الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٣

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل11%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 510

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156483 / تحميل: 5909
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

[6]

قول رسول الله (ص):

(أول من يدخل الجنة: شهيد، وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده،

ورجل عفيف متعفف (1) ذو عبادة).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام في ذيل الحديث 8. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الباب 31، الحديث 20.

كما رواه الشيخ المفيد في أماليه: 99، المجلس 12، الحديث الاول، ووراه العلامة المجلسي في البحار 69: 393، عن صحيفة الرضا عليه السلام ومجالس المفيد وفي 71: 272 و 72: 126، ذيل الحديث السابق (5) عن العيون وفي 74: 144.

والعلامة النوري في مستدرك الوسائل 15: 489 الحديث 5، عن العيون.

ورواه العامة:

الزمخشري في ربيع الابرار 3: 9 بلفظ: (وعبد أحسن).

فقه الحديث:

الاوائل ممن يدخل الجنة - حسب ما ورد في هذا الحديث - ثلاثة فالشهيد - وهو من يقتل في سبيل الله - قد صرح القرآن بدخوله الجنة في آيات وعدد ما لهم من النعيم في بعضها، حيث قال:

( الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء ) (2) .

__________________

(1) في هامش النسخة: (أي متكلف على العفة).

(2) النساء 4 / 69.

٨١

( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبييل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) (1) .

والثاني: العبد المخلص في طاعة ربه، والذي يمحض سيده النصيحة ويعمل بما يرضاه.

والثالث: هو الفقير الذى لا يظهر فقره، وقد مدحه الله تعالى في كتابه العزيز بقوله: ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف لا يسألون الناس إلحافا ) (2) وليست العفة وحدها تسبب دخوله الجنة، بل لابد من أن يكون عابدا لله تعالى.

وملاحظة الحديث بصورة عامة تكشف عن أن المحور الاساسي في دخول الجنة هو عبادة الله سبحانه، أما الاخيران فقد صرح فيهما بلزوم العبادة، وأما الاول، فلان الشهيد لا يكون مفتخرا بوسام الشهادة إلا إذا كان في قتله في سبيل الله وطاعته، فتكون الطاعة والعبادة هي السبب في إدخاله الجنة فما هي العبادة؟

ورد في الحديث عن عيسى بن عبد الله قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك ما العبادة؟ قال: (حسن النية بالطاعة من الوجوه التي يطاع الله منها...) (3) .

وفي حديث المعراج: (يا أحمد هل تدري متى يكون العبد عابدا؟ قال لا يا رب، قال إذا اجتمع فيه سبع خصال، ورع يحجزه عن المحارم، وصمت يكفه عما لا يعنيه، وخوف يزداد كل يوم من بكائه، وحياء يستحي مني في الخلاء وأكل ما لابد منه، ويبغض الدنيا لبغضي لها، ويحب الاخيار لحبي إياهم) (4) .

__________________

(1) آل عمران 3 / 169، والبقرة 2 / 154.

(2) البقرة 2 / 273.

(3) الكافي 2: 83.

(4) البحار 77: 30.

٨٢

[7]

قول رسول الله (ص)

أول من يدخل النار: أمير مسلط (1) لم يعدل، وذو ثروة من المال لم يعط المال حقه (2)

وفقير فخور (3) .

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام في ذيل حديث 8 أيضا، ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الحديث 20، وعنه العلامة المجلسي في البحار 69: 393، الحديث 75، عن صحيفة الرضا عليه السلام و 73: 126، الحديث 8، ذيل الحديثين السابقين (5 و 6)، عن العيون، و 73: 290، الحديث 10 و 75: 341 و 96: 13، الحديث 22، عن العيون.

ورواه العلامة النوري في مستدرك الوسائل 7: 34، الحديث الاول عن كتاب دعائم الاسلام 1: 247.

ورواه من العامة:

الديلمي في الفردوس، الحديث 32 و 33، عن علي، وفيه: (أول من يدخل النار سلطان مسلط لم يعدل). (أول من يدخل النار سلطان جائر وذو إثرة).

فقه الحديث:

الامارة والسلطة على الناس هي من الامور التي لا يحسد عليها الامير

__________________

(1) في هامش صحيفة الرضا، عن بعض النسخ: (إمام متسلط). وفي البحار 69: 393 و 73: 290 و 75: 341: (إمام متسلط).

(2) في الصحيفة: (لم يقض حقه). وفي الهامش، عن بعض النسخ: (لم يعط من المال حقه).

(3) في المستدرك: (ومفتر فاجر). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ، (فقير فجور).

٨٣

فإنها مسؤولية كبيرة تلقى على عاتق الامير المسلط، من تطبيق العدل، ورفع الظلم والاحسان إلى الاخرين. وهذا مما لا يمكن لكل إنسان مسلط إجرائه بحذافيره إلا من عصم الله، خصوصا مع ما يتمتع به من أنانية وجهل وغرور وحرص.

فأي إمير لا يهتم بشؤون المجتمع الذي يحكمه، فإنه يكون أول من يرد النار حسب هذا الحديث الشريف، ومن يدخل النار مقترنا بورود هذا الامير ذو الثروة الذى لم يعط حق المال، من الزكاة والخمس والحقوق اللازمة للثروات.

وأما الفقير الفخور، فإن السر في دخوله النار هو الفخر لا الفقر، وقد ورد الذم في القرآن الكريم لمن كان مختالا فخورا فقال سبحانه، ( إن الله لا يحب كل مختال فخور ) (1) . وفي الحديث: لا حمق أعظم من الفخر، والافتخار من صغر الاقدار. وإن أول من هوى بالفخر هو إبليس. وفي البحار عن أمير المومنين علي عليه السلام: (ما لابن آدم والفخر، أوله نطفة، وآخره جيفة، لا يرزق نفسه، ولا يدفع حتفه) (2) . وإن كان ولابد من الافتخار فليكن الفخر بما ورد في الدعاء والمناجاة مع الله: (إلهي كفى بي عزا أن أكون لك عبدا، وكفى بي فخرا أن تكون لي ربا).

وفي غرر الحكم عن علي عليه السلام: (ينبغي إن يكون التفاخر بعلى الهمم، والوفاء بالذمم، والمبالغة في الكرم، لا ببوالي الرمم، ورذائل الشيم) (3) .

وفي كتاب الحسين بن سعيد، عن أبي جعفر عليه السلام: (قال: أصل المرء دينه، وحسبه خلقه، وكرمه تقواه، وإن الناس من آدم شرع سواء).

__________________

(1) لقمان: 31 / 18.

(2) البحار 73: 294 و 78.

(3) ميزان الحكمة 7: 419.

٨٤

[8]

قول رسول الله (ص):

(لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن (1) ما حافظ على الصلوات (2) الخمس (3)

فإذا ضيعهن (4) تجرأ (5) عليه (6) وأوقعه (7) [في] (8) العظائم).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام برقم 9. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الباب 31، الحديث 21، كما رواه في الامالي: 391، الباب 73، الحديث 9، وثواب الاعمال: 274، الحديث 3. ورواه الشيخ الكليني في الكافي 3: 269، الباب 168، الحديث 8. والشيخ الطوسي في التهذيب 2: 236، الحديث 933.

ورواه العلامة المجلسي في البحار 82: 227، الحديث 54، عن المعتبر، وفي 83: 11، الحديث 12، و 83: 13، الحديث 22، عن العيون وصحيفة

__________________

(1) في البحار 82: 227، عن المعتبر: (من أمر المؤمن). وفي هامش صحيفة الرضا عليه السلام عن بعض النسخ: (من المؤمنين ما حافظوا).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (الصلاة). وفي الوسائل: (مواقيت الصلوات).

(3) في الوسائل زيادة: (لوقتهن).

(4) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (ضيعوها).

(5) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (يجرأ). وعن بعضها: (يجرؤ)، وفي المعتبر: (اجترأ عليه). وهنا ينهى الحديث في المعتبر.

(6) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (عليهم).

(7) في الوسائل 3: 18 و 81: (فأدخله في).

(8) من البحار 83: 14، والوسائل 3: 18 و 281 وصحيفة الرضا عليه السلام.

٨٥

الرضا عليه السلام.

ورواه العلامة النوري في المستدرك 3: 30، الحديث 11، عن المحقق في المعتبر، مع اختلاف.

ورواه الحر العاملي في الوسائل 3: 18 الباب 7 من ابواب أعداد الفرائض الحديث 2. بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله (ص): (لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس لوقتهن، فإذا ضيعهن تجرأ عليه فأدخله في العظائم). كما رواه في 3: 81، بإسناده عن محمد بن ماجيلويه، عن عمه محمد بن علي السكوني، عن ابن فضال، عن سعيد بن غزوان، عن اسماعيل ابن ابي زياد، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله (ص): (لا يزال الشيطان هائبا لابن آدم، ذعرا منه، ما صلى الخمس لوقتهن، فإذا ضيعهن اجترأ عليه فأدخله في العظائم).

