الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٣

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل11%

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 510

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 510 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156490 / تحميل: 5911
الحجم الحجم الحجم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

إن كان حسناً ، ولا يوحشك إلاّ هو إن كان قبيحاً .

واعلم أنّك إن تنصر الله ينصرك ويثبّت أقدامك ، فإنّ الله تعالى ضمن إعزاز مَن يعزّه ، ونصر مَن ينصره ، وقال سبحانه :( إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم ) (١) .

وقال سبحانه :( ولينصرنّ الله مَن ينصره ) (٢) .

وقال : كيف أنتم إذا ظهر فيكم البدع حتّى يربوا فيها الصغير ، ويهرم الكبير ، ويسلم عليها الأعاجم ، فإذا ظهرت البدع قيل سنّة ، وإذا عمل بالسنّة قيل بدعة ، قيل : ومتى يكون ذلك ؟ قال : إذا ابتعتم الدنيا بعمل الآخرة .

وقال ابن عباس : لا يأتي على الناس زمان إلاّ أماتوا فيه سنّة ، وأحيوا فيه بدعة حتّى تموت السنن ، وتحيى البدع ، وبعد فو الله ما أهلك الناس وأزالهم عن المحجّة قديماً وحديثاً إلاّ علماء السوء ، قعدوا على طريق الآخرة فمنعوا الناس سلوكها والوصول إليها ، وشكّكوهم فيها .

مثال ذلك مثل رجل كان عطشاناً فرأى جرّة مملوءة فيها ماء ، فأراد أن يشرب منها فقال له الرجل : لا تدخل يدك فيها فإنّ فيها أفعى يلسعك وقد ملأها سمّاً ، فامتنع الرجل من ذلك ، ثم إنّ المخبر بذلك أخذ يدخل يده فيها ، فقال العطشان : لو كان فيها سّماً لما أدخل يده .

وكذلك حال الناس مع علماء السوء ، زهّدوا الناس في الدنيا ورغبوا هم فيها ، ومنعوا الناس من الدخول إلى الولاة والتعظيم لهم ودخلوا هم إليهم ، وعظّموهم ومدحوهم ، وحسّنوا إليهم أفعالهم ، ووعدوهم بالسلامة ، لا بل قالوا لهم : قد رأينا لكم المنامات بعظيم المنازل والقبول ، ففتنوهم وغرّوهم ، ونسوا قول

____________

(١) محمد : ٧ .

(٢) الحج : ٤٠ .

١٤١

الله تعالى :( إنّ الأبرار لفي نعيم * وإنّ الفجّار لفي جحيم ) (١) .

وقوله تعالى :( ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ) (٢) .

وقوله تعالى :( يوم يعضّ الظالم على يديه ) (٣) .

وقوله تعالى :( يوم لا يغني مولىً عن مولىً شيئاً ) (٤) .

وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :الجنّة محرّمة على جسد غذّي بالحرام (٥) .

وقول أمير المؤمنينعليه‌السلام :ليس من شيعتي مَن أكل مال امرء حرام (٦) .

وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لا يشمّ ريح الجنّة جسد نبت على الحرام .

وقالعليه‌السلام :إنّ أحدكم ليرفع يده إلى السماء فيقول : يا رب يا رب ، ومطعمه حرام ، وملبسه حرام ، فأيّ دعاء يُستجاب له ؟! وأيّ عمل يُقبل منه ؟! وهو ينفق من غير حلٍّ ، إن حجّ حجّ بحرام ، وإن تزوّج تزوّج بحرام ، وإن صام أفطر على حرام ، فيا ويحه ، أما علم أنّ الله تعالى طيّب لا يقبل إلاّ الطيّب ، وقد قال في كتابه : ( إنّما يتقبّل الله من المتقين ) (٧) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ليكون عليكم أُمراء سوء ، فمَن صدّقهم في قولهم ، وأعانهم على ظلمهم ، وغشى أبوابهم ، فليس منّي ولست منه ، ولن يرد عليّ الحوض .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحذيفة :كيف أنت يا حذيفة إذا كانت أُمراء إن

____________

(١) الإنفطار : ١٣ ـ ١٤ .

(٢) غافر : ١٨ .

(٣) الفرقان : ٢٧ .

(٤) الدخان : ٤١ .

(٥) كنز العمال ٤ : ١٤ ح٩٢٦١ .

(٦) البحار ١٠٤ : ٢٩٦ ح١٧; عن مجموعة ورام .

(٧) المائدة : ٢٧ .

١٤٢

أطعتموهم أكفروكم ، وإن عصيتموهم قتلوكم ؟! ، فقال حذيفة : كيف أصنع يا رسول الله ؟ قال :جاهدهم إن قويت ، واهرب عنهم إن ضعفت .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :صنفان من أُمّتي إذا صلحا صلح الناس ، وإذا فسدا فسد الناس : الأُمراء والعلماء (١) .

وقال الله تعالى :( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار ) (٢) .

وقال :( ولا تطغوا فيحلّ عليكم غضبي ) (٣) ، والله ما فسدت أمور الناس إلاّ بفساد هذين الصنفين ، وخصوصاً الجائر في قضائه ، والقابل الرشا في الحكم .

ولقد أحسن أبو نواس في قوله :

إذا خان الأمير وكاتباه

وقاضي الأمر داهن في القضاءِ

فويل ثمّ ويلٌ ثمّ ويل

لقاضي الأرض من قاضي السماءِ

وجاء في تفسير قوله تعالى :( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ . ) (٤) الآية ، نزلت فيمن يخالط السلاطين والظلمة .

وقالعليه‌السلام :الإسلام علانية باللسان ، والإيمان سرّ بالقلب ، والتقوى عمل بالجوارح ، كيف تكون مسلماً ولا تسلم الناس منك ؟ وكيف تكون مؤمناً ولا تأمنك الناس ؟ وكيف تكون تقيّاً والناس يتّقون من شرّك وأذاك ؟ .

وقال :إنّ مَن ادعى حبّنا وهو لا يعمل [عملنا ولا يقول] (٥) بقولنا ، فليس منّا ولا نحن منه ، أما سمعوا قول الله تعالى يقول مخبراً عن نبيّه : ( قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يحببكم الله ) (٦) .

____________

(١) الخصال : ٣٦ ح١٢ باب الاثنين ، عنه البحار ٢ : ٤٩ ح١٠ .

(٢) هود : ١١٣ .

(٣) طه : ٨١ .

(٤) المجادلة : ٢٢ .

(٥) أثبتناه من ( ب ) .

(٦) آل عمران : ٣١ .

١٤٣

ولمّا بايع أصحابه أخذ عليهم العهد والميثاق بالسمع لله تعالى وله بالطاعة في العسر واليسر ، وعلى أن يقولوا الحق أينما كانوا ، وأن لا تأخذهم في الله لومة لائم ، وقال : إنّ الله تعالى ليحصي على العبد كل شيء حتّى أنينه في مرضه ، والشاهد على ذلك قوله تعالى :

( ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد ) (١) .

وقوله تعالى :( إنّ عليكم لحافظين * كراماً كاتبين * يعلمون ما تفعلون ) (٢) .

وقوله تعالى :( إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ) (٣) .

____________

(١) ق : ١٨ .

(٢) الانفطار : ١٠ ـ ١٢ .

(٣) البقرة : ٢٨٤ .

١٤٤

الباب الثامن عشر : في عقاب الزّنا والربا

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّ لأهل النار صرخة من نتن فروج الزناة ، فإيّاكم والزنا فإنّ فيه ست خصال ، ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة فأمّا التي في الدنيا : فإنّه يذهب ببهاء الوجه ، ويورث الفقر ، وينقص العمر ، وأمّا التي في الآخرة : يوجب سخط الله ، وسوء الحساب ، وعظم العذاب ، إنّ الزناة يأتون يوم القيامة تشتعل فروجهم ناراً ، يعرفون بنتن فروجهم (١) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّ الله مستخلفكم في الدنيا فانظروا كيف تعملون ، فاتقوا الزنا والربا والرياء (٢) .

قيل : قالت المعتزلة يوماً في مجلس الرضاعليه‌السلام :إنّ أعظم الكبائر القتل ، لقوله تعالى : ( ومَن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها . ) (٣) .

____________

(١) الكافي ٥ : ٥٤١ ح٣ ، مَن لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٧٣ ح٤٩٦٠ باختلاف ، وفي معالم الزلفى : ٣٣٧ .

(٢) الرياء ، لم يرد في ( ب ) و ( ج ) .

(٣) النساء : ٩٣ .

١٤٥

قال الرضاعليه‌السلام :أعظم من القتل عندي إثماً ، وأقبح منه بلاءً الزنا وأدوم ؛ لأنّ القاتل لم يفسد بضرب المقتول غيره ، ولا بعده فساد ، والزاني قد أفسد النسل إلى يوم القيامة ، وأحلّ المحارم فلم يبق في المجلس فقيه إلاّ قبّل يده وأقرّ بما قال .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إذا كانت خمس منكم رميتم بخمس : إذا أكلتم الربا رميتم بالخسف ، وإذا ظهر فيكم الزنا أُخذتم بالموت ، وإذا جارت الحكّام ماتت البهائم ، وإذا ظلم أهل الملّة ذهبت الدولة ، وإذا تركتم السنّة ظهرت البدعة .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ما نقض قوم عهدهم إلاّ سلّط عليهم عدوّهم ، وما جار قوم إلاّ كثر القتل بينهم ، وما منع قوم الزكاة إلاّ حبس القطر عنهم ، ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلاّ نشأ فيهم الموت ، وما بخس قوم المكيال والميزان إلاّ أُخذوا بالسنين .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إذا عملت أُمّتي خمس عشرة خصلة حلّ بهم البلاء : إذا كان الفيء دولاً ، والأمانة مغنماً ، والصدقة مغرماً ، وأطاع الرجل امرأته ، وعصى أُمّه ، وبرّ صديقه ، وجفا أباه ، وارتفعت الأصوات في المساجد وأُكرم الرجل مخافة شرّه ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، ولبسوا الحرير ، واتخذوا القينات والمعازف (١) ، وشربوا الخمور ، وكثر الزنا ، فارتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء ، وخسفاً ومسخاً ، وظهور العدو عليكم ثم لا تنصرون (٢) .

