الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٢

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل10%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 592

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 592 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 174881 / تحميل: 5997
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الدرس الثلاثون

في حسن الخلق

الخلق بالضم وبضمتين : الطبع والسجية ، وهو صورة نفس الإنسان وباطنه في مقابل الخلق بالفتح الذي هو صورة جسمه وظاهره ، وهي تتصف بالحسن والقبح كاتصاف الجسم بهما ، إلا أن ذاك الاتصاف يكون تحت اختيار الإنسان وإرادته ، لجل اختيارية اسبابها بخلاف صورته الجسمية الظاهرية ، وذلك لأن صورة النفس والروح البرزخية سواء قلنا بكون الروح في ذلك العالم موجوداً مستقلاً قائماً بنفسه ، أو حالاً في القالب المثالي تتبع صفاته النفسية الدنيوية وتتشكل على وفق تلك الحالات والملكات ، بل وكذا الجسم الدنيوي للمؤمن المنشور من الأرض والمبعوث عنها بعد القيامة ، فهو وإن كان على صورته الدنيوية عند البعث والحشر إلا أنه يتشكل عند اقتراب الوفود على الله والورود في الجنة على طبق الصفات والسجايا التي اكتسبها وحصّلها ورباها وحسّنها ، ففي النشأتين بعد الموت ، أعني : البرزخ والقيامة تبلى السرائر الخلقية ، وتتجلى السجايا الروحية

١٦١

بالصورة البرزخية والأخروية ، حيث أن إصلاح صورة النفس في الدنيا وتحصيل الفضائل لها وإزالة الرذائل عنها بيد الإنسان ، وللعقائد الباطنة من الكفر والإيمان وللأعمال الظاهرة من الطاعة والعصيان دخلاً وافراً في تلك الصفات والملكات فلا جرم تكون الصور البرزخية والأخروية في تشكل هيئتها وحسن منظرها وبياضها وقبح مظهرها وسوادها بيد الإنسان ، فله أن يشكلها بأي شكل أراد ويصورها بأية صورة شاء ، غير أنه يبقى في الشخص شيء من وصفه الكمي أو الكيفي السابق ، ليتعارف به في تلك النشأة في أبناء نوعه كما في « الكاريكاتور » ، قال تعالى :( يتعارفون بينهم ) (١) .

ثم إنه قد يطلق حسن الخلق ويراد به حسن العشرة مع الناس من الأقارب والأباعد بطلاقة الوجه وحسن اللقاء وطيب الكلام ، وجميل المخالطة والمصاحبة ورعاية الحقوق وإعمال الرأفة والإشفاق ونحو ذلك.

وقد يطلق ويراد به : حسن جميع الأوصاف النفسية الدخيلة في حسن الهيئة البرزخية أو الأخروية ، وهو الذي يصعب تحصيله ، ولا يتحقق إلا لأولياء الله تعالى والأوحدي من الناس ، ولذا قيل في تعريف هذه الصفة بأنها : حالة نفسانية يتوقف حصولها على اشتباك الأخلاق النفسانية بعضها ببعض ، فهي حسن الصورة الباطنة التي هي صورة الناطقة ، كما أن حسن الخلق هو الصورة الظاهرة وتناسب الأجزاء ، إلا أن حسن الصورة الباطنة قد يكون مكتسباً ، ولذا تكررت الأحاديث في الحث به وبتحصيله(٢) .

هذا ، وأدلّة الباب وأخبارها توضح المراد من حسن الخلق بالتأمل فيها.

فقد ورد في الكتاب الكريم خطاباً للنبي الأقدسصلى‌الله‌عليه‌وآله :( إنك لعلى خلق

__________________

١ ـ يونس : ٤٥.

٢ ـ راجع البحار : ج٧١ ، ص٣٧٢.

١٦٢

عظيم ) .(١) وقال تعالى :( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك ) (٢) .

وورد في النصوص : أن حدّ حسن الخلق أن تلين جانبك وتطيب كلامك وتلقى أخاك ببشر حسن(٣) .

وأن المؤمن هين لين سمح ، له خلق حسن(٤) .

وأن خيار المؤمنين أحاسنهم أخلاقاً ، الموطّئون أكنافاً ، الذين يألفون ويؤلفون وتوطأ رحالهم.(٥) ( رجل موطئ الأكناف أي : سهل الأخلاق كريم مضياف )

وأن من لم يكن له خلق يداري به الناس ، لم يقم له عمل(٦) .

وأن اكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً(٧) .

وأنه : ما يوضع في ميزان امرئ مؤمن يوم القيامة أفضل من حسن الخلق(٨) .

وأنه : أول ما يوضع في ميزانه(٩) .

__________________

١ ـ القلم : ٤.

٢ ـ آل عمران : ١٥٩.

٣ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٩.

٤ ـ الأمالي : ج١ ، ص٣٧٦ ـ وسائل الشيعة : ج٨ ، ص٥١١ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٩١.

٥ ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠٢ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٠.

٦ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٩٢.

٧ ـ الكافي : ج٢ ، ص٩٩ ـ الأمالي : ج١ ، ص١٣٩ ـ وسائل الشيعة : ج٨ ، ص٥٠٣ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٧٣ وج٧٧ ، ص١٥١.

٨ ـ الكافي : ج٢ ، ص٩٩ ـ وسائل الشيعة : ج٨ ، ص٥٠٥ ـ بحار الأنوار : ج٧ ، ص٢٤٩ وج٧١ ص٣٧٤.

٩ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص ٣٨٥.

١٦٣

وأنه : أفضل ما أعطي المرء المسلم(١) .

وأن حسن الخلق من الخصال التي تكمل بها الإيمان(٢) .

وأنه : ما يقدم المؤمن على الله بعمل بعد الفرائض أحب إلى الله من أن يسع الناس بخلقه(٣) .

وأن صاحب الخلق الحسن يعطيه الله من الثواب كما يعطي المجاهد في سبيل الله يغدوا عليه ويروح(٤) .

وأن العبد يكون له بعض التقصير من العبادة ويكون له حسن خلق فيبلغه الله به درجة الصائم القائم(٥) ( والثواب إما لنفس الصفة الباطنة تفضلاً ، أو لما يظهر من صاحبها من العشرة المندوبة فيترتب عليها ثواب الواجبات ).

وأن من أكثر ما تلج به الأمة الجنة ، حسن الخلق(٦) .

وأن الخلق الحسن يميث الخطيئة كما تميث الشمس الجليد ،(٧) ( الميث : الاذابة والجليد : الماء الجامد ).

وأن ما في الكفار من حسن الخلق أعاره الله إياهم ليعيش أولياؤه معهم في دولاتهم(٨) .

وأن المؤمن مألوف ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف(٩) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٦.

٢ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٧.

٣ ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠٠ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٧٥.

٤ ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠١ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٧٧.

٥ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٩٥.

٦ ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠٠ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٧٥.

٧ ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠٠ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٧٥ ـ روضة المتقين : ج١٢ ، ص١١٠.

٨ ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠١ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٧٨.

٩ ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠٢ ـ شرح أصول الكافي : ص٨٢ ـ وسائل الشيعة : ج٨ ، ص٥١٠ ـ بحار

١٦٤

وأن أحسن الحسن الخلق الحسن(١) .

وأن قوله تعالى :( ربنا آتنا في الدنيا حسنة ) (٢) منها حسن الخلق(٣) .

وأنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم باخلاقكم ،(٤) أي : بطلاقه الوجه وحسن اللقاء.

وأنه حسن خلقك يخفف الله حسابك(٥) .

وأن حسن الخلق ذهب بخير الدنيا والآخرة(٦) .

وأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أطلق أسيراً من بين الأسراء وأعلنه أن الله أخبر بحسن خلقه ، فأسلم الأسير لذلك(٧) .

وأنه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أحبكم إلي وأقربكم مني يوم القيامة مجلساً أحسنكم خلقاً(٨) .

وأن الخلق الحسن نصف الدين(٩) ( ولعل نصفه الآخر التقوى الذي هو حسن المعاملة مع الله ، وقد ورد عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أكثر ما تلج به أمتي الجنة ، تقوى الله وحسن الخلق )(١٠) .

__________________

الأنوار : ج٧١ ، ص١٧.

١ ـ الخصال : ص٢٩ ـ وسائل الشيعة : ج٨ ، ص٥٠٧ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٦.

٢ ـ البقرة : ٢٠١.

٣ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٣.

٤ ـ الأمالي : ج١ ، ص٢٠ ـ من لا يحضره الفقيه : ج٤ ، ص٣٩٤ ـ وسائل الشيعة : ج٨ ، ص٥١٣ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٣ وج٧٧ ، ص١٦٦.

٥ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٣.

٦ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٤.

٧ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٥.

٨ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٣٠١ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٥ وج٧٣ ، ص٢٣١.

