الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٢

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174860 / تحميل: 5996
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) .

وهذه الآية على ايجازها تشتمل على أمرين ونهيين وبشارتين ، وهي خلاصة قصّة كبيرة وذات أحداث ومجريات ننقلها بصورة مضغوطة :

كانت سلطة فرعون وحكومته الجائرة قد خططت تخطيطا واسعا لذبح «الأطفال» من بني إسرائيل حتى أن القوابل [من آل فرعون] كن يراقبن النساء الحوامل [من بني إسرائيل].

ومن بين هؤلاء القوابل كانت قابلة لها علاقة مودّة مع أمّ موسىعليه‌السلام «وكان الحمل خفيّا لم يظهر أثره على أم موسى» وحين أحست أم موسى بأنّها مقرّب وعلى أبواب الولادة أرسلت خلف هذه القابلة وأخبرتها بالواقع ، وأنّها تحمل جنينا في بطنها وتوشك أن تضعه ، فهي بحاجة ـ هذا اليوم ـ إليها.

وحين ولد موسىعليه‌السلام سطع نور بهيّ من عينيه فاهتزّت القابلة لهذا النور وطبع حبّه في قلبها ، وأنار جميع زوايا قلبها.

فالتفتت القابلة إلى أم موسى وقالت لها : كنت أروم أن أخبر الجهاز الفرعوني بهذا الوليد ليأتي الجلاوزة فيقتلوه «وأنال بذلك جائزتي» ولكن ما عسى أن أفعل وقد وقع حبّه الشديد في قلبي ، وأنا غير مستعدة لأن تنقص ولو شعرة واحدة من رأسه ، فاهتمي بالمحافظة عليه ، وأظنّ أن عدوّنا المتوقع سيكون هذا الطفل أخيرا.

ثمّ خرجت القابلة من بيت أمّ موسى فرآها بعض الجواسيس من جلاوزة فرعون وصمموا على أن يدخلوا البيت ، فعرفت أخت موسى ما أقدموا عليه فأسرعت إلى أمّها وأخبرتها بأن تتهيأ للأمر ، فارتبكت ولم تدر ما ذا تصنع؟! وفي هذه الحالة من الارتباك وهي ذاهلة لفت وليدها «موسى» بخرقة وألقته في التنور فإذا بالمأمورين والجواسيس يقتحمون الدار ، فلم يجدوا شيئا إلّا التنور المشتعل نارا فسألوا أم موسى عن سبب دخول القابلة عليها فقالت : إنّها صديقتي وقد

١٨١

جاءت زائرة فحسب ، فخرجواءايسين.

ثمّ عادت أمّ موسى إلى رشدها وصوابها وسألت «أخت موسى» عن أخيها فأظهرت عدم معرفتها بمكانه ، وإذا البكاء يعلو من داخل التنور ، فركضت إلى التنور فرأت موسى مسالما وقد جعل الله النّار عليه بردا وسلاما «الله الذي نجّى إبراهيم الخليل من نار النمرود» فأخرجت وليدها سالما من التنور.

لكن الأمّ لم تهدأ إذ أن الجواسيس يمضون هنا وهناك ويفتشون البيوت يمنة ويسرة ، وكان الخطر سيقع لو سمعوا صوت هذا الطفل الرضيع.

وفي هذه الحال اهتدت أم موسى بإلهام جديد ، إلهام ظاهره أنّه مدعاة للخطر ، ولكن مع ذلك أحسّت بالاطمئنان أيضا.

كان ذلك من الله ولا بدّ أن يتحقق ، فلبست ثياب عملها وصممت على أن تلقي وليدها في النيل.

فجاءت إلى نجّار مصري «وكان النجار من الأقباط والفراعنة أيضا» فطلبت منه أن يصنع صندوقا صغيرا.

فسألها النجار قائلا : ما تصنعين بهذا الصندوق مع هذه الأوصاف؟ ولكن الأمّ لما كانت غير متعودة على الكذب لم تستطع دون أن تقول الحق والواقع ، وأنّها من بني إسرائيل ولديها طفل تريد إخفاءه في الصندوق.

فلمّا سمع النجّار القبطي هذا الخبر صمم على أن يخبر الجلاوزة والجلّادين ، فمضى نحوهم لكن الرعب سيطر على قلبه فارتج على لسانه وكلّما حاول أن يفهمهم ولو كلمة واحدة لم يستطع ، فأخذ يشير إليهم إشارات مبهمة ، فظن أولئك أنّه يستهزئ بهم فضربوه وطردوه ، ولما عاد إلى محله عاد عليه وضعه الطبيعي ، فرجع ثانية إليهم ليخبرهم فعادت عليه الحالة الأولى من الارتجاج والعيّ ، وأخيرا فقد فهم أن هذا أمر إلهي وسرّ خفي ، فصنع الصندوق وأعطاه لأم موسى.

ولعلّ الوقت كان فجرا والناس ـ بعد ـ نيام ، وفي هذه الحال خرجت أم

١٨٢

موسى وفي يديها الصندوق الذي أخفت فيه ولدها موسى ، فاتجهت نحو النيل وأرضعت موسى حتى ارتوى ، ثمّ ألقت الصندوق في النيل فتلقفته الأمواج وأخذت تسير به مبتعدة عن الساحل ، وكانت أم موسى تشاهد هذا المنظر وهي على الساحل وفي لحظة أحست أن قلبها انفصل عنها ومضى مع الأمواج ، فلو لا لطف الله الذي شملها وربط على قلبها لصرخت ولانكشف الأمر واتضح كل شيء.

ولا أحد يستطيع أن يصور ـ في تلك اللحظات الحساسة ـ قلب الأم بدقّة.

لا يستطيع أيّ أحد أن يصور حال أم موسى وما أصابها من الهلع والفزع ساعة ألقت طفلها في النيل ولكنّ هذه الأبيات المترجمة عن الشاعرة «پروين اعتصامي» ـ بتصرف ـ تحكي صورة «تقريبية» عن ذلك الموقف :

أمّ موسى حين ألقت طفلها

للذي رب السما أوحى لها

نظرت للنيل يمضي مسرعا

آه لو تعرف حقا حالها

ودوي الموج فيه صاخب

وفتاها شاغل بلبالها

* * *

وتناغيه بصمت : ولدي

كيف يمضي بك هذا الزورق

دون ربان ، وإن ينسك من

هو ذو لطف فمن ذا يشفق

فأتاها الوحي : مهلا ، ودعي

باطل الفكر ووهما يزهق

* * *

إن موسى قد مضى للمنزل

فاتق الله ولا تستعجلي

قد تلقينا الذي ألقيته

بيد ترعى الفتى لا تجهلي

وخرير الماء أضحى مهده

في اهتزاز مؤنس إن تسألي

* * *

وله الموج رؤوما حدبا

فاق من يحدب أمّا وأبا

١٨٣

كل نهر ليس يطغى عبثا

إن أمر الله كان السببا

* * *

يأمر البحر فيغدو هائجا

وله الطوفان طوعا مائجا

عالم الإيجاد من آثاره

كل شيء لعلاه عارجا

* * *

أين تمضين دعيه فله

خير ربّ يرتضيه لا هجا

كل هذا من جهة!

ولكن تعالوا لنرى ما يجري في قصر فرعون؟!

ورد في الأخبار أنّ فرعون كانت له بنت مريضة ، ولم يكن له من الأبناء سواها ، وكانت هذه البنت تعاني من آلام شديدة لم ينفعها علاج الأطباء ، فلجأ إلى الكهنة فقالوا له : نتكهّن ونتوقع أن إنسانا يخرج من البحر يكون شفاؤها من لعاب فمه حين يدهن به جسدها ، وكان فرعون وزوجه «آسية» في انتظار هذا «الحادث» وفي يوم من الأيّام فجأة لاح لعيونهما صندوق تتلاطمه أمواج النيل فلفت الأنظار ، فأمر فرعون عمّاله أن يأتوا به ليعرفوا ما به؟!

