الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٢

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174821 / تحميل: 5995
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

١

ملاحظة هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

www.alhassanain.org/arabic

٢

٣
٤

سورة

النمل

مكيّة

وعدد آياتها ثلاث وتسعون آية

٥
٦

سورة النّمل

محتوى سورة النمل

هذه السورة نزلت بمكّة ـ كما ذكرنا آنفا ـ والمعروف أنّها نزلت بعد سورة الشعراء.

ومحتوى هذه السورة ـ بصورة عامّة ـ كمحتوى سائر السور المكية ، فأكثر اهتمامها ـ من الوجهة الاعتقادية ـ ينصبّ على المبدأ والمعاد وتتحدث عن الوحي والقرآن وآيات الله في عالم الإيجاد والخلق ، وكيفية المعاد والقيامة؟

وأمّا من ناحية المسائل العملية والاخلاقية ، فالقسم الكبير منها يتحدث عن قصص خمسة أنبياء كرام ومواجهاتهم لأممهم المنحرفة ، لتكون هذه السورة تسلية للمؤمنين القلّة بمكّة في ذلك اليوم ، وفي الوقت ذاته تكون إنذارا للمشركين المعاندين الظالمين ليروا عواقب أمرهم في صفحات تاريخ الظلمة الماضين ، فلعلهم يحذرون ويرجعون إلى الرشد.

وأحد خصائص هذه السورة هي بيان قسم مهم من قصّة النّبي سليمان وملكة سبأ ، وكيفية إيمانها بالتوحيد ، وكلام الطير ـ كالهدهد ، والحشرات كالنمل ـ مع سليمانعليه‌السلام .

وهذه السورة سمّيت سورة «النمل» لورود ذكر النمل فيها ، والعجيب أنّها سمّيت بسورة «سليمان» كما في بعض الرّوايات «والنمل أخرى» سليمان أحيانا ، وكما سنلاحظ فإنّ هذه التسميات للسور ليست اعتباطا ، بل هي مدروسة ودقيقة في تسميتها ، فهي من تعليمات النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتكشف عن حقيقة

٧

مهمّة يغفل عنها الناس في الظروف الاعتيادية!.

وتتحدث هذه السورة ضمنا عن علم الله غير المحدود ، وهيمنته وسلطانه على كل شيء في عالم الوجود ، وحاكميته عالم عباده والالتفات إلى ذلك له أثره الكبير في المسائل التربوية للإنسان.

وتبدأ هذه السورة بالبشرى وتنتهي بالتهديد ، فالبشرى للمؤمنين ، والتهديد للناس بأنّ الله غير غافل عن أعمالكم.

فضيلة سورة النمل :

جاء في بعض أحاديث النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من قرأ طس سليمان كان له من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق سليمان وكذّب به ، وهود وشعيب وصالح وإبراهيم ويخرج من قبره وهو ينادي لا إله إلّا الله»(١) .

وبالرغم من أنّ هذه السورة تتحدث عن موسى وسليمان وداود وصالح ولوط ، وليس فيها كلام عن هود وشعيب وإبراهيم ، إلّا أنّه حيث أنّ جميع الأنبياء سواء في دعوتهم إلى الله ـ فلا مجال لأن نعجب من هذا التعبير.

وورد في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «من قرأ سور الطواسين الثلاث «يعني سور الشعراء والنمل والقصص» في ليلة جمعة كان من أولياء الله وفي جواره وكنفه ، ولم يصبه في الدنيا بؤس أبدا ، وأعطي في الآخرة من الجنّة حتى يرضى وفوق رضاه ، وزوجه الله مائة زوجة من الحور العين»(٢) .

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ذيل الآيات وتفسير الثقلين ، ج ٤ ، ص ٧٤.

(٢) «ثواب الأعمال» نقلا ، نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ٧٤.

٨

الآيات

سْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (١) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٣) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (٤) أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٥) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (٦) )

التّفسير

القرآن منزل من لدن حكيم عليم :

نواجه مرّة أخرى ـ في بداية هذه السورة ـ الحروف المقطّعة من القرآن (طس).

وبملاحظة أنّ ما بعدها مباشرة هو الكلام عن عظمة القرآن ، فيبدو أنّ واحدا من أسرار هذه الحروف هو أنّ هذا الكتاب العظيم والآيات البيّنات منه ، كل ذلك يتألف من حروف بسيطة وإن الجدير بالثناء هو الخالق العظيم الموجد لهذا الأثر البديع من حروف بسيطة كهذه الحروف ، وكان لنا في هذا الشأن بحوث مفصّلة في بداية سورة البقرة وسورة آل

٩

عمران وسورة الأعراف.

ثمّ يضيف القرآن قائلا :( تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ ) والإشارة للبعيد بلفظ (تلك) لبيان عظمة هذه الآيات السماوية ، والتعبير بـ (المبين) تأكيد على أنّ القرآن واضح بنفسه وموضح للحقائق أيضا(١) .

وبالرغم من أنّ بعض المفسّرين احتمل أنّ التعبير بـ( الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ ) إشارة إلى معنيين مستقلين ، وأن «الكتاب المبين» يراد منه اللوح المحفوظ إلّا أن ظاهر الآية يدلّ على أنّ كلاهما لبيان حقيقة واحدة ، فالأوّل في ثوب الألفاظ والتلاوة ، والثّاني في ثوب الكتابة والرسم.

وفي الآية التالية وصفان آخران للقرآن إذ تقول :( هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ) .

وهكذا فإن اعتقاد المؤمنين راسخ في شأن المبدأ والمعاد ، وارتباط متين بالله وخلقه أيضا فالأوصاف المتقدمة تشير إلى اعتقادهم الكامل ومنهجهم العملي الجامع!.

وهنا ينقدح سؤال وهو : إذا كان هؤلاء المؤمنون قد اختاروا الطريق السوي ، من حيث المباني الاعتقادية والعملية ، فما الحاجة لأنّ يأتي القرآن لهدايتهم؟!

ويتّضح الجواب بملاحظة أنّ الهداية لها مراحل مختلفة ، وكل مرحلة مقدمة لما بعدها ،.

ثمّ إنّ استمرار الهداية مسألة مهمّة ، وهي ما نسألها الله سبحانه ليل نهار بقولنا:( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ليثبتنا في هذا المسير ، ويجعلنا مستمرين فيه بلطفه ، فلو لا لطفه لما كان ذلك ممكنا لنا

__________________

(١) «المبين» مشتق من (الإبانة) وكما يقول بعض المفسّرين «كالآلوسي في روح المعاني» : إنّ هذه المادة قد يأتي فعلها لازما ، وقد يأتى متعديا ففي الصورة الأولى يكون مفهوم المبين هو الواضح والبيّن ، وفي الصورة الثّانية يكون مفهومه الموضح!

١٠

وبعد هذا كلّه ، فالإفادة من آيات القرآن والكتاب المبين هي نصيب أولئك الذين فيهم القابلية على معرفة الحق وطلب الحق. وإن لم يبلغوا مرحلة الهداية الكاملة وإذا ما وجدنا التعبير في بعض آيات القرآن بأنّه( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) «كما في الآية ٢ من سورة البقرة» وفي مكان آخر( لِلْمُسْلِمِينَ ) «كما في الآية ١٠٢ من سوره النحل» وهنا( هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ ) فإنّ ذلك ناشئ من أنّه إذا لم يكن في قلب الإنسان أدنى مرحلة من التقوى والتسليم والإيمان بالواقع ، فإنّه لا يتجه نحو الحق ، ولا يبحث عنه ، ولا يفيد من نور هذا الكتاب المبين لأنّ قابلية المحل شرط أيضا.