٩ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٥.

١٠ ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠٠ ـ وسائل الشيعة : ج٨ ، ص٥٠٤ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٧٥.

١٦٥

وأن حسن الخلق في الجنة لا محالة ؛ وسوء الخلق في النار لا محالة(١) .

وأن حسن الخلق خير قرين(٢) .

وأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أنا زعيم ببيت في ربض الجنة وبيت في وسطها وبيت في أعلاها لمن حسن خلقه(٣) .

وأنه : لا حسب كحسن الخلق(٤) .

وأن الكمال هو تقوى الله وحسن الخلق(٥) .

وأنه : أحسنوا صحبة الدين بحسن الخلق(٦) .

وأنه يزين الرجل كما تزين الواسطة القلادة(٧) .

وأن العجب ممن يشتري العبيد بماله كيف لا يشتري الأحرار بحسن خلقه(٨) .

وأنه : جمال في الدنيا ونزهة في الآخرة(٩) .

وأنه شجرة في الجنة وصاحبه متعلق بغصنها(١٠) .

وأنه يعمر الديار ويزيد في الأعمار(١١) .

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ج٨ ، ص٥٠٦ وج١١ ، ص٣٢٤ ـ بحار الأنوار : ج١٠ ، ص٣٦٩ وج٧١ ، ص٣٨٣

٢ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٧.

٣ ـ الخصال : ص١٤٤ ـ بحار الأنوار : ج٢ ، ص١٢٨ وج٧١ ، ص٣٨٨ وج٧٢ ، ص٢٦١.

٤ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٩ ـ مستدرك الوسائل : ج٨ ، ص٤٤٥.

٥ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٩٠.

٦ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٩١.

٧ ـ نفس المصدر السابق.

٨ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٩٢.

٩ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٩٣ ـ مستدرك الوسائل : ج٨ ، ص٤٤٩.

١٠ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٩٣.

١١ ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠٠ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٩٥.

١٦٦

وأنه : يزيد في الرزق(١) .

وأنه : أكرم الحسب(٢) .

وأنه : خير فيق(٣) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٩٦ وج٧٨ ، ص٢٥٧.

٢ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٩٦.

٣ ـ نفس المصدر السابق.

١٦٧

١٦٨

الدرس الحادي والثلاثون

في الحلم وكظم الغيظ والعفو والصفح

الحلم : ضبط النفس عن هيجان الغضب ، والكظم : الحبس والسد ، فكظم الغيظ يرادف الحلم ، والعفو : ترك عقوبة الذنب ، والصفح : ترك التثريب واللوم عليه فالمراد من العبائر والعناوين المذكورة : أن يحلم الإنسان عند غضبه للغير ولا يرتب الآثار التي يقتضيها الغضب من العقوبة بالقول أو الفعل ، والممارسة على ذلك والعمل بما يحكم به الشرع والعقل سبب لحصول ملكة في النفس تمنعها من سرعة الانفعال عن الواردات المكروهة ، وجزعها عن الامور الهائلة ، وطيشها في المؤاخذة ، وصدور الحركات غير المنظمة منها ، وإظهار المزية على الغير ، والتهاون في حفظ ما يجب عليه شرعاً وعقلاً. وهذه الملكة عن أفضل الأخلاق وأشرف الملكات ، والحليم هو صاحب هذه الملكة ، وكذا الكاظم.

وقد ورد في الكتاب والسنة في فضل هذه الخليقة وحسنها والحث على تحصيلها وترتيب آثارها عليها بل ، والجري على وفقها ـ وإن لم يكن عن ملكة ـ

١٦٩

آيات كثيرة ونصوص متواترة.

فقد قال تعالى في الكتاب الكريم في وصف المتقين :( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) (١) وأمر بذلك في عدة آيات كقوله :( وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم ) (٢) وقوله :( خذ العفو ) (٣) وقوله :( فاصفح الصفح الجميل ) (٤) وقوله :( ادفع بالتي هي أحسن السيّئة ) (٥) وقوله :( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم ) .(٦) ( وما يلقّاها أي : وما يعطي ويبذل هذه السجية ، أي : مقابلة الإسائلة بالاحسان إلا ذو حظ من الإيمان وفضائل الإنسان ) .

وقوله :( وإذا ما غضبوا هم يغفرون ) (٧) و( فمن عفى وأصلح فأجره على الله ) (٨) و( لمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الامور ) (٩) ( فاصفح عنهم وقل سلام ) (١٠) و( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون ايام الله ) (١١) إلى غير ذلك.

وقد ورد في النصوص : أن من خير أخلاق الدنيا والآخرة ومكارمها : أن تعفو عمن ظلمك وتحلم إذا جهل عليك(١٢) .

__________________

١ ـ آل عمران : ١٣٤.

٢ ـ النور : ٢٢.

٣ ـ الاعراف : ١٩٩.

٤ ـ الحجر : ٨٥.

٥ ـ المؤمنون : ٩٦.

٦ ـ فصلت : ٣٤ و ٣٥.

٧ ـ الشورى : ٣٧.

٨ ـ الشورى : ٤٠.

٩ ـ الشورى : ٤٣.

١٠ ـ الزخرف : ٨٩.

١١ ـ الجاثية : ١٤.ذ ١٢ ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠٧ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٩٩ ـ مرآة العقول : ج٩ ، ص٢٨٤.

١٧٠

وأنه إذا جمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد نادى مناد : أين أهل الفضل؟ فيقوم عنق من الناس فيسأل عن فضلهم ، فيقولون : كنا نعفوا عمن ظلمنا ، فيقال : صدقتم ، ادخلوا الجنة.(١) ( والعنق : الجماعة ).

وأن عليكم بالعفو فإنه لا يزيد العبد إلا عزاً ، فتعافوا يعزكم الله(٢) .

وأن الندامة على العفو أفضل وأيسر من الندامة على العقوبة(٣) .

وأنه : ما التقت فئتان قط إلا نصر أعظمها عفواً(٤) .

وأنه : إذا نودي يوم القيامة من بطنان العرش : ألا فليقم كل من أجره عليّ ، فلا يقوم إلا من عفى عن أخيه(٥) .

وأن علي بن الحسينعليه‌السلام قال : إنه ليعجبني الرجل أن يدركه حلمه عند غضبه(٦) .

وأن الله يحب الحييّ الحليم(٧) . وأنه ما أذل بحلم قط(٨) .

وكفى بالحلم ناصراً وهو وزير المرء. وإذا لم تكن حليماً فتحلم(٩) .

وأن الحليم أقوى الخلق(١٠) .

وأنه : إذا وقع بين رجلين منازعة نزل ملكان فيقولان للحليم منهما : صبرت وحلمت سيغفر لك إن اتمت ذلك(١١) .

__________________

١ ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠٧ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤٠٠.

٢ ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠٨ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤٠١.

٣ ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠٨ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤٠١ ـ نور الثقلين : ج٤ ، ص٥٨٤.

٤ ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠٨ ـ الأمالي : ص٢١٠ ـ وسائل الشيعة : ج٨ ، ص٥١٨ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤٠٢ وج٧٨ ، ص٣٣٩.

٥ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤٠٣.

٦ـ الكافي : ج٢، ص١١٢ ـ بحار الأنوار : ج٧١، ص٤٠٤ ـ وسائل الشيعة : ج١١، ص٢١٠.

٧ ـ الكافي : ج٢ ، ص١١٢ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٢١١ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤٠٤.

٨ ـ الكافي : ج٢ ، ص١١٢ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٢١١ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤٠٤.

٩ ـ الكافي : ج٢ ، ص١١٢ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٢١١ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤٠٤.

١٠ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤٢٠.

١١ ـ الكافي : ج٢ ، ص١١٢ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٢١١ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤٠٦.

١٧١

وأن نعم الجرعة الغيظ لمن بر عليها. وأنها من أحب السبيل إلى الله ، فإن عظيم الأجر لمن عظيم البلاء(١) .

وأنك لن تكافئ من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه(٢) .

وأن من كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضاه وحشاه أمناً وإيماناً(٣) .

وأن أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مروّتهم العفو عمن ظلمهم(٤) .

وأنه لا عز أرفع من الحلم(٥) .

وأن كظم الغيظ إذا كان في الرجل استكمل خصال الإيمان وزوّجه الله من الحور العين كيف شاء(٦) .

وأنه : أوحى الله إلى نبي من أنبيائه : إذا أصبحت فأول شيء يستقبلك فكُله ، فلما أصبح استقبله جبل أسود عظيم فبقى متحيراً ، ثم رجع إلى نفسه ، فقال ، إن ربي لا يأمرني إلا بما أطيق ، فمشى غليه ليأكله فلما دنى صغر ، فوجده لقمة فأكلها ، فوجدها أطيب شيء أكله ، ثم قيل له : إن الجبل الغضب ، إن العبد إذا غضب لمن ير نفسه ، وجهل قدره من عظيم الغضب ، فإذا حفظ نفسه وعرف قدره وسكن غضبه كانت عاقبته كاللقمة الطيبة التي أكلتها(٧) .