____________

(١) في ( ج ) : المغنّيات .

(٢) عنه الوسائل ١٢ : ٢٣١ ح٣١ .

١٤٦

الباب التاسع عشر : [ وصايا وحكم بليغة ]

وصيّة لقمان لابنه بعلوم وحكمة ، قال : يا بني ! لا يكن الديك أكيس منك وأكثر محافظة على الصلوات ، ألا تراه عند كلّ صلاة يؤذّن لها ، وبالأسحار يعلن بصوته وأنت نائم .

وقال : يا بني ! مَن لا يملك لسانه يندم ، ومَن يكثر المراء يشتم ، ومَن يدخل مداخل السوء يُتّهم ، ومَن يُصاحب صاحب السوء لا يسلم ، ومَن يجالس العلماء يغنم ، يا بني ! لا تؤخّر التوبة فإنّ الموت يأتي بغتة ، يا بني ! اجعل غناك في قلبك ، وإذا افتقرت فلا تحدّث الناس بفقرك فتهون عليهم ، ولكن اسأل الله من فضله .

يا بني ! كذب مَن يقول : الشرّ يقطع بالشرّ ، ألا ترى إنّ النار لا تطفئ بالنار ولكن بالماء ، وكذلك الشرّ لا يطفئ إلاّ بالخير ، يا بني ! لا تشمت بالمصائب ، ولا تعيّر المبتلي ، ولا تمنع المعروف فإنّه ذخيرة لك في الدنيا والآخرة .

يا بني ! ثلاثة تجب مداراتهم : المريض والسلطان والمرأة ، وكن قنعاً تعش غنيّاً ، وكن متّقياً تكن عزيزاً ، يا بني ! إنّك من حين سقطت من بطن أُمّك استدبرت

١٤٧

الدنيا واستقبلت الآخرة ، وأنت كل يوم إلى ما استقبلت أقرب منك ممّا استدبرت ، فتزوّد لدار أنت مستقبلها ، وعليك بالتقوى فإنّه أربح التجارات ، وإذا أحدثت ذنباً فأتبعه بالاستغفار والندم والعزم على ترك العود لمثله .

واجعل الموت نصب عينيك ، والوقوف بين يدي خالقك ، وتمثّل شهادة جوارحك عليك بعملك ، والملائكة الموكّلين بك تستحي(١) منهم ومن ربّك الذي هو مشاهدك ، وعليك بالموعظة فاعمل بها ، فإنّها عند العاقل أحلى من العسل الشهد ، وهي في السفيه أشقّ من صعود الدرجة على الشيخ الكبير ، ولا تسمع الملاهي فإنّها تنسك الآخرة ، ولكن احضر الجنائز ، و زُر المقابر ، وتذكّر الموت وما بعده من الأهوال فتأخذ حذرك .

يا بني استعذ بالله من شرار النساء ، وكن من خيارهنّ على حذر ، يا بني لا تفرح بظلم أحد بل احزن على ظلم من ظلمته ، يا بني الظلم ظلمات ويوم القيامة حسرات ، وإذا دعتك القدرة إلى ظلم من هو دونك فاذكر قدرة الله عليك .

يا بني تعلّم من العلماء ما جهلت ، وعلّم الناس ممّا علمت تذكر بذلك في الملكوت ، يا بني أغنى الناس مَن قنع بما في يديه ، وأفقرهم مَن مد عينيه إلى ما في أيدي الناس ، وعليك يا بني باليأس ممّا في أيدي الناس ، والوثوق بوعد الله ، واسع فيما فرض عليك ، ودع السعي فيما ضمن لك ، وتوكّل على الله في كل أُمورك يكفيك ، وإذا صلّيت فصلّ صلاة مودّع تظنّ أن لا تبقى بعدها أبداً .

وإيّاك وما يُعتذر منه فإنّه لا يُعتذر من خير ، وأحبب للناس ما تحب لنفسك ، واكره لهم ما تكرهه لنفسك ، ولا تقل ما لا تعلم ، واجهد أن يكون اليوم خيراً لك من أمس ، وغداً خيراً لك من اليوم ، فإنّه مَن استوى يوماه فهو مغبون ، ومَن كان يومه شرّاً من أمسه فهو ملعون ، وارض بما قسّم الله لك فإنّه سبحانه يقول : أعظم عبادي

____________

(١) في ( ب ) : لم لا تستحي منهم .

١٤٨

ذنباً مَن لم يرض بقضائي ، ولم يشكر نعمائي ، ولم يصبر على بلائي .

وأوصى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معاذ بن جبل ، فقال له : أوصيك باتقاء الله ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وخفض الجناح ، والوفاء بالعهد ، وترك الخيانة ، وحسن الجوار ، وصلة الأرحام ، ورحمة اليتيم ، ولين الكلام ، وبذل السلام وحسن العمل ، وقصر الأمل ، وتوكيد الإيمان ، والتفقّه في الدين ، وتدبّر القرآن ، وذكر الآخرة ، والجزع من الحساب ، وكثرة ذكر الموت ، ولا تسب مسلماً ، ولا تطع آثماً ، ولا تقطع رحماً ، ولا ترض بقبيح تكن كفاعله ، واذكر الله عند كل شجر ومدر وبالأسحار وعلى كل حال يذكرك ، فإنّ الله تعالى ذاكر مَن ذكره ، وشاكر مَن شكره ، وجدّد لكل ذنب توبة ، السرّ بالسرّ والعلانية بالعلانية .

واعلم أنّ أصدق الحديث كتاب الله(١) ، وأوثق العرى التقوى ، وأشرف الذكر ذكر الله تعالى ، وأحسن القصص القرآن ، وشرّ الأمور محدثاتها ، وأحسن الهدى هدى الأنبياء ، وأشرف الموت الشهادة ، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى ، وخير العلم ما نفع ، وشرّ العمى عمى القلب ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، وما قلّ وكفى خير ممّا كثر وألهى .

وشرّ المعذرة عند الموت ، وشرّ الندامة يوم القيامة ، ومن أعظم الخطايا اللسان الكذوب ، وخير الغنى غنى النفس ، وخير الزاد التقوى ، ورأس الحكمة مخافة الله تعالى في السر والعلانية ، وخير ما أُلقي في القلب اليقين ، وأنّ جماع الإثم الكذب والارتياب ، والنساء حبائل الشيطان ، والشباب شعبة من الجنون ، وشرّ الكسب كسب الربا ، وشرّ المأثم أكل مال اليتيم .

السعيد مَن وُعظ بغيره ، وليس لجسم نبت على الحرام إلاّ النار ، ومَن تغذّى بالحرام فالنار أولى به ، ولا يستجاب له دعاء ، والصلاة نور ، والصدقة حرز ،

____________

(١) في ( ب ) : كلام الله .

١٤٩

والصوم جُنّة حصينة ، والسكينة مغنم وتركها مغرم ، وعلى العاقل أن يكون له ساعة يناجي فيها ربّه ، وساعة يتفكّر فيها في صنع الله ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يتخلّى فيها لحاجته من حلال .

وعلى العاقل أن لا يكون ضاعناً(١) إلاّ في ثلاث(٢) : تزوّد لمعاد ، ومرمّة لمعاش ، لذّة في غير محرّم ، وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه ، مقبلاً على شأنه ، حافظاً للسانه .

وفي توراة موسىعليه‌السلام : عجبت لمَن أيقن بالموت كيف يفرح ، ولمَن أيقن بالحساب كيف يذنب ، ولمَن أيقن بالقدر كيف يحزن ، ولمَن أيقن بالنار كيف يضحك ، ولمَن رأى تقلّب الدنيا بأهلها كيف يطمئنّ إليها ، ولمَن أيقن بالجزاء كيف لا يعمل ، لا عقل كالدين ، ولا ورع كالكف ، ولا حسب كحسن الخلق .

وقال أبو ذر : أوصاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ بسبع خصال ](٣) : حب المساكين والدنو منهم ، وهجران الأغنياء ، وأن أصل رحمي ، وأن لا أتكلّم بغير الحق ، ولا أخاف في الله لومة لائم ، وأن أنظر إلى مَن هو دوني ولا أنظر إلى مَن هو فوقي ، وأن أكثر من قول : ( سبحان الله والحمد الله ولا اله إلاّ الله والله اكبر ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم ) فهنّ الباقيات الصالحات .

وقال بعضهم : مَن سلك الجدد أمن العثار ، والصبر مطيّة السلامة ، والجزع مطيّة الندامة ، ومرارة الحلم أعذب من مرارة(٤) الانتقام ، وثمرة الحقد الندامة ، ومَن صبر على ما يكره أدرك ما يحب ، والصبر على المصيبة مصيبة للشامت بها ، والجزع عليها مصيبة ثانية لفوات الثواب وهي أعظم المصائب .

____________

(١) ضعن : سار (القاموس) .

(٢) في ( ج ) : أن يكون ساعياً في ثلاث .

(٣) أثبتناه من ( ب ) و ( ج ) .