ومثل الصندوق «المجهول» الخفيّ أمام فرعون ، ولم يتمكن أحد أن يفتحه.

بلى كان على فرعون أن يفتحه لينجو موسى على يد فرعون نفسه ، وفتح الصندوق على يده فعلا!.

فلمّا وقعت عين آسية عليه سطع منه نور فأضاء قلبها ، ودخل حبّه في قلوب الجميع ، ولا سيما قلب امرأة فرعون «آسية» وحين شفيت بنت فرعون من لعاب فمه زادت محبّته أكثر فأكثر(١) .

ولنعد الآن إلى القرآن الكريم لنسمع خلاصة القصّة من لسانه! يقول القرآن

__________________

(١) ورد هذا القسم من الرّواية عن ابن عباس في تفسير الفخر الرازي كما هناك روايات آخرها في تفسير «أبو الفتوح» و «مجمع البيان».

١٨٤

في هذا الصدد :( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً ) .

كلمة «التقط» مأخوذة من مادة «التقاط» ومعناها في الأصل الوصول إلى الشيء دون جهد وسعي ، وإنّما سميت الأشياء التي يعثر عليها «لقطة» للسبب نفسه أيضا

وبديهي أنّ الفراعنة لم يجلبوا الصندوق الذي فيه الطفل الرضيع من الماء ليربوه في أحظانهم فيكون لهم عدوا لدودا ، بل أرادوه ـ كما قالت امرأة فرعون ـ قرة عين لهم.

ولكن النتيجة والعاقبة كان ما كان وحدث ما حدث وكما يقول علماء الأدب : إنّ اللام في الآية هنا( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ ) هي «لا العاقبة» ليست «لام العلة» ولطافة التعبير كامنة في أنّ الله سبحانه يريد أن يبيّن قدرته ، وكيف أن هذه الجماعة «الفراعنة» عبّأت جميع قواها لقتل بني إسرائيل ، وإذا الذي أرادوا قتله ـ وكانت كل هذه المقدمات من أجله ـ يتربى في أحضانهم كأعزّ أبنائهم.

والتعبير ـ ضمنا ـ بآل فرعون يدل على أنّ الملتقط لم يكن واحدا ، بل اشترك في التقاط الصندوق جماعة من آل فرعون ، وهذا بنفسه شاهد على أنّهم كانوا ينتظرون مثل هذا الحدث!.

ثمّ تختتم الآية بالقول :( إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ ) .

كانوا خاطئين في كل شيء ، وأي خطأ أعظم من أن يحيدوا عن طريق العدل والحقّ ، وأن يبنوا قواعد حكمهم على الظلم والجور والشرك!.

وأي خطأ أعظم أن يذبحوا آلاف الأطفال ليقتلوا موسىعليه‌السلام ، ولكن الله سبحانه أودعه في أيديهم وقال لهم : خذوا عدوّكم هذا وربّوه ليكبر عندكم؟!(١)

__________________

(١) يقول الراغب في مفرداته : إن الفرق بين «الخاطئ» «والمخطئ» هو أنّ الخاطئ هو من يقدم على عمل لا يخرج من عهدته ويطوي طريق الخطأ بنفسه أمّا المخطي فيقال في من يقدم على عمل ويخرج من عهدته ، إلّا أنّه يخطئ في الأثناء صدفة ، فيتلف العمل.

١٨٥

ويستفاد من الآية التالية أن شجارا حدث ما بين فرعون وامرأته ، ويحتمل أن بعض أتباعه كانوا قد وقفوا عند رأس الطفل ليقتلوه ، لأنّ القرآن الكريم يقول في هذا الصدد :( وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ) .

ويلوح للنظر أنّ فرعون وجد في مخايل الطفل والعلائم الأخرى ومن جملتها إيداعه في التابوت «الصندوق» وإلقاءه بين أمواج النيل ، وما إلى ذلك ـ أن هذا الطفل من بني إسرائيل ، وأن زوال ملكه على يده ، فجثم كابوس ثقيل على صدره من الهم وألقى على روحه ظلّة ، فأراد أن يجري قانون إجرامه عليه.

فأيده أطرافه وأتباعه المتملّقون على هذه الخطة ، وقالوا : ينبغي أن يذبح هذا الطفل ، ولا دليل على أن لا يجري هذا القانون عليه.

ولكن آسية امرأة فرعون التي لم ترزق ولدا ذكرا ، ولم يكن قلبها منسوجا من قماش عمال قصر فرعون ، وقفت بوجه فرعون وأعوانه ومنعتهم من قتله.

وإذا أضفنا قصّة شفاء بنت فرعون بلعاب فم موسى ـ على ما قدمناه ـ فسيكون دليلا آخر يوضح كيفية انتصار آسية في هذه الازمة.

ولكن القرآن ـ بجملة مقتضية وذات مغزى كبير ـ ختم الآية قائلا :( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ! ) .

أجل ، إنّهم لم يشعروا أنّ أمر الله النافذ ومشيئته التي لا تقهر ، اقتضت أن يتربى هذا الطفل في أهم المراكز خطرا ولا أحد يستطيع أن يردّ هذه المشيئة ، ولا يمكن مخالفتها أبدا

* * *

١٨٦

ملاحظة

تخطيط الله العجيب

إظهار القدرة ليس معناه أن الله إذا أراد أن يهلك قوما جبارين ، يرسل عليهم جنود السماوات والأرض ، فيهلكهم ويدمرهم تدميرا.

إظهار القدرة هو أن يجعل الجبابرة والمستكبرين يدمرون أنفسهم بأيديهم ، يلهم قلوبهم بالإلقاء أنفسهم في البئر التي حفروها لغيرهم ، وأن يصنعوا لأنفسهم سجنا يموتون فيه! وأن يرفعوا أعواد المشانق ليعدموا عليها!

وفي قضية الفراعنة الجبابرة المعاندين حدث مثل هذا ، وتمّت تربية موسى ونجاته في جميع المراحل على أيديهم.

فالقابلة التي أولدت موسى كانت من الأقباط.

والنجار الذي صنع الصندوق الذي أخفي فيه موسى كان قبطيّا.

والذين التقطوا الصندوق كانوا من آل فرعون!.

والذي فتح باب الصندوق كان فرعون بنفسه أو امرأته آسية.

وأخيرا فإن المكان الآمن والهادىء الذي تربّى فيه موسى ـ البطل الذي قهر فرعون ـ هو قصر فرعون ذاته.

وبهذا الشكل يظهر الله تعالى قدرته.

* * *

١٨٧

الآيات

( وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠) وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١١) وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (١٢) فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) )

التّفسير

عودة موسى إلى حضن أمّه :

في هذه الآيات تتجسد مشاهد جديدة فأمّ موسى التي قلنا عنها : إنّها ألقت ولدها في أمواج النيل ، بحسب ما فصّلنا آنفا اقتحم قلبها طوفان شديد من الهمّ على فراق ولدها ، فقد أصبح مكان ولدها الذي كان يملأ قلبها خاليا وفارغا منه.

فأوشكت أن تصرخ من أعماقها وتذيع جميع أسرارها ، لكن لطف الله تداركها ، وكما يعبّر القرآن الكريم( وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) .

١٨٨

«الفارغ» معناه الخالي ، والمقصود به هنا أن قلب أم موسى أصبح خاليا من كل شيء إلّا من ذكر موسى وإن كان بعض المفسّرين يرون أن المقصود به هو خلوّ القلب من الهمّ والغمّ ، أو أنّه خال من الإلهام والبشائر التي بشرت بها أم موسى من قبل ، ولكن مع الالتفات لهذه الجمل والتدقيق فيها يبدوا هذا التّفسير غير صحيح.

