الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١١

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل15%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 504

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 504 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 179561 / تحميل: 6910
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

فقالت: لا اتزوج حتى تسمي(١) لي قال: لا تسأليني شيئاً الا اعطيته، فقالت: ثلاثة آلاف، وعبداً وقينة وقتل عليّعليه‌السلام ، فقال: ما سألت هو لك مهر، الا قتل عليّعليه‌السلام فلا اراك تدركينه، قالت: فالتمس غرته(٢) فان اصبته شفيت نفسي ونفعك العيش معي، وان هلكت فما عند اللّه خير لك من الدنيا، فقال: والله ما جاء بي الى هذا المصر، وقد كنت هارباً منه الا ذلك، وقد اعطيتك ما سألت وخرج من عندها وهو يقول:

ثلاثة آلاف وعبد وقينة

وقتل علي (ع) بالحسام المصمم

فلا مهر اغلى من علي وان علا

ولا فتك الا دون فتك ابن ملجم

فلقيه رجل من اشجع، يقال له شبيب بن بجرة من الخوارج، فقال له: هل لك في شرف الدنيا والآخرة، فقال: وما ذاك قال: تساعدني على قتل علي قال: ثكلتك امك، لقد جئت شيئاً إدّاً(٣) قد عرفت عناءه في الإِسلام وسابقته مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال ابن ملجم: ويحك اما تعلم انه قد حكَّم الرجال في كتاب اللّه وقتل اخواننا المصلين فنقتله ببعض اخواننا، فأقبل معه حتى دخل على قطام وهي في المسجد الأعظم، وقد ضربت كلة بها، وهي معتكفة يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، فاعلمته ان مجاشع بن وردان بن علقمة قد انتدب لقتله معهما، فدعت لهما بحرير وعصبتهما واخذوا أسيافهم وقعدوا مقابلين لباب السدة التي يخرج منها عليّعليه‌السلام للمسجد، وكان عليّ يخرج كل غداة اول الأذان للصلاة وقد كان ابن ملجم مر بالاشعث(٤) وهو في

____________________

(١) تسمي لي: أي تجعل لي المهر المسمى.

(٢) الغرة: الغفلة.

(٣) الإدّ بالكسر: الامر الفظيع. الداهية.

(٤) وهو ابن قيس الكندي. رأس منافقي اصحابهعليه‌السلام . وكان من مرتدي زمن ابي بكر وهو في الواقع سبب التحكيم في صفين.

٦١

المسجد فقال له: فضحك الصبح فسمعها حجر بن(١) عدي فقال: قتلته يا اعور قتلك اللّه، وخرج عليعليه‌السلام ينادي: ايها الناس الصلاة فشد عليه ابن ملجم واصحابه، وهم يقولون: الحكم للّه لا لك، وضربه ابن ملجم على رأسه بالسيف في قرنه، واما شبيب فوقعت ضربته بعضادة(٢) الباب واما ابن وردان فهرب، وقال عليّعليه‌السلام لا يفوتنكم الرجل وشد الناس على ابن ملجم يرمونه بالحصباء ويتناولونه ويصيحون، فضرب ساقه رجل من همدان برجله، وضرب المغيرة بن نوفل الحرث بن عبد المطلب وجهه فصرعه، واقبل به الى الحسنعليه‌السلام ودخل شبيب بين الناس فنجا بنفسه، وهرب، حتى أتى رحله، فدخل عليه عبد اللّه بن بحرة، وهو احد بني ابيه فرآه ينزع الحرير عن صدره، فسأله عن ذلك فخبّره خبره، فانصرف عبد اللّه الى رحله واقبل اليه بسيفه فضربه حتى قتله.

وقيل: ان عليّاًعليه‌السلام لم ينم تلك الليلة، وانه لم يزل يمشي بين الباب والحجرة، وهو يقول: واللّه ما كذَبت ولا كُذبت وانها الليلة التي وعدت، فلما صرخ بط (كان للصبيان) صاح بهن بعض من في الدار فقال عليّعليه‌السلام : ويحك دعن فانهن نوائح.

وقال المسعودي: أنهعليه‌السلام قد خرج الى المسجد وقد عسر عليه فتح باب داره، وكان من جذوع النخل فاقتلعه، وجعله ناحية، وانحل ازاره فشده وجعل ينشد:

أشدُدْ حيازيمك(٣) للموت‌فان الموت لاقيكا

ولا تجزع من الموت إذا حل بواديكا(٤)

____________________

(١) هو من خيار اصحابه.

(٢) أي خشبة من جانبه.

(٣) الحيزوم وسط الصدر. وشد الحيازيم كناية عن الصبر.

(٤) أي بساحتك.

٦٢

وروى الشيخ المفيد انه لما دخل شهر رمضان كان امير المؤمنينعليه‌السلام يتعشى ليلة عند الحسن، وليلة عند الحسين،عليهما‌السلام ، وليلة عند عبد اللّه بن العباس، وكان لا يزيد على ثلاث لقم فقيل له ليلة من تلك الليالي في ذلك، فقال: يأتيني امر اللّه وانا خميص(١) انما هي ليلة او ليلتان فاصيب اخر الليل.

ورُويَ عن ام موسى خادمة عليّعليه‌السلام وهي حاضنة(٢) فاطمة ابنته، قالت: سمعت عليّاًعليه‌السلام يقول لابنته ام كلثوم: يا بنية اني أراني قلَّ ما أصحبكم، قالت: وكيف ذلك يا أبتاه، قال: إني رأيت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منامي، وهو يمسح الغبار عن وجهي، ويقول: يا عليّ لا عليك قضيت ما عليك. قال(٣) : فما مكثنا الا ثلاثاً حتى ضُرب تلك الضربة، فصاحت ام كثلوم، فقال: يا بنية لا تفعلي فانّي أرى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشير الي بكفه ويقول: يا عليّ هلم الينا فان ما عندنا هو خير لك.

وروى صاحب قرب الاسناد عن جعفر بن محمد عن ابيهعليهم‌السلام ان علي بن أبي طالبعليه‌السلام خرج يوقظ الناس لصلاة الصبح فضربه عبد الرحمن بن ملجم (لعنه اللّه) بالسيف على ام رأسه، فوقع على ركبتيه واخذه فالتزمه، حتى أخذه الناس، وحُمل عليّ حتى افاق ثم قال للحسن والحسينعليهما‌السلام : احبسوا هذا الاسير واطعموه واسقوه وأحسنوا آثاره، فان عشت فانا اولى بما صنع بي، ان شئت استقدت(٤) وان شئت عفوت، وان شئت صالحت، وان مت فذلك اليكم، فان بدا لكم ان تقتلوه فلا تمثلوا به(٥) .

____________________

(١) خميص البطن: أي خاليه.

(٢) أي مربيتها.

(٣) والظاهر (قالت) بدل (قال).

(٤) أي اخذت منه القَود.

(٥) والمثلة ان يقطع بعض اعضاء الرجل.

٦٣

وروى ابن شاذان عن الاصبغ قال: لما ضرب امير المؤمنينعليه‌السلام الضربة التي كانت وفاته فيها، اجتمع اليه الناس بباب القصر وكان يراد قتل ابن ملجم، لعنه اللّه، فخرج الحسنعليه‌السلام فقال: معاشر الناس ان ابي اوصاني ان اترك امره الى وفاته، فان كان له الوفاة، وإلا نظر هو في حقه فانصرفوا يرحمكم اللّه، قال: فانصرف الناس ولم أنصرف، فخرج ثانية وقال لي: يا اصبغ اما سمعت قولي عن قول امير المؤمنينعليه‌السلام ، قلت: بلى ولكني رأيت حاله فاحببت ان انظر اليه، فاسمع منه حديثاً، فاستأذن لي رحمك اللّه، فدخل ولم يلبث ان خرج، فقال لي: ادخل فدخلت فاذا امير المؤمنينعليه‌السلام معصب بعصابة، وقد علت(١) صفرة وجهه على تلك العصابة، واذا هو يرفع فخذاً ويضع اخرى، من شدة الضربة وكثرة السم، فقال لي: يا اصبغ اما سمعت قول الحسن عن قولي قلت: يا امير المؤمنين ولكني رأيتك في حالة فاحببت النظر اليك، وان أسمع منك حديثاً، فقال لي: اقعد فما أراك تسمع مني حديثاً بعد يومك هذا، اعلم يا اصبغ اني أتيت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عائداً كما جئت الساعة، فقال: يا ابا الحسن اخرج فناد في الناس الصلاة جامعة واصعد المنبر وقم دون مقامي مرقاة وقل للناس ألا من عق(٢) والديه، فلعنة اللّه عليه، ألا من ابق من مواليه، فلعنة اللّه عليه ألا من ظلم اجيراً اجرته، فلعنة اللّه عليه، يا اصبغ، ففعلت ما أمرني به حبيبي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام من اقصى المسجد رجل فقال: يا ابا الحسن تكلمت بثلاث كلمات وأوجزتهن فاشرحهن لنا فلم ارد جواباً حتى أتيت رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت ما كان من الرجل، قال الاصبغ: ثم اخذ بيدي وقال ابسط يدك فبسطت يدي، فتناول اصبعا من اصابع يدي وقال: يا اصبغ كذا تناول رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اصبعا من اصابع يدي، كما تناولت اصبعا من

____________________

(١) أي غلبت.

(٢) أي عصاهما وترك الشفقة عليهما والاحسان اليهما واستخفّ بهما.

٦٤

اصابع يدك، ثم قال: مه يا ابا الحسن الا وأني وأنت أبوا هذه الأمة، فمن عقنا فلعنة اللّه عليه، ألا وإني وانت موليا هذه الأمة فعلى من أبق عنا لعنة اللّه، ألا وإني وأنت أجيرا هذه الأمة، فمن ظلمنا اجرتنا فلعنة اللّه عليه، ثم قال: آمين فقلت: آمين.