(٤) في ( ج ) : حلاوة .

١٥٠

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :خير الرزق ما يكفي ، وخير الذكر ما يخفى ، وإنّي أوصيكم بتقوى الله ، وبحسن النظر لأنفسكم ، وقلّة الغفلة عن معادكم ، وابتياع ما يبقى بما يفنى .

واعلموا أنّها أيّام معدودة ، وأرزاق مقسومة ، وآجال معلومة ، والآخرة أبد لا أمد له ، وأجل لا منتهى له ، ونعيم لا زوال له ، فاعرفوا ما تريدون وما يُراد بكم ، واتركوا من الدنيا ما يشغلكم عن الآخرة ، واحذروا حسرة المفرطين ، وندامة المغترّين ، واستدركوا فيما بقي ما فات ، وتأهّبوا للرحيل من دار البوار إلى دار القرار ، واحذروا الموت أن يفجأكم على غرّة ويعجلكم عن التأهّب والاستعداد ، إنّ الله تعالى قال : ( فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون ) (١) .

فربّ ذي عقل شغله هواه عمّا خُلق له حتّى صار كمن لا عقل له ، ولا تعذروا أنفسكم في خطائها ، ولا تجادلوا بالباطل فيما يوافق هواكم ، واجعلوا همّكم نصر الحق من جهتكم أو من جهة مَن يجادلكم ، فإنّ الله تعالى يقول :( يا أيّها الذين آمنوا كونوا أنصار الله ) (٢) . فلا تكونوا أنصاراً لهواكم والشيطان .

واعلموا أنّه ما هدم الدين مثل إمام ضلالة وضلّ وأضلّ ، وجدالِ منافق بالباطل ، والدنيا قطعت رقاب طالبيها والراغبين إليها ، واعلموا أنّ القبر روضة من رياض الجنّة ، أو حفرة من حفر النار ، فمهّدوه بالعمل الصالح ، فمثل أحدكم يعمل الخير كمثل الرجل ينفذ كلامه يمهّد له ، قال الله تعالى : ( فلأنفسهم يمهدون ) (٣) .

وإذا رأيتم الله يعطي العبد ما يحب وهو مقيم على المعصية ، فاعلموا أنّ ذلك استدراج له ، قال الله تعالى : ( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) (٤) .

____________

(١) يس : ٥٠ .

(٢) الصف : ١٤ .

(٣) الروم : ٤٤ .

(٤) الأعراف : ١٨٢ .

١٥١

وسئل ابن عباس عن صفة الذين صدقوا الله المخافة ، فقال : هم قوم قلوبهم من الخوف قرحة ، وأعينهم باكية ، ودموعهم على خدودهم جارية ، يقولون : كيف نفرح والموت من ورائنا ، والقبر موردنا ، والقيامة موعدنا ، وعلى الله عرضنا ، وشهودنا جوارحنا ، والصراط على جهنّم طريقنا ، وعلى الله حسابنا .

فسبحان الله وتعالى ، فإنّا نعوذ به من ألسن واصفة ، وأعمال مخالفة مع قلوب عارفة ، فإنّ العمل ثمرة العلم ، والخشية والخوف ثمرة العمل ، والرجاء ثمرة اليقين ، ومَن اشتاق إلى الجنّة اجتهد في أسباب الوصول إليها ، ومَن حذر النار تباعد ممّا يدني إليها ، ومَن أحبّ لقاء الله استعدّ للقائه .

وروي أنّ الله تعالى يقول في بعض كتبه :يا ابن آدم أنا حيٌّ لا أموت ، أطعني فيما أمرتك أجعلك حيّاً لا تموت ، يا ابن آدم أنا أقول للشيء كن فيكون ، أطعني فيما أمرتك أجعلك تقول للشيء كن فيكون (١) .

ولذلك قال الله تعالى في كتابه العزيز :( ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلاً من غفور رحيم ) (٢) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ثلاث مهلكات وثلاث منجيات ، فأمّا المهلكات : فشحٌّ مطاع ، وهوىً متّبع ، وإعجاب المرء بنفسه ، وأمّا المنجيات : فخشية الله في السر والعلانية ، والقصد في الغنى والفقر ، والعدل في الرضا والغضب (٣) .

وقال الحسنعليه‌السلام :لقد أصحبت (٤) أقواماً كأنّهم كانوا ينظرون إلى الجنّة ونعيمها ، والنار وجحيمها ، يحسبهم الجاهل مرضى وما بهم من مرض ، أو قد خولطوا وإنّما خالطهم أمر عظيم ، خوف الله ومهابته في قلوبهم .

____________

(١) عنه مستدرك الوسائل ١١ : ٢٥٨ ح١٢٩٢٨ .

(٢) فصلت : ٣١ـ٣٢ .

(٣) الخصال : ٨٤ ح١١ باب٣ ، عنه البحار ٧٠ : ٦ ح٢ .

(٤) في ( ألف ) و ( ج ) : أصبحت .

١٥٢

كانوا يقولون ليس لنا في الدنيا من حاجة ، ليس لها خُلقنا ولا بالسعي لها أُمرنا ، أنفقوا أموالهم ، وبذلوا دماءهم ، اشتروا بذلك رضى خالقهم ، علموا أنّ الله اشترى منهم أموالهم وأنفسهم بالجنّة فباعوه ، ربحت تجارتهم ، وعظمت سعادتهم ، أفلحوا وأنجحوا ، فاقتفوا آثارهم رحمكم الله ، واقتدوا بهم فإنّ الله تعالى وصف لنبيّه صفة آبائه إبراهيم وإسماعيل وذرّيتهما ، وقال : ( فبهداهم اقتده ) (١) .

واعلموا عباد الله أنّكم مأخوذون بالإقتداء بهم والإتباع لهم ، فجدّوا واجتهدوا واحذروا أن تكونوا أعواناً للظالم ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : مَن مشى (٢) مع ظالم ليعينه على ظلمه فقد خرج من ربقة الإسلام ، ومَن حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد حادّ الله ورسوله ، ومَن أعان ظالماً ليبطل حقّاً لمسلم فقد برئ من ذمّة الإسلام ومن ذمّة الله ومن ذمّة رسوله .

ومَن دعا لظالم بالبقاء فقد أحبّ أن يعصى الله ، ومَن ظُلم بحضرته مؤمن أو اغتيب وكان قادراً على نصره ولم ينصره فقد باء بغضب من الله ورسوله ، ومَن نصره فقد استوجب الجنّة من الله تعالى .

وإنّ الله أوحى إلى داودعليه‌السلام :قل لفلان الجبّار : إنّي لم أبعثك لتجمع الدنيا على الدنيا ، ولكن لترد عنّي دعوة المظلوم وتنصره ، فإنّي آليت على نفسي أن أنصره وأنتصر له ممّن ظُلم بحضرته ولم ينصره (٣) .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :مَن آذى مؤمناً ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه : آيساً من رحمة الله ، وكان كمَن هدم الكعبة والبيت المقدس ، وقتل عشرة آلاف من الملائكة .

____________

(١) الأنعام : ٩٠ .

(٢) في ( ج ) : مضى .

(٣) عنه البحار ١٤ : ٤٠ ح٢٤ .

١٥٣

وقال رفاعة بن أعين : قال لي الصادقعليه‌السلام :ألا أخبرك بأشد الناس عذاباً يوم القيامة ؟ قلت : بلى يا مولاي ، قال : أشد الناس عذاباً يوم القيامة مَن أعان على مؤمن بشطر كلمة ، ثم قال : ألا أخبرك بأشد من ذلك ؟ فقلت : بلى يا سيّدي ، فقال : مَن أعاب على شيء من قوله أو فعله .

ثم قال :اُدن منّي أزدك أحرفاً أُخر ، ما آمن بالله ولا برسوله ولا بولايتنا أهل البيت من أتاه المؤمن في حاجة لم يضحك في وجهه ، فإن كان عنده قضاها له ، وإن لم تكن عنده تكلّفها له حتّى يقضيها له ، فإن لم يكن كذلك فلا ولاية بيننا وبينه ولو علم الناس ما للمؤمن عند الله لخضعت له الرقاب ، وإنّ الله تعالى اشتق للمؤمن اسماً من أسمائه ، فالله تعالى هو المؤمن سبحانه وسمّى عبده مؤمناً تشريفاً له وتكريماً ، وأنّه يوم القيامة يؤمن على الله تعالى فيجيز إيمانه (١) .

وقال الله تعالى :ليأذن بحرب منّي مَن آذى مؤمناً وأخافه .

وكان عيسىعليه‌السلام يقول :يا معشر الحواريين تحبّبوا إلى الله ببغض أهل المعاصي ، وتقرّبوا إلى الله بالبعد عنهم ، والتمسوا رضاه في غضبهم ، وإذا جلستم فجالسوا مَن يزيد في عملكم منطقه ، ويذكركم الله رؤيته ، ويرغبكم في الآخرة عمله (٢) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام لأبي ذر :ألزم قلبك الفكر ، ولسانك الذكر ، وجسدك العبادة ، وعينيك البكاء من خشية الله ، ولا تهتم برزق غد ، والزم المساجد فإنّ عمّارها هم أهل الله ، وخاصّته قرّاء كتابه والعاملون به .

وقالعليه‌السلام :المروءة ست ، ثلاث في السفر وثلاث في الحضر : فالذي في الحضر تلاوة القرآن ، وعمارة المساجد ، واتخاذ الإخوان في الله ، وأمّا الذي في

____________

(١) البحار ٧٥ : ١٧٦ ح١٢ باختلاف .

(٢) مجموعة ورام ٢ : ٢٣٥ ، عنه البحار ١٤ : ٢٣٠ ح٦٥ باختصار .