ثمّ بعد ذلك فإن الهدى والبشرى مقترنين معا وهما للمؤمنين فحسب ، وليس للآخرين مثل هذه المزية

ومن هنا يتّضح مجيء التعبير بالهداية بشكل واسع لعموم الناس( هُدىً ) للناس فإن المراد منه أولئك الذين تتوفر فيهم الأرضيّة المناسبة لقبول الحق ، وإلّا فأنّ المعاندين الألداء. عماة القلوب ، لو أشرقت عليهم آلاف الشموس بدل شمسنا هذه ليهتدوا ، لما اهتدوا أبدا.

وتتحدّث الاية التالية عن الأشخاص في المقابلة للمؤمنين ، وتصف واحدة من أخطر حالاتهم فتقول :( إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ) . أي حيارى في حياتهم.

فهم يرون الملوّث نقيّا ، والقبيح حسنا ، والعيب فخرا ، والشقاء سعادة وانتصارا!.

أجل ، هذا حال من يسلك الطريق المنحرف ويتوغل فيها فواضح أن الإنسان حين يقوم بعمل قبيح. فإنّ قبحه يخف تدريجا ، ويعتاد عليه ، وعند ما يتطبع عليه يوجهه ويبرره ، حتى يبدو له حسنا ويعدّه من وظائفه! وما أكثر الذين تلوثت أيديهم بالأعمال الإجرامية وهم يفتخرون بتلك الأعمال ويعدونها

١١

أعمالا إيجابيّة.

وهذا التغير في القيم ، أو اضطراب المعايير في نظر الإنسان ، يؤدي إلى الحيرة في متاهات الحياة وهو من أسوأ الحالات التي تصيب الإنسان.

والذي يلفت النظر أنّ «التزيين» في الآية محل البحث ـ وفي آية أخرى من القرآن ، وهي الآية (١٠٨) من سورة الأنعام ، نسب إلى الله سبحانه ، مع أنّه نسب في ثمانية مواطن إلى الشيطان ، وفي عشرة أخر جاء بصيغ الفعل المجهول (زيّن) ولو فكرنا بإمعان ـ وأمعنا النظر ، لوجدنا جميع هذه الصور كاشفة عن حقيقة واحدة!

فأمّا نسبة التزيين إلى الله ، فلأنّه «مسبب الأسباب» في عالم الإيجاد ، وما من موجود مؤثر إلّا ويعود تأثيره إلى الله.

أجل ، إنّ هذه الخاصية أوجدها الله في تكرار العمل ليتطبّع عليه الإنسان ويتغير حسّ التشخيص فيه دون أن تسلب المسؤولية عنه ، أو أن تكون نقصا في خلقة الله أو إيرادا عليه (لاحظوا بدقّة).

وأمّا نسبة التزيين إلى الشيطان (أو هوى النفس) فلأن كلّا منهما عامل قريب وبغير واسطة للتزيين.

وأمّا مجيء التزيين بصورة الفعل المبني للمجهول ، فهو إشارة إلى أنّ طبيعة العمل يقتضي أن يوجد ـ على أثر التكرار ـ حالة وملكة وعلاقة وعشقا!!

ثمّ تبيّن الآية التالية نتيجة «تزيين الأعمال» وعاقبة أولئك الذين شغفوا بها فتقول :( أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ ) .

فهم في الدنيا سيمسون حيارى آيسين نادمين ، وسينالون العقاب الصارم في الآخرة( وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ ) .

والدليل على أنّهم في الآخرة هم الأخسرون ، ما جاء في الآية (١٠٣) من سورة الكهف( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ

١٢

الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) .

فأية خسارة أعظم من أن يرى الإنسان عمله القبيح حسنا!! وأن يهدر جميع طاقاته من أجله ، ظنّا منه بأنّه عمل «إيجابي» مثبت ، إلّا أنّه يراه في عاقبة أمره شقاء وذلة وعذابا.

وأمّا الآية الأخيرة ـ من الآيات محل البحث ـ فهي بمثابة إكمال البيانات السابقة في صدد عظمة محتوى القرآن ، ومقدمة لقصص الأنبياء التي تبدأ بعدها مباشرة فتقول :( وَإِنَّكَ (١) الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ) .

وبالرغم من أنّ الحكيم والعليم كلاهما إشارة إلى علم الله سبحانه ، إلّا أن الحكمة تبيّن الجوانب العملية ، والعلم يبيّن الجوانب النظرية وبتعبير آخر : إن العليم يخبر عن علم الله الواسع ، والحكيم يدل على الهدف من إيجاد هذا العالم وإنزال القرآن على قلب النّبي (محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ).

ومثل هذا القرآن النازل من قبل الله ينبغي أن يكن مبينا وهدى وبشرى للمؤمنين ، وأن تكون قصصه خالية من أي نوع من أنواع الخرافات والتضليل والأباطيل والتحريف.

الواقعية والإيمان :

المسألة المهمة في حياة الإنسان هي أن يدرك الواقعيّات بما هي عليه ، وأن يكون موقفه منها صريحا فلا تمنعه من فهمها وإدراكها تصوراته وأحكامه المسبقة ورغباته الانحرافية وحبّه وبغضه ، ولذلك فأنّ أهم تعريف للفلسفة هو : إدراك الحقائق كما هي!.

__________________

(١) «تلقى» فعل مضارع مبني للمفعول ، وهو من باب التفعيل ، والفعل الثلاثي المجرّد من هذه المادة (لقي) وهو يتعدى إلى مفعول واحد. أمّا المزيد فيتعدى إلى مفعولين. وفي الآية محل البحث (الله) هو الفاعل وملقي القرآن ، والنّبي (مفعول به أول) ، والقرآن مفعول ثان ، وحيث أنّ الفعل بني للمجهول يقوم المفعول الأوّل مقام الفاعل فرفع ، وأمّا المفعول الثّاني فعلى حالة.

١٣

ولذلك فقد كان من دعاء المعصومين : (اللهم أرنى الأشياء كما هي) أي لأعرف قيمها وأؤدي حقّها.

وهذه الحالة لا تتحقق بغير الإيمان! لأنّ الهوى والهوس والانحرافات أو الرغبات النفسية ، تكون حجابا وسدا كبيرا في هذا الطريق ، ولا يمكن رفع هذا الحجاب أو السد إلّا بالتقوى وضبط هوى النفس!.

لذلك فقد قرأنا في الآيات آنفة الذكر :( إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ) .

والمثل الواضح والجلي لهذا المعنى نراه في حياة كثير من عبدة الدنيا في زماننا بشكل بيّن. فهم يفتخرون ببعض المسائل ويرونها حضارة ، إلّا أنّها في الواقع ليست إلّا الفضيحة والعار والذل.

فالتفسخ والحماقة عندهم دليل «الحرية».

والتعري والسفور من قبل النساء دليل «التمدن».

التكالب على بهارج الدنيا وزخارفها دليل على «الشخصيّة».

الغرق في ألوان الفساد دليل «التحرر».

القتل والإجرام دليل على «القوّة».

التخريب وغصب رؤوس الأموال دليل على الاستعمار ، أي البناء والعمران(١) !! استخدام اجهزة الاعلام العامة كالراديو والتلفزيون لتوكيد المفاهيم!!

سحق حقوق المحرومين دليل على احترام حقوق البشر.

الأسر في قبضة المخدرات والفضائح وما إلى ذلك من أشكال الحرية!.

والتزوير والغش واقتناء الأموال من أي طريق كان وكيف كان ، دليل على

__________________

(١) المفهوم اللغوي للاستعمار مفهوم جميل ، يعني الإعمار كما جاء في القرآن( وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها ) إلّا أن المفهوم السياسي للاستعمار هو التسلط من قبل الأجنبي واستثماره لخيرات الشعوب (المصحح).