قال الاصبغ: ثم اغمي عليه ثم افاق فقال لي: اقاعد انت يا اصبغ قلت: نعم يا مولاي قال: ازيدك حديثاً آخر، قلت: نعم زادك اللّه من مزيدات الخير، قال: يا اصبغ لقيني رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض طرقات المدينة و أنا مغموم قد تبين الغم في وجهي، فقال لي: يا ابا الحسن أراك مغموماً ألا احدثك بحديث لا تغتم بعده ابداً؟ قلت: نعم، قال: اذا كان يوم القيامة نصب اللّه منبراً يعلو منابر النبيين والشهداء ثم يأمرني اللّه، اصعد فوقه، ثم يأمرك اللّه ان تصعد دوني بمرقاة، ثم يأمر اللّه ملكين فيجلسان دونك، بمرقاة، فاذا استقللنا على المنبر، لا يبقى احد من الاولين والآخرين الا حضر فينادي الملك الذي دونك بمرقاة، معاشر الناس، ألا من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا اعرفه بنفسي: انا رضوان خازن الجنان الا ان اللّه بمنه وكرمه وفضله وجلاله، أمرني ان ادفع مفاتيح الجنة الى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وان محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرني ان ادفعها الى علي بن ابي طالبعليه‌السلام . فاشهدوا لي عليه، ثم يقوم ذلك الذي تحت ذلك الملك بمرقاة مناديا، يسمع اهل الموقف: معاشر الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا اعرفه بنفسي: انا مالك خازن النيران الا ان اللّه بمنه وفضله وكرمه وجلاله، قد أمرني ان ادفع مفاتيح النار الى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وان محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أمرني ان ادفعها الى علي بن أبي طالبعليه‌السلام فاشهدوا لي عليه، فاخذ مفاتيح الجنان والنيران ثم قال: يا عليّ فتأخذ بحجزتي(١) واهل بيتك يأخذون بحجزتك

____________________

(١) الحجزة: مقعد الازار موضع التكة من السراويل.

٦٥

وشيعتك يأخذون بحجزة اهل بيتك، قالعليه‌السلام : فصفقت بكلتا يدي والى الجنة يا رسول اللّه، قال: اي وربّ الكعبة قال الاصبغ: فلم اسمع من مولاي غير هذين الحديثين ثم توفي صلوات اللّه عليه.

قال ابو الفرج ثم جمع له اطباء الكوفة فلم يكن منهم اعلم بجرحه من اثير بن عمرو بن هاني السلولي، وكان متطبباً(١) صاحب الكرسي، يعالج الجراحات وكان من الاربعين غلاما الذين كان ابن الوليد اصابهم في عين التمر(٢) فسباهم، فلما نظر أثير إلى جرح امير المؤمنينعليه‌السلام ، دعا برئة شاة حارة، فاستخرج منها عرقاً ثم نفخه، ثم استخرجه واذا عليه بياض الدماغ، فقال: يا امير المؤمنين اعهد عهدك فان عدو اللّه قد وصلت ضربته الى أم رأسك.

روى الشيخ يوسف بن حاتم الشامي في الدر النظيم عن الاصبغ بن نباتة قال: دعا أمير المؤمنين الحسن والحسينعليهم‌السلام لمّا ضربه ابن ملجم (لعنه اللّه) فقال: اني مقبوض في ليلتي هذه ولاحق برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاسمعا قولي، وعياه(٣) : أنت يا حسن وصيّي والقائم بالامر بعدي، وانت يا حسين شريكه في الوصية، فانصت(٤) ما نطق وكن لامره تابعاً ما بقي، فاذا خرج من الدنيا فأنت الناطق بعده والقائم بالامر، وعليكما بتقوى اللّه الذي لا ينجو الا من اطاعه، ولا يهلك الا من عصاه، واعتصما بحبله، وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، ثم قال للحسنعليه‌السلام : انك ولي الأمر بعدي، فان عفوت عن قاتلي فذاك، وان قتلت فضربة مكان ضربة، واياك والمثلة، فان رسول اللّه (صلى اللّه عليه

____________________

(١) صيغة التفعل هنا للمبالغة.

(٢) عين التمر: بلدة في طرف البادية في غربي الفرات (منه).

(٣) من الوعي وهو الحفظ.

(٤) الانصات هو السكوت للاستماع.

٦٦

وآله وسلم) نهى عنها ولو بكلب عقور، واعلم ان الحسين وليّ الدم معك، يجري فيه مجراك وقد جعل اللّه تبارك وتعالى له على قاتلي سلطاناً كما جعل لك وان ابن ملجم ضربني ضربة فلم تعمل فثناها فعملت، فان عملت فيه ضربتك فذاك، وان لم تعمل فمر اخاك الحسين، وليضربه اخرى بحق ولايته، فانها ستعمل فيه فان الإِمامة له بعدك وجارية في ولده الى يوم القيامة، واياك ان تقتل بي غير قاتلي، فان اللّه عز وجل يقول: ولا تزر وازرة وزر اخرى (الوصية).

روى الشيخ المفيد وغيره عن مولى لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام قال لما حضرت امير المؤمنينعليه‌السلام الوفاة قال للحسن والحسينعليهما‌السلام : اذا أنا مت فاحملاني على سريري ثم اخرجاني، ثم احملا مؤخر السرير فانكما تكفيان مقدمه ثم اتيا بي الغريّ(١) فانكما ستريان صخرة بيضاء تلمع نوراً فاحتفرا فيها فانكما تجدان فيها ساجة، فادفناني فيها، قال فلما مات (صلوات اللّه عليه) اخرجناه وجعلنا نحمل مؤخر السرير ونكفى مقدمه وجعلنا نسمع دويا(٢) وحفيفاً حتى اتينا الغريين فاذا صخرة بيضاء تلمع نورها فاحتفرنا فاذا ساجة مكتوب عليها هذه مما ادخرها نوح لعلي بن ابي طالبعليه‌السلام فدفناه فيه وانصرفنا، ونحن مسرورن باكرام اللّه تعالى لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، فلحقنا قوم من الشيعة لم يشهدوا الصلاة عليه، فاخبرناهم بما جرى وباكرام اللّه لامير المؤمنينعليه‌السلام ، فقالوا نحب ان نعاين من امره ما عاينتم فقلنا لهم ان الموضع قد عفى أثره بوصية منهعليه‌السلام ، فمضوا وعادوا الينا فقالوا انهم احتفروا فلم يجدوا شيئاً.

____________________

(١) هو ارض النجف.

(٢) الدويُّ هو صدى الأصوات كدويِّ النحل.

٦٧

ورُوى عن جابر بن(١) يزيد، قال: سألت ابا جعفر محمد بن عليّ الباقرعليه‌السلام اين دفن امير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: دفن بناحية الغريين ودفن قبل طلوع الفجر، ودخل قبره الحسن والحسين ومحمد بنو عليّعليهم‌السلام وعبد اللّه بن(٢) جعفر، (رضي اللّه عنهما).

قال الشيخ المفيد فلم يزل قبرهعليه‌السلام مخفياً حتى دل عليه الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، في الدولة العباسية، وزاره عند وروده إلى أبي جعفر، وهو بالحيرة، فعرفته الشيعة واستأنفوا اذ ذاك زيارته، عليه وعلى ذريته الطاهرين السلام وكانت سنه يوم وفاته ثلاثاً وستين سنة.

قال محمد بن بطوطة، في رحلته التي سماها تحفة النظار في غرائب الامصار، وقد فرغ منها سنة ٧٥٦ هجري ستة وخمسين وسبعمائة في ذكر وروده من مكة الى مشهد مولانا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

ذكر الروضة والقبور التي بها، ويدخل من باب الحضرة الى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفية(٣) من الشيعة ولكل وارد ضيافة ثلاثة ايام من الخبز واللحم والتمر، مرتين في اليوم، ومن تلك المدرسة يدخل الى باب القبة، وعلى بابها الحجاب والنقباء والطواشية(٤) ، فعندما يصل الزائر يقوم اليه احدهم او جميعهم، وذلك على قدر الزائر فيقفون معه على العتبة، ويستأذنون له، ويقولون عن امركم يا امير المؤمنين، هذا العبد الضعيف يستأذن على دخوله للروضة العلية، فان أذنتم له، والا رجع، وان لم يكن اهلا لذلك، فانتم اهل المكارم والستر ثم يأمرونه بتقبيل العتبة، وهي من الفضة، وكذلك العضادتان، ثم يدخل القبة وهي مفروشة بانواع البسط

____________________

(١) الظاهر انه الجعفي وهو من خواص اصحاب الصادقعليه‌السلام وقد سمع منه احاديث وله كرامات. راجع ترجمته في الرجال الكبير وغيره.

(٢) هو زوج زينب (سلام اللّه عليها). وهو من الأجواد، وله حكايات في السخاء.

(٣) أي العرفاء والزهاد والنساك (منه).

(٤) جمع طاش وهو ذو منصب خاص.