١٥٤

السفر : بذل الزاد ، وحسن الخلق ، والمعاشرة بالمعروف (١) .

وكان الحسنعليه‌السلام يقول :يا ابن آدم مَن مثلك وقد خلّى ربّك بينه وبينك ، متى شئت أن تدخل عليه توضّأت وقمت بين يديه ، ولم يجعل بينك وبينه حجّاباً ولا بوّاباً ، تشكو إليه همومك وفاقتك ، وتطلب منه حوائجك ، وتستعينه على أمورك ، وكان يقول :أهل المسجد زوّار الله ، وحق على المزور التحفة لزائره .

وروي : إنّ المتنخّم في المسجد يجد بها خزياً في وجهه يوم القيامة .

وكان الناس في المساجد ثلاثة أصناف : صنف في الصلاة ، وصنف في تلاوة القرآن ، وصنف في تعليم العلوم ، فأصبحوا صنف في البيع والشراء ، وصنف في غيبة الناس ، وصنف في الخصومات وأقوال الباطل .

وقالعليه‌السلام :ليعلم الذي يتنخّم في القبلة أنّه يُبعث وهي في وجهه .

وقال : يقول الله تعالى :المصلّي يناجيني ، والمنفق يقرضني [ في الغنى ] (٢) ، والصائم يتقرّب إليّ .

وقال :إنّ الرجلين يكونان في صلاة واحدة وبينهما مثل ما بين السماء والأرض من فضل الثواب .

____________

(١) الخصال : ٣٢٤ ح١١ باب ٦ ، عنه البحار ٧٦ : ٣١١ ح٢ .

(٢) أثبتناه من ( ج ) .

١٥٥

الباب العشرون : في قراءة القرآن المجيد

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إن هذه القلوب لتصدئ كما يصدئ الحديد ، وأنّ جلاءها قراءة القرآن (١) .

وقال ابن عباس : قارئ القرآن التابع له لا يضل في الدنيا ، ولا يشقى في الآخرة .

وقال : ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون ، وبنهاره إذا الناس غافلون ، وببكائه إذا الناس ضاحكون ، وبورعه إذا الناس يطمعون ، وبخشوعه إذا الناس يمزحون ، وبحزنه إذا الناس يفرحون ، وبصمته إذا الناس يخوضون .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :القرآن على خمسة أوجه ، حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال ، فاعملوا بالحلال ، واجتنبوا الحرام ، واتبعوا المحكم ، وآمنوا بالمتشابه ، واعتبروا بالأمثال ، وما آمن بالقرآن مَن استحلّ محارمه ، وشرّ الناس

____________

(١) كنز العمّال ١ : ٥٤٥ ح٢٤٤١ .

١٥٦

مَن يقرأ القرآن ولا يرعوي عن شيء به .

وقال جعفر بن محمدعليهما‌السلام في قوله تعالى :( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته ) (١) قال : يرتلون آياته ، ويتفقّهون فيه ، ويعملون بأحكامه ، ويرجون وعده ، ويخافون وعيده ، ويعتبرون بقصصه ، ويأتمرون بأوامره ، ويتناهون عن نواهيه .

ما هو والله حفظ آياته ، ودرس حروفه ، وتلاوة سوره ، ودرس أعشاره وأخماسه ، حفظوا حروفه وأضاعوا حدوده ، وانّما هو تدبّر آياته ، والعمل بأحكامه ، قال الله تعالى : ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته ) (٢) .

واعلموا رحمكم الله أنّ سبيل الله سبيل واحدة وجماعها الهدى ، ومصير العامل بها الجنّة والمخالف لها النار ، وإنّما الإيمان ليس بالتمنّي ولكن ما ثبت بالقلب ، وعملت به الجوارح ، وصدّقته الأعمال الصالحة ، واليوم فقد ظهر الجفاء ، وقلّ الوفاء ، وتركت السنّة ، وظهرت البدعة ، وتواخا الناس على الفجور ، وذهب منهم الحياء ، وزالت المعرفة ، وبقيت الجهالة ، ما ترى إلاّ مترفاً صاحب دنيا ، لها يرضى ولها يغضب وعليها يقاتل ، ذهب الصالحون وبقيت تفالة كتفالة الشعير وحثالة التمر .

وقال الحسنعليه‌السلام :ما بقي في الدنيا بقيّة غير هذا القرآن ، فاتخذوه إماماً يدلّكم على هداكم ، وإنّ أحق الناس بالقرآن مَن عمل به وإن لم يحفظه ، وأبعدهم منه مَن لم يعمل به وإن كان يقرأه .

وقال :مَن قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ .

وقال :إنّ هذا القرآن يجيء يوم القيامة قائداً وسائقاً ، يقود قوماً إلى الجنّة ، أحلّوا حلاله وحرّموا حرامه وآمنوا بمتشابهه ، ويسوق قوماً إلى النار ، ضيّعوا

____________

(١) البقرة : ١٢١ .

(٢) ص : ٢٩ .

١٥٧

حدوده وأحكامه واستحلّوا محارمه .

وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :رتلوا القرآن ولا تنثروه نثراً ، ولا تهذوه هذّ الشعر (١) ، قفوا عند عجائبه وحرّكوا به القلوب ، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة .

وخطبصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال :لا خير في العيش إلاّ لعالم ناطق أو مستمع واع ، أيّها الناس إنّكم في زمن هدنة وإنّ السير بكم سريع ، وقد رأيتم الليل والنهار كيف يبليان كل جديد ، ويقرّبان كل بعيد ، ويأتيان بكل موعود .

فقال له المقداد : يا نبي الله وما الهدنة ؟ فقال :دار بلاء وانقطاع ، فإذا التبست عليكم الأمور كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن ، فإنّه شافع مشفّع وشاهد مصدّق ، مَن جعله أمامه قاده إلى الجنّة ، ومَن جعله خلفه قاده (٢) إلى النار ، وهو أوضح دليل إلى خير سبيل ، ظاهره حكم وباطنه علم ، لا تحصى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ، هو حبل الله المتين وصراطه المستقيم ، مَن قال به صدق ، ومَن حكم به عدل ، ومَن عمل به فاز ، فإنّ المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجة طعمها طيّب وريحها طيّب ، وإنّ الكافر كالحنظلة طعمها مرّ ورائحتها كريهة (٣) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ألا أدلّكم على أكسل الناس وأبخل الناس وأسرق الناس وأجفى الناس وأعجز الناس ؟ فقالوا : بلى يا رسول الله .

فقال :أكسل الناس عبد صحيح فارغ لا يذكر الله بشفة ولا لسان ، وأبخل الناس رجل اجتاز على مسلم فلم يسلّم عليه ، وأمّا أسرق الناس فرجل يسرق من صلاته ، تلفّ كما يلفّ الثوب الخلق فيضرب به وجهه (٤) ، وأجفى الناس رجل ذكرت بين يديه فلم يصلّ عليّ ، وأعجز الناس مَن عجز عن الدعاء (٥) .

____________

(١) تهدروه هدر الشعر ، (خل) .

(٢) في ( ج ) : ساقه .

(٣) أورده المصنف في أعلام الدين : ٣٣٣ ، عنه البحار ٧٧ : ١٧٧ .

(٤) في ( ب ) : وجه صاحبها .

(٥) راجع البحار ٨٤ : ٢٥٧ ح٥٥ ، عن عدة الداعي .

١٥٨

الباب الحادي والعشرون: يتضمّن خطبة بليغة على سورة

قال : أيّها الناس تدبّروا القرآن المجيد ، فقد دلّكم على الأمر الرشيد ، وسلّموا لله أمره فإنّه فعّال لما يُريد ، واحذروا يوم الوعيد ، واعملوا بطاعته فهذا شأن العبيد ، واحذروا غضبه فكم قصم من جبّار عنيد ،( ق والقرآن المجيد ) (١) .

أين مَن بنى وشاد وطول ، وتأمّر على الناس وساد في الأوّل ، وظنّ جهالة منه وجرأة أنّه لا يتحوّل ، عاد الزمان عليه سالباً ما خُوّل ، فسقوا إذ فسقوا كأساً على هلاكهم عوّل ،( أفعيينا بالخلق الأوّل بل هم في لبس من خلق جديد ) .

فيا مَن أنذره يومه وأمسه ، وحادثه بالعبر قمره وشمسه ، واستلب منه ولده وأخوه وعرسه ، وهو يسعى في الخطايا مستتر(٢) وقد دنا حبسه ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) .

أما علمت أنّك مسؤول عن الزمان ، مشهود عليك يوم تنطق عليك

____________

(١) الآيات الواردة في هذا الباب كلّها من سورة ( ق ) .

(٢) في ( ج ) : مشمّراً .

١٥٩

الأركان ، محفوظ عليك ما عملت في زمان الإمكان ،( إذ يتلقّى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد ) .

وكأنّك بالموت وقد اختطفك اختطاف البرق ، ولم تقدر على دفعه بملك الغرب والشرق ، وندمت على تفريطك بعد اتساع الخرق ، وتأسفت على ترك الأولى والأخرى أحق ،( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ) .

ثم ترحّلت من القصور إلى القبور ، وبقيت وحيداً على ممرّ الدهور كالأسير المحصور ،( ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد ) ، فحينئذ أعاد الأجسام من صنعها ، وألّف أشتاتها بقدرته ، وجمعها وناداها بنفخة الصور فأسمعها ،( وجآءت كل نفس معها سائق وشهيد ) .