١٤

الجدارة والذكاء.

رعاية أصول العدل واحترام حقوق الآخرين دليل على الضعف وعدم اللياقة!.

الكذب والدجل ونقض العهود وما إلى ذلك دليل على السياسة.

والخلاصة : إنّ الأعمال السيئة والقبيحة تتزين في نظر هؤلاء الى درجة أنّهم لا يشعرون في أنفسهم بالخجل منها. بل ويفتخرون ويتباهون بها!!

وواضح إلى اين يتجه مثل هذا العالم وماذا سيكون مصيره!!

* * *

١٥

الآيات

( إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٧) فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨) يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (١٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤) )

التّفسير

موسى يقتبس النّور :

يجري الكلام في هذه السورة ـ كما أشرنا من قبل ـ بعد بيان أهمّية القرآن ، عن قصص خمسة أنبياء عظام ، وذكر أممهم ، والوعد بانتصار المؤمنين وعقاب

١٦

الكافرين.

فأوّل نبيّ تتحدث عنه هذه السورة ، هو موسىعليه‌السلام أحد الأنبياء «أولي العزم» وتبدأ مباشرة بأهم نقطة من حياته وأكثرها «حسّاسية» وهي لحظة نزول الوحي على قلبه وإشراقه فيه ، وتكليم الله إيّاه إذ تقول الآية :( إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً ) (١) اي رأيت نارا من بعيد ، فامكثوا هنيئة( سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ) (٢) .

في تلك الليلة الظلماء ، كان موسىعليه‌السلام يسير بزوجته بنت النبيّ شعيبعليه‌السلام في طريق مصر ـ وفي الصحراء ـ فهبت ريح باردة ، وكانت زوجته (أهله) مقرّبا ، فأحسّت بوجع الطلق ، فوجد موسىعليه‌السلام نفسه بمسيس الحاجة إلى النّار لتصطلي المرأة بها ، لكن لم يكن في الصحراء أيّ شيء ، فلمّا لاحت له النّار من بعيد سرّ كثيرا ، وعلم أنّها دليل على وجود إنسان أو أناس ، فقال : سأمضي وآتيكم منها بخبر أو شعلة للتدفئة.

ممّا يلفت النظر أنّ موسىعليه‌السلام يقول لأهله سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس «بضمير الجمع لا الإفراد» ولعل هذا التعبير هو أنّ موسىعليه‌السلام كان معه بالإضافة إلى زوجته أطفال أيضا لأنّه كان قد مضى على زواجه عشر حجج (عشر سنين) في مدين أو أنّ الخطاب بصيغة الجمع (آتيكم) يوحي بالاطمئنان في هذه الصحراء الموحشة!.

وهكذا فقد ترك موسى أهله في ذلك المكان واتّجه نحو «النّار» التي آنسها( فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) .

وهناك احتمالات مختلفة عند المفسّرين في المراد من قوله تعالى :( مَنْ فِي

__________________

(١) «آنست» فعل ماض مأخوذ من (الإيناس) وهو الرؤية المقرونة بالراحة النفسية والسكينة وإنما يطلق على الإنسان فهو لهذا المعنى.

(٢) «الشهاب» هو النور الذي ينبثق من النار كالعمود ، وكل نور له عمود يدعى شهابا ، وفي الأصل يطلق الشهاب على واحد النيازك التي تهوي من السماء بسرعة مذهلة فتحرق بسبب اصطدامها بالغلاف الجوي فيكون لها عمود من نار ، «والقبس» شعلة من النار تنفصل عنها. «وتصطلون» من الاصطلاء وهو الدفء (بالنار)

١٧

النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها ) ! فما المقصود من هذا التعبير؟!

ويبدو أنّ المراد من( مَنْ فِي النَّارِ ) هو موسى نفسه ، حيث كان قريبا منها ومن الشجرة الخضراء التي عندها ، فكأنّ موسى كان في النّار نفسها ، وأنّ المراد من( مَنْ حَوْلَها ) هم الملائكة المقرّبون من ساحة القدس ، الذين كانوا يحيطون بتلك الأرض المقدسة في ذلك الوقت.

أو أنّ المراد ـ على عكس ما ذكرنا آنفا ـ فمن في النّار : هم الملائكة المقرّبون ، ومن حولها هو موسىعليه‌السلام .

وعلى كلّ حال فقد جاء في بعض الرّوايات أنّ موسىعليه‌السلام لما وصل النّار ونظر بدقّة ، رأى النّار تشتعل من غصن أخضر! وتتسع الشعلة لحظة بعد أخرى ، والشجرة تزداد اخضرارا وجمالا فلا حرارة النّار تحرق الشجرة ، ولا رطوبة الشجرة تطفئ لهب النّار ، فتعجب من هذا المشهد الرائع وانحنى ليقتبس من هذه النّار ويشعل الغصن اليابس «الحطب» الذي كان معه ، فأتته النّار فارتاع ورجع فمرّة يأتي موسى إلى النّار ، ومرّة تأتي النّار إلى موسى ، وبيّنا هو على هذه الحالة ، إذا بالنداء يقرع سمعه مبشرا إيّاه بالوحي.

فالمراد أنّ موسىعليه‌السلام اقترب من النّار ألى درجة عبّر عنه بأنّه «في النّار».

والتّفسير الثّالث لهذه الجملة ، هو أنّ المراد من (من في النّار) هو نور الله الذي تجلّى في تلك الشعلة ، والمراد من «من حولها» هو موسى الذي كان قريبا منها. وعلى كل حال فمن أجل أن لا يتوهم أحد من هذه العبارة مفهوم «التجسيم» فقد ختمت الآية بـ( سُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) تنزيها له عن كل عيب ونقص وجسميّة وما يعترض الجسم من عوارض!.

ومرّة أخرى نودي موسى بالقول :( يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .

وذلك يزول عن موسىعليه‌السلام كل شك وتردّد ، وليعلم أنّ الّذي يكلمه هو ربّ العالمين ، لا شعلة النّار ولا الشجرة ، الربّ القوي العزيز الذي لا يغلب ولا يقهر ،

١٨

والحكيم ذو التدبير في جميع الأمور!.

وهذا التعبير في الحقيقة مقدّمة لبيان المعجزة التي سيأتي بيانها في الآية التالية لأنّ الإعجاز آت من هاتين الصفتين «قدرة الله» و «حكمته» ، ولكن قبل أن نصل إلى الآية التالية ينقدح هذا السؤال وهو : من أين تيقن موسىعليه‌السلام أنّ هذا النداء هو نداء الله وليس سواه؟!

يمكن أن يجاب على هذا السؤال بأنّ هذا النداء ـ أو الصوت المقرون بمعجزة جليّة ، وهي إشراق النّار من الغصن الأخضر «في الشجرة الخضراء» ـ دليل حي على أنّ هذا أمر إلهي!.

ثمّ إنّه ـ كما سنرى في الآية التالية ـ بعد هذا النداء أمر موسىعليه‌السلام بإلقاء العصا وإظهار اليد البيضاء ، على نحو الإعجاز ، وهما شاهدان صادقان آخران على هذه الحقيقة.

ثمّ بعد هذا كله (فعلى القاعدة) فإن نداء الله له خصوصية تميزه عن كلّ نداء آخر ، وحين يسمعه الإنسان يؤثر في روحه وقلبه تأثيرا لا يخالطه الشك أو التردد بأنّ هذا النداء هو نداء الله سبحانه.