٦٨

من الحرير وسواه وبها قناديل الذهب والفضة منها الكبيرة والصغيرة وفي وسط القبة مسطبة(١) مربعة مكسوة بالخشب عليها صفائح الذهب المنقوشة المحكمة العمل مسمرة بمسامير(٢) الفضة، قد غلبت على الخشب بحيث لا يظهر منه شيء وارتفاعها دون القامة، وفوقها ثلاثة من القبور، يزعمون ان احدها قبر آدم (عليه الصلاة والسلام) والثاني قبر نوح (عليه الصلاة والسلام) والثالث قبر علي (رضي اللّه عنه) وبين القبور طسوت(٣) ذهب وفضة، فيها ماء الورد والمسك، وانواع الطيب، يغمس الزائر يده في ذلك، ويدهن به وجهه تبركاً، وللقبة باب آخر، عتبته ايضاً من الفضة وعليه ستور من الحرير الملون، يفضي الى مسجد مفروش بالبسط الحسان، مستورة حيطانه وسقفه بستور الحرير، وله اربعة ابواب، عتبتها فضة وعليها ستور الحرير، وأهل هذه المدينة كلهم رافضية، وهذه الروضة ظهرت لها كرامات ثبت بها عندهم، ان بها قبر علي (رضي اللّه عنه)، فمنها: ان في ليلة السابع والعشرين من رجب ويسمى عندهم ليلة المحيا يؤتى الى تلك الروضة بكل مقعد(٤) من العراقين وخراسان وبلاد فارس والروم، فيجتمع منهم الثلاثون والاربعون ونحو ذلك فاذا كان بعد العشاء الآخرة جعلوا عند الضريح المقدس، والناس ينتظرون قيامهم، وهم ما بين مصلّ وذاكر وتال ومشاهد للروضة، فاذا مضى من الليل نصفه، او ثلثاه او نحو ذلك، قام الجميع اصحاء من غير سوء، وهم يقولون لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه عليّ وليّ اللّه، وهذا امر مستفيض عندهم سمعته من الثقات، ولم أحضر تلك الليلة، لكني رأيت بمدرسة الضياف ثلاثة من الرجال احدهم من ارض الروم، والثاني من اصبهان، والثالث من خراسان، وهم مقعدون فاستخبرتهم على شأنهم، فاخبروني انهم لم يدركوا ليلة المحيا، وانهم ينتظرون.

____________________

(١) بفتح الميم وكسرها: مكان ممهد مرتفع قليلاً يقعد عليه.

(٢) جمع مسمار وهو الوتد من الحديد.

(٣) جمع طست وهو معرب طشت.

(٤) من لا يستطيع المشي على قدميه.

٦٩

أوانها من عام آخر، وهذه الليلة يجتمع لها الناس من البلاد ويقيمون سوقاً عظيمة، مدة عشرة ايام. الخ.

وقال ايضاً ورأيت بغربي جبانة الكوفة موضعاً مسوداً، شديد السّواد، في بسيط ابيض، فاخبرت انه قبر الشقي، ابن ملجم، وان أهل الكوفة يأتون كل سنة بالحطب الكثير، فيوقدون النار على موضع قبره سبعة ايام، وعلى قرب منه قبة، اخبرت انها على قبر المختار بن ابي عبيد (انتهت الحاجة من كلامه).

والاحاديث في فضل زيارة امير المؤمنينعليه‌السلام أكثر من أن تذكر.

رُوي عن ابن مارد انه قال لأبي عبد الله ( عليه السلام ): ما لمن زار جدك امير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال يا ابن مارد، من زار جدي عارفاً بحقه كتب اللّه له بكل خطوة حجة مقبولة، وعمرة مبرورة، واللّه يا ابن مارد ما يطعم اللّه النار قدماً اغبرت(١) في زيارة امير المؤمنينعليه‌السلام ماشياً او راكباً، يا ابن مارد اكتب هذا الحديث بماء الذهب.

____________________

(١) صارت مغبرة أي ذات غبار.

٧٠

النور الرابع.. الإِمام الثاني السيد الزكي ابو محمد الحسن بن علي بن ابي طالب سيد شباب اهل الجنة عليه السلام

ولدعليه‌السلام بالمدينة يوم الثلاثاء منتصف شهر رمضان سنة اثنتين او ثلاث من الهجرة.

روى الشيخ الصدوق باسناده عن الرضا عن آبائه عن علي بن الحسينعليهم‌السلام ، عن اسماء بنت عميس، قالت قَبَلتُ(١) جدتك فاطمةعليها‌السلام الحسن والحسينعليهما‌السلام فلما ولد الحسن جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا اسماء هاتي ابني فدفعته اليه في خرقة صفراء فرمى بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال: يا اسماء الم اعهد اليكم ان لا تلفوا المولود في خرقة صفراء، فلففته في خرقة بيضاء فدفعته إليه فأذّن في اذنه اليمنى، واقام في اليسرى، ثم قال لعليّ: بأي شيء سميت ابني قال: ما كنت اسبقك باسمه يا رسول اللّه، قد كنت احب ان اسميه حرباً، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : و لا اسبق انا باسمه ربي ثم هبط جبرائيل فقال: يا محمد العلي الأعلى يقرئك السلام ويقول: علي منك بمنزلة هارون من موسى، ولا نبي بعدك، سم ابنك هذا باسم ابن هارون. قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما اسم ابن هارون قال شبر، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لساني عربيّ قال جبرئيل سمه الحسن، فسماه الحسنعليه‌السلام ، فلما كان يوم سابعه عق النبي

____________________

(١) أي كنت القابلة عند ولاتها.

٧١

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنه بكبشين املحين(١) واعطى القابلة فخذاً وديناراً فحلق رأسه وتصدق بوزن الشعر ورقاً(٢) وطلى رأسه بالخلوق(٣) ثم قال: يا اسماء الدم فعل الجاهلية. الخ.

وروى ايضاً عن جابر، قال: لما حملت فاطمةعليها‌السلام بالحسنعليه‌السلام فولدت وقد كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرهم ان يلفوه في خرقة بيضاء فلفوه في صفراء وقالت فاطمة: يا عليّ سمّه، فقال: ما كنت لاسبق باسمه رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخذه وقبله وأدخل لسانه في فيه فجعل الحسنعليه‌السلام يمصه، ثم قال لهم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الم اتقدم اليكم ان لا تلفّوه في خرقة صفراء فدعا بخرقة بيضاء فلفه فيها فرمى بالصفراء، واذّن في اذنه اليمنى واقام في اليسرى، ثم قال لعليّعليه‌السلام : ما سميته، قال: ما كنت لاسبقك باسمه، قال: فأوحى اللّه عز ذكره الى جبرائيل، انه قد ولد لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابن، فاهبط اليه فأقرئه السلام وهنئه مني ومنك، وقل له: ان علياً منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون قال: ما كان اسمه قال شبر، قال: لساني عربي قال: سمه الحسن فسمّاه الحسن، فلما ولد الحسينعليه‌السلام جاء اليهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ففعل به كما فعل بالحسن، وهبط جبرائيل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: ان اللّه عز وجل يقرئك السلام ويقول لك: ان علياً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمه باسم ابن هارون، قال: وما كان اسمه، شبير، قال: لساني عربي، قال فسمه الحسين، فسماه الحسين.

وفي كشف الغمة، ورُوي مرفوعاً الى عليعليه‌السلام ، قال: لما حضرت ولادة فاطمةعليها‌السلام ، قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله

____________________

(١) الاملح هو ما خالط شعره الأسود شعر أبيض.

(٢) أي فضة مسكوكة.

(٣) طيب مركب متخذ من الزعفران، وغيره.

٧٢

وسلم) لاسماء بنت عميس وام سلمة احضراها، فاذا وقع ولدها واستهل، فأذنا في اذنه اليمنى، وأقيما في اذنه اليسرى، فانه لا يفعل ذلك بمثله الا عصم من الشيطان، ولا تحدثا شيئاً حتى آتيكما، فلما ولدت فعلتا ذلك فأتاه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسرّه ولبّاه بريقه، وقال اللهم اني اعيذه بك وولده من الشيطان الرجيم.

فصل في مناقب الإِمام الحسن عليه السلام

كان الحسن بن علي بن ابي طالبعليه‌السلام ، أعبد الناس في زمانه وازهدهم وافضلهم، وكان اذا حج، حج ماشياً وربما مشى حافياً، وكان اذا ذكر الموت بكى، واذا ذكر القبر بكى، واذا ذكر البعث والنّشور بكى، واذا ذكر الممر على الصراط بكى، واذا ذكر العرض على اللّه تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها، وكان اذا قام في صلاة ترتعد فرائصه(١) بين يدي ربه عز وجل، وكان اذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم وسأل اللّه الجنة، وتعوذ باللّه من النار، وكان لا يقرأ من كتاب اللّه عز وجل: يا ايها الذين آمنوا الا قال لبيك اللهم لبيك، ولم ير في شيء من احواله الا ذاكراً للّه سبحانه. وكان اصدق الناس لهجة، وكان اذا توضّأ ارتعدت مفاصله واصفر لونه، فقيل له في ذلك، فقال: حقّ على كل من وقف بين يدي رب العرش ان يصفر لونه وترتعد مفاصله. وكان اذا بلغ باب المسجد رفع رأسه، ويقول: الهي ضيفك ببابك، يا محسن قد اتاك المسيء فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك، يا كريم. وكان اذا فرغ من الفجر لم يتكلم، حتى تطلع الشمس. ولقد حج خمساً وعشرين حجة ماشياً وان النجائب لتقاد معه، وقاسم اللّه تعالى ماله مرتين، وروي ثلاث مرات، حتى انه كان يعطي من ماله نعلاً ويمسك خفاً.

____________________

(١) جمع الفريصة وهي اللحمة بين الجنب والكتف ترعد عند الفزع.

٧٣

وروُي انهعليه‌السلام كان يحضر مجلس رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن سبع سنين، فيسمع الوحي فيحفظه، فيأتي امه فيلقي اليها ما حفظه، كلما دخل عليّعليه‌السلام وجد عندها علماً بالتنزيل، فسألها عن ذلك فقالت: من ولدك الحسنعليه‌السلام فتخفى يوماً في الدار وقد دخل الحسن وقد سمع الوحي فأراد أن يلقيه اليها، فارتج(١) فعجبت امّه من ذلك فقال: لا تعجبي يا امّاه، فان كبيراً يسمعني، واستماعه قد أوقفني، فخرج عليّعليه‌السلام فقبّله، وفي رواية، يا اماه قلَّ بياني وكلَّ لساني، لعل سيداً يرعاني(٢) .