فهرب منك الأخ وتنسى أخاك ، ويعرض عنك الصديق ويرفضك ولاءك(١) ، ويتجافاك صاحبك ويجحد الآءك ، وتلقى من الأهوال كلّما أعجزك وساءك ، وتنسى أولادك وتنسى نساءك ،( لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) .

وتجري دموع الأسف وابلاً ورذاذاً ، وتسقط الأكباد من الحسرات أفلاذاً ، ولهب لهيب النار إلى الكفّار فجعلهم جذاذاً ، ولا يجد العاصي من النار لنفسه ملجأً ولا معاذاً ،( وقال قرينه هذا ما لديّ عتيد ) .

يوم تقوم الزبانية إلى الكفّار ، ويبادر مَن يسوقهم سوقاً عنيفاً والدموع تتحادر ، وتثب النار [ إلى الكفار ](٢) كوثوب الليث إذا استاخر(٣) ، فيذلّ زفيرها كل مَن عزّ وفاخر ،( الذي جعل مع الله إلهاً آخر فألقياه في العذاب الشديد ) .

____________

(١) في ( ج ) : يرفض ولاءك .

(٢) أثبتناه من ( ج ) .

(٣) في ( ج ) : شاخر .

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى ) (١) لقد عمّ هذا الاشتباه الخطير بعضا من البسطاء ، وتصوّروا بأنّهم ما داموا محرومين في الدنيا فهم مغضوب عليهم ومطرودون من رحمة الله ، وهؤلاء المرفّهون هم المحبوبون المقبولون لديه.

ما أكثر المحرومين الذين امتحنوا بالحرمان ، فنالوا أرقى الدرجات والمراتب الروحية.

وما أكثر المرفّهين الذين أصبحت أموالهم وثرواتهم وبالا عليهم ومقدّمة لعقابهم.

أليس قد ذكرت الآية (١٥) من سورة التغابن بصراحة( إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) .

ولكن ليس معنى هذا هو حثّ الإنسان على ترك السعي والدأب اللازم لإقامة الأود ، بل المقصود هو التأكيد على أنّ امتلاك الإمكانات الاقتصادية والقوّة البشرية الواسعة لا يمثّل أبدا أيّة قيمة معنوية للإنسان عند الله.

ثمّ تتناول الآية موضوع المعيار الأصلي لتقييم الناس ، وما يسبّب قربهم منه (على شكل استثناء منفصل) فتقول :( إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ ) (٢) .

وعليه فجميع المعايير تعود أصلا إلى هذين الأمرين «الإيمان» و «العمل الصالح». ويستوعب هذا المعيار جميع الأفراد وفي أي زمان أو مكان ، ومن أي طبقة أو مجموعة كان. واختلاف مراتب البشر أمام الله إنّما هو بتفاوت درجات إيمانهم ومراتب عملهم الصالح ، ولا شيء سوى ذلك. حتّى طلب العلم أو

__________________

(١) «زلفى» و «زلفة» بمعنى المنزلة والحظوة (مفردات الراغب) ، ولهذا السبب عبّر عن (منازل الليل) بـ (زلف الليل) ـ والتعبير بـ «التي» لأجل أنّه في كثير من الموارد يعود الضمير المفرد المؤنث إلى جمع التكسير ، وعليه فلا حاجة إلى التقدير هنا.

(٢) التعبير بـ «جزاء الضعف» من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة.

٤٦١

الانتساب إلى أفراد عظماء ، بل حتّى للأنبياء ، إذا لم يكن مقترنا بهذين الأمرين فإنّه وحده لا يضيف إلى قيمة الإنسان شيئا.

هنا يشطب القرآن وبصراحة قلّ نظيرها على كلّ الظنون المنحرفة والخرافات بخصوص عوامل القرب من الله ، وما يرفع من قيمة الإنسان ، ويخلص إلى أنّ المعيار الأصيل هو في شيئين فقط ، يستطيع كلّ الناس تحصيلها ، وأنّ الإمكانات والمحروميات المادية لا أثر لها في ذلك.

أجل ، فإنّ الأموال والأولاد أيضا إذا وجّهت بهذا المسير ، صبغت بتلك الصبغة الإلهيّة وتقبّلت لون الإيمان والعمل الصالح ، وأصبحت سببا في القرب من الله. أمّا الأموال والأولاد التي تبعد الإنسان عن الله ، وتكون له صنما يعبد من دون الله وسببا للفساد والإفساد ، فهي جواذب جهنّم ، وكما قال القرآن الكريم :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ) .(١)

كلمة «ضعف» ليست بمعنى «مضاعفة الشيء مرتين» فقط ، بل بمعنى «أضعاف مضاعفة لأكثر من مرتين». وقد وردت في هذه الآية بهذا المعنى. لأنّنا نعلم أنّ أي عمل حسن يحسب عند الله بعشرة أمثاله على الأقل( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ) .(٢) وأحيانا أكثر من ذلك بكثير.

«غرفات» جمع «غرفة» بمعنى الحجرات العلوية من البناء ، والتي غالبا ما تكون إضاءتها أكثر وهواؤها أفضل. وبعيدة عن الآفات ، لذا عبّر القرآن عن أفضل منازل الجنّة (بالغرف). وهذه اللفظة من مادّة «غرف» ، على زنة (بحر) بمعنى رفع الشيء وتناوله.

التعبير بـ «آمنون» فيما يخصّ أهل الجنّة ، تعبير جامع يعكس حالة الطمأنينة الروحية والجسدية لهم من كافّة النواحي ، فلا خوف من هجوم عدوّ ، أو مرض ، أو

__________________

(١) التغابن ، ١٤.

(٢) أنعام ، ١٦٠.

٤٦٢

آفة أو ألم ، ولا خوف حتّى من الخوف! ، وليس أغلى من هذه النعمة بأن يكون الإنسان آمنا من كلّ جانب ، فلا بلاء أشدّ من الإحساس بعدم الأمن في مختلف جوانب الحياة.

الآية التالية تصف الفريق المقابل لهؤلاء ، فتقول : أمّا هؤلاء الذين يسعون ويجتهدون لتسفيه آياتنا ، لا يؤمنون ولا يتركون غيرهم يسيرون في طريق الإيمان ، ويتوهّمون أنّهم يستطيعون الفرار من يد قدرتنا ، هؤلاء يحضرون في عذاب أليم يوم القيامة( وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ ) .

هؤلاء هم الذين اعتمدوا على أموالهم وأولادهم وكثرة عددهم لتكذيب الأنبياء ، وعملوا على إغواء عباد الله ، حتّى بلغ غرورهم درجة أن توهّموا أنّهم يفلتون من قبضة العذاب الإلهي ، ولكن هيهات فانّ مصيرهم في قلب جهنّم.

وبما أنّ جملة( أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ ) ليس فيها ما يدلّل على الزمان الآتي ـ فقد تكون إشارة إلى كون هؤلاء مأسورين بالعذاب حتّى في الوقت الحاضر ، وأي عذاب أشدّ من هذا السجن الذي صنعوه لأنفسهم من أموالهم وأولادهم.

كذلك يحتمل أن يكون التعبير للتدليل على أنّ وعد الله مسلّم به إلى درجة يمكن القول بأنّهم حاليا فيه ، كما هو الحال بالنسبة إلى قوله :( وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ ) .

«معاجزين» : كما ذهب بعض أرباب اللغة إلى أنّ معناه أنّ هؤلاء تصوّروا أنّهم يستطيعون الفرار من دائرة قدرة الله تعالى وجزائه وعقابه ، إلّا أنّ هذا التوهّم باطل وسراب خادع(١) .

* * *

__________________

(١) الحقيقة أن تعبير «معاجزين» الذي أوردنا تفسيره من مفردات الراغب ، شبيه بتعبير (يخادعون الله ورسوله) البقرة ـ ٩ ، لأنّ باب مفاعلة يمكن أن يأتي على هذه الصورة.

٤٦٣

بحث

معايير التقييم :

من القضايا المهمّة في حياة الأفراد والمجتمعات هي قضيّة «معايير التقييم» و «نظام القيم» الذي يتحكّم بثقافة ذلك المجتمع. لأنّ كلّ الحركات الصادرة عن الأفراد والجماعات في حياتهم إنّما تنبع من هذا النظام وتهدف إلى خلق تلك القيم.

واشتباه قوم من الأقوام وامّة من الأمم في هذه القضيّة والتعامل بقيم خيالية لا أساس لها قد يؤدّي إلى طبع تأريخهم بطابع الغرور. وإدراك القيم الواقعية والمعايير الحقيقية يشكّل أساسا متينا لبناء سعادتهم.

عبيد الدنيا المغرورون يتصوّرون بأنّ القيم تنحصر فقط في المال والقدرة المادية والتعداد البشري ، وحتّى القيمة أمام الله ينظرون إليها من داخل هذا الإطار ، كما لاحظنا نموذجا من ذلك في الآيات السابقة ، وهناك نماذج كثيرة من هذا القبيل تلاحظ في القرآن الكريم ، منها:

١ ـ فرعون ، الطاغية المتجبّر ، الذي كان يقول لمن حوله بأنّه لا يصدق أنّ موسىعليه‌السلام رسول من الله ، فإن كان حقّا ما يقول فلم لم يعطه الله سوارا من الذهب( فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ ) .(١)

وحتّى انّه يرى عدمها دليل هي المهانة والدونية ، فيقول :( أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ) .(٢)

٢ ـ مشركو عصر الرسالة المحمّدية ، تعجّبوا من نزول القرآن على رجل فقير كرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقالوا :( لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) .(٣)

__________________

(١) الزخرف ، ٥٣.

(٢) الزخرف ، ٢٥.

(٣) الزخرف ، ٣١.

