الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٢

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174827 / تحميل: 5996
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) .

وهذه الآية على ايجازها تشتمل على أمرين ونهيين وبشارتين ، وهي خلاصة قصّة كبيرة وذات أحداث ومجريات ننقلها بصورة مضغوطة :

كانت سلطة فرعون وحكومته الجائرة قد خططت تخطيطا واسعا لذبح «الأطفال» من بني إسرائيل حتى أن القوابل [من آل فرعون] كن يراقبن النساء الحوامل [من بني إسرائيل].

ومن بين هؤلاء القوابل كانت قابلة لها علاقة مودّة مع أمّ موسىعليه‌السلام «وكان الحمل خفيّا لم يظهر أثره على أم موسى» وحين أحست أم موسى بأنّها مقرّب وعلى أبواب الولادة أرسلت خلف هذه القابلة وأخبرتها بالواقع ، وأنّها تحمل جنينا في بطنها وتوشك أن تضعه ، فهي بحاجة ـ هذا اليوم ـ إليها.

وحين ولد موسىعليه‌السلام سطع نور بهيّ من عينيه فاهتزّت القابلة لهذا النور وطبع حبّه في قلبها ، وأنار جميع زوايا قلبها.

فالتفتت القابلة إلى أم موسى وقالت لها : كنت أروم أن أخبر الجهاز الفرعوني بهذا الوليد ليأتي الجلاوزة فيقتلوه «وأنال بذلك جائزتي» ولكن ما عسى أن أفعل وقد وقع حبّه الشديد في قلبي ، وأنا غير مستعدة لأن تنقص ولو شعرة واحدة من رأسه ، فاهتمي بالمحافظة عليه ، وأظنّ أن عدوّنا المتوقع سيكون هذا الطفل أخيرا.

ثمّ خرجت القابلة من بيت أمّ موسى فرآها بعض الجواسيس من جلاوزة فرعون وصمموا على أن يدخلوا البيت ، فعرفت أخت موسى ما أقدموا عليه فأسرعت إلى أمّها وأخبرتها بأن تتهيأ للأمر ، فارتبكت ولم تدر ما ذا تصنع؟! وفي هذه الحالة من الارتباك وهي ذاهلة لفت وليدها «موسى» بخرقة وألقته في التنور فإذا بالمأمورين والجواسيس يقتحمون الدار ، فلم يجدوا شيئا إلّا التنور المشتعل نارا فسألوا أم موسى عن سبب دخول القابلة عليها فقالت : إنّها صديقتي وقد

١٨١

جاءت زائرة فحسب ، فخرجواءايسين.

ثمّ عادت أمّ موسى إلى رشدها وصوابها وسألت «أخت موسى» عن أخيها فأظهرت عدم معرفتها بمكانه ، وإذا البكاء يعلو من داخل التنور ، فركضت إلى التنور فرأت موسى مسالما وقد جعل الله النّار عليه بردا وسلاما «الله الذي نجّى إبراهيم الخليل من نار النمرود» فأخرجت وليدها سالما من التنور.

لكن الأمّ لم تهدأ إذ أن الجواسيس يمضون هنا وهناك ويفتشون البيوت يمنة ويسرة ، وكان الخطر سيقع لو سمعوا صوت هذا الطفل الرضيع.

وفي هذه الحال اهتدت أم موسى بإلهام جديد ، إلهام ظاهره أنّه مدعاة للخطر ، ولكن مع ذلك أحسّت بالاطمئنان أيضا.

كان ذلك من الله ولا بدّ أن يتحقق ، فلبست ثياب عملها وصممت على أن تلقي وليدها في النيل.

فجاءت إلى نجّار مصري «وكان النجار من الأقباط والفراعنة أيضا» فطلبت منه أن يصنع صندوقا صغيرا.

فسألها النجار قائلا : ما تصنعين بهذا الصندوق مع هذه الأوصاف؟ ولكن الأمّ لما كانت غير متعودة على الكذب لم تستطع دون أن تقول الحق والواقع ، وأنّها من بني إسرائيل ولديها طفل تريد إخفاءه في الصندوق.

فلمّا سمع النجّار القبطي هذا الخبر صمم على أن يخبر الجلاوزة والجلّادين ، فمضى نحوهم لكن الرعب سيطر على قلبه فارتج على لسانه وكلّما حاول أن يفهمهم ولو كلمة واحدة لم يستطع ، فأخذ يشير إليهم إشارات مبهمة ، فظن أولئك أنّه يستهزئ بهم فضربوه وطردوه ، ولما عاد إلى محله عاد عليه وضعه الطبيعي ، فرجع ثانية إليهم ليخبرهم فعادت عليه الحالة الأولى من الارتجاج والعيّ ، وأخيرا فقد فهم أن هذا أمر إلهي وسرّ خفي ، فصنع الصندوق وأعطاه لأم موسى.

ولعلّ الوقت كان فجرا والناس ـ بعد ـ نيام ، وفي هذه الحال خرجت أم

١٨٢

موسى وفي يديها الصندوق الذي أخفت فيه ولدها موسى ، فاتجهت نحو النيل وأرضعت موسى حتى ارتوى ، ثمّ ألقت الصندوق في النيل فتلقفته الأمواج وأخذت تسير به مبتعدة عن الساحل ، وكانت أم موسى تشاهد هذا المنظر وهي على الساحل وفي لحظة أحست أن قلبها انفصل عنها ومضى مع الأمواج ، فلو لا لطف الله الذي شملها وربط على قلبها لصرخت ولانكشف الأمر واتضح كل شيء.

ولا أحد يستطيع أن يصور ـ في تلك اللحظات الحساسة ـ قلب الأم بدقّة.

لا يستطيع أيّ أحد أن يصور حال أم موسى وما أصابها من الهلع والفزع ساعة ألقت طفلها في النيل ولكنّ هذه الأبيات المترجمة عن الشاعرة «پروين اعتصامي» ـ بتصرف ـ تحكي صورة «تقريبية» عن ذلك الموقف :

أمّ موسى حين ألقت طفلها

للذي رب السما أوحى لها

نظرت للنيل يمضي مسرعا

آه لو تعرف حقا حالها

ودوي الموج فيه صاخب

وفتاها شاغل بلبالها

* * *

وتناغيه بصمت : ولدي

كيف يمضي بك هذا الزورق

دون ربان ، وإن ينسك من

هو ذو لطف فمن ذا يشفق

فأتاها الوحي : مهلا ، ودعي

باطل الفكر ووهما يزهق

* * *

إن موسى قد مضى للمنزل

فاتق الله ولا تستعجلي

قد تلقينا الذي ألقيته

بيد ترعى الفتى لا تجهلي

وخرير الماء أضحى مهده

في اهتزاز مؤنس إن تسألي

* * *

وله الموج رؤوما حدبا

فاق من يحدب أمّا وأبا

١٨٣

كل نهر ليس يطغى عبثا

إن أمر الله كان السببا

* * *

يأمر البحر فيغدو هائجا

وله الطوفان طوعا مائجا

عالم الإيجاد من آثاره

كل شيء لعلاه عارجا

* * *

أين تمضين دعيه فله

خير ربّ يرتضيه لا هجا

كل هذا من جهة!

ولكن تعالوا لنرى ما يجري في قصر فرعون؟!

ورد في الأخبار أنّ فرعون كانت له بنت مريضة ، ولم يكن له من الأبناء سواها ، وكانت هذه البنت تعاني من آلام شديدة لم ينفعها علاج الأطباء ، فلجأ إلى الكهنة فقالوا له : نتكهّن ونتوقع أن إنسانا يخرج من البحر يكون شفاؤها من لعاب فمه حين يدهن به جسدها ، وكان فرعون وزوجه «آسية» في انتظار هذا «الحادث» وفي يوم من الأيّام فجأة لاح لعيونهما صندوق تتلاطمه أمواج النيل فلفت الأنظار ، فأمر فرعون عمّاله أن يأتوا به ليعرفوا ما به؟!

ومثل الصندوق «المجهول» الخفيّ أمام فرعون ، ولم يتمكن أحد أن يفتحه.

بلى كان على فرعون أن يفتحه لينجو موسى على يد فرعون نفسه ، وفتح الصندوق على يده فعلا!.

فلمّا وقعت عين آسية عليه سطع منه نور فأضاء قلبها ، ودخل حبّه في قلوب الجميع ، ولا سيما قلب امرأة فرعون «آسية» وحين شفيت بنت فرعون من لعاب فمه زادت محبّته أكثر فأكثر(١) .

ولنعد الآن إلى القرآن الكريم لنسمع خلاصة القصّة من لسانه! يقول القرآن

__________________

(١) ورد هذا القسم من الرّواية عن ابن عباس في تفسير الفخر الرازي كما هناك روايات آخرها في تفسير «أبو الفتوح» و «مجمع البيان».

١٨٤

في هذا الصدد :( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً ) .

