الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٢

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174855 / تحميل: 5996
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

سورة

الروم

مكيّة

وعدد آياتها ستون آية

٤٦١
٤٦٢

«سورة الروم»

محتوى سورة الروم :

حيث أنّ هذه السورة جميعها نزلت بمكّة ـ كما هو المشهور ـ فإنّ محتوى السور المكية ، وروحها باد عليها أي إنّها تبحث قبل كل شيء عن المبدأ والمعاد ، لأنّ فترة مكّة هي فترة تعلم الإعتقادات الإسلامية الأصلية الأساسية ، كالتوحيد ومواجهة الشرك والتوجه ليوم المعاد ومحكمة العدل الإلهي والبعث والنشور إلخ كما تثار خلال هذه المباحث مسائل أخرى ترتبط بها.

ويمكن تلخيص مضامين هذه السورة في سبعة أقسام :

١ ـ التنبؤ بانتصار الروم على الفرس في معركة تحدث في المستقبل ، وذلك لما جرى من الحديث بين المسلمين والمشركين في هذا الصدد ، وسيأتي تفصيل ذلك في الصفحات المقبلة بإذن الله.

٢ ـ جانب من طريقة التفكير عند غير المؤمنين وكيفية أحوالهم ، ثمّ التهديدات لهم بالعذاب والجزاء (الإلهي) في يوم القيامة.

٣ ـ قسم مهم من آيات «عظمة الله» في الأرض والسماء ، وفي وجود الإنسان ، من قبيل خروج الحي من الميت ، وخروج الميت من الحيّ وخلق الإنسان من تراب ، ونظام الزوجية بالنسبة للناس ، وعلاقة المودة بين كل من الزوجين ، خلق السماوات والأرض واختلاف الألسن ، نعمة النوم في الليل

٤٦٣

والحركة في النهار ، وظهور البرق والرعد والغيث وحياة الأرض بعد موتها ، وتدبير الله لأمر السماء والأرض.

٤ ـ الكلام عن التوحيد «الفطري» بعد بيان دلائله في الآفاق وفي الأنفس لمعرفة الله سبحانه.

٥ ـ العودة إلى شرح أحوال غير المؤمنين والمذنبين وتفصيل حالاتهم ، وظهور الفساد في الأرض نتيجة لآثامهم وذنوبهم.

٦ ـ إشارة إلى مسألة التملك ، وحق ذوي القربى ، وذم الربا.

٧ ـ العودة ـ مرّة أخرى ـ إلى دلائل التوحيد ، وآيات الله وآثاره ، والمسائل المتعلقة بالمعاد.

وبشكل عام فإنّ في هذه السورة ـ كباقي سور القرآن الأخرى مسائل استدلالية وعاطفية وخطابية ممزوجة مزجا حتى غدت «مزيجا» كاملا لهداية النفوس وتربيتها.

فضيلة سورة الروم :

ورد في حديث للإمام الصادقعليه‌السلام كما أشرنا إليه من قبل ، في فضيلة هذه السورة وسورة العنكبوت ما يلي : «من قرأ سورة العنكبوت والروم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين فهو والله ـ (يا أبا محمّد) ـ من أهل الجنّة لا أستثني فيه أبدا ، ولا أخاف أن يكتب الله علي في يميني إثما ، وإن لهاتين السورتين من الله مكانا»(١) .

وفي حديث آخر عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ورد ما يلي «من قرأها كان له من الأجر عشر

__________________

(١) ثواب الأعمال للصدوق ، طبقا لنقل تفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ١٦٤.

٤٦٤

حسنات بعدد كل ملك سبح الله بين السماء والأرض ، وأدرك ما ضيع في يومه وليلته»(١) .

ومن البديهي أن من جعل محتوى هذه السورة التي هي درس عام للتوحيد ومحكمة القيامة الكبرى ، في روحه وقلبه ، وراقب الله في كل لحظة ، واعتقد بيوم الجزاء حقا ، فإن تقوى الله تملأ قلبه حتى يكون حقيقا بهذا الأجر والثواب.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، بداية سورة الروم.

٤٦٥

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (٧) )

سبب النّزول

يتفق المفسّرون الكبار على أن الآيات الأولى من هذه السورة نزلت في أعقاب الحرب التي دارت بين الروم والفرس ، وانتصر الفرس على الروم ، وكان النّبي حينئذ في مكّة ، والمؤمنون يمثلون الأقلية.

فاعتبر المشركون هذا الإنتصار للفرس فألا حسنا ، وعدّوه دليلا على حقانية المشركين و «الشرك» ، وقالوا : إن الفرس مجوس مشركون ، وأمّا الروم فهم مسيحيون «نصارى» ومن أهل الكتاب فكما أن الفرس غلبوا «الروم» فإن

٤٦٦

الغلبة النهائية للشرك أيضا ، وستنطوي صفحة الإسلام بسرعة ويكون النصر حليفنا.

وبالرغم من أن مثل هذا الاستنتاج عار من أي أساس ، إلّا أنّه لم يكن خاليا من التأثير في ذلك الجوّ والمحيط للتبليغ بين الناس الجهلة ، لذلك كان هذا الأمر عسيرا على المسلمين.

فنزلت الآيات الآنفة وقالت بشكل قاطع : لئن غلب الفرس الروم ليأتينّ النصر والغلبة للروم خلال فترة قصيرة. وقد حدّدت الفترة لانتصار الروم على الفرس في( بِضْعِ سِنِينَ ) .

وهذا الكلام السابق لأوانه ، هو من جهة دليل على إعجاز القرآن ، هذا الكتاب السماوي الذي يستند علمه إلى الخالق غير المحدود ، ومن جهة أخرى كان فألا حسنا للمسلمين في مقابل فأل المشركين ، حتى أن بعض المسلمين عقدوا مع المشركين رهانا على هذه المسألة المهمّة ، ولم يكن في ذلك الحين قد نزل الحكم بتحريم مثل هذا الشرط(١) .

التّفسير

تنبؤ عجيب!

هذه السورة ضمن مجموع تسع وعشرين سورة تبدأ بالحروف المقطعة( الم ) .

وقد بحثنا مرارا في تفسير هذه الحروف المقطعة «وخاصة في بداية سورة البقرة وآل عمران والأعراف».

__________________

(١) جاء سبب النّزول هذا في كتب التفاسير المختلفة بشيء من الاختلاف البسيط في التعابير ، فراجع مجمع البيان والميزان ونور الثقلين وتفسير الفخر الرازي وأبو الفتوح الرازي ، وتفسير الآلوسي وفي ظلال القرآن والتفاسير الأخرى.

٤٦٧

والفارق الوحيد الذي نلاحظه هنا عن بقية السور ، ويلفت النظر ، هو أنّه خلافا لكثير من السور التي تبدأ بالحروف المقطعة ، التي يأتي الحديث بعدها على عظمة القرآن الكريم ، بل بحثا عن اندحار الروم وانتصارهم في المستقبل ، ولكن مع التدقيق يتّضح أن هذا البحث يتحدث عن عظمة القرآن الكريم أيضا لأنّ هذا الخبر الغيبي المرتبط بالمستقبل هو من دلائل إعجاز القرآن ، وعظمة هذا الكتاب السماوي!.