٤٦٤

٣ ـ بنو إسرائيل اعترضوا على نبي زمانهم «أشموئيل» في قضيّة انتخاب «طالوت» كقائد للجيش وقالوا :( نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ ) .(١)

٤ ـ مشركو زمان نوحعليه‌السلام الأثرياء اعترضوا عليه بأن اتّبعه أراذلهم ، وهم الفقراء في نظرهم( قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ) (٢)

٥ ـ أثرياء مكّة أوردوا نفس هذا الاعتراض على الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله بقولهم : لقد أحاط بك الحفاة ، ونحن نشمئزّ حتّى من رائحتهم ، فلا نتبعك إلّا بابتعادهم عنك. وقد حقّرهم القرآن الكريم في سورة الكهف بشدّة ، وهدّدهم ، وأمر الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يكون مع الذين عشقوا الله ، ويدعونه صباحا ومساء وإن كانوا فقراء( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ ) .(٣)

لهذه الأسباب ، كان أوّل عمل إصلاحي يقوم به الأنبياء هو تحطيم اطر التقييم الكاذبة تلك ، واستبدالها بالقيم الإلهية الأصيلة والقيام بـ «ثورة ثقافية» أبدلوا أساس الشخصية ومحورها من الأموال والأولاد والثروة والجاه والشهرة القبلية والعائلة إلى التقوى والإيمان والعمل الصالح.

وقد مرّ نموذج لذلك في الآيات السابقة ، فبعد شجب الأموال والأولاد كوسيلة للتقرّب من الله تعالى ، والآية( وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى ) أعطت بعدها مباشرة القيم الأصيلة كبديل بالقول :( إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ) .

والآية الشريفة( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) والتي أضحت شعارا إسلاميا بعد استبعاد القيم المرتبطة بالقبيلة والعشيرة ، تشير إلى هذه الثورة الفكرية والاعتبارية. فاستنادا إلى هذه الآية (الحجرات ـ ١٣) فليس هناك شيء غير

__________________

(١) البقرة ، ٢٤٧.

(٢) الشعراء ، ١١١.

(٣) الكهف ، ٢٨.

٤٦٥

التقوى ، والإيمان المقترن بالشعور بالمسؤولية ، وصلاح العمل ، ليس سوى ذلك معيارا لتقييم شخصية الإنسان وقربه من الله تعالى. وكلّ من كان له نصيب أكبر من ذلك كان إلى الله أقرب وعنده أكرم.

والملفت للنظر أنّ محيط الجزيرة العربية كان قبل نزول التعاليم الإسلامية القرآنية السامية ـ بتأثير هيمنة القيم الظالمة ـ خاضعا لأصحاب الأموال والكذبة من أمثال أبي سفيان وأبي جهل وأبي لهب. ولكن بعد ثورة القيم ظهر من نفس ذلك المحيط أمثال أبي ذرّ وعمّار والمقداد (رضوان الله عليهم).

الجميل أنّ القرآن المجيد في سورة «الزخرف» وبعد ذكر الآيات التي أوردناها آنفا يقول :( وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ) (١) .

هذا كلّه لكي لا تحلّ القيم المزيّفة محلّ القيم الإنسانية الواقعية.

* * *

__________________

(١) الزخرف ، ٣٣ ـ ٣٥.

٤٦٦

الآيات

( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (٤٢) )

التّفسير

نفور المعبودين من عابديهم :

تعود هذه الآيات لتؤكّد مرّة اخرى خطأ الذين يتوهمون بأنّ أموالهم وأولادهم سبب لقربهم من الله فتقول :( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ) .

ثمّ تضيف الآية :( وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) .

٤٦٧

فمع أنّ محتوى هذه الآية يؤكّد ما عرضته الآيات السابقة إلّا أنّ هناك ما هو جديد من جهتين :

الاولى : أنّ الآية السابقة التي عرضت نفس المفهوم ، كانت تتحدّث عن أموال وأولاد الكفّار ، بينما الآية محلّ البحث باحتوائها على كلمة «عباد» تشير إلى المؤمنين ، والمعنى أنّه حتّى فيما يخصّ المؤمنين فإنّه قد يتّسع الرزق ـ لأنّه الأصلح بالنسبة للمؤمن ـ وقد يضيق ـ لأنّ المصلحة تقتضي ذلك ـ على كلّ حال ، فإنّ سعة وضيق الرزق لا يمكن أن يشكّل دليلا على أي شيء.

الثّانية : الآية السابقة أشارت إلى سعة الرزق وضيقه بالنسبة إلى مجموعتين مختلفتين ، في حين أنّ هذه الآية تشير إلى حالتين مختلفتين بالنسبة لشخص واحد ، حينا يتّسع رزقه وحينا يضيق.

إضافة إلى أنّ ما جاء في بداية هذه الآية هو في الحقيقة مقدّمة لما جاء في آخرها ، وهو الترغيب في الإنفاق في سبيل الله.

جملة «فهو يخلفه» تعبير جميل يشير إلى أنّ ما ينفق في سبيل الله إنّما هو في الحقيقة تجارة وافرة الربح ، لأنّ الله سبحانه وتعالى تعهّد بأن يخلفه ، ونعلم أنّه في الوقت الذي يتعهّد فيه الكريم بأداء العوض فإنّه لا يراعي المقدار الذي يريد تعويضه ، بل إنّه يعوّض بأضعاف مضاعفة ، بل بمئات الأضعاف.

طبعا فإنّ هذا الوعد الإلهي لا ينحصر بالآخرة ، فإنّ ذلك مسلّم به ، ولكن في الدنيا أيضا فإنّه يخلف ما أنفق بمختلف البركات.

جملة( هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) ذات معنى واسع ، ويمكن الإفادة منها من وجوه مختلفة.

هو خير من يعطي رزقا ، لأنّه يعلم ماذا يعطي وإلى أي حدّ ، بحيث لا يكون ما يعطيه عاملا للفساد والغرور ، لأنّه عالم بكلّ شيء.

هو يعطي أي شيء يريد أن يعطيه لأنّه قادر على كلّ شيء.

٤٦٨

ولا يريد جزاء على ما يعطيه لأنّه غني بذاته. ويعطي ابتداء ، لأنّه حكيم وعالم بكلّ شيء. بل الحقيقة أنّه ليس من رزّاق غيره ، لأنّ أي معط إنّما يعطي ممّا رزقه الله ، وبذا فهو ليس سوى «واسطة انتقال» لا رزّاقا.

وكذلك فهو تعالى يعطي النعم الباقية قبال المال الفاني ، والكثير مقابل القليل.

ولأنّ فريقا من الأثرياء الظالمين الطغاة كانوا في صفّ المشركين ، وادّعوا بأنّهم يعبدون الملائكة وأنّهم شفعاؤهم يوم القيامة ، فقد ردّ القرآن على هذا الادّعاء الباطل فقال :( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ ) .

بديهي أنّ هذا السؤال ليس من باب الاستفهام عن الجواب ، لأنّ الله تعالى عالم بكلّ شيء ، ولكن الهدف هو أن تظهر الحقائق من إجابة الملائكة ، لكي يخسأ هؤلاء الضالّون ويخيب ظنّهم ، ويعلموا بأنّ الملائكة متنفّرين من أعمالهم ، فيصيبهم اليأس إلى الأبد.

ذكر (الملائكة) من بين المعبودات التي كان المشركون يعبدونها ، إمّا لأنّ الملائكة أشرف المخلوقات التي عبدها الضالّون ، والتي لم يحصلوا على شفاعتها يوم القيامة ، فما ذا يستطيعون الحصول عليه من حفنة من الحجر أو الأخشاب أو الجنّ أو الشياطين!؟

أو أنّه من قبيل أنّ عبدة الأوثان كانوا يعتقدون بأنّ الأحجار والأخشاب هي مظهر ونموذج لموجودات علوية (كالملائكة وأرواح الأنبياء) ، ولذا عبدوها. فكما ورد في تاريخ الوثنية عند العرب «إنّ سبب حدوث عبادة الأصنام في العرب ، هو أنّ «عمرو بن لحي» مرّ بقوم بالشام فرآهم يعبدون الأصنام فسألهم فقالوا له : هذه أرباب نتّخذها على شكل الهياكل العلوية فنستنصر بها ونستسقي. فتبعهم وأتى بصنم معه إلى الحجاز وسوّل للعرب فعبدوه واستمرّت عبادة الأصنام

٤٦٩

فيهم إلى أن جاء الإسلام»(١) (٢) .

والآن لننظر ماذا تقول الملائكة للإجابة على سؤال الباريعزوجل ؟ لقد اختارت الملائكة في الحقيقة أكثر الأجوبة شمولية وأعظمها أدبا( قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ ) .

أمّا ما هو المقصود من الجواب الذي أجابت به الملائكة؟ فللمفسّرين أقوال ، ويبدو أنّ أقربها هو القول بأنّ المقصود (بالجنّ) هو (الشيطان) وسائر الموجودات الخبيثة التي شجّعت عبدة الأوثان على ذلك العمل ، وزينته في أنظارهم ، وعليه فإنّ المراد من عبادة الجنّ هي تلك الطاعة والانقياد لأوامرها والرضى بأضاليلها.

فالملائكة إذا يقولون ضمن إعلان تنفّرهم وعدم رضاهم على هذه الأعمال : إنّ العامل الأساسي لهذا الفساد هم الشياطين ، وإن كان الظاهر أنّهم يعبدوننا ، فالمهمّ هو الكشف عن الوجه الحقيقي لهذا العمل أمام الملأ.