وطبيعيّ تماما أنّ أمّا تفارق ولدها بهذه الصورة يمكن أن تنسى كل شيء إلّا ولدها الرضيع ، ويبلغ بها الذهول درجة لا تلتفت معها إلى ما سيصيبها وولدها من الخطر لو صرخت من أعماقها وأذاعت أسرارها.

ولكن الله الذي حمّل أم موسى هذا العبء الثقيل ربط على قلبها لتؤمن بوعد الله ، ولتعلم أنّه بعين الله ، وأنّه سيعود إليها وسيكون نبيّا.

كلمة «ربطنا» من مادة «ربط» ومعناها في الأصل شدّ وثاق الحيوان أو ما أشبهه بمكان ما ليكون محفوظا في مكانه ، ولذلك يدعى هذا المحلّ الذي تربط فيه الحيوانات بـ «الرباط» ثمّ توسعوا في اللغة فصار معنى الربط : الحفظ والتقوية والاستحكام ، والمقصود من «ربط القلب» هنا تقويته أي تثبيت قلب أم موسى ، لتؤمن بوعد الله وتتحمل هذا الحادث الكبير.

وعلى أثر لطف الله أحست أم موسى بالاطمئنان ، ولكنّها أحبت أن تعرف مصير ولدها ، ولذلك أمرت أخته أن تتبع أثره وتعرف خبره( وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ) .

كلمة «قصّيه» مأخوذة من مادة «قصّ» على زنة «نصّ» ومعناها البحث عن آثار الشيء ، وإنّما سميّت القصّة قصّة لأنّها تحمل في طياتها أخبارا مختلفة يتبع بعضها بعضا.

فاستجابت «أخت موسى» لأمر أمّها ، وأخذت تبحث عنه بشكل لا يثير الشبهة ، حتى بصرت به من مكان بعيد ، ورأت صندوقه الذي كان في الماء يتلقفه

١٨٩

آل فرعون ويقول القرآن في هذا الصدد :( فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ ) .

ولكن أولئك لم يلتفتوا إلى أن أخته تتعقبه( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) .

قال البعض : إن خدم فرعون كانوا قد خرجوا بالطفل من القصر بحثا عن مرضعة له ، فرأتهم أخت موسى.

ويبدوا أنّ التّفسير الأوّل أقرب للنظر ، فعلى هذا بعد رجوع أم موسى إلى بيتها أرسلت أخته للبحث عنه ، فرأت ـ من فاصلة بعيدة ـ كيف استخرجه آل فرعون من النيل لينجو من الخطر المحدق.

هناك تفاسير أخرى لجملة( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) أيضا.

فالعلامة «الطبرسي» لا يستعبد أن يكون تكرار هذه الجملة في الآية السابقة والآيات اللاحقة إشارة إلى هذه الحقيقة ، وهي أن فرعون جاهل بالأمور الى هذه الدرجة فكيف يدعي الرّبوبية؟ وكيف يريد أن يحارب مشيئة الله التي لا تقهر!؟.

وعلى كل حال ، فقد اقتضت مشيئة الله أن يعود هذا الطفل إلى أمّه عاجلا ليطمئن قلبها ، لذلك يقول القرآن الكريم :( وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ ) (١) .

وطبيعي أن الطفل الرضيع حين تمر عليه عده ساعات فإنه يجوع ويبكي ولا يطيق تحمل الجوع ، فيجب البحث عن مرضع له ، ولا سيما أن ملكة مصر «امرأة فرعون» تعلق قلبها به بشدّة ، وأحبّته كروحها العزيزة.

كان عمال القصر يركضون من بيت لآخر بحثا عن مرضع له ، والعجيب في الأمر أنّه كان يأبى أثداء المرضعات.

لعل ذلك آت من استيحاشه من وجوه المرضعات ، أو أنّه لم يكن يتذوق

__________________

(١) «المراضع» جمع «مرضع» على زنة «مخبر» ومعناها المرأة التي تسقي الطفل لبنها من ثديها ، وقال البعض : (المراضع) جمع (مرضع) على زنة (مكتب) أي مكان الإرضاع ، أي ، «الأثداء» وقال البعض : يحتمل أن تكون الكلمة جمعا للمصدر الميمي «مرضع» بمعنى الرضاع ، ولكن المعنى الأوّل أنسب كما يبدو

١٩٠

ألبانهن ، إذ يبدو لبن كلّ منهن مرّا في فمه ، فكأنّه يريد أن يقفز من أحضان المراضع ، وهذا هو التحريم التكويني من قبل الله تعالى إذ حرّم عليه المراضع جميعا.

ولم يزل الطفل لحظة بعد أخرى يجوع أكثر فأكثر وهو يبكي وعمال فرعون يدورون به بحثا عن مرضع بعد أن ملأ قصر فرعون بكاء وضجيجا ، وما زال العمال في مثل هذه الحال حتى صادفوا بنتا أظهرت نفسها بأنّها لا تعرف الطفل ، فقالت :( هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ ) .

إنّني أعرف امرأة من بني إسرائيل لها ثديان مملوءان لبنا ، وقلب طافح بالمحبّة ، وقد فقدت وليدها ، وهي مستعدة أن تتعهد الطفل الذي عندكم برعايتها.

فسّر بها هؤلاء وجاءوا بأمّ موسى إلى قصر فرعون ، فلمّا شمّ الطفل رائحة أمّه التقم ثديها بشغف كبير ، وأشرقت عيناه سرورا ، كما أن عمّال القصر سرّوا كذلك لأنّ البحث عن مربية له أعياهم ، وامرأة فرعون هي الأخرى لم تكتم سرورها للحصول على هذه المرضع أيضا.

ولعلهم قالوا للمرضع : أين كنت حتى الآن ، إذ نحن نبحث عن مثلك منذ مدّة فليتك جئت قبل الآن ، فمرحبا بك وبلبنك الذي حلّ هذه المشكلة.

تقول بعض الرّوايات : حين استقبل موسى ثدي أمّه ، قال هامان وزير فرعون لأم موسى : لعلك أمّه الحقيقية ، إذ كيف أبى جميع هذه المراضع ورضي بك ، فقالت : أيّها الملك ، لأنّي امرأة ذات عطر طيب ولبني عذب ، لم يأتي طفل رضيع إلّا قبل بي ، فصدّقها الحاضرون وقدموا لها هدايا ثمينة(١) .

ونقرأ في هذا الصدد حديثا قال الراوي : فقلت للإمام الباقرعليه‌السلام ؛ فكم مكث موسى غائبا من أمّه حتى ردّه الله؟ قال «ثلاثة أيّام»(٢) .

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، ج ٢٤ ، ص ٢٣١.

(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ١١٦.

١٩١

وقال بعضهم : هذا التحريم التكويني لأنّ الله لم يرد لموسى أن يرتضع من الألبان الملوثة بالحرام الملوّثة بأموال السرقة ، أو الملوّثة بالإجرام والرشوة وغصب حقوق الآخرين ، وإنّما أراد لموسى أن يرتضع من لبن طاهر كلبن أمّه ليستطيع أن ينهض بوجه الأرجاس ويحارب الآثمين.

وتم كل شيء بأمر الله( فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) (١) .

هنا ينقدح سؤال مهم وهو : هل أودع آل فرعون الطفل «موسى» عند أمّه لترضعه وتأتي به كل حين ـ أو كل يوم ـ إلى قصر فرعون لتراه امرأة فرعون؟!

أم أنّهم أودعوا موسى في القصر وطلبوا من المرضع «أم موسى» أن تأتي بين فترات متناسبة إلى القصر لترضعه؟!

لا يوجد دليل قوي لأيّ من الاحتمالين ، إلّا أن الاحتمال الأوّل أقرب للنظر كما يبدو!