وأن أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة(٨) .

__________________

١ ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠٩ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤٠٨.

٢ ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠٩ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤٠٨.

٣ ـ الكافي : ج٢ ، ص١١٠ ـ وسائل الشيعة : ج٨ ، ص٥٢٤ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤١١.

٤ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤١٤.

٥ ـ نفس المصدر السابق.

٦ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤١٧.

٧ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤١٨ و ٤١٩.

٨ ـ نهج البلاغة : الحكمة : ٥٢ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤٢١.

١٧٢

وأن من لم يكن له حلم لم يقم له عمل(١) .

وأنه ما أرضى المؤمن ربه بمثل الحلم(٢) .

وأن الناس أعوان الحليم على الجاهل(٣) .

وأنه لا يعرف الحليم إلا عند الغضب(٤) .

وأن من كف غضبه عن الناس كف الله عنه عذاب يوم القيامة(٥) .

وأن الصفح الجميل : العفو بغير عتاب(٦) .

وأنه إذا قدرت على العدو فاجعل العفو شكراً للقدرة عليه(٧) .

وان الحلم عشيرة(٨) .

وأنه غطاء ساتر(٩) .

وأن الحلم والأناة توأمان تنتجهما علو الهمة(١٠) .

وأنه من لا يكظم غيظه يشمت عدوه(١١) .

وأن الحلم سجية فاضلة(١٢) .

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤٢٢.

٢ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤٢٤.

٣ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤٢٥.

٤ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤٢٦.

٥ ـ الكافي : ج٢ ، ص٣٠٥ ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٢٨٩ ـ بحار الأنوار : ج٩٥ ، ص٣٣٩.

٦ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤٢٧.

٧ ـ نهج البلاغة : الحكمة ١١ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤٢٧.

٨ ـ نهج البلاغة : الحكمة ٤١٨ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤٢٨.

٩ ـ نهج البلاغة : الحكمة ٤٢٤ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤٢٨.

١٠ ـ نهج البلاغة : الحكمة ٤٦٠ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤٢٨.

١١ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٤٢٨.

١٢ ـ نفس المصدر السابق.

١٧٣

١٧٤

الدرس الثاني والثلاثون

في الفقر والفقراء والغنى والأغنياء

الفقر في اللغة : انكسار فقار الظهر والفقير بمعنى : المفقور المنكسر فقرات ظهره يقال : فقرته الداهية أي : نزلت به وكسرت فقاره ، ويستعمل بمعنى : الحفر ، والفقيرة : الحفيرة ، والفقير من أثّرت المكاره الخدشة والحفرة في نفسه ، أو ذهبت بماله فتركت محله حفرة.

وهو في اصطلاح الشرع وأهله يطلق على معان كما أشار إليها الراغب :

الأول : الحاجة والافتقار ، وهي بمعناها الحقيقي العام ، متحقق في كل موجود بالنسبة إلى الله تعالى ، فالكل مفتقر في وجوده وبقائه ، بل وفي زواله وانعدامه إلى الله تعالى ومشيئته كما قال تعالى :( أنتم الفقراء إلى الله ) (١) والفقر بهذا المعنى أمر وجودي.

__________________

١ ـ فاطر : ١٥.

١٧٥

الثاني : فقد لوازم العيش والحياة بالنسبة إلى من يحتاج إليها ، وهو المراد في أغلب مأثورات الباب ، وهذا أمر عدمي.

الثالث : فقر النفس بمعنى : حرصها وشرهها إلى الدنيا ومتاعها ، ويقابله غنى النفس.

الرابع : الفقر إلى الله بمعنى : حالة اعتماد النفس إليه تعالى وانقطاعها عن غيره وعدم عنايتها إلى الأسباب الظاهرية. ثم إنه لا كلام هنا في المعنى الأول ، والعلم والاذعان به من شؤون الإيمان ، ولا في المعنى الثالث ، فإنه من رذائل الصفات ، وقد وقعت الاشارة في النصوص أحياناً إلى المعنى الرابع ، فعمدة الكلام في المقام هو المعنى الثاني ، وعليه فقد يستظهر من أدلة الباب أن الفقر بنفسه أمر ممدوح مطلوب ذو فضل ورجحان ، مندوب إليه في الشرع. وأن الغنى مذموم مبغوض منهي عنه لكن الظاهر أن الفقر الممدوح مشروط :

أولاً : بعدم كون حصوله من ناحية قصور المكلف وتقصيره في الحركة والسعي إلى تحصيل رزقه كما أمره الله تعالى ، وإلا فلا حسن في ذلك ، ولا يكون مشمولاً لما دل على فضله.

وثانياً : بتقارنه بالرضا والتسليم ، وعدم ظهور الجزع منه والشكوى إلى الناس.

وثالثاً : بعدم وقوع صاحبه في المعصية من جهته ، وهو ممدوح ـ حينئذٍ ـ لرضا الفقير باطناً بقضاء الله تعالى وتسليمه قلباً لأمره ، مع وقوعه في ضيق العيش وضنك الحياة ، مع أن أغلب أهل هذا الفقر ، يصرفون أعمارهم في سبيل دينهم وطاعة ربهم ، وسائر الأمور النافعة لمعاش أنفسهم وإخوانهم ولمعادهم عوضاً عن الأوقات التي يصرفها الأغنياء في دنياهم.

١٧٦

وأما الغنى : فهو مذموم إذا أورث الحرص على الدنيا والغفلة عن الله تعالى ، وعن القيام بالوضائف والطاعات المندوبة أو الواجبة ، بل والوقوع في المعاصي والانهماك فيها كما هو الغالب في هذه الطائفة ونعوذ بالله منها.

ولو فرض أن صاحب الغنى قد واظب في عين تلك الحالة على ما أراد الشرع منه وأدى حقوق أمواله الواجبة والمندوبة ، بل وحصل له توفيق صرف المال في سبيل ربه وإحياء دينه والخدمة لأهل ملته بما لا يمكن ذلك للفقير فلا إشكال في عدم شمول الذموم الواردة في الغنى له.

وبالجملة : كم من غني لم يشغله غناه عن الله ، وكم من فقير شغله فقره عن الله. فإطلاقات المدح والذم في الوصفين محمولة على الغالب ، إذاً ، فالحسن عارض للفقر ، لملازمته أو مقارنته لما هو حسن عقلاً أو شرعاً ، والقبح عارض للغنى لتقارنه لما هو مبغوض كذلك. وقال المجلسيقدس‌سره : ( مقتضى الجمع بين أخبارنا : أن الفقر والغنى كل منهما نعمة من نعم الله يعطيها من يشاء من عباده لمصالح ، وعلى العبد أن يصبر على الفقر ، بل ويشكره ويشكر الغنى ويعمل بمقتضاه ، فمع عمل كل منهما بمقتضى حاله ، فالغالب أن الفقير الصابر أكثر ثواباً من الغني الشاكر ، لكن مراتبهما مختلفة ، والظاهر أن الكفاف أسلم وأقل خطراً من الجانبين ).

والأولى ذكر أدلة الباب حتى يتضح حقيقة الحال ، فإن الحق الحقيق بالاتباع هو المستفاد من الكتاب والسنة.

فقد ورد في الكتاب الكريم قوله :( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ) .(١) فقد ورد : أن نزولها كان في

__________________

١ ـ الكهف : ٢٨.

١٧٧

أصحاب النبي وطائفة من الأغنياء ، فصدر الآية ناظر إلى الفقراء من أصحابهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذيلها إلى الأغنياء في عصره ، حيث استدعوا من النبي أن يطرد الفقراء من عنده حتى يرغبوا في الإسلام ويجالسوا النبي الأعظم ، فالفقراء هم الذين أرادوا وجه الله ورضوانه ، وداوموا على الدعاء والصلاة صباحاً ومساء ، والأغنياء كانوا ـ عندئذ ـ هم الذين أغفل الله قلبهم عن ذكره واتبعوا أهواءهم وكان أمرهم فرطاً ، أي : في تجاوز عن الحق وتضييع له. ثم إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال بعد نزولها : الحمد لله الذي أمرني أن أصبر مع هؤلاء الرجال ، منعكم المحيا ومعكم الممات(١) . وقال تعالى أيضاً بعد ذكر قولهم :( لولا أنزل إليه ملك أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها ) ،(٢) ( تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصوراً ) .(٣)

فيستفاد من حال الكفار ـ عندئذ كما هو حالهم الآن ـ أن الدنيا وما عليها من الزينة لها فضل وكرامة وأصالة في حياة الإنسان ، مع أنها وجميع ما فيها وعليها ليست إلا مقدمة لغرض أصيل آخر وآلة ووسيلة لتحصيله ، فالغنى المذموم عبارة عن الأموال التي ينظر إليها بتلك النظرة الاستقلالية ، ولذلك قال تعالى : لو شاء ربك لأعطاك فوق ما يقولون ، أو فوق ما يخطر ببالهم ، ونظيرتها الآية ٣٣ من الزخرف. وورد في النصوص :

أن الفقر مخزون عند الله(٤) ( والمراد : إختزان ثوابه إذا صبر عليه صاحبه صبراً جميلاً ).