وقد ورد نظير هذا المعنى في سورة يونس ـ الآية (٢٨) حيث يقول تعالى :( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ ) . أي إنّكم في الحقيقة لم تعبدونا نحن ، بل تعبدون أهواءكم وأوهامكم وخيالاتكم ، ناهيك عن أنّ هذه العبادة لم تكن بأمرنا ورضانا. وعبادة هذا شكلها ليست بعبادة أصلا.

وبهذه الطريقة يتبدّل أمل المشركين في ذلك اليوم إلى يأس كامل ، وتتجلّى لهم بذلك حقيقة أنّ معبوديهم لن يحلّوا من مشاكلهم عقدة صغيرة واحدة ، بل على العكس فهم منهم متنفّرون مستاءون.

لذا ـ وكاستخلاص للنتيجة ـ تقول الآية الكريمة التي بعدها :( فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ

__________________

(١) تفسير روح المعاني ، مجلد ٢٢ ، ص ١٤٠ ـ كذلك ورد هذا المعنى بتفاوت يسير في سيرة ابن هشام ، مجلد ١ ، ص ٧٩ ـ وهناك نقرأ أنه جلب معه الصنم «هبل».

(٢) عمرو بن لحي : أحد الشخصيات المعروفة في مكة قبل الإسلام.

٤٧٠

بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا ) . وبناء على ذلك فلا الملائكة ـ الذين هم ظاهرا معبودون ـ يستطيعون الشفاعة لهم ، ولا هم يستطيعون مساعدة بعضهم البعض.

( وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ ) .

ليست هذه هي المرّة الاولى التي يعبّر فيها القرآن عن المشركين بـ «الظلم» بل ورد ذلك في الكثير من آيات القرآن.

التعبير عن «الكفر» بـ «الظلم». أو عن «الكافرين والمشركين» بـ «الظالمين». ذلك لأنّهم قبل كلّ شيء ظلموا أنفسهم بخلعهم تاج العبودية لله عن رؤوسهم ، ولفّوا طوق الذلّة للأوثان على رقابهم. ودمّروا شخصيتهم ومصيرهم.

وفي الحقيقة فإنّهم سيعاقبون يوم القيامة على شركهم وعلى إنكارهم للمعاد ، وجملة( وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ ) تشتمل على المعنيين.

* * *

بحوث

١ ـ الإنفاق سبب النماء لا النقصان

التعبير الوارد في الآية السابقة يحتوي على معان جمّة :

أوّلا : فمن جهة أنّ كلمة «شيء» بمعناها الواسع تشمل كلّ أنواع الإنفاق ، المادّي والمعنوي القليل والكثير ، لأيّ من المحتاجين كان الإنفاق ، صغيرا أو كبيرا ، المهمّ أن يعطي الإنسان شيئا ممّا يملك في سبيل الله بأي كيفية كان وبأي كميّة كانت.

ثانيا : لقد أخرجت الآية (الإنفاق) بمفهومه من «الفناء» ، ولوّنته بلون «البقاء» لأنّ الله ضمن إخلاف ما ينفق في سبيله بمواهبه المادية والمعنوية ، بمرّات مضاعفة ، مئات الآلاف ، أقلّها عشرة أضعاف ، وبذا فإنّ المنفق ـ وبهذه الروحية

٤٧١

وهذا الإعتقاد ـ سيلج ميدان الإنفاق بيد وقلب أكثر انفتاحا ، ولن يخطر على باله إحساس بالقلّة ، ولن يفكّر بالفقر ، بل إنّه سيشكر الله على حسن توفيقه له على هذه التجارة الوفيرة الربح.

وقد عبّر القرآن في الآيات (١٠) و (١١) من سورة الصفّ عن هذا المعنى فقال :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ ـ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) .

ونقرأ في الحديث عن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : ينادي مناد كلّ ليلة : لدوا للموت.

وينادي مناد : ابنوا للخراب.

وينادي مناد : اللهمّ هب للمنفق خلفا.

وينادي مناد : اللهمّ هب للممسك تلفا.

وينادي مناد : ليت الناس لم يخلقوا.

وينادي مناد : ليتهم إذ خلقوا فكّروا فيما له خلقوا!!»(١) .

والمقصود من هؤلاء المنادين هم الملائكة الذين يدبّرون أمور هذا العالم بأمر الله.

وفي حديث آخر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من أيقن بالخلف سخت نفسه بالنفقة»(٢) .

وقد نقل نفس المعنى عن الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام .

والجدير بالتذكير هو أنّ الإنفاق يجب أن يكون من المال الحلال والكسب المشروع ، وإلّا فلا قبول لغيره عند الله ولا بركة فيه.

لذا فقد ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام حينما سأله أحدهم قال : قلت : آيتان في

__________________

(١) مجمع البيان : ذيل الآيات مورد البحث.

(٢) نور الثقلين ، المجلّد ٤ ، ص ٣٤٠ ، ح ٧٧.

٤٧٢

كتاب اللهعزوجل أطلبهما فلا أجدهما.

قالعليه‌السلام «وما هما؟».

قلت : قول اللهعزوجل :( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ، فندعوه ولا نرى إجابة.

قالعليه‌السلام : أفترى اللهعزوجل أخلف وعده؟».

قلت : لا.

قال : فممّ ذلك؟

قلت : لا أدري.

قالعليه‌السلام : «لكنّي أخبرك ، من أطاع اللهعزوجل فيما أمره من دعائه من جهة الدعاء أجابه».

قلت : وما جهة الدعاء.

قال : «تبدأ فتحمد الله وتذكر نعمه عندك ثمّ تشكره ثمّ تصلّي على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ تذكر ذنوبك فتقرّ بها ، ثمّ تستعيذ منها فهذا جهة الدعاء».

ثمّ قالعليه‌السلام : «وما الآية الاخرى؟».

قلت : قول اللهعزوجل :( وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) وإنّي أنفق ولا أرى خلفا؟

قال : «أفترى اللهعزوجل أخلف وعده؟

قلت : لا.

قال : «فممّ ذلك؟».

قلت : لا أدري؟

قال : لو أنّ أحدكم اكتسب المال من حلّه وأنفقه في حلّه لم ينفق درهما إلّا أخلف عليه»(١) .

__________________

(١) تفسير البرهان ، مجلّد ٣ ، ص ٣٥٣.

٤٧٣

٢ ـ أمنوا على أموالكم بتأمين إلهي!!

لأحد المفسّرين تحليل جميل بهذا الخصوص ، يقول : «ثمّ إنّ من العجب أنّ التاجر إذا علم أنّ مالا من أمواله في معرض الهلاك يبيعه نسيئة وإن كان من الفقراء ، ويقول بأنّ ذلك أولى من الإمهال إلى أن يهلك المال ، فإن لم يبع حتّى يهلك ينسب إلى الخطأ ، ثمّ إن حصل به كفيل مليء ولا يبيع ينسب إلى قلّة العقل.

فإن حصل به رهن وكتب به وثيقة ولا يبيعه ينسب إلى الجنون ، ثمّ إنّ كلّ أحد يفعل هذا ولا يعلم أنّ ذلك قريب من الجنون ، فإنّ أموالنا كلّها في معرض الزوال المحقّق ، والإنفاق على الأهل والولد إقراض ، وقد حصل الضامن المليء وهو الله العلي وقال تعالى :( وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ) ثمّ رهن عند كلّ واحد إمّا أرضا أو بستانا أو طاحونة ، أو حمّاما أو منفعة ، فإنّ الإنسان لا بدّ أن يكون له صفة أو جهة يحصل له منها مال ، وكلّ ذلك ملك الله ، وهو في يد الإنسان بحكم العارية ، فكأنّه مرهون بما تكفّل الله من رزقه ليحصل له الوثوق التامّ ، ومع هذا لا ينفق ويترك ماله ليتلف لا مأجورا ولا مشكورا»(١) .

٣ ـ سعة مفهوم الإنفاق :

لأجل فهم الحدّ لمفهوم الإنفاق في الإسلام ، نطالع الحديث التالي عن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ يقول : «كلّ معروف صدقة ، وما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب له صدقة ، وما وقى به الرجل عرضه فهو صدقة ، وما أنفق الرجل من نفقة فعلى الله خلفها ، إلّا ما كان من نفقة في بنيان أو معصية»(٢) .

يبدو أنّ استثناء البنيان من قانون الإخلاف ، لأنّ عين البناء باقية ، أو لأنّه يكثر توجّه الناس إليه.

* * *

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، مجلّد ٢٥ ، ص ٢٦٣ (ذيل الآيات مورد البحث).

(٢) الجامع لأحكام القرآن (القرطبي) ، مجلّد ١٤ ، ص ٣٠٧.

٤٧٤

الآيات

( وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣) وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٥) )

التّفسير

بأيّ منطق ينكرون آيات الله :

تعود هذه الآيات لتكمل البحث الذي تناولته الآيات السابقة حول المشركين الكفّار وأقوالهم يوم القيامة ، فتتحدّث حول وضع هؤلاء في الدنيا ومواقفهم عند سماعهم القرآن حتّى يتّضح أنّ مصيرهم الاخروي المشؤوم إنّما هو نتاج تلك المواقف الخاطئة التي اتّخذوها إزاء آيات الله في الدنيا.

تقول الآية الكريمة الاولى :( وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ

٤٧٥

يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ ) .

فهذا أوّل ردّ فعل لهم إزاء «الآيات البيّنات» وهو السعي إلى تحريك حسّ العصبية في هؤلاء القوم المتعصّبين.

خاصّة مع ملاحظة استخدامهم تعبير «آباؤكم» بدل «آباؤنا» ، يفهم منه أنّهم يريدون القول لقومهم بأنّ تراث الأجداد في خطر ، وإنّ عليكم النهوض والتصدّي لهذا الرجل عن العبث بذلك الميراث.

