حميدة.

( وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ ) وهم الذين فقدوا الإيمان والعمل الصالح ، فوزنهم خفيف يوم القيامة ، لأنّهم خسروا رأسمال وجودهم :( فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ ) عبارة( خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ) تصريح بحقيقة خسران المذنبين لأكبر رأسمال لهم ـ أي وجودهم ـ في سوق تجارة الدنيا دون أن يحصلوا على مقابل.

وتشرح الآيات التالية عذابهم الأليم( تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ ) ألسنة النّار ولهيبها المحرق تضرب وجوههم كضرب السيف( وَهُمْ فِيها كالِحُونَ ) وهم من شدّة الألم وعذاب النّار ، في عبوس واكفهرار.

وكلمة «تلفح» مشتقّة من «لفح» على وزن «فتح» وتعني في الأصل ضربة السيف ، وقد وردت هنا كناية ، لأنّ لهيب النّار ، أو نور الشمس المحرقة ، وريح السموم ، تضرب وجه الإنسان كضرب السيف.

وأمّا كلمة «كالح» فإنّها مشتقّة من «كلوح» على وزن «فعول» بمعنى التعبيس واكفهرار الوجه. وقد فسّره عدد كبير من المفسّرين بتقلّص في جلد الوجه بحيث يبقى الثغر مفتوحا لا يمكن إغلاقه(١) .

* * *

__________________

(١) تفسير القرطبي ، وتفسير الفخر الرازي ، وتفسير مجمع البيان ، وتفسير الميزان ، الآيات موضع البحث.

٥١٨

ملاحظات

١ ـ اليوم الذي لا يعتنى فيه بالأنساب :

المفاهيم التي تسود حياة الإنسان المادّية في هذا العالم ، ستتغيّر في عالم الآخرة ، ومنها العلاقات الودّية ، والأواصر الأسريّة التي تحلّ مشاكل كثيرة في هذه الحياة ، وأحيانا تشكّل النظام الذي يسيطر على سائر العلاقات الاجتماعية.

وإذا كان الانتساب للقبائل والأسر في الدنيا لا يعارض الإيمان بالله تعالى والعمل الصالح ، فإنّه ينتفي يوم القيامة ، فلا انتساب لشخص أو طائفة أو قبيلة. وإذا كان الناس هاهنا يساعد أحدهم الآخر ، ويحلّ له مشاكله وينتصر له ويفخر به ، فإنّهم ليسوا كذلك يوم القيامة ، فلا خبر عن الأموال الكثيرة ، ولا عن الأولاد( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) (١) .

حتّى من ينتسبون إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاضعون لهذا الحكم ، ولهذا نلاحظ أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة الأطهار طردوا عنهم من كان من المقرّبين في النسب الهاشمي ، إمّا لعدم إيمانه ، أو لانحرافه عن الإسلام الأصيل ، وأظهروا تنفّرهم وبراءتهم منه. رغم أنّه روي عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «كل حسب(٢) ونسب منقطع يوم القيامة إلّا حسبي ونسبي»(٣) .

يقول العلّامة الطباطبائي (رضوان الله عليه) في الميزان : إنّ هذا الحديث هو نفسه الذي رواه بعض محدّثي أهل السنّة في كتبهم ، مرّة عن عبد الله بن عمر ، وأخرى عن عمر بن الخطاب ، وأحيانا عن صحابة آخرين للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

في الوقت الذي نرى أنّ الآية ـ موضع البحث ـ ذات طابع عامّ ، فهي تتحدّث

__________________

(١) الشعراء ، ٨٩.

(٢) الحسب : كلّ فخر للإنسان ، بالآباء والأجداد. ويعني أحيانا الخلق السليم للشخص ذاته ، وهنا قصد المعنى الأوّل. (يراجع لسان العرب في كلمة حسب).

(٣) مجمع البيان آخر الآية موضع البحث.

٥١٩

عن انقطاع جميع الأنساب يوم القيامة ، وهذا ما تؤازره المبادئ القرآنية وسيرة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في معاملة المنحرفين التي تفيد أنّه لا فرق بين الناس في هذا المجال.

لهذا نقرأ في حديث رواه ابن شهر آشوب في كتابه المناقب عن طاووس اليماني

عن الإمام زين العابدينعليه‌السلام أنّه قال : «خلق الله الجنّة لمن أطاع وأحسن ولو كان عبدا حبشيّا ، وخلق النّار لمن عصاه ولو كان سيّدا قرشيا»(١) .

وما ذكر لا ينفي احترام السادة المتّقين من آل الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهذا الاحترام في حقيقته احترام للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما جاء في القرآن والحديث في فضلهم ومنزلتهم ناظر حسب الظاهر إلى هذا المعنى.

٢ ـ حكاية الأصمعي المؤثّرة :

ومن المناسب هنا ذكر حكاية نقلها «الغزالي» في كتابه «بحر المحبّة» عن الأصمعي ، تؤيّد ما ذهبنا إليه وذات مسائل جديرة بالاهتمام.

يقول الأصمعي «كنت أطوف حول الكعبة في ليلة مقمرة ، فسمعت صوتا حنونا لرجل يناجي ربّه. بحثت عن صاحبه وإذا به شاب جميل رشيق القامة يبدو عليه الطيب. وقد تعلّق بأستار الكعبة ، وكان يقول في مناجاته :

يا سيّدي ومولاي ، نامت العيون وغابت النجوم ، وأنت ملك حيّ قيّوم ، لا تأخذك سنة ولا نوم ، غلقت الملوك أبوابها ، وأقامت عليها حرّاسها وحجّابها ، وقد خلا كلّ حبيب بحبيبه ، وبابك مفتوح للسائلين ، فها أنّا سائلك ببابك مذنب فقير ، خاطئ مسكين ، جئتك أرجو رحمتك يا رحيم ، وأن تنظر إليّ بلطفك يا كريم!

ثمّ أنشد :

__________________

(١) مناقب ابن شهر آشوب (وفق ما نقله تفسير نور الثقلين ، المجلّد الثّالث ، ص ٥٦٤).

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550