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج١٧ ، ص٤١ وج٢٢ ، ص٤٤.

٢ ـ الفرقان : ٧ ـ ٨.

٣ ـ الفرقان : ١٠.

٤ ـ بحار الأنوار : ج٧٢ ، ص٥٢.

١٧٨

وأن الله جعل الفقر والحاجة أمانة عد خلقه ، فمن أسره وكتمه أعطاه الله مثل أجر الصائم القائم(١) .

وأنه : ما أعطي أحد من الدنيا إلا اعتباراً ، وما زوي عنه إلا اختباراً ( اعتباراً أي : ليعتبر الغير به ، واختباراً : ليختبر نفسه ).

وأن الله يلتفت يوم القيامة إلى فقراء المؤمنين شبيهاً بالمعتذر إليهم ، فيقول : ما أفقرتكم في الدنيا من هوانٍ بكم عليّ ، ولترون ما أصنع بكم اليوم ، فتصفحوا وجوه الناس ، فمن صنع إليكم معروفاً لم يصنعه إلاّ فيّ فكافئوه عني بالجنة ، وارفعوا هذا السجف ، فانظروا إلى ما عوضتكم من الدنيا ، فيقولون ما ضرنا ما منعتنا مع ما عوضتنا(٢) ( والسجف ـ بالفتح والكسر ـ الستر ).

وأنه : قال الله تعالى لموسى : يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلاً فقل : مرحباً بشعار الصالحين ، وإذا رأيت الغنى مقبلاً فقل : ذنب عجلت عقوبته ،(٣) ( عجلت عقوبته أي : وقع مني ذنب وهذه عقوبته قد عجلت ).

وأنه : طوبى للمساكين بالصبر ، وهم الذين يرون ملكوت السموات والأرض(٤) .

وأن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يا معشر المساكين ، طيبوا نفساً ، وأعطوا الله الرضا من قلوبكم يثبكم الله على فقركم(٥) .

وأنه : كل ما يراه الفقير في السوق من الأمتعة والفاكهة فله بكل ما لم يقدر

__________________

١ ـ الكافي : ج٢ ، ص٢٦٠ ـ وسائل الشيعة : ج٦ ، ص٣١١ ـ بحار الأنوار : ج٧٢ ، ص٨ وج٩٦ ، ص١٥٣.

٢ ـ الكافي : ج٢ ، ص٢٦١ ـ بحار الأنوار : ج٧ ، ص٢٠٠ وج٧٢ ص١١.

٣ ـ الكافي : ج٢ ، ص٢٦٣ ـ الوافي : ج٥ ، ص٧٩٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٢ ، ص١٥.

٤ ـ الكافي : ج٢ ، ص٢٦٣ ـ الوافي : ج٥ ، ص٧٩٣ ـ بحار الأنوار : ج٧٢ ، ص١٥.

٥ ـ الكافي : ج٢ ، ص٢٦٣ ـ وسائل الشيعة : ج٦ ، ص٣١٢ ـ بحار الأنوار : ج٧٢ ، ص١٧.

١٧٩

على شرائه حسنة(١) .

وأنه : لا تدع أن يغنيك الله عن خلقه ، فإن الله قسّم رزق من شاء على يدي من شاء ، بل إسأل الله أن يغنيك عن الحاجة التي تضطرك إلى لئام خلقه(٢) .

وأن في فقر الفقراء ابتلاء للأغنياء(٣) .

وأن الصادق ٧ : قال : مياسير شيعتنا أمناء على محاويجهم فاحفظونا فيهم(٤) .

وأن الفقر أزين للمؤمنين من العذار على خد الفرس(٥) .

وأنه : لا تستخفوا بفقراء الشيعة ، فإن الرجل منهم ليشفع في مثل ربيعة ومضر(٦) .

وأن من استخف بالفقير لفقره استخف بحق الله ، والله يستخف به يوم القيامة(٧) .

وأن السلام على الفقير خلاف السلام على الغني ، استخفاف(٨) .

وأن ابن آدم يكره قلة المال ، وهي أقل للحساب(٩) .

وأنه : لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتى يكون الفقر أحب إليه من الغنى(١٠) .

__________________

١ ـ الكافي : ج٢ ، ص٢٦٤ ـ بحار الأنوار : ج٧٢ ، ص٢٥.

٢ ـ الكافي : ج٢ ، ص٢٦٦ ـ بحار الأنوار : ج٧٢ ، ص٤.

٣ ـ الكافي : ج٢ ، ص٢٦٥ ـ بحار الأنوار : ج٧٢ ، ص٢٦.

٤ ـ الكافي : ج٢ ، ص٢٦٥ ـ بحار الأنوار : ج٩٦ ، ص١٣١.

٥ ـ الكافي : ج٢ ، ص٢٦٥ ـ بحار الأنوار : ج٧٢ ، ص٢٨.

٦ ـ بحار الأنوار : ج٧٢ ، ص٣٥ ـ مستدرك الوسائل : ج٩ ، ص١٠٦.

٧ ـ بحار الأنوار : ج٧٢ ، ص٣٨.

٨ ـ نفس المصدر السابق.

٩ ـ بحار الأنوار : ج٧٢ ، ص٣٩.

١٠ ـ بحار الأنوار : ج٦ ، ص١٣٠ وج٦٧ ، ص٣٠٠ وج٧٢ ، ص٤٠.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

تحتاج إلى الراحة والدعة ، وذلك لتجديد قوتها وتهيئة الاستعداد اللازم لإدامة العمل والفعالية ، الراحة التي لا بدّ منها حتى لأولئك الأفراد الحريصين والجادّين.

فأي شيء يتصور أحسن من النوم للوصول إلى هذا الهدف ، وهو يأتيه بشكل إلزامي ، ويدعوه إلى تعطيل نشاطه الجسماني ، وقسم مهم من نشاطه الفكري والذهني ، بينما تستمر أجهزة خاصة في العمل في جسم الإنسان كالقلب الرئة وبعض النشاط الذهني ، وما إلى ذلك ممّا يستلزمه استمرار الحياة في الإنسان فحسب ، أمّا البقية فتهدأ وتتعطل عن العمل.

هذه الموهبة العظيمة تؤدي الى أن يحصل جسم الإنسان وروحه على الراحة اللازمة ، فيرتفع التعب بطرو النوم الذي بمثابة وقفة لعمل البدن ، ونوع من التعطيل له. ويجد الإنسان على أثرها قوة ونشاطا جديدا في حياته.

ومن المسلّم به أنّه لولا النوم لتصدّعت روح الإنسان وذبل جسمه وانهار بسرعة ، ولعجل عليه العجز والشيخوخة وبهذا فإن النوم المناسب والهادىء مدعاة للسلامة وطول العمر ، ودوام «الشباب» ونشاطه.

وممّا يجدر التنبيه عليه أوّلا : أنّ النوم ورد قبل عبارة( ابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) التي تعني السعي وراء الرزق ، وهذا التعبير هو إشارة إلى أن النوم أساس السعي لأنّه ـ من دون النوم الكافي ـ يصعب الابتغاء من فضل الله.

ثانيا : صحيح أنّ النوم يقع في الليل ، والابتغاء من فضل الله في النهار ، إلّا أنّه ليس صعبا على الإنسان أن يغيّر هذا المنهج إذا اقتضت الضرورة. بل الله خلق الإنسان بصورة يستطيع معها تغيير منهجية النوم ، ويجعلها وفقا للضرورات والحاجات ، فكأنّ التعبير( مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ ) إشارة إلى هذه «اللطيفة» الدقيقة.

ولا شك أنّ المنهج الأصل للنوم متعلق بالليل ، ولأنّ الليل هادئ بسبب الظلمة ، فله أولوية خاصة في هذا المورد.

٥٠١

ولكن قد يتفق للإنسان ولظروف خاصة يكون مجبرا على السفر ليلا وأن يستريح نهارا فلو كان منهج تنظيم النوم خارجا عن اختيار الإنسان فسيواجه العديد من الصعوبات حتما.