وحيث أنّ الصدع بالرسالة والبلاغ (وأية رسالة وبلاغ رسالة إلى جبار مستكبر ظالم كفرعون). لا بدّ له من قوّة ظاهرية وباطنية وسند على حقانيته

فلذا أمر موسى بأن يلقي عصاه :( وَأَلْقِ عَصاكَ ) .

فألقى موسى عصاه ، فتبدلت ثعبانا عظيما ، فلمّا رآه موسى يتحرك بسرعة كما تتحرك الحيّات الصغار خاف وولّى هاربا ولم يلتفت الى الوراء :( فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ ) .(١)

ويحتمل أنّ عصا موسى تبدلت بادئ الأمر إلى حيّة صغيرة ، ثمّ تحولت إلى

__________________

(١) يعتقد بعض المفسّرين أنّ «الجان» مأخوذ من الجن ، وهو الموجود غير المرئي ، لأنّ الحيّات الصغيرة تتحرك بين العشب في الأرض وتخفي نفسها.

١٩

أفعى كبيرة في المراحل الأخر!

وهنا خوطب موسى مرّة أخرى أن( يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ) فهنا مقام القرب ، وحرم أمن الله القادر المتعال.

وهنا لا معنى للخوف والوحشة. ومعنى الآية : أن يا موسى إنّك بين يدي خالق الوجود العظيم ، والحضور عنده ملازم لأمن المطلق!.

ونقرأ نظير هذا التعبير في الآية (٣١) من سورة القصص :( يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ) .

إلّا أنّ في الآية التالية استثناء للجملة السابقة ، حيث ذكره القرآن فقال :( إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ) !.

وهناك رأيان مختلفان لدى المفسّرين في علاقة الاستثناء بالجملة :

فالرأي الأوّل : أنّ هناك حذفا ذيل الآية آنفة الذكر وتقديره : إنّك من الآمنين وغير الأنبياء ليس آمنا. ثمّ استثنى سبحانه من ذلك «بإلّا» من ظلم ثمّ بدل حسنا ، فهو من الآمنين أيضا لأن الله غفور رحيم.

والثّاني : أنّ الاستثناء من ضمن الجملة ، والظلم إشارة إلى ترك الأولى الذي قد يقع من الأنبياء ، وهو لا ينافي مقام العصمة ، ومعنى الآية على هذا الرأي : أن الأنبياء في حال ترك الأولى غير آمنين أيضا ، وأنّ الله يحاسبهم حسابا عسيرا ، كما جاء في آيات القرآن عن قصّة آدم وقصّة يونسعليهما‌السلام !.

إلّا أولئك الذين التفتوا إلى ترك الأولى ، وانعطفوا نحو الله الرحيم ، فبدلوا حسنا وعملا صالحا بعد ذلك ، كما جاء في شأن موسىعليه‌السلام نفسه في قصّة قتله الرجل القبطي ، إذ اعترف موسى بتركه الأولى ، فقال :( رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ) (١) .

__________________

(١) القصص ، ١٦.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وهكذا نلاحظ كثيراً من الأدلة القرآنية التي تؤيد هذا الأمر. إذن ما ذهب إليه الإمامية صحيح ، لا يخالف القرآن كما إدعاه البعض.

وبعد هذا البيان والدراسة في بحث (الغيب) ، ندخل في دراسة القصة الغيبية.

ب ـ أقسام القصة الغيبية :

سبق أن قلنا أنّ هذا النوع من القصص تعد أحداثها بتفاصيلها مصدرها الوحي ، فهذه القصص من قبيل الغيب الذي كشفه الله عَزّ وجَلّ لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي غيب سواء أكانت في الماضي أو المستقبل ، فعلى هذا يمكن تقسيم القصة الغيبية إلى ما يلي :

الأول ـ قصص الماضي :

يحتوي القرآن الكريم على كثير من علوم الغيب ، خصوصاً ما جرى على الأمم الماضية ، فعلى سبيل المثال ما جاء في قصة يوسف عليه السلام مع اخوته حيث أوحى الله سبحانه إلى يوسف في قوله تعالى :( لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) [يوسف / ١٥]. ففي الآية غيب موحى إلى يوسف ، وكذلك غيب موحى إلى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بإخبار الوحي له بما حصل ليوسف عليه السلام وأكّد على ذلك في قوله تعالى :( ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ) [يوسف / ١٠٢]. إلى غير ذلك مما ذكره القرآن الكريم من أخبار الأمم الماضية ، فالقرآن ذكر تلك القصص على نحو الإختصار ، ثم جاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوضحها ، فالملاحظ أنّ تلك القصص وما تضمنته من أحداث ليست في متناول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم تحدث أمامه ، كما أنّه لم يُنشئها ولم يأخذها عن طريق غيره

١٠١

من المؤرخين ، بل مصدره الوحي ، وأخذ عنه أهل بيته عليهم السلام. «وذكر العلامة الجليل الورع الثقة النبيل ، السيد هاشم البحراني في كتابه (مدينة المعاجز) أكثر من ستمائة رواية في إخبارات الأئمة الإثني عشر صلوات الله عليهم»(١٠٥) .

الثاني ـ قصص المستقبل :

يتناول هذا اللون من القصص أموراً مختلفة كلها تتحدث عن أمور غيبية خاصة تحدث في الواقع ، ولو تأملنا ما ذكر في القرآن الكريم ، وعلى لسان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأمكن تقسيمه إلى ما يلي :

أولاً ـ أخبار تحققت في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :

رأى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في المنام ـ وكان ذلك في المدينة المنورة قبل أن يخرج إلى الحديبية ـ أنّ المسلمين دخلوا المسجد الحرام ، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا وحسبوا أنّهم داخلوا مكة عامهم هذا ، فلما إنصرفوا ولم يدخلوا مكة ؛ قال المنافقون : ما حلقنا ولا قصرنا ولا دخلنا المسجد الحرام. فأنزل الله هذه الآية :( لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ) [الفتح / ٢٧]. وكان بين نزول الآية والدخول مدة سنة. وكان عام سبع للهجرة وتَمّ الفتح القريب من دونه ـ وهو صلح الحديبية ـ ، الذي كان مقدمة لفتح مكة سنة ثمان للهجرة.

ثانياً ـ أخبار تحققت بعد حياته :

وهذا ال نوع من القصص منه ما هو مشهور كأخبار آخر الزمان ، المسمى بـ(أحاديث الفتن والملاحم) ، ويندرج تحت هذا النوع كثير من الإخبارات ،

__________________

(١٠٥) ـ النمازي ، الشيخ علي الشاهرودي : مستدرك سفينة البحار ، ج ٨ / ٨٠.

١٠٢

كخبر الدابة التي تخرج للناس في آخر الزمان ، وقد جاء في القرآن الكريم خبرها في قوله تعالى :( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ) [النمل / ٨٢]. ومن أراد تفاصيل ذلك ؛ فليراجع كتب التفسير.

كما ورد على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدة إخبارات غيبية ، من أهمها ما يحل على أهل بيته عليهم السلام كإخباره بمقتل سبطه الحسين عليه السلام في كربلاء ، وقد ذكر منها ابن الأثير في ترجمة أنس بن الحارث حيث قال : «روى حديثه أشعث بن سحيم ، عن أبيه عن أنّه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (إنّ ابني هذا يقتل بأرض من أرض ال عراق ، فمن أدركه فلينصره) ، فقتل مع الحسين عليه السلام»(١٠٦) .

وأيضاً إخباره عن الإمام المهدي عليه السالم ، وقد ذكرها علماء المسلمين ، لا ينكر ذلك إلا مكابر لا قيمة لرأيه.