كلمة «التقط» مأخوذة من مادة «التقاط» ومعناها في الأصل الوصول إلى الشيء دون جهد وسعي ، وإنّما سميت الأشياء التي يعثر عليها «لقطة» للسبب نفسه أيضا

وبديهي أنّ الفراعنة لم يجلبوا الصندوق الذي فيه الطفل الرضيع من الماء ليربوه في أحظانهم فيكون لهم عدوا لدودا ، بل أرادوه ـ كما قالت امرأة فرعون ـ قرة عين لهم.

ولكن النتيجة والعاقبة كان ما كان وحدث ما حدث وكما يقول علماء الأدب : إنّ اللام في الآية هنا( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ ) هي «لا العاقبة» ليست «لام العلة» ولطافة التعبير كامنة في أنّ الله سبحانه يريد أن يبيّن قدرته ، وكيف أن هذه الجماعة «الفراعنة» عبّأت جميع قواها لقتل بني إسرائيل ، وإذا الذي أرادوا قتله ـ وكانت كل هذه المقدمات من أجله ـ يتربى في أحضانهم كأعزّ أبنائهم.

والتعبير ـ ضمنا ـ بآل فرعون يدل على أنّ الملتقط لم يكن واحدا ، بل اشترك في التقاط الصندوق جماعة من آل فرعون ، وهذا بنفسه شاهد على أنّهم كانوا ينتظرون مثل هذا الحدث!.

ثمّ تختتم الآية بالقول :( إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ ) .

كانوا خاطئين في كل شيء ، وأي خطأ أعظم من أن يحيدوا عن طريق العدل والحقّ ، وأن يبنوا قواعد حكمهم على الظلم والجور والشرك!.

وأي خطأ أعظم أن يذبحوا آلاف الأطفال ليقتلوا موسىعليه‌السلام ، ولكن الله سبحانه أودعه في أيديهم وقال لهم : خذوا عدوّكم هذا وربّوه ليكبر عندكم؟!(١)

__________________

(١) يقول الراغب في مفرداته : إن الفرق بين «الخاطئ» «والمخطئ» هو أنّ الخاطئ هو من يقدم على عمل لا يخرج من عهدته ويطوي طريق الخطأ بنفسه أمّا المخطي فيقال في من يقدم على عمل ويخرج من عهدته ، إلّا أنّه يخطئ في الأثناء صدفة ، فيتلف العمل.

١٨٥

ويستفاد من الآية التالية أن شجارا حدث ما بين فرعون وامرأته ، ويحتمل أن بعض أتباعه كانوا قد وقفوا عند رأس الطفل ليقتلوه ، لأنّ القرآن الكريم يقول في هذا الصدد :( وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ) .

ويلوح للنظر أنّ فرعون وجد في مخايل الطفل والعلائم الأخرى ومن جملتها إيداعه في التابوت «الصندوق» وإلقاءه بين أمواج النيل ، وما إلى ذلك ـ أن هذا الطفل من بني إسرائيل ، وأن زوال ملكه على يده ، فجثم كابوس ثقيل على صدره من الهم وألقى على روحه ظلّة ، فأراد أن يجري قانون إجرامه عليه.

فأيده أطرافه وأتباعه المتملّقون على هذه الخطة ، وقالوا : ينبغي أن يذبح هذا الطفل ، ولا دليل على أن لا يجري هذا القانون عليه.

ولكن آسية امرأة فرعون التي لم ترزق ولدا ذكرا ، ولم يكن قلبها منسوجا من قماش عمال قصر فرعون ، وقفت بوجه فرعون وأعوانه ومنعتهم من قتله.

وإذا أضفنا قصّة شفاء بنت فرعون بلعاب فم موسى ـ على ما قدمناه ـ فسيكون دليلا آخر يوضح كيفية انتصار آسية في هذه الازمة.

ولكن القرآن ـ بجملة مقتضية وذات مغزى كبير ـ ختم الآية قائلا :( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ! ) .

أجل ، إنّهم لم يشعروا أنّ أمر الله النافذ ومشيئته التي لا تقهر ، اقتضت أن يتربى هذا الطفل في أهم المراكز خطرا ولا أحد يستطيع أن يردّ هذه المشيئة ، ولا يمكن مخالفتها أبدا

* * *

١٨٦

ملاحظة

تخطيط الله العجيب

إظهار القدرة ليس معناه أن الله إذا أراد أن يهلك قوما جبارين ، يرسل عليهم جنود السماوات والأرض ، فيهلكهم ويدمرهم تدميرا.

إظهار القدرة هو أن يجعل الجبابرة والمستكبرين يدمرون أنفسهم بأيديهم ، يلهم قلوبهم بالإلقاء أنفسهم في البئر التي حفروها لغيرهم ، وأن يصنعوا لأنفسهم سجنا يموتون فيه! وأن يرفعوا أعواد المشانق ليعدموا عليها!

وفي قضية الفراعنة الجبابرة المعاندين حدث مثل هذا ، وتمّت تربية موسى ونجاته في جميع المراحل على أيديهم.

فالقابلة التي أولدت موسى كانت من الأقباط.

والنجار الذي صنع الصندوق الذي أخفي فيه موسى كان قبطيّا.

والذين التقطوا الصندوق كانوا من آل فرعون!.

والذي فتح باب الصندوق كان فرعون بنفسه أو امرأته آسية.

وأخيرا فإن المكان الآمن والهادىء الذي تربّى فيه موسى ـ البطل الذي قهر فرعون ـ هو قصر فرعون ذاته.

وبهذا الشكل يظهر الله تعالى قدرته.

* * *

١٨٧

الآيات

( وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠) وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١١) وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (١٢) فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) )

التّفسير

عودة موسى إلى حضن أمّه :

في هذه الآيات تتجسد مشاهد جديدة فأمّ موسى التي قلنا عنها : إنّها ألقت ولدها في أمواج النيل ، بحسب ما فصّلنا آنفا اقتحم قلبها طوفان شديد من الهمّ على فراق ولدها ، فقد أصبح مكان ولدها الذي كان يملأ قلبها خاليا وفارغا منه.

فأوشكت أن تصرخ من أعماقها وتذيع جميع أسرارها ، لكن لطف الله تداركها ، وكما يعبّر القرآن الكريم( وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) .

١٨٨

«الفارغ» معناه الخالي ، والمقصود به هنا أن قلب أم موسى أصبح خاليا من كل شيء إلّا من ذكر موسى وإن كان بعض المفسّرين يرون أن المقصود به هو خلوّ القلب من الهمّ والغمّ ، أو أنّه خال من الإلهام والبشائر التي بشرت بها أم موسى من قبل ، ولكن مع الالتفات لهذه الجمل والتدقيق فيها يبدوا هذا التّفسير غير صحيح.

وطبيعيّ تماما أنّ أمّا تفارق ولدها بهذه الصورة يمكن أن تنسى كل شيء إلّا ولدها الرضيع ، ويبلغ بها الذهول درجة لا تلتفت معها إلى ما سيصيبها وولدها من الخطر لو صرخت من أعماقها وأذاعت أسرارها.

ولكن الله الذي حمّل أم موسى هذا العبء الثقيل ربط على قلبها لتؤمن بوعد الله ، ولتعلم أنّه بعين الله ، وأنّه سيعود إليها وسيكون نبيّا.

كلمة «ربطنا» من مادة «ربط» ومعناها في الأصل شدّ وثاق الحيوان أو ما أشبهه بمكان ما ليكون محفوظا في مكانه ، ولذلك يدعى هذا المحلّ الذي تربط فيه الحيوانات بـ «الرباط» ثمّ توسعوا في اللغة فصار معنى الربط : الحفظ والتقوية والاستحكام ، والمقصود من «ربط القلب» هنا تقويته أي تثبيت قلب أم موسى ، لتؤمن بوعد الله وتتحمل هذا الحادث الكبير.

وعلى أثر لطف الله أحست أم موسى بالاطمئنان ، ولكنّها أحبت أن تعرف مصير ولدها ، ولذلك أمرت أخته أن تتبع أثره وتعرف خبره( وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ) .

كلمة «قصّيه» مأخوذة من مادة «قصّ» على زنة «نصّ» ومعناها البحث عن آثار الشيء ، وإنّما سميّت القصّة قصّة لأنّها تحمل في طياتها أخبارا مختلفة يتبع بعضها بعضا.

فاستجابت «أخت موسى» لأمر أمّها ، وأخذت تبحث عنه بشكل لا يثير الشبهة ، حتى بصرت به من مكان بعيد ، ورأت صندوقه الذي كان في الماء يتلقفه

١٨٩

آل فرعون ويقول القرآن في هذا الصدد :( فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ ) .

ولكن أولئك لم يلتفتوا إلى أن أخته تتعقبه( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) .

قال البعض : إن خدم فرعون كانوا قد خرجوا بالطفل من القصر بحثا عن مرضعة له ، فرأتهم أخت موسى.