وأهمية هذا الموضوع ، خاصة في عصرنا الذي تضطر فيه بعض المؤسسات الصناعية والطبية والعلاجية أن تعمل ليل نهار ، ولا يمكن لها أن تعطل منهجها بحيث يتناوب عمالها في ثلاث مراحل للعمل فيها ، هذه الأهمية في هذا العصر أجلى منه في أي عصر مضى!

وحاجة جسم الإنسان وروحه إلى النوم كثيرة إلى درجة لا يستطيع الفرد أن يتحمل السهر المتواصل أكثر من يومين أو ثلاثة.

ولذلك فإنّ المنع من النوم يعتبر من أشد أنواع التعذيب الذي يمارسه الطغاة والجبابرة مع سجنائهم.

وكذلك يعدّ النوم واحدا من الطرق العلاجية لكثير من الأمراض ، حيث يوصي الأطباء المريض بأن يغطّ في نوم عميق فتزداد بذلك قوّة المريض ومناعته.

وبالطبع لا يمكن لأحد أن يحدد مقدارا معينا للنوم على أنّه «مقدار النوم اللازم» لعموم الناس لأنّ ذلك يرتبط بسنّ الأشخاص ووضعهم ومزاجهم وكيفية البناء الفيسيولوجي والسيكلوجي «الجسيمي والروحي» ، بل المهم النوم الكافي بمقدار يحسّ الإنسان بعده بأنّه شبع منه كما هي الحال بالنسبة للشبع من الغذاء والماء تماما.

وينبغي الالتفات إلى هذه المسألة ، وهي أنّه بالإضافة إلى «طول» زمان النوم ، فلعمقه خصوصية وأهمية أخرى أيضا فرب ساعة ينام فيها الإنسان نوما عميقا تسد عن عدد من الساعات التي ينامها نوما سطحيا في إعادة بناء روح الإنسان وجسمه.

٥٠٢

وبالطبع ، فحيث لا يمكن النوم العميق ، فالنعاس أيضا من النعم الإلهية ، كما أشارت إليه الآية الحادية عشرة من سورة الأنفال في شأن المجاهدين يوم بدر( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ ) لأنّه لا يمكن النوم العميق في ميدان الحرب ، وليس مفيدا ـ أيضا ـ ولا نافعا.

وعلى كل حال فإن نعمة النوم والهدوء والاطمئنان الناشئ منه ، وما يحصل عليه الإنسان من قوة ونشاط بعد النوم ، هي من النعم التي لا يمكن وصفها بأي بيان!.

والآية التي تلتها ، والتي تبيّن خامس آية من آيات عظمة الله ، تتجه أيضا إلى «الآيات في الآفاق» وتتحدث عن البرق والرعد والغيث وحياة الأرض بعد موتها فتقول :( وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً ) .

«الخوف» ممّا يخطر على البال من احتمال نزول الصاعقة مع البرق فتحرق كل شيء تقع عليه وتحيله رمادا.

«والطمع» من جهة نزول الغيث الذي ينزل بعد البرق والرعد على هيئة قطر أو مزنة.

وعلى هذا فإنّ البرق السماوي مقدمة لنزول الغيث (بالإضافة إلى فوائد البرق المختلفة المهمة والتي كشف العلم عنها أخيرا وقد تحدثنا عنه في بداية سورة الرعد»(١) .

ثمّ يضيف القرآن معقبا( يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ) .

الأرض الميتة التي لا يؤمل فيها الحياة والنبات ، تهتز بنزول الغيث الذي يمنحها الحياة ، فتحيا وتظهر آثار الحياة عليها على هيئة الأزهار والنباتات ، بحيث لا تصدق أحيانا أنّها الأرض الميتة سابقا.

__________________

(١) راجع تفسير «سورة الرعد» الآيات الأولى منها.

٥٠٣

ويؤكّد القرآن في نهاية هذه الآية مضيفا :( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) ويفهمون أن وراء هذه الخطة المدروسة يدا قادرة تقودها وتهديها ، ولا يمكن أن تكون المسألة وليدة الصدفة والضرورة العمياء الصّماء أبدا.

وفي آخر آية من الآيات محل البحث ، يقع الكلام عن آية أخرى من الآيات الآفاقية ، وذلك عن تدبير نظام السماء والأرض وبقائهما ودوامهما ، إذ تقول :( وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ) .

أي إنّ خلق السماوات ـ المشار إليه في الآيات السابقة ـ ليس آية وحدة فحسب ، بل بقاؤها ودوام نظامها أيضا آية أخرى ، فهذه الأجرام العظيمة في دورانها المنظّم حول نفسها تحتاج إلى أمور كثيرة ، وأهمّها المحاسبة المعقدة للقوّة الجاذبة والدافعة!

إنّ الخالق الكبير جعل هذا التعادل دقيقا ، بحيث لا يعترض الأجرام أدنى انحراف في مسيرها ودورانها حول نفسها إلى ملايين السنين.

وبتعبير آخر : إنّ الآية السابقة كانت إشارة إلى «توحيد الخلق» وأمّا هذه الآية فهي إشارة إلى «توحيد الربوبية والتدبير».

والتعبير بقيام السماء والأرض ، تعبير لطيف مأخوذ من حالات الإنسان ، لأنّ أحسن حالات الإنسان لأجل استدامة نشاطه هي حالة قيامه ، إذ يستطيع فيها أداء جميع حوائجه ، وتكون له السيطرة والتسلط الكامل على أطرافه.

والتعبير بـ «أمره» هنا إشارة إلى منتهى قدرة الله ، إذ يكفي أمر واحد من قبله لاستمرار الحياة ، ونظم هذا العالم الوسيع.

وفي نهاية الآية وبالاستفادة من عامل التوحيد لإثبات المعاد ، ينقل القرآن البحث إلى هذه المسألة فيقول :( ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ) .

ولقد رأينا ـ مرارا ـ في آيات القرآن أن الله سبحانه يستدل على المعاد

٥٠٤

بآيات قدرته في السماء والأرض ، والآية محل البحث واحدة من تلك الآيات.

والتعبير بـ «دعاكم» اشارة إلى أنّه كما أنّ أمرا واحدا منه كاف للتدبير ولنظم العالم ، فإنّ دعوة واحدة منه كافية لأن تبعثكم من رقدتكم وتنشركم من قبوركم ليوم القيامة ، وخاصة إذا لاحظنا جملة( إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ) فإنّ كلمة «إذا» تبين بوضوح مؤدى هذه الجملة ، حيث أنّها «فجائية» كما يصطلح عليها أهل النحو واللغة ، ومعناها : إذا دعاكم الله تخرجون بشكل سريع وفجائي.

والتعبير بـ( دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ ) دليل واضح على المعاد الجسماني ، إذ يثب الإنسان في يوم القيامة من هذه الأرض «فلاحظوا بدقّة».

* * *

بحوث

١ ـ دورة دروس كاملة لمعرفة الله

تناولت الآيات الست المتقدمة بحوثا مختلفة في معرفة الله ، وهي بمجموعها تمثل حلقات متصلة ودورة كاملة طريفة ، بدءا بخلق السماء إلى خلق البشر من التراب ، ومن رباط الحب في الأسرة ، إلى النوم الذي يمنح الدعة والاطمئنان في الليل والنهار ، ومن تدبير النظام والعالم متدرجا ، إلى البرق والغيث واختلاف الألسنة والألوان فهي مجموعة مناسبة من آيات الآفاق وآيات الأنفس!.

الطريف هنا أن كلّ آية من الآيات الست يذكر فيها قسمان من دلائل التوحيد ، ليهيّئ الأوّل الأرضية المناسبة ، والآخر للتحكيم والتأكيد ، وهذا يشبه تماما الإتيان بشاهدين عدلين لإثبات المدّعى ، فيكون المجموع اثني عشر شاهدا صادقا على قدرة الله الحق ، التي لا نهاية ولا أمد لها.

٥٠٥

٢ ـ من هم المستلهمون من هذه الآيات

ورد في أربع آيات من هذه الآيات الست التأكيد على أن في هذه الأمور دلائل واضحة «للعالمين ، المتفكرين ، السميعين ، العاقلين» إلّا أنّ هذا التأكيد لم يرد في الآية الأولى ، ولا الآية الأخيرة.

ويوضح الفخر الرازي في هذا المجال فيقول : لعل عدم ذكر ذلك ، في الآية الأولى لأنّ الآية الأولى والثّانية جاءتا متصلتين في سياق واحد ، وكلتاهما من الآيات التي تتحدث في الأنفس.

وأمّا في الآية الأخيرة فإنّ الأمر واضح إلى درجة لا يحتاج بعدها إلى مزيد إيضاح ، ولا تأكيد على التعقل والتفكر(١) !