يقول القرآن بعد الحروف المقطعة( غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ) وهم قريب منكم يا أهل مكّة ، إذ أنّهم في شمال جزيرة العرب ، في أراضي الشام في منطقة بين «بصرى» و «أذرعات».

ومن هنا يعلم بأنّ المراد من الروم هنا هم الروم الشرقيون ، لا الروم الغربيون.

ويرى بعض المفسّرين كالشيخ الطوسي في تفسير «التبيان» ـ أن من المحتمل أن يكون المراد بأدنى الأرض المكان القريب من بلاد فارس ، أي إن المعركة وقعت في أقرب نقطة بين الفرس والروم.(١)

وصحيح أن التّفسير الأوّل معه الألف واللام للعهد ـ في الأرض» مناسب أكثر ، ولكن ومن جهات متعددة ـ كما سنذكرها ـ يبدوا أن التّفسير الثّاني أصحّ من الأول!

ويوجد هنا تفسير ثالث ، ولعلّه لا يختلف من حيث النتيجة مع التّفسير الثاني ، هو أنّ المراد من هذه الأرض ـ هي أرض الروم ، أي إنّهم غلبوا في أقرب حدودهم مع بلاد فارس ، وهذا يشير إلى أهمية هذا الاندحار وعمقه ، لأنّ الاندحار في المناطق البعيدة والحدود المترامية البعد ليس له أهمية بالغة ، بل المهم أن تندحر دولة في أقرب نقاطها من حدودها مع العدو ، إذ هي فيها أقوى وأشدّ من غيرها.

__________________

(١) تفسير التبيان ، ج ٨ ، ص ٢٠٦.

٤٦٨

فعلى هذا سيكون ذكر جملة( فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ) إشارة إلى أهمية هذا الاندحار.

وبالطبع فإن التنبؤ عن انتصار البلد المغلوب خلال بضع سنين في المستقبل ، له أهمية أكبر ، إذ لا يمكن التوقع له إلّا عن طريق الإعجاز.

ثمّ يضيف القرآن :( وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ) وهم أيّ الروم. ومع أن جملة «سيغلبون» كافية لبيان المقصود ، ولكن جاء التعبير( مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ ) بشكل خاص لتتّضح أهمية هذا الإنتصار أكثر ، لأنّه لا ينتظر أن تغلب جماعة مغلوبة وفي أقرب حدودها وأقواها في ظرف قصير ، لكن القرآن يخبر بصراحة عن هذه الحادثة غير المتوقعة.

ثمّ يبيّن الفترة القصيرة من هذه السنين بهذا التعبير( فِي بِضْعِ سِنِينَ ) (١) والمعلوم أن «بضع» ما يكون أقله الثلاث وأكثره التسع.

وإذا أخبر الله عن المستقبل ، فلأنّه( لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ) .

وبديهيّ أن كون الأشياء جميعها بيد الله ـ وبأمره وإرادته ـ لا يمنع من اختيارنا في الإرادة وحريتنا وسعينا وجهادنا في مسير الأهداف المنظورة.

وبتعبير آخر : إن هذه العبارة لا تريد سلب الإختيار من الآخرين ، بل تريد أن توضح هذه اللطيفة ، وهي أن القادر بالذات والمالك على الإطلاق هو الله ، وكل من لديه شيء فهو منه!.

ثمّ يضيف القرآن ، أنّه إذا فرح المشركون اليوم بانتصار الفرس على الروم فإنه ستغلب الروم( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ) .

أجل ، يفرحون( بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) .

ولكن ما المراد من فرح المؤمنون؟!

__________________

(١) توجد احتمالات كثيرة في معنى «بضع» فقيل : إنّها تتراوح بين ثلاث وعشر ، أو أنّها تتراوح بين واحدة وتسع ، وقيل : أقلّها ست وأكثرها تسع. إلّا أن ما ذكرناه في المتن هو المشهور.

٤٦٩

قال جماعة : المراد منه فرحهم بانتصار الروم ، وإن كانوا في صفوف الكفار أيضا ، إلّا أنّهم لكونهم لديهم كتاب سماوي فانتصارهم على المجوس يعدّ مرحلة من انتصار «التوحيد» على «الشرك».

وأضاف آخرون : إن المؤمنين إنّما فرحوا لأنّهم تفألوا من هذه الحادثة فألا حسنا ، وجعلوها دليلا على انتصارهم على المشركين.

أو أن فرحهم كان لأنّ عظمة القرآن وصدق كلامه المسبق القاطع ـ بنفسه ـ انتصار معنوي للمسلمين وظهر في ذلك اليوم.

ولا يبعد هذا الاحتمال وهو أن انتصار الروم كان مقارنا مع بعض انتصارات المسلمين على المشركين ، وخاصة أن بعض المفسّرين أشار إلى أن هذا الإنتصار كان مقارنا لانتصار بدر أو مقارنا لصلح الحديبية. وهو بنفسه يعدّ انتصارا كبيرا ، وخاصة إن التعبير بنصر الله أيضا يناسب هذا المعنى.

والخلاصة : إنّ المسلمين «المؤمنين» فرحوا في ذلك اليوم لجهات متعددة :

١ ـ من انتصار أهل الكتاب على المجوس ، لأنّه ساحة لانتصار الموحدين على المشركين.

٢ ـ من الإنتصار المعنوي لظهور إعجاز القرآن.

٣ ـ ومن الإنتصار المقارن لذلك الإنتصار ، ويحتمل أن يكون صلح الحديبية ، أو بعض فتوحات المسلمين الأخر!.

ولزيادة التأكيد يضيف أيضا( وَعْدَ اللهِ (١) لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) والسبب في عدم علم الناس ، هو عدم معرفتهم بالله وقدرته ، فهم لم يعرفوا الله حق معرفته ، فهم لا يعلمون هذه الحقيقة ، وهي أن الله محال عليه أن يتخلف عن وعده ، لأنّ التخلف عن الوعد إمّا للجهل ، أو لأنّ الأمر كان مكتوما

__________________

(١) نصب «وعد الله» على أنّه مفعول مطلق وعامله محذوف ، ويعلم من الجملة التي قبله أي «سيغلبون» التي هي مصداق الوعد الإلهي ، ويكون تقديره : وعد الله ذلك وعدا!.

٤٧٠

ثمّ اتضح وصار سببا لتغيير العقيدة ، أو للضعف وعدم القدرة ، إذ لم يرجع الذي وعد عن عقيدته لكنّه غير قادر ، لكن الله لا يتخلف عن الوعد ، لأنّه يعرف عواقب الأمور ، وقدرته فوق كل شيء.

ثمّ يضيف القرآن معقبا :( يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ ) .

إنّهم لا يعلمون إلّا الحياة الدنيا فحسب ، بل يعلمون الظاهر منها ويقنعون به! فكلّ ما تمثله نظراتهم ونصيبهم من هذه الحياة هو اللهو واللذة العابرة والنوم والخيال وما ينطوي في هذا الأدران السطحي للحياة من الغفلة والغرور ، غير خاف على أحد.

