الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٣

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل11%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 510

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156547 / تحميل: 5914
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وأساسا فإنّ كلّ مورد يأتي الكلام فيه عن السماء والأرض ، والخلق والخلقة وأمثال ذلك ، فإنّ «الأمر» يأتي بهذا المعنى (فتأمّل).

٢ ـ كلمة «التدبير» تستعمل أيضا في مورد الخلقة والخلق وتنظيم وضع عالم الوجود ، لا بمعنى إنزال الدين والشريعة ، ولذلك نرى في آيات القرآن الاخرى ـ والآيات يفسّر بعضها بعضا ـ أنّ هذه الكلمة لم تستعمل مطلقا في مورد الدين والمذهب ، بل استعملت كلمة «التشريع» أو «التنزيل» أو «الإنزال» :

ـ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً ) .(١)

ـ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) (٢) .

ـ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ ) .(٣)

٣ ـ إنّ الآيات التي قبل وبعد هذه الآية مرتبطة بالخلقة وخلق العالم ، ولا ترتبط بتشريع الأديان ، لأنّ الكلام في الآية السابقة كان عن خلق السماء والأرض في ستّة أيّام ـ وبعبارة اخرى ستّ مراحل ـ والكلام في الآية التالية عن خلق الإنسان.

ولا يخفى أنّ تناسب وانسجام الآيات يوجب أن تكون هذه الآية المتوسّطة لآيات الخلقة مرتبطة بمسألة الخلقة وتدبير أمر الخلق ، ولهذا فإنّنا إذا طالعنا كتب التّفسير التي كتبت قبل مئات السنين فإنّنا لا نجد أحدا قد احتمل أن تكون الآية متعلّقة بتشريع الأديان ، بالرغم من أنّهم احتملوا احتمالات مختلفة ، فمثلا : مؤلّف تفسير «مجمع البيان» ـ وهو من أشهر التفاسير الإسلامية ، ومؤلّفه عاش في القرن السادس الهجري ـ لم ينقل عن أحد علماء الإسلام قولا يدّعي فيه أنّ الآية ترتبط بتشريع الأديان ، مع أنّه ذكر أقوالا مختلفة في تفسير الآية أعلاه.

__________________

(١) الشورى ، ١٣.

(٢) المائدة ، ٤٤.

(٣) آل عمران ، ٣.

١٠١

٤ ـ إنّ كلمة «العروج» تعني الصعود والارتفاع ، لا نسخ الأديان وزوالها ، ولا يلاحظ العروج في أي موضع من القرآن بمعنى النسخ ـ وهذه الكلمة قد ذكرت في خمس آيات من القرآن ، ولا تؤدّي هذا المعنى في أيّ منها ـ بل تستعمل كلمة النسخ أو التبديل وأمثالهما في مورد الأديان.

إنّ الأديان والكتب السماوية في الأساس ليست كأرواح البشر تعرج إلى السماء مع الملائكة بعد انتهاء العمر ، بل إنّ الأديان المنسوخة ، موجودة في الأرض ، إلّا أنّها تسقط عن الإعتبار في بعض مسائلها ، في حين أنّ أصولها تبقى على قوّتها.

والخلاصة : فإنّ كلمة العروج علاوة على أنّها لم تستعمل في أيّ موضع من القرآن بمعنى نسخ الأديان ، فهي لا تتناسب مع مفهوم نسخ الأديان ، لأنّ الأديان المنسوخة لا تعرج إلى السماء.

٥ ـ إضافة إلى كلّ ما مرّ فإنّ هذا المعنى لا ينطبق على الواقع الحقيقي العيني ، لأنّ الفاصلة بين الأديان السابقة لم تكن ألف سنة في أيّ مورد!

فمثلا : الفاصلة بين ظهور موسى والمسيحعليهم‌السلام أكثر من (١٥٠٠) سنة ، والفاصلة بين المسيحعليه‌السلام وظهور نبي الإسلام العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله أقلّ من (٦٠٠) سنة ، وكما تلاحظون فإنّ أيّا من هذين الموردين لا ينطبق على الألف سنة التي يقول بها هؤلاء ، بل إنّ الفاصلة بين الواقع وما يدّعون كبيرة.

وذكروا أنّ الفترة الزمنية بين ظهور نوحعليه‌السلام الذي كان من أنبياء اولي العزم ، وواضع دعائم الدين والشريعة الخاصّة ، وبين محطّم الأصنام الصنديد إبراهيمعليه‌السلام الذي كان نبيّا آخر من ذوي الشرائع أكثر من (١٦٠٠) سنة ، والفترة بين إبراهيم وموسىعليهما‌السلام أقلّ من (٥٠٠) سنة.

من هذا الموضوع نخلص إلى هذه النتيجة ، وهي أنّه لم تكن هناك فترة ولا فاصلة ، ولو من باب المثال ، بين أحد الأديان والمذاهب وبين الدين الذي يليه

١٠٢

بمقدار ألف سنة.

٦ ـ وإذا غضضنا النظر عن كلّ ما مرّ ، فإنّ بدعة «السيّد علي محمّد باب» والتي تحمل أتباعه لأجل الدفاع عنها كلّ هذه التوجيهات الباطلة لا تتناسب مع هذا الحساب ، لأنّه باعترافهم ولد سنة ١٣٢٥ هجري ، وكان بدء دعوته سنة ١٢٦٠ هجري قمري ، وبملاحظة أنّ بداية دعوة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله التي كانت بثلاثة عشر عاما قبل الهجرة ، فإنّ الفاصلة بين الإثنين تكون (١٢٧٣) أي بإضافة (٢٧٣) فما ذا نصنع بهذا الفارق الكبير؟ وبأيّة خطّة سنتجاهله؟

٧ ـ ولو تركنا جانبا كلّ هذه الإيرادات الستّة ، وصرفنا النظر عن هذه الردود الواضحة ، وجعلنا أنفسنا مكان القرآن ، وأردنا أن نقول للبشرية : كونوا بانتظار نبيّ جديد بعد مرور ألف سنة ، فهل هذا يصحّ طرح هذا المفهوم بالشكل الذي ذكرته الآية ، حتّى لا ينتبه ويطّلع أحد من العلماء وغير العلماء أدنى اطّلاع على معنى الآية على مدى الإثني أو الثلاثة عشر قرنا ، ثمّ يأتي جماعة بعد مرور (١٢٧٣) عام ليدّعوا أنّهم اكتشفوا اكتشافا جديدا ، وأزاحوا الغطاء عنه ، وهو مع ذلك لا يتجاوز إطار قبولهم أنفسهم لا قبول الآخرين؟!

ألم يكن الأحسن والأكثر حكمة وعقلا أن يقال مكان هذه الجملة : ابشّركم بأنّ نبيّا بهذا الاسم سيظهر بعد ألف سنة ، كما قال عيسىعليه‌السلام في شأن نبي الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) .(١)

وعلى كلّ حال ، فهذه المسألة قد لا تستحقّ بحثا بهذا المقدار إلّا أنّه لتنبيه وإيقاظ جيل الشباب المسلم ، واطلاعهم على المكائد التي هيّأها الاستعمار العالمي ، والمسالك والمذاهب التي ابتدعها لتضعيف جبهة الإسلام ، لم يكن لنا سبيل إلّا أن يعلموا ويطّلعوا على جانب من منطق هؤلاء ، وعليهم الباقي.

* * *

__________________

(١) سورة الصف ، ٦.

١٠٣

الآيات

( ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٩) )

التّفسير

مراحل خلق الإنسان العجيبة!

إنّ الآيات ـ مورد البحث ـ إشارة وتأكيد في البداية على بحوث التوحيد التي مرّت في الآيات السابقة ، والتي كانت تتلخّص في أربع مراحل : توحيد الخالقية ، والحاكمية ، والولاية ، والربوبية ، فتقول :( ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) .

من البديهي أنّ من يريد أن يدبّر امور السماء والأرض ، وأن يكون حاكما عليها ، ويتعهّد ويقوم بمهام مقام الولاية والشفاعة والإبداع ، يجب أن يكون مطّلعا على كلّ شيء ، الظاهر والباطن ، حيث لا يمكن أن يتمّ أيّ من هذه الأمور بدون الاطّلاع وسعة العلم.

١٠٤

وفي نفس الوقت الذي يجب أن يكون هذا المدبّر عزيزا قويّا لا يقهر ليقوى على القيام بهذه الأعمال المهمّة ، ينبغي أن تقترن هذه العزّة باللطف والرحمة ، لا الخشونة والغلظة.

ثمّ تشير الآية التالية إلى نظام الخلقة الأحسن والأكمل بصورة عامّة ، ومقدّمة لبيان خلق الإنسان ومراحل تكامله بشكل خاصّ :( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) وأعطى كلّ شيء ما يحتاجه ، وبتعبير آخر : فإنّ تشييد صرح الخلقة العظيم قد قام على أساس النظام الأحسن ، أي قام على نظام دقيق سالم لا يمكن تخيّل نظام أكمل منه.