وعن انس بن مالك قال لم يكن احد اشبه برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحسن بن عليعليه‌السلام .

وعنه قال: حيَّت(٣) جارية للحسن بن عليعليه‌السلام بطاقة(٤) ريحان فقال لها: انت حرة لوجه اللّه، فقلت له في ذلك، فقال: ادبنا اللّه تعالى، فاذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردُّوها، وكان احسن منها اعتاقها.

وروي انه لم يسمع قط منهعليه‌السلام كلمة فيها مكروه، الا مرة واحدة، فانه كان بينه وبين عمرو بن عثمان خصومة في ارض، فقال له الحسنعليه‌السلام : ليس لعمرو عندنا الا ما يرغم انفه.

ومن حلمه ما روى المبرد(٥) وغيره أن شامياً رآه راكباً فجعل يلعنه، والحسنعليه‌السلام لا يرد، فلما فرغ أقبل الحسنعليه‌السلام

____________________

(١) أي فاضطرب.

(٢) أي يراقبني.

(٣) من التحية.

(٤) يعني باقة من زهر الريحان.

(٥) هو ابو العباس محمد بن يزيد البصري من كبار النحويين واللغويين. وكان امامي المذهب. مقبول القول عند الفريقين وله الكامل والمقتضب ومعاني القرآن توفي سنة ٢٨٥ ببغداد.

٧٤

فسلم عليه وضحك، فقال: أيها الشيخ اظنك غريباً، ولعلك شبهت، فلو اشبعتنا اعتبناك(١) ، ولو سألتنا اعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وان كنت جائعاً أشبعناك، وان كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وان كنت طريداً آويناك، وان كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك الينا وكنت ضيفنا الى وقت ارتحالك، كان أعود عليك، لأن لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً، فلما سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: أشهد أنك خليفة اللّه في أرضه اللّه اعلم حيث يجعل رسالته، وكنت انت وابوك ابغض خلق اللّه الي، وحول رحله اليه وكان ضيفه الى ان ارتحل وصار معتقداً لمحبتهم.

وروي انه لما مات الحسنعليه‌السلام اخرجوا جنازته فحمل مروان بن الحكم سريره، فقال له الحسينعليه‌السلام : تحمل اليوم جنازته وكنت بالامس تجرعه الغيظ، قال مروان: نعم كنت افعل ذلك، بمن يوازن حلمه الجبال.

فصل في وفاة الإِمام الحسن عليه السلام

توفي الحسن بن عليعليه‌السلام بالسّم، يوم الخميس السابع من صفر سنة تسع واربعين، وكان ابن سبع واربعين، وقيل في الثامن والعشرين منه، وقيل في آخر صفر، ودفن بالبقيع من المدينة.

الكليني، عن ابي بكر الخضرمي، قال: ان جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي سمَّت الحسن بن عليّعليه‌السلام وسمَّت مولاة له، فأما

____________________

(١) أي ازلنا عنك العتبة (اي الشدائد).

٧٥

مولاته فقاءت السم، واما الحسن فاستمسك في بطنه ثم انتفط(١) به، فمات.

قلت: جعدة بنت الأشعث بن قيس، كانت ابنة ام فروة، اخت ابي بكر بن ابي قحافة.

رُوي ان معاوية بذل لها عشرة آلاف دينار، واقطاع عشرة ضياع من سقي سوراء(٢) وسواد الكوفة على ان تسم الحسنعليه‌السلام .

وقال الشيخ المفيد ضمن معاوية ان يزوجها بابنه يزيد، وأرسل اليها معاوية الف درهم، فسقته جعدة السم، فبقي اربعين يوماً مريضاً، ومضى لسبيله في صفر.

وذكر ابو الفرج في مقاتل الطالبيين ان الحسن بن عليّعليه‌السلام بعد صلحه لمعاوية انصرف الى المدينة، فأقام بها وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن شيء اثقل عليه من امر الحسن بن عليعليه‌السلام ، وسعد بن(٣) أبي وقاص، فدس اليهما سما فماتا منه.

الاحتجاج، عن الاعمش، عن سالم بن ابي الجعد، قال: حدثني رجل منا قال: اتيت الحسن بن عليعليه‌السلام ، فقلت: يا ابن رسول اللّه اذللت رقابنا وجعلتنا معشر الشيعة عبيداً، ما بقي معك رجل، قال: ومم ذاك قال: قلت: بتسليمك الأمر لهذا الطاغية(٤) قال: واللّه ما سلّمت الأمر اليه الا أني لم اجد انصاراً، ولو وجدت انصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتى

____________________

(١) نفط القدر (بالكسر) أي غلت، نفط يده: قرحت او تجمع فيها بين الجلد واللحم.

(٢) سوراء: بالمد والضم: موضع. قيل في جنب بغداد و يروى بالقصر (مراصد الاطلاع).

(٣) من اصحاب رسول اللّه. وكان من العشرة المبشرة بالجنة بزعمهم وكان فاتح فارس على عهد عمر. والرجل وان لم يبايع علياً الا انه لم يسبه وقد دعاه اليه معاوية مراراً. فخالفه واعلن بفضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام .

(٤) يعني به معاوية.

٧٦

يحكم اللّه بيني وبينه. ولكني عرفت اهل الكوفة وبلوتهم(١) ، ولا يصلح لي منهم ما كان فاسداً، انهم لا وفاء لهم، ولا ذمة(٢) في قول ولا فعل، إنهم لمختلفون، ويقولون لنا: ان قلوبهم معنا وان سيوفهم لمشهورة(٣) علينا، قال: وهو يكلمني: اذ تنخع الدم فدعا بطست، فحمل من بين يديه ملآن مما خرج من جوفه من الدم، فقلت له: ما هذا يا ابن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اني لأراك وجعاً قال أجل، دسّ إليّ هذا الطاغية من سقاني سمّاً، فقد وقع على كبدي فهو يخرج قطعاً كما ترى، قلت له: افلا تتداوى قال: قد سقاني مرتين وهذه الثالثة لا اجد لها دواء.

وروى الثقة الجليل عليّ بن محمد الخزاز القمي بسنده عن جنادة بن أبي اميّة، قال: دخلت على الحسن بن عليّ بن ابي طالبعليه‌السلام في مرضه الذي توفّي فيه، وبين يديه طست يقذف عليه الدم، ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي اسقاه معاوية، فقلت: يا مولاي مالك لا تعالج نفسك فقال: يا عبد اللّه بماذا اعالج الموت، قلت: انا للّه وإنا اليه راجعون. ثم التفت اليّ فقال: واللّه لقد عهد الينا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان هذا الامر يملكه اثنا عشر اماماً من ولد عليّ وفاطمة، ما منا الا مسموم او مقتول. ثم رُفعت الطست وبكى قال، فقلت له: عظني يا ابن رسول اللّه قال: نعم استعد لسفرك وحصّل زادك قبل حلول اجلك، واعلم انك تطلب الدنيا والموت يطلبك، ولا تحمل هم يومك الذي لم يأت على يومك الذي انت فيه، وساق الكلام في ذكر موعظتهعليه‌السلام الى أن قال: ثم انقطع نفسه واصفر لونه حتى خشيت عليه ودخل الحسينعليه‌السلام ، والاسود بن ابي الاسود، فانكب(٤) ، عليه حتى قبّل رأسه وعينيه، ثم قعد عنده فتسارا جميعاً، فقال ابو الأسود: إنا للّه ان الحسن قد نُعَيت اليه نفسه، وقد أوصى الى الحسينعليه‌السلام ، وتوفّي يوم

____________________

(١) أي امتحنتهم.

(٢) أي الامان والعهد.

(٣) شهر سيفه: أي اخرجه من الغمد.

(٤) أي لزمه.

٧٧

الخميس في آخر صفر سنة خمسين من الهجرة وله سبعة واربعون سنة ودفن بالبقيع انتهى.

قلت: ومما اوصىعليه‌السلام الى اخيه الحسينعليه‌السلام ان قال: اذا انا متُّ فهيئني ثم وجهني الى قبر جدّي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأجدّد به عهداً، ثم ردني الى قبر جدتي فاطمة(١) فادفني هناك، وستعلم يا ابن امي ان القوم يظنون انكم تريدون دفني عند رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيجلبون(٢) في ذلك ويمنعونك منه، وباللّه اقسم عليك ان تهرق في امري محجمة(٣) دم، ثم وصى اليه باهله وولده، وتركاته، وما كان وصى اليه أمير المؤمنينعليه‌السلام ، حين استخلفه، فلما قبض (سلام اللّه عليه) غسله(٤) الحسينعليه‌السلام وكفنه وحمله على سريره وانطلق به الى مصلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي كان يصلي فيه على الجنائز، فصلى عليه ولم يشك مروان ومن معه من بني امية انهم سيدفنونه عند رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتجمعوا ولبسوا السلاح فلما توجه به الحسينعليه‌السلام الى قبر جده رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ليجدد به عهداً، اقبلوا اليه في جمعهم ولحقتهم الحميراء، على بغل، وهي تقول: مالي ولكم تريدون ان تدخلوا بيتي من لا أحبُّ، نحُّوا ابنكم عن بيتي فانه لا يدفن فيه شيء ولا يهتك على رسول اللّه حجابه:

منعته عن حرم النَّبي ضلالةً

وهو ابنهُ فلأيِّ امر يمنعُ

فكأنه روحُ النبَّي وقد رأت

بالبعد بينهما العلائق تقطعُ

____________________

(١) أي فاطمة بنت الاسد يعني ام ابيه أمير المؤمنين.