ويبدوا أنّ التّفسير الأوّل أقرب للنظر ، فعلى هذا بعد رجوع أم موسى إلى بيتها أرسلت أخته للبحث عنه ، فرأت ـ من فاصلة بعيدة ـ كيف استخرجه آل فرعون من النيل لينجو من الخطر المحدق.

هناك تفاسير أخرى لجملة( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) أيضا.

فالعلامة «الطبرسي» لا يستعبد أن يكون تكرار هذه الجملة في الآية السابقة والآيات اللاحقة إشارة إلى هذه الحقيقة ، وهي أن فرعون جاهل بالأمور الى هذه الدرجة فكيف يدعي الرّبوبية؟ وكيف يريد أن يحارب مشيئة الله التي لا تقهر!؟.

وعلى كل حال ، فقد اقتضت مشيئة الله أن يعود هذا الطفل إلى أمّه عاجلا ليطمئن قلبها ، لذلك يقول القرآن الكريم :( وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ ) (١) .

وطبيعي أن الطفل الرضيع حين تمر عليه عده ساعات فإنه يجوع ويبكي ولا يطيق تحمل الجوع ، فيجب البحث عن مرضع له ، ولا سيما أن ملكة مصر «امرأة فرعون» تعلق قلبها به بشدّة ، وأحبّته كروحها العزيزة.

كان عمال القصر يركضون من بيت لآخر بحثا عن مرضع له ، والعجيب في الأمر أنّه كان يأبى أثداء المرضعات.

لعل ذلك آت من استيحاشه من وجوه المرضعات ، أو أنّه لم يكن يتذوق

__________________

(١) «المراضع» جمع «مرضع» على زنة «مخبر» ومعناها المرأة التي تسقي الطفل لبنها من ثديها ، وقال البعض : (المراضع) جمع (مرضع) على زنة (مكتب) أي مكان الإرضاع ، أي ، «الأثداء» وقال البعض : يحتمل أن تكون الكلمة جمعا للمصدر الميمي «مرضع» بمعنى الرضاع ، ولكن المعنى الأوّل أنسب كما يبدو

١٩٠

ألبانهن ، إذ يبدو لبن كلّ منهن مرّا في فمه ، فكأنّه يريد أن يقفز من أحضان المراضع ، وهذا هو التحريم التكويني من قبل الله تعالى إذ حرّم عليه المراضع جميعا.

ولم يزل الطفل لحظة بعد أخرى يجوع أكثر فأكثر وهو يبكي وعمال فرعون يدورون به بحثا عن مرضع بعد أن ملأ قصر فرعون بكاء وضجيجا ، وما زال العمال في مثل هذه الحال حتى صادفوا بنتا أظهرت نفسها بأنّها لا تعرف الطفل ، فقالت :( هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ ) .

إنّني أعرف امرأة من بني إسرائيل لها ثديان مملوءان لبنا ، وقلب طافح بالمحبّة ، وقد فقدت وليدها ، وهي مستعدة أن تتعهد الطفل الذي عندكم برعايتها.

فسّر بها هؤلاء وجاءوا بأمّ موسى إلى قصر فرعون ، فلمّا شمّ الطفل رائحة أمّه التقم ثديها بشغف كبير ، وأشرقت عيناه سرورا ، كما أن عمّال القصر سرّوا كذلك لأنّ البحث عن مربية له أعياهم ، وامرأة فرعون هي الأخرى لم تكتم سرورها للحصول على هذه المرضع أيضا.

ولعلهم قالوا للمرضع : أين كنت حتى الآن ، إذ نحن نبحث عن مثلك منذ مدّة فليتك جئت قبل الآن ، فمرحبا بك وبلبنك الذي حلّ هذه المشكلة.

تقول بعض الرّوايات : حين استقبل موسى ثدي أمّه ، قال هامان وزير فرعون لأم موسى : لعلك أمّه الحقيقية ، إذ كيف أبى جميع هذه المراضع ورضي بك ، فقالت : أيّها الملك ، لأنّي امرأة ذات عطر طيب ولبني عذب ، لم يأتي طفل رضيع إلّا قبل بي ، فصدّقها الحاضرون وقدموا لها هدايا ثمينة(١) .

ونقرأ في هذا الصدد حديثا قال الراوي : فقلت للإمام الباقرعليه‌السلام ؛ فكم مكث موسى غائبا من أمّه حتى ردّه الله؟ قال «ثلاثة أيّام»(٢) .

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، ج ٢٤ ، ص ٢٣١.

(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ١١٦.

١٩١

وقال بعضهم : هذا التحريم التكويني لأنّ الله لم يرد لموسى أن يرتضع من الألبان الملوثة بالحرام الملوّثة بأموال السرقة ، أو الملوّثة بالإجرام والرشوة وغصب حقوق الآخرين ، وإنّما أراد لموسى أن يرتضع من لبن طاهر كلبن أمّه ليستطيع أن ينهض بوجه الأرجاس ويحارب الآثمين.

وتم كل شيء بأمر الله( فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) (١) .

هنا ينقدح سؤال مهم وهو : هل أودع آل فرعون الطفل «موسى» عند أمّه لترضعه وتأتي به كل حين ـ أو كل يوم ـ إلى قصر فرعون لتراه امرأة فرعون؟!

أم أنّهم أودعوا موسى في القصر وطلبوا من المرضع «أم موسى» أن تأتي بين فترات متناسبة إلى القصر لترضعه؟!

لا يوجد دليل قوي لأيّ من الاحتمالين ، إلّا أن الاحتمال الأوّل أقرب للنظر كما يبدو!

وهناك سؤال آخر أيضا ، وهو : هل انتقل موسى إلى قصر فرعون بعد إكماله فترة الرضاعة ، أم أنّه حافظ على علاقته بأمّه وعائلته وكان يتردد ما بين القصر وبيته؟!

قال بعضهم : أودع موسى بعد فترة الرضاعة عند فرعون وامرأته ، وتربى موسى عندهما ، تنقل في هذا الصدد قصص عريضة حول موسى وفرعون ، ولكن هذه العبارة التي قالها فرعون لموسىعليه‌السلام بعد بعثته( أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ؟! ) (٢) ، تدل بوضوح على أن موسى عاش في قصر فرعون مدة ، بل مكث هناك سنين طويلة.

ويستفاد من تفسير علي بن إبراهيم أن موسىعليه‌السلام بقي مع كمال الاحترام في

__________________

(١) تحدثنا عن الجذر اللغوي لمادة «تقرّ عينها» في ذيل الآية «٧٤» من سورة الفرقان ـ فيراجع هناك.

(٢) الشعراء ، الآية ١٨.

١٩٢

قصر فرعون حتى مرحلة البلوغ ، إلّا أنّ كلامه عن توحيد الله أزعج فرعون بشدة إلى درجة أنّه صمّم على قتله ، فترك موسى القصر ودخل المدينة فوجد فيها رجلين يقتتلان ، أحدهما من الأقباط والآخر من الأسباط ، فواجه النزاع بنفسه «وسيأتي تفصيل ذلك في شرح الآيات المقبلة إن شاء الله»(١) .

* * *

__________________

(١) لاحظ تفسير علي بن إبراهيم طبقا لما ورد في نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ١١٧.

١٩٣

الآيات

( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧) )

التّفسير

موسىعليه‌السلام وحماية المظلومين :

في هذه الآيات نواجه المرحلة الثّالثة من قصّة موسىعليه‌السلام وما جرى له مع فرعون ، وفيها مسائل تتعلق ببلوغه ، وبعض الأحداث التي شاهدها وهو في مصر قبل أن يتوجه إلى «مدين» ثمّ سبب هجرته إلى مدين.

تقول الآيات في البداية( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً

١٩٤

وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) .

كلمة «أشدّ» مشتقّة من مادة «الشدّة» وهي القوّة.

وكلمة «استوى» مشتقة من «الاستواء» ومعناها كمال الخلقة واعتدالها.

وهناك كلام بين المفسّرين في الفرق بين المعنيين :

فقال بعض المفسّرين : المقصود من بلوغ الأشد هو أن يصل الإنسان الكمال من حيث القوى الجسمانية ، وغالبا ما يكون في السنة الثامنة عشرة من العمر أمّا الإستواء فهو الاستقرار والاعتدال في أمر الحياة ، وغالبا ما يحصل ذلك بعد الكمال الجسماني.

وقال بعضهم : إنّ المقصود من بلوغ الأشد هو الكمال الجسماني ، وأمّا الاستواء فهو الكمال العقلي والفكري.

ونقرأ في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام في كتاب معاني الأخبار قال : فلمّا بلغ أشدّه واستوى قال : «أشدّه ثمان عشر سنة واستوى ، التحى»(١) .

وليس بين هذه التعابير فرق كبير ، ومن مجموعها ـ مع ملاحظة المعنى اللغوي للكلمتين «الأشدّ والاستواء» ـ يستفاد منهما أنّهما يدلان على التكامل في القوى الجسمية والعقلية والروحية.