الطريف هنا أن الحديث عن التفكر ورد قبل الحديث والكلام عن «العلم» لأنّ التفكر مقدمة وقاعدة للعلم ، ثمّ يأتي الكلام على من يسمع ، لأنّ الإنسان يستعد للاستماع وتقبل الحق ، إذا كان في صدد العلم والاطلاع ، كما يقول القرآن في هذا المجال :( فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) (٢)

وفي آخر مرحلة كان الكلام عن العقل ، لأنّ أولئك كانوا يسمعون ، فلا بدّ أن يبلغوا مرحلة العقل الكامل!

كما ينبغي الالتفات إلى هذه اللطيفة ، هي أنّه وقع الكلام في ذيل الآية الأولى عن خلق الإنسان وانتشار نسله في الأرض( ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ) .

ووقع الكلام في آخر آية أيضا عن خروج الناس ونشورهم في يوم القيامة( إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ) .

فالآية الأولى لبداية الخلق ، والأخيرة للنهاية.

__________________

(١) التفسير الكبير الفخر الرازي ـ ذيل الآيات محل البحث.

(٢) الزمر ، الآية ١٨.

٥٠٦

٣ ـ عجائب عالم النوم

بالرغم من جميع الأبحاث التي كتبها العلماء حول النوم وخصائصه ، يبدو أن زوايا هذا العالم لم تنكشف جميعها ، ولم يرفع النقاب عن أسراره وحقائقه الغامضة!

فما زال البحث يدور بين العلماء : أي فعل وانفعال يكون في البدن بحيث يتوقف ـ خلال لحظة مفاجئة ـ قسم من نشاطات المخ والبدن ، ويظهر تحول في عامّة الروح والجسد؟!

قال بعضهم : إنّ العامل الأصلي للنوم هو «عامل فيزياوي» ويعتقدون أن انتقال الدم من المخ إلى أجزاء البدن الأخرى ، يوجد هذه الظاهرة ، ولأجل إثبات معتقدهم عمدوا إلى صنع سرير للنوم على شكل خاص يدعى «سرير النوم المعياري» يبيّن كيفية انتقال الدم من المخ إلى سائر أعضاء البدن!.

وقال جماعة : إنّ العامل الأصلي للنوم هو «عامل كيمياوي» ويعتقدون أن الإنسان في حالة السعي والعمل تزداد فيه السموم بحيث تؤدي الى تعطيل قسم من المخ عن عمله ، فينام الإنسان على أثر ذلك ، وحين تتلاشى السموم وتسيطر عليها كريات الدم يتيقظ الإنسان مرّة أخرى!

وقال جماعة آخرون : إنّ العامل الأصلي للنوم هو «عامل عصبي» ويعتقدون أن للنشاط العصبي خصوصية في المخ لها حكم وقود السيارة ، فعند ما تتعب ينطفئ المخ ويتوقف عن العمل مؤقتا.

ولكن هناك أسئلة ونقاط مبهمة حول جميع هذه النظريات ، لم نحصل إلى الآن على جواب واضح لها ، وما يزال النوم محتفظا بوجهه المليء بالأسرار.

من عجائب عالم النوم ما أماط العلماء النقاب عنه أخيرا ، وهو حين يتعطل قسم كبير من المخ عن العمل تبقى بعض خلاياه التي ينبغي أن تسمى بـ «الخلايا الحارسة» متيقظة ولا تنسى الوصايا التي يوصيها الإنسان قبل النوم عند ساعة

٥٠٧

التيقظ وعند الحاجة توقظ هذه الخلايا جميع المخ ويتحرك نحو العمل مرّة أخرى!

فمثلا : الأم المرضعة المتعبة حين تنام الليل وإلى جنبها رضيعها في المهد ، يوصي عقلها الباطني الخلايا الحارسة التي تربط بين الروح والجسم ، أنّه متى ما سمعت أقل صوت لطفلي فأيقظيني ، ولكن لا يهمني أي صوت آخر ، فقد لا تتيقظ المرأة من صوت الرعد المهول ، ولكنّها تتيقظ لأقل صوت من ولدها الرضيع ، فهذه المهمّة هي وظيفة الخلايا الحارسة.

ونحن أيضا جرّبنا هذا الموضوع كثيرا ، فمتى ما كان لدينا تصميم أن نستيقظ مبكرين أو في منتصف الليل لنسافر أو لأداء مهمّة ، ونحدث أنفسنا بذلك ، فإننا غالبا ما نستيقظ في الوقت المطلوب ، في حين أن من الممكن أن نغرق في النوم لساعات طوال في غير هذه الحالة!

والخلاصة ، حيث أنّ النوم هو من الظواهر الروحية ، وللروح عالم مليء بالأسرار ، فليس عجيبا أن تبقى كثير من زوايا هذه المسألة غامضة ولكن كلما سبرنا غور هذا العالم نتعرف على عظمة خالق هذه الظاهرة.

هذا عن ظاهرة النوم ، وأمّا عن الرؤيا والأحلام ، فقد بحثنا عنه بحوثا كثيرة ، ولا بأس بمراجعة تفسير سورة يوسفعليه‌السلام .

٤ ـ علاقة الحب بين الزوجين

بالرّغم من أنّ العلاقة أو الارتباط بين الإنسان وأبيه وأمه وإخوته هي علاقة نسبية ، تمتد جذورها العميقة بالقرابة. والعلاقة بين الزوجين علاقة قانونية.

و «معاقدة بينهما» لكن كثيرا ما تتغلب هذه العلاقة حتى على علاقة الإنسان بأبيه وأمه ، وفي الحقيقة هذا هو ما أشارت إليه الآيات الآنفة بالتعبير( وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ) .

٥٠٨

ونقرأ حديثا عن الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أخبر ابنة جحش باستشهاد خالها حمزة ، فقالت : إنا لله وإنا إليه راجعون. فأخبرها باستشهاد أخيها فقالت مرّة أخرى : «إنا لله وإنا إليه راجعون» (وطلبت له الأجر والثواب من الله).

ولكن حين أخبرها باستشهاد زوجها ، وضعت يدها على رأسها وصرخت ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما يعدل الزوج عند المرأة شيء»(١) .

* * *

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ١٧٤.

٥٠٩

الآيات

( وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (٢٦) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٩) )

التّفسير

المالكية لله وحده :

كانت الآيات المتقدمة تتحدث حول توحيد الخالق ، وتوحيد الرّب ، أمّا الآية الأولى من هذه الآيات محل البحث فتتحدث عن فرع آخر من فروع التوحيد ، وهو توحيد الملك فتقول :( وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) .

ولأنّهم ملك يده فـ( كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ ) وخاضعون.

وواضح أنّ المراد من المالكية وخضوع المخلوقات وقنوتها ، الملك

٥١٠

والقنوت التكوينيان أي إن زمام أمر الجميع من جهة القوانين التكوينية كلّه في يده ، وهم مستسلمون لقانون عالم التكوين وفق مشيئة الله ، شاؤوا أم أبوا.

حتى العتاة الطغاة الألدّاء والمتمردون على القانون والجبابرة ، هم مضطرون أيضا أن يحنوا رؤوسهم لأمر الله في القوانين التكوينية.

والدليل على هذه «المالكية» هو الخالقية والربوبية ، فإنّ من خلق الموجودات في البداية وتكفلها بالتدبير ، فمن المسلم أنّه هو المالك الأصلي لها لا سواه!

وبما أنّ جميع موجودات الدنيا سواسية في هذا الأمر ، فمن الواضح أن لا يكون معه أي شريك في الملك حتى الأوثان والمعبودات المصطنعة التي يتصورها المشركون أنّها أربابهم ، هي أيضا مملوكة لمالك «الملك» والملوك ، وهي طوع أمره.

وينبغي الالتفات ـ ضمنا ـ إلى أنّ كلمة «قانت» تعني ـ كما يقول الراغب في مفرداته ـ في الأصل : الطاعة الملازمة للخضوع!

ونقرأ حديثا عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال «كل قنوت في القرآن فهو طاعة».

غاية ما في الأمر ، تارة تأتي هذه الطاعة «تكوينية» وأخرى «تشريعية».

وما ذهب إليه بعض المفسّرين من أنّ كلمة «قانتون» معناها هنا «قائمون بالشهادة على وحدانيته»(١) فهو في الحقيقة بيان لأحد مصاديق الطاعة ، لأنّ الشهادة على وحدانية الله نوع من الطاعات.

وحيث أنّ المسائل المرتبطة بالمبدأ والمعاد هي كالنسيج الواحد في انسجامها في سلسلة الآيات الآنفة ، والتي ستأتي في ما بعد ، ففي الآية التالية يعود القرآن إلى موضوع المعاد ، فيقول :( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ

__________________

(١) نقل «الآلوسي» في تفسيره «روح المعاني» ذيل الآية محل البحث هذا الكلام عن بعض المفسرين المتقدمين.

٥١١

أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) (١) .