قال المحدث العاملي: ورواه البرقي في المحاسن، عن محمد بن علي عن ابن فضال، مثله (1) .

ورواه المحدث العاملي في الوسائل 4: 1016، كتاب الصلاة، الباب الاول من أبواب التعقيب، الحديث 14، عن صحيفة الرضا عليه السلام.

ورواه من العامة:

المتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 19061، عن أبي نعيم. ورواه أبو بكر محمد بن الحسين النجار، في أماليه. والرافعي، عن علي بن أبي طالب عليه السلام في التدوين. ورواه الديلمي في الفردوس، الحديث 7591، عن علي عليه السلام.

__________________

(1) انظر المحاسن 1: 82، الحديث 12.

٨٦

[9]

قول رسول الله (ص):

(من أدى (1) فريضة (2)

فله عند الله دعوة مستجابة).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام برقم 10، ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28 الباب 31، الحديث 22. ورواه الشيخ المفيد في أماليه: 118، الباب 14، الحديث الاول. والشيخ الطوسي في أماليه 2: 608، الباب 26.

ورد معناه في الكافي 3: 498، الباب 27، الحديث 8. والفقيه 2: 62 الباب 112، الحديث 1710.

ورواه العلامة المجلسي في البحار 82: 207، الحديث 13 عن العيون 2: 28 و 85: 321، الحديث 7: عن العيون 2: 28، الحديث 22 وصحيفة الرضا عليه السلام: 10 وأمالي الطوسي 2: 210 وأمالي المفيد 76 وفي البحار 93: 344، الحديث 8، عن أمالي المفيد: 76.

ورواه المحدث العاملي في الوسائل 4: 1016، كتاب الصلاة، الباب الاول من أبواب التعقيب، الحديث 11، عن جماعة، عن أبي المفضل، عن عبد الله ابن احمد بن عامر الطائي، عن أبيه، عن الرضا عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: (قال رسول الله (ص)...).

__________________

(1) في الوسائل: (من صلى).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (فريضته).

٨٧

وروى في الحديث 12، عن أبي عبد الله عليه السلام: (ما من مؤمن يؤدي فريضة من فرائض الله إلا كان له عند أدائها دعوة مستجابة).

كما رواه في الوسائل 4: 1016، الحديث 11، عن الامالي. وفي 4: 1015 الحديث 10، عن أمالي ابن الشيخ 1: 295، بإسناده عن الهادي، عن آبائه عليهم السلام وفي 4: 1116، الحديث 10، عن الامالي.

ورواه قطب الدين الراوندي في الدعوات: 27، الحديث 47 وعنه البحار 86: 218، الحديث 34 و 93: 347، الحديث 14، والمستدرك 1، 355 الحديث 8.

وروى نحوه البرقي في المحاسن 1: 50، الحديث 72. وعنه الوسائل 4: 1016، الحديث 12. والبحار 8: 322، الحديث 10.

وأورده الطبرسي في مشكاة الانوار: 112. وابن فهد الحلي في عدة الداعي: 58، وعنه الوسائل 4: 1015، الحديث 9.

والشيخ ورام بن أبي فراس في تنبيه الخواطر 2: 76 و 168.

ورواه من العامة:

المتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 19040، عن الديلمي، عن علي عليه السلام.

والشوكاني في الفوائد المجموعة للشوكاني: 28.

ورواه الديلمي في الفردوس عن سلمان الفارسي، الحديث 5921، وفيه زيادة: (في شهر رمضان).

وابن حجر في لسان الميزان 2: 417.

والطبراني في الكبير بلفظ: (من صلى فريضة فله دعوة مستجابة، ومن ختم القرآن فله دعوة مستجابة).

٨٨

[10]

قول رسول الله (ص):

(العلم خزائن، ومفتاحه (1) السؤال، فاسألوا يرحمكم الله، فإنه يؤجر فيه أربعة:

السائل، والمعلم، والمستمع (2) والمحب لهم (3) ).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام برقم 11. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 28، الباب 31، الحديث 23. وفي الخصال: 245 الباب 4، الحديث 101، عن ابن المغيرة، بإسناده، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، مع اختلاف ذكرناه في الهامش.

ورواه الكراجكي في كنز الفوائد، 239. والعلامة المجلسي في البحار 1: 196 و 197، الحديث 3، عن صحيفة الرضا عليه السلام. وكنز الفوائد، باختلاف يسير ذكرناه في الهامش. وكذا في 10: 368، الحديث 12.

ورواه البحراني في العوالم 3: 217، الحديث الاول، عن الكنز. وفي الصفخة 219، الحديث 5، عن الخصال. وأورد صدره في منية المريد، 71، عن الصادق عليه السلام، عنه البحار 1: 198، الحديث 7، والعوالم 3: 219، الحديث 7.

__________________

(1) في صحيفة الرضا عليه السلام وكنز العمال: (ومفتاحها) وفي هامش الصحيفة عن (ن): (ومفاتيحه). وعن بعض النسخ: (ومفتاحه). وفي البحار: (ومفاتحه). وفي الخصال: (والمفاتيح).

(2) في كنز العمال: (والمستمع والسامع)

(3) في صحيفة الرضا عليه السلام: (والمحب له). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (والمجيب له).

٨٩

ورواه من العامة:

المتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 28662. عن علي عليه السلام. والزبيدي في إتحاف السادة المتقين 1: 99. والعراقي في المغني عن حمل الاسفار 1: 10. وأبو نعيم في حلية الاولياء 3: 192. والخطابي في إصلاح خطأ المحدثين 2: 85. والسيوطي في الدرر المنتثرة في الاحاديث المشتهرة: 115. والديلمي في الفردوس، الحديث 4192. والرافعي في التدوين 3: 3. وابن حجر في لسان الميزان 2: 417.

فقه الحديث:

من خصوصيات الدين الاسلامي والمذهب الشيعي هو الحث على العلم والتعليم، وهذا الحديث يبين طريقة الاستفادة من العلماء، وهو اقتراح فريد وهام لا يقف على أهميته إلا من واجه الامر بصورة جدية.

فالعالم - وهو الذى أتعب نفسه في تحصيل العلم مثل في الحديث بالكنز والخزينة المحتوية على أنواع التحفيات والذخائر، لا يمكن أن تثار محتوياته كلها - قد يتحير هو عند ما يطلب منه الافادة في نقطة الانطلاق، والموضوع الضروري الذي ينبغي طرحه في هذا المجلس الخاص، أو بالنسبة إلى هذا المستمع بالخصوص.

وقد يكون ما يطرحه من مواضيع لا تفيد السامعين فائدة تامة لبعدها عن واقع حياتهم وحاجتهم الفعلية.

أما لو كان المتعلم هو البادئ بالسؤال والمفترح لموضوع البحث، فإن الفائدة المتوخاة تكون قطعية.

وربما كانت هناك نقاط يستفيدها المسؤول من نفس السائل، فيطرح الجواب بصورة تكون أنفع بحال السائل مما لو كان طرحه ابتداء ومن دون سؤال مسبق.

٩٠

[11]

قول رسول الله (ص):

لا تزال امتي بخير ما تحابوا (1) ، وأدوا الامانة، وأجتنبوا الحرام (2) ، وقروا الضيف (3)

[وأقاموا الصلاة] (4) وآتوا (5) الزكاة، فإذا (6) لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط والسنين (7) .

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 12. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 9، الحديث 25. وثواب الاعمال: 300 الحديث الاول. ورواه الشيخ الطوسي في أماليه 2: 260. والسبزواري في جامع الاخبار، الحديث 1052.

ورواه العلامة المجلسي في البحار 69: 394، الحديث 76. و 405 الحديث 110. و 71: 206 الحديث 11. و 73: 352، الحديث 52. و 74: 392، الحديث 10. و 75: 115، الحديث 7. و 75: 460 الحديث 14. و 82: 207، الحديث 14. و 96: 14، الحديث 23، عن عيون أخبار الرضا عليه السلام،

__________________

(1) في العيون، والبحار: 71 و 73 و 74، والوسائل، زيادة: (وتهادوا).

(2) لم ترد عبارة: (وأدوا الامانة واجتنبوا الحرام) في البحار 69: 405.

(3) في صحيفة الرضا: (واقرؤوا). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (وقروا). وفي بعض النسخ: (ووقروا). وعن بعضها: (وقرؤوا) - من القرى -.

(4) الزيادة من صحيفة الرضا عليه السلام، الحديث 12، والبحار 69: 394 و 71: 206 و 73: 352 و 74: 392 و 75: 460. والمستدرك 16: 258. والوسائل.

(5) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (وأدوا).

(6) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (فإن).

(7) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (بالسنين والقحط). وفي البحار 69: 405: (بالسنين والجدب).

٩١

وصحيفة الرضا عليه السلام، وأمالي الطوسي، وجامع الاخبار، مع اختلاف في بعض الموارد. ورواه العلامة النوري في المستدرك 16: 258، عن صحيفة الرضا عليه السلام.