ولعل الفرق بين «الحكم» و «العلم» هو أنّ الحكم يراد منه العقل والفهم والقدرة على القضاء الصحيح ، والعلم يراد به العرفان الذي لا يصحبه الجهل.

أمّا التعبير( كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) فيدل بصورة جليّة على أن موسىعليه‌السلام كان جديرا بهذه المنزلة ، نظرا لتقواه وطهارته وأعماله الصالحة ، إذ جازاه الله «بالعلم والحكم» وواضح أنّ المراد بالحكم والعلم هنا ليس النبوّة والوحي وما إليهما لأنّ موسىعليه‌السلام يومئذ لم يبعث بعد ، وبقي مدّة بعد ذلك حتى بعث نبيّا.

بل المقصود والمراد من الحكم والعلم هما المعرفة والنظرة الثاقبة والقدرة

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ١١٧.

١٩٥

على القضاء الصحيح وما شابه ذلك ، وقد منح الله هذه الأمور لموسىعليه‌السلام لطهارته وصدقه وأعماله الصالحة كما ذكرنا آنفا.

ويفهم من هذا التعبير ـ إجمالا ـ أنّ موسىعليه‌السلام لم يتأثر بلون المحيط الذي عاشه في قصر فرعون ، وكان يسعى إلى تحقيق العدل والحق ما استطاع إلى ذلك سبيلا رغم أنّ جزئيات تلك الأعوام غير واضحة.

وعلى كل حال فإن موسى( دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها ) .

فما هي المدينة المذكورة في الآية المتقدمة؟ لا نعرفها على وجه التحقيق لكن الاحتمال القوي أنّها عاصمة مصر وكما يقول بعض المفسّرين فإنّ موسىعليه‌السلام على أثر المشاجرات بينه وبين فرعون ، ومخالفاته له ولسلطته التي كانت تشتدّ يوما بعد يوم حتى بلغت أوجها ، حكم عليه بالتبعيد عن العاصمة لكنّه برغم ذلك فقد سنحت له فرصة خاصّة والناس غافلون عنه أن يعود إلى المدينة ويدخلها.

ويحتمل أيضا ، أنّ المقصود دخوله المدينة من جهة قصر فرعون لأنّ القصور يومئذ كانت تشاد على أطراف المدينة ليعرف الداخل إليها والخارج منها.

والمقصود من جملة( عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها ) هو الزمن الذي يستريح الناس فيه من أعمالهم ، ولا تراقب المدينة في ذلك الحين بدقّة ، ولكن أي حين وأي زمن هو؟!

قال بعضهم : هو أوّل الليل ، لأنّ الناس يتركون أعمالهم ويعطلون دكاكينهم ومحلاتهم ابتغاء الراحة والنوم ، وجماعة يذهبون للتنزه ، وآخرون لأماكن أخرى هذه الساعة هي المعبر عنها بساعة الغفلة في بعض الرّوايات الإسلامية.

وهناك حديث شريف عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الشأن يقول : «تنفّلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين».

١٩٦

وقد ورد في ذيل هذا الحديث الشريف هذه العبارة «وساعة الغفلة ما بين المغرب والعشاء»(١) .

والحق أنّ هذه الساعة ساعة غفلة وكثيرا ما تحدث الجنايات والفساد والانحرافات الأخلاقية في مثل هذه لساعة من أوّل الليل فلا الناس مشغولون بالكسب والعمل ، ولا هم نائمون ، بل هي حالة غفلة عمومية تغشى المدينة عادة ، وتنشط مراكز الفساد أيضا في هذه الساعة.

واحتمل البعض أن ساعة الغفلة هي ما بعد نصف النهار ، حيث يستريح الناس من أعمالهم استراحة مؤقتة ، ولكن التّفسير الأوّل أقرب للنظر كما يبدو.

وعلى كل حال ، موسى دخل المدينة ، وهنالك واجه مشادّة ونزاعا ، فاقترب من منطقة النزاع( فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ ) .

والتعبير بـ «شيعته» يدل على أن موسى قبل أن يبعث كان له أتباع وأنصار وشيعة من بني إسرائيل ، وربّما كان قد اختارهم لمواجهة فرعون وحكومته كنواة اساسية.

فلمّا بصر الإسرائيلي بموسى استصرخه( فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ) .

فجاءه موسىعليه‌السلام لاستنصاره وتخليصه من عدوّه الظالم الذي يقال عنه أنّه كان طباخا في قصر فرعون ، وكان يريد من الإسرائيلي أن يحمل معه الحطب إلى القصر ، فضرب موسى هذا العدو بقبضة يده القوية على صدره ، فهوى إلى الأرض ميتا في الحال تقول الآية :( فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ ) (٢) .

وممّا لا شك فيه ، فإنّ موسى لم يقصد أن يقتل الفرعوني ، ويتّضح ذلك من خلال الآيات التالية أيضا ولا يعني ذلك أن الفراعنة لم يكونوا يستحقون القتل ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ، ج ٥ ، ص ٢٤٩ [باب ٢٠ من أبواب الصلوات المندوبة].

(٢) «وكز» مأخوذ من «الوكز» على زنة «رمز» ومعناه الضرب بقبضة اليد ، وهناك معان اخرى لا تناسب المقام

١٩٧

ولكن لاحتمال وقوع المشاكل والتبعات المستقبلية على موسى وجماعته.

لذلك فإنّ موسىعليه‌السلام أسف على هذا الأمر( قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ) .

وبتعبير آخر : فإنّ موسىعليه‌السلام كان يريد أن يبعد الفرعوني عن الرجل الإسرائيلي ، وإن كان الفرعونيون يستحقون أكثر من ذلك. لكن ظروف ذلك الوقت لم تكن تساعد على مثل هذا العمل ، وكما سنرى فإن ذلك الأمر دعا موسىعليه‌السلام إلى أن يخرج من مصر إلى أرض مدين وحرمه من البقاء في مصر.

ثمّ يتحدث القرآن عن موسىعليه‌السلام فيقول :( قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) .

ومن المسلم به أنّ موسىعليه‌السلام لم يصدر منه ذنب هنا ، بل ترك الأولى ، فكان ينبغي عليه أن يحتاط لئلا يقع في مشكلة ، ولذلك فإنّه استغفر ربّه وطلب منه العون ، فشمله اللطيف الخبير بلطفه.

لذلك فإنّ موسىعليه‌السلام حين نجا بلطف الله من هذا المأزق( قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَ ) من عفوك عني وانقاذي من يد الأعداء وجميع ما أنعمت علي منذ بداية حياتي لحدّ الآن( فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ) . ومعينا للظالمين.

بل سأنصر المؤمنين المظلومين ، ويريد موسىعليه‌السلام أن يقول : إنّه لا يكون بعد هذا مع فرعون وجماعته أبدا بل سيكون إلى جانب الإسرائيليين المضطهدين ..».

واحتمل بعضهم أن يكون المقصود بـ «المجرمين» هو هذا الإسرائيلي الذي نصره موسى ، إلّا أن هذا الاحتمال بعيد جدّا ، حسب الظاهر.

* * *

١٩٨

مسألتان

١ ـ ألم يكن عمل موسى هذا مخالفا للعصمة!

للمفسّرين أبحاث مذيّلة وطويلة في شأن المشاجرة التي حدثت بين القبطي والإسرائيلي وقتل موسى للقبطي.

وبالطبع فإنّ أصل هذا العمل ليس مسألة مهمّة لأنّ الظلمة الأقباط والفراعنة المفسدين الذين قتلوا آلاف الأطفال من بني إسرائيل ولم يتأبّوا يحجموا عن أية جريمة ضد بني إسرائيل ، لم تكن لهم حرمة عند بني إسرائيل.

إنّما المهم عند علماء التّفسير هو تعبيرات موسىعليه‌السلام التي ولّدت إشكالات عندهم.

فهو تارة يقول :( هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ ) .

وفي مكان آخر يقول :( رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ) .

فكيف تنسجم أمثال هذه التعابير مع عصمة الأنبياء حتى قبل بعثتهم ورسالتهم.

ولكن هذه الإشكالات تزول بالتوضيح المتقدم في تفسير الآية الآنفة ، وهو أن ما صدر من موسىعليه‌السلام هو من قبيل «ترك الأولى» لا أكثر ، إذ كان عليه أن يحتاط قبل أن يضرب القبطي ، فلم يحتط ، فأوقع نفسه في مشاكل جانبية ، لأنّ قتل القبطي لم يكن أمرا هينا حتى يعفو عنه الفراعنة.

ونعرف أن ترك الأولى لا يعني أنّه عمل حرام ذاتا ، بل يؤدي الى ترك عمل أهم وأفضل ، دون أن يصدر منه عمل مخالف ومناف لذلك العمل!.

ونظير هذه التعابير ما ورد في بعض قصص الأنبياء من جملتهم أبو البشر آدمعليه‌السلام التي تقدم شرحه في ذيل الآية (١٩) من سورة الأعراف.