وهناك سؤال آخر أيضا ، وهو : هل انتقل موسى إلى قصر فرعون بعد إكماله فترة الرضاعة ، أم أنّه حافظ على علاقته بأمّه وعائلته وكان يتردد ما بين القصر وبيته؟!

قال بعضهم : أودع موسى بعد فترة الرضاعة عند فرعون وامرأته ، وتربى موسى عندهما ، تنقل في هذا الصدد قصص عريضة حول موسى وفرعون ، ولكن هذه العبارة التي قالها فرعون لموسىعليه‌السلام بعد بعثته( أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ؟! ) (٢) ، تدل بوضوح على أن موسى عاش في قصر فرعون مدة ، بل مكث هناك سنين طويلة.

ويستفاد من تفسير علي بن إبراهيم أن موسىعليه‌السلام بقي مع كمال الاحترام في

__________________

(١) تحدثنا عن الجذر اللغوي لمادة «تقرّ عينها» في ذيل الآية «٧٤» من سورة الفرقان ـ فيراجع هناك.

(٢) الشعراء ، الآية ١٨.

١٩٢

قصر فرعون حتى مرحلة البلوغ ، إلّا أنّ كلامه عن توحيد الله أزعج فرعون بشدة إلى درجة أنّه صمّم على قتله ، فترك موسى القصر ودخل المدينة فوجد فيها رجلين يقتتلان ، أحدهما من الأقباط والآخر من الأسباط ، فواجه النزاع بنفسه «وسيأتي تفصيل ذلك في شرح الآيات المقبلة إن شاء الله»(١) .

* * *

__________________

(١) لاحظ تفسير علي بن إبراهيم طبقا لما ورد في نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ١١٧.

١٩٣

الآيات

( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧) )

التّفسير

موسىعليه‌السلام وحماية المظلومين :

في هذه الآيات نواجه المرحلة الثّالثة من قصّة موسىعليه‌السلام وما جرى له مع فرعون ، وفيها مسائل تتعلق ببلوغه ، وبعض الأحداث التي شاهدها وهو في مصر قبل أن يتوجه إلى «مدين» ثمّ سبب هجرته إلى مدين.

تقول الآيات في البداية( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً

١٩٤

وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) .

كلمة «أشدّ» مشتقّة من مادة «الشدّة» وهي القوّة.

وكلمة «استوى» مشتقة من «الاستواء» ومعناها كمال الخلقة واعتدالها.

وهناك كلام بين المفسّرين في الفرق بين المعنيين :

فقال بعض المفسّرين : المقصود من بلوغ الأشد هو أن يصل الإنسان الكمال من حيث القوى الجسمانية ، وغالبا ما يكون في السنة الثامنة عشرة من العمر أمّا الإستواء فهو الاستقرار والاعتدال في أمر الحياة ، وغالبا ما يحصل ذلك بعد الكمال الجسماني.

وقال بعضهم : إنّ المقصود من بلوغ الأشد هو الكمال الجسماني ، وأمّا الاستواء فهو الكمال العقلي والفكري.

ونقرأ في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام في كتاب معاني الأخبار قال : فلمّا بلغ أشدّه واستوى قال : «أشدّه ثمان عشر سنة واستوى ، التحى»(١) .

وليس بين هذه التعابير فرق كبير ، ومن مجموعها ـ مع ملاحظة المعنى اللغوي للكلمتين «الأشدّ والاستواء» ـ يستفاد منهما أنّهما يدلان على التكامل في القوى الجسمية والعقلية والروحية.

ولعل الفرق بين «الحكم» و «العلم» هو أنّ الحكم يراد منه العقل والفهم والقدرة على القضاء الصحيح ، والعلم يراد به العرفان الذي لا يصحبه الجهل.

أمّا التعبير( كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) فيدل بصورة جليّة على أن موسىعليه‌السلام كان جديرا بهذه المنزلة ، نظرا لتقواه وطهارته وأعماله الصالحة ، إذ جازاه الله «بالعلم والحكم» وواضح أنّ المراد بالحكم والعلم هنا ليس النبوّة والوحي وما إليهما لأنّ موسىعليه‌السلام يومئذ لم يبعث بعد ، وبقي مدّة بعد ذلك حتى بعث نبيّا.

بل المقصود والمراد من الحكم والعلم هما المعرفة والنظرة الثاقبة والقدرة

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ١١٧.

١٩٥

على القضاء الصحيح وما شابه ذلك ، وقد منح الله هذه الأمور لموسىعليه‌السلام لطهارته وصدقه وأعماله الصالحة كما ذكرنا آنفا.

ويفهم من هذا التعبير ـ إجمالا ـ أنّ موسىعليه‌السلام لم يتأثر بلون المحيط الذي عاشه في قصر فرعون ، وكان يسعى إلى تحقيق العدل والحق ما استطاع إلى ذلك سبيلا رغم أنّ جزئيات تلك الأعوام غير واضحة.

وعلى كل حال فإن موسى( دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها ) .

فما هي المدينة المذكورة في الآية المتقدمة؟ لا نعرفها على وجه التحقيق لكن الاحتمال القوي أنّها عاصمة مصر وكما يقول بعض المفسّرين فإنّ موسىعليه‌السلام على أثر المشاجرات بينه وبين فرعون ، ومخالفاته له ولسلطته التي كانت تشتدّ يوما بعد يوم حتى بلغت أوجها ، حكم عليه بالتبعيد عن العاصمة لكنّه برغم ذلك فقد سنحت له فرصة خاصّة والناس غافلون عنه أن يعود إلى المدينة ويدخلها.

ويحتمل أيضا ، أنّ المقصود دخوله المدينة من جهة قصر فرعون لأنّ القصور يومئذ كانت تشاد على أطراف المدينة ليعرف الداخل إليها والخارج منها.

والمقصود من جملة( عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها ) هو الزمن الذي يستريح الناس فيه من أعمالهم ، ولا تراقب المدينة في ذلك الحين بدقّة ، ولكن أي حين وأي زمن هو؟!

قال بعضهم : هو أوّل الليل ، لأنّ الناس يتركون أعمالهم ويعطلون دكاكينهم ومحلاتهم ابتغاء الراحة والنوم ، وجماعة يذهبون للتنزه ، وآخرون لأماكن أخرى هذه الساعة هي المعبر عنها بساعة الغفلة في بعض الرّوايات الإسلامية.

وهناك حديث شريف عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الشأن يقول : «تنفّلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين».

١٩٦

وقد ورد في ذيل هذا الحديث الشريف هذه العبارة «وساعة الغفلة ما بين المغرب والعشاء»(١) .

والحق أنّ هذه الساعة ساعة غفلة وكثيرا ما تحدث الجنايات والفساد والانحرافات الأخلاقية في مثل هذه لساعة من أوّل الليل فلا الناس مشغولون بالكسب والعمل ، ولا هم نائمون ، بل هي حالة غفلة عمومية تغشى المدينة عادة ، وتنشط مراكز الفساد أيضا في هذه الساعة.

واحتمل البعض أن ساعة الغفلة هي ما بعد نصف النهار ، حيث يستريح الناس من أعمالهم استراحة مؤقتة ، ولكن التّفسير الأوّل أقرب للنظر كما يبدو.

وعلى كل حال ، موسى دخل المدينة ، وهنالك واجه مشادّة ونزاعا ، فاقترب من منطقة النزاع( فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ ) .

والتعبير بـ «شيعته» يدل على أن موسى قبل أن يبعث كان له أتباع وأنصار وشيعة من بني إسرائيل ، وربّما كان قد اختارهم لمواجهة فرعون وحكومته كنواة اساسية.

فلمّا بصر الإسرائيلي بموسى استصرخه( فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ) .