كما روى معناه المحدث العاملي في الوسائل 11: 202. و 16: 557.

ورواه من العامة:

ابن خزيمة في صحيحه: 339 وابن عبد البر في التمهيد 8: 91. والبخاري في التأريخ الكبير 7: 34.

فقه الحديث:

يؤكد النبي (ص) في هذا الحديث على ستة أشياء، هي اسس سعادة المجتمع وأولها المحبة، فالحب هو أساس الثقة والسبب في التعاون والتآلف بين أفراد المجتمع. وقد ذكر الرسول الاعظم بعض ما يورث المحبة في حديث أورده العلامة المجلسي في البحار (70: 15) فقال (ص): (إرغب فيما عند الله عز وجل يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس).

وروي: (البشر الحسن وطلاقة الوجه مكسبة للمحبة، وقربة من الله) (1) .

وعن الصادق عليه السلام، (ثلاثة تورث المحبة: الدين والتواضع والبذل) (2) .

وأما الخصال الاخرى من أداء الامانة، وإجتناب الحرام، وأضافة الضيوف، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، فأثارها الاجتماعية واضحة.

وكون ترك هذه الامور موجبة للقحط والجدب، يستفاد من قوله تعالى: ( ولو أن أهل القرى آمنوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) (الاعراف: 7 / 96).

__________________

(1) تحف العقول: 217.

(2) البحار 78: 229.

٩٢

[12]

قول رسول الله (ص):

(ليس منا من غش (1) مسلما (2) أو ضره (3) أو ما كره (4) ).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 13. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 29، الباب 21 (في ما جاء عن الرضا عليه السلام من الاخبار المجموعة) الحديث 26.

ورواه العلامة المجلسي قدس سره في البحار 10: 367، الحديث 4. وفي 75: 285، الحديث 5، عن العيون. ورواه العلامة الحر العاملي في الوسائل 12: 211، الحديث 12 عن العيون. ورواه العلامة النوري في مستدرك الوسائل 9: 82، الحديث 9. وفي 13: 201، الحديث 1، عن صحيفة الرضا عليه السلام.

ورواه الفقيه الايلاقي في جامع الاحاديث بالرقم 379.

هذا وروى معناه في الكافي 5: 160. ومن لا يحضره الفقيه 3: 273 وأمالي الصدوق: 223. وعيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 50. وثواب الاعمال 2: 320. وسلسلة الابريز: 84.

ورواه من العامة:

السيوطي في الجامع الصغير 2: الحديث 7688. وروى معناه الطبراني

__________________

(1) في هامش النسخة: (أي خان).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (مؤمنا).

(3) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (أو غره).

(4) المماكرة: من المكر وهو الخداع.

٩٣

في الكبير: 10234، والصغير 1: 161. وأبو نعيم في حلية الاولياء 4: 188 - 189. والترمذي: 1315. والحاكم في المستدرك 2: 9. وابن ماجه في سننه: 224 و 225. والهيثمي في مجمع الزوائد 4: 78 و 79 و 8: 16. والسنن الصغير للبيهقي 2: 1938. ومسلم في صحيحه: 101 و 102. وابن حبان: 556 و 1107. والخطيب في تأريخه 3: 178. والمتقي في كنز العمال 4: 9503، 9506 و 9975.

فقه الحديث:

النصيحة للمسلمين فريضة لازمة لحفظ العدالة الاجتماعية، وبسط الاعتماد بين أفراد المجتمع، وعند نقشي الغش والاضرار والمكر فإنه يوجب الحقد والعداء والتفرقة بين أفراد المجتمع، فإن الحقيقة لا تبقى خافية إلى الابد، وبمجرد أن تنكشف يتولد البغضاء والتصدي للمقابلة بالمثل والانتقام.. إلى غير ذلك.

وفي حديث: (الغش شيمة المردة، ومن أخلاق اللئام، ومن علامات الشقاء) (1) .

وأما الاضرار بالغير والمكر، فهي كالغش في إيجاد التفرقة والفساد. وقد ورد النهي عن الضرر والضرار في ضمن أحاديث كثيرة، وكتب فيها العلماء رسائل متعددة، وقيل في معنى الضر: أن ينقص الرجل أخاه شيئا من حقه، وفي المكر، إن أصله الخداع (2) .

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: ((لولا أني سمعت رسول الله (ص) يقول: إن المكر والخديعة في النار، لكنت أمكر العرب) (3) .

__________________

(1) ميزان الحكمة 7: 220.

(2) راجع النهاية: لابن الاثير، مادة: (ضرر) و (مكر).

(3) البحار 41: 109.

٩٤

[13]

قول رسول الله (ص):

(قال الله تعالى: يابن آدم، لا يغرنك (1) ذنب الناس عن ذنبك (2)

ولا نعمة الناس عن (3) نعمة الله تعالى عليك

ولا تقنط الناس (4) من رحمة الله (5) وأنت ترجوها لنفسك).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 15، ورواه الشيخ الصدوق رحمه الله في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 29، الحديث 27. وأورده العلامة المجلسي في البحار 70: 388، الحديث 55. و 71: 45، الحديث 50. و 73: 359، الحديث 81. وأورده الطبرسي في مشكاة الانوار: 72، عن الباقر، عن النبي (ص) والشيخ ورام في تنبيه الخواطر 2: 77، عن علي، عن النبي (ص).

ورواه من العامة:

الزمخشري في ربيع الابرار 4: 316. وابن عراق في تنزيه الشريعة 2: 344.

__________________

(1) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (لا يغرك).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (ذنب نفسك).

(3) في البحار 70: 388: (من).

(4) في هامش الصحيفة: (لم ترد (من نعمة الله عليك، ولا تقنط الناس) في بعض النسخ).

(5) في صحيفة الرضا عليه السلام زيادة: (تعالى عليهم). وفي البحار زيادة: (تعالى). وفي هامش الصحيفة: (لم ترد (عليهم) في العيون والبحار) وعن بعض النسخ: (عليك).

٩٥

[14]

قول رسول الله (ص):

(ثلاثة (1) أخافهن على امتي (2) :

الضلالة بعد المعرفة، ومضلات الفتن، وشهوة (3) البطن والفرج).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 17. وروى هذا الحديث الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 29: الباب 31، الحديث 28 والمواعظ: 104، الباب 9، الحديث 1. ومن لا يحضره الفقيه 4: 407، الباب 175، الحديث 5881. ورواه الشيخ المفيد في أماليه: 111، المجلس 13. الحديث الاول. والشيخ الكليني في الكافي 2: 79، الباب 38، الحديث 6. والشيخ الطوسي في أماليه 1: 158، الباب 6، الحديث 15. والعلامة المجلسي في البحار 10: 368، الحديث 15. و 22: 451، الحديث 7، عن العيون، وعن أمالي الشيخ: 97 و 98. وفي البحار 71: 273، الحديث 19، عن المحاسن 1: 295 الحديث 462. ورواه المحدث العاملي في الوسائل 11: 198، كتاب الجهاد الباب 22 من أبواب جهاد النفس، الحديث 5. والعلامة النوري في المستدرك 11: 276، الباب 22 من أبواب جهاد النفس، الحديث 11، عن أمالى المفيد.

ورواه من العامة:

التبريزي في مشكاة المصابيح، الحديث 3712. والمتقي الهندي في كنز العمال،

__________________

(1) في صحيفة الرضا عليه السلام، والبحار: (ثلاث).

(2) في صحيفة الرضا عليه السلام والبحار وكنز العمال زيادة: (من بعدي).

(3) في كنز العمال: (وشهوات).

٩٦

الحديث 43864، عن الديلمي، عن أنس.

فقه الحديث:

الحديث الشريف يبين أمورا هي أعظم الاخطار التي تهدد كيان الامة ويعرف المسلمين ذلك للاجتناب عنها والحذر منها. أولها: الضلالة بعد المعرفة، فإن الهداية الالهية بإرشاد الناس إلى الدين القويم والتمسك بشريعة سيد المرسلين مهدد بميل النفس إلى الضلال والغواية، والشيطان بالمرصاد لكل مؤمن متقي ليلقيه في أحضان الكفر والضلال. فلابد للانسان المسلم من الحذر عن الوقوع في الضلالة بالاستزادة من نور المعرفة، وارتياد مجالس العلم، وطلب الحكمة أينما كانت ليكون على أتم استعداد لمواجهة قوى الكفر والضلال.

وأما الفتن، وهي ثاني الامور التي تهدد كيان المسلم إذا لم يتأهب لها بالتسلح بالعلم والعقيدة الصحيحة. والفتنة لابد منها، فبها يمتاز الصادق في إيمانه عن المتظاهر، والمؤمن عن الكافر، والمستقيم على الهدى عن غيره، قال سبحانه: ( الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) (العنكبوت: 29 / 1).