ولو كانوا يعلمون باطن الحياة وواقعها في هذه الدنيا ، لكان ذلك كافيا لمعرفة الآخرة! لأنّ التدقيق في هذه الحياة العابرة ، يكشف أنّها حلقة من سلسلة طويلة ومرحلة من مسير مديد كبير ، كما أن التدقيق في مرحلة تكوين الجنين يكشف عن أن الهدف النهائي ليس هو هذه المرحلة من حياة الجنين فحسب! بل هي مقدمة لحياة أوسع!.

أجل ، هم يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا فحسب ، ولكنّهم غافلون عن مكنونها ومحتواها ومفاهيمها!.

ومن الطريف هنا أن تكرار الضمير «هم» يشير إلى هذه الحقيقة ، وهي أن علة هذه الغفلة وسرّها تعود إليهم «فهم الغفلة وهم الجهلة» وهذا يشبه تماما قول القائل لك مثلا : لقد أغفلتني عن هذا الأمر ، فتجيبه : أنت كنت غافلا عن هذا الأمر ، أي إن سبب الغفلة يعود إلى نفسك أنت!.

* * *

٤٧١

بحوث

١ ـ إعجاز القرآن من جهة «علم الغيب»

إن واحدا من طرق إثبات إعجاز القرآن ، هو الإخبار بالمغيبات ، ومثله الواضح في هذه الآيات ـ محل البحث ـ ففي عدّة آيات يخبر بأنواع التأكيدات عن انتصار كبير لجيش منهزم بعد بضع سنين ويعدّ ذلك وعدا إلهيّا غير مكذوب ولا يتخلف أبدا.

فمن جهة يتحدث مخبرا عن أصل الإنتصار والغلب( وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ) .

ومن جهة يتحدث عن خبر لانتصار آخر للمسلمين على الكفار مقترنا لزمان الإنتصار الذي يتحقق للروم( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ ) .

ومن جهة ثالثة يصرّح أنّ هذا الأمر سيقع خلال عدّة سنوات( فِي بِضْعِ سِنِينَ ) .

ومن جهة رابعة يسجّل قطعية هذا الوعد الإلهي بتأكيدين بالوعد( وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ ) .

ويحدثنا التأريخ أنّه لم تمض تسع سنوات حتى تحققت هاتان الحادثتان فقد انتصر الروم في حربهم الجديدة على الفرس ، واقترن زمان هذا الإنتصار بـ «صلح الحديبية» وطبقا لرواية أخرى أنّه كان مقارنا لمعركة بدر ، إذ حقق المسلمون انتصارا ملحوظا على الكفار.

والآن ينقدح هذا السؤال ، وهو : هل يستطيع إنسان أن يخبر بعلم عادي بسيط ، عن مثل هذه الحادثة المهمة بضرس قاطع؟ حتى لو فرضنا أن الأمر كان مع تكهّن سياسي ـ ولم يكن ـ فينبغي أن يذكر هذا الأمر بقيد «الاحتياط» والاحتمال ، لا بمثل هذه الصراحة والقطع ، إذ لو ظهر خلافه لكان أحسن دليل

٤٧٢

وسند على إبطال دعوى النبوة بيد الأعداء!.

والحقيقة هي أنّ مسائل من قبيل توقّع انتصار دولة كبيرة كالروم ، أو مسألة المباهلة ، تدل بصورة جيدة على أنّ نبيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله كان قلبه متعلقا بمكان آخر ، وكان له سند قوي ، وإلّا فلا يمكن لأي أحد ـ في مثل هذه الظروف ـ أن يجرأ على مثل هذا الأمر!.

وخاصة ، إنّ مطالعة سيرة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تكشف أنّه لم يكن إنسانا يتصيد بالماء العكر ، بل كانت أعماله محسوبة فمثل هذا الادعاء من مثل هذا الشخص يدل على أنّه كان يعتمد على ما وراء الطبيعة ، وعلى وحي الله وعلمه المطلق.

وسنتحدث عن تطبيق هذا التنبؤ التاريخي في القريب العاجل إن شاء الله.

٢ ـ السطحيّون «أصحاب الظاهر»

تختلف نظرة الإنسان المؤمن الإلهي أساسا مع نظرة الفرد المادي المشرك ، اختلافا كبيرا.

فالأوّل طبقا لعقيدة التوحيد ـ يرى أن العالم مخلوق لربّ عليم حكيم ، وجميع أفعاله وفق حساب وخطة مدروسة ، وعلى هذا فهو يعتقد أن العالم مجموعة أسرار ورموز دقيقة ، ولا شيء في هذا العالم بسيط واعتيادي ، وجميع كلمات هذا الكتاب «التكويني» ذات محتوى ومعنى كبير.

هذه النظرة التوحيدية تقول لصاحبها : لا تمرّ على أية حادثة وأي موضوع ببساطة ، إذ يمكن أن يكون أبسط المسائل أعقدها فهو ينظر دائما إلى عمق هذا العالم ولا يقنع بظواهره ، قرأ الدرس في مدرسة التوحيد ، ويرى للعالم هدفا كبيرا ، وما من شيء إلّا يراه في دائرة هذا الهدف غير خارج عنها.

في حين أن الإنسان المادي غير المؤمن يعدّ الدنيا مجموعة من الحوادث

٤٧٣

العمي والصمّ التي لا هدف لها ، ولا يفكر بغير ظاهرها ، ولا يرى لها باطنا وعمقا أساسا.

ترى هل يعقل أن يكون لكتاب رسم طفل على صفحاته خطوطا عشوائية ، أهمية تذكر؟! وكما يقول بعض العلماء الكبار في علوم الطبيعة : إن جميع علماء البشر من أية فئة كانوا وأية طبقة ، حين نهضوا للتفكير في نظام هذا العالم ، كانوا ينطلقون من تفكير ديني «فتأملوا بدقّة».

«انشتاين» العالم المعاصر يقول : من الصعب العثور بين المفكرين في العالم شخص لا يحس بدين خاص وهذا الدين يختلف مع دين الإنسان العامي ، إنّه يدعو هذا العالم إلى التحيّر من هذا النظام العجيب والدقيق للكائنات ، إذ تكشف عن وجهها أسرارا لا تقاس مع جميع تلك الجهود والأفكار المنظمة للبشر(١) !.

ويقول في مكان آخر : إن الشيء الذي دعا العلماء والمفكرين والمكتشفين ـ في جميع القرون والأعصار ـ أن يفكروا في أسرار العالم الدقيقة ، هو اعتقادهم الديني.

ومن جهة أخرى كيف يمكن أن يساوى بين من يعتبر هذه الدنيا مرحلة نهائية وهدفا أصليّا ، ومن يعدّها مزرعة وميدانا للامتحان للحياة الخالدة التي تعقب هذه الحياة الدنيا ، فالأوّل لا يرى أكثر من ظاهر هذه الحياة ، والآخر يفكر في أعماقها!.