فجاءه موسىعليه‌السلام لاستنصاره وتخليصه من عدوّه الظالم الذي يقال عنه أنّه كان طباخا في قصر فرعون ، وكان يريد من الإسرائيلي أن يحمل معه الحطب إلى القصر ، فضرب موسى هذا العدو بقبضة يده القوية على صدره ، فهوى إلى الأرض ميتا في الحال تقول الآية :( فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ ) (٢) .

وممّا لا شك فيه ، فإنّ موسى لم يقصد أن يقتل الفرعوني ، ويتّضح ذلك من خلال الآيات التالية أيضا ولا يعني ذلك أن الفراعنة لم يكونوا يستحقون القتل ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٥ ، ص ٢٤٩ [باب ٢٠ من أبواب الصلوات المندوبة].

(٢) «وكز» مأخوذ من «الوكز» على زنة «رمز» ومعناه الضرب بقبضة اليد ، وهناك معان اخرى لا تناسب المقام

١٩٧

ولكن لاحتمال وقوع المشاكل والتبعات المستقبلية على موسى وجماعته.

لذلك فإنّ موسىعليه‌السلام أسف على هذا الأمر( قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ) .

وبتعبير آخر : فإنّ موسىعليه‌السلام كان يريد أن يبعد الفرعوني عن الرجل الإسرائيلي ، وإن كان الفرعونيون يستحقون أكثر من ذلك. لكن ظروف ذلك الوقت لم تكن تساعد على مثل هذا العمل ، وكما سنرى فإن ذلك الأمر دعا موسىعليه‌السلام إلى أن يخرج من مصر إلى أرض مدين وحرمه من البقاء في مصر.

ثمّ يتحدث القرآن عن موسىعليه‌السلام فيقول :( قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) .

ومن المسلم به أنّ موسىعليه‌السلام لم يصدر منه ذنب هنا ، بل ترك الأولى ، فكان ينبغي عليه أن يحتاط لئلا يقع في مشكلة ، ولذلك فإنّه استغفر ربّه وطلب منه العون ، فشمله اللطيف الخبير بلطفه.

لذلك فإنّ موسىعليه‌السلام حين نجا بلطف الله من هذا المأزق( قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَ ) من عفوك عني وانقاذي من يد الأعداء وجميع ما أنعمت علي منذ بداية حياتي لحدّ الآن( فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ) . ومعينا للظالمين.

بل سأنصر المؤمنين المظلومين ، ويريد موسىعليه‌السلام أن يقول : إنّه لا يكون بعد هذا مع فرعون وجماعته أبدا بل سيكون إلى جانب الإسرائيليين المضطهدين ..».

واحتمل بعضهم أن يكون المقصود بـ «المجرمين» هو هذا الإسرائيلي الذي نصره موسى ، إلّا أن هذا الاحتمال بعيد جدّا ، حسب الظاهر.

* * *

١٩٨

مسألتان

١ ـ ألم يكن عمل موسى هذا مخالفا للعصمة!

للمفسّرين أبحاث مذيّلة وطويلة في شأن المشاجرة التي حدثت بين القبطي والإسرائيلي وقتل موسى للقبطي.

وبالطبع فإنّ أصل هذا العمل ليس مسألة مهمّة لأنّ الظلمة الأقباط والفراعنة المفسدين الذين قتلوا آلاف الأطفال من بني إسرائيل ولم يتأبّوا يحجموا عن أية جريمة ضد بني إسرائيل ، لم تكن لهم حرمة عند بني إسرائيل.

إنّما المهم عند علماء التّفسير هو تعبيرات موسىعليه‌السلام التي ولّدت إشكالات عندهم.

فهو تارة يقول :( هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ) .

وفي مكان آخر يقول :( رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ) .

فكيف تنسجم أمثال هذه التعابير مع عصمة الأنبياء حتى قبل بعثتهم ورسالتهم.

ولكن هذه الإشكالات تزول بالتوضيح المتقدم في تفسير الآية الآنفة ، وهو أن ما صدر من موسىعليه‌السلام هو من قبيل «ترك الأولى» لا أكثر ، إذ كان عليه أن يحتاط قبل أن يضرب القبطي ، فلم يحتط ، فأوقع نفسه في مشاكل جانبية ، لأنّ قتل القبطي لم يكن أمرا هينا حتى يعفو عنه الفراعنة.

ونعرف أن ترك الأولى لا يعني أنّه عمل حرام ذاتا ، بل يؤدي الى ترك عمل أهم وأفضل ، دون أن يصدر منه عمل مخالف ومناف لذلك العمل!.

ونظير هذه التعابير ما ورد في بعض قصص الأنبياء من جملتهم أبو البشر آدمعليه‌السلام التي تقدم شرحه في ذيل الآية (١٩) من سورة الأعراف.

ونقرأ في حديث عن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام في تفسير الآيات

١٩٩

المتقدمة :

«قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ » يعنى الاقتتال الذي وقع بين الرجل لا ما فعله موسىعليه‌السلام من قتله «إنه» يعنى الشيطان «عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ » ـ وأمّا المراد من جملة ـ «رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي » يعنى ان موسى يريد أن يقول وضعت نفسي غير موضعها بدخول هذه المدينة «فَاغْفِرْ لِي » أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني ...».(١)

٢ ـ دعم المجرمين وإسنادهم من أعظم الآثام :

هناك باب مفصل في الفقه الإسلامي فيه أحاديث وافرة تتحدث حول «الإعانة على الإثم» و «معاونة الظلمة» وتدل على أن واحدا من أسوأ الآثام إعانة الظالمين والمجرمين ، وتكون سببا لأن يشترك المعين في مصيرهم الأسود.

وأساسا فإنّ الظلمة والمجرمين ـ أمثال فرعون ـ في المجتمع أيّا كان هم أفراد معدودون ، وإذا لم يساعد المجتمع هؤلاء لم يكونوا فراعنة ، فهؤلاء القلّة المتفرعنون إنّما يعتمدون على الناس الضعاف أو الانتهازيين وعبدة الدنيا ، الذين يلتفّون حولهم ويكونون لهم أجنحة وأذرعا ، أو على الأقل يكثّرون السواد ليوفروا لهم القدرة الشيطانية.

وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تشير إلى هذا الأصل الإسلامي ، فنحن نقرأ في الآية الثّانية من سورة المائدة قوله تعالى :( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) .

كما أنّ القرآن يصرّح في بعض آياته بالقول :( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا

__________________

(١) عيون أخبار الرضا طبقا لما ورد في تفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ١١٩.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

لانحصار الشرور فيه، فإنّ عالم الأمر خير كلّه.

( وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ ) ليل إذا اعتكر(١) واختلط ظلامه. من قوله:( إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (٢) . وأصله: الامتلاء. يقال: غسقت العين، إذا امتلأت دمعا. وغسقت الجراحة: امتلأت دما. وقيل: السيلان. وغسق الليل انصباب ظلامه. وغسق العين سيلان دمعها.( إِذا وَقَبَ ) دخل ظلامه في كلّ شيء. وتخصيصه مع دخوله تحت قوله:( مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ ) لأنّ انبثاث المضارّ فيه أكثر، والتحرّز منه أصعب. ولذلك قيل: الليل أخفى للويل. وقولهم: أغدر الليل، لأنّه إذا أظلم كثر فيه الغدر.

وقيل: المراد به القمر، فإنّه يكسف فيغسق. ووقوبه: دخوله في الكسوف.

ويجوز أن يراد بالغاسق الأسود من الحيّات. ووقبه: ضربه ونقبه.

( وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ ) ومن شرّ النفوس، أو الجماعات، أو النساء السواحر اللاتي يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها ويرقين. والنفث: النفخ مع ريق.