ونقرأ في حديث عن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام في تفسير الآيات

١٩٩

المتقدمة :

«قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ » يعنى الاقتتال الذي وقع بين الرجل لا ما فعله موسىعليه‌السلام من قتله «إنه» يعنى الشيطان «عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ » ـ وأمّا المراد من جملة ـ «رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي » يعنى ان موسى يريد أن يقول وضعت نفسي غير موضعها بدخول هذه المدينة «فَاغْفِرْ لِي » أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني ...».(١)

٢ ـ دعم المجرمين وإسنادهم من أعظم الآثام :

هناك باب مفصل في الفقه الإسلامي فيه أحاديث وافرة تتحدث حول «الإعانة على الإثم» و «معاونة الظلمة» وتدل على أن واحدا من أسوأ الآثام إعانة الظالمين والمجرمين ، وتكون سببا لأن يشترك المعين في مصيرهم الأسود.

وأساسا فإنّ الظلمة والمجرمين ـ أمثال فرعون ـ في المجتمع أيّا كان هم أفراد معدودون ، وإذا لم يساعد المجتمع هؤلاء لم يكونوا فراعنة ، فهؤلاء القلّة المتفرعنون إنّما يعتمدون على الناس الضعاف أو الانتهازيين وعبدة الدنيا ، الذين يلتفّون حولهم ويكونون لهم أجنحة وأذرعا ، أو على الأقل يكثّرون السواد ليوفروا لهم القدرة الشيطانية.

وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تشير إلى هذا الأصل الإسلامي ، فنحن نقرأ في الآية الثّانية من سورة المائدة قوله تعالى :( وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) .

كما أنّ القرآن يصرّح في بعض آياته بالقول :( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا

__________________

(١) عيون أخبار الرضا طبقا لما ورد في تفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ١١٩.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

وكانت قرطبة ، عاصمة المسلمين آنذاك ، مركز مهماً للعلم والفن والتجارة في اوروبا وكانت تفوق اكبر العواصم الاوروبية ».

اسبانيا في ظل الحكم الاوروبي

يقول عالم فرنسا المعروف :

« عندما كانت الاندلس ( اسبانيا ) تحت حكم المسلمين ، بلغت ذروة تحضّرها ، إلّا ان تلك الاندلس نفسها اتجهت نحو السقوط والانحدار بعد حكم المسلمين ومجىء الحكم المسيحي الاوروبي ، وعلىٰ حدّ اعتراف كبار علماء اوروبا لم تشاهد دولة بلغت تلك المدارج من الرقي بهذه السرعة في ظل حكم المسلمين ، كما انه لم يشاهد مثلها في سرعة السقوط والتدني خلال حكم النصارىٰ الذين دمروا كل شيء وقوضوا كل الاُمور حتى عدد السكان بسبب كثرة القتل الذي قاموا به.

لقد اضطربت احوال الاندلس بمجىء الاوروبيين في جميع المجالات من الزراعة والتجارة الىٰ العلم والادب ، فالاندلس لم تكن متحضرة قبل حكم المسلمين لها ، لكنها وصلت الىٰ اعلىٰ درجات التحضّر والعمران في فترة الحكم الاسلامي ، ولكنها تراجعت حضارياً بشدة مع انتهاء فترة حكم المسلمين وتسلط الاوروبيين والنصارىٰ عليها.

فعندما سقطت ( غرناطة ) آخر عاصمة للمسلمين هناك بيد النصارىٰ ، ذهب جميع ذلك التساهل الديني الذي كان العرب يعاملونهم به ، وعلىٰ الرغم

٢٦١

من المعاهدات التي كانت بينهم(1) عاملوهم بأشد درجة من القسوة والظلم ، وبعد قرن علىٰ ذلك قرروا اخراج المسلمين من البلاد بشكل تام ، لقد كان المسلمون متفوقون عليهم في جميع العلوم حتىٰ تحت ظل حكمهم ـ النصارىٰ ـ للحد الذي شكىٰ الاسبان ذلك الىٰ حكومتهم من ان المسلمين لم يتركوا لهم مجالاً للقيام بعمل محترم ومرموق ، والحقيقة ان النصارىٰ لم يكونوا جديرين للقيام باي عمل ، حتىٰ لا يحتاجوا المسلمين في انجازه.

خلاصة القول :

انه وبعد حكم المسلمين اغلقت المعامل التي كانوا قد شيدوها بأيديهم ، واختلت امور الزراعة ، فصارت الاراضي التي احياها المسلمون الى موات ، مما اثر ذلك علىٰ العمران المدني ، لذلك نشاهد تدني في امور المدن ايضاً ، ففي اشبيلية التي كان فيها علىٰ حكم المسلمين الف وستمائة مصنع وكان يعمل في تلك المصانع اكثر من مائة وثلاثين الف عامل ، تقلص العدد في طل حكم النصارىٰ الىٰ ثلاثمائة مصنع فقط !

وفي طليلة وحدها كان هناك خمسين مصنع للنسيج والاقمشة في فترة حكم المسلمين ، بقيت منها ثلاثة عشر فقط بعدهم ، اما المصانع التي كانت مخصصة لانتاج الاقمشة الحريرية والتي كان يعمل فيها اكثر من اربعين الف عامل ، فقد اغلقت جميعها ، هذا الامر ادىٰ الى خراب مدن مشهورة كانت

________________

(1) لمزيد الاطلاع حول نص تلك المعاهدات : راجع ، تاريخ العالم الحديث الاسلام ، تاليف الدكتور لوثروب ستودارد ( الاميركي ).

٢٦٢

عامرة في فترة حكم المسلمين مثل ، قرطبة ، وسقوبية وبورغوس.

وقد وصل الامر الىٰ الاوروبيين لرادوا ان ينشئوا في بداية القرن الثامن عشر مصنعاً في سقوبية ، ولأنه لم يكن قد بقي هناك واحداً من الصناعيين المسلمين اضطروا لأن يأتوا بالصناعيين والعمال من هولندا. وبشكل عام لقد سقطت الاندلس في الفقر والحرمان والتخلف علىٰ يد النصارىٰ بعد ان كانت القمة الحضارية في اوروبا والعالم في فترة حكم المسلمين.

نماذج مضحكة من جهل الاوروبيين

سيادة العقيد : من اجل ان تتعرفوا اكثر علىٰ هؤلاء الذين ترونهم افضل منكم ، سأنقل لكم نماذج عن جهلهم ومستوىٰ انحطاطهم الفكري في الماضي ، لكي تعرفوا مدىٰ تخلفهم عندما كان للمسلمين مجد وعظمة علمية في الدنيا :

1 ـ مسكين فلتن الامريكي ، لقد صنع زورقاً بخارياً سرعته ما يقرب من خمسة عشر كيلو متراً في الساعة وقام بتجربته في احد الانهار في امريكا ، المتفرجون الامريكيون الذين كانوا يشاهدون حركة الزورق من علىٰ ساحل النهر ، تصوروا ان هذا الزورق ما هو الّا عفريت والدخان الذي يتصاعد من مدخنة غرفة المحرك انفاس ذلك العفريت !!

2 ـ وفي السويد كانوا يقومون بشنق الشيوخ والعجائز والمرضىٰ الذين يصعب علاجهم ، ولا زالت هناك بعض اعواد المشانق بأسماء بعض الاسر ...!

3 ـ وفي بريطانيا والىٰ قرون متأخرة كان هناك قانون يجيز للمرأة ان

٢٦٣

يكون لها اكثر من زوج !

4 ـ نقل بعض المثقفين الفرنسيين الىٰ ملك فرنسا ، ان المسلمين في الاندلس يرصون ارض شوارعهم وازقتهم بأحجار ظريفة ويبالغون في الحفاظ علىٰ نظافتها ، في حين ان شوارع وازقة بلادنا غير مرصوصة بالحجارة والخنازير سائبة فيها علىٰ الدوام مما يزيد في اوساخها ، وبعد ان استمع ملك فرنسا الىٰ كلام هؤلاء ، امر برسم خرائط عن شوارع وازقة مدن الاندلس ، وبعد ذلك ترص شوارع وازقة مدن فرنسا علىٰ غرارها ، كما امر بمنع خروج الخنازير الىٰ الشوارع والازقة.

وما ان سمع الشعب الفرنسي بقرارات الملك ، حتىٰ قامت هناك انتفاضة عامة سميت بالحركة المسيحية في باريس ، واعتبر الباريسيون ان منع حرية الخنازير أمر يخالف التعاليم النصرانية ، وقد وصل الامر الىٰ حدّ اضطر فيه ملك فرنسا لأن يمنح الخنازير حرية التجوال في الشوارع والازقة ، بل ومن اجل جبران ما امر به في السابق ، امر بأن يتعلق في رقبة كل واحد منها جرس خاص ، دلالة علىٰ قدسيتها(1) ، وبالنهاية كانت هذه الاجراس هي السبب في موت ملك فرنسا.