ثالثاً ـ أخبار البعث والنشور :

لعلّ من أهم القضايا التي واجه بها نبينا الأعظم عليه السلام مشركي قريش قضية البعث والنشور ، فقد أنكر المشركون هذا الأمر باصرار عنيف ، واستغربوا من ذلك أشد الإستغراب ، وقد سجل القرآن الكريم هذا الإنكار في أكثر من آية ، منها ما يلي :

قوله تعالى :( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ ) [سبأ / ٧ ـ ٨].

__________________

(١٠٦) ـ ابن الاثير ، علي بن محمد : أسد الغابة ، ج ١ / ١٢٣.

١٠٣

وقوله تعالى :( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) [الجاثية / ٢٤].

وقوله تعالى :( أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ *أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ *قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ *فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ ) [الصافات / ١٦ ـ ١٩].

وإزاء هذا الإنكار لهذه القضية ، إستخدم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القصة في عرض البعث واليوم الآخر ، وأكّد على ذلك بأن نَزّل المستقبل منزلة الحار ، فهذه القصص في الوقت الذي تحمل الرد على المنكرين ، فإنّها تُؤكِّد الإيمان بالبعث والنشور ، كما أنّ هناك عاملاً جوهرياً يضاف إلى وجود هذا النوع من قصص العالم الآخر ، ووراء كثرته وتكراره أنّ ذلك العالم هو محل العقاب والثواب ، وقضية العقاب والثواب أساسية يتمد عليها منهج التربية في الشريعة الإسلامية ، من أجل قيام الإنسان المسلم على مبادئ دينه والإلتزام بها ، حيث سيظل وازع الإحساس بالمسؤولية ، ـ عما يقول أو يفعل ـ مائلاً أمامه من خلال تصوره لحياة أخرى يؤمن بأنّه سيجازي فيها على سلوكه ، على الخير بالخير في الجنة والنعيم ، وعلى الشر بالشر في النار والعذاب ، كما في قوله تعالى :( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) [الزلزلة / ٧ ـ ٨].

١٠٤

٣ ـ القصة الخيالية

أ ـ الخرافية

ب ـ التمثيلية

ج ـ الخيال العلمي

١٠٥
١٠٦

٢ ـ القصة الخيالية :

هي حكايات يبتدعها خيال المؤلف ، قد تكون نثراً أو نظماً ، والروايات والقصص القصيرة ، هي من أشهر أشكال قصص الخيال رواجاً ، وسمات هذه القصص أنّها تحتوي على عناصر خيالية ، إما كلياً أو جزئياً ، وهذه العناصر تشمل الشخصيات والأوضاع المحيطة ، وفي بعض قصص الخيال تكون العناصر الخيالية واضحة ـ أي بعيدة عن الواقع ـ مثل القصة الإطارية ، وهي قصة تروي في إطارها مجموعة من الحكايات ، ومن أحسن الأمثلة عليها قصة شَهْرَيَار الملك وشَهْرَزَاد في كتاب (ألف ليلة وليلة) ، ومع ذلك ليس من الضروري أن تختلف كثيراً عن الواقع ؛ إذ أنّ كثيراً من نماذج قصص الخيال تمثل شخصيات قريبة من الواقع ، وتصف أوضاعاً واقعية ، وبعض القصص ترتكز على شخصيات وحوادث حقيقية ، وتدمج عادة العناصر الواقعية في قصص الخيال مع الأوضاع والشخصيات والحوادث الخيالية ، والغرض الرئيس لمعظم قصص الخيال هو التسلية ، إلا أنّ هناك بعض الأعمال الجادة من قصص الخيال التي تحفز العقل وتدعو إلى التفكير عن طريق إيجاد الشخصيات ، ووضعها في مواقف محددة ، وتأسيس وجهات النظر ، ويقوم مؤلفو قصص الخيال الجادة بتوضيح الأحكام المميزة بين الأشياء ، وهذه الأحكام تتناول المسائل الأخلاقية والفلسفية والنفسية والإجتماعية ، ولعلّ أهم ما يمكن دراسته من أقسامها هي التالي :

أ ـ الخرافية :

الخُرافَة : «الحديث المستملح من الكذب. وقالوا : حديث خرافة ، ذكر إبن الكلبي في قولهم حديث خرافة أنّ خرافة من بني عُذْرَة أو من جُهَيْنَة ، إختطفته الجن ، ثم رجع إلى قومه فكان يُحدث بأحاديث مما رأى يعجب منها

١٠٧

الناس ، فكذبوه فجرى على ألسن الناس»(١٠٧) . وعُرِّفت الخرافة أيضاً بـ«معتقد لا عقلاني أو ممارسة لا عقلانية. والخرافات قد تكون دينية ، وقد تكون ثقافية أو إجتماعية. فمن الخرافات الدينية إيمان بعض المشلولين أو المقعدين ، بقدرة قديس بعينه أو قديسة بعينها على شفائهم.

ومن الخرافات الثقافية أو الإجتماعية ، إيمان كثير من الناس بأنّ الخرزة الزرقاء تدفع الشر ، وبأنّ نعل الفرس مجلبة للخير»(١٠٨) وبعد هذا التعريف فالحكاية الخرافية : «قصة أو حكاية خيالية قصيرة ذات مغزى في معظم الحكايات الخرافية ، يمثل واحد أو أكثر من الشخصيات حيواناً أو نباتاً أو شيئاً يتكلم ويتصرف كمخلوق بشري ، ويمكن أن نُقص الحكاية الخرافية نثراً أو شعراً ، وفي عديد من الحكايات يمكن تلخيص المراد من القصة ، أو مغزاها في النهاية على شكل مثل شعبي»(١٠٩) .

وهذا النوع من القصة الخيالية لا قيمة له على المستوى الديني ، لا في القرآن الكريم ، ولا في السنة النبوية.

ب ـ التمثيلية :

لست بصدد دراسة القصة التمثيلية من جميع جوانبها ، وإنّما الهدف هو التعريف بها من بعض جوانبها ، في القرآن الكريم والسنة النبوية ، والذي يهمنا بحثه هو التالي :

__________________

(١٠٧) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ٩ / ٦٥ ـ ٦٦.

(١٠٨) ـ البعلبكي ، منير : موسوعة المورد العربية ، ج ١ / ٤٦١.

(١٠٩) ـ الموسوعة العربية العالمية ، ج ٩ / ٤٨١.

١٠٨

١ ـ التعريف بالمثل :

يطلق المثل على معانٍ ثلاثة ، هي كالتالي :

الأول ـ المثل السائر :

هو كلمة موجزة قيلت في مناسبة تناقلتها الأجيال بدون تبديل ، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (إنّ من البيان لسحرا)(١١٠) ، قال الميداني : «يعني أنّ بعض البيان يعمل عمل السحر ، ومعنى السحر : إظهار الباطل في صورة الحق ، والبيان : إجتماع الفصاحة والبلاغة ، وذكاء القلب مع اللسَنِ ، وإنما شُبّه بالسحر ، لحدّة عمله في سامعه وسرعة قبول القلب له. يضرب في إستحسان المنطق ، وإيراد الحجة البالغة»(١١١) . والهدف منه مقصور على التطبيق.

الثاني ـ المثل القياسي :

ويقصد به البيانيون متشكل من أي وصف أو قصة أو تصوير رائع لتوضيح فكرة ، عن طريق تشبيه يسميه البلاغيون (التمثيل المركب) لتقريب أمر معقول من محسوس يجمع بذلك بين عمق الفكرة ، وجمال التصوير ولم يقصر على سماع أو نقل ، والإهتمام بصياغة الفكر فيه أكثر من إقتباس مثل سائر ، وحاصل القياسي : هو ما يخلقه المتمثل لغرض ينشده ، ومن نماذجه في القرآن الكريم ، قوله تعالى :( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) [النحل / ١١٢]. فالآية فيها إستعارة تمثيلية ؛ حيث أخذ اللباس في الجوع والخوف الدال على إستعمالها لمن

__________________

(١١٠) ـ الميداني ، احمد بن محمد النيسابوري : مجمع الأمثال ، ج ١ / ٧.