وتخصيصه لماروي أنّ لبيد بن أعصم اليهودي سحر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ دسّ ذلك في بئر ذروان لبني زريق. وفي رواية أنّ بناته سحرن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ دسسن ذلك في البئر المذكور. فمرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فبينا هو نائم إذ أتاه ملكان، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فأخبراه بذلك، وأنّه في بئر ذروان في جفّ طلعة تحت راعوفة. والجفّ: قشر الطلع(٣) . والراعوفة: حجر في أسفل البئر يقوم عليها الماتح(٤) . فانتبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعث عليّاعليه‌السلام والزبير وعمّار فنزحوا

__________________

(١) اعتكر الليل: اشتدّ سواده.

(٢) الإسراء: ٧٨.

(٣) الطلع من النخل: شيء يخرج كأنّه نعلان مطبقان والحمل بينهما منضود.

(٤) أي: ما يستخرج به الماء. من: متح الماء: نزعه.

٥٦١

ماء تلك البئر، ثمّ رفعوا الصخرة وأخرجوا الجفّ، فإذا فيه مشاطة(١) رأس وأسنان من مشطة، وإذا فيه معقد فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر. فنزلت هاتان السورتان. فجعل كلّما يقرأ آية انحلّت عقدة، ووجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خفّة فقام، فكأنّما أنشط من عقال. وجعل جبرئيلعليه‌السلام يقول: بسم الله أرقيك، من شرّ كلّ شيء يؤذيك، من حاسد وعين، والله تعالى يشفيك. ورووا ذلك عن عائشة وابن عبّاس.

وهذا لا يجوز، لأنّ من وصف بأنّه مسحور فقد خبل عقله، وقد أبى الله سبحانه ذلك في قوله:( وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا ) (٢) . ولكن يمكن أن يكون اليهوديّ أو بناته ـ على ما روي ـ اجتهدوا في ذلك فلم يقدروا عليه، فأطلع الله نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما فعلوه من التمويه حتّى استخرج، وكان ذلك دلالة على صدقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وكيف يجوز أن يكون المرض من فعلهم؟ ولو قدروا على ذلك لقتلوه وقتلوا كثيرا من المؤمنين، مع شدّة عداوتهم لهم.

فمعنى الاستعاذة من شرّهنّ: إمّا بأن يستعاذ من عملهنّ الّذي هو صنعة السحر، ومن إثمهنّ في ذلك. أو يستعاذ من فتنتهنّ الناس بسحرهنّ، وما يخدعنهم به من باطلهنّ. أو يستعاذ ممّا يصيب الله به من الشرّ عند نفثهنّ.

ويجوز أن يراد بهنّ النساء الكيّادات، من قوله:( إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) (٣) تشبيها لكيدهنّ بالسحر والنفث في العقد. أو اللاتي يفتنّ الرجال بتعرّضهنّ لهم وعرضهنّ محاسنهنّ، كأنّهنّ يسحرنهم بذلك.

وقيل: المراد بالنفث في العقد إبطال عزائم الرجال بالحيل. مستعار من تليين

__________________

(١) المشاطة: ما يسقط من الشعر عند مشطه.

(٢) الفرقان: ٨ ـ ٩.

(٣) يوسف: ٢٨.

٥٦٢

العقد بنفث الريق ليسهل حلّها. وإفرادها بالتعريف، لأنّ كلّ نفّاثة شرّيرة، بخلاف كلّ غاسق وحاسد.

( وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ ) إذا أظهر حسده وعمل بمقتضاه، فإنّه لا يعود ضرر منه قبل ذلك. إلى المحسود، بل يخصّ به لاغتمامه بسروره. وتخصيصه مع دخوله في قوله:( مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ ) لأنّه العمدة في إضرار الإنسان بل الحيوان غيره.

ويجوز أن يراد بالغاسق ما يخلو عن النور كالجمادات، وما يضاهيه كالقوى.

وبالنفّاثات النباتات، فإنّ قواها النباتيّة من حيث إنّها تزيد في طولها وعرضها وعمقها، كأنّها تنفث في العقد الثلاث. وبالحاسد الحيوان، فإنّه إنّما يقصد غيره غالبا طمعا فيما عنده. ولعلّ إفرادها من عالم الخلق لأنّها الأسباب القريبة للمضرّة.

قال بعضهم: إنّ الله سبحانه جمع الشرور في هذه السورة وختمها بالحسد ليعلم أنّه أخسّ الطبائع. نعوذ بالله منه.

وروى أنس أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: «من رأى شيئا يعجبه فقال: الله الله ما شاء الله لا قوّة إلّا بالله، لم يضرّ شيئا».

وروي: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان كثيرا مّا يعوّذ الحسن والحسينعليهما‌السلام بهاتين السورتين.

٥٦٣
٥٦٤

(١١٤)

سورة الناس

مدنيّة. وقيل: مكّيّة. وهي مثل سورة الفلق، لأنّها إحدى المعوّذتين. وهي ستّ آيات.

الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: «إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اشتكى شكوى شديدة، ووجع وجعا شديدا، فأتاه جبرئيل وميكائيل، فقعد جبرئيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، فعوّذه جبرئيل بـ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) ، وعوّذه ميكائيل بـ( أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) ».

أبو خديجة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: «جاء جبرئيل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو شاك، فرقاه بالمعوّذتين و( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) . وقال: بسم الله أرقيك، والله يشفيك، من كلّ داء يؤذيك، خذها فلتهنيك».

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦) )

٥٦٥

ولـمّا كانت الاستعاذة في السورة المتقدّمة من المضارّ البدنيّة، وهي تعمّ الإنسان وغيره، والاستعاذة في هذه السورة من الأضرار الّتي تعرض للنفوس البشريّة، عمّم الإضافة ثمّ، وخصّصها بالناس هاهنا، فقال :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) ولـمّا كانت الاستعاذة وقعت من شرّ الموسوس في صدور الناس، فكأنّه قيل: أعوذ من شرّ الموسوس إلى الناس بربّهم الّذي يملك أمورهم ويستحقّ عبادتهم، كما يستغيث بعض الموالي إذا اعتراهم خطب بسيّدهم ومخدومهم ووالي أمرهم.

( مَلِكِ النَّاسِ * إِلهِ النَّاسِ ) عطف بيان له، فإنّ الربّ قد لا يكون ملكا، والملك قد لا يكون إلها. والإله خاصّ لا شركة فيه، فجعل غاية للبيان.

وقيل: ليس في «الناس» تكرار، لأنّ المراد بالأوّل: الأجنّة، ولهذا قال:( بِرَبِّ النَّاسِ ) ، لأنّه يربّيهم. وبالثاني: الأطفال، ولذلك قال:( مَلِكِ النَّاسِ ) لأنّه يملكهم. وبالثالث: البالغون المكلّفون، ولذلك قال:( إِلهِ النَّاسِ ) ، لأنّهم يعبدونه.

وبالرابع: العلماء، لأنّ الشيطان يوسوس إليهم. ولا يريد الجهّال، لأنّ الجاهل يضلّ بجهله، وإنّما يوقع الوسوسة في قلب العالم، كما قال:( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ ) (١) .

وقيل: في هذا النظم دلالة على أنّه حقيق بالإعادة، قادر عليها، غير ممنوع عنها. وإشعار على مراتب الناظر في المعارف، فإنّه يعلم أوّلا بما يرى عليه من النعم الظاهرة والباطنة أنّ له ربّا. ثمّ يتغلغل في النظر حتّى يتحقّق أنّه غنيّ عن الكلّ، وذات كلّ شيء له، ومصارف أمره منه، فهو الملك الحقّ. ثمّ يستدلّ به على أنّه المستحقّ للعبادة لا غير. وتدرّج في وجوه الاستعاذة كما يتدرّج في الاستعاذة المعتادة، تنزيلا لاختلاف الصفات منزلة اختلاف الذات، إشعارا بعظم الآفة

__________________

(١) طه: ١٢٠.

٥٦٦

المستعاذ منها. وتكرير «الناس» لـما في الإظهار من مزيد البيان، والإشعار بشرف الإنسان.

( مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ ) أي: الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة. وأمّا المصدر فبالكسر، كالزلزال. والمراد به الموسوس، وهو الشيطان، سمّي بفعله مبالغة. أو المراد ذو الوسواس. والوسوسة هي الصوت الخفيّ. ومنه: وسواس الحليّ.

( الْخَنَّاسِ ) الّذي عادته أن يخنس، أي: يتأخّر إذا ذكر الإنسان ربّه.

روي عن سعيد بن جبير: إذا ذكر الإنسان ربّه خنس الشيطان وولّى، فإذا غفل وسوس إليه.

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الشيطان واضع خطمه(١) على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإذا نسي التقم قلبه».

وروى العيّاشي بإسناده عن أبان بن تغلب، عن جعفر بن محمّدعليه‌السلام قال: «قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من مؤمن إلّا ولقلبه في صدره أذنان: أذن ينفث فيها الملك، وأذن ينفث فيها الوسواس الخنّاس، فيؤيّد الله المؤمن بالملك. وهو قول الله تعالى:( وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) »(٢) .

( الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ) إذا غفلوا عن ذكر ربّهم. وذلك كالقوّة الوهميّة، فإنّها تساعد العقل في المقدّمات، فإذا آل الأمر إلى النتيجة خنست وأخذت توسوسه وتشكّكه. ومحلّ «الّذي» الجرّ على الصفة، أو النصب، أو الرفع على الذمّ.

( مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ) بيان للوسواس، أو لـ «الّذي» على أنّ الشيطان ضربان :

__________________

(١) الخطم: الأنف.

(٢) المجادلة: ٢٢.

٥٦٧

جنّيّ وإنسيّ، كما قال:( شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ ) ويجوز أن يكون متعلّقا بـ «يوسوس». ومعناه: ابتداء الغاية، أي: يوسوس في صدورهم من جهة الجنّة والناس.

والحمد لله ربّ العالمين، أوّلا وآخرا، وباطنا وظاهرا، على توفيقي وتيسيري في تتميم زبدة التفاسير، مع وجازة ألفاظه، وغزارة معانيه، ونكات دقيقة، وأسرار لطيفة، على وفق الطريقة الحنيفيّة الإماميّة، والملّة البيضاء الاثني عشريّة.

أللّهمّ اجعل جدّي واجتهادي في جميع الزبدة والخلاصة من تفاسير كتابك العزيز، وكدّي وسعيي في ضمّ ما انتشر من معانيه، على وفق مذهب الحقّ وطريق الصدق، باللفظ الوجيز، ذريعة إلى درك رضوانك، ووصلة إلى الاتّصال بأوليائك وأصفيائك في جنانك، وتوسّلا إلى شفاعة سيّد الأخيار، وعترته الأبرار.

أللّهمّ اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبّت أقدامنا يوم التناد، بحقّ نبيّك النبيه المصطفى، ووليّك الوليه المرتضى، وأولادهما المعصومين الأمجاد.

ووقع الفراغ من تسويده في منتصف شهر ذي القعدة الحرام، سنة سبع وسبعين وتسعمائة، على يد مؤلّفه ومسوّده أفقر عباد الله الملك اللطيف، ابن شكر الله فتح الله الشريف، كساهما الله الملك المنّان جلابيب الرضوان، وسقاهما شآبيب الغفران، بحقّ النبيّ المنيف، والوليّ العريف.

__________________

(١) الأنعام: ١١٢.

٥٦٨

فهرس الموضوعات

سورة الحشر (٥٩)

الموضوع

الصفحة

الآية: ١ ـ ٤ ٦

الآية: ٥ ١٠

الآية: ٦ ـ ١٠ ١١

الآية: ١١ ـ ١٧ ١٧

الآية: ١٨ ـ ١٩ ٢٠

الآية: ٢٠ ـ ٢٤ ٢١

سورة الممتحنة (٦٠)

الآية: ١ ـ ٣ ٢٦

الآية: ٤ ـ ٦ ٣٠

الآية: ٧ ـ ٩ ٣١

الآية: ١٠ ـ ١١ ٣٤

الآية: ١٢ ٣٧

الآية: ١٣ ٤٠

سورة الصف (٦١)

الآية: ١ ـ ٤ ٤١

الآية: ٥ ٤٣

الآية: ٦ ـ ٩ ٤٥

الآية: ١٠ ـ ١٣ ٤٧

الآية: ١٤ ٥٠

سورة الجمعة (٦٢)

الآية: ١ ـ ٥ ٥٤

الآية: ٦ ـ ٨ ٥٧

الآية: ٩ ـ ١١ ٥٩

٥٦٩

سورة المنافقون (٦٣)

الآية: ١ ـ ٣ ٦٥

الآية: ٤ ٦٧

الآية: ٥ ـ ٨ ٦٩

الآية: ٩ ـ ١١ ٧٣

سورة التغابن (٦٤)

الآية: ١ ـ ٤ ٧٦

الآية: ٥ ـ ٦ ٧٩

الآية: ٧ ـ ١٣ ٨٠

الآية: ١٤ ٨٣

الآية: ١٥ ـ ١٨ ٨٤

سورة الطلاق (٦٥)

الآية: ١ ـ ٣ ٨٨

الآية: ٤ ـ ٥ ٩٤

الآية: ٦ ـ ٧ ٩٧

الآية: ٨ ـ ١٢ ١٠٠

سورة التحريم (٦٦)

الآية: ١ ـ ٥ ١٠٦

الآية: ٦ ـ ٩ ١١٣

الآية: ١٠ ١١٧

الآية: ١١ ـ ١٢ ١١٨

سورة الملك (٦٧)

الآية: ١ ـ ٤ ١٢٢

الآية: ٥ ـ ١٢ ١٢٦

الآية: ١٣ ـ ١٤ ١٢٨

الآية: ١٥ ـ ١٨ ١٢٩

الآية: ١٩ ـ ٢٢ ١٣١

٥٧٠

الآية: ٢٣ ـ ٢٧ ١٣٢

الآية: ٢٨ ـ ٣٠ ١٣٤

سورة القمل (٦٨)

الآية: ١ ـ ٧ ١٣٧

الآية: ٨ ـ ١٦ ١٤١

الآية: ١٧ ـ ٣٣ ١٤٥

الآية: ٣٤ ـ ٤٥ ١٤٩

الآية: ٤٦ ـ ٥٠ ١٥٤

الآية: ٥١ ـ ٥٢ ١٥٥

سورة الحاقة (٦٩)

الآية: ١ ـ ١٠ ١٥٧

الآية: ١١ ـ ١٢ ١٦١

الآية: ١٣ ـ ١٨ ١٦٢

الآية: ١٩ ـ ٣٧ ١٦٦

الآية: ٣٨ ـ ٥٢ ١٧١

سورة المعارج (٧٠)

الآية: ١ ـ ١٨ ١٧٦

الآية: ١٩ ـ ٣٥ ١٨٣

الآية: ٣٦ ـ ٤٤ ١٨٦

سورة نوح (٧١)

الآية: ١ ـ ١٤ ١٩٠

الآية: ١٥ ـ ٢٠ ١٩٥

الآية: ٢١ ـ ٢٨ ١٩٧

سورة الجن (٧٢)

الآية: ١ ـ ١٧ ٢٠٤

الآية: ١٨ ـ ٢٨ ٢١٣

٥٧١

سورة المزمل (٧٣)

الآية: ١ ـ ١٤ ٢٢٠

الآية: ١٥ ـ ١٩ ٢٢٧

الآية: ٢٠ ٢٢٩

سورة المدثر (٧٤)

الآية: ١ ـ ١٠ ٢٣٢

الآية: ١١ ـ ٣٠ ٢٣٨

الآية: ٣١ ـ ٣٧ ٢٤٣

الآية: ٣٨ ـ ٥٦ ٢٤٨

سورة القيامة (٧٥)