فالفتنة بالنسبة إلى المؤمن المتقي الثابت تكون كالكير ينفي خبث الحديد وهو تمحيص، وأما بالنسبة إلى من لم يأخذ من الايمان بالحظ الا وفى فقد توجب له الانزلاق والتردي في الضلال والارتداد بعد الهدى، فلا بد قبل أوان الامتحان من الاستزادة بالعلم والمعرفة وتقوية جذور الايمان في القلب، حتى لا يكون الممتحن فيها من الفئة الاخيرة.

وأما شهوة البطن والفرج، فهما من أعظم الفتن التي ابتلي بها الانسان في الدنيا، وهما مصدر كل شر لو لم يتوقى الانسان من شرهما بتهيئة ما يغنيهما من الحلال.

٩٧

[15]

قول رسول الله (ص)

(أتاني ملك فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك (1) السلام، ويقول (2) :

إن شئت جعلت لك بطحاء مكة (3) ذهبا. قال: فرفعت رأسي إلى السماء وقلت (4) :

يا رب (5) أشبع يوما فأحمدك، وأجوع يوما فأسألك).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 76. وروى هذا الحديث الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 30، الباب 31، الحديث 36، كما رواه الشيخ المفيد في أماليه: 124، المجلس 15، الحديث الاول. والسبزواري في جامع الاخبار: 126. والحسين بن سعيد في كتاب الزهد: 52، الحديث 139. وعنه البحار 16: 283، الحديث 130. ومشكاة الانوار: 294. ورواه العلامة المجلسي في البحار 16: 220، الحديث 12، عن العيون، وصحيفة الرضا عليه السلام. وفي 72: 164، الحديث 13، عن العيون.

ورواه العلامة النوري في مستدرك الوسائل 12: 52 الباب 63 من

__________________

(1) في صحيفة الرضا عليه السلام وكنز العمال: (يقرأ عليك). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (يقرأك).

(2) في هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (ويقول لك).

(3) بطحاء مكة، ويقال لها الابطح أيضا، وهو البطح: مسيل واسع فيه رمل ودقاق الحصى.

(4) كذا في أمالي المفيد، وفي الاصل: (فأرفع رأسه إلى السماء فقال). وفي المصادر الاخرى: (فرفع رأسه إلى السماء فقال). وفي البحار (16: 220): (فرفع رأسه إلى السماء وقال). وفي هامش الصحيفة، عن بعض النسخ: (فرفعت رأسي إلى السماء فقلت).

(5) في كنز العمال: (لا يا رب).

٩٨

أبواب جهاد النفس، الحديث 3، عن كتاب عاصم بن حميد الحناط: 37. وفيه: (جاء إلى رسول الله ملك فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام، وهو يقول لك: إن شئت جعلت لك بطحاء مكة رضراض (1) ذهب. قال: فرفع رأسه... الحديث).

ورواه من العامة:

أحمد بن حنبل في المسند 4: 30. والمتقي الهندي في كنز العمال، الحديث 18616، عن الحسن، عن أمير المؤمنين عليه السلام. والسيوطي في الدر المنثور 5: 338، ورواه الجزري في جامع الاصول 10: 137، ذيل الحديث 7614.

والترمذي في سننه برقم 2348، بلفظ، (عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا...).

فقه الحديث:

النبي (ص) اسوة كل مسلم في كل شئ، وقد اختار الله له أن يكون أعرف الناس بالحقائق، فمن هناك عزف عن المال والذهب وما يتعلق بالدنيا، وانتخب الزهد، ليكون دائم الاتصال بربه، إذا جاع سأله، وأذا شبع شكره.

وهذا تعليم لاتباعه على سلوك نفس الطريق وعدم التكالب على الدنيا، لانه موجب للاعراض عن الاخرة، والغفلة عن الرب تعالى. وقد قال الله تعالى: ( إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى ) (2) ، فالغني موجب للطغيان إلا من عصم الله.

__________________

(1) الرضراض: الحصى أو صغارها، والارض المرضوضة بالحجارة. والمراد دقاق الذهب، أي ما رض منه.

(2) العلق: 96 / 6.

٩٩

[16]

قول رسول الله (ص):

(عليكم بحسن الخلق، فإن حسن الخلق في الجنة [لا محالة] (1) ،

وإياكم وسوء الخلق فإن سوء الخلق (2) في النار لا محالة).

ورد هذا الحديث في صحيفة الرضا عليه السلام بالرقم 86. ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 31، الباب 31، الحديث 41، وعنهما البحار 71: 386، الحديث 31. ورواه الطبرسي في مجمع البيان 5: 333، وعنه البحار 71: 383. ورواه العلامة المجلسي في البحار 10: 369، الحديث 19. والمحدث العاملي في الوسائل 8: 506 الباب 104 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 17 و 11: 324، الباب 69 من أبواب جهاد النفس، الحديث 7.

وورد مرسلا في روضة الواعظين: 441، ومشكاة الانوار: 223.

ورواه من العامة:

الحاكم في المستدرك 1: 23. والديلمي في مسند الفردوس، الحديث 4033، عن علي عليه السلام.

فقه الحديث:

الخلق الحسن مفتاح السعادة والفلاح، ليس في الدنيا فقط، بل هو مفتاح الجنة أيضا.

فصاحب الخلق الحسن كثير الاصدقاء والاعوان والاحبة، وإن كان

__________________

(1) من صحيفة الرضا عليه السلام والمصادر الناقلة لهذا الحديث.

(2) في هامش النسخة: (أي صاحب سوء الخلق).

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

(بعد) إمّا أن تعني (بعد) الزمانية ، أي لا نتّخذ زوجة بعد هذا الزمان ، أو أنّ المراد أنّك بعد أن خيّرت أزواجك بين البقاء معك والحياة حياة بسيطة في بيتك ، وبين فراقهنّ ، وقد رجّحن البقاء معك عن رغبة منهنّ ، فلا ينبغي أن تتزوّج بعدهنّ بامرأة اخرى.

وكذلك لا يمكنك أن تطلّق بعضهنّ وتختار مكانهنّ زوجات أخر. وبتعبير آخر : لا تزد في عددهنّ ، ولا تبدّل الموجود منهنّ.

* * *

مسائل مهمّة :

١ ـ فلسفة هذا الحكم :

إنّ هذا التحديد للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يعتبر نقصا ، بل هو حكم له فلسفة دقيقة جدّا ، فطبقا للشواهد التي تستفاد من التأريخ ، أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان تحت ضغط شديد من قبل مختلف الأفراد والقبائل بأن يتزوّج بنساء أخر منهم ، وكلّ واحدة من القبائل المسلمة كانت تفتخر على قبائل العرب بأنّ النّبي قد صاهرهم وحتّى أنّ بعض النساء كنّ على استعداد أن يهبن أنفسهنّ للنبي بدون مهر ـ كما مرّ ذلك ـ ويتزوّجنه بدون أيّ قيد أو شرط.

كانت هذه العلاقة الزوجية مع تلك القبائل والأقوام حلّا لمشاكل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومحقّقة لأهدافه الاجتماعية والسياسية ، غير أنّها إذا تجاوزت الحدّ ، فمن الطبيعي أن تخلق له المشاكل بنفسها ، وبما أنّ كلّ قبيلة كانت تأمل أن يتزوّج النّبي منها ، فلو أراد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يحقّق آمال الجميع ، ويختار منهم أزواجا ، حتّى وإن كانت بمجرّد العقد ولا يدخل بها ، فإنّ ذلك سيوجد له مصاعب جمّة. ولذلك فإنّ الله الحكيم قد منع هذا الأمر ووقف دونه بإصدار قانون محكم ، فنهاه عن الزواج الجديد ، وعن تبديل أزواجه.

٣٢١

لقد كان هناك أفراد في هذا الوسط يتوسّلون للوصول إلى هدفهم بحجّة أنّ أغلب أزواجك أيامى ، ومن بينهنّ من لاحظ لها من الجمال ، فاللائق بك أن تتزوّج بامرأة ذات جمال ، ولذلك فإنّ القرآن أكّد على هذه المسألة بأنّه لا يحقّ لك أن تتزوّج النساء فيما بعد وإن أعجبك حسنهنّ وكنّ ذوات جمال.

إضافة إلى أنّ أداء الجميل ورعايته كان يوجب أن يسنّ الله تعالى مثل هذا القانون ، ويأمر به نبيّه لحفظ مقام أزواجه بعد أن أبدين وفاءهن ، ورجّحن الحياة البسيطة المعنوية مع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على أي شيء آخر.

وأمّا فيما يتعلّق بالجواري والمملوكات باليمين حيث أبيح الزواج منهنّ ، فإنّما هو من أجل أنّ مشكلة النّبي كانت من ناحية الحرائر ، ولذلك لم تكن هناك ضرورة تدعو إلى تحديد هذا الحكم في طرف الجواري ، مع أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستفد من هذا الاستثناء طبق الشواهد التأريخية.

هذا هو الشيء الذي يبدو من ظاهر الآية.