إنّ القرآن يثبت في هذه الآية ـ بأوجز الاستدلال ـ مسألة إمكان المعاد ، إذ يقول لهم : إنكم تعتقدون أن بداية الخلق من قبل الله ، فعودة الخلق مرّة أخرى أيسر وأهون من بداية الخلق!.

والدليل على أن عودة الخلق أهون من البداية ، هو أنّه في البداية لم يكن شيء ولكن الله هو الذي أبدعه ، وفي الإعادة توجد المواد الأصلية على الأقل ، فبعضها في طيّات التراب ، وبعضها متناثر في الفضاء ، وإنّما تحتاج إلى نظم وإلى إعطائها صورتها الأولى فحسب ، فهي أهون!

ولكن من الضروري أن نلتفت إلى هذه «اللطيفة» ، وهي أنّ التعبير بالهيّن والصعب ، هو من خلال نافذتنا الفكرية ، وأمّا بالنسبة للقادر المطلق فلا فرق عنده بين «الصعب والسهل».

وأساسا فإنّ «الصعب والسهل» يصدقان مفهوما في مكان يكون الكلام عن قدرة محدودة ، كأن يستطيع أحد أن يؤدي عملا بصورة جيدة ، والآخرة لا يؤديه بصورة جيدة ، بل بمشقّة ، أمّا حين يكون الكلام على قدرة لا حدّ لها ، فلا معنى للصعب والهيّن هناك!

وبتعبير آخر : إنّ حمل «أعظم الجبال» على الأرض بالنسبة إلى الله وحمل أخف الأشياء عليها عنده سواء ، لقدرته التي لا يعظم عليها شيء.

وربّما كان لهذا السبب أن عقّب القرآن في ذيل الآية مباشرة بالقول :( وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) .

لأننا لو تصورنا أي وصف كمالي لأي موجود في السماء والأرض ، من علم

__________________

(١) ينقل «الفخر الرازي» عن «الزمخشري» في تفسير الكشّاف أن الله قال في شأن ولادة عيسىعليه‌السلام دون أب «هو علي هين» ولأنّ كلمة «عليّ» مقدمة ، فهي دليل على الحصر ، أي إن هذا العمل سهل علي فحسب لا على سواي ، أمّا في هذه الآية محل البحث فقد قال : سبحانه :( وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) فلا يستفاد منها الحصر ، وهي إشارة إلى أن كل من يستطيع أن يؤدي عملا في البداية فهو قادر على إعادته أيضا «فلاحظوا بدقة».

٥١٢

وقدرة وملك وعظمة وجود وكرم ، فمصداقه الأتم والأكمل هو عند الله ، لأنّ الجميع لديهم المحدود من الصفات ، إلّا هو وحده فإنّ لديه الأوصاف غير المحدودة ، والجميع لديهم أوصاف عارضة ، أمّا أوصاف الله فذاتية ، وهو مصدر الكمالات وأساسها.

حتى الألفاظ التي تجري على ألسنتنا لبيان مقاصدنا يوميّا لا يمكن أن تكون مبينة لأوصافه كما هو في تعبير «أهون» الذي نجده مثلا عندنا.

والجملة الآنفة هي كالآية (١٨٠) في سورة الأعراف ، إذ ورد فيها( وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها ) والآية (١١) في سورة الشورى إذ يقول :( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) .

وتنتهي الآية ـ بما هو ضرب من التأكيد أو الدليل ، إذ يقول سبحانه :( وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .

هو عزيز لا يقهر ، إلّا أنّه وفي منتهى قدرته غير المحدودة لا يصدر منه فعل غير دقيق ، فكل أفعاله وفق حكمته.

وبعد بيان قسم آخر من دلائل التوحيد والمعاد في الآيات المتقدمة ، يتناول القرآن موضوع «نفي الشرك» في مثال بيّن فيقول :( ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) .

هذا المثال هو لو كان لديكم ـ أيّها المشركون ـ عبيد ومماليك فـ( هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ ) أي أن عبيدكم هؤلاء يشاركونكم في أموالكم وفي ما رزقناكم. بحيث تكونون أنتم وعبيدكم سواء في مالكية هذه الأموال والنعم وتخافون أن يتصرفوا في هذه الأموال بشكل مستقل كما هو الحالة في تصرف شركاءكم الأحرار فيها أو في الميراث مثلا فأنتم غير مستعدين لأن يتصرفوا في أموالكم.

٥١٣

فلو كان لكم عبيد وملك يمين «وهو ملك مجازي» لما رضيتم بمثل هذا الفعل منهم ، فكيف تتصورون المخلوقات التي هي ملك حقيقي لله شركاءه! أو تزعمون أن بعض الأنبياء كالمسيح أو ملائكة الله أو بعض المخلوقات الأخرى كالجن أو الأصنام الحجرية والخشبيّة شركاءه ، ألا ساء ما تحكمون!!

المملوكات المجازية التي يمكن أن تتحرر وتنعتق بسرعة ، وتكون في صفوفكم ومن أمثالكم «كما جرى ذلك في الإسلام» ـ لا تكون حالة كونها مملوكة ـ في صف مالكها ، وليس لها حق التدخل في منطقة نفوذه ، فكيف تجعلون العبيد الحقيقيين أو المملوكات الحقيقية شركاء الله ، في حين أنّهم متعلقون بالله ذاتا ووجودا ، ولا يمكن أن يسلب هذا التعلق بالله والارتباط به منهم ، وكل ما عندكم فمن عنده ، وما أنتم بشيء من دونه!.

قال بعض المفسّرين : إنّ هذه الآية ناظرة لما قاله المشركون من قريش ، عند التلبية في مناسك الحج ، إذ كانوا يقولون عند التلبية «لبيك ، اللهم لا شريك لك ، إلّا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك» هكذا كان محتوى تلبية المشركين(١) .

وبديهي أن شأن نزول هذه الآيات شأن سائر الآيات في نزولها ، إذ لا يحدد معنى الآية ، كما هي في الوقت ذاته جواب لجميع المشركين ، هي مستقاة من حياتهم أنفسهم التي تدور حول الرق والمملوكين ، وتحتج عليهم احتجاجا متينا.

والتعبير بـ( ما رَزَقْناكُمْ ) يشير إلى هذه اللطيفة ، وهي أنّكم لستم المالكين الحقيقيين لهؤلاء العبيد والمماليك ، ولا المالكين الواقعيين للمال ، لأنّ كل ذلك لله وحده ، ولكنّكم غير مستعدين لأن تخوّلوا مماليككم المجازيين بالتصرف في أموالكم المجازية وتعدّوهم شركاءكم ، في حين أنّه لا يستلزم محالا ولا مشكلة من الناحية التكوينية لأنّ الكلام يدور مدار الاعتباريّات.

غير أن التفاوت بين الله ومخلوقاته تفاوت تكويني ولا يتغيّر ، وجعل هذه

__________________

(١) تفسير الميزان وتفسير مجمع البيان وتفسير نور الثقلين ذيل الآية محل البحث.

٥١٤

المخلوقات شريكة لله من سابع المستحيلات.

ومن جهة أخرى فإنّ عبادة أحد الموجودات ، إمّا لعظمته ، أو لأنّه ينفع ويضر الإنسان ، إلّا أن هذه المعبودات لا تنفع ولا تضر(١) .

ويعقب القرآن في ختام الآية للتأكيد والدقة على مضمون السؤال ، فيقول :( كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) .

أجل ، نذكر لكم الحقائق من الأمثلة الواضحة في حياتكم لتفكروا فيها ، ولكيلا تنسبوا لله ـ على الأقل ـ ما لا ترضون أن تنسبوه لأنفسكم!.

غير أنّ هذه الآيات البينات وهذه الأمثلة الواضحة هي لأولي الألباب ، لا للظالمين عبدة الهوى الجهلة الذين قلوبهم أسدال الجهل ، واستوعبت آفاقهم الخرافات والعصبيات ، لذلك يضيف القرآن في الآية التالية قائلا :( بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) .

ولذلك فإنّ الله خلّى بينهم وبين أنفسهم بسبب أعمالهم السيئة ، فتاهوا في وادي الضلالة( فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ ) ؟!

والتعبير بـ «ظلموا» مكان «أشركوا» إشارة إلى أن الشرك بعد أعظم الظلم : فهو ظلم للخالق ، إذ جعله مخلوقه إلى جانبه وأشركه معه (ونعرف أن الظلم أن تضع الشيء في غير موضعه).

وظلم للخلق ، إذ منعوهم عن طريق الخير والسعادة «طريق التوحيد».

وظلم لأنفسهم ، لأنّهم أطلقوا جميع وجودهم وكيانهم للريح ، وظلوا في مفازة عمياء! وبيداء قفراء.