وهذا الاختلاف في النظر يؤثر في حياتهم بأجمعها ، فالذي يعيش حياة سطحية وظاهرية يعتبر الإنفاق سببا للخسران والضرر ، في حين أن هذا «الموحد» يعدّها تجارة رابحة لن تبور.

وذلك المادي يعتبر «أكل الربا» سببا للزيادة ووفرة المال. وأمّا الموحد

__________________

(١) نقلا عن كتاب «الدنيا التي أراها».

٤٧٤

فيعده وبالا وشقاء وضررا.

وذلك يعتبر الجهاد ضنى وشقاء ويعتبر الشهادة فناء وانعداما ، وأمّا الموحد فيعد الجهاد رمزا للرفعة ، والشهادة حياة خالدة!

أجل ، إن غير المؤمنين لا يعرفون إلّا الظواهر من الدنيا ، وهم في غفلة عن الحياة الأخرى( يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ ) .

٣ ـ المطابقة التاريخية

لكي نعرف المقطع التاريخي الذي حدثت فيه المعارك بين الروم والفرس ، يكفي أن نعرف في ذلك التاريخ أن حربا طويلة حدثت في عهد «خسرو پرويز» ملك الفرس مع الروم استمرت زهاء أربع وعشرين سنة ، حيث دامت من سنة «٦٠٤ ميلادية إلى سنة ٦٢٨».

وفي حدود سنة ٦١٦ ميلادية هجم قائدان عسكريان في الجيش الفارسي هما : (شهر براز» و (شاهين) على الحدود الشرقية للروم ، فهزما الروم هزيمة نكراء ، وسيطرأ على منطقة الشامات ومصر وآسيا الصغرى ، فواجهت الروم الشرقية بسبب هذه الهزيمة حالة الانقراض تقريبا ، واستولى الفرس على جميع ما كان تحت يد الروم من آسيا ومصر.

وكان ذلك في حدود السنة السابعة للبعثة!

غير أنّ ملك الروم «هرقل» بدأ هجومه على بلاد فارس سنة ٦٢٢ ميلادية وألحق هزائم متتابعة بالجيش الفارسي ، واستمرت هذه المعارك حتى سنة ٦٢٨ لصالح الروم ، وغلب خسرو پرويز ، وانكسر انكسارا مريرا ، فخلعه الفرس عن السلطنة وأجلسوا مكانه ابنه «شيرويه».

وبملاحظة أنّ مولد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان سنة ٥٧١ ميلادية وكانت بعثته سنة ٦١٠ ميلادية ، فإن هزيمة الروم وقعت في السنة السابعة للبعثة ، وكان انتصارهم بين

٤٧٥

سنتي خمس وست للهجرة النبوية ، ومن المعلوم أن السنة الخامسة حدثت فيها معركة الخندق ، وتم في السنة السادسة صلح الحديبية ، وبطبيعة الحال فإن تنقّل الأخبار عن حرب فارس والروم إلى منطقة الحجاز ومكّة كانت تستوعب عادة فترة من الزمان ، وبهذا ينطبق هذا الخبر القرآني على هذه الفترة التاريخية بوضوح «فلاحظوا بدقة».

* * *

٤٧٦

الآيات

( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (٨) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) )

التّفسير

عاقبة المسيئين :

كان الكلام في آخر آية من البحث السابق عن السطحيين وأصحاب الظاهر ، حيث كان أفق فكرهم لا يتجاوز حدود الدنيا والعالم المادي وكانوا جاهلين بما وراء الطبيعة ويوم القيامة.

أمّا في هذه الآيات ـ محل البحث ـ والآيات المقبلة ، فيقع الكلام على مطالب متنوعة حول المبدأ والمعاد ، فتبدأ هذه الآيات أولا على صورة استفهام

٤٧٧

فتقول :( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى ) .

أي : لو أنّهم فكروا جيدا ورجعوا إلى عقلهم في الحكم ووجدانهم ، لكانوا يطلعون جيدا على هذين الأمرين :

أوّلا : إنّ العالم خلق على أساس الحق ، وتحكمه أنظمة هي دليل على أنّ الخالق لهذا العالم ذو علم مطلق وقدرة كاملة.

وثانيا : هذا العالم يمضي إلى الزوال ، وحيث أن الخالق الحكيم لا يمكن أن يخلقه عبثا ، فيدل ذلك على وجود عالم آخر هو الدار الباقية بعد هذه الدنيا ، وإلّا فلا مفهوم لخلق هذا العالم ، وهذا الخلق الطويل العريض لا يعقل أن يكون من أجل أيّام معدودات في الحياة الدنيا ، وبذلك يذعنون بوجود الآخرة!.

فعلى هذا يكون التدقيق في نظم هذا العالم وحقانيته دليلا على وجود المبدأ ، والتدقيق في أن هناك «أجلا مسمى» دليل على المعاد «فلاحظوا بدقة».

لذلك يضيف القرآن في نهاية الآية قائلا :( وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ ) فينكرون لقاء الله.

أو إنّهم ينكرون المعاد أصلا ، كما نقلنا عن قول المشركين مرارا في آيات القرآن ، إذ كانوا يقولون :( أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ ) . إنّ هذا إنّ هذا إلخ وبتعابير مختلفة «كما ورد في سورة الرعد الآية (٥) ، وسورة المؤمنون الآية (٣٥) ، وسورة النمل الآية (٦٧) ، وسورة ق الآية (٣) وفي غيرها من السور».

أو إنّهم لا ينكرون بلسانهم ، لكن أعمالهم «ملوثة» ومخزية تدل على أنّهم غير معتقدين بالمعاد ، إذ لو كانوا يعتقدون بالمعاد لم يكونوا فاسدين أو مفسدين!.

والتعبير بـ( فِي أَنْفُسِهِمْ ) لا يعني أن يطالعوا في أسرار وجودهم ، كما يدّعي الفخر الرازي في تفسيره ، بل المراد منه أن يفكروا في داخل أنفسهم عن طريق

٤٧٨

العقل والوجدان يخلق السماوات والأرض.

والتعبير( بِالْحَقِ ) له معنيان : الأوّل : أنّ الخلق كان توأما مع الحق والقانون والنظم ، والآخر : أن الهدف من الخلق كان بالحق ، ولا منافاة بين هذين التّفسيرين طبعا(١) .

والتعبير( بِلِقاءِ رَبِّهِمْ ) كما قلنا مرارا ، هو إشارة إلى يوم القيامة والنشور ، حيث تنكشف الحجب ، والإنسان يعرف عظمة الله بالشهود الباطنيّين.

وحيث أنّ التعبير بـ( أَجَلٍ مُسَمًّى ) كاشف عن أن هذه الحياة على كل حال لا تدوم ، وهذا إنذار لجميع عبدة الدنيا ، فإنّ القرآن يضيف في الآية التالية قائلا :( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ ) أي بالدلائل الواضحات إلّا أنّهم أهملوا ذلك ، ولووا رؤوسهم ، ولم يستسلموا للحق ، فابتلوا بعقاب الله الأليم!( وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) .

في الواقع إنّ القرآن يشير إلى أمم كانت لهم ـ في نظر مشركي مكّة ـ عظمة ملحوظة من حيث القدرة والقوّة الجسمية والثروة المالية ، وكان مصيرهم الأليم يمثل درسا من العبرة لهؤلاء المشركين.