٢ ـ الروايات المخالفة :

اعتبرت جملة :( لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ ) في روايات عديدة ـ بعضها ضعيفة من ناحية السند ، وبعضها يستحقّ الملاحظة ـ إشارة إلى النساء اللواتي بيّن تحريمهم في الآيتين (٢٣ و٢٤) من سورة النساء ـ وهنّ الامّ والبنت والاخت والعمّة والخالة و.. ، وصرّح في ذيل بعض هذه الأخبار بأنّه : كيف يمكن أن تكون النساء حلال على الآخرين وحرام على النّبي؟ فلم تكن أيّة امرأة محرّمة عليه سوى ما حرّم على الجميع(١) .

طبعا ، يبدو بعيدا جدّا أن تكون الآية تشير إلى الآيات الواردة في سورة

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، المجلّد ٤ ، صفحة ٢٩٤ ـ ٢٩٥.

٣٢٢

النساء ، إلّا أنّ المشكلة هنا أنّ بعض الروايات قد صرّحت بأنّ المراد من( مِنْ بَعْدُ ) : بعد المحرّمات في آية سورة النساء.

بناء على هذا ، فإنّ الأفضل هو أن نغضّ النظر عن تفسير روايات الآحاد هذه ، أو كما يقال : ندع علم ذلك إلى أهله ، أي المعصومونعليهم‌السلام ، لأنّها لا تنسجم مع ظاهر الآية ، ونحن مكلّفون بظاهر الآية ، والأخبار المذكورة أخبار ظنيّة.

والمطلب الآخر هو أنّ جماعة كثيرة تعتقد بأنّ الآية مورد البحث قد حرّمت كلّ زواج جديد على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا أنّ هذا الحكم قد نسخ فيما بعد ، واذن له بالزواج ، وإن كان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يتزوّج بعد ذلك. حتّى الآية( إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ) والتي نزلت قبل الآية مورد البحث ، فإنّهم يعتبرونها ناسخة لهذه الآية. ويعتقدون بأنّ هذه الآية وإن كانت قد كتبت في القرآن بعد آية( إِنَّا أَحْلَلْنا ) إلّا أنّ الأخيرة قد نزلت قبلها! بل وينقل «الفاضل المقداد» في كنز العرفان بأنّ هذه هي الفتوى المشهورة بين الأصحاب(١) .

وهذا الرأي يتعارض مع الروايات أعلاه بوضوح ، وكذلك لا ينسجم مع ظاهر الآيات أيضا ، لأنّ ظاهر الآيات يوحي بأنّ آية( إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ ) قد نزلت قبل الآية مورد البحث ، ومسألة النسخ تحتاج إلى دليل قطعي.

وعلى كلّ حال ، فليس لدينا شيء أكثر اطمئنانا ووضوحا من ظاهر الآية نفسها ، وطبقا لذلك فإنّ كلّ زواج جديد ، أو تبديل زوجات قد حرّم على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد نزول هذه الآية ، وكان لهذا الحكم مصالح ومنافع هامّة أشرنا إليها فيما سبق.

٣ ـ هل يمكن النظر إلى زوجة المستقبل قبل الزواج؟

اعتبر جمع من المفسّرين جملة( وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَ ) دليلا على حكم معروف أشير إليه في الروايات الإسلامية أيضا ، وهو : أنّ من أراد من أن يتزوّج

__________________

(١) كنز العرفان ، المجلّد ٢ ، صفحة ٢٤٤.

٣٢٣

بامرأة يستطيع النظر إليها من قبل نظرة تبيّن له هيكلها وأوصافها.

وحكمة هذا الحكم أن يختار الإنسان زوجته عن بصيرة تامّة ولا يندم ويأسف في المستقبل وهو ما يهدّد العلاقة الزوجية والكيان العائلي بالخطر ، كما ورد ذلك في حديث عن النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لأحد أصحابه حينما أراد أن يتزوّج : «انظر إليها ، فإنّه أجدر أن يدوم بينكما»(١) .

ونقرأ في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال في جواب هذا السؤال : هل يستطيع الرجل أن يدقّق النظر إلى المرأة إذا أراد الزواج منها وينظر إلى وجهها وخلفها : «نعم ، لا بأس أن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوّجها ، ينظر إلى وجهها وخلفها»(٢) .

والأحاديث الواردة في هذا الباب كثيرة ، وقد صرّح بعضها بأنّ هذه النظرة يجب أن لا تكون بدافع الشهوة وطلب اللذّة.

وواضح أيضا أنّ هذا الحكم خاصّ بالموارد التي يريد فيها الإنسان أن يتحقّق فعلا من المرأة التي يريد الزواج منها ، بحيث لو كانت الشروط مجتمعة فيها لتزوّجها ، أمّا الذي لم يصمّم على الزواج بعد ، بل يحتمله ، أو أنّه يريد مجرّد البحث ، فلا يجوز له النظر إلى النساء.

واحتمل البعض في هذه الآية أنّها إشارة إلى النظر للنساء صدفة ولا إراديا ، وعلى هذا فإنّ الآية لا تدلّ في هذه الحالة على الحكم المذكور آنفا ، وستكون الروايات هي الدليل الوحيد عليه. إلّا أنّ جملة :( وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَ ) لا تنسجم مع نظرة الصدفة السريعة ، وبناء على هذا فإنّ دلالتها على الحكم المذكور تبدو بعيدة.

* * *

__________________

(١) تفسير القرطبي ، المجلّد ٨ ، صفحة ٥٣٠٣.

(٢) وسائل الشيعة ، المجلّد ١٤ ، الباب ٣٦ من أبواب مقدّمات النكاح الحديث ٣.

٣٢٤

الآيتان

( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً (٥٣) إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٥٤) )

سبب النّزول

ذكر المفسّرون في سبب نزول هذه الآية : أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا تزوّج «زينب بنت جحش» أولم للناس وليمة فخمة تقريبا. وقلنا سابقا : إنّ هذه الأحكام ربّما كانت من أجل تحطيم سنّة جاهلية في مجال تحريم مطلّقات الأدعياء بحزم تامّ ، وليكون لهذا التحطيم شعاع أوسع ، ولتمحى هذه السنّة الجاهلية التي كانت تعتبر

٣٢٥

الزواج بأيامى العبيد المحرّرين عيبا وعارا.

يقول «أنس» ، وكان خادما خاصّا للنبي : أمرني النّبي أن أدعو أصحابه للغداء فدعوتهم ، فكانوا يأتون جماعة يأكلون ويخرجون ، حتّى قلت : يا رسول الله ، لم يبق أحد لم أدعه ، فأمر برفع السماط ، فرفعوا السماط وتفرّق القوم ، إلّا ثلاثة نفر بقوا في بيت النّبي وكانوا مشغولين بالحديث.

فلمّا رأى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حديثهم قد طال ، نهض ونهضت معه لعلّ القوم يلتفتون ويذهبون إلى أعمالهم ، فخرج النّبي حتّى أتى حجرة عائشة ، ثمّ رجع مرّة اخرى وكنت معه ، فرأيت القوم على جلستهم وحالهم ، فنزلت الآية أعلاه وأفهمتهم كيفية التعامل مع هذه المسائل(١) .

ويستفاد من بعض الرّوايات أيضا أنّ الجيران وسائر الناس كانوا يأتون إلى بعض نساء النّبي ويستعيرون أشياء حسب المتعارف والمعتاد ، وبالرغم من أنّهم لم يكونوا يرتكبون معصية وذنبا طبقا لبساطة الحياة آنذاك ، إلّا أنّ الآية أعلاه نزلت لحفظ حيثيّة زوجات النّبي وأمرت المؤمنين أنّهم إن أرادوا أن يأخذوا من نساء النّبي شيئا فليأخذوه من وراء حجاب.

وجاء في رواية اخرى أنّ بعض مخالفي النّبي قالوا : كيف تزوّج النّبي بعض نسائنا ، أما والله لئن مات لنتزوجنّ نساءه ، فنزلت الآية أعلاه وحرّمت الزواج بنساء النّبي من بعده مطلقا ، وأنهت هذه المؤامرة(٢) .

* * *

التّفسير

مرّة اخرى يوجّه الخطاب إلى المؤمنين ، لتبيّن الآية جانبا آخر من أحكام

__________________

(١) مجمع البيان ، المجلّد ٨ ، صفحة ٣٦٦ ذيل الآية مورد البحث.

(٢) المصدر السابق ، ص ٣٦٦ و٣٦٨.

٣٢٦

الإسلام ضمن جمل قصيرة بليغة وصريحة ، وخاصّة ما كان مرتبطا بآداب معاشرة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبيت النبوّة ، فتقول أوّلا : لا ينبغي لكم دخول بيوت النّبي إلّا إذا دعيتم إلى طعام واذن لكم بالدخول بشرط أن تدخلوا في الوقت المقرّر ، لا أن تأتوا قبل ذلك بفترة وتجلسون في انتظار وقت الغذاء( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ ) (١) .