ففي أحد الايام حيث كان الملك ممتطياً جواده ، فاجئته مجموعة من تلك الخنازير بأجراسها ، فارتهب الجواد من صوت اجراسها وقفز من مكانه ،

________________

(1) يشاهد اليوم في الغرب اهتمام بالغ بالكلاب والقطط حتىٰ انهم يعدونها كأحد افراد الاسرة ...!

وحول مكانة الكلاب عند الغربيين راجع :

صحيفة اطلاعات ( بالفارسية ) العدد 9271 بتاريخ 13 / 3 / 1957. مقال بقلم الدكتور زهيري.

٢٦٤

فوقع الملك من علىٰ ظهره وكان في ذلك موته.

5 ـ يقول الدكتور غوستاف لوبون : « كان الجمود والتحجر يسود الاندلس بعد حكم المسلمين لحد ، اقترح مجموعة من المثقفين الاوروبيين علىٰ حكامهم ضرورة تنظيف الشوارع والازقة من القاذورات من اجل نظافة العابرين ، ولمجرد هذا الاقتراح تشكلت هيئة طبية اوروبية وخالفته ، وكان تعليمهم : هو ان آباءنا كانوا عقلاء وكانوا راضون عن مثل هذا الوضع ولابد لنا نحن اتباع نهج اسلافنا في ذلك وان اخراج القاذورات من الشوارع والازقة وتنظيفها بعد عملاً لا تعرف نتائجه ؟! »

فطير وشراب

الدكتور : هل صحيح ان الشعوب الاوروبية كانت علىٰ هذا المستوىٰ من الانحطاط حتىٰ القرن الثامن عشر ؟!

الشيخ : حضرة الدكتور ! لا يقتصر الامر علىٰ الماضي بل في عصر الذرة الذي ينظر فيه شعبنا اليهم بقداسة ، هناك خرافات شائعة بينهم تجعل كل انسان عاقل في حيرة من امره.

ولقد تأصلت هذه الخرافات في عقول كبار سياسييهم وعلماءهم ، بحيث انهم ينفذونها ويلتزمون بها دون اي تحفظ او انتباه ، واليكم بعضها :

أ ـ واحدة من تلك الخرافات التي شارك فيها العديد من الشخصيات في اوروبا وامريكا ، شعائر تسمىٰ « الفطير المقدّس » وهو انهم يحضرون في اليوم الذي يقولون فيه بصلب عيسىٰ ، فطائر يعدونها من دقيق جيد ، ويأخذونها الىٰ

٢٦٥

البابا أو كبير القساوسة ، فياتي البابا أو كبير القساوسة بذلك الفطير ومعه زجاجة شراب الىٰ الكنيسة وقد امتلأت لكبار الشخصيات والناس العاديين وهم مصطفّون ومستعدون ، فيضع كبير القساوسة من ذلك الشراب في كأس من الفضة ، والفطائر في منديل نظيف ، وبعد ان يعبر من امام المصطفين ، يقف ووجهه نحو الشرق مقابل الجميع ويقرأ من الاية 48 الىٰ الآية 58 من الانجيل(1) علىٰ الشراب والفطير الذي بيديه ـ في شعائر خرافية للغاية ـ ثم يسجد علىٰ ذلك الفطير ويخاطبه وهو ساجد : انت يا عيسىٰ رب السماوات والارضين ، انت الذي تجسمت في بطن مريم ، انت ابن الله الذي ولدت قبل جميع العوالم ، وأنت الذي تنجو ببركته من ايدي الشياطين ، وانت الذي تجلس علىٰ يمين الاب في السماوات ! نسألك أن تغفر لنا وأن تغفر لاُمّتك التي دفعت دمك ثمناً لخلاصها !

وبعد ذلك يرفع رأسه من السجود ويمسك بالشراب والفطير أمام الحاضرين فيسجد الجميع امامهما ، لانهم يعتقدون ان ذلك الفطير وبعد ان قرأ عليه القس الاكبر تلك الآيات تحول الىٰ جسم المسيح. وبعد ان يتم الجميع سجودهم ، يمسك القس الاكبر بكأس الخمرة ويخاطب الحاضرين قائلاً : لقد امسك عيسىٰ قبل موته كأس الخمرة واعطاه للحواريين ـ والعياذ بالله ـ وقال لهم اشربوه فهذا دمي ، وبعد ذلك الخطاب يقوم القس ومن بعده الحاضرين بالسجود امام ذلك الكأس الذي يعتقدون بأنه دم عيسىٰ ، ثمّ يقوم القس الاكبر بتقطيع الفطائر بحيث تكون الواحدة بمقدار حبّة الحمص أو أصغر ، ثم يقف هو وبيده قطع الفطير ويمسك قس آخر بكأس الشراب فيأتي المصطفون واحد

________________

(1) الباب السادس من انجيل يوحنا ، ص 155 ، طبع لندن 1901 م.

٢٦٦

بعد واحد اليه يضع في فمهم قطعة من الفطير يبلعونها دون ان تنالها اسنانهم ، لأنها من جسم عيسىٰ ! ثم الىٰ القس الآخر فيشربون من كأس الخمرة دون ان يمسونه ، ويعتدون انهم وبعد ان أكلوا الفطير وشربوا الخمرة اصبحوا جميعاً ابناء الله.

هنا يعجب الاصدقاء من ذلك الكلام الذي رواه لهم الشيخ.

الاصفهاني يشتري النار !

ب ـ ومن الخرافات الاُخرىٰ السائدة حتىٰ اليوم في الدول الغربية ، قصة بيع الجنة وتفصيل ذلك هو ان المسيحيين يؤمنون بأن عيسىٰ قتل لكي يخلّص بدمه اتباعه من الذنوب والعذاب عند ابيه !!! ( الله ) ، ولذلك فان عيسىٰ يستطيع ان يغفر للمذنبين شخصياً

وهذه العقيدة الوهمية اصبحت وسيلة بيد القساوسة لأخذ الاموال من الناس ، فالمسيحي المذنب يأتي الىٰ القس ويعترف بذنبه فيغفر له القس ذنوبه بأعتباره ممثلاً للمسيح ثم يدفع للقس مبلغاً من المال ازاء شراء قطعة ارض في الجنة.

يقال ان أحد الاصفهانيين اطلع علىٰ هذا الأمر في روما ، فذهب الىٰ القس الأكبر وبعد ان اعترف بمجموعة من الذنوب طلب من القس ان يبيعه جميع جهنم ، ومهما أراد القس الاكبر بنصيحته من ان جهنم مركز العذاب في الآخرة ، ويستطيع هو ان يشتري قطعة ارض من جنة مقابل المبلغ الذي يدفعه ، إلّا ان الاصفهاني اصرّ علىٰ شراء جميع جهنم ، وفي النهاية باعه القس

٢٦٧

الأكبر جميع جهنم ازاء مبلغ زهيد ، فطلب الاصفهاني من القس سنداً للملكية ، فكتب له القس الاكبر كتاباً بذلك ووقعه ، فأخذ الاصفهاني الوثيقة ودخل الىٰ اكبر كنيسة ، هناك وخاطب المسيحيين قائلاً ، لاتذهبوا بعد اليوم الىٰ البابا لشراء أرض في الجنة ، لأن شراء الجنة كان خوفاً من جهنم والآن ارحتكم من ذلك ، فقد اشتريت جميع جهنم من البابا وهذه وثيقة الملكية موقعة من قبل البابا نفسه ، وسيضطر الله الىٰ ادخالكم الجنة لأنه لم يبق لديه مكان آخر.

وبعد ان رأىٰ النصارىٰ وثيقة الملكية بيد الاصفهاني موقعة من قبل البابا ، ايقنوا من صحة الامر ، فكانوا يذنبون دون خوف ودون مراجعة للقساوسة من اجل الاعتراف أو شراء الجنة ، وبعد فترة من الزمن شاهد القساوسة عدم مراجعة احد للاعتراف أو شراء الجنة ، وفهموا ان سبب ذلك هو حيلة الاصفهاني التي دبرها ضدهم ، فأضطروا لأن يذهبوا اليه ويعيدوا سند ملكية جهنم اليهم مقابل مبلغ طائل من المال ، وبهذا الشكل عادوا من جديد الىٰ بيع الجنة وغفران الذنوب !

وهنا ينفجر الاصدقاء ضاحكين.

ج ـ ومن أعمال الاوروبيين غير المنطقية معاملتهم للكلاب ، فمن الغريب ان يعجب المؤرخون الاوروبيون الىٰ وضع اجراس في اعناق الخنازير في فرنسا ـ كما تحدثنا عن ذلك سابقا ـ ويعتبرونه دليل علىٰ انحطاط وتوحش الشعوب الاوروبية السابقة ، في حين انهم لم يعتبروا وضع علامة دفع الضرائب في رقبة الكلاب واعداد سيارات ومطاعم وغرف نوم خاصة لها دليلاً علىٰ التوحش والانحطاط الفكري.

٢٦٨

اصدقائي الاعزاء !