(٢) أي يتوعدون بالشر.

(٣) الة الحجامة وهي شيء كالكأس يفرغ من الهواء ويوضع على الجلد فيحدث فيه تهيجاً ويجذب الدم بقوة.

(٤) وفي كشف الغمة ولي غسله الحسين عليه السلام ومحمد والعباس واخوته وصلى عليه سعيد بن العاص.

٧٨

فقال لها الحسينعليه‌السلام : قديما هتكت انت وابوك حجاب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأدخلت بيته من لا يحب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قربه، وان اللّه تعالى يسألك عن ذلك، وجعل مروان يقول: يا رب هيجاء هي خير من دعة ايدفن عثمان في اقصى المدينة، ويدفن الحسن مع النبي، لا يكون ذلك ابدا، وانا(١) احمل السيف، وكادت الفتنة ان تقع بين بني هاشم وبين بني امية، فبادر ابن عباس الى مروان فقال له: ارجع يا مروان من حيث جئت فإنّا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكنا نريد ان نجدد به عهداً بزيارته ثم نرده الى جدته فاطمة فندفنه عندها بوصيته بذلك، ولو كان اوصى بدفنه مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلمت انك اقصر باعاً من ردنا عن ذلك لكنه كان أعلم باللّه وبرسوله وبحرمة قبره من ان يطرق عليه هدما كما طرق ذلك غيره، ودخل بيته بغير اذنه، وفي المناقب ورموا(٢) بالنبال جنازته حتى سل(٣) منها سبعون نبلاً.

وفي زيارة امير المؤمنين: وانتم بين صريع في المحراب قد فلق السيف هامته(٤) وشهيد فوق الجنازة قد شكت بالسهام اكفانه وقتيل بالعراء(٥) قد رفع فوق القناة رأسه ومكبل(٦) في السجن قد رضّت(٧) بالحديد اعضاؤه ومسموم قد قطعت بجرعة السم امعاؤه.

(اقول شكت بالشين بعدها الكاف أي خرقت وشبكت بالموحدة بينهما تصحيف، ففي الحديث ان رجلا دخل بيته فوجد حية فشكها بالرمح أي خرقها وانتظمها به).

____________________

(١) لفظ الواو هنا للحال.

(٢) الواو للعطف على ما سبق.

(٣) سل الشيء من الشيء: انتزعه واخرجه برفق.

(٤) الهامة: راس كل شيء وتطلق على الجثة.

(٥) العراء: الفضاء لا يستتر بشيء.

(٦) أي مقيد. والكبل بالفتح او الكسر: القيد، او اعظم ما يكون من القيد.

(٧) أي دقت.

٧٩

«وقال الشاعر في رثاء الحسنعليه‌السلام »:

نعش له الروحُ الأمينُ مشيِّع

وغدت به زمرُ الملائكِ تخضعُ

نَثَلوا له حقد الصدورِ فما يُرى

منها لِقوس بالكنانةِ منزعُ

ورموا جنازتَه فعادَ وجسمُهُ

غرض لراميةِ السهامِ وموقعُ

شكّوة حتى اصبحت من نعشهِ

تستلُّ غاشيةُ النبالِ وتنزعُ

روى المسعودي في مروج الذهب عن أهل البيتعليهم‌السلام ، انه لما دفن الحسنعليه‌السلام ، وقف محمد بن الحنفية اخوه على قبره فقال: ابا محمد لئن طابت حياتك، لقد فجع مماتك، وكيف لا تكون كذلك وانت خامس اهل الكساء، وابن محمد المصطفى، وابن عليّ المرتضى، وابن فاطمة الزهراء، وابن شجرة طوبى ثم انشأ يقول:

ءأدَهن رأسي ام تطيب مجالسي

وخدك معفور(٣) وأنت سليبُ(٤)

ءاَشرب ماءَ المزنِ(٥) من غير مائِهِ

وقد ضمن الاحشاءَ منكَ لهيبُ

سأبكيكَ ما ناحتْ حمامةُ ايكةٍ(٦)

وما اخضرّ في دوح(٧) الحجازِ قضيبُ(٨)

غريب(٩) واكناف الحجازِ تحوطهُ

الا كلّ من تحت الترابِ غريبُ

وفي المناقب، وقال الحسينعليه‌السلام لما وضع الحسنعليه‌السلام في لحده:

ءَاَدهن رأسي ام اطيب محاسني

ورأسك معفور وأنت سليب

____________________

(١) أي مجعول عليه التراب ومغبرة به.

(٢) أي مأخوذ عنا.

(٣) أي السحاب.

(٤) الشجر الكثير الاغصان.

(٥) الشجرد العظيمة او البيت الضخم. والمراد هنا الروض.

(٦) الشجرة الرطبة.

(٧) أي انت غريب.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

فقال : ما هذه؟ فقالوا له أصحابه : هذا الرجل من الأنصار فمكث حتى إذا جاء صاحبها فسلم في الناس أعرض عنه وصنع ذلك مرارا حتى عرف الرجل الغضب به وبالاعراض عنه ، فشكى ذلك إلى أصحابه وقال : والله إليّ لأنكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أدرى ما حدث فيّ وما صنعت؟

قالوا : خرج رسول الله فرأى قبّتك فقال : لمن هذه؟ فأخبرناه ، فرجع الى قبّته فسواها بالأرض ، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم فلم ير القبة فقال : ما فعلت القبة التي كانت ها هنا قالوا : شكى إلينا صاحبها انحراصل عنه فأخبرناه فهدمها فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن كلّ ما يبنى وبال على صاحبه يوم القيامة ، إلّا ما لا بدّ منه».(١)

ويعرف من هذه الرّواية وما شابهها من الرّوايات نظر الإسلام بجلاء ، فكل بناء «طاغوتي» مشيد بالإسراف والبذخ ومستوجب للغفلة يمقته الإسلام ، ويكره للمسلمين أن يبنوا مثل هذه الأبنية التي يبنيها المستكبرون المغرورون الغافلون عن الله ، ولا سيما في محيط يسكن فيه المحرومون والمستضعفون

إلّا أن ما ينبغي التنويه به ، أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يستعمل القوة للوصول إلى هذا الهدف الإنساني أبدا ، ولم يأمر بتخريب البناء ، بل استطاع أن يحقق هدفه برد فعل لطيف كالإعراض وعدم الاهتمام بالبناء مثلا!

ثمّ ينتقد النّبي «هود» قومه على قسوتهم وبطشهم عند النزاع والجدال فيقول :( وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ) .

فمن الممكن أن يعمل الإنسان عملا يستوجب العقوبة ، إلّا أنّه لا يصح تجاوز الحد والانحراف عن جادة الحق والعدل عند محاسبته ومعاقبته ، وأن يعامل ذو الجرم الصغير معاملة ذي الجرم الكبير وأن تسفك الدماء عند الغضب ويقع التماصع بالسيف(٢) ، فذلك ما كان يلجأ إليه الجبابرة والظلمة والطغاة آنئذ

__________________

(١) مجمع البيان : ذيل الآية محل البحث ، نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ٦٣.

(٢) التماصع ، التطاحن والقتال. (المصحح).

٤٢١

ويرى الراغب في المفردات أن «البطش» على زنة (نقش) هو أخذ الشيء بقوّة وقسّوة واستعلاء

وفي الحقيقة أن هودا يوبخ عبدة الدنيا عن طرق ثلاثة :

الأوّل : علاماتهم التي كانت مظهرا لحبّ الاستعلاء وحب الذات ، والتي كانت تبنى على المرتفعات العالية ليفخروا بها على سواهم.

ثمّ يوبخهم على مصانعهم وقصورهم المحكمة ، التي تجرهم إلى الغفلة عن الله ، وإن الدنيا دار ممر لا مقر.

وأخيرا فإنّه ينتقدهم في تجاوزهم الحدّ والبطش عند الانتقام

والقدر الجامع بين هذه الأمور الثلاثة هو الإحساس بالاستعلاء وحبّ البقاء. ويدلّ هذا الأمر على أن عشق الدنيا كان قد همين عليهم ، وأغفلهم عن ذكر الله حتى ادعو الألوهية فهم بأعمالهم هذه يؤكّدون هذه الحقيقة ، وهي أن «حب الدنيا رأس كل خطيئة».(١)

والقسم الثّالث من حديث هود ممّا بيّنه لقومه ، هو ذكر نعم الله على عباده ليحرك فيهم ـ عن هذا الطريق ـ الإحساس بالشكر لعلهم يرجعون نحو الله

وفي هذا الصدد يتبع النّبي هود أسلوبي الإجمال والتفصيل ، وهما مؤثران في كثير من الأبحاث ، فيلتفت نحوهم أولا فيقول :( وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ ) .(٢)

وبعد هذا التعبير المجمل يذكر تفصيل نعم الله عليهم ، فيقول :( أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ )

فمن جهة وفّر لكم الأمور المادية ، وكان القسم المهم منها ـ خاصّة في ذلك

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ذيل الآية محل البحث.

(٢) (أمدّ) مأخوذ من «الإمداد» ، ويطلق في الأصل على أمور توضع بعضها بعد بعض بشكل منظم ، وحيث أن الله يرسل نعمه بشكل منظم إلى عباده استعملت هذه الكلمة هنا أيضا

٤٢٢

العصر ـ الأنعام والمطايا من النياق وغيرها. ومن جهة أخرى وفّر لكم القوّة الكافية وهي «الأبناء» للحفاظ على الأنعام وتدجينها

وهذا التعبير تكرر في آيات مختلفة ، فعند عدّ النعم المادية تذكر الأموال أولا ثمّ الأبناء ثانيا ، وهم الحفظة للأموال ومنمّوها ، ويبدو أن هذا ترتيب طبيعي ، لا أن الأموال أهم من الأبناء إذ نقرأ في الآية (٦) من سورة الإسراء( ... وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً )

ثمّ يضيف بعد ذلك :( وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ) .