بهذا تبيّن الآية أحد آداب المعاشرة المهمّة ، والتي كانت قلّما تراعى في تلك البيئة ، ومع أنّ الكلام يدور حول بيت النّبي إلّا أنّ من المسلّم أنّ هذا الحكم لا يختصّ به ، إذ ينبغي أن لا تدخل دار أي إنسان بدون إذنه (كما جاء ذلك في الآية ٢٧ من سورة النور) بل نقرأ في أحوال النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه عند ما كان يريد دخول بيت ابنته فاطمة (سلام الله عليها) ، كان يقف خارجا ويستأذن. وكان معه «جابر بن عبد الله» يوما ، فاستأذن له بعد أن استأذن لنفسه(٢) .

إضافة إلى أنّهم إذا دعوا إلى طعام فينبغي أن يكونوا عارفين بالوقت ، لئلّا يوقعوا صاحب البيت في جهد وإحراج في غير مكانه.

ثمّ تناولت الحكم الثّاني فقالت :( وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا ) .

وهذا الحكم مكمّل ومؤكّد للحكم السابق في الواقع ، فلا تدخلوا البيت الذي دعيتم إليه في غير زمان الدعوة ، وفي وقت غير مناسب ، ولا تهملوا إجابة الدعوة أو أن لا تعبؤوا بها ، ولا تتأخّروا بعد تناول الطعام مدّة طويلة.

من البديهي أنّ مخالفة هذه الأمور وعدم اتّباعها سيؤدّي إلى أذى واشمئزاز المضيف ، وهي لا تلائم الأصول الأخلاقية.

وتقول في الحكم الثالث :( وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ) فلا تجلسوا حلقا تتحدّثون

__________________

(١) «إناه» من مادّة «أنّى يأني» أي حلول وقت الشيء ، وتعني هنا تهيئة الطعام للتناول.

(٢) الكافي ، المجلّد ٥ ، ص ٥٢٨.

٣٢٧

بعد تناول الطعام ، سواء كان ذلك في بيت النّبي ، أم في بيت أي صاحب دعوة.

طبعا ، قد يرغب المضيفون في مثل هذه الحلقات والمجالس ، فهذه الحالة مستثناة ، إنّما الكلام في ما لو كانت الدعوة لتناول الطعام فقط ، لا لتشكيل مجالس الانس ، حيث تجب مغادرته بعد تناول الطعام ، خاصّة إذا كان البيت كبيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مقرّ أداء أكبر رسالات الله وأعظمها ، فيجب أن لا يهدر وقته بأمور جانبية تعوقه مدّة عن تأدية رسالته.

ثمّ تبيّن الآية علّة هذا الحكم فتقول :( إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ ) .

من المسلّم أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يتردّد لحظة ، ولا يخشى شيئا ، أو يستحيي من شيء في بيان الحقّ في الموارد التي لم يكن لها بعد شخصي وخاصّ ، إلّا أنّ بيان الحقّ إذا كان يعود على القائل نفسه ليس بالأمر الجميل الحسن ، أمّا تبيانه من قبل الآخرين فانّه رائع ومستحسن ، ومورد الآية من هذا القبيل أيضا ، فإنّ اصول الأخلاق والأدب كانت توجب على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يدافع عن نفسه ، بل يدافع الله سبحانه عنه.

ثمّ تبيّن الآية الحكم الرابع في باب الحجاب ، فتقول :( وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ) .

قلنا : إنّ هذا الأمر كان ولا يزال متعارفا بين العرب وكثير من الناس أنّهم إذا احتاجوا شيئا من لوازم الحياة ووسائلها فإنّهم يستعيرونها من جيرانهم مؤقتا ، ولم يكن بيت النّبي مستثنى من هذا القانون ، بل كانوا يأتون إليه سواء كان الوقت مناسبا أم غير مناسب ، ويستعيرون من نساء النّبي شيئا ، ومن الواضح أن جعل نساء النّبي عرضة لأنظار الناس ـ وإن كن يرتدين الحجاب الإسلامي ـ لم يكن بالأمر الحسن ، ولذلك صدر الأمر إلى الناس أن يأخذوا الأشياء من خلف حجاب أو من خلف الباب.

٣٢٨

والمسألة التي ينبغي الانتباه إليها هنا هي أنّه ليس المراد من الحجاب في هذه الآية لباس النساء ، بل هو حكم يضاف إلى ما كان خاصّا بنساء النّبي ، وهو : أنّ الناس مكلّفون إذا أرادوا شيئا من نساء النّبي أن يأخذوه من وراء حجاب لظروف نساء النّبي الخاصّة ، ويجب عليهنّ أن لا يخرجن إلى الناس ويظهرن لهم في مثل هذه الموارد حتّى وإن كن محجّبات ، وهذا الحكم لم يرد طبعا في شأن النساء الاخريات ، بل يكفيهنّ أن يراعين الحجاب الإسلامي.

والشاهد على ذلك أنّ كلمة «الحجاب» ، وإن كانت تستعمل في المحادثات اليومية بمعنى حجاب المرأة ، إلّا أنّها ليس لها مثل هذا المعنى لا في كتب اللغة ، ولا في تعبيرات فقهائنا.

«الحجاب» في اللغة هو الشيء الذي يحول بين شيئين(١) ، ولذلك اطلق على الغشاء الموجود بين الأمعاء والقلب والرئة اسم «الحجاب الحاجز».

وقد استعمل القرآن الكريم هذه الكلمة بمعنى الحائل أو الساتر في عدّة مواضع ، كالآية (٤٥) من سورة الإسراء حيث تقول :( جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً ) .

ونقرأ في الآية (٣٢) من سورة ص :( حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ) .

وجاء في الآية (٥١) من سورة الشورى :( وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ) .

أمّا في كلمات الفقهاء فقد استعملت كلمة «الستر» فيما يتعلّق بلباس النساء منذ قديم الأيّام وإلى يومنا هذا ، وورد أيضا في الرّوايات الإسلامية هذا التعبير أو ما يشبهه ، واستعمال كلمة «الحجاب» في شأن لباس المرأة اصطلاح ظهر في عصرنا على الأكثر ، وإذا وجد في التواريخ والرّوايات فقليل جدّا.

__________________

(١) لسان العرب مادّة حجب.

٣٢٩

والشاهد الآخر هو ما نقرؤه في الحديث المروي عن «أنس بن مالك» خادم النّبي الخاص ، حيث يقول : أنا أعلم الناس بهذه الآية ـ آية الحجاب ـ لمّا أهديت زينب إلى رّسول الله كانت معه في البيت ـ صنع طعاما ، ودعا القوم فقعدوا يتحدّثون ، فجعل النّبي يخرج ثمّ يرجع وهم قعود يتحدّثون ، فأنزل الله :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِ ) ـ إلى قوله ـ( مِنْ وَراءِ حِجابٍ ) فضرب الحجاب وقام القوم(١) .

وفي رواية اخرى عن «أنس» أنّه قال : أرخى الستر بيني وبينه ، فلمّا رأى القوم ذلك تفرّقوا(٢) .

بناء على هذا فإنّ الإسلام لم يأمر النساء المسلمات بأن يجلسن خلف الستور ، ولا يبرحن دورهن ، وليس لكلمة «المستورات» أو «المحجّبات» وأمثال ذلك من التعبيرات صفة إسلامية أو بعد إسلامي بالنسبة للنساء ، بل إنّ ما يلزم المرأة المسلمة هو محافظتها على الحجاب الإسلامي ، إلّا أنّ نساء النّبي قد أمرن بهذا الأمر الخاص بسبب وجود أعداء كثيرين ، ومتتبعين للعيوب والمغرضين ، وكان من الممكن أن يصبحن عرضة للتهم ، وحربة تقع بيد الانتهازيين.

وبتعبير آخر : إنّ الناس قد أمروا أن يسألوا نساء النّبي ما يبتغونه من وراء حجاب. خاصّة وأنّ التعبير بـ «وراء» يشهد لهذا المعنى.

ولذلك بيّن القرآن فلسفة هذا الحكم فقال :( ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَ ) .

وبالرغم من أنّ مثل هذا التعليل لا ينافي الحكم الاستحبابي ، إلّا أنّ ظهور الأمر في جملة( فَسْئَلُوهُنَ ) لا يتزلزل في دلالته على الوجوب ، لأنّ مثل هذا التعليل قد ورد أحيانا في موارد أحكام واجبة اخرى.

ثمّ تبيّن الآية الحكم الخامس بأنّه( وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ ) فبالرغم

__________________

(١) صحيح البخاري ، ج ٦ ، ص ١٤٩.

(٢) المصدر السابق.

٣٣٠

من أنّ هذا العمل قد ذكر في نفس الآية ، وهو الذهاب إلى بيت النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في وقت غير مناسب ، والجلوس بعد تناول الطعام ، فقد ورد في روايات سبب النّزول أنّ بعض المنافقين كانوا قد أقسموا على أن يتزوّجوا نساء النّبي من بعده ، وقد آلم ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . ولكن معنى الآية عام على كلّ حال ، فهو يشمل كلّ نوع من الأذى.