(١١١) ـ نفس المصدر.

١٠٩

كفر بأنعم الله تعالى ـ الأمن والصحة والكفاية في الرزق وغيرها من النعم التي لا تحصى ـ ، ولو إكتفى بالإذاقة لفات ذلك. وفي الأمثال النبوية قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (أيها الناس إياكم وخضراء من الدِمَن. قيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وما خضراء الدمن؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء)(١١٢) .

قال الشريف الرضي : «... أنّه عليه الصلاة والسلام نهى عن نكاح المرأة على ظاهر الحسن ـ وهي منبت السوء ، أو في البيت السوء ـ ، فوجه المجاز في هذا القول ، أنّه عليه الصلاة والسلام ، شَبّه المرأة الحسناء بالروضة الخضرة لجمال ظاهرها ، وشبّه منبتها السوء بالدِمْنَة لقباحته ، والدِمْنَة هي : الأبعار المتجمعة تركبها السوافي ، ويعلوها الهابي ، فإذا أصابها المطر أنبتت نباتاً خضراء يروق منظره ويسوء مخبره ، فنهى عليه الصلاة والسلام عن نكاح المرأة إذا كانت مغموضة في نفسها ، أو مطعوناً عليها في نسبها ، لأنّ أعراق السوء تنزع إلى ولدها ، وتضرب في نسلها ، قال الشاعر :

وأدركنه خالاته فخذلنه

ألا إنّ عِرق السوء لا بدّ مدرك(١١٣)

وفي السيرة الحسينية ما جاء في خطبته في مكة المكرمة : «خُطّ الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي إشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخِيرَ لي مصرع أنا لاقيه ، فكأنّي بأوصالي تُقطعها عُسْلَان الفَلوات بين النَوَاوِيس وكربلا ، فيملأن مني أكراشاً جُوفَاً ، وأجْرُبَة سُغُبَاً»(١١٤) .

__________________

(١١٢) ـ الغروي ، الشيخ محمد : الأمثال النبوية ، ج ١ / ٢٧٢.

(١١٣) ـ الشريف الرضي ، محمد بن الحسين : المجازات النبوية / ٦٠ ـ ٦١.

(١١٤) ـ السماوي ، الشيخ محمد طاهر : إبصار العين في أنصار الحسين / ٦.

١١٠

إنّ بلاغة هذه الخطبة وعُلو مضمونها ، يوجب لنا الإطمئنان بصدورها عن سيد الشهداء عليه السلام ، كما أنّها على وجازتها تضمنت نهج الحسين عليه السلام وهدفه ، ونهايته ووصف مصرعه ومكانه ، والذي يهمنا بحثه ـ هنا ـ بيان بعض أوجهها البلاغية ، المتمثلة فيما يلي :

أولاً ـ عَبّر الحسين عليه السلام عن الموت الذي هو طبيعي للبشر بأنّه : (خط مخط القِلادة على جِيدْ الفَتاة). وهذا التعبير براعة إستهلال عجيبة المعنى ؛ حيث أنّ مخط القلادة يراد منه شيئين :

أ ـ إسم مكان : وهو موضع خط القلادة ـ وهي الجلد المستدير من الجيد ـ ، فكما أنّ ذلك الجلد لازم على الرقبة ، كذلك الموت على ولد آدم.

ب ـ إسم مصدر : والمراد به نفس الخط ، فيكون معنى ذلك : أنّ الموت دائرة لا يخرج ابن آدم عن وسطها ، كما أنّ القلادة دائرة لا يخرج الجيد منها حال تقليده. فإذا كان الموت لابد منه ؛ فليختر الإنسان أفضل ميتة ، وأعظمها شرفاً ونفعاً ، وإن أدّت إلى تقطيع أوصاله.

ثانياً ـ إختيار الحسين عليه السلام لنفسه الموتة الكريمة ، التي هي مرتبطة بأمر السماء التي تتم فيها شهادة الحسين وسعادته ، وسعادة من سار على نهجه ، لقد قضي الأمر وتمت الخيرة ، وكيفية القتلة ومكانها وعَبّر عن ذلك بقوله : (وخِير لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تُقَطّعها عُسْلَان الفَلوات ، بين النَواوِيس وكربلاء).

فعسلان الفلوات : هي الذئاب ، ولعلّ الحسين عليه السلام يعني بها ـ مجازاً ـ الوحوش البشرية من أعدائه التي وَزّعت جسده الطاهر ، وتركته بالعراء وسلبته ووطأته بالخيول ، ثم تركته بلا مواراة ثلاثة أيام ، وقد عَبّر عن وحشيتهم بقوله

١١١

(فيملأن مني أكراشاً جُوْفَاً ـ أي واسعة ـ ، وأجربة سُغُباً ـ أي البطون الجائعة ـ ، وهذا تعبير عن شدتها وكثرة أكلها من دون محام ولا دافع عن الأعضاء المقطعة ، ويُؤَيّد هذا المعنى ما قاله لأصحابه لما نزل بَطْن العَقَبة : «ما أراني إلا مقتولاً ، فإنّي رأيت في المنام كلاباً تنهشني ، وأشدّها عليّ كلب أبقع»(١١٥) . أراد الحسين عليه السلام أن يُبيّن للمسلمين من خلال خطبته ، تلك الجريمة النكراء التي إقترفها الأمويون في حق البيت النبوي الطاهر ، ومدى اللثم والخسة في نفوس أعدائه ، حيث إمتدت تلك الجريمة ـ بعد تقطيع الحسين عليه السلام بالسيوف ، ووطئ جثته بالخيول ـ لتدخل الرعب والهلع في نفوس النساء والأطفال ، وتُعَرِّضَهم للعطش والحرق والسحق والأسر وضرب السياط ، وبهذا أراد الحسين عليه السلام أن يسجل على صفحات التاريخ ، صوراً من البطش والهمجية التي لا يرتكبها إلا الذئاب المفترسة والوحوش الضارية.

الثالث ـ مطلق ما يسمى بالمثل :

سواء فيه المثل السائر ، والقياسي والفرضي المعروف بالخياليات التي صنعت للإعتبار والموعظة ، كفرضيات كتاب (كليلة ودمنة) ، وكل وصف به نوع غرابة أو إعجاب زائد ، كقوله تعالى :( مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ .) [محمد / ١٥]. المستفاد من كلمات اللغويين أنّ المثل بمعنى التمثيل والتنظير ، وسمي المثل مثلاً لأنّه ماثل بخاطر الإنسان ؛ أي شاخص به. يقول الجوهري : «ومثلت له كذا تمثلاً إذا صَوّرت له مثاله

__________________

(١١٥) ـ المقرّم ، السيد عبد الرزاق الموسوي : مقتل الحسين / ١٨١.