لقد أوجد سبحانه بين كلّ الموجودات علاقة وانسجاما ، وأعطى كلّا منها ما يطلبه على لسان الحال.

إذا نظرنا إلى وجود الإنسان ، وأخذنا بنظر الإعتبار كلّ جهاز من أجهزته ، فسنرى أنّها خلقت من ناحية البناء والهيكل ، والحجم ، ووضع الخلايا ، وطريقة عملها ، بشكل تستطيع معه أن تؤدّي وظيفتها على النحو الأحسن ، وفي الوقت ذاته فقد وضعت بين الأعضاء روابط قويّة بحيث يؤثّر ويتأثّر بعضها بالبعض الآخر بدون استثناء.

وهذا المعنى هو الحاكم تماما في العالم الكبير مع المخلوقات المتنوّعة ، وخاصّة في عالم الكائنات الحيّة ، مع تلك التشكيلات والهيئات المختلفة جدّا.

والخلاصة : فإنّه هو الذي أودع أنواع العطور البهيجة في الأزهار المختلفة ، وهو الذي يهبّ الروح للتراب والطين ويخلق منه إنسانا حرّا ذكيّا عاقلا ، ومن هذا التراب المخلوط يخلق أحيانا الأزهار ، وأحيانا الإنسان ، وأحيانا اخرى أنواع الموجودات الاخرى ، وحتّى التراب نفسه خلق فيه ما ينبغي أن يكون فيه.

ونرى نظير هذا الكلام في الآية (٥٠) من سورة «طه» من قول موسى وهارونعليهما‌السلام :( رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى ) .

١٠٥

وهنا يطرح سؤال حول خلق الشرور والآفات ، وكيفية انسجامها مع النظام العالم الأحسن ، وسنبحثه إن شاء الله تعالى فيما بعد.

بعد هذه المقدّمة الآفاقية يدخل القرآن بحث الأنفس ، وكما تحدّث في بحث الآيات الآفاقية عن عدّة أقسام للتوحيد ، فإنّه يتحدّث هنا عن عدّة مواهب عظيمة في مورد البشر:

يقول أوّلا :( وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ) ليبيّن عظمة وقدرة الله سبحانه حيث خلق مثل هذا المخلوق الجليل العظيم من مثل هذا الموجود البسيط الحقير ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر يحذّر الإنسان ويذكّره من أين أتيت ، وإلى أين ستذهب؟!

ومن المعلوم أنّ هذه الآية تتحدّث عن خلق آدم ، لا كلّ البشر ، لأنّ استمرار نسله قد ذكر في الآية التالية ، وظاهر هذه الآية دليل واضح على خلق الإنسان بشكل مستقل ، ونفي فرضيّة تحوّل الأنواع (وعلى الأقل في مورد نوع الإنسان).

وبالرغم من أنّ البعض أراد أن يفسّر هذه الآية بحيث تناسب وتلائم فرضية تكامل الأنواع ، بأنّ خلق الإنسان يرجع إلى أنواع سافلة ، وهي تنتهي أخيرا إلى الماء والطين ، إلّا أنّ ظاهر الآية ينفي وجود أنواع اخرى من الموجودات الحيّة ـ وهم يدّعون أنّها أنواع لا تحصى ـ تفصل بين آدم والطين ، بل إنّ خلق الإنسان قد تمّ من الطين مباشرة وبدون واسطة. ولم يتحدّث القرآن عن أنواع الكائنات الحيّة الاخرى.

وهذا المعنى يتّضح أكثر عند ملاحظة الآية (٥٩) من سورة آل عمران ، حيث تقول:( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ) .

ويقول في الآية (٢٦) من سورة الحجر :( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) .

ويستفاد من مجموع الآيات أنّ خلق آدم قد تكوّن من التراب والطين كخلق

١٠٦

مستقل ، ومن المعلوم أنّ فرضية تطور الأنواع لم تكن مسألة علمية قطعية لنحاول تفسير الآيات أعلاه بشكل آخر بسبب تضادّها وتعارضها مع هذه الفرضية ، وبتعبير آخر : طالما لا توجد قرينة واضحة على خلاف ظواهر الآيات فيجب أن نطبّقها بمعناها الظاهر ، وكذلك الحال في مورد خلق آدم المستقلّ.

ثمّ تشير الآية بعدها ، إلى خلق نسل الإنسان ، وكيفية تولّد أولاد آدم في مراحل ، فتقول :( ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ) .

«جعل» هنا بمعنى الخلق ، و «النسل» : بمعنى الأولاد والأحفاد في جميع المراحل.

«السلالة» في الأصل ، بمعنى العصارة الخالصة لكلّ شيء ، والمراد منها هنا نطفة الإنسان التي تعتبر عصارة كلّ وجوده ، ومبدأ حياة وتولّد الذريّة واستمرار النسل.

إنّ هذا السائل الذي يبدو تافها لا قيمة له ولا مقدار فإنّه يعدّ من الناحية البنائية والخلايا الحيوية التي تسبح فيه ، وكذلك تركيب السائل الخاصّ الذي تسبح فيه الخلايا رقيقا ودقيقا ومعقّدا إلى أبعد الحدود ، ويعتبر من آيات عظمة الله سبحانه ، وعلمه وقدرته. وكلمة «مهين» التي تعني الضعيف إشارة إلى وضعه الظاهري ، وإلّا فإنّه من أعمق أسرار الموجودات.

وتشير الآية التالية إلى مراحل تكامل الإنسان المعقّدة في عالم الرحم ، وكذلك المراحل التي طواها آدم عند خلقه من التراب ، فتقول :( ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ ) .

«سوّاه» من التسوية ، أي الإكمال ، وهذه إشارة إلى مجموع المراحل التي يطويها الإنسان من حال كونه نطفة إلى المرحلة التي تتّضح فيها جميع أعضاء

١٠٧

بدنه ، وكذلك المراحل التي طواها آدم بعد خلقه من التراب حتّى نفخ الروح(١) .

والتعبير بـ «النفخ» كناية عن حلول الروح في بدن الإنسان ، فكأنّه شبّه الحال بالهواء والتنفّس ، بالرغم من أنّه لا هذا ولا ذاك.

فإن قيل : إنّ نطفة الإنسان منذ استقرارها في الرحم ـ بل وقبل ذلك ـ كانت كائنا حيّا وعلى هذا فأيّ معنى لنفخ الروح؟

قلنا في الجواب : إنّ النطفة عند ما تنعقد في البداية ليس لها إلّا نوعا من «الحياة النباتية» ، أي التغذية والنمو فقط ، أمّا الحسّ والحركة التي هي علامة «الحياة الحيوانية» ، وكذلك قوّة الإدراكات التي هي علامة الحياة الإنسانية ، فلا أثر عن كلّ ذلك.

إنّ تكامل النطفة في الرحم تصل إلى مرحلة تبدأ عندها بالحركة ، وتحيا وتنبعث فيها القوى الإنسانية الاخرى تدريجيا ، وهذه هي المرحلة التي يعبّر عنها القرآن بنفخ الروح.

أمّا إضافة «الروح» إلى «الله» فهي «إضافة تشريفية» ، أي إنّ روحا ثمينة وشريفة بحيث أنّ من المناسب أن تسمّى «روح الله» قد دبّت في الإنسان ونفخت فيه ، وهذا يبيّن حقيقة أنّ الإنسان وإن كان من ناحية البعد المادّي يتكوّن من الطين والماء ، إلّا أنّه من البعد المعنوي والروحي يحمل «روح الله».

إنّ أحد طرفي وجوده ينتهي إلى التراب ، وطرفه الآخر يتّصل بعرش الله ، فإنّه خليط من الملائكة والحيوان ، ولوجود هذين البعدين فإنّ منحني صعوده ونزوله ، وتكامله وانحطاطه واسع جدّا(٢) .

__________________

(١) البعض يعتبر هذه الآية إشارة إلى مراحل التكامل الجنيني فقط ، والبعض الآخر احتمل أن تكون إشارة إلى مراحل تكامل آدم بعد خلقه من التراب ، لأنّ عين هذه التعبيرات قد جاء في آيات اخرى من القرآن. إلّا أنّه لا مانع من أن تعود إلى الإثنين ، لأنّ خلق آدم من التراب ، ونسله من مني ، طوى ويطوي هذه المراحل.

(٢) بحثنا في هذا الباب في ذيل الآية (٢٩) من سورة الحجر.

١٠٨

وأشار القرآن في آخر مرحلة ـ والتي تعتبر المرحلة الخامسة في خلق الإنسان ـ إلى نعمة الاذن والعين والقلب ، ومن الطبيعي أنّ المراد هنا ليس خلقة هذه الأعضاء ، لأنّ هذه الخلقة تتكوّن قبل نفخ الروح ، بل المراد حسّ السمع والبصر والإدراك والعقل.