وأخيرا تبيّن الآية الحكم السادس والأخير في مجال حرمة الزواج بنساء النّبي من بعده ، فقالت :( وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً ) .

وهنا يأتي سؤال ، وهو : كيف حرّم الله نساء النّبي من اتّخاذ زوج لهنّ بعد وفاة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد كان بعضهنّ شابات تقريبا؟

وجواب هذا السؤال يتّضح بملاحظة الغاية من هذا التحريم ، وذلك لأنّه :

أوّلا : كما علمنا من سبب النّزول ، فإنّ البعض صمّم على هذا العمل كانتقام من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وإهانة لقدسيته ، وكانوا يريدون أن ينزلوا ضربة بكيانهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن هذا الطريق.

ثانيا : لو كانت هذه المسألة جائزة ، فإنّ جماعة كانوا سيتّخذون زوجان النّبي أزواجا لهم من بعده ، وكان من الممكن أن يستغلّوا هذا الزواج لتحقيق مآربهم والوصول إلى مكانة اجتماعية مرموقة. أو أنّهم يبدؤون بتحريف الإسلام على أساس أنّهم يمتلكون معلومات خاصّة صادرة من داخل بيت النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل البيت أدرى بالذي فيه ، أو أن يبثّ المنافقون بين الناس مطالب عن هذا الطريق تخالف مقام النبوّة ـ تأمّلوا ذلك ـ.

ونلمس ذلك بصورة أوضح عند ما نعلم أنّ جماعة هيؤوا أنفسهم للقيام بهذا العمل ، وصرّح بذلك بعضهم ، وكتمه البعض الآخر في قلبه. وكان من جملة من

٣٣١

ذكره بعض مفسّري العامّة هنا هو «طلحة»(١) .

إنّ الله المطّلع على الأسرار الخفيّة والمعلنة ، والخبير بها ، قد أصدر حكما قاطعا لإحباط هذه الخطّة الخبيثة ، وليمنع من وقوع هذه الأمور ، ولتحكيم دعائم هذا الحكم فقد أطلق لقب (امّهات المؤمنين) على أزواج النّبي ليعلم أولئك بأنّ الزواج منهنّ كالزواج من امّهاتهم! وبملاحظة ما قيل يتّضح لماذا وجب على نساء النّبي أن يتقبّلن هذا الحرمان بكلّ رحابة صدر؟

قد تطرح أحيانا مسائل مهمّة على مدى حياة الإنسان ، يجب أن يظهر تجاهها التضحية والإيثار ، وأن يغضّ النظر عن بعض الحقوق التي ثبتت له ، خاصّة وأنّ الافتخارات العظيمة تصاحبها مسئوليات خطيرة ، ولا شكّ أنّ أزواج النّبي قد اكتسبن فخرا لا يضاهي وعزّا لا يسامى بزواجهنّ من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واكتساب هذا الفخر يحتاج إلى مثل هذه التضحية.

لهذا السبب كانت نساء النّبي يعشن من بعده بكلّ احترام وتقدير بين الامّة الإسلامية ، وكن راضيات جدّا عن حالهنّ ، ويعتبرن ذلك الحرمان مقابل هذه الافتخارات أمرا تافها.

وحذّرت الآية الثّانية الناس بشدّة ، فقالت :( إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ) فلا تظنّوا أنّ الله سبحانه لا يعلم ما خططتم له في سبيل إيذاء النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سواء ما ذكر تموه ، أو الذي أضمر تموه ، فإنّه تعالى يعلم كلّ ذلك جيدا ، ويعامل كلّ إنسان بما يناسب عمله.

* * *

__________________

(١) تفسير القرطبي ، المجلّد ٨ ، صفحة ٥٣١٠.

٣٣٢

بحوث

مناسبة للبحث الذي ورد في الآيات المذكورة في شأن واجبات المسلمين عند ما يدعون إلى ضيافة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نورد جانبا من تعليمات الإسلام فيما يتعلّق بأصل مسألة «الضيافة» ، وحقّ الضيف ، وواجبات المضيف :

١ ـ الضيافة :

لقد أولى الإسلام مسألة الضيافة أهميّة خاصّة ، حتّى أنّه ورد في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الضيف دليل الجنّة»(١) .

إنّ أهميّة الضيف ووجوب احترامه وتقديره ، بلغ حدّا اعتبر فيه هدية سماوية ، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «إذا أراد الله بقوم خيرا أهدى إليهم هدية ، قالوا : وما تلك الهدية؟ قال : الضيف ينزل برزقه ، ويرتحل بذنوب أهل البيت»(٢) .

والطريف أنّ رجلا حضر عند النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : فداك أبي وامّي ، إنّي أسبغ الوضوء ، وأقيم الصلاة ، وأؤتي الزكاة في حينها ، وارحّب بالضيف واقريه في الله ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «بخ بخ بخ! ما لجهنّم عليك سبيل! إنّ الله قد برأك من الشحّ إن كنت كذلك».

الكلام في هذا الباب كثير ، ونكتفي بهذا القدر رعاية للاختصار.

٢ ـ مراعاة البساطة في الضيافة :

مع كلّ الأهمية التي يتمتّع بها الضيف ، فإنّ الضيافة إذا اتّسمت بالتكلّف فإنّها غير راجحة من وجهة نظر الإسلام ، بل ونهى عنها ، فإنّ الإسلام يوصي بأن تكون الضيافة بسيطة ، وجعل معيارا عادلا بين الضيف والمضيف ، وهو : أن لا يبخل

__________________

(١) بحار الأنوار ، المجلّد ٧٥ ، صفحة ٤٦٠ باب ٩٣ حديث ١٤.

(٢) المصدر السابق.

٣٣٣

المضيف بما عنده ويحضره ، وأن لا يتوقّع الضيف أكثر من ذلك!

يقول الإمام الصادقعليه‌السلام : «المؤمن لا يحتشم من أخيه ، وما أدري أيّهما أعجب؟! الذي يكلّف أخاه إذا دخل عليه أن يتكلّف له ، أو المتكلّف لأخيه؟»(١) .

ويروي سلمان الفارسي عن النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «أن لا نتكلّف للضيف ما ليس عندنا ، وأن نقدّم إليه ما حضرنا»(٢) .

٣ ـ حقّ الضيف :

قلنا : إنّ الضيف كالهدية السماوية من وجهة نظر الإسلام ، ويجب أن يرحّب به ويكرم غاية الإكرام ، ويحترم أقصى ما يمكن ، حتّى أنّ أمير المؤمنين علياعليه‌السلام يروي عن النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «من حقّ الضيف أن تمشي معه فتخرجه من حريمك إلى البر»(٣) .

ويجب تهيئة مستلزمات راحته إلى الحدّ الذي لا يبلغ التكلّف ، حتّى أنّه ورد في حديث أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إنّ من حقّ الضيف أن يعد له الخلال»(٤) .

وقد يكون الضيوف خجولين أحيانا ، ولذلك فقد صدر أمر بعدم سؤالهم عمّا إذا كانوا قد تناولوا الطعام أم لا ، بل يمدّ لهم السماط فإن شاءوا وأكلوا ، كمايقول الإمام الصادقعليه‌السلام : «لا تقل لأخيك إذا دخل عليك أكلت اليوم شيئا؟ ولكن قرّب إليه ما عندك ، فإنّ الجواد كلّ الجواد من بذل ما عنده»(٥) .

ومن جملة واجبات المضيف أمام الله سبحانه أن لا يحقّر الطعام الذي أعدّه ، لأنّ نعمة الله سبحانه عزيزة ومحترمة مهما كانت ، إلّا أنّ المتعارف بين المترفين

__________________

(١) بحار الأنوار ، المجلّد ٧٥ ، صفحة ٤٥٣.

(٢) المحجّة البيضاء ، المجلّد ٣ ، صفحة ٢٩ الباب الثالث.

(٣) بحار الأنوار ، المجلّد ٧٥ ، صفحة ٤٥١.

(٤) بحار الأنوار ، المجلّد ٧٥ ، صفحة ٤٥٥.

(٥) المصدر السابق.

٣٣٤

وأهل التكلّف أنّهم مهما نوّعوا السماط وملؤوه بأنواع الأطعمة فإنّهم يقولون : هذا شيء بسيط لا يليق بمقامكم!

وفي المقابل يجب أن لا يحتقر الضيف ما قدّم إليه ، ففي حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : «هلك امرؤ احتقر لأخيه ما يحضره ، وهلك امرؤ احتقر من أخيه ما قدّم إليه»(١) .

إنّ الإسلام دقيق النظرة في إكرام الضيف ، فهو يقول : استقبل الضيف وأعنه عند ما يدخل إلى بيتك ، أمّا إذا أراد الخروج فلا تعنه لئلّا يتصوّر بأنّك راغب في خروجه(٢) .