وهكذا فقد وفر الله لكم سبل الحياة جميعا ، من حيث الأبناء أو القوّة الإنسانية ، والزراعة والتدجين ووسائل الحمل والنقل ، بشكل لا يحس الإنسان معه بأي نقص أو قلق في حياته!.

لكن ما الذي حدث حتى نسيتم واهب هذه النعم جميعا ، وأنتم تجلسون على مائدته ليل نهار ، ولا تعرفون قدره؟!

وأخيرا ، فإنّ هودا في آخر مقطع من حديثه مع قومه ينذرهم ويهددهم بسوء الحساب وعقاب الله لهم ، فيقول :( إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ )

ذلك اليوم الذي ترون فيه نتائج أعمالكم وظلمكم وغروركم واستكباركم ، وحب الذات وترك عبادة الله ترون كل ذلك بأم أعينكم.

وعادة ـ يستعمل لفظ (اليوم العظيم) في القرآن ، ويراد منه يوم القيامة العظيم من كل وجه إلّا أنّه قد يستعمل في القرآن في اليوم الصعب الموحش المؤلم على الأمم

كما نقرأ في هذه السورة في قصة «شعيب» ، أن قومه بعد أن جحدوه ولم يؤمنوا به وعاندوه واستهزءوا به ، أرسل الله عليهم صاعقة «وكانت قطعة من الغيم» فعاقبهم بها ، فسمّي ذلك اليوم باليوم العظيم ، كما تقول الآية :( فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) .

٤٢٣

فبناء على هذا قد يكون التعبير بـ «يوم عظيم» في الآية محل البحث ، إشارة إلى اليوم الذي ابتلي به المعاندون من قوم هود (عاد) بالعذاب الأليم وهو الاعصار المدمر ، وسيتجلى الشاهد على هذا المعنى في الآيات المقبلة

كما يمكن أن يكون إشارة إلى يوم القيامة وعذابه أو إلى العذابين معا ، فيوم الاعصار يوم عظيم ، ويوم القيامة يوم عظيم أيضا

* * *

٤٢٤

الآيات

( قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (١٣٦) إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧) وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (١٣٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٤٠) )

التّفسير

لا تتعب نفسك في نصحنا :

رأينا في الآيات المتقدمة أحاديث النّبي هود المحترق القلب شفقة لقومه المعاندين «عاد» وما حملته هذه الأحاديث من معان غريزة سامية والآن ينبغي أن نعرف جواب قومه الجارح وغير المنطقي ولا المعقول ، يقول القرآن في هذا الصدد( قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ ) فلن يؤثر ذلك فينا ، فلا تتعب نفسك.

أمّا اعتراضك علينا بهذه الأمور فلا محل له من الاعراب( إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ ) .

وليس الأمر كما تقول ، فإنّه لا شيء بعد الموت( وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) لا في هذا

٤٢٥

العالم ، ولا في العالم الآخر.

و «الخلق» ـ بضم الخاء واللام ـ معناه العادة والسلوك والأخلاق لأن هذه الكلمة جاءت بصيغة الإفراد بمعنى الطبع والسجيّة والعادة الأخلاقية وهي هنا إشارة إلى الأعمال التي كانت تصدر منهم كعبادة الأصنام ، وبناء القصور العالية الجميلة ، وحب الذات ، والتفاخر عن طريق تشييد الأبراج على النقاط المرتفعة ، وكذلك البطش عند الانتقام أو الجزاء أي إن ما نقوم به من أعمال هو ما كان يقوم به السلف فلا مجال للاعتراض والانتقاد!

وفسّر «الخلق» بعضهم بالكذب ، أي إنّ ما تقوله في شأن الله والقيامة كلام باطل قيل من قبل (إلّا أن هذا التّفسير إنّما يقبل إذا قرئ النص : إن هذا إلّا خلق الأولين. فيكون الخلق فيه على وزن (الحلق) إلّا أن القراءة المشهورة ليست كذلك!).

ويبيّن القرآن عاقبة قوم هود الوبيلة فيقول :( فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ ) .

وفي ختام هذه الاحداث يذكر القرآن تلكما الجملتين المعبّرتين ، اللتين تكررتا في نهاية قصص نوح وإبراهيم وموسىعليهما‌السلام فيقول :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً ) على قدرة الله ، واستقامة الأنبياء وعاقبة المستكبرين السيئة ، ولكن مع ذلك( وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) .

فيمهل إمهالا كافيا. ويمنح الفرصة. ويبيّن الدلائل الواضحة للمضلين ليهتدوا إلّا أنه عند المجازاة والعقاب ، وبعد إتمام الحجة يأخذ أخذا عسيرا لا مفرّ لأحد منه أبدا

* * *

٤٢٦

الآيات

( كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (١٤١) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٤٢) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٤٣) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٤٤) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٤٥) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (١٤٦) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٤٧) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (١٤٨) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (١٤٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (١٥٢) )

التّفسير

لا تطيعوا المسرفين المفسدين :

القسم الخامس من قصص الأنبياء في هذه السورة ، هو قصّة «ثمود» الموجزة القصيرة ، ونبيّهم «صالح» الذين كانوا يقنطون في «وادي القرى» بين المدينة والشام ، وكانت حياتهم مترفة مرفهة إلّا أنّهم لطغيانهم وعنادهم أبيدوا وأبيروا حتى لم يبق منهم ديّار ولم تترك لهم آثار

٤٢٧

وبداية القصّة هذه مشابهة لبداية قصة عاد «قوم هود» وبداية قصة نوح وقومه ، وهي تكشف كيف يتكرر التاريخ ، فتقول :( كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ )

لأنّ دعوة المرسلين جميعا دعوة واحدة ، فتكذيب ثمود نبيّهم صالحا تكذيب للمرسلين أيضا

وبعد ذكر هذا الإجمال يفصّل القرآن ما كان بين صلاح وقومه ، فيقول :( إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ )

لقد كان النّبي صالح هاديا ودليلا لقومه مشفقا عليهم ، فهو بمثابة «الأخ» لهم ، ولم يكن لديه نظرة استعلائية ولا منافع ماديّة ، ولذلك فقد عبّر القرآن عنه بكلمة «أخوهم» وقد بدأ دعوته إيّاهم كسائر الأنبياء بتقوى الله والإحساس بالمسؤولية!

ثمّ يقول لهم معرفا نفسه :( إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ) وسوابقي معكم شاهد مبين على هذا الأمر( فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ ) إذ لا أريد إلّا رضا الله والخير والسعادة لكم

ولذلك فأنا لا أطلب عوضا منكم في تبليغي إيّاكم( ... وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ ) فأنا أدعوكم له ، وأرجو الثواب منه سبحانه

كان هذا أوّل قسم من سيرة صالح التي تلخصت في دعوته قومه وبيان رسالته إليهم

ثمّ يضع «صالح» إصبعه على نقاط حساسة من حياتهم ، فيتناولها بالنقد ويحاكمهم محاكمة وجدانية ، فيقول :( أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ ) .

وتتصورون أن هذه الحياة المادية التي تستغفل الإنسان دائمة له وهو خالد فيها! فلذلك تأمنون من الجزاء ، وأن يد الموت لا تنوشكم؟!

وبالأسلوب المتين ، أسلوب الإجمال والتفصيل يشرح النّبي صالح لقومه تلك الجملة المغلقة والمجملة بقوله : وتحسبون أنّكم مخلّدون( فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ

٤٢٨

وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ ) .(١)

ثمّ ينتقدهم على بيوتهم المرفهة المحكمة فيقول :( وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ ) .

«الفاره» مشتق من (فره على وزن فرح) ومعناه في الأصل السرور المقرون باللامبالاة وعبادة الهوى كما يستعمل في المهارة عند العمل أحيانا ومع أن المعنيين ينسجمان مع الآية ، إلّا أنّه مع ملاحظة توبيخ نبيّهم صالح إيّاهم وملامته لهم فيبدو أنّ المعنى الأوّل أنسب

ومن مجموع هذه الآيات وبمقايستها مع ما تقدم من الآيات في شأن عاد ، يستفاد أن عادا «قوم هود» كان أكثر اهتمامهم في حب الذات والمقام والمفاخرة على سواهم في حين أن ثمود «قوم صالح» كانوا أسرى بطونهم والحياة المرفهة» ويهتمون أكبر اهتمامهم بالتنعم ، إلّا أنّ عاقبة الجماعتين كانت واحدة ، لأنّهم جعلوا دعوة الأنبياء التي تحررهم من سجن عبادة الذات للوصول إلى عبادة الله ، جعلوها تحت أقدامهم ، فنال كلّ منهم عقابه الصارم الوبيل

وبعد ذكر هذه الانتقادات يتحدث النّبي صالحعليه‌السلام في القسم الثّالث من كلامه مع قومه ، فيقول :( فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ ) .