هذه والعشرات من امثالها من الخرافات والوهم الذي يسود صميم اوروبا واميركا ويشيع بين رجالها وعلمائها وشعوبها التي ترفع راية الحضارة المعاصرة ، وللاسف الشديد فان بعض افراد شعوبنا الاسلامية والشرقية ومن خلال مشاهدتها لتطور الغرب الصناعي تتصور ان كل ما يقومون به اكبر دليل علىٰ الحضارة والمدنية لمجرد انه صادر من قبلهم !!!

٢٦٩

التقدم العلمي عند المسلمين

حسن ، الطالب الجامعي : كلامك قيّم وهو وثيقة فخر لنا نحن المسلمون ، ولكن يجب ان لا ننسىٰ ان العالم الاوروبي اصبح قدوة للبشرية في جميع العلوم والفنون ، وبالتقدم الذي احرزوه في هذا المجال ، لهم حق كثير علىٰ عاتق العالم ، واعترافاً بالجميل ، يجب ان نقدمهم ( نحن وجميع الشعوب الاخرىٰ ) علىٰ انفسنا.

استمع الشيخ الىٰ كلام حسن ثم تنهّد وقال : بني حسن ، كلما سمعت مثل هذا الكلام يصدر عن اخواني المسلمين وهم يرون انفسهم في مرتبة دون تلك الشعوب الاوروبية المغرورة ويرونهم معلموهم في كل شيء ، اتأثر كثيراً ، بني ، كلامك حول اوروبا وتعليمها للمسلمين ، شبيه بأن تأتي مجموعة من السارقين ، فيسرقون كل ما تملك من اموال ، ثم يعطونك جزءاً يسيراً جداً منها ـ لأغراض في انفسهم ـ فتشكرهم وتنظر اليهم كأولياء نعمتك وتكون ممتناً لهم علىٰ الدوام ، في حين انها اموالك التي سرقوها منك وهي اتعابك واتعاب آباءك السابقين !!

اصدقائي الاعزاء !

يجب ان نقول وللأسف الشديد : آه من جهل وعدم ومعرفة بعض المسلمين ، آه لكل هذا الشقاء وهذه التعاسة !

٢٧٠

اصدقائي ، معلموا البشرية هم المسلمون وليسوا الاوروبيون ! وهم مدانون لنا في العلم ، لا ان نكون نحن الممتنين لهم ! ولقب « الاستاذ » جدير بنا ، لا الاوروبيون والشعوب الغربية ! ومنجزاتهم العلمية التي ادت الىٰ جميع هذا الصناعات والاكتشافات ، مصدرها نحن ! علماء الغرب يعترفون : « المسلمون اساتذتنا »

الدكتور : ايها الشيخ لقد ادعيت امراً كبيراً ، لا اتصوّر انك تقوىٰ علىٰ اثباته !

الشيخ : سعادة الدكتور ! هناك العديد من حقائق الوجود لم تكونوا تتصورونها من قبل ، ومن أجل ان لا يكون كلامي اعتباطاً ، سأنقل لكم في البداية أقوال بعض علماء اوروبا في هذا الصدد ، ثم سأثبت لكم ـ بحول الله وقوته ـ ان الاوروبيين كانوا تلامذة المسلمين في كل واحدة من العلوم وانهم اخذوها منا ، حسب اعتراف علماءهم الكبار.

واليكم نصوص من تلك الاعترافات :

1 ـ يقول العالم الفرنسي المعروف ، ليبري(1) :

« لو لم يظهر الاسلام والمسلمين في التاريخ لتأخّرت النهضة العلمية الاوروبية قرون عديدة ».

2 ـ ويقول الكاتب الانجليزي الكبير ، برناردشو(2) :

________________

(1) Libre

(2) Birnazd Shaw

٢٧١

« تقدم وتطور العلم والفلسفة ، في جميع انحاء العالم هو من عمل المسلمين ».

3 ـ ويقول الفيلسوف المعروف ، ديكارت(1) مؤسس الفلسفة الحديثة :

« جوب الفرنسي ، الذي يهدُ من اشهر علماء اوروبا ، اخذ العلم في الاندلس من المسلمين ».

4 ـ ويقول الدكتور غوستاف لوبون ، حول « روسن مارتن » الذي لم يبخل منزلة المسلمين وخدماتهم في مجال العلم : « مستبعد أن يتجاهل شخص مثل روسن مارتن خدمات المسلمين وحقهم العلمي علينا نحن الشعوب الاوروبية ».

5 ـ ويقول ارنست رينان(2) الفيلسوف الفرنسي المعروف :

« ان كل ما يمتكله البرت الكبير كان قد أخذه عن العالم المسلم ابن سينا ، كما ان القديس ثوماس اخذ فلسفته عن الفيلسوف المسلم ابن رشد الاندلسي أيضاً ».

6 ـ ويقول المؤرخ الفرنسي المعروف ، السيد سديو(3) :

« التقدم والتطور الحضاري الاوروبي المعاصر سببه العلوم التي نشرها المسلمون في شتىٰ انحاء العالم من شرقها الىٰ غربها ، ولابد من الاعتراف بهذه الحقيقة وهي ان المسلمين اساتذة شعوب اوروبا الأوّلين ».

________________

(1) Discartes

(2). E. Renan

(3) Mr. sidilot

٢٧٢

7 ـ ويقول العالم الانجليزي المعروف ، بوغولد :

« كانت الجامعات الاسلامية في بغداد والاندلسي تستقبل الطلبة الاجانب من اليهود والنصارى ، وكانت تدفع تكاليف الدراسة من خزانة الحكومة ، كما كانت تحترمهم كثيراً ، ولقد استفاد مئات الشبان الاوروبيين من هذه الحرية والمساعدة الاسلامية وكانوا يدرسون مختلف العلوم والمعارف في تلك المراكز العلمية ».

8 ـ ويقول بوغيزجيفاي :

« لقد أوجد المسلمون مراكز الثقافة رسمياً في القرون الوسطىٰ ، وأسّسوا الجامعات ، وكان كل اوروبي يدخل الجامعات الاسلامية ، يفتخر بين اقرانه ويكون مرفوع الرأس في عشيرته واسرته ، وكانوا يعتبرونه عظيماً وعالماً ».

9 ـ ويقول القس الفرنسي المعروف ، راموزار سيلوستر :

« في ذلك العصر الذي سطع فيه شعاع الاسلام من بغداد ( في الشرق ) وغرناطة ( في الغرب ) ، كان الاوروبيون يغطون في سبات عميق ، وبعده فترة طويلة ظهرت مجموعة صغيرة منهم اتجهت نحن المراكز العلمية الاسلامية وبدأوا يحتلون جامعات الاندلس ( دولة المسلمين في اوروبا ) ».

10 ـ ويقول المؤرخ الاميركي ، درابر :

« كانت للمسلمين باع طويلة في جميع العلوم القديمة منها والحديثة ، وكانت لهم مهارة خاصة في الميكانيك والديناميك والايذوستاتيك ، وفي مسائل علم الفيزياء ، وعلم الكيمياء في مباحث التقطير والتصعيد والتذويب

٢٧٣

والتصفية ، وكانت الجامعات الاسلامية تدرس جميع العلوم من الفيزياء والكيمياء والهيئة ، حتىٰ الزراعة والاسعافات واخلاق الفلاسفة الكبار ، ولم تشاهد جامعة مثل الجامعات الاسلامية فيها ستة آلاف طالب ».

11 ـ ويقول المؤرخ الفرنسي الشهير « سديلو » في كتاب « تاريخ العرب » :

«كان المسلمون في القرون الوسطىٰ ، القمّة في الفسلفة ومختلف الفنون ، واين ما وطئت اقدامهم ارضاً نشروا فيها العلم ، حتىٰ وصلت علومهم الىٰ اوروبا وادت الىٰ النهضة العلمية الاوروبية »(1) .

12 ـ ويقول « جوزيف ماك كاب » :

« لا يوجد في التاريخ شعب وقدم يهتم بالعلم والمعرفة للحد الذي سيطر حب العلم والفن علىٰ جميع طبقاته ، إلّا المسلمين »(2) .

13 ـ ويقول « رنبورت » :

لا بدّ من الاعتراف ان العلوم الطبيعية والفلكية والفلسفة والرياضيات التي احيت اوروبا في القرن العاشر ، كانت مأخوذة من القرآن ، بل اوروبا مدينة بكامل نهضتها للاسلام »(3) .

14 ـ ويقول جورجي زيدان :

________________

(1) روح الدين الاسلامي.

(2) عظمة المسلمين في اسبانيا.

(3) نو دانش ، سنة 1985 ( بالفارسية ).

٢٧٤

« اينما حكم الاسلام ، تقدم العلم والادب بسرعة »(1) .