ثمّ تعبير «ما هذا إلّا رجل» إنّما يقصد به تحقير النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من جهتين الاولى كلمة «هذا» والثّانية «رجل» بهيئة النكرة ، مع العلم بأنّهم يعرفون النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جيّدا ، ويعلمون بأنّ له ماضيا مشرقا.

من الجدير بالملاحظة أيضا أنّ القرآن وصف «الآيات» بـ «البيّنات» ، أي أنّها تحمل دلائل حقّانيتها معها ، وما هو قابل للمعاينة لا يحتاج إلى توضيح أو بيان.

ثمّ توضّح الآية مقولتهم الثّانية التي قصدوا بها إبطال دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فتقول :( وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً ) .

«إفك» كما ذكرنا سابقا بمعنى كلّ مصروف عن وجهه الذي يحقّ أن يكون عليه ، ومنه قيل للرياح العادلة عن المهابّ «مؤتفكة» ، وأي صرف عن الحقّ في الإعتقاد إلى الباطل ، ومن الصدق في المقال إلى الكذب ، ومن الجميل في الفعل إلى القبيح. ولكن كما قال البعض ، فإنّ «الإفك» يطلق على الأكاذيب الكبيرة.

وكان يكفي استخدامهم لكلمة «الإفك» في اتّهام الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالكذب ، لكنّهم أرادوا تأكيد ذلك المعنى باستخدامهم لكلمة «مفترى» ، دون أن يكون لهم أدنى دليل على ذلك الادّعاء.

وأخيرا ، كان الاتّهام الثالث الذي ألصقوه بالرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله هو (السحر) كما نرى ذلك في آخر هذه الآية( وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ) .

العجيب أنّ هؤلاء الضالّين يطلقون هذه التّهم الثلاث المذكورة بأصرح

٤٧٦

التأكيدات ، ففي موضع يقولون إنّه سحر ، وفي آخر يقولون : إنّه مجرّد كذب ، ثمّ يقولون في موضع ثالث ، إنّه يريد أن يصدّكم عن مآثر أجدادكم!

طبعا هذه الصفات الذميمة الثلاثة ليست متضادّة فيما بينها ـ مع أنّ هؤلاء لا يأنفون من الكلام المتضادّ ـ وعلى فلا داعي ـ كما يقول المفسّرين ـ لاعتبار أنّ كلّ واحدة من هذه الصفات تنسب إلى مجموعة مستقلّة من الكفّار.

كذلك فمن الجدير بالملاحظة أنّ القرآن الكريم استخدم في المرتين الاولى والثّانية جملة «قالوا» ، ثمّ استخدم في المرّة الثالثة جملة «قال الذين كفروا» ، إشارة إلى أنّ كلّ التعاسة التي أصابتهم إنّما منشأها الكفر وإنكار الحقّ ومعاداة الحقيقة ، وإلّا فكيف يمكن لأحد أن يتّهم رجلا تظهر دلائل حقّانيته من حديثه وعمله وماضيه بهذه التّهم المتلاحقة وبلا أدنى دليل.

فكأنّهم يواصلون بهذه التّهم الثلاث برنامجا مدروسا لمواجهة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد لاحظوا من جانب أنّ الدين جديد وله جاذبية ، ومن جانب آخر ، فقد أخافت إنذارات الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالعذاب الإلهي في الدنيا والآخرة فئة من المجتمع شاءوا أم أبوا ، ومن جانب ثالث فإنّ معجزات الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله تركت أثرها الإيجابي في نفوس عامّة المجتمع ـ شاءوا أم أبوا كذلك.

لذا فإنّهم ـ لأجل إبطال مفعول هذه الأمور الثلاثة ـ فكّروا بالدعوة إلى حفظ تراث السلف في قبال الدين الجديد ، في حين أنّ السلف كان مصداقا لما ذكره القرآن الكريم( لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ ) البقرة ـ ١٧٠. فلا جرم أن يتخلّى الناس عن مثل تلك الهياكل الخرافية التي كانت إرث هؤلاء الجهلة والحمقى.

وأمّا في قبال إنذارات الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالعذاب الإلهي ، فقد طرحوا قضيّة الاتّهام بالكذب لكي يريحوا العامّة.

وفي قبال المعجزات ، طرحوا تهمة (السحر). ظنّا منهم أنّ المعجزات لن تترك أثرا في نفوس الناس بسبب هذا التوجيه.

٤٧٧

ولكن تاريخ الإسلام شاهد على أنّ أيّا من هذه المخطّطات الشيطانية لم تكن ذات أثر ، وكانت النتيجة أن دخل الناس في هذا الدين العظيم فوجا بعد فوج.

في الآية التي بعدها ، يشطب القرآن الكريم على جميع تلك الادّعاءات الواهية ، مع أنّها واضحة البطلان ، فيقول :( وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها ، وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ ) .

وهي إشارة إلى أنّ هذه الادّعاءات يمكنها أن تكون مقبولة فيما لو جاءهم رسول من قبل بكتاب سماوي يخالف مضمونه الدعوة الجديدة ، فلا بأس أن ينبروا لتكذيبها ، وينادوا بتراث الأجداد تارة ، وبتكذيب الدعوة الجديدة تارة اخرى ، أو اتّهام من جاء بها بالسحر. أمّا من لا يعتمد إلّا على فكره الشخصي ـ بدون أي وحي من السماء ـ وبدون أن يكون له نصيب من علم ، فلا يحقّ له الحكم لمجرّد تلفيقه الخرافات والأوهام.

ويستفاد من هذه الآية أيضا أنّ الإنسان لا يمكنه أن يطوي طريق الحياة بعقله فقط ، بل لا بدّ أن يستمدّ المعونة من وحي السماء ويتقدّم إلى الأمام بالاستعانة بالشرائع ، وإلّا فهي الظلمات والخوف من التيه.

الآية الأخيرة من هذه الآيات ، تهدّد تلك المجموعة المتمردّة بكلمات بليغة مؤثّرة فتقول :( وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) في حين أنّ هؤلاء لم يبلغوا في القوّة والقدرة عشر ما كان لأولئك الأقوام( وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ ) .

فمدنهم المدمّرة بضربات العقوبة الإلهية الساحقة ليست ببعيدة عنكم فهي في الشام القريب منكم ، فليكونوا لكم مرآة للعبرة ، واستمعوا إلى النصائح التي يقولها الدمار ، وقارنوا مصيركم بمصيرهم ، فلا السنّة الإلهيّة قابلة للتغيير ولا أنتم أقوى منهم!.

«معشار» : بمعنى واحد إلى عشرة. البعض اعتبرها «عشر العشر» أيّ واحد إلى

٤٧٨

مائة ، ولكن أكثر كتب اللغة والتفاسير ذكرت المعنى الأوّل. وإن كان مثل تلك الأعداد لا يقصد بها التعداد ، وتستخدم للتقليل في مقابل سبعة وسبعين وألف وأمثالها التي تستخدم للتكثير ، وبذا يكون المعنى المقصود من الآية ، إنّنا دمّرنا عصاة أقوياء لا يمتلك هؤلاء إلّا جزءا صغيرا من قدرتهم.

وقد ورد نظير هذا المعنى في آيات كثيرة من آيات القرآن الكريم ، من جملتها ما ورد في الآية (٦) من سورة الأنعام( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ ) . وكذا ورد نظير هذا المعنى في الآيات ٢١ ـ المؤمن ، ٩ ـ الروم.

لفظة «نكير» من مادّة «نكر» والإنكار ضدّ العرفان ، والمقصود أنّ إنكار الله هو تلك المجازاة والعذاب الصادر عنه تعالى(١) .

* * *

__________________

(١) ـ بعض المفسّرين احتملوا تفسيرا آخر لهذه الآية ، وهو أنّ المقصود من( وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ ) وهو عشر الآيات التي أنزلناها على مشركي قريش لإتمام الحجّة عليهم ، لم ننزّله على الأقوام السابقين ، فإذا كان العذاب الذي عذّبناهم به بتلك الشدّة ، فما بالك بمصير مشركي قريش الذين نالهم عشرة أضعاف الآيات لإتمام الحجّة! ولكن يبدو أنّ التّفسير الأوّل أنسب (وبناء على التّفسير الأوّل فإنّه من أربعة ضمائر موجودة في الآية ، يعود الضميران الأوّل والثّاني على كفّار قريش ، والضمير الثالث والرابع على الكفّار السالفين ، أمّا بناء على التّفسير الثّاني فإنّ الضمير الأوّل يعود على كفّار قريش ، والثّاني على الكفّار السالفين ، والثالث على كفّار قريش والرابع على الكفّار السابقين ـ تأمّل).

٤٧٩

الآية

( قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦) )

التّفسير

الثّورة الفكرية أساس لأيّ ثورة أصيلة :

في هذا المقطع من الآيات والآيات التالية ، والتي تشكّل أواخر سورة سبأ المباركة ، يؤمر الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله مرّة اخرى بدعوة هؤلاء بالأدلّة المختلفة ليؤمنوا بالحقّ ، ويرجعوا عن ضلالهم ، وكما مرّ في البحوث السابقة فقد خوطب الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله خمس مرّات بأن قيل له (قل ...).

ففي الآية الاولى إشارة إلى اللبنة الأساسية في كلّ التحوّلات والتبدلات الاجتماعية والأخلاقية والسياسية والاقتصادية والثقافية ، فتقول وبجمل قصيرة وعميقة المعنى( قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ ) .

كلمات وتعبيرات هذه الآية يشير كلّ منها إلى موضوع هامّ ، نجملها في عشرة

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510