* * *

__________________

(١) «الطلع» مأخوذ من مادة «الطلوع» ويستعمل في ما يكون منه الرطب بعدئذ ، وهو معروف وشكله جميل منضوم نضيد ، له غلاف ينشقّ عنه العذق أول الربيع. ثمّ يلقح بيد الإنسان أو بالرياح ليكون الثمر وقد يستعمل الطلع في الثمرة الأولى للنخل! و «الهضيم» من مادة «هضم» ، وله معان مختلفة ، فتارة يراد منه الثمرة الناضجة ، وتارة يطلق على الثمر اللين القابل للهضم ، وتارة يطلق على المهضوم ، وقد يستعمل بمعنى المنضوم المنضد ، فإذا كان الطلع في الآية محل البحث بمعنى العذق أوّل طلوعه ، فالهضيم معناه المنضود ، وإذا كان الطلع أول الثمر فالهضيم معناه الناضج اللين اللطيف

٤٢٩

ملاحظة :

العلاقة بين الإسراف والفساد في الأرض!

نعرف أن «الإسراف» هو التجاوز عن حدّ قانون التكوين وقانون التشريع

وواضح أيضا أنّ أيّ تجاوز عن الحد موجب للفساد والاختلال وبتعبير آخر : إن مصدر الفساد هو الإسراف ، ونتيجة الإسراف هي الفساد أيضا.

وينبغي الالتفات إلى أنّ الإسراف له معنى واسع ، فقد يطلق على المسائل المادية كالأكل والشرب ، كما في الآية (٣١) من سورة الأعراف( كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا ) .

وقد يرد في الانتقام والقصاص ـ عند تجاوز الحد ـ كما في الآية (٣٣) من سورة الإسراء( ... فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً ) .

وقد يستعمل في الإنفاق والبذل عند التبذير وعدم التدبير ، كما في الآية (٦٧) من سورة الفرقان :( وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً ) .

وقد يأتي في الحكم أو القضاء الذي يجرّ إلى الكذب ، كما في الآية (٢٨) من سورة غافر :( إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) !

وقد يستعمل في الإعتقاد المنتهى إلى الشك والتردد والارتياب كما في الآية (٣٤) من سورة غافر إذ تقول :( كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ ) .

وقد يأتي بمعنى الاستعلاء والاستكبار والاستثمار كما جاء في الآية (٣١) من سورة الدخان في شأن فرعون( إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ ) .

وأخيرا فقد يأتي بمعنى مطلق الذنوب كما هو في الآية (٥٣) من سورة الزمر( قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) .

وبملاحظة كل ما بيّناه آنفا ، تتّضح العلاقة بين الإسراف والفساد بجلاء

يقول العلّامة الطباطبائي في الميزان : «إن الكون على ما بين أجزائه من

٤٣٠

التضاد والتزاحم ، مؤلف تأليفا خاصا يتلائم معه أجزاؤه بعضها مع بعض في النتائج والآثار فالكون يسير بالنظام الجاري فيه إلى غايات صالحة مقصودة ، وهو بما بين أجزائه من الارتباط التام يخط لكل من أجزائه سبيلا خاصّا يسير فيها بأعمال خاصّة ، من غير أن يميل عن حاق وسطها إلى يمين أو يسار أو ينحرف بإفراط أو تفريط ، فإنّ في الميل والانحراف إفسادا للنظام المرسوم ويتبعه إفساد غايته وغاية الكل ومن الضروري أن خروج بعض الأجزاء عن خطه المخطوط له ، وإفساد النظم المفروض له ولغيره ، يستعقب منازعة بقية الأجزاء له ، فإن استطاعت أن تقيمه وترده إلى وسط الاعتدال فهو وإلّا أفنته وعفت آثاره ، حفظا لصلاح الكون واستبقاء لقوامه والإنسان الذي هو أحد أجزاء الكون غير مستثنى من هذه الكلية ، فإن جرى على ما يهديه إليه الفطرة فاز بالسعادة المقدرة له ، وإن تعدّى حدود فطرته وأفسد في الأرض ، أخذه الله سبحانه بالسنين والمثلات وأنواع النكال والنقمة ، لعله يرجع إلى الصلاح والسداد ، قال الله تعالى :( ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) .(١)

وإن أقاموا مع ذلك على الفساد ـ لرسوخه في نفوسهم ـ أخذهم الله بعذاب الاستئصال وطهّر الأرض من قذارة فسادهم قال الله تعالى :( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) .(٢) (٣) .

ومن هنا يتّضح بجلاء ، لم ذكر الله سبحانه في الآيات المتقدمة الإسراف والفساد في الأرض وعدم الإصلاح ، في سياق واحد ومنسجم.

* * *

__________________

(١) الروم ، الآية ٤١.

(٢) الأعراف ، الآية ٩٦.

(٣) راجع تفسير الميزان ، الجزء ١٥ ، الصفحة ٣٣٣ ـ ٣٣٤.

٤٣١

الآيات

( قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣) ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٥٤) قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (١٥٥) وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥٦) فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ (١٥٧) فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٥٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٥٩) )

التّفسير

عناد قوم صالح ولجاجتهم :

لقد استمعتم إلى منطق صالح المتين والمحب للخير ، مع قومه المضلين ـ في الآيات المتقدمة ـ والآن لنستمع إلى جواب قومه في هذه الآيات.

إنهم واجهوه بكلام خشن و( قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ) فلذلك فقدت عقلك وتتكلم بكلمات غير موزونة ولا معقولة.

ثمّ بعد هذا كله( ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا ) وكل عاقل لا يبيح لنفسه أن يطيع

٤٣٢

إنسانا مثله( فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) لكي نؤمن بك ونتبعك.

كلمة (المسحّر) مشتقّة من (السحر) ومعناها المسحور ، أي المصاب بالسحر ، إذ كانوا يعتقدون أن السحرة كانوا عن طريق السحر يعطلون عمل العقل ، وهذا القول لم يتّهم به النبيّ صالحا فحسب ، بل اتهم به كثير من الأنبياء ، حتى أن المشركين اتّهموا نبيّنا محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به فقالوا :( إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً ) (١) .

أجل ، إنّهم كانوا يرون معيار العقل أن يكون الإنسان متوقفا مع البيئة والمحيط ، فيأكل الخبز ـ مثلا ـ بسعر يومه ، ويطبّق نفسه على جميع المفاسد فلو أن رجلا مصلحا إلهيّا دعا الناس للقيام والنهوض بوجه العقائد الفاسدة وإصلاحها ، عدوّه ـ بحسب منطقهم ـ مجنونا «مسحّرا».

وهناك احتمالات أخر في معنى «المسحّرين» ، صرفنا النظر عنها لعدم مناسبتها

وعلى كل حال فإنّ هؤلاء المعاندين من قوم صالح ، طلبوا منه معجزة لا من أجل معرفة الحق ، بل تذرعا بالحجة الواهية ، وعلى نبيّهم أن يتم الحجة عليهم ، فاستجاب لهم ـ وبأمر الله ـ قال :( هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ) .

و «الناقة» معروفة عند العرب ، وهي أنثى الجمل ، والقرآن لم يذكر خصائص هذه الناقة التي كان لها حالة إعجازية ، إلّا أنه ذكرها بنحو الإجمال لكننا نعرف أنّها لم تكن ناقة كسائر النياق الطبيعية ، فكما يقول جماعة من المفسّرين : كانت هذه الناقة بحالة من الإعجاز بحيث خرجت من قلب الجبل. ومن خصائصها أنّها كانت تشرب ماء الحيّ في يوم ، واليوم الآخر لأهل الحي «أو القرية» وهكذا دواليك كما أشارت الآية آنفة الذكر إلى هذا المعنى ، ووردت الإشارة إلى هذا المعنى في الآية (٢٨) من سورة القمر أيضا.

__________________

(١) سورة الفرقان ، الآية ٨.

٤٣٣

وقد ذكر المفسّرون لها خصائص أخر(١) .

وعلى كل حال ، كان على صالحعليه‌السلام أن يعلمهم أن هذه الناقة ناقة عجيبة وخارقة للعادة ، وهي آية من آيات عظمة الله المطلقة فعليهم أن يدعوها على حالها ، وقال :( وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ )

وبديهي أن المترفين قوم صالح المعاندين كانوا يعلمون أن يقظة الناس ستؤدي إلى الإضرار بمنافعهم الشخصية فتآمروا على نحر الناقة :( فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ ) (٢) لأنّهم رأوا أنفسهم قاب قوسين من العذاب الالهي.

ولما تجاوز طغيانهم الحدّ ، وأثبتوا بأعمالهم أنّهم غير مستعدين لقبول الحق ، اقتضت إرادة الله ومشيئته أن يطهر الأرض من وجودهم الملوّث( فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ ) .

وكما نقرأ في الآية (٧٨) من سورة الأعراف ، والآية (٦٧) من سورة هود ، ما جاء عن عذاب الله لهم إجمالا أن الأرض زلزلت من تحتهم ليلا ، فانتبهوا من نومهم وجثوا على الركب فما أمهلهم العذاب وأخذتهم الرجفة والصيحة ، فاهتزت حيطانهم وهوت عليهم فأماتتهم جاثمين على حالهم ففارقوا الدنيا بحال موحشة رهيبة!

ويقول القرآن في ختام هذه الحادثة ما قاله في ختام حوادث قوم هود وقوم صالح وقوم نوح وقوم إبراهيمعليه‌السلام ، فيعبّر تعبيرا بليغا موجزا يحمل بين ثناياه عاقبة أولئك الظالمين : إن في قصة قوم صالح ، وفي صبره وتحمله واستقامته ومنطقه القويم من جهة ، وعناد قومه وغرورهم وانكارهم للمعجزة البيّنة ، والمصير

__________________

(١) لمزيد الإيضاح في هذا الصدد يراجع تفسير الآية (٦١) من سورة هود

(٢) كلمة (عقروها) مأخوذة من مادة (عقر) على زنة (قفل) ومعناها في الأصل أساس الشيء وجذره ، وقد تأتي بمعنى حز الرأس ، وتأتي بمعنى قطع الأرجل من الحيوان ، وما إلى ذلك.