ويمكن أن تكون جملة( أَثارُوا الْأَرْضَ ) إشارة إلى حرث الأرض للزراعة والتشجير ، أو حفر الأنهار ، أو تأسيس العمارات على الأرض ، أو جميع هذه الأمور ، لأنّ جملة( أَثارُوا الْأَرْضَ ) لها مفهوم واسع يشمل جميع هذه الأمور التي هي مقدمة للعمارة والبناء(٢) .

__________________

(١) في صورة ما لو قلنا بالتّفسير الأوّل ، فإن «الباء» في كلمة «بالحق» للمصاحبة ، وفي التّفسير الثّاني تكون الباء بمعنى اللام ، أي للحق.

(٢) «آثار» مأخوذة من مادة (ثور) على زنة (غور) ومعناها التفريق والنثر ، وإنّما سمي الثور ثورا لأنّه يثير الأرض ويفرّقها.

٤٧٩

وحيث كانت أكبر قدرة ـ في ذلك العصر ـ تعني التقدم في الزراعة والرقي الملحوظ من حيث البناء والعمارات ، فإنّه يتّضح رفعة الأمم السالفة وعلوهم على مشركي مكّة الذين كانت قدرتهم في هذه المجالات محدودة جدّا.

إلّا أنّ أولئك مع كل قدراتهم حين أنكروا آيات الله وكذبوا الأنبياء ، لم يستطيعوا الفرار من مخالب العقاب ، فكيف تستطيعون الفرار من عذاب الله؟!

وهذا العقاب والجزاء الأليم هو نتيجة أعمالهم المهلكة أنفسهم ، إذ ظلموا أنفسهم ، ولا يظلم ربّك أحدا.

أمّا آخر آية من الآيات محل البحث ، فتبيّن آخر مرحلة من كفرهم فتقول :( ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ ) .

أجل ، إنّ الذنب أو الإثم يقع على روح الإنسان كالمرض الخبيث ، فيأكل إيمانه ويعدمه ، ويبلغ الأمر حدّا يكذب الإنسان فيه آيات الله ، وأبعد من ذلك أيضا إذ يحمل الذنب صاحبه على الاستهزاء بالأنبياء ، والسخرية بآيات الله ، ويبلغ مرحلة لا ينفع معها وعظ ونصيحة أبدا ، ولا تؤثر فيه أية حكمة وأيّة آية ، ولا يبقى طريق سوى أسواط عذاب الله المؤلمة له.

إنّ نظرة واحدة في صفحات تاريخ كثير من الجناة والبغاة تكشف أنّهم لم يكونوا هكذا في بداية الأمر ، إذ كان لديهم على الأقل نور إيمان ضعيف يشع في قلوبهم ، ولكن ارتكابهم للذنوب المتتابعة سبّب يوما بعد آخر أن ينفصلوا عن الإيمان والتقوى ، وأن يبلغوا آخر الأمر إلى المرحلة النهائية من الكفر.

ونلاحظ في خطبة العقيلة زينبعليها‌السلام أمام يزيد بن معاوية في الشام ، النتيجة ذاتها التي أشرنا إليها آنفا لأنّها حين رأت يزيد يسخر بكل شيء ويتكلم بكلمات الكفر وأنشد أشعارا من ضمنها :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

لانحصار الشرور فيه، فإنّ عالم الأمر خير كلّه.

( وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ ) ليل إذا اعتكر(١) واختلط ظلامه. من قوله:( إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (٢) . وأصله: الامتلاء. يقال: غسقت العين، إذا امتلأت دمعا. وغسقت الجراحة: امتلأت دما. وقيل: السيلان. وغسق الليل انصباب ظلامه. وغسق العين سيلان دمعها.( إِذا وَقَبَ ) دخل ظلامه في كلّ شيء. وتخصيصه مع دخوله تحت قوله:( مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ ) لأنّ انبثاث المضارّ فيه أكثر، والتحرّز منه أصعب. ولذلك قيل: الليل أخفى للويل. وقولهم: أغدر الليل، لأنّه إذا أظلم كثر فيه الغدر.

وقيل: المراد به القمر، فإنّه يكسف فيغسق. ووقوبه: دخوله في الكسوف.

ويجوز أن يراد بالغاسق الأسود من الحيّات. ووقبه: ضربه ونقبه.

( وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ ) ومن شرّ النفوس، أو الجماعات، أو النساء السواحر اللاتي يعقدن عقدا في خيوط وينفثن عليها ويرقين. والنفث: النفخ مع ريق.

وتخصيصه لماروي أنّ لبيد بن أعصم اليهودي سحر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ دسّ ذلك في بئر ذروان لبني زريق. وفي رواية أنّ بناته سحرن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ دسسن ذلك في البئر المذكور. فمرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فبينا هو نائم إذ أتاه ملكان، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فأخبراه بذلك، وأنّه في بئر ذروان في جفّ طلعة تحت راعوفة. والجفّ: قشر الطلع(٣) . والراعوفة: حجر في أسفل البئر يقوم عليها الماتح(٤) . فانتبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعث عليّاعليه‌السلام والزبير وعمّار فنزحوا

__________________

(١) اعتكر الليل: اشتدّ سواده.

(٢) الإسراء: ٧٨.

(٣) الطلع من النخل: شيء يخرج كأنّه نعلان مطبقان والحمل بينهما منضود.

(٤) أي: ما يستخرج به الماء. من: متح الماء: نزعه.

٥٦١

ماء تلك البئر، ثمّ رفعوا الصخرة وأخرجوا الجفّ، فإذا فيه مشاطة(١) رأس وأسنان من مشطة، وإذا فيه معقد فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر. فنزلت هاتان السورتان. فجعل كلّما يقرأ آية انحلّت عقدة، ووجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خفّة فقام، فكأنّما أنشط من عقال. وجعل جبرئيلعليه‌السلام يقول: بسم الله أرقيك، من شرّ كلّ شيء يؤذيك، من حاسد وعين، والله تعالى يشفيك. ورووا ذلك عن عائشة وابن عبّاس.

وهذا لا يجوز، لأنّ من وصف بأنّه مسحور فقد خبل عقله، وقد أبى الله سبحانه ذلك في قوله:( وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا ) (٢) . ولكن يمكن أن يكون اليهوديّ أو بناته ـ على ما روي ـ اجتهدوا في ذلك فلم يقدروا عليه، فأطلع الله نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما فعلوه من التمويه حتّى استخرج، وكان ذلك دلالة على صدقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وكيف يجوز أن يكون المرض من فعلهم؟ ولو قدروا على ذلك لقتلوه وقتلوا كثيرا من المؤمنين، مع شدّة عداوتهم لهم.

فمعنى الاستعاذة من شرّهنّ: إمّا بأن يستعاذ من عملهنّ الّذي هو صنعة السحر، ومن إثمهنّ في ذلك. أو يستعاذ من فتنتهنّ الناس بسحرهنّ، وما يخدعنهم به من باطلهنّ. أو يستعاذ ممّا يصيب الله به من الشرّ عند نفثهنّ.