15 ـ وفي مكان آخر يقول المؤرخ الاميركي « درابر » ، استاذ جامعة نيويورك :

« اذا اردنا كتابة آثار نهضة المسلمين العلمية ، سنخرج من اطار كتاب ـ نزاع العلم والدين ـ ولكن يكفي ان نعلم ان المسلمين تقدّموا وترقّوا كثيراً في العلوم القديمة التي كانت موجودة قبلهم ، كما انّهم أوجدوا علوماً جديدة لم تكن في السابق ، واكتشفوا وسائل عديدة في الكيمياء وغيرها من العلوم ، ولهذا اعتبروهم مؤسسوا علم الكيمياء.

وفي ذلك العصر كانت الجامعات الاسلامية مفتوحة بوجه عامة المسلمين وعلماء اوروبا ، وكان الامراء والسلاطين يتجهون نحو الدول والبلدان الاسلامية للعلاج »(2) .

16 ـ ويقول « دالامبر » في كتابه « الهيئة » : « لم تكن خدمات المسلمين تقتصر في ابحاثهم واكتشافاتهم وتقدمهم العلمي فقط ، بل انهم نفخوا في العلم روحاً خاصة ، ونشروه في ارجاء العالم من خلال الكتب التي الّفوها والجامعات التي اسسوها ، وبهذا الشكل احسنوا الىٰ العالم واوروبا ، حيث يمكن القول ان المسلمين كانوا اساتذة الاوروبيين في العلوم والفنون علىٰ مدىٰ قرون »(3) .

________________

(1) تاريخ الحضارة اسلامية.

(2) روح الدين الاسلامي.

(3) العالم الاسلامي.

٢٧٥

17 ـ ويقول كريستوف كولومبس(1) مكتشف القارة الاميركية :

« لقد استفدت في الوصول الىٰ هدفي السامي وهو كشف طريق الهند من كتاب العالم ابن رشد الاندلسي ، حتىٰ استطعت في النهاية ان اكتشف جزيرة امريكا ».

18 ـ ويقول أي. دي. همبلت ، أحد كبار علماء اوروبا :

« يجب ان نعتبر المسلمين هم المؤسسون الحقيقيّون للعلوم الطبيعية »(2) .

اصدقائي الاعزاء !

هذه نماذج من اعترافات كبار علماء اوروبا في تقدم المسلمين في مختلف العلوم ، وكونهم اساتذة اوروبا وسائر الشعوب في العالم.

وبعد ذلك سأبدأ بحثي حول التطور العلمي للمسلمين في مجالات العلوم الحديثة ، وسأورد لكم في ذلك ادلة قاطعة :

________________

(1) Christopher Columbes

(2) صورة الاسلام.

٢٧٦

تقدم المسلمين في مجال الطب

يقول المستشرق الفرنسي الكبير الدكتور غوستاف لوبون والذي يحمل شهادة دكتوراه في الطب والطبيعيات والاجتماع : « الطب أيضاً مثل الهيئة والرياضيات والكيمياء من العلوم التي كانت للمسلمين اكتشافات ودراسات فيها ، وقد توصلوا الىٰ نتائج مهمة فيه ، وكتب الطب العربية لم تفقد مثل سائر تصانيفهم لأنها ترجمت الىٰ اللاتينية.

ومن اشهر اطباء المسلمين محمد بن زكرياء الرازي الذي يعد من علماء الكيمياء أيضاً ، كان الرازي يعلم الطب في بغداد لفترة خمسين سنة ، وقد كتب مصنفات عديدة في التاريخ والكيمياء والطب ، وله مؤلفات في الحمىٰ البثورية ، مثل الحصبة وامثالها ، ويعد كتابه « علاج الاطفال » اول كتاب في هذا المجال ، ففيه معالجات حديثة مثل استخدام الماء البارد في تخفيض درجة الحرارة ( الحمىٰ ) والذي لا يزال يستخدم في الطب الاوروبي الحديث ، واستخدم الكحول للجروح والحجامة للسكتة وأمثالها.

واشهر كتاب للرازي في الطب هو « الكبير » ، وهو يحتوي على جميع المسائل الطبية وله كتاب آخر في الطب يسمى « المنصورية » والذي كتبه باسم الخليفة المنصور ، ويتضمن عشرة أبواب :

الأوّل : في التشريح ( الفسيولوجيا ).

الثاني : في الامزجة.

٢٧٧

الثالث : في الاغذية والادوية.

الرابع : في الحفاظ علىٰ الصحة.

الخامس : في الأدوية التي تزيّن الجسم.

السادس : في لوازم حفظ الصحة خلال السفر.

السابع : في الجراحة.

الثامن : في السموم.

التاسع : في امراض الكلية.

العاشر : في انواع الحمّىٰ.

وأغلب كتب الرازي مترجمة الىٰ اللاتينية ومطبوعة أكثر من مرّة ، خاصة انها طبعت في فينيسيا ( البندقية )(1) سنة 1509 ميلادية ، وفي باريس سنة 1528 ، وكتابه حول الحصبة طبع مرتان باللاتينية سنة 1745 ميلادية.

وبقيت كتب الرازي في الطب تدرس لفترة طويلة في الكليات الطبية الاوروبية ، وفي لوفين(2) كانت كتب الرازي وكتب ابن سينا في الطب تدرس حتىٰ القرن السابع عشر ( اي الىٰ ما قبل ثلاثة قرون ).

ومن علماء المسلمين الآخرين في الطب « علي بن العباس » الذي كتب العديد من المصنفات في هذا المجال وانتقد فيها عبارات هيبوكرات

________________

(1) Vines

2 ـ Lovin

٢٧٨

وجالينوس واوري باز وبول دوجين ، واثبت خطأهم.

ومن اشهر علماء المسلمين في هذا المجال هو الشيخ الرئيس ابو علي بن سينا ، الذي استمرت آراءه ومصنفاته الطبية علىٰ قوتها لفترة طويلة جداً ، بحيث سميّ « ملك الاطباء » ، وقد ترجمت كتب ابن سينا الىٰ جميع لغات العالم ، وكانت تعد الاساس والمبنىٰ في الطب علىٰ مدىٰ ستة قرون خاصة في جامعات فرنسا وايطاليا التي اعتمدتها كمنهاج دراسية ، وقد اعيد طبعها في القرن الثامن عشر ( قبل قرنين ) مرتان ، ولم يمض علىٰ حذفها من مناهج الجامعات الفرنسية والايطالية اكثر من خمسين سنة فقط.

ومن اطباء المسلمين « ابو مروان عبد الملك بن زهرة » من علماء القرن الثاني عشر في اشبيلية ، ورغم ان شهرته ليست بمستوىٰ سائر اطباء المسلمين ، إلّا ان له كمانة رفيعة في الطب ، وقد قام باصلاحات عديدة في العلاج ، واثبت ان للطبيعة تأثير بالغ في جميع افعال واعمال الجسم ، وبشكل عام كان يرىٰ امكانية دفع الامراض دون الحاجة الىٰ دواء ، واستطاع ابن زهرة خلافاً لما كان سائداً في ذلك العصر ، الجمع بين الجراحة والعلاج وخواص الأدوية وله اُسس وأحكام صائبة لا يمكن الشك فيها حول الكسر والخلع الذي يحدث في العظام.

أمّا الطبيب المسلم الآخر ، فهو « ابن رشد » الذي ولد سنة 1126 في قرطبة ، وتوفي في سنة 1188 م ، ورغم مؤلفاته في الطب الّا ان شهرته كانت في الفلسفة ، ولابن رشد شرح علىٰ الكتاب ابن سينا في الطب ، وله مؤلفات في الترياق والسمّيّات وأقسام الحمّىٰ والامراض الاُخرىٰ ، وقد طبعت كتبه

٢٧٩

الطبية في اوروبا عدة مرّات بعد ان ترجمت الىٰ اللاتينية(1) .

يقول الدكتور غوستاف لوبون :

« لقد ترجمت كتب ابن سينا في الطب الىٰ جميع لغات العالم ، وبقيت الاساس والمبنىٰ في الطب علىٰ مدىٰ ستمائة سنة »(2) .

ويقول جورجي زيدان :

« الطب الاسلامي ، هو خلاصة ذلك العلم عند الشعوب المتحضرة آنذاك حتىٰ زمن ظهور الاسلام ، وقد قام المسلمون بجمع الطب الايراني واليوناني والكلداني والهندي واضافوا عليه اشياء كثيرة وانتقدوه في الكثير من الاشياء »(3) .

تغيير المناخ في الطب الاسلامي

يقول الدكتور غوستاف لوبون :

« كان الاطباء المسلمون مطلعين علىٰ فوائد المناخ بشكل تام ، للحد الذي يوصي ابن رشد في شرحه لكتاب ابن سينا في الطب ، بتغيير الجو ( المناخ ) لعلاج المصاب بالسلّ ، فيقول : في فصل الشتاء تعد ارض الحجاز والحبشة مفيدة لعلاج هذا المرض ، كما ان اطباء اوروبا يرسلون المصابين بهذا

________________

(1) حضارة الاسلام والعرب.

(2) المصدر نفسه.

(3) تاريخ الحضارة الاسلامية.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592