وهذا التعبير ـ ضمنا ـ مقدمة للجملة التالية ، وهو إنّما أضلهم الله عن طريق

__________________

(١) فسّر بعض المفسّرين جملة «تخافونهم كخيفتكم أنفسكم» بهذه المناسبة تفسيرا آخر ، حاصله أنّ هؤلاء المعبودين ليست لديهم القدرة حتى تخافوهم كما تخافون من بعضكم ، فكيف إذا كان الخوف أكثر! «إلّا أن التّفسير الذي ذكرناه في البداية يبدو أقرب للنظر».

٥١٥

الحق فبظلمهم ، كما جاء مثل هذا التعبير في سورة إبراهيم الآية (٢٧)( وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ ) .

ولا شك أن من يتركهم الله ويخلّي بينهم وبين أنفسهم فـ( ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ ) .

وبهذا يوضح القرآن عاقبة هذه الجماعة المشؤومة ، ولم لا تكون كذلك؟! وهم يرتكبون «أعظم الذنوب وأعظم الظلم» ، إذ عطلوا عقولهم وأفكارهم عن العمل ، وتركوا شمس العلم خلف ظهورهم ، وتوجهوا إلى ظلمة الجهل والهوى.

فمن الطبيعي أن يسلب الله منهم التوفيق ، ويتركهم في ظلماتهم ، وما لهم من ناصرين ولا معينين!.

* * *

٥١٦

الآيات

( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٠) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢) )

التّفسير

كان لدينا حتى الآن أبحاث كثيرة حول التوحيد ومعرفة الله ، عن طريق مشاهدة نظام الخلق ، والاستفادة منه لإثبات مبدأ العلم والقدرة في ما وراء عالم الطبيعة ، بالاستفادة من آيات التوحيد في هذه السورة!

وتعقيبا على الآيات الآنفة الذكر ، فإن الآية الأولى من هذه الآيات محل البحث ـ تتحدث عن التوحيد الفطري ، أي الاستدلال على التوحيد عن طريق المشاهدة الباطنية والدرك الضروري والوجداني ، إذ يقول القرآن في هذا الصدد :( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ) لأنّها( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) .

«الوجه» معناه معروف ، وهو مقدم الرأس. والمراد به هنا الوجه الباطني ،

٥١٧

ووجه القلب والروح فعلى هذا ليس المراد هنا من الوجه أو المحيّا وحده ، بل التوجه بجميع الوجود ، لأنّ الوجه أهم أعضاء البدن!

وكلمة «أقم» مشتقة من الإقامة ، ومعناه الاستقامة والوقوف بثبات (على قدم راسخة)

وكلمة «حنيف» مشتقة من «حنف» ، ومعناها الميل من الباطل نحو الحق ، ومن الاعوجاج نحو الإستواء والاستقامة ، على العكس من «جنف» على وزن «حنف» أيضا ، ومعناها الميل من الإستواء إلى الضلالة والاعوجاج.

فمعنى الدين الحنيف هو الدين المائل نحو العدل والإستواء عن كل انحراف وباطل وخرافة وضلال.

فيكون معنى هذه الجملة بمجموعها ، أن وجّه نفسك دائما نحو مبدأ ومذهب خال من أي أنواع الاعوجاج والانحراف ، وذلك هو مبدأ الإسلام ودين الله الخالص والطاهر(١) .

إنّ الآية المتقدمة تؤكّد على أن الدين الحنيف الخالص الخالي من كل أنواع الشرك ، هو الدين الذي ألهمه الله سبحانه في كل فطرة ، الفطرة الخالدة التي لا تتغير ، وإن كان كثير من الناس غير ملتفت لهذه الحقيقة.

والآية المتقدمة تبين عدة حقائق :

١ ـ إنّ معرفة الله ـ ليست وحدها ـ بل الدين والإعتقاد بشكل كلي وفي جميع أبعاده هو أمر فطري ، وينبغي أن يكون كذلك ، لأنّ الدراسات التوحيدية تؤكّد أن بين جهاز التكوين والتشريع انسجاما لازما ، فما ورد في الشرع لا بدّ أن يكون له جذر في الفطرة ، وما هو في التكوين وفطرة الإنسان متناغم مع قوانين الشرع!

__________________

(١) الألف واللام في كلمة «الدين» هما للعهد ، وهما هنا إشارة إلى الدين الذي أمر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبلغه ، أي دين «الإسلام».

٥١٨

وبتعبير آخر : إنّ التكوين والتشريع عضدان قويان يعملان بانسجام في المجالات كافة ، فلا يمكن أن يدعو الشرع إلى شيء ليس له أساس ولا جذر في أعماق فطرة الإنسان ، ولا يمكن أن يكون شيء في أعماق وجود الإنسان مخالف للشرع!

وبدون شك فإنّ الشرع يعين حدودا وقيودا لقيادة الفطرة لئلا تقع في مسار منحرف ، إلّا أنّه لا يعارض أصل مشيئة الفطرة ، بل يهديها من الطريق المشروع ، وإلّا فسيقع التضاد بين التشريع والتكوين ، وهذا لا ينسجم مع أساس التوحيد.

وبعبارة أخرى : إنّ الله لا يفعل أعمالا متناقضة أبدا ، بحيث يقول أمره التكويني : افعل! ويقول أمره التشريعي : لا تفعل.

٢ ـ إنّ الدين له وجود نقي خالص من كل شائبة داخل نفس الإنسان ، أمّا الانحرافات فأمر عارض ، ووظيفة الأنبياء إذن إزالة هذه الأمور العارضة ، وفسح المجال لفطرة الإنسان في الإشراق.

٣ ـ إنّ جملة( لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ) وبعدها جملة( ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ) تأكيدان آخران على مسألة كون الدين فطريا ، وعدم إمكان تغيير هذه الفطرة! وإن كان كثير من الناس لا يدركون هذه الحقيقة بسبب عدم رشدهم كما ينبغي!

وينبغي الالتفات إلى هذه اللطيفة ، وهي أن الفطرة في الأصل من مادة «فطر» على زنة «بذر» ومعناها شق الشيء من الطول ، وهنا معناها الخلقة ، فكأن ستار العدم ينشق عند خلق الموجودات ويبرز كل شيء منها.

وعلى كل حال فمنذ أن وضع الإنسان قدمه في عالم الوجود ، كان هذا النور متوقدا في داخله ، من أوّل يوم ومن ذلك الحين!

والرّوايات المتعددة التي وردت في تفسير الآية تؤيد ما ذكرناه آنفا ، وسنتحدث عن ذلك لاحقا إن شاء الله ، بالإضافة إلى الأبحاث الأخرى في مجال كون التوحيد فطريا.

٥١٩

ويضيف القرآن في الآية التالية : ينبغي أن يكون التفاتكم للدين الحنيف والفطري حالة كونكم( مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ) فأصلكم وأساسكم على التوحيد ، وينبغي أن تعودوا إليه أيضا.

وكلمة «منيبين» من مادة «إنابة» وهي في الأصل تعني الرجوع المكرر ، وتعني هنا الرجوع نحو الله والعودة نحو الفطرة (التوحيدية) ومعناها متى ما حصل عامل يحرف الإنسان عقيدته وعن أصل التوحيد فينبغي أن يعود إليه ومهما تكرر هذا الأمر فلا مانع من ذلك الى أن تغدو أسس الفطرة متينة وراسخة ، وتغدو الموانع والدوافع خاوية ويقف الإنسان بصورة مستديمة في جبهة التوحيد ، ويكون مصداقا للآية( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ) .

وممّا ينبغي الالتفات إليه أن أقم وجهك جاءت بصيغة الإفراد ، وكلمة «منيبين» جاءت بصيغة الجمع ، وهذا يدل على أنّه وإن كان الأمر الأوّل مخاطبا به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا أن الخطاب ـ في الحقيقة ـ لعموم المؤمنين وجميع المسلمين.

ويعقب على الأمر بالإنابة والعودة إليه ، بالأمر بالتقوى ، وهي كلمة تجمع معاني أوامر الله ونواهيه ، إذ يقول :( وَاتَّقُوهُ ) أي اتقوا مخالفة أوامره!.

ثمّ يؤكّد القرآن على موضوع الصلاة من بين جميع الأوامر فيقول :( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ) .

لأنّ الصلاة في جميع أبعادها ، هي أهم منهج لمواجهة الشرك ، وأشد الوسائل تأثيرا في تقوية أسس التوحيد والإيمان بالله سبحانه.

كما أنّه يؤكّد في نهيه عن «الشرك» من بين جميع النواهي فيقول :( وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) .

لأنّ الشرك أعظم الذنوب وأكبر الكبائر ، إذ يمكن أن يغفر الله جميع الذنوب إلّا الشرك بالله ، فإنّه لا يغفره. كما نقرأ في الآية (٤٨) من سورة النساء( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) .

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592