ويجوز أن يراد بهنّ النساء الكيّادات، من قوله:( إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) (٣) تشبيها لكيدهنّ بالسحر والنفث في العقد. أو اللاتي يفتنّ الرجال بتعرّضهنّ لهم وعرضهنّ محاسنهنّ، كأنّهنّ يسحرنهم بذلك.

وقيل: المراد بالنفث في العقد إبطال عزائم الرجال بالحيل. مستعار من تليين

__________________

(١) المشاطة: ما يسقط من الشعر عند مشطه.

(٢) الفرقان: ٨ ـ ٩.

(٣) يوسف: ٢٨.

٥٦٢

العقد بنفث الريق ليسهل حلّها. وإفرادها بالتعريف، لأنّ كلّ نفّاثة شرّيرة، بخلاف كلّ غاسق وحاسد.

( وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ ) إذا أظهر حسده وعمل بمقتضاه، فإنّه لا يعود ضرر منه قبل ذلك. إلى المحسود، بل يخصّ به لاغتمامه بسروره. وتخصيصه مع دخوله في قوله:( مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ ) لأنّه العمدة في إضرار الإنسان بل الحيوان غيره.

ويجوز أن يراد بالغاسق ما يخلو عن النور كالجمادات، وما يضاهيه كالقوى.

وبالنفّاثات النباتات، فإنّ قواها النباتيّة من حيث إنّها تزيد في طولها وعرضها وعمقها، كأنّها تنفث في العقد الثلاث. وبالحاسد الحيوان، فإنّه إنّما يقصد غيره غالبا طمعا فيما عنده. ولعلّ إفرادها من عالم الخلق لأنّها الأسباب القريبة للمضرّة.

قال بعضهم: إنّ الله سبحانه جمع الشرور في هذه السورة وختمها بالحسد ليعلم أنّه أخسّ الطبائع. نعوذ بالله منه.

وروى أنس أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: «من رأى شيئا يعجبه فقال: الله الله ما شاء الله لا قوّة إلّا بالله، لم يضرّ شيئا».

وروي: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان كثيرا مّا يعوّذ الحسن والحسينعليهما‌السلام بهاتين السورتين.

٥٦٣
٥٦٤

(١١٤)

سورة الناس

مدنيّة. وقيل: مكّيّة. وهي مثل سورة الفلق، لأنّها إحدى المعوّذتين. وهي ستّ آيات.

الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: «إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اشتكى شكوى شديدة، ووجع وجعا شديدا، فأتاه جبرئيل وميكائيل، فقعد جبرئيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، فعوّذه جبرئيل بـ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) ، وعوّذه ميكائيل بـ( أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) ».

أبو خديجة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: «جاء جبرئيل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو شاك، فرقاه بالمعوّذتين و( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) . وقال: بسم الله أرقيك، والله يشفيك، من كلّ داء يؤذيك، خذها فلتهنيك».

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦) )

٥٦٥

ولـمّا كانت الاستعاذة في السورة المتقدّمة من المضارّ البدنيّة، وهي تعمّ الإنسان وغيره، والاستعاذة في هذه السورة من الأضرار الّتي تعرض للنفوس البشريّة، عمّم الإضافة ثمّ، وخصّصها بالناس هاهنا، فقال :

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) ولـمّا كانت الاستعاذة وقعت من شرّ الموسوس في صدور الناس، فكأنّه قيل: أعوذ من شرّ الموسوس إلى الناس بربّهم الّذي يملك أمورهم ويستحقّ عبادتهم، كما يستغيث بعض الموالي إذا اعتراهم خطب بسيّدهم ومخدومهم ووالي أمرهم.

( مَلِكِ النَّاسِ * إِلهِ النَّاسِ ) عطف بيان له، فإنّ الربّ قد لا يكون ملكا، والملك قد لا يكون إلها. والإله خاصّ لا شركة فيه، فجعل غاية للبيان.

وقيل: ليس في «الناس» تكرار، لأنّ المراد بالأوّل: الأجنّة، ولهذا قال:( بِرَبِّ النَّاسِ ) ، لأنّه يربّيهم. وبالثاني: الأطفال، ولذلك قال:( مَلِكِ النَّاسِ ) لأنّه يملكهم. وبالثالث: البالغون المكلّفون، ولذلك قال:( إِلهِ النَّاسِ ) ، لأنّهم يعبدونه.

وبالرابع: العلماء، لأنّ الشيطان يوسوس إليهم. ولا يريد الجهّال، لأنّ الجاهل يضلّ بجهله، وإنّما يوقع الوسوسة في قلب العالم، كما قال:( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ ) (١) .

وقيل: في هذا النظم دلالة على أنّه حقيق بالإعادة، قادر عليها، غير ممنوع عنها. وإشعار على مراتب الناظر في المعارف، فإنّه يعلم أوّلا بما يرى عليه من النعم الظاهرة والباطنة أنّ له ربّا. ثمّ يتغلغل في النظر حتّى يتحقّق أنّه غنيّ عن الكلّ، وذات كلّ شيء له، ومصارف أمره منه، فهو الملك الحقّ. ثمّ يستدلّ به على أنّه المستحقّ للعبادة لا غير. وتدرّج في وجوه الاستعاذة كما يتدرّج في الاستعاذة المعتادة، تنزيلا لاختلاف الصفات منزلة اختلاف الذات، إشعارا بعظم الآفة

__________________

(١) طه: ١٢٠.

٥٦٦

المستعاذ منها. وتكرير «الناس» لـما في الإظهار من مزيد البيان، والإشعار بشرف الإنسان.

( مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ ) أي: الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة. وأمّا المصدر فبالكسر، كالزلزال. والمراد به الموسوس، وهو الشيطان، سمّي بفعله مبالغة. أو المراد ذو الوسواس. والوسوسة هي الصوت الخفيّ. ومنه: وسواس الحليّ.

( الْخَنَّاسِ ) الّذي عادته أن يخنس، أي: يتأخّر إذا ذكر الإنسان ربّه.

روي عن سعيد بن جبير: إذا ذكر الإنسان ربّه خنس الشيطان وولّى، فإذا غفل وسوس إليه.

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الشيطان واضع خطمه(١) على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإذا نسي التقم قلبه».

وروى العيّاشي بإسناده عن أبان بن تغلب، عن جعفر بن محمّدعليه‌السلام قال: «قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من مؤمن إلّا ولقلبه في صدره أذنان: أذن ينفث فيها الملك، وأذن ينفث فيها الوسواس الخنّاس، فيؤيّد الله المؤمن بالملك. وهو قول الله تعالى:( وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) »(٢) .

( الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ) إذا غفلوا عن ذكر ربّهم. وذلك كالقوّة الوهميّة، فإنّها تساعد العقل في المقدّمات، فإذا آل الأمر إلى النتيجة خنست وأخذت توسوسه وتشكّكه. ومحلّ «الّذي» الجرّ على الصفة، أو النصب، أو الرفع على الذمّ.

( مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ) بيان للوسواس، أو لـ «الّذي» على أنّ الشيطان ضربان :

__________________

(١) الخطم: الأنف.

(٢) المجادلة: ٢٢.

٥٦٧

جنّيّ وإنسيّ، كما قال:( شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ ) ويجوز أن يكون متعلّقا بـ «يوسوس». ومعناه: ابتداء الغاية، أي: يوسوس في صدورهم من جهة الجنّة والناس.

والحمد لله ربّ العالمين، أوّلا وآخرا، وباطنا وظاهرا، على توفيقي وتيسيري في تتميم زبدة التفاسير، مع وجازة ألفاظه، وغزارة معانيه، ونكات دقيقة، وأسرار لطيفة، على وفق الطريقة الحنيفيّة الإماميّة، والملّة البيضاء الاثني عشريّة.

أللّهمّ اجعل جدّي واجتهادي في جميع الزبدة والخلاصة من تفاسير كتابك العزيز، وكدّي وسعيي في ضمّ ما انتشر من معانيه، على وفق مذهب الحقّ وطريق الصدق، باللفظ الوجيز، ذريعة إلى درك رضوانك، ووصلة إلى الاتّصال بأوليائك وأصفيائك في جنانك، وتوسّلا إلى شفاعة سيّد الأخيار، وعترته الأبرار.

أللّهمّ اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبّت أقدامنا يوم التناد، بحقّ نبيّك النبيه المصطفى، ووليّك الوليه المرتضى، وأولادهما المعصومين الأمجاد.

ووقع الفراغ من تسويده في منتصف شهر ذي القعدة الحرام، سنة سبع وسبعين وتسعمائة، على يد مؤلّفه ومسوّده أفقر عباد الله الملك اللطيف، ابن شكر الله فتح الله الشريف، كساهما الله الملك المنّان جلابيب الرضوان، وسقاهما شآبيب الغفران، بحقّ النبيّ المنيف، والوليّ العريف.

__________________

(١) الأنعام: ١١٢.

٥٦٨

فهرس الموضوعات

سورة الحشر (٥٩)

الموضوع

الصفحة

الآية: ١ ـ ٤ ٦

الآية: ٥ ١٠

الآية: ٦ ـ ١٠ ١١

الآية: ١١ ـ ١٧ ١٧

الآية: ١٨ ـ ١٩ ٢٠

الآية: ٢٠ ـ ٢٤ ٢١

سورة الممتحنة (٦٠)

الآية: ١ ـ ٣ ٢٦

الآية: ٤ ـ ٦ ٣٠

الآية: ٧ ـ ٩ ٣١

الآية: ١٠ ـ ١١ ٣٤

الآية: ١٢ ٣٧

الآية: ١٣ ٤٠

سورة الصف (٦١)

الآية: ١ ـ ٤ ٤١

الآية: ٥ ٤٣

الآية: ٦ ـ ٩ ٤٥

الآية: ١٠ ـ ١٣ ٤٧

الآية: ١٤ ٥٠

سورة الجمعة (٦٢)

الآية: ١ ـ ٥ ٥٤

الآية: ٦ ـ ٨ ٥٧

الآية: ٩ ـ ١١ ٥٩

٥٦٩

سورة المنافقون (٦٣)

الآية: ١ ـ ٣ ٦٥

الآية: ٤ ٦٧

الآية: ٥ ـ ٨ ٦٩

الآية: ٩ ـ ١١ ٧٣

سورة التغابن (٦٤)

الآية: ١ ـ ٤ ٧٦

الآية: ٥ ـ ٦ ٧٩

الآية: ٧ ـ ١٣ ٨٠

الآية: ١٤ ٨٣

الآية: ١٥ ـ ١٨ ٨٤

سورة الطلاق (٦٥)

الآية: ١ ـ ٣ ٨٨

الآية: ٤ ـ ٥ ٩٤

الآية: ٦ ـ ٧ ٩٧

الآية: ٨ ـ ١٢ ١٠٠

سورة التحريم (٦٦)

الآية: ١ ـ ٥ ١٠٦

الآية: ٦ ـ ٩ ١١٣

الآية: ١٠ ١١٧

الآية: ١١ ـ ١٢ ١١٨

سورة الملك (٦٧)

الآية: ١ ـ ٤ ١٢٢

الآية: ٥ ـ ١٢ ١٢٦

الآية: ١٣ ـ ١٤ ١٢٨

الآية: ١٥ ـ ١٨ ١٢٩

الآية: ١٩ ـ ٢٢ ١٣١

٥٧٠

الآية: ٢٣ ـ ٢٧ ١٣٢

الآية: ٢٨ ـ ٣٠ ١٣٤

سورة القمل (٦٨)

الآية: ١ ـ ٧ ١٣٧

الآية: ٨ ـ ١٦ ١٤١

الآية: ١٧ ـ ٣٣ ١٤٥

الآية: ٣٤ ـ ٤٥ ١٤٩

الآية: ٤٦ ـ ٥٠ ١٥٤

الآية: ٥١ ـ ٥٢ ١٥٥

سورة الحاقة (٦٩)

الآية: ١ ـ ١٠ ١٥٧

الآية: ١١ ـ ١٢ ١٦١

الآية: ١٣ ـ ١٨ ١٦٢

الآية: ١٩ ـ ٣٧ ١٦٦

الآية: ٣٨ ـ ٥٢ ١٧١

سورة المعارج (٧٠)

الآية: ١ ـ ١٨ ١٧٦

الآية: ١٩ ـ ٣٥ ١٨٣

الآية: ٣٦ ـ ٤٤ ١٨٦

سورة نوح (٧١)

الآية: ١ ـ ١٤ ١٩٠

الآية: ١٥ ـ ٢٠ ١٩٥

الآية: ٢١ ـ ٢٨ ١٩٧

سورة الجن (٧٢)

الآية: ١ ـ ١٧ ٢٠٤

الآية: ١٨ ـ ٢٨ ٢١٣

٥٧١

سورة المزمل (٧٣)

الآية: ١ ـ ١٤ ٢٢٠

الآية: ١٥ ـ ١٩ ٢٢٧

الآية: ٢٠ ٢٢٩

سورة المدثر (٧٤)

الآية: ١ ـ ١٠ ٢٣٢

الآية: ١١ ـ ٣٠ ٢٣٨

الآية: ٣١ ـ ٣٧ ٢٤٣

الآية: ٣٨ ـ ٥٦ ٢٤٨

سورة القيامة (٧٥)

الآية: ١ ـ ١٥ ٢٥٤

الآية: ١٦ ـ ٢١ ٢٥٩

الآية: ٢٢ ـ ٤٠ ٢٦١

سورة الإنسان (٧٦)

الآية: ١ ـ ٣ ٢٦٨

الآية: ٤ ـ ٢٢ ٢٧٣

الآية: ٢٣ ـ ٣١ ٢٨٦

سورة المرسلات (٧٧)

الآية: ١ ـ ١٥ ٢٩١

الآية: ١٦ ـ ٤٠ ٢٩٥

الآية: ٤١ ـ ٤٥ ٢٩٩

الآية: ٤٦ ـ ٥٠ ٣٠٠

سورة النبأ (٧٨)