الآية: ١ ـ ١٥ ٢٥٤

الآية: ١٦ ـ ٢١ ٢٥٩

الآية: ٢٢ ـ ٤٠ ٢٦١

سورة الإنسان (٧٦)

الآية: ١ ـ ٣ ٢٦٨

الآية: ٤ ـ ٢٢ ٢٧٣

الآية: ٢٣ ـ ٣١ ٢٨٦

سورة المرسلات (٧٧)

الآية: ١ ـ ١٥ ٢٩١

الآية: ١٦ ـ ٤٠ ٢٩٥

الآية: ٤١ ـ ٤٥ ٢٩٩

الآية: ٤٦ ـ ٥٠ ٣٠٠

سورة النبأ (٧٨)

الآية: ١ ـ ١٦ ٣٠٢

الآية: ١٧ ـ ٣٠ ٣٠٦

الآية: ٣١ ـ ٤٠ ٣١٠

٥٧٢

سورة النازعات (٧٩)

الآية: ١ ـ ١٤ ٣١٧

الآية: ١٥ ـ ٢٦ ٣٢٢

الآية: ٢٧ ـ ٣٣ ٣٢٥

الآية: ٣٤ ـ ٤١ ٣٢٧

الآية: ٤٢ ـ ٤٦ ٣٢٨

سورة عبس (٨٠)

الآية: ١ ـ ١٦ ٣٣١

الآية: ١٧ ـ ٢٣ ٣٣٧

الآية: ٢٤ ـ ٣٢ ٣٣٨

الآية: ٣٣ ـ ٤٢ ٣٤٠

سورة التكوير (٨١)

الآية: ١ ـ ٢١ ٣٤٤

الآية: ٢٢ ـ ٢٩ ٣٥٠

سورة انفطرت (٨٢)

الآية: ١ ـ ١٩ ٣٥٤

سورة المطففين (٨٣)

الآية: ١ ـ ٦ ٣٦١

الآية: ٧ ـ ١٧ ٣٦٥

الآية: ١٨ ـ ٢٨ ٣٦٨

الآية: ٢٩ ـ ٣٦ ٣٧١

سورة انشقت (٨٤)

الآية: ١ ـ ١٥ ٣٧٣

الآية: ١٦ ـ ٢٥ ٣٧٧

سورة البروج (٨٥)

الآية: ١ ـ ٩ ٣٨١

٥٧٣

الآية: ١٠ ـ ١٦ ٣٩١

الآية: ١٧ ـ ٢٢ ٣٩٢

سورة الطارق (٨٦)

الآية: ١ ـ ١٠ ٣٩٥

الآية: ١١ ـ ١٧ ٣٩٩

سورة الأعلى (٨٧)

الآية: ١ ـ ٥ ٤٠٢

الآية: ٦ ـ ١٩ ٤٠٤

سورة الغاشية (٨٨)

الآية: ١ ـ ٧ ٤٠٩

الآية: ٨ ـ ١٦ ٤١٢

الآية: ١٧ ـ ٢٦ ٤١٤

سورة الفجر (٨٩)

الآية: ١ ـ ١٤ ٤١٧

الآية: ١٥ ـ ٢٦ ٤٢٤

الآية: ٢٧ ـ ٣٠ ٤٢٨

سورة البلد (٩٠)

الآية: ١ ـ ٢٠ ٤٣٢

سورة الشمس (٩١)

الآية: ١ ـ ١٥ ٤٤٠

سورة الليل (٩٢)

الآية: ١ ـ ٢١ ٤٤٦

سورة الضحى (٩٣)

الآية: ١ ـ ١١ ٤٥١

٥٧٤

سورة الشرح (٩٤)

الآية: ١ ـ ٨ ٤٥٩

سورة التين (٩٥)

الآية: ١ ـ ٨ ٤٦٣

سورة العلق (٩٦)

الآية: ١ ـ ٨ ٤٦٩

الآية: ٩ ـ ١٩ ٤٧١

سورة القدر (٩٧)

الآية: ١ ـ ٥ ٤٧٥

سورة البينة (٩٨)

الآية: ١ ـ ٥ ٤٨٤

الآية: ٦ ـ ٨ ٤٨٦

سورة الزلزال (٩٩)

الآية: ١ ـ ٨ ٤٩٠

سورة العاديات (١٠٠)

الآية: ١ ـ ١١ ٤٩٤

سورة القارعة (١٠١)

الآية: ١ ـ ١١ ٤٩٧

سورة التكاثر (١٠٢)

الآية: ١ ـ ٨ ٥٠١

سورة العصر (١٠٣)

الآية: ١ ـ ٣ ٥٠٧

٥٧٥

سورة الهمزة (١٠٤)

الآية: ١ ـ ٩ ٥٠٩

سورة الفيل (١٠٥)

الآية: ١ ـ ٥ ٥١٣

سورة قريش (١٠٦)

الآية: ١ ـ ٤ ٥٢٣

سورة أرأيت (١٠٧)

الآية: ١ ـ ٧ ٥٢٧

سورة الكوثر (١٠٨)

الآية: ١ ـ ٣ ٥٣١

سورة الكافرون (١٠٩)

الآية: ١ ـ ٦ ٥٣٨

سورة النصر (١١٠)

الآية: ١ ـ ٣ ٥٤١

سورة أبي لهب (١١١)

الآية: ١ ـ ٥ ٥٤٥

سورة الإخلاص (١١٢)

الآية: ١ ـ ٤ ٥٥٣

سورة الفلق (١١٣)

الآية: ١ ـ ٥ ٥٥٩

سورة الناس (١١٤)

الآية: ١ ـ ٦ ٥٦٥

٥٧٦

الفهرس

سورة الحشر ٥

سورة الممتحنة ٢٥

سورة الصفّ ٤١

سورة الجمعة ٥٣

سورة المنافقون ٦٥

سورة التغابن ٧٥

سورة الطلاق ٨٧

سورة التحريم ١٠٥

سورة الملك ١٢١

سورة القلم ١٣٧

سورة الحاقّة ١٥٧

سورة المعارج ١٧٥

سورة نوح ١٨٩

سورة الجنّ ٢٠٣

سورة المزّمّل ٢١٩

سورة المدّثّر ٢٣٣

سورة القيامة ٢٥٣

سورة الإنسان ٢٦٧

سورة المرسلات ٢٩١

سورة النبأ ٣٠١

سورة النازعات ٣١٧

٥٧٧

سورة عبس ٣٣١

سورة التكوير ٣٤٣

سورة انفطرت ٣٥٣

سورة المطفّفين ٣٦١

سورة انشقّت ٣٧٣

سورة البروج ٣٨١

سورة الطارق ٣٩٥

سورة الأعلى ٤٠١

سورة الغاشية ٤٠٩

سورة الفجر ٤١٧

سورة البلد ٤٣١

سورة الشمس ٤٣٩

سورة الليل ٤٤٥

سورة الضحى ٤٥١

سورة الشرح ٤٥٩

سورة التين ٤٦٣

سورة العلق ٤٦٩

سورة القدر ٤٧٥

سورة البيّنة ٤٨٣

سورة الزلزال ٤٨٩

سورة العاديات ٤٩٣

سورة القارعة ٤٩٧

سورة التكاثر ٥٠١

سورة العصر ٥٠٧

سورة الهمزة ٥٠٩

٥٧٨

سورة الفيل ٥١٣

سورة قريش ٥٢٣

سورة أرأيت ٥٢٧

سورة الكوثر ٥٣١

سورة الكافرون ٥٣٧

سورة النصر ٥٤١

سورة أبي لهب ٥٤٥

سورة الإخلاص ٥٥١

سورة الفلق ٥٥٩

سورة الناس ٥٦٥

فهرس الموضوعات ٥٦٩

٥٧٩

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592