٤٣٤

الأسود الذي آلو إليه دروس وعبر :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ) .

أجل ، ليس لأحد أن يغلب ربّه ، فما فوق قوته من قوّة!! وهذه القوّة وهذه القدرة العظيمة لا تمنع أن يرحم أولياءه ، بل أعداءه أيضا :( وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) .(١)

* * *

__________________

(١) تقول الروايات إن الذي قتل ناقة صالح كان واحدا لا غير إلّا أن القرآن يعبر عن هذا الفعل بصيغة الجمع (فعقروها). وهذا التعبير لأن الآخرين كانوا راضين بعمله ويضمون أصواتهم إلى صوته ، ويعتقدون بمعتقده وتنفتح نافذة من هنا على أصل اسلامي ، وهو أنّ العلائق الفكرية والمذهبيّة تجعل المنتمين إليها في صف واحد ، وتكون عاقبتهم واحدة. لمزيد الإيضاح يراجع الآية (٦٥) من سورة هود

٤٣٥

الآيات

( كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٦١) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٦٢) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٦٣) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٤) أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (١٦٦) )

التّفسير

السفلة المعتدون :

سادس نبيّ ـ ورد جانب من حياته وحياة قومه المنحرفين في هذه السورة ـ هو «لوط»عليه‌السلام ، ومع أنّه كان يعيش في عصر إبراهيم الخليل ، إلّا أنّ قصته لم تأت بعد قصّة إبراهيمعليه‌السلام ، لأن القرآن لم يكن كتابا تاريخيا ليبيّن الحوادث بترتيب وقوعها بل يلفت النظر إلى جوانبه التربوية البناءة ، والتي تقتضي تناسبا آخر

وقصّة لوط وما جرى لقومه تنسجم في حياة الأنبياء الآخرين الذين ورد ذكرهم في ما بعد

يقول القرآن أوّلا في هذا الصدد :( كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ ) .

٤٣٦

ورود «المرسلين» بصيغة الجمع ، إمّا لأنّ دعوة الأنبياءعليهم‌السلام واحدة ، فتكذيب الواحد منهم تكذيب للجميع ، أو أن قوم لوط لم يؤمنوا بأيّ نبي قبل لوط واقعا وحقيقة

ثمّ يشير القرآن الكريم إلى دعوة لوط التي تنسجم مع دعوة الأنبياء الآخرين الماضين ، فيقول :( إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ ) .

ولحن كلماته وقلبه المتحرق لهم ، العميق في تودّه إليهم ، يدل على أنّه بمثابة «الأخ» لهم.

ثمّ أضاف لوط قائلا :( إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ) فلم تعرفوا عنّي خيانة حتى الآن وسأرعى الأمانة في إيصال رسالة الله إليكم أبدا( ... فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ ) فأنا زعيمكم إلى السعادة والنجاة.

ولا تتصوروا أنّ هذه الدعوة وسيلة اتخذها للحياة والعيش ، وأنّ وراءها هدفا مادّيا ، كلّا :( وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ ) .

ثمّ يتناول بالنقد أعمالهم القبيحة ، وقسما من انحرافاتهم الأخلاقية

وحيث أنّ أهم نقطة في انحرافاتهم هي مسألة الانحراف الجنسي ، لذلك فإنّه ركّز عليها وقال :( أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ ) . فتختارون الذكور من بين الناس لإشباع شهواتكم!!

أي ، إنّكم على الرغم ممّا خلق الله لكم من الجنس المخالف «النساء» حيث تستطيعون أن تعيشوا معهن بالزواج المشروع عيشا طاهرا هادئا ، إلّا أنّكم تركتم نعمة الله هذه وراءكم ، ولوّثتم أنفسكم بمثل هذا العمل القبيح المخزي

كما ويحتمل في تفسير هذه الآية أن «من العالمين» جاء قيدا لقوم لوط أنفسهم ، أي إنّكم من دون العالمين وحدكم المنحرفون بهذا الانحراف والمبتلون به كما أن هذا الاحتمال ينسجم مع بعض التواريخ إذ يقال أن أوّل أمّة ارتكبت

٤٣٧

الانحراف الجنسي «اللواط» بشكل واسع هي قوم لوط ،(١) إلّا أن التّفسير الأوّل مع الآية التالية ـ أكثر انسجاما.

ثمّ أضاف قائلا :( وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ ) .

فالحاجة والغريزة الطبيعية ، سواء كانت روحية أم جسمية لم تجرّكم إلى هذا العمل الانحرافي الشنيع ابدا ، وإنّما جرّكم الطغيان والتجاوز ، فتلوثتم وخزيتم به

إن ما تقومون به يشبه من يترك الثمر الطيب والنافع والسالم ، ويمضي نحو الغذاء المسموم الملوّث المميت فهذا الفعل ليس حاجة طبيعية بل هو التجاوز والطغيان!

* * *

بحثان

١ ـ الانحراف الجنسي انحراف مخجل

أشار القرآن في سور متعددة منه ـ كالأعراف وهود والحجر والأنبياء والنمل والعنكبوت ، إلى ما كان عليه قوم لوط من الوزر الشنيع إلّا أن تعابيره ـ في السور المذكورة آنفا ـ يختلف بعضها عن بعض وفي الحقيقة إن كل تعبير من هذه التعابير يشير إلى بعد من أبعاد عملهم الشنيع :

ففي «الأعراف» نقرأ مخاطبة لوط إيّاهم( بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ) .(٢)

وفي الآية (٧٤) سورة الأنبياء يتحدث القرآن عن لوط فيقول :( وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ ) .

أمّا في الآية ـ محل البحث ـ فقد قرأنا مخاطبة لوط إياهم بقوله :( بَلْ أَنْتُمْ

__________________

(١) في شأن انحراف هؤلاء القوم ، يذكر التأريخ قصة يمكن مراجعتها في تفسير الآية (٨١) من سورة هود

(٢) سورة الأعراف ، الآية ٨١.

٤٣٨

قَوْمٌ عادُونَ ) .

وجاء في الآية (٥٥) من سورة النمل قوله لهم :( بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) «الآية ٥٥».

كما جاء في الآية (٢٩) من سورة العنكبوت على لسان لوط مخاطبا إيّاهم( إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ ) .(١)

وهكذا فقد ذكر هذا العمل القبيح بعناوين «إسراف» ، «خبيث» ، «فسق» ، «تجاوز» ، «جهل» ، و «قطع السبيل».

«الإسراف» من جهة أنّهم نسوا نظام الخلق في هذا الأمر ، وتجاوزوا عن الحد ، و «التعدّي» ذكر أيضا لهذا السبب.

و «الخبيث» هو ما ينفر منه طبع الإنسان السليم ، وأيّ عمل أقبح من هذا العمل الذي ينفر منه؟!

«الفسق» معناه الخروج عن الطاعة ـ طاعة الله ـ والتعري عن الشخصيّة الإنسانية ، وهو من لوازم هذا العمل حتما.

و «الجهل» لعدم معرفتهم بعواقب هذا الفعل الوخيمة على الفرد والمجتمع!

وأخيرا فإن «قطع السبيل» هو النتيجة السيئة لهذا الفعل ، لأنّه سيؤدي إلى انقطاع النسل عند اتساع هذا الفعل ، لأنّ العلاقة نحو الجنس المشابه ستحل محل العلاقة نحو الجنس المخالف بالتدريج (كما هي الحال بالنسبة للواط والسحاق).

٢ ـ العواقب الوخيمة للانحراف الجنسي.

بالرغم من بحثنا لهذا الموضوع في ذيل الآيات ٨١ ـ ٨٣ بحثا مفصّلا في أضرار هذا العمل القبيح ، إلّا أنه ـ نظرا لأهميته ـ نرى هنا من اللازم أن نذكر

__________________

(١) قيل أن المراد من (تقطعون السبيل) أي تقطعون سبيل الفطرة وتداوم النسل ، وفسّره آخرون بأنّ المراد هو أن قوم لوط كانوا قطّاع طرق وسرّاقا!

٤٣٩

مطالب أخر مضافا إلى ما سبق!

في الحديث عن النّبي (محمّد)صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «لا يجد ريح الجنّة زنوق وهو المخنث».(١)

وفي حديث آخر عن الإمام عليعليه‌السلام أنه قال : «اللواط هو الكفر».(٢)

وفي حديث عن الإمام علي بن موسى الرضا في فلسفة تحريم اللواط والسحاق أنه قال : «علة تحريم الذكران للذكران ، والإناث للإناث ، لما ركب في الإناث وما طبع عليه الذكران ، ولما في إتيان الذكران الذكران ، والإناث للإناث من انقطاع النسل ، وفساد التدبير ، وخراب الدنيا».(٣)

وهذه المسألة قبيحة جدّا في نظر الإسلام بحيث جعل ـ في أبواب الحدود ـ حدّة القتل دون شك حتى الذين يقومون بعمل أدنى من اللواط والسحاق جعل لهم عقابا صارما

ففي حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من قبل غلاما من شهوة ، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار».(٤)

وعقوبة من يفعل مثل هذا الفعل تتراوح من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين سوطا

وعلى كل حال ، فلا شك أن الانحراف الجنسي من أخطر الانحرافات الاجتماعية لأنّه يلقي بظله المشؤوم على جميع المسائل الأخلاقية ، ويجر الإنسان إلى الانحراف العاطفي.

«وكان لنا بحث مفصل في هذا الصدد في ذيل الآية ٨١ من سورة هود».

* * *

__________________

(١) بحار الأنوار ، الطبعة الجديدة ، ج ٧٩ ، ص ٦٧.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق ، ص ٦٤.

(٤) بحار الأنوار ، ج ٧٩ ، ص ٧٢.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504