الآية: ١ ـ ١٦ ٣٠٢

الآية: ١٧ ـ ٣٠ ٣٠٦

الآية: ٣١ ـ ٤٠ ٣١٠

٥٧٢

سورة النازعات (٧٩)

الآية: ١ ـ ١٤ ٣١٧

الآية: ١٥ ـ ٢٦ ٣٢٢

الآية: ٢٧ ـ ٣٣ ٣٢٥

الآية: ٣٤ ـ ٤١ ٣٢٧

الآية: ٤٢ ـ ٤٦ ٣٢٨

سورة عبس (٨٠)

الآية: ١ ـ ١٦ ٣٣١

الآية: ١٧ ـ ٢٣ ٣٣٧

الآية: ٢٤ ـ ٣٢ ٣٣٨

الآية: ٣٣ ـ ٤٢ ٣٤٠

سورة التكوير (٨١)

الآية: ١ ـ ٢١ ٣٤٤

الآية: ٢٢ ـ ٢٩ ٣٥٠

سورة انفطرت (٨٢)

الآية: ١ ـ ١٩ ٣٥٤

سورة المطففين (٨٣)

الآية: ١ ـ ٦ ٣٦١

الآية: ٧ ـ ١٧ ٣٦٥

الآية: ١٨ ـ ٢٨ ٣٦٨

الآية: ٢٩ ـ ٣٦ ٣٧١

سورة انشقت (٨٤)

الآية: ١ ـ ١٥ ٣٧٣

الآية: ١٦ ـ ٢٥ ٣٧٧

سورة البروج (٨٥)

الآية: ١ ـ ٩ ٣٨١

٥٧٣

الآية: ١٠ ـ ١٦ ٣٩١

الآية: ١٧ ـ ٢٢ ٣٩٢

سورة الطارق (٨٦)

الآية: ١ ـ ١٠ ٣٩٥

الآية: ١١ ـ ١٧ ٣٩٩

سورة الأعلى (٨٧)

الآية: ١ ـ ٥ ٤٠٢

الآية: ٦ ـ ١٩ ٤٠٤

سورة الغاشية (٨٨)

الآية: ١ ـ ٧ ٤٠٩

الآية: ٨ ـ ١٦ ٤١٢

الآية: ١٧ ـ ٢٦ ٤١٤

سورة الفجر (٨٩)

الآية: ١ ـ ١٤ ٤١٧

الآية: ١٥ ـ ٢٦ ٤٢٤

الآية: ٢٧ ـ ٣٠ ٤٢٨

سورة البلد (٩٠)

الآية: ١ ـ ٢٠ ٤٣٢

سورة الشمس (٩١)

الآية: ١ ـ ١٥ ٤٤٠

سورة الليل (٩٢)

الآية: ١ ـ ٢١ ٤٤٦

سورة الضحى (٩٣)

الآية: ١ ـ ١١ ٤٥١

٥٧٤

سورة الشرح (٩٤)

الآية: ١ ـ ٨ ٤٥٩

سورة التين (٩٥)

الآية: ١ ـ ٨ ٤٦٣

سورة العلق (٩٦)

الآية: ١ ـ ٨ ٤٦٩

الآية: ٩ ـ ١٩ ٤٧١

سورة القدر (٩٧)

الآية: ١ ـ ٥ ٤٧٥

سورة البينة (٩٨)

الآية: ١ ـ ٥ ٤٨٤

الآية: ٦ ـ ٨ ٤٨٦

سورة الزلزال (٩٩)

الآية: ١ ـ ٨ ٤٩٠

سورة العاديات (١٠٠)

الآية: ١ ـ ١١ ٤٩٤

سورة القارعة (١٠١)

الآية: ١ ـ ١١ ٤٩٧

سورة التكاثر (١٠٢)

الآية: ١ ـ ٨ ٥٠١

سورة العصر (١٠٣)

الآية: ١ ـ ٣ ٥٠٧

٥٧٥

سورة الهمزة (١٠٤)

الآية: ١ ـ ٩ ٥٠٩

سورة الفيل (١٠٥)

الآية: ١ ـ ٥ ٥١٣

سورة قريش (١٠٦)

الآية: ١ ـ ٤ ٥٢٣

سورة أرأيت (١٠٧)

الآية: ١ ـ ٧ ٥٢٧

سورة الكوثر (١٠٨)

الآية: ١ ـ ٣ ٥٣١

سورة الكافرون (١٠٩)

الآية: ١ ـ ٦ ٥٣٨

سورة النصر (١١٠)

الآية: ١ ـ ٣ ٥٤١

سورة أبي لهب (١١١)

الآية: ١ ـ ٥ ٥٤٥

سورة الإخلاص (١١٢)

الآية: ١ ـ ٤ ٥٥٣

سورة الفلق (١١٣)

الآية: ١ ـ ٥ ٥٥٩

سورة الناس (١١٤)

الآية: ١ ـ ٦ ٥٦٥

٥٧٦

الفهرس

سورة الحشر ٥

سورة الممتحنة ٢٥

سورة الصفّ ٤١

سورة الجمعة ٥٣

سورة المنافقون ٦٥

سورة التغابن ٧٥

سورة الطلاق ٨٧

سورة التحريم ١٠٥

سورة الملك ١٢١

سورة القلم ١٣٧

سورة الحاقّة ١٥٧

سورة المعارج ١٧٥

سورة نوح ١٨٩

سورة الجنّ ٢٠٣

سورة المزّمّل ٢١٩

سورة المدّثّر ٢٣٣

سورة القيامة ٢٥٣

سورة الإنسان ٢٦٧

سورة المرسلات ٢٩١

سورة النبأ ٣٠١

سورة النازعات ٣١٧

٥٧٧

سورة عبس ٣٣١

سورة التكوير ٣٤٣

سورة انفطرت ٣٥٣

سورة المطفّفين ٣٦١

سورة انشقّت ٣٧٣

سورة البروج ٣٨١

سورة الطارق ٣٩٥

سورة الأعلى ٤٠١

سورة الغاشية ٤٠٩

سورة الفجر ٤١٧

سورة البلد ٤٣١

سورة الشمس ٤٣٩

سورة الليل ٤٤٥

سورة الضحى ٤٥١

سورة الشرح ٤٥٩

سورة التين ٤٦٣

سورة العلق ٤٦٩

سورة القدر ٤٧٥

سورة البيّنة ٤٨٣

سورة الزلزال ٤٨٩

سورة العاديات ٤٩٣

سورة القارعة ٤٩٧

سورة التكاثر ٥٠١

سورة العصر ٥٠٧

سورة الهمزة ٥٠٩

٥٧٨

سورة الفيل ٥١٣

سورة قريش ٥٢٣

سورة أرأيت ٥٢٧

سورة الكوثر ٥٣١

سورة الكافرون ٥٣٧

سورة النصر ٥٤١

سورة أبي لهب ٥٤٥

سورة الإخلاص ٥٥١

سورة الفلق ٥٥٩

سورة الناس ٥٦٥

فهرس الموضوعات ٥٦٩

٥٧٩

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592