١١٢

بالكتابة وغيرها»(١١٦) . فكأنّ مراد الجوهري الصورة بالكتابة والتمثال بخير الكتابة ؛ لأنّ غير الكتابة إما يكون وصفاً ؛ فهو أمر تخييلي محض ، وإما أن يكون عملاً يدوياً محسوساً فهو التمثال. فيكون الغاية من سوق المثل والتنظير له إقامة الحجة أو إظهار آية دالة على شيء ما. فالأسلوب في الآية عرضها مثول وانتصاب لحقيقتها أمام الناظر. ومن هذا الباب ما جاء عن الحسين عليه السلام في اليوم العاشر من المحرم ، حينما إستدعى ابن سعد ومَثّل له نهايته ، حيث قال له : «أي عمر ، أتزعم أنك تقتلني ويوليك الدّعي بلاد الرّي وجُورجَان ، والله لا تهنأ بذلك ، عهد معهود فاصنع ما أنت صانع ، فإنّك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة ، وكأنّي برأسك على قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة ، ويتخذونه غرضاً بينهم ، فصرف بوجهه عنه مغضباً»(١١٧) .

وعند خروج الأكبر عليه السلام إلى الميدان ؛ صاح بعمر بن سعد : «مالك؟! قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسَلّط عليك من يذبحك على فراشك»(١١٨) .

٢ ـ أهمية المثل :

للمثل أهمية كبرى يمكن تلخيصها فيما يلي :

١ ـ إنّ أهمية الأمثال بيانية ، حيث لم يكن في كلام العرب أوجز منها ، ولا أشد إختصاراً. قال إبراهيم النظام : «إجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في

__________________

(١١٦) ـ الجوهري ، إسماعيل بن حَمّاد : تاج اللغة وصحاح العربية ، ج ٥ / ١٨١٦.

(١١٧) ـ المقرّم ، عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٣٥.

(١١٨) ـ نفس المصدر / ٢٥٧.

١١٣

غيره من الكلام : إيجاز اللفظ ، وإصابة المعنى ، وحسن التشبيه ، وجودة الكناية ، فهو نهاية البلاغة»(١١٩) .

٢ ـ إنّ المقصود من ضرب الأمثال ، أنّها تؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه ؛ وذلك لأنّ الغرض في المثل أن تنفعل به النفوس ، وتؤمن به القلوب ، فإن كان مدحاً ؛ كان أبهى وأفخم وأنبل في النفوس ، وأعظم وأهز للعطف ، وأسرع للإلف ، وأذكر وأيسر على الألسن ، وأولى بأن تعتلقه القلوب وأجدر. وإن كان ذماً ؛ كان مَسّه أوجع ، ووقعه أشدّ ، وحَدّه أحد. ومن هذا ما ورد في الخطب الحسينية في الطريق وفي كربلاء. وكذلك ما ورد عن أهل بيته عليهم السلام أثناء الخطب في الكوفة ، ويمكن التركيز منها على ما يلي :

المثل في خطب الإمام الحسين (عليه السلام) :

قال عليه السلام لابن عباس : «والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العَلَقَة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك ؛ سَلّط الله عليهم من يذبهم ، حتى يكونوا أذلّ من فِرَام المرأة»(١٢٠) .

وقال أثناء طريقه إلى الكوفة : «إنّ هؤلاء أخافوني ـ وهذه كتب أهل الكوفة ـ وهم قاتليَّ ، فإذا فعلوا ذلك ولم يدعوا الله محرماً إلا انتهكوه ؛ بعث

__________________

(١١٩) ـ الغروي ، الشيخ محمد : الأمثال النبوية ، ج ١ / ١٠.

(١٢٠) ـ المقرّم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٣٤.

١١٤

الله إليهم من يقتلهم ، وحتى يكونوا أذلّ من فِرَام الأمّة»(١٢١) . وخاطب الأعداء يوم عاشوراء بقوله : (يا عَبيد الأمّة)(١٢٢) تحقيراً لهم.

إيضاح أهم مفردات المثل الحسيني :

الفِرَام : ورد في كتب اللغة أنّ (الفِرَام) : دواء تُضيِّق به المرأة المسلك ، أو حب الزبيب تحتشى به لذلك ، وكانت في أحراح ثقيف سعة يتضيقن بعجم الزبيب. والفرامة : هي الخرقة تحتشي بها المرأة عند الحيض كالفِرَام ، وفيها يقول الشاعر :

وجَدْتُك فيها كأمِّ الغلام

متى ما تَجِدْ فَارِما تَفْترِم(١٢٣)

وأيضاً قال في (بَطْن العَقَبة) : «إنّهم لن يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جَوفي ، فإذا فعلوا ذلك ؛ سَلّط الله عليهم من يذلهم ، حتى يكونوا أذلّ فرق الأمم»(١٢٤) .

وقال في (الرُهَيَمة) : «وطلبوا دمي فهربت ، وأيم الله ليقتلوني فيلبسهم الله ذِلّاً شاملاً ، وسيفاً قاطعاً ، ويسلط عليهم من يذلهم ، حتى يكونوا أذلّ من قوم سَبأ ؛ إذ ملكتهم إمرأة فحكمت في أموالهم ودمائهم»(١٢٥) . هذه بعض الأمثال الحسينية الواردة في خطبه عليه السلام.

__________________

(١٢١) ـ المصدر السابق / ١٧٥.

(١٢٢) ـ نفس املصدر / ١٦٨.

(١٢٣) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ١٢ / ٤٥١ ـ ٤٥٢.

(١٢٤) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ١٨١.

(١٢٥) ـ نفس المصدر / ١٨٥.

١١٥

وإن كان وعظاً ؛ كان أشفى للصدر ، وأدعى للفكر ، وأبلغ في التنبيه والزجر ، ويبصر الغاية.

المثل في خطبة السيدة زينب (عليها السلام) في الكوفة :

ومما ورد في الخطبة الزينبية التي خطبتها في الكوفة ـ من الأمثال ما يلي : «الحمد لله ، والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار ، أما بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل الخَتَل والغَدْر ، أتبكون؟! فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنّه ، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم»(١٢٦) . تشير أم المصائب زينب عليها السلام إلى قوله تعالى :( وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) [النحل / ٩٢].

وبعد مراجعة كتب المفسرين حول هذه الآية ؛ نخرج بالنتيجة التالية :

أولاً ـ هذا مثل قرآني يشير إلى المرأة التي غزلت ثم نقضت غزلها من بعد إمرار وفَتلٍ للغزل ؛ وهي إمرأة حمقاء من قريش ، واسمها رَيطَة بنت عمرو ، بن كعب ، بن سعد ، بن تميم ، بن مُرّة ، وكانت تسمى خَرْقَاء مكة ، كانت تغزل مع جواريها إلى إنتصاف النهار ، ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن ، ولا يزال ذلك دأبها.

ثانياً ـ هذا نهي من الله للمكلفين أن يتصفوا بالصفات المذكورة في الآية ، المندرجة تحت الألفاظ التالية :

__________________

(١٢٦) ـ المصدر السابق / ٣١١.

١١٦

١ ـ أنْكَاثاً : جمع نِكْث ، وكل شيء نقض بعد الفتل ؛ فهو أنكاث حبلاً كان أو غزلاً.

٢ ـ دَخَلاً : الدَخَل ، ما أدخل في الشيء على فساد ، فالمراد بالدخل وسيلته ، من تسمية السبب باسم المسبب ؛ أي وسيلة للغدر والخدعة والخيانة ؛ تطيبون بها نفوس الناس ثم تخونون وتدعونهم بنقضها. ومعنى ذلك : أنكم كمثلها ، إذا تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم فتؤدونها وتعقدونها ، ثم تخونون وتخدعون بنقضها ونكثلها ، والله ينهاكم عنه.