٤ ـ واجبات الضيف :

إنّ المسؤوليات تكون متقابلة دائما ، فكما أنّ على المضيف واجبات تجاه الضيف ، فكذلك توجد على الضيف واجبات ينبغي أن يراعيها.

فعلاوة على ما ذكر في الأحاديث السابقة ، فإنّ على الضيف أن ينفّذ ما يطلبه منه صاحب البيت ويقترحه عليه في شأن منزله ، فإذا طلب منه أن يجلس في مكان ما مثلا فليفعل ، فإنّ الإمام الصادقعليه‌السلام يقول : «إذا دخل أحدكم على أخيه في رحله فليقعد حيث يأمر صاحب الرحل ، فإنّ صاحب الرحل أعرف بعورة بيته من الداخل عليه»(٣) .

وملخّص الكلام أنّ مسألة الضيافة وآدابها قد خصّص لها بحث واسع في آداب المعاشرة الإسلامية ، وليراجع لمزيد الإيضاح في هذا الباب «بحار الأنوار» ، الأبواب ٨٨ ـ ٩٤ من أبواب العشرة ، المجلّد ١٧ و «المحجّة البيضاء» ، المجلّد ٣

__________________

(١) المحجّة البيضاء ، المجلّد ٣ ، صفحة ٣٠.

(٢) بحار الأنوار ، المجلّد ٧٥ ، صفحة ٤٥٥ حديث ٢٧.

(٣) بحار الأنوار ، المجلّد ٧٥ ، صفحة ٤٥١.

٣٣٥

الباب الرابع فضيلة الضيافة.

إلّا أنّ هذه السنّة الإنسانية القديمة قد تقلّصت وللأسف الشديد في عصرنا الحاضر عصر غلبة المادية وطغيانها في العالم ، وهيمنتها عليه ، بل إنّها قد اجتّثت تقريبا في بعض المجتمعات الغربية ، وقد سمعنا أنّ بعض أولئك عند ما يأتون إلى البلاد الإسلامية ويرون انتشار مسألة الضيافة التي لا زالت قائمة في البيوتات الأصيلة ، ومدى العواطف التي تكتنفها ، فإنّهم يتعجّبون كيف يمكن أن يقدّم الناس أفضل الوسائل الموجودة في البيت ، وأنفس الأطعمة وألذّها للضيوف الذين ربّما تربطهم بهم رابطة ضعيفة أحيانا ، وربّما كانوا قد تعارفوا في سفرة قصيرة؟!

إلّا أنّ ملاحظة الأحاديث الإسلامية ـ التي ورد قسم منها قبل قليل ـ تبيّن سبب هذه التضحية والإيثار ، وتوضّح الحسابات المعنوية في هذا المجال تلك الحسابات التي لا تعني شيئا لدى عبّاد المادّة والغارقين في بحرها.

* * *

٣٣٦

الآية

( لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٥٥) )

سبب النّزول

يروي بعض المفسّرين أنّ آباء نساء النّبي وأبناءهنّ وعوائلهنّ سألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد نزول آية الحجاب ـ الآية السابقة ـ : يا رسول الله ، ونحن أيضا نحدّثهنّ من وراء حجاب؟ فنزلت هذه الآية بأنّها لا تشملكم.

التّفسير

الموارد المستثناة من قانون الحجاب :

لمّا كان الحكم الذي ورد في الآية السابقة حول حجاب نساء النّبي مطلقا ، ويمكن أن يوهم هذا الإطلاق بأنّ المحارم مكلّفون بتنفيذه أيضا ، وأن يحدّثوهنّ من وراء حجاب كالأجانب ، فقد نزلت هذه الآية وفصلت حكم هذه المسألة.

تقول الآية :( لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ

٣٣٧

إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ ) . وبتعبير آخر : فإنّ محارمهنّ الذين استثنوا في الآية هم هؤلاء الستّة فقط ، وإذا قيل : إنّ هناك أفرادا من المحارم أيضا لم يجر لهم ذكر في الآية كالأعمام والأخوال ، فيجاب على هذا السؤال بأنّه :

لمّا كان القرآن يراعي الفصاحة والبلاغة في أجلى صورها وأسماها ، وأحد اصول الفصاحة هو أن لا تكون في الكلام أي كلمة زائدة ، فقد امتنع عن ذكر الأعمام والأخوال هنا ، وذلك لأنّه حينما ذكر أولاد الأخ وأولاد الاخت ، فسوف يتّضح حكم الأعمام والأخوال من المحارم ، لأنّ لهذه المحرمية جانبان ، فكما أنّ ابن الأخ محرم بالنسبة إلى المرأة ، فإنّها ستكون محرما أيضا بالنسبة إلى ابن أخيها ـ ونحن نعلم أنّ مثل هذه المرأة تعتبر «عمّة» ـ ولأنّ ابن الاخت كما هو محرم عليها فإنّها ستكون محرما بالنسبة إلى ابن الاخت ، ونعلم أنّ مثل هذه المرأة هي «الخالة».

وعند ما تكون العمّة والخالة محرما بالنسبة إلى ابن الأخ وابن الاخت ، فإنّ العمّ والخال سيكونان أيضا محرما بالنسبة إلى ابنة الأخ وابنة الاخت ، حيث لا فرق بين العمّ والعمّة ، والخال والخالة ، وهذه إحدى دقائق القرآن الكريم. (تدبّر ذلك).

وهنا يطرح سؤال آخر ، وهو : إنّ أبا الزوج وابن الزوج بعض محارم المرأة ، فلما ذا لم يذكرا هنا؟ في حين أنّهما ذكرا من جملة المحارم في الآية (٣١) من سورة النور.

والإجابة عن هذا السؤال واضحة ، لأنّ الكلام في هذه الآية منحصر في حكم نساء النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونحن نعلم أنّ أبا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن موجودا حال حياته ، ولا امّه ، ولم يكن له ابن(١) . «فتأمّل».

__________________

(١) ذكر المؤرخّون ثلاثة أولاد للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : القاسم وعبد الله (الملقّب بالطيّب والطاهر) ، وكانا من خديجة ، وقد ودّعا

٣٣٨

إنّ عدم ذكر الإخوة والأخوات من الرضاعة ، وأمثالهم بسبب أنّ هؤلاء في حكم الأخ والاخت وسائر المحارم ، ولا يحتاجون إلى ذكر مستقل.

ويتغيّر أسلوب الآية في نهايتها من الغائب إلى المخاطب ، فتخاطب نساء النّبي وتقول:( وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً ) فإنّ الحجاب والستر وأمثالهما وسائل للحفظ والإبعاد عن الذنب والمعصية ليس إلّا ، والدعامة الأساسية هي التقوى فحسب ، ولولاها فسوف لا تنفع كلّ هذه الوسائل.

والجدير بالذكر أنّ( نِسائِهِنَ ) إشارة إلى النساء المسلمات ، وذلك لأنّ من غير اللائق بالنساء المسلمات ـ وكما قلنا في تفسير سورة النور ـ أن يكنّ بدون حجاب أمام غير المسلمات ، إذ أنّ من الممكن أن تصفهنّ غير المسلمات لأزواجهنّ(١) .

وأمّا جملة :( وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ ) فلها معنى واسع ـ كما قلنا ذلك في تفسير سورة النور أيضا ـ يشمل الجواري والغلمان ، إلّا أنّها تختّص بالجواري طبقا لبعض الرّوايات الإسلامية ، وبناء على هذا فإن ذكرهنّ بعد ذكر «النساء» قد يكون من جهة شمولها للجواري غير المسلمات عموما. (دقّقوا ذلك).

* * *

__________________

الحياة في طفولتهما ، وإبراهيم الذي ولد في السنة الثامنة للهجرة ، ولم يعش أكثر من ١٨ أو ١٦ شهرا ولم يكن أي منهم حيّا عند نزول سورة الأحزاب ، وإبراهيم ولد بعد ذلك ومات في طفولته. يراجع : اسد الغابة ، وسائر كتب التأريخ والرجال.

(١) يراجع التّفسير الأمثل ذيل الآية (٣١) من سورة النور.

٣٣٩

الآيات

( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٥٦) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (٥٧) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٥٨) )

التّفسير (١)

الصلاة على النّبي والسلام عليه :

بعد البحوث التي مرّت في الآيات السابقة حول وجوب حفظ حرمة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعدم إيذائه ، فإنّ هذه الآيات تتحدّث أوّلا عن محبّة الله وملائكته للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتعظيمهم له ، وبعد ذلك تأمر المؤمنين بذلك ، ثمّ تذكر العواقب المشؤومة الأليمة لأولئك الذين يؤذون النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ تبيّن أخيرا عظم ذنب الذين يؤذون المؤمنين باتّهامهم والافتراء عليهم.

__________________

(١) الطريف أنّ البدء بهذه الآيات صادف ليلة ميلاد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في شهر ربيع الأوّل سنة الف وأربعمائة وأربع للهجرة.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510