والتأكيد على هذه الحواس الثلاث فقط من بين كلّ الحواس «الظاهرة» و «الباطنة» ، لأنّ أهمّ حسّ ظاهري يربط الإنسان بالعالم الخارجي رابطة قويّة هو السمع والبصر ، فالأذن تدرك الأصوات ، وخاصّة أنّ التربية والتعليم يتمّ بواسطتها ، والعين وسيلة النظر إلى العالم الخارجي ومشاهدة مشاهد هذا العالم المختلفة ، وقوّة العقل أهمّ حسّ باطني لدى الإنسان ، وبتعبير آخر فإنّه حاكم على وجود البشر.

والجدير بالذكر أنّ «أفئدة» جمع «فؤاد» بمعنى «قلب» ولكن مفهومها أدقّ من القلب حين يقصد بها عادة الحنكة والفطانة في الفرد ، وبهذا يبيّن الله تعالى في هذه الآية أهمّ وسائل المعرفة والإدراك الظاهرية والباطنية في الإنسان ، لأنّ العلوم والمعارف إمّا أن يحصل عليها الإنسان بواسطة «التجربة» فالوسيلة هي السمع والبصر ، أو عن طريق التحليل والاستدلال العقلي ، والوسيلة لذلك هو العقل والفؤاد كما ورد التعبير عنه في هذه الآية ، وحتّى الإدراك الحاصل من الوحي أو الإشراق والشهود القلبي يتمّ بواسطة هذه الوسيلة أيضا ، أي «الأفئدة».

ولو فقد الإنسان هذه الوسائل للمعرفة ، فسوف يخسر قيمته تماما ويصبح مجرّد كميّة مهملة من المادّة والتراب ، ولهذا نجد الآية الشريفة محل البحث تؤكّد في ختامها على مسألة الشكر لهذه النعم العظيمة على الإنسان وتقول( قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ ) وذلك إشارة إلى أنّ الإنسان مهما سعى في أداء شكر هذه النعم والمواهب العظيمة ، فمع ذلك لا يؤدّي حقّ الشكر.

* * *

١٠٩

بحث

كيفية خلق آدم من التراب :

رغم أنّ الآيات القرآنية تحدّثت أحيانا عن خلق الإنسان من «طين» (كالآيات محلّ البحث) ، وكما ورد في قصّة آدم وإبليس في قوله تعالى :( فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً ) (١) .

وأحيانا اخرى عن الخلق من الماء مثل :( وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ ) ،(٢) إلّا أنّ من المعلوم أنّ هذه جميعا تعود إلى مطلب واحد ، وحتّى عند الكلام عن خلق آدم من التراب ، مثل( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ) .(٣) لأنّ المراد : التراب الممتزج بالماء ، أي الطين.

ومن هنا تتّضح عدّة نقاط :

١ ـ أنّ الذين احتملوا أنّ المراد من خلق الإنسان من التراب ، هو أنّ أفراد البشر يتغذّون على النباتات ـ سواء كانت التغذية بصورة مباشرة أو غير مباشرة ـ وأنّ النباتات كلّها من التراب ـ قد جانبوا الصواب ، لأنّ آيات القرآن يفسّر بعضها بعضا ، والآيات أعلاه إشارة إلى شخص آدم الذي خلق من التراب.

٢ ـ أنّ كلّ هذه الآيات دليل على نفي فرضية التكامل ـ وعلى الأقل في مورد الإنسان ، وأنّ نوع البشر الذي ينتهي بآدم له خلق مستقلّ.

وما قيل من أنّ آيات الخلق من التراب إشارة إلى نوع الإنسان الذي يعود إلى الموجودات أحادية الخليّة بآلاف الوسائط ، وهي أيضا قد جاءت ـ طبقا للفرضيات الأخيرة ـ من الطين الموجود على جانب المحيطات ، أمّا نفس آدم فقد كان فردا انتخب من بين نوع البشر ، ولم يكن له خلق مستقلّ ، بل إنّ امتيازه كان

__________________

(١) سورة الإسراء ، الآية ٦١.

(٢) سورة الأنبياء ، الآية ٣٠.

(٣) آل عمران ، ٥٩.

١١٠

في صفاته الخاصّة هذه الفرضية لا تتناسب مع ظواهر آيات القرآن بأيّ وجه من الوجوه.

وتؤكّد مجدّدا أنّ مسألة تحوّل الأنواع ليست قانونا علميّا مسلّما ، بل هي مجرّد فرضيّة ـ لأنّ الشيء الذي امتدّ أصله إلى ملايين السنين وخفي فيها ، فمن المسلّم أنّه لا يخضع للتجربة والمشاهدة ، ولا يمكن أن يكون في مصاف القوانين العلمية الثابتة ـ بل هي فرضية لتوجيه ظاهرة تنوّع الأجناس التي ظهرت إلى الوجود توجيها تخمينيا ، ونحن نعلم أنّ الفرضيات في حالة تغيّر وتحوّل دائما حيث تخلي الساحة أمام الفرضيات الجديدة.

بناء على هذا ، فإنّه لا يمكن الاعتماد عليها مطلقا في المسائل الفلسفية التي تحتاج إلى أسس مسلّمة قطعية.

وقد أوردنا إيضاحا مفصّلا حول أسس فرضية تكامل الأنواع ، وعدم صحّتها ، تحت عنوان (القرآن وخلق الإنسان) في ذيل الآية (٢٨) من سورة الحجر.

وفي نهاية هذا البحث نرى لزاما ذكر هذه المسألة ، وهي أنّه ليس لفرضية التكامل أي ارتباط بمسألة التوحيد ومعرفة الله ، ولا تعتبر دليلا على نفي عالم ما وراء الطبيعة ، لأنّ الإعتقاد التوحيدي يقول : إنّ العالم قد خلق من قبل الله سبحانه ، وإنّه هو الذي أعطى كلّ خواص الموجودات ، ويشملها بفيضه في جميع المراحل.

إنّ هذا المعنى يمكن أن يقبله المعتقد بنظرية (ثبوت الأنواع) كما يقبله من يذهب إلى (تطور الأنواع) ، غير أنّ المشكلة الوحيدة التي يواجهها المعتقد بفرضية تحوّل الأنواع هي أنّ هذه الفرضيّة لا تتناسب مع التفصيل الذي بيّنه القرآن الكريم حول خلق آدم ، حيث يذكر كيفيّة خلقه من التراب والطين.

بناء على هذا فإنّنا ننفي فرضية التكامل لهذا السبب فقط ، لا بسبب مخالفتها لمسألة التوحيد. هذا من الناحية التّفسيرية.

١١١

أمّا من الناحية العلمية ـ أي العلوم الطبيعية ـ فإنّنا ننفي فرضية التكامل ـ وكما أشير إلى ذلك ـ من جهة عدم امتلاكها الأدلّة القطعيّة على ثبوتها.

* * *

١١٢

الآيات

( وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (١٠) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١) وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢) وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤) )

التّفسير

الندم وطلب الرجوع :

تبدأ هذه الآيات ببحث واضح جلي حول المعاد ، ثمّ تبيّن وتبحث حال المجرمين في العالم الآخر ، وهي في المجموع تتمّة للبحوث السابقة التي تحدّثت حول المبدأ ، إذ أنّ البحث عن المبدأ والمعاد مقترنان غالبا في القرآن المجيد

١١٣

فتقول : إنّ هؤلاء الكفّار يتساءلون باستغراب بأنّنا إذا متنا وتحوّلت أبداننا إلى تراب واندثرت تماما فهل سوف نخلق من جديد :( وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) .

إنّ التعبير بـ( ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ ) إشارة إلى أنّ الإنسان يصبح ترابا بعد موته كسائر الأتربة ويتفرّق هذا التراب نتيجة العوامل الطبيعية وغير الطبيعية ، ولا يبقى منه شيء حتّى يعيده الله سبحانه في القيامة مرّة اخرى.

إلّا أنّ هؤلاء ليسوا بمنكرين قدرة الله في الحقيقة( بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ ) فإنّهم ينكرون مرحلة لقاء الله والحساب والثواب والعقاب ولتبرير حرية العمل وليعملوا ما يريدون!

وهذه الآية تشبه كثيرا الآيات الاولى من سورة القيامة التي تقول :( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ ) .(١)

بناء على هذا ، فإنّ هؤلاء ليسوا قاصرين من ناحية الاستدلال ، ولكن شهواتهم حجبت قلوبهم ، ونيّاتهم السيّئة منعتهم من قبول مسألة المعاد ، وإلّا فإنّ الله الذي أعطى قطعة المغناطيس القوّة التي تجذب إلى نفسها ذرّات الحديد الصغيرة جدّا والمتناثرة في طيّات أطنان من تراب الأرض من خلال جولة سريعة في تلك الأرض ، وتجمعها بكلّ بساطة ، هو الذي يجعل بين ذرّات بدن الإنسان مثل هذه الجاذبية المتقابلة.

من الذي يستطيع أن ينكر أنّ المياه الموجودة في جسم الإنسان ـ وأكثر جسم الإنسان ماء ـ وكذلك المواد الغذائية ، كانت ذرّاتها متناثرة في زاوية من العالم قبل ألف عام مثلا ، وكلّ قطرة في محيط ، وكلّ ذرّة في إقليم ، إلّا أنّها تجمّعت عن طريق

__________________

(١) سورة القيامة ، ٣ ـ ٦.

١١٤

السحاب والمطر والعوامل الطبيعية الاخرى ، وكوّنت الوجود الإنساني في النهاية ، فأي داع للعجب من أن تجتمع وترجع إلى حالها الأوّل بعد تلاشيها وتبعثرها؟!

وتجيب الآية هؤلاء عن طريق آخر ، فتقول : لا تتصوّروا أنّ شخصيتكم بأبدانكم وأجسامكم ، بل بأرواحكم ، وهي باقية ومحفوظة :( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) .

إذا لا حظنا أنّ معنى «يتوفّاكم» ـ من مادة «توفّي» (على وزن تصدّي) ، هو الإستيفاء ، فإنّ الموت سوف لا يعني الفناء ، بل نوع من قبض الملائكة لروح الإنسان التي تشكّل أهمّ من وجود الإنسان.

صحيح أنّ القرآن يتحدّث عن المعاد الجسماني ، ويعتبر رجوع الروح والجسم المادّي في المعاد حتميّا ، إلّا أنّ الهدف من الآية أعلاه هو بيان أنّ هذه الأجزاء المادّي التي شغلتم بها فكركم تماما ليست هي أساس شخصيّة الإنسان ، بل الأساس هو الجوهر الروحي الذي جاء من قبل الله تعالى وإليه يرجع.

وفي المجموع يمكن أن يقال : إنّ الآيتين أعلاه تجيبان منكري المعاد بهذا الجواب : إذا كان إشكالكم في تفرّق الأجزاء الجسمية ، فإنّكم تقرّون بقدرة الله سبحانه ولا تنكرونها ، وإذا كان إشكالكم في اضمحلال وفناء شخصية الإنسان على أثر تناثر تلك الذرّات ، فلا يصحّ ذلك لأنّ أساس شخصيّة الإنسان يستند إلى الروح.

وهذا الإيراد لا يختلف عن شبهة (الآكل والمأكول) المعروفة ، كما أنّ جوابه في الموردين يشبه جواب تلك الشبهة(١) .

وثمّة مسألة ينبغي التوجّه إليها ، وهي أنّ في بعض آيات القرآن نسب التوفّي

__________________

(١) لمزيد الإيضاح حول شبهة (الآكل والمأكول) وجوابها المفصّل راجع التّفسير الأمثل ، ذيل الآية (٢٦٠) من سورة البقرة.

١١٥

إلى الله سبحانه :( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) ،(١) وفي بعضها إلى مجموعة من الملائكة :( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) (٢) . وفي الآيات مورد البحث نسب قبض الأرواح إلى ملك الموت ، إلّا أنّه لا منافاة بين هذه التعبيرات مطلقا ، فإنّ لملك الموت معنى الجنس ، وهو يطلق على كلّ الملائكة ، أو هو إشارة إلى كبير الملائكة وزعيمها ، ولمّا كان الجميع يقبضون الأرواح بأمر الله سبحانه ، فقد نسب الفعل إلى اللهعزوجل .

ثمّ تجسّد وضع هؤلاء المجرمين الكافرين ومنكري المعاد الذين يندمون في القيامة أشدّ الندم على ما كان منهم لدى مشاهدة مشاهدها ومواقفها المختلفة. فتقول :( وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ ) (٣) .

ستعجب حقّا! أهؤلاء النادمون الناكسو الرؤوس هم أولئك المتكبّرون العتاة العصاة الذين لم يكونوا يذعنون في الدنيا لأيّة حقيقة؟! إلّا أنّهم الآن يتغيّرون تماما عند رؤية مشاهد القيامة ويصلون إلى مستوى الشهود ، لكنّ هذا الوعي وتغيير الموقف سريع الزوال ، فإنّهم ـ وطبقا لآيات القرآن الاخرى ـ لو رجعوا إلى هذه الدنيا لعادوا إلى حالتهم الأولى ، الأنعام / الآية ٢٨.

«الناكس» من مادّة (نكس) على وزن (كلب) بمعنى انقلاب الشيء ، وهنا يعني خفض الرأس إلى الأسفل وطأطأته.

تقديم «أبصرنا» على «سمعنا» لأنّ الإنسان يرى المشاهد والمواقف أوّلا ، ثمّ يسمع استجواب الله والملائكة.

__________________

(١) الزمر ، ٤٢.

(٢) النحل ، ٢٨.

(٣) (لو) في الآية الشريفة شرطية ، شرطها جملة (وترى ..) وجزاؤها محذوف ، والتقدير : «ولو ترى إذ المجرمون لرأيت عجبا». وفي جملة (ربّنا أبصرنا) حذف تقديره : يقولون ربّنا أبصرنا.

١١٦

ويتبيّن ممّا قلناه أنّ المراد من «المجرمين» هنا الكافرون ، وخاصّة منكري القيامة.

وعلى كلّ حال ، فليست هذه المرّة الاولى التي نواجه فيها هذه المسألة في آيات القرآن ، وهي أنّ المجرمين يندمون أشدّ الندم عند مشاهدة نتائج الأعمال والعذاب الإلهي ، ويطلبون الرجوع إلى الدنيا ، في حين أنّ مثل هذا الرجوع غير ممن في السنّة الإلهية ، كما أنّ رجوع الطفل إلى رحم الأمّ ، والثمرة المقطوفة إلى الشجرة غير ممكن.

والجدير بالذكر أنّ طلب المجرمين الوحيد هو الرجوع إلى الدنيا ليعملوا صالحا ، ومن هنا يتّضح جيّدا أنّ رأس مال النجاة الوحيد في القيامة هو الأعمال الصالحة تلك الأعمال التي تنبع من قلب طاهر مليء بالإيمان ، وتتمّ بخالص النيّة.

ولمّا كان كلّ هذا الإصرار والتأكيد على قبول الإيمان قد يوهم عجز الله سبحانه عن أن يلقي نور الإيمان في قلوب هؤلاء ، فإنّ الآية التالية تضيف :( وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها ) .

فمن المسلّم أنّ الله تعالى يمتلك مثل هذه القدرة ، إلّا أنّ الإيمان الذي يتحقّق ويتمّ بالإجبار لا قيمة له ، ولذا فالمشيئة الإلهيّة أرادت أن ينال الإنسان شرف كونه مختارا ، وأن يسير في طريق التكامل بحريته وإختياره ، ولذلك تضيف في النهاية لقد قرّرت أن أخلق الإنسان مختارا( وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) .

أجل إنّ المجرمين سلكوا هذا الطريق بسوء اختيارهم ، ولذلك فهم مستحقّون للعقاب ، ونحن قد قطعنا على أنفسنا أن نملأ جهنّم منهم.

وبملاحظة ما قلناه ، وبملاحظة مئات الآيات القرآنية التي تعتبر الإنسان موجودا مختارا ذا إرادة ، ومكلّفا بتكاليف ، ومسئولا عن أعماله ، وقابلا للهداية

١١٧

بواسطة الأنبياء وتهذيب النفس وتربيتها ، فإنّ كلّ توهّم يبتني على أنّ الآية أعلاه دليل على الجبر ـ كما ظنّ ذلك الفخر الرازي وأمثاله ـ واضح البطلان.

ولعلّ الجملة الشديدة القاطعة أعلاه إشارة إلى أن لا تتصوّروا أنّ رحمة الله الواسعة تمنع من عقاب المجرمين الفسقة والظالمين ، وأن لا تغترّوا بآيات الرحمة وتعدّوا أنفسكم بمأمن من العذاب الإلهي ، فإنّ لرحمته موضعا ، ولغضبه موضعا.

إنّهعزوجل سيفي بوعيده حتما ـ وخاصّة بملاحظة لام القسم في جملة (لأملأنّ) ونون التوكيد في آخرها ـ وسيملأ جهنّم من أصحابها هؤلاء ، وإن لم يفعل فذلك خلاف الحكمة ، ولذلك تقول الآية التالية : إنّا سنقول لأصحاب النار( فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) .

مرّة اخرى يستفاد من هذه الآية أنّ نسيان محكمة القيامة العادلة هو الأساس لكلّ تعاسة وشقاء للإنسان ، لأنّه سيرى نفسه في هذه الصورة حرّا إزاء ارتكاب القبائح والظلم والعدوان.

وكذلك يستفاد من الآية بوضوح أنّ العقاب الأبدي للفرد معلول لما ارتكبه من أعمال في دار الدنيا ، لا لشيء آخر.

وضمنا يتّضح أنّ المراد من «نسيان الله» هو عدم رعايته ونصرته لهم ، وإلّا فإنّ جميع العالم حاضر دوما عند الله ، ولا معنى للنسيان بالنسبة لهعزوجل .

* * *

مسألتان

١ ـ استقلال الروح وأصالتها

الآية الاولى من الآيات مورد البحث ، والتي لها دلالة على قبض الأرواح بواسطة ملك الموت ، من أدلّة استقلال روح الإنسان ، لأنّ التعبير بالتوفّي (والذي

١١٨

يعني القبض) يوحي بأنّ الروح تبقى بعد انفصالها عن البدن ولا تفنى.

والتعبير عن الإنسان في الآية بالروح أو النفس في الآية أعلاه شاهد آخر على هذا المعنى ، لأنّ الروح ـ وفق نظرية المادّيين ـ ليست إلّا الخواص الفيزيائية والكيميائية للخلايا المخيّة ، وهي تفنى بفنائها ، تماما كما تفنى حركات عقارب الساعة بعد فنائها وتحطّمها. وطبقا لهذه النظرية فإنّ الروح ليست هي المحافظة على شخصية الإنسان ، بل هي جزء من خواصّ جسمه تتلاشى عند تلاشي جسمه.

ولدينا أدلّة فلسفية عديدة على أصالة الروح واستقلالها ، ذكرنا بعضا منها في ذيل الآية (٨٥) من سورة الإسراء ، والمراد هنا بيان الدليل النقلي على هذا الموضوع ، حيث تعتبر الآية أعلاه من الآيات الدالّة على هذا المعنى.

٢ ـ ملك الموت

يستفاد من آيات القرآن المجيد أنّ الله سبحانه يدبّر امور هذا العالم بواسطة مجموعة من الملائكة ، كما في الآية (٥) من سورة النازعات حيث يقول :( فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً ) ونعلم أنّ السنّة الإلهيّة قد جرت على أن تمضي الأمور بأسبابها.

وقسم من هؤلاء الملائكة هم الملائكة الموكّلون بقبض الأرواح ، والذين أشارت إليهم الآيات (٢٨ و٣٣) من سورة النحل ، وبعض الآيات القرآنية الاخرى ، وعلى رأسهم ملك الموت.

وقد رويت أحاديث كثيرة في هذا الباب ، تبدو الإشارة إلى بعضها لازمة من جهات:

١ ـ في حديث روي عن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «الأمراض والأوجاع كلّها بريد الموت ورسل الموت! فإذا حان الأجل أتى ملك الموت بنفسه فقال : يا أيّها العبد ، كم خبر بعد خبر؟ وكم رسول بعد رسول؟ وكم بريد بعد بريد؟ أنا الخبر

١١٩

الذي ليس بعدي خبر! وأنا الرّسول أجب ربّك طائعا أو مكرها.

فإذا قبض روحه وتصارخوا عليه ، قال : على من تصرخون؟ وعلى من تبكون؟

فو الله ما ظلمت له أجلا ، ولا أكلت له رزقا ، بل دعاه ربّه ، فليبك الباكي على نفسه ، وإنّ لي فيكم عودات وعودات حتّى لا ابقي فيكم أحدا»(١) .

طالعوا هذا الحديث المروّع مرّة اخرى ، فقد أخفيت فيه حقائق كثيرة.

٢ ـ وفي حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام : «دخل رسول الله على رجل من الأنصار يعوده ، فإذا ملك الموت عند رأسه ، فقال رسول الله : يا ملك الموت ، ارفق بصاحبي فإنّه مؤمن ، فقال : أبشر يا محمّد ، فإنّي بكلّ مؤمن رفيق ، واعلم يا محمّد ، أنّي لأقبض روح ابن آدم فيصرخ أهله ، فأقوم في جانب الدار فأقول : والله ، ما لي من ذنب ، وإنّ لي لعودة وعودة ، الحذر الحذر ، وما خلق الله من أهل بيت ولا مدر ولا شعر ولا وبر ، في برّ ولا بحر إلّا وأنا أتصفّحهم في كلّ يوم وليلة خمس مرّات حتّى أنّي لأعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم»(٢) .

وقد وردت روايات اخرى بهذا المضمون في مختلف المصادر الإسلامية ، تحذّر جميعا كلّ البشر أنّ المسافة بينهم وبين الموت ليست كبيرة! ومن الممكن جدّا أن ينتهي كلّ شيء في لحظة قصيرة.

أيحسن بالإنسان والحال هذه أن يغترّ وينخدع بزخارف هذه الدنيا وزبرجها ، ويتلوّث بأنواع المعاصي والظلامات ، ويبقى غافلا عن عاقبة أعماله؟!

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ذيل الآية مورد البحث ، وتفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ٢٢٥.

(٢) تفسير الدرّ المنثور طبقا لنقل الميزان ، الجزء ١٦ ، صفحة ٢٥٥.

١٢٠

عليه‌السلام - في كلام له طويل - قالعليه‌السلام : « فنحن الّذين عنى الله بذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل [ كلّ هؤلاء منّا خاصّة ](١) لأنه لم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيباً، أكرم الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ الناس » الخبر.

ورواه الكليني في الروضة: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم: مثله(٢) .

[ ٧٨٠٤ ] ١١ - عماد الدين الطبري في بشارة المصطفى: عن أبي جعفر محمد بن الحسن بن عبد الصمد، عن أبيه، عن جده عبد الصمد بن محمد التميمي، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن القاسم الفارسي، قال: حدثنا أحمد بن أبي الطيب بن شعيب، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن أحمد بن حفص البختري، حدثنا زكريا بن يحيى بن مروان، حدثنا عبد الرحمن بن صالح، حدثنا موسى بن عثمان الحضرمي، عن أبي إسحاق، عن البراء، وعن زيد بن أرقم، قال: كنا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم، ونحن نرفع غصن الشجرة عن رأسه، فقال: « إنّ الصدقة لا تحل لي، ولا لأهل بيتي » الخبر.

____________________________

(١) ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر، وكان في الطبعة الحجرية كلمة « فينا ».

(٢) الكافي ج ٨ ص ٦٣.

١١ - بشارة المصطفى ص ١٦٥.

١٢١

١٧ -( باب جواز إعطاء بني هاشم من الصدقة والزكاة المندوبة

[ ٧٨٠٥ ] ١ - كتاب حسين بن عثمان بن شريك: برواية ابن أبي عمير، عنه وعن غير واحد، عن عبد الله بن شيبان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « إنما حرم على بني هاشم من الصدقة، الزكاة المفروضة على الناس، ثم قال: لو لا أن هذا لحرمت علينا هذه المياه، التي (فيما بين)(١) مكة والمدينة ».

١٨ -( باب جواز إعطاء بني هاشم زكاتهم، لبني هاشم وغيرهم)

[ ٧٨٠٦ ] ١ - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال في حديث: « وأحل لنا صدقات بعضنا على بعض، من غير زكاة ».

١٩ -( باب جواز إعطاء بني هاشم من الزكاة مع ضرورتهم، وقصور الخمس عن كفايتهم)

[ ٧٨٠٧ ] ١ - دعائم الاسلام: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام - في حديث - أنه قيل له: فإذا منعتم الخمس، فهل تحل لكم الصدقة ؟ قال: « لا

____________________________

الباب - ١٧

١ - كتاب حسين بن عثمان بن شريك ص ١١٠.

(١) في المصدر: فيها.

الباب - ١٨

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٢٥٩.

الباب - ١٩

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٢٥٩.

١٢٢

والله، ما يحل لنا ما حرم الله علينا بغصب(١) الظالمين حقنا وليس منعهم إيانا ما أحل(٢) لنا، بمحل لنا ما حرم الله علينا ».

قلت: ويحمل على غير الضرورة.

وفي الصحيح المروي في الأصل(٣) : الصدقة لا تحل لأحد منهم، إلا أن لا يجد شيئاً، فيكون ممن تحل له الميتة.

٢٠ -( باب استحباب دفع الزكاة والفطرة إلى الإمام، وإلى الثقات من بني هاشم، ليفرقوها على أربابها، واستحباب قبول الثقات ذلك)

[ ٧٨٠٨ ] ١ - دعائم الاسلام: روينا عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن أميرالمؤمنين علي (صلوات الله عليهم)، (أنه)(١) نهى أن يخفي المرء زكاته عن إمامه، وقال: « إخفاء ذلك من النفاق ».

[ ٧٨٠٩ ] ٢ - سليم بن قيس الهلالي في كتابه: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « الواجب في حكم الله وحكم الإسلام على المسلمين بعد ما يموت إمامهم أو يقتل ضالا كان [ أو مهتدياً مظلوماً كان أو ظالماً حلال الدم أو حرام الدم ](١) أن لا يعملوا عملاً ولا يحدثوا حدثاً ولا يقدموا يداً ولا رجلاً [ ولا يبدؤا بشئ ](٢) قبل أن يختاروا

____________________________

(١) في المصدر: بمنع.

(٢) وفيه: ما أحل الله.

(٣) وسائل الشيعة ج ٦ ص ١٩١ ح ١ والتهذيب ج ٤ ص ٥٩ ح ١٥٩.

الباب - ٢٠

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٤٥.

(١) في المصدر: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢ - سليم بن قيس الهلالي ص ١٨٢.

(١ و ٢) أثبتناه من المصدر.

١٢٣

لأنفسهم إماماً عفيفاً عالماً ورعاً عارفاً بالقضاء والسنة [ يجمع أمرهم ويحكم بينهم ويأخذ للمظلوم من الظالم حقه ويحفظ أطرافهم و ](٣) يجبي فيئهم ويقيم حجتهم ويجبي صدقاتهم.

٢١ -( باب جواز نقل الزكاة أو بعضها، من بلد إلى آخر مع الأمن، ووجوبه مع عدم المستحق هناك)

[ ٧٨١٠ ] ١ - زيد النرسي في أصله: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنه قال: « إذا لم تجدوا أهل الولاية في مصر تكونون فيه، فابعثوا بالزكاة المفروضة إلى أهل الولاية من غير أهل مصركم » الخبر.

٢٢ -( باب استحباب تفريق الزكاة في بلد المال، وكراهية نقلها مع وجود المستحق)

[ ٧٨١١ ] ١ - أحمد بن علي الطبرسي في الاحتجاج: عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنه قال: « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، وصدقة الحضر في أهل الحضر » الخبر.

____________________________

(٣) أثبتناه من المصدر.

الباب - ٢١

١ - زيد النرسي ص ٥١.

الباب - ٢٢

١ - الاحتجاج ص ٣٦٤.

١٢٤

٢٣ -( باب أن من دفع إليه مال يفرقه في قوم وكان منهم، جاز له أن يأخذ لنفسه كأحدهم، إلّا أن يعيّن له أشخاصاً، فلا يجوز العدول عنهم إلّا بإذنه)

[ ٧٨١٢ ] ١ - كتاب حسين بن عثمان بن شريك: عن أبي الحسنعليه‌السلام ، في رجل أعطي مالاً يقسمه فيمن يحل له، أله أن يأخذ شيئاً منه لنفسه ؟ ولم يسم له، قال: « يأخذ لنفسه مثل ما أعطى غيره ».

٢٤ -( باب جواز تصرف الفقير فيما يدفع إليه من الزكاة كيف يشاء، من حج وتزويج وأكل وكسوة وصدقة وغير ذلك، ولا يلزمه الاقتصار على أقل الكفاية)

[ ٧٨١٣ ] ١ - كتاب عاصم بن حميد الحناط: عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إن عمر شيخ من أصحابنا. سأل عيسى بن أعين وهو محتاج، قال: فقال له عيسى: أما أن عندي شيئاً من الزكاة، ولا أعطيك منها شيئاً، قال: فقال له: لم ؟ قال: لأني رأيتك اشتريت تمراً واشتريت لحماً، قال: إنما ربحت درهماً فاشتريت به أربعين(١) تمراً، وبدانق لحماً، ورجعت بدانقين لحاجة، قال: فوضع أبو عبد اللهعليه‌السلام يده على جبهته، قال: ثم رفع رأسه، فقال: « أن الله عزّوجلّ نظر في أموال الأغنياء، ونظر في الفقراء،

____________________________

الباب - ٢٣

١ - كتاب حسين بن عثمان بن شريك ص ١٠٨.

الباب - ٢٤

١ - كتاب عاصم بن حميد الحناط ص ٢٢.

(١) في نسخة: بدانقين.

١٢٥

فجعل في أموال الأغنياء ما يكتفي به الفقراء، ولو لم يكفهم لزادهم بلى فليعطه ما يأكل ويشرب ويكتسي وتتزوج ويصدق(٢) ويحج ».

[ ٧٨١٤ ] ٢ - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال: « ويعطى المؤمن من الزكاة، ما يأكل منه ويشرب، ويكتسي، ويتزوج، ويحج، ويتصدق، (ويوفي دينه)(١) ».

٢٥ -( باب جواز صرف الزكاة في شراء عبيد المسلمين، الّذين تحت الشدة خاصة وعتقهم، وجوازه مطلقاً مع عدم المستحق، فإن مات العبد الذي اشتري من الزكاة وأعتق وله مال ولا وارث له، ورثه المستحقون للزكاة)

[ ٧٨١٥ ] ١ - دعائم الاسلام: عن أبي جعفر محمد بن عليعليهما‌السلام ، أنه قال في قول الله عزوجل:( وَفِي الرِّقَابِ ) (١) قال: « إذا جازت الزكاة خمسمائة درهم، اشتر(٢) منها العبد وأعتق ».

[ ٧٨١٦ ] ٢ - فقه الرضاعليه‌السلام : في آخر باب الزكاة: « فإن استفاد المعتق مالا، فماله لمن أعتق، لانه مشترى بماله ».

____________________________

(٢) في نسخة: ويتصدق.

٢ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٢٦٠.

(١) ليس في المصدر.

الباب - ٢٥

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٢٦٠.

(١) التوبة ٩: ٦٠.

(٢) في المصدر: اشتري.

٢ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٣.

١٢٦

٢٦ -( باب جواز صرف الزكاة إلى المكاتبين مع حاجتهم، وعدم جواز إعطاء الزكاة للمملوك، سوى ما استثنى)

[ ٧٨١٧ ] ١ - محمّد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن أبي إسحاق، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته، وقد أدى بعضها، قال: « يؤدّي من مال الصدقة، إنّ الله يقول في كتابه:( وَفِي الرِّقَابِ ) (١) ».

٢٧ -( باب جواز قضاء الدين عن المؤمن من الزكاة، إذا لم يكن صرفه في معصيته، وجواز مقاصته بها من دين عليه، حياً أو ميتاً واستحباب اختيار إعطائه منها على مقاصته مع ضرورته، وجواز تجهيز الميت من الزكاة)

[ ٧٨١٨ ] ١ - العياشي في تفسيره: عن الصباح بن سيابه، قال: قالعليه‌السلام : « أيما مسلم مات وترك ديناً، لم يكن في فساد وعلى إسراف، فعلى الإمام أن يقضيه، فإن لم يقضه، فعليه إثم ذلك، إنّ الله يقول:( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ ) (١) فهو من الغارمين، وله سهم عند الإمام، فإن حبسه فإثمه عليه ».

____________________________

الباب - ٢٦

١ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٩٣ ح ٧٦.

(١) التوبة ٩: ٦٠.

الباب - ٢٧

١ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٩٤ ح ٧٨.

(١) التوبة ٩: ٦٠.

١٢٧

[ ٧٨١٩ ] ٢ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « لا تحل الصدقة لغني، إلّا لخمسة: (عامل وغارم)(١) ، وهو الذي عليه الدين، أو تحمل بالحمالة » الخبر.

[ ٧٨٢٠ ] ٣ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وإن كان لك على رجل مال، ولم يتهيّأ له قضاء، فاحسبه من الزكاة إن شئت ».

وقد روي عن العالمعليه‌السلام ، أنّه قال: « نعم الشئ القرض، إن أيسر قضاك، وإن عسر حسبته من زكاة مالك ».

الصدوق في المقنع(١) : مثله، وفيه: من زكاة مالك.

٢٨ -( باب عدم جواز دفع الزكاة إلى الغارم في معصية، وحكم مهور النساء)

[ ٧٨٢١ ] ١ - محمّد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن عبد الرحمن بن الحجاج، أن محمّد بن خالد، سأل أبا عبداللهعليه‌السلام ، عن الصدقات، فقال: « اقسمها فيمن قال الله، ولا يعطي من سهم الغارمين الّذين ينادون نداء الجاهلية »، قال: قلت: وما نداء الجاهلية؟ قال: « الرجل يقول: يا آل بني فلان، فيقع فيهم القتل والدماء، فلا يؤدّي ذلك من سهم الغارمين، (ولا الذين)(١) يغرمون

____________________________

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦١.

(١) في المصدر: عامل عليها أو غارم.

٣ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٣.

(١) المقنع ص ٥١.

الباب - ٢٨.

١ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٩٤ ح ٧٩.

(١) في المصدر: والذين.

١٢٨

من مهور النساء »، قال: ولا أعلمه إلّا قال: « ولا الّذين لا يبالون بما صنعوا بأموال الناس ».

[ ٧٨٢٢ ] ٢ - وعن محمّد القسري: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: سألته عن الصدقة، فقال: « (نعم ثمنها)(١) فيمن قال الله، ولا يعطى من سهم الغارمين الّذين يغرمون في مهور النساء، ولا الّذين ينادون بنداء الجاهلية »، قال: قلت: وما نداء الجاهلية؟ قال: « الرجل يقول: يا آل بني فلان، فيقع بينهم القتل، فلا يؤدّي ذلك من سهم الغارمين، (ولا الذين)(٢) لا يبالون ما صنعوا بأموال الناس ».

[ ٧٨٢٣ ] ٣ - وعن عمرو بن سليمان، عن رجل من أهل الحويزة(١) ، قال: سأل الرضاعليه‌السلام ، رجل فقال: جعلت فداك، إنّ الله تبارك وتعالى، يقول:( فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ) (٢) فأخبرني عن هذه النظرة، التي ذكرها الله، لها حد يعرف، إذا صار هذا المعسر لا بد له من أن ينتظر(٣) ، وقد أخذ مال هذا الرجل، وأنفق على عياله، وليس له غلة ينتظر إدراكها، ولا دين ينتظر محله، ولا مال غائب ينتظر قدومه، قال: « نعم، ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام، فيقضي عنه ما عليه من سهم الغارمين، إذا كان أنفقه في طاعة الله، فإن كان أنفقه في معصية الله، فلا شئ له على الإمام »، قال: فما لهذا الرجل

____________________________

٢ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٩٤ ح ٨٠.

(١) في المصدر: أقسمها.

(٢) في المصدر: والذين.

٣ - تفسير العياشي ج ١ ص ١٥٥ ح ٥٢٠.

(١) في المصدر: الجزيرة.

(٢) البقرة ٢: ٢٨٠.

(٣) في المصدر: ينظر.

١٢٩

الذي أئتمنه، وهو لا يعلم فيم أنفقه، في طاعة الله أو معصيته؟ قال: « سعى(٤) له في ماله، فيرده وهو صاغر ».

٢٩ -( باب جواز تعجيل إعطاء الزكاة للمستحق على وجه القرض، واحتسابها عليه عند الوجوب مع بقاء الاستحقاق)

[ ٧٨٢٤ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وأول أوقات الزكاة بعد ما مضى ستة أشهر من السنة، لمن أراد تقديم الزكاة.

وإني أروي عن أبي العالمعليه‌السلام ، في تقديم الزكاة وتأخيرها، أربعة أشهر أو ستة أشهر، إلّا أنّ المقصود منها أن تدفعها إذا وجبت عليك، ولا يجوز لك تقديمها وتأخيرها، لأنها مقرونة بالصلاة، ولا يجوز لك تقديم الصلاه قبل وقتها ولا تأخيرها، إلّا أن يكون قضاء، وكذلك الزكاة، وإن أحببت أن تقدم من زكاة مالك شيئاً تفرّج به عن مؤمن، فاجعلها ديناً عليه، فإذا حل عليك وقت الزكاة فاحسبها له زكاة، فإنه يحسب لك من زكاة مالك، ويكتب لك أجر القرض والزكاة ».

[ ٧٨٢٥ ] ٢ - الصدوق في المقنع: ولا يجوز لك تقديمها وتأخيرها، إلّا أن يكون قضاء، وعليك الزكاة وإن أحببت إلى آخر ما في الرضوي.

____________________________

(٤) في المصدر: يسعى.

الباب - ٢٩

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٢.

٢ - المقنع ص ٥١ باختلاف في اللفظ.

١٣٠

[ ٧٨٢٦ ] ٣ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « لا بأس بتعجيل الزكاة قبل محلها بشهر أو نحوه أذا احتيج إليها، وقد تعجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، زكاة العباس قبل محلها (بشهر أو نحوه)(١) ، لأمر احتاج إليها فيه ».

٣٠ -( باب أنّ الزكاة لا تجب فيما عدا الغلات، إلّا بعد الحول من حين الملك، وأنه يكفي فيه أن يهل الثاني عشر)

[ ٧٨٢٧ ] ١ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال: « لا تجب الزكاة فيما سميت فيه حتى يحول عليه الحول، بعد أن يكمل القدر الذي (يجب فيه)(١) ».

وتقدم عن فقه الرضا(٢) عليه‌السلام : قولهعليه‌السلام : « ولا يجوز تقديمها وتأخيرها، لأنها مقرونة بالصلاة، ولا يجوز لك تقديم الصلاة قبل وقتها ولا تأخيرها » الخ.

____________________________

٣ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٥٩.

(١) ليس في المصدر.

الباب - ٣٠

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٥٠.

(١) في المصدر: تجب فيه الزكاة.

(٢) تقدم في الحديث ١ من الباب السابق.

١٣١

٣١ -( باب وجوب إخراج الزكاة عند حلولها من غير تأخير، وعزلها أو كتابتها مع عدم المستحق إلى أن يوجد، وحكم التجارة بها وتلفها)

[ ٧٨٢٨ ] ١ - زيد النرسي في أصله: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، في الرجل يكون له الإبل والبقر والغنم أو المتاع(١) ، فيحول عليه الحول، فيموت الإبل والبقر ويحترق المتاع، فقال: « إن كان حال عليه الحول وتهاون في إخراج زكاته، فهو ضامن للزكاة وعليه زكاة ذلك، وإن كان قبل أن يحول عليه الحول، فلا شئ عليه ».

[ ٧٨٢٩ ] ٢ - فقه الرضاعليه‌السلام : « ولا يجوز لك تقديمها وتأخيرها ».

[ ٧٨٣٠ ] ٣ - المفيد (ره) في مجالسه: عن عمر بن محمّد بن علي الصيرفي، عن محمّد بن همام الإسكافي، عن جعفر بن محمّد بن مالك، عن أحمد بن سلامة الغنوي، عن محمّد بن الحسن العامري، عن معمر، عن أبي بكر بن عياش، عن الفجيع العقيلي، عن الحسن بن عليعليهما‌السلام ، أنّه حدثه ممـّا أوصى به أمير المؤمنينعليه‌السلام عند وفاته، أنّه قال: « أوصيك يا بني بالصلاة عند وقتها، والزكاة في أهلها عند محلها » الخبر.

____________________________

الباب - ٣١

١ - زيد النرسي ص ٥٥.

(١) في المصدر: والمتاع.

٢ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٢.

٣ - أمالي المفيد ص ٢٢١.

١٣٢

٣٢ -( باب استحباب إخراج الزكاة المفروضة علانية، والصدقة المندوبة سراً، وكذا سائر العبادات)

[ ٧٨٣١ ] ١ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال: « ما كان من الصدقة والصلاة والصوم، وأعمال البر كلها، تطوعاً فأفضلها ما كان سراً، وما كان من ذلك واجباً مفروضاً، فأفضله أن يعلن به ».

[ ٧٨٣٢ ] ٢ - وعنهعليه‌السلام أنّه قال في قوله تعالى:( إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ) (١) الآية، قال: « ليس ذلك بالزكاة، ولكنه الرجل يتصدق لنفسه، (وأن)(٢) الزكاة علانية ليست بسر ».

[ ٧٨٣٣ ] ٣ - عوالي اللآلي: عن ابن عباس، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « إن صدقة السر في التطوع، تفضل علانيتها بسبعين ضعفاً، وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفاً ».

____________________________

الباب - ٣٢

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٤١.

٢ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٢٩.

(١) البقرة ٢: ٢٧١.

(٢) في المصدر: وإنما كانت.

٣ - عوالي اللآلي ج ٢ ص ٧٢ ح ١٨٩.

١٣٣

٣٣ -( باب قبول دعوى المالك في الإخراج)

[ ٧٨٣٤ ] ١ - دعائم الإسلام: عن علي، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه نهى عن أن يحلف الناس على صدقاتهم، وقال: « هم فيها مأمونون ».

وتقدم(١) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فيما رواه الثقفي في كتاب الغارات(٢) ، قوله للمصدق الذي بعثه من الكوفة: « فيقول: يا عباد الله، أرسلني إليكم ولي الله، لآخذ منكم حقّ الله، فهل في أموالكم حقّ فتؤدونه إلى وليه؟ وإن قال قائل منهم: لا، فلا تراجعه » الخ.

٣٤ -( باب وجوب النية عند إخراج الزكاة)

[ ٧٨٣٥ ] ١ - الشيخ المفيد في الاختصاص: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال: « لا خير في القول إلّا مع العمل - إلى أن قال - ولا في الفقه إلّا مع الورع، ولا في الصدقة إلّا مع النية » الخبر.

[ ٧٨٣٦ ] ٢ - الكليني في الكافي: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن بعض أصحابه، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، جميعاً عن محمّد بن أبي حمزة، عن حمران، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ،

____________________________

الباب - ٣٣

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٥٢.

(١) تقدم في الباب ١٢ الحديث ١.

(٢) الغارات ج ١ ص ١٢٦.

الباب - ٣٤

١ - الإختصاص ص ٢٤٣.

٢ - الكافي ج ٨ ص ٣٦.

١٣٤

أنه قال: « وإذا رأيت الحق قد مات - إلى أن قال - ورأيت الصدقة بالشفاعة، ولا يراد بها وجه الله، ويعطى لطلب الناس، فكن مترقباً واجهد ليراك الله عزّوجلّ في خلاف ما هم عليه » الخبر.

٣٥ -( باب استحباب التوصل بالزكاة إلى من يستحي من قبولها، بإعطائه على وجه آخر لا يوجب إذلال المؤمن)

[ ٧٨٣٧ ] ١ - أصل قديم من أصول قدماء أصحابنا: عن محمّد بن صدقة، قال: كنت عند الرضاعليه‌السلام ، إذ وفد عليه قوم من أهل أرمنية، فقال له زعيمهم: إنا أتيناك ولا نشك في إمامتك، ولا نشرك فيها معك أحداً، وإن عندنا قوم من إخواننا لهم الأموال الكثيرة، فهل لنا أن نحمل زكاة أموالنا إلى فقراء إخواننا؟ ونجعل ذلك صلة بهم وبراً، فغضب حتى تزلزلت الأرض من تحتنا، ولم يكن فينا من يحر جواباً، وأطرق رأسه ملياً وقال: « من حمل إلى أخيه شيئاً يرى أن ذلك الشئ براً له وتفضلاً عليه، عذبه الله عذاباً لا يعذب به أحداً من العالمين، ثمّ لا ينال رحمته »، فقال زعيمهم ودموعه تجري على خده: كيف ذلك يا سيدي فقد أحزنني؟ فقال: « أما علمت أنّ الله تبارك وتعالى، لم يفرق بينهم في نفس ومال، فمن يفعل ذلك لم يرض بحكم الله، وردّ عليه قضاءه، وأشركه في أمره، ومن فعل ما لزمه، باهى الله به ملائكته، وأباحه جنته ».

____________________________

الباب - ٣٥

١ - أصل قديم من أصول قدماء أصحابنا ص ١.

١٣٥

٣٦ -( باب نوادر أبواب المستحقين للزكاة)

[ ٧٨٣٨ ] ١ - ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللآلي: وفي الحديث، أنّه لمـّا نزل قوله تعالى:( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ) (١) وأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله الصحابة بأداء الزكاة ودفعها إليه، فأول من امتثل وأحضر الزكاة، رجل اسمه أبو أوفى، فدعا له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: « اللهم صلّ على أبي أوفى وآل أبي أوفى ».

[ ٧٨٣٩ ] ٢ - وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى(١) فيغنيه، ولا يسأل الناس شيئاً، ولا يفطن به فيتصدق عليه ».

[ ٧٨٤٠ ] ٣ - الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره: عن عبدالله بن أبي أوفى، قال: كان إذا أتى أحد بصدقة عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اللهم صلّ على آل فلان » فجاء أبي يوماً بصدقة عنده، فقال: « اللهم صلّ على آل أبي أوفى ».

____________________________

الباب - ٣٦

١ - عوالي اللآلي ج ٢ ص ٢٣٢ ح ١٩.

(١) التوبة ٩: ١٠٣.

٢ - المصدر السابق ج ٢ ص ٧٠ ح ١٨٢.

(١) في المصدر: غناء.

٣ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ٢ ص ٦٣٣.

١٣٦

أبواب زكاة الفطرة

١ -( باب وجوبها على الغني المالك لقوت السنة)

[ ٧٨٤١ ] ١ - دعائم الإسلام: روينا عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال في قول الله عزّوجلّ:( قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ) (١) قال: « أدى زكاة الفطرة ».

[ ٧٨٤٢ ] ٢ - علي بن إبراهيم في تفسيره:( قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ) (١) قال: زكاة الفطرة إذا أخرجها.

[ ٧٨٤٣ ] ٣ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « من أدى زكاة الفطر، تمم الله تعالى له ما نقص من زكاة ماله ».

ورواه السيد فضل الله الراوندي في نوادره(١) : بإسناده، عن

____________________________

أبواب زكاة الفطرة

الباب - ١

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٦.

(١) الأعلى ٨٧: ١٤.

٢ - تفسير القمّي ج ٢ ص ٤١٧.

(١) الأعلى ٨٧: ١٤.

٣ - الجعفريات ص ٥٤.

(١) نوادر الراوندي ص ٢٤.

١٣٧

محمّد إلى آخر السند، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وذكر مثله.

[ ٧٨٤٤ ] ٤ - الصدوق في الهداية: عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال: « الفطرة واجبة على كلّ مسلم، فمن لم يخرجها خيف عليه الفوت، فقيل له، وما الفوت؟ قال: الموت ».

[ ٧٨٤٥ ] ٥ - عوالي اللآلي: عن ابن عباس، قال: فرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، زكاة الفطرة طهرة للصيام من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن ادّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات.

٢ -( باب عدم وجوب الفطرة على الفقير، وهو من لا يملك كفاية سنته)

[ ٧٨٤٦ ] ١ - الصدوق في الهداية: عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال: « من حلت له الفطرة لم تحل عليه ».

[ ٧٨٤٧ ] ٢ - وفي المقنع: وليس على من يأخذ الزكاة صدقة الفطرة.

____________________________

٤ - الهداية ص ٥٢.

٥ - عوالي اللآلي ج ١ ص ١٧٧ ح ٢٢١.

الباب - ٢

١ - الهداية ص ٥٢

٢ - المقنع ص ٦٧.

١٣٨

٣ -( باب استحباب استخراج الفقير الفطرة، وأقله صاع يديره على عياله)

[ ٧٨٤٨ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي جعفرعليه‌السلام ، أنّه سئل عن زكاة الفطرة، قال: « هي الزكاة التي فرضها الله على جميع المؤمنين مع الصلاة، بقوله تعالى:( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) (١) على الغني والفقير، والفقراء هم أكثر الناس، والأغنياء أقلهم، فأمر كافة الناس بالصلاة والزكاة ».

[ ٧٨٤٩ ] ٢ - وعنهعليه‌السلام ، أنّه سئل هل على الفقير الذي يتصدق عليه زكاة الفطرة؟ قال: « نعم يعطي ما(١) يتصدق به عليه ».

[ ٧٨٥٠ ] ٣ - وعن الحسين بن عليعليهما‌السلام ، أنّه قال: « زكاة الفطرة على كلّ حاضر وبادٍ ».

[ ٧٨٥١ ] ٤ - فقه الرضاعليه‌السلام : « اعلم أنّ الله تبارك وتعالى، فرض زكاة الفطرة قبل أن يكثر الأموال، فقال:( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) (١) وإخراج الفطرة واجب على الغني والفقير، والعبد والحر، وعلى الذكران والإناث، والصغير والكبير، والمنافق والمخالف ».

____________________________

الباب - ٣

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٦.

(١) البقرة ٢: ٤٣، ١١٠.

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٧.

(١) في المصدر: مما.

٣ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٧.

٤ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٥.

(١) البقرة ٢: ١١٠.

١٣٩

وقالعليه‌السلام أيضاً(٢) : « وروي من لم يستطع يده لإخراج الفطرة، أخذ من الناس فطرتهم وأخرج ما يجب عليه منها ».

قلت: لا بد من حمل هذه الأخبار على الاستحباب، لمـّا تقدم، وما في الأصل، وشذوذ المخالف.

٤ -( باب عدم وجوب الفطرة على غير البالغ العاقل)

[ ٧٨٥٢ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « مال اليتيم يكون عند الوصي لا يحركه حتى(١) ، وليس عليه زكاة حتى يبلغ ».

[ ٧٨٥٣ ] ٢ - وبهذا الأسناد، عن جعفر بن محمّد عن أبيهعليهما‌السلام ، قال: « ليس على مال اليتيم زكاة ».

٥ -( باب وجوب إخراج الإنسان الفطرة عن نفسه وجميع من يعوله، من صغير وكبير، وغني وفقير، وحر ومملوك، وذكر وأُنثى، ومسلم وكافر، وضيف)

[ ٧٨٥٤ ] ١ - دعائم الإسلام: عن عليعليه‌السلام ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « تجب صدقة الفطر على الرجل عن كل

____________________________

(٢) نفس المصدر ص ٢٥.

الباب - ٤

١ - الجعفريات ص ٥٤.

(١) وسقط بعد حتى كلمة في أصل الكتاب - منه (قدّه).

٢ - الجعفريات ص ٥٤.

الباب - ٥

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٦.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510