٣ ـ أرْبَى : أي أكثر عدداً ومنه أربا فلان للزيادة التي يزيدها على غريمة في رأس ماله. ومعنى ذلك لا ينقضوا العهد بسبب أن يكون قوم أكثر من قوم ؛ أي لا تنقضوا عهدكم ، متخذيها دغلاً وغدراً وخديعة ، لمداراتكم قوماً هم أكثر عدداً ممن عاهدتم له ، بل عليكم الوفاء والحفظ لما عاهدتم عليه. فالسيدة زينب عليها السلام تذكرهم وتوبخهم بالعهد والبيعة لسيد الشهداء عليه السلام التي نقضوها ، وشبهتهم بالمرأة التي نقضت غزلها من بعد قوة ، إلى أن قالت : «ألا وهل فيكم إلا الصَلَف النَطَف ، والعجب والكذب والشَنِف ، ومَلِق الإماء ؛ وغَمَز الأعداء؟!» وفي هذا المقطع عَبّرت عنهم بألفاظ تعيبهم وتكشفهم بها توبيخاً لهم (فالصَلَف) : الذي يمتدح بما ليس عنده. وفي حديث المؤمن : (لا عنف ولا صَلَف) ، يقال : سحاب صلف ، إذ كان قليل الماء ، كثير الرعد ، وفي المثل (رُبّ صَلَف تحت الرَاعِدَة) يضرب للرجل يتوعد ثم لا يقوم فيه»(١٢٧) .

__________________

(١٢٧) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٥ / ٨٢.

١١٧

(والنَطَفَ) : «القذف بالفجور ، أو الفساد ، أو الشر»(١٢٨) .

(والشنف) : المبغض(١٢٩) .

(ومَلِق الإماء) :

«المَلأِق : الضعيف. أو التودد والتذلل ، وإبداء ما باللسان من الإكرام والودّ ما ليس في القلب»(١٣٠) .

(وغَمَز الأعداء) :

«الغَمَز : الضعف والميل والعيب»(١٣١) ؛ أي أنتم ضعاف في عقولكم وعملكم بحيث إستزِهدكم الأعداء ، وسخروا بكم بإطاعتكم لهم. إلى أن قالت : «أو كَمَرْعَى على دِمّنَة ، أو كقَصّةٍ على مَلْحُودَة».

(الدِمنَة) :

«هي ما تُدمّنُه الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها ؛ أي تلبّده في مرابضها ؛ فربما نبت الحسن النضير. ومنه الحديث : (فينبتون نبات الدِّمن في السيل) ، هكذا جاء في رواية بكسر الدال وسيكون يرعى البعير ؛ لسرعة ما ينبت فيه»(١٣٢) .

وقيل الدِّمنة : هي المنزل الذي ينزل فيه أخيار العرب وتحصل فيه بسبب نزولهم تغيّر في الأرض بسبب الأحداث الواقعة منهم ومن مواشيهم ، فإذا أمطرت أنبتت نبتاً حسناً شديد الخضرة والطراوة ؛ لكنّه مرعى وَبِيء للإبل

__________________

(١٢٨) ـ لويس ، معلوف : المنجد في اللغة / ٨١٦.

(١٢٩) ـ نفس المصدر / ٤٠٤.

(١٣٠) ـ نفس المصدر / ٧٧٤.

(١٣١) ـ نفس المصدر / ٥٥٩.

(١٣٢) ـ ابن الأثير ، المبارك بن محمد الجزري : نهاية في غريب الحديث ، ج ٢ / ١٣٤.

١١٨

مُضرّبها)(١٣٣) . ومن هذا ، ما ورد في الحديث النبوي (.. إياكم وخَضْرَاء الدِّمن ، وقيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وما خضراء الدِّمن؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء)(١٣٤) .

قال الشريف الرضي (ره) : «والقول الآخر : أن يكون عليه الصلاة والسلام ؛ إنّما نهى في الحقيقة عن تغارض النفاق وتعاير الأخلاق ، وأن يتلقى الرجل أخاه بالظاهر الجميل ، وينطوي عن الباطن الدميم ، أو يخدعه بحلاوة اللسان ، ومن خلفها مرارة الجنان ، وإلى هذا المعنى ذهب الشاعر في قوله :

وقد يَنْبُتُ المرْعَى على دِمَنِ الثّرَى

وتَبْقَى حَزَازَاتُ النفوس كما هِيَا

كأنه أراد ، إنا وإن لقيناكم بظاهر الطلاقة والبشر ، فإنّا نضمر لكم على باطن الغش والغمز ، ومثل هذا قول الآخر :

وفِينَا وإن قِيلَ إصْظَلحْنَا تَضَاغُنٌ

كما طرّ أوبارُ الجِرَابِ على النّشْرِ

وقال أهل العربية : النشر أن ينبت وبر البعير وتحته داء العرّ ؛ وهو الجرب فيرى كأن ظاهره سليم وباطنه سقيم»(١٣٥) ، وبعد هذا الإيضاح يظهر لنا مغزى ما يستفاد من كلام السيدة زينب عليها السلام ، حيث أنّ الغرض هو التعريف بأن الدِّمنَة وإن زها ظاهرها بالنبت ، إلا أنّه لا يفيد الحيوان قوة ؛ لأنّها مجمع الأوساخ والكشافات السامة القاتلة ، فنتاج الدِّمنة لا يكون طيباً ، وأهل الكوفة وإن زها

__________________

(١٣٣) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٦ / ٢٤٨.

(١٣٤) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن : وسائل الشيعة ، ج ٢٠ / ٣٥ (الباب ٧ من أبواب مقدمات النكاح ـ الحديث ٧).

(١٣٥) ـ الشريف الرضي ، محمد بن ابي احمد الحسين : المجازات النبوية / ٦١.

١١٩

ظاهرهم بالإسلام ؛ إلا أنّ الصدور إنطوت على قلوب مظلمة لا يصدر منها إلا بما يقوم به أهل الجاهلية والإلحاد»(١٣٦) .

(أو كقَصّةٍ على مَلْحُودة) :

«القَصّةُ والقِصّة والقَصُّ ، الجَصّ : لغة حجازية. وقيل : الحجارة من الجَصّ ، وقد قصّصَ داره ، أي جصّصَها. ومدينة مُقصّصَة : مطلية بالقصّ ، وكذلك قبر مُقصّصٌ ، والتقصيص : هو التجصيص ، وذلك أنّ الجَصّ يقال له ، القَصّة. يقال : قصصت البيت وغيره ؛ أي جصّصته. وفي حديث زينب (يا قَصّةٌ عُلى مَلحُودَةٍ) ؛ شبهت أجسادهم بالقبور المتخذة من الجصّ ، وأنفسهم بجيف الموتى التي تشتمل عليها القبور»(١٣٧) .

قال السيد المقرّم (ره) : «والذي أراه ، أنّ النكتة في هذه الإستعارة ، أنّ القصّة بلغة الحجاز الجصّ ، والملحودة ؛ القبر لكونه ذا لحد ، فكان القبر يتزين ظاهره ببياض الجصّ ، ولكن داخله جيفة قذرة ، وأهل الكوفة وإن تزين ظاهرهم بالإسلام ، إلا أنّ قلوبهم كجيف الموتى ؛ بسبب قيامهم بأعمال الجاهلية الوخيمة العاقبة من الغدر وعدم الثبات على المبادئ الصحيحة ؛ وقد إنفردت (متتمة الدعوة الحسينية) بهذه النكات البديعة ، التي لم بسبقها مهرة البلغاء إليها»(١٣٨) .

إلى أن قالت عليها السلام : (ولقد أتيتم بها خَرْقَاء ، شَوْهَاء كِطلَاعِ الأرض ، ومِلء السماء).

__________________

(١٣٦) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٣١١ (بتصرف).

(١٣٧) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ٧ / ٧٦ ـ ٧٧.

(١٣٨) